ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 21/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

شكراً أهل ونواب الكويت ... أنتم في قلب كل سوري

زين الشامي

الرأي العام

20-5-2011

في وقت صمت الكثيرون في أنحاء العالم عن المجازر التي يرتكبها النظام ضد المحتجين والمدنيين العزّل في سورية، وفي وقت رأينا فيه حجم التجاهل من قبل وسائل الإعلام الغربية لما يحصل في بلدنا من احتجاجات تطالب بالحرية والكرامة، وفي وقت رأينا فيه كم حازت الثورتان التونسية والمصرية ولاحقاً الليبية على التأييد الذي تستحقه، فيما كان نصيبنا التجاهل والصمت ما خلا بضعة أصوات هنا وهناك، في هذا الوقت أتى موقف النواب الكويتيين الذين طالبوا بطرد السفير السوري في الكويت و«قطع العلاقات مع نظام بشار الأسد» احتجاجاً على «المجازر التي يرتكبها في حق شعبه».

لقد أتى هذا البيان كبلسم لجراح شعبنا، أثلج صدورنا وشعرنا اننا لسنا وحدنا، وأن هناك من ينتصر للحق ويواجه الظلم والقتل بالكلمة والموقف الحاسم، نعم لقد كان موقف النواب الكويتيين، حاسماً في انتصاره للضحية ضد القاتل، والعدالة ضد الظلم، ويعكس حقيقة ما يتمتع به هؤلاء النواب من منظومة أخلاقية عالية لم تشوهها دهاليز العمل السياسي والانتهازية والاستزلام، كما هو واقع الحال في أغلب البرلمانات العربية، وبشكل خاص البرلمان السوري، حيث تحول النواب في ظل حكم «البعث» إلى مجرد قطيع لا يجيدون إلا التصفيق للمستبد والقاتل.

لا نعرف إن كان علينا أن نشكركم، فموقفكم أكبر من أن نوجه له كلمات الشكر العادية، هو موقف ليس بمستغرب عن نواب أحرار في دولة عربية تتمتع بقدر وهامش واسع من الديموقراطية بخلاف غالبية الدول العربية. ما نود قوله هنا انكم تمثلون حقاً شعبكم وشرائح مجتمعكم أفضل تمثيل، لأن ما تضمنه بيانكم يعكس مشاعر عشرات الآلاف من الكويتيين والكويتيات.

لقد توالت الجمع السورية من «كرامة» إلى «حرية» ف «عظيمة» ثم «نصرة المعتقلين» إلى «جمعة التحدي» إلى «جمعة الحرائر»، توالت الجمع وكان السيناريو الدامي يتكرر في نهاية كل أسبوع، قتل، اعتقال، قطع الماء والكهرباء والاتصالات ثم يتبعه قذف مدفعي على الأحياء السكنية المأهولة، وفي الآونة الأخيرة صار جزء من شعبنا «نازح» هنا وهناك، في الأردن وتركيا ولبنان، كان يحصل كل ذلك على مرأى من العالم، وكان هناك صمت مريب... في هذه الاثناء أتى صوتكم أيها النواب.

الاحتجاجات دخلت شهرها الثالث، إلا أن الصمت العربي المطبق والمتمثل بجامعة الدول العربية والتردد والتذبذب الواضحين في ابداء الموقف الرسمي من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبقية المنظمات الحقوقية والإنسانية الأخرى، كان يبعث فينا الأسى والاستغراب إلى أن أتى صوتكم وبيانكم.

أما الخطاب السياسي الدولي الذي كما أسلفنا، قد بارك وأيد منذ الأيام الأولى لثورة الشعبين التونسي والمصري ولاحقاً الليبي، فقد مر بمراحل متباينة في لحظته السورية، كان متأخراً جداً، ولم يرق إلى المستوى المطلوب في ضوء الفظائع التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، لكن موقفكم وصوتكم أتى الينا ووصلنا فكان كما لو أنه عوضنا عن كل المواقف العربية و الدولية.

لقد كان لكل تلك السلبية والتباطؤ في اتخاذ القرار العربي والدولي المناسبين، بالإضافة إلى عدم الجدية وغياب الفاعلية من حيث النتائج، أن تسببوا في استمرار عربدة السلطات الأمنية وخرقها لكل المواثيق والأعراف الإنسانية والدولية وتكثيفها لحملات القتل الجماعي للمتظاهرين العزّل.

في النهاية نود أن نقول لكم، اننا وحتى لو تجاهلنا العالم كله، فإننا ماضون حتى النهاية، لقد خرجنا إلى الشوارع ولن نعود ما لم نسترد كرامتنا وحريتنا السليبة، لن نعود حتى تعود سورية لنا وللوطن العربي، بهية، متألقة و جديدة، ضد الظلم والقمع والاستبداد...

شكراً أيها النواب... شكراً دولة الكويت وأهل الكويت.

كاتب سوري

==================

يحق للأسد

علي الرز

الرأي العام

20-5-2011

في مفهوم «حزب الله» الحاكم في لبنان وجبهته الوطنية التقدمية، يحقّ للرئيس السوري بشار الاسد ان يقول عن رئيس حكومة لبنانية يمثل غالبية منتخَبة تعكس ارادة الناس الحرة إنه «عبد مأمور لعبد مأمور»، فخيارات الناس «ترف» امام معركة الوجود، ومَن يدير محور الممانعة «يمون» اكثر من الشريك في الوطن، لا بل يقال له سمعاً وطاعة وينسحب الوزراء من حكومة «المأمور» لإفقادها الشرعية الميثاقية.

... يحق للأسد ذلك ولا يحق لأيّ لبناني بموجب معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق ان يتعاطف مع طفل سوري سقط برصاص القنّاصة والشبيحة، او مع كهلٍ سقط في أقبية الاستخبارات وفروعها تحت التعذيب، أو مع سيدة خُطفت من منزلها رهينة كي يسلّم ابنها نفسه طوعاً الى السلطات. فهذا الكلام بمفهوم الغالبية الجديدة هو تدخل في الشؤون الداخلية للشقيقة سورية يوتّر العلاقات وينعكس سلباً على الامن والاستقرار في لبنان.

وفي مفهوم «حزب الله» الحاكم في لبنان وجبهته الوطنية التقدمية، يحقّ للأسد ان يصرّح علناً بنيته إسقاط النظام في لبنان، وتخوين غالبية اللبنانيين وتحليل دمائهم، فقد قال إن الغالبية اللبنانية «منتج اسرائيلي يجب ان تسقط... وستسقط»، قاصداً الغالبية التي أفرزتها صناديق الاقتراع وحاولت تشكيل نظامٍ مختلف عن زمن الوصاية. وكان ما كان من دعم مطلق لهذا المطلب تَمثل في احتلال وسط العاصمة وصولاً الى «اليوم المجيد» في 7 مايو 2008، ثم بقلْب رجال القمصان السود معادلة التمثيل وإطاحة تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة وتكوين الغالبية الجديدة.

... يحق للأسد ذلك، ولا يحق لأي لبناني بموجب معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق ان يتمنى على السلطات عدم تسليم لاجئين سوريين الى سلطات بلادهم كي يواجهوا عمليات التأديب إن بقيت فيهم روح، فهذه التمنيات نوع من الرهان المستمرّ على الخارج ومخططاته وعلى «التحالف» الذي انكشف اخيراً بين واشنطن و«القاعدة» والسلفيين و«الاخوان المسلمين» وبعض الليبراليين السوريين وتيار «المستقبل» اللبناني وتركيا وعدد من الدول الاوروبية.

ويحقّ لرئيس وزراء سورية والاعلام الرسمي السوري وأعضاء النظام في مختلف مواقعهم ان يعتبروا الغالبية اللبنانية «هيكلاً من كرتون» وان يزعموا ان نوابا من تيار «المستقبل» يدفعون المال ويوفّرون السلاح، ويحرّضون (ويُعتقلون) في بانياس، وان آخرين يطلقون النار على تل كلخ من عكار... ولا يحق لمجموعة لبنانيين الاجتماع في فندقٍ لإبداء التعاطف الانساني مع شعب أعزل يُذبح وتهان كرامته، فلبنان الذي كان ملجأ للمضطهَدين انتهى، واذا أراد لبنانيون إعادته الى ذلك، فسيصبحون مضطهَدين في الملاجئ... وفهمكم كفاية.

ويحقّ لابن خال الأسد والحاكم الاقتصادي لسورية رامي مخلوف ان يقول إن امن اسرائيل من امن سورية، وعبثاً يحاول النظام نفي «الصفة الرسمية» والقول إنه يمثل نفسه، لسبب بسيط وهو ان أيّ سوري آخر إن أراد ان «يمثل نفسه» بالقول إن امن اسرائيل من امن سورية فسيواجِه إما المؤبد وإما الاعدام، وطالما ان مخلوف بقي في كامل لياقته وعلى رأس أعماله، فذلك يعني ان رسالته للعالم هي رسالة نظام.

وللتذكير فقط، فإن المعارض رياض سيف اعتُقل لانه قال في تظاهرة «الله سورية حرية وبس».

اما في لبنان، فممنوع على اللبناني ان يستكمل الحديث عن ترسيم الحدود إلا في اطار الاستراتيجية السورية - الايرانية للممانعة... والمصالحة.

في مفهوم «حزب الله» الحاكم في لبنان وجبهته الوطنية التقدمية لا وجود في سورية الا لمخرّبين ومؤامرة وقوات امن باسلة تحفظ النظام، ولا يحق لأي لبناني القول عكس ذلك. إنما يحق للأسد القول إن الذين سقطوا من المتظاهرين هم شهداء، وان هناك مطالب محقة «لبعضهم»، وان أفراد اجهزة الامن ارتكبوا مخالفات ويحتاجون الى اعادة تأهيل. الأسد يمون على الغالبية الجديدة في لبنان التي لا تحتاج الى... إعادة تأهيل.

==================

معادلة الجولان في الانتفاضة السورية: اختلاط المغامرة بالمقامرة

صبحي حديدي

2011-05-19

القدس العربي

أنتوني شديد، الصحافي في 'نيويورك تايمز'، الذي أجرى مؤخراً حواراً صار الآن شهيراً، ليس دون أسباب كثيرة وجيهة في الواقع مع رامي مخلوف، ابن خال الرئاسة السورية وصيرفي النظام الأوّل، تنبّه إلى الغرض الأبرز من وراء سماح السلطات الأمنية السورية لعدد من الفلسطينيين باقتحام حدود الإحتلال الإسرائيلي في محاذاة بلدة مجدل شمس، على السفح الجنوبي لجبل حرمون، في الجولان المحتل. وكتب شديد: 'للمرّة الأولى منذ 11 سنة في حكمه، أظهر الأسد لإسرائيل، وللمنطقة والعالم، أنه في سياق انتفاضة شكّلت التهديد الأكبر لأربعة عقود من حكم عائلته، يمكن له أن يفتعل حرباً للبقاء في السلطة'.

ليس عسيراً بلوغ هذه الخلاصة، بالطبع، إذْ تبدو التفسير الوحيد لسلوك مسرحي مفضوح، أخذ يتكشّف ضمن سياق ملموس يصبّ في سيرورة الخيارات الدفاعية التي اعتمدها النظام منذ اندلاع الإنتفاضة السورية، ويواصل اعتماد بعضها، أو طيّ بعضها الآخر، أو التنويع بين أكثر من خيار واحد، ضمن الحلّ الأمني والعنفي الذي ظلّ سيّد الخيارات منذ بدء البدء. ورغم أنّ الحركة المسرحية أسفرت عن سقوط أربعة شهداء وعدد من الجرحى، جلّهم من الأشقاء الفلسطينيين المقيمين في سورية، فإنّ رسالة النظام كانت أكثر تكلفاً من أن تنطلي على شارع سوري أو فلسطيني أو عربي انتظر طويلاً من النظام أن يسمح بأي شكل من أشكال المقاومة الشعبية للإحتلال الإسرائيلي.

أمّا فحوى الرسالة، الذي يتابع ما سبق أن بعث به مخلوف إلى إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموماً، فإنه في الواقع كان أقرب إلى صراخ في وادٍ سحيق، غير ذي صدى؛ أو إعادة إنتاج لمحتوى رسالة مفتوحة أصلاً. ولقد مرّ زمن كافٍ منذ اتفاقية سعسع سنة 1974، بين النظام السوري وإسرائيل طبيعة الصمت المطبق الذي خيّم على وديان وذرى وسهول الجولان المحتلّ، فلم تتردّد في جنباته طلقة من بندقية صيّاد؛ وكذلك طبيعة الخدمات التي تسديها تلك الحال في إدامة النظام عموماً، وفي منجاة بيت السلطة بصفة خاصة. المفارقة، بالطبع، أنّ أحداً من هؤلاء لا إسرائيل، ولا الولايات المتحدة، ولا الغرب يبتهج لمرأى اهتزاز أركان نظام الأسد، أو تسعده مشاهد افتضاح أسطورة 'الإستقرار' التي تغنّى ويتغنّى بها أصدقاء إسرائيل مثل أصدقاء النظام، سواء بسواء!

بيد أنّ الحركة المسرحية تلك تعيدنا، كما ينبغي، إلى آراء الأسد نفسه حول الجولان، وكيفية تحريره، وأسباب عدم انطلاق المقاومة الشعبية في بطاحه وتلاله، كما جاءت في حوار مع الإعلامي المصري حمدي قنديل، على فضائية دبي، صيف 2006، في أعقاب العدوان الإسرائيلي البربري على لبنان. ولقد طرح قنديل السؤال التالي (والنصوص مقتبسة بالحرف وبعلامات الوقف ذاتها عن موقع وكالة الأنباء السورية الرسمية، 'سانا'): 'أليس في سورية غيرة أن حزب الله حقق ما حققه وأن كل السوريين يجب أن تكون لديهم الغيرة أننا لم نستطع أن نحرر الجولان حتى تاريخه بأي وسيلة سواء كان بالجيش أم بالمقاومة؟'، فتذهب إجابة الأسد، جرياً على عادته في التفلسف، إلى ثلاثة مستويات:

 الأوّل يخصّ أبناء سورية والأجيال الجديدة تحديداً (هذه التي تنتفض غالبية شرائحها ضدّ نظام حكمه، اليوم): 'قبل هذه الحرب بعدة أشهر بدأ الحديث في سورية عن موضوع تحرير الجولان ولو انه بدىء [هكذا في الأصل!] على شكل حديث سياسي تثقيفي للأجيال الجديدة التي لا تعرف سوى عملية السلام ولا تعرف شيئاً عن المراحل التي سبقتها.. يسمعون الكثير عن السلام.. ولكن في الحقيقة لا يعرفون الكثير عن التحرير.. فبدأ طرح هذا الموضوع لأن عملية السلام متوقفة.. ماذا ننتظر! لا خيار سوى المقاومة أو الحرب.. إن لم نكن نرغب بالحرب فلنتجه باتجاه المقاومة. هذا حديث بدأ ينتشر.. خاصة مع الذكرى الستين لعيد الجلاء في سورية في شهر نيسان الماضي.. هذه الحرب كرست هذه المقولة..'.

 المستوى الثاني يخصّ الأسد نفسه، كما يلوح: 'وأنا ذكرتها في الخطاب.. قلت إن تحرير الجولان بأيدينا وبعزيمتنا.. لكن هذه العزيمة بالنسبة لنا كدولة تأخذ الاتجاه السياسي وتأخذ الاتجاه العسكري.. كما قلت بالعودة لموضوع المقاومة هو قرار شعبي لا تستطيع أن تقول دولة ما.. نعم.. سنذهب باتجاه المقاومة.. هذا كلام غير منطقي.. الشعب يتحرك للمقاومة بمعزل عن دولته عندما يقرر هذا الشيء'.

 المستوى الثالث يخصّ الجيش السوري، خاصة وأن قنديل يلحّ في السؤال: 'مادمتم إلى هذا الحد معجبين بالمقاومة اللبنانية وتشيدون بها لماذا أو كيف تكون هذه المقاومة في لبنان دليلاً لكم للحصول على حقوقكم في سورية... كيف ستواجهون الاحتلال الإسرائيلي بالاستفادة من تجربة المقاومة اللبنانية...'؟ هنا جواب الأسد: 'كما قلت في البداية الدولة تبني جيشاً.. والجيش من مهامه تحرير الأرض.. حرب 1973 التي خاضتها سورية ومصر بنيت على هذا الأساس.. لكن الجيش عندما يخوض حرباً يجب أن تكون الأمور محضرة بشكل جيد.. نحن نعرف أن هناك حصاراً شبه كامل.. خاصة في التسعينيات.. على سورية.. وبالمقابل هناك إمداد كبير لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة.. والأسواق الأخرى مفتوحة لها وأحياناً بالمجان. هذا يعني بأننا غيرنا مهام الجيش.. هذه من مهامه.. ونحن نسعى بشكل مستمر.. وفي السنوات الأخيرة قطعنا خطوات جيدة باتجاه التحضير.. على الأقل في المرحلة الأولى للدفاع عن أرضنا لأن إسرائيل بلد توسعي.. وبمرحلة لاحقة إن لم يتحقق السلام.. فعندما تقول اللاحرب واللاسلم سيأتي إما حرب وإما سلم'.

والحال أنّ قراءة هذه الأقوال اليوم، بعد خمس سنوات، وفي ضوء ما فعلته وتفعله بعض وحدات الجيش السوري في درعا وبانياس واللاذقية ودوما والمعضمية وداريا وحمص وتل كلخ... تحيل إلى تفكير جديد تماماً حول المغزى الفعلي لحديث الأسد عن تغيير مهامّ الجيش، وهل يريده النظام لتحرير الأرض أم لحصار المدن المنتفضة وقصف التظاهرات والإعتصامات؟ وهل يتضح اليوم على نقيض ما ظنّ الأسد، أو أوحى أنّ تثقيف السلطة للأجيال الجديدة لم يفلح في خنق طاقاتها الكامنة، أو تجميدها او حرف مساراتها الحقة؛ فلم تتفجّر حين تفجّرت إلا ضدّ النظام ذاته، في سبيل سورية حرّة وكريمة، تتوجه دبابات جيشها ومدافعه على الجولان وليس إلى درعا وبانياس، ويتعالى فيها الهتاف النبيل' خائن مَنْ يقتل شعبه؟

وما الذي يستنتجه المرء من مستويات الأسد الثلاثة: مقاومة، أم لا مقاومة؟ وهل سيتمّ 'تحرير الجولان بأيدينا وبعزيمتنا': 1) عن طريق المقاومة الجماهيرية، أمّ 2) الخطب الرئاسية، أم 3) الجيش النظامي الذي تغيّرت مهامه (وصرنا نعرف اليوم ماذا صارت، بعد تجميد الجيش الوطني لصالح الفرق والوحدات الخاصة التي لا تحفظ إلا أمن النظام، ومارست وتمارس حصار المدن السورية وقصفها وتنفيذ المجازر بحقّ الشعب)؟ لا هذه ولا تلك ولا أختها الثالثة، لا لشيء إلا لأنّ الشعب السوري لم يتخذ بعد قرار المقاومة كما فعل الشعب اللبناني، والملامة تقع على الشعب، إذاً، وليس على القائد 'الممانع' و'المقاوم'!

وحين يسأل قنديل عن حدود صبر سورية على الإحتلال الإسرائيلي، يجيب الأسد: 'هذا ما ستحدده المرحلة القصيرة المقبلة.. وأنا قلت في هذا الخطاب بشكل واضح بأن الأجيال الحالية ربما تكون آخر أجيال تقبل السلام.. فإذاً سينتهي هذا الصبر مع انتهاء صبر هذه الأجيال. بمعنى أن عملية المقاومة هي عملية شعبية.. ليست قرار دولة أن تبدأ بالمقاومة.. فعندها ربما تتجاوز الناس حكوماتها أو دولها وتقوم هي بهذا العمل المقاوم.. فتحرك عملية السلام كما نسمع الآن.. في منطقتنا وفي الغرب.. هناك حديث مكثف عن عملية السلام.. إن تحركت فربما تذهب العملية باتجاه المفاوضات'!

هل التشديد على أنّ قرار المقاومة هو قرار الشعب وليس الدولة يعني أنّ الشعب السوري غير راغب في تنظيم أيّ شكل من أشكال المقاومة في الجولان، وإلا لكان الناس تجاوزوا الحكومة والدولة كما يقول الأسد، واندفعوا إلى مجدل شمس كما اندفعت المقاومة اللبنانية إلى عيتا الشعب. أو، في تأويل ثانٍ، أنّ الأجيال الراهنة ربما تكون آخر الأجيال القابلة بالسلام، وهي بالتالي الأجيال التي ستأخذ قرار المقاومة بمعزل عن الحكومة والدولة؛ ولكن لا نعرف متى؟ أين؟ كيف؟ وما هو النطاق الزمني الذي قصده الأسد حين أشار إلى 'مرحلة قصيرة قادمة'.

هل يريد الأسد إقناع الناس بأنّ نظامه لا يقاوم في الجولان لأنّ الشعب في سورية لم يتخذ قرار المقاومة بعد، وهذا قرار سيادي للشعب وحده وليس للحكومة أو الدولة؟ وبهذا المعنى، هل من أمل في أن يتخذ الشعب السوري قرار المقاومة في أيّ يوم قريب، أو بواسطة أيّ جيل منظور؟ وإذا لم يكن قد اتخذه حتى الآن، منذ احتلال الجولان سنة 1967 وإعادة احتلاله سنة 1973، فهل هذا شعب إنهزامي إستسلامي؟ وفي نهاية المطاف، ما الذي سيجبر الدولة العبرية على تسليم الأسد أياً من أوراق التفاوض أو المناورة أو تحسين الموقع الإقليمي، وحال النظام اليوم تلوح أسوأ مما كانت عليه في أيّ يوم منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1970، حين استولى الأسد الأب على السلطة؟

ثمّ... عن أيّ جولان يتحدّث الأسد، في نهاية المطاف؟ أهو جولان حوارات واي بلانتيشن وشبردزتاون، التي ذمّها الأسد في حديثه مع قنديل، متناسياً أنها تمّت بقرار من أبيه حين كان هو طالباً في الجامعة، وأنّ نائبه الأوّل فاروق الشرع شارك فيها؟ أم هو جولان 'وديعة رابين'، حيث الوعد المغدور، والجزرة التي ذوت وذبلت؟ أم جولان وساطات اللورد ليفي، مندوب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، بين الأسد الأب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، حين اتضحّ أنّ فتح القناة السورية لم يكن إلا تعمية على إغلاق القناة الفلسطينية؟ أم جولان إيهود باراك، حين شاء النظام منح الأولوية القصوى إلى ترتيبات توريث بشار، قبل وعلى حساب أيّ ملفّ آخر؟ أم، أخيراً، جولان التفاوض السرّي بين ماهر الأسد، الرجل الثاني الأقوى في سورية اليوم؛ وإيتان بن تسور، المدير العام الأسبق لوزارة خارجية الدولة العبرية؛ في العاصمة الأردنية عمّان، أواسط 2003؟

الأرجح، والجليّ، أنّ زجّ الجولان المحتلّ في قلب معادلات الإنتفاضة الشعبية هو دليل إضافي على أنّ النظام ينتقل من يأس إلى يأس في خيارات كسر الحراك الجماهيري، فلا يدافع عن طريق الهجوم المضادّ، بل يستجدي حماية أعلى من حماة النظام الإقليميين والدوليين ذاتهم؛ ويوحي بالقدرة على الإبتزاز، وإمكانية تسخين الجبهات الهادئة، لكنّ رجالاته، على اختلاف مصالحهم واصطفافاتهم الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية، يدركون جيداً عواقب سلوك مسرحي ينطوي على لعب بالنار، وتختلط فيه المغامرة بالمقامرة.

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

==================

انكشاف الخيار الأمني في سورية

د. عبدالله تركماني

2011-05-19

القدس العربي

كشف نظام الاستبداد عن وجهه السافر في طريقة تعامله مع الحراك الشعبي السوري من أجل التغيير الديمقراطي، ففي الوقت الذي كان فيه شعبا تونس ومصر يرسمان طريق المستقبل الديمقراطي، قامت السلطات الأمنية السورية بمحاصرة المدن السورية ومداهمتها واستخدام الرصاص الحي ضد الشعب. من بين اليافطات الساخرة المحمولة التي شاهدناها في مظاهرات الأيام الماضية واحدة تقول ' نرجو من الأمن السوري أن يستخدم الرصاص المطاطي مثل الجيش الإسرائيلي' .

حيث لا صوت الآن يعلو في سورية فوق صوت الدبابات ورصاص قناصي شبيحة هذا النظام، وخير مثال عليهم رامي مخلوف ابن خال الرئيس، الذي صرح في مقابلة نشرتها صحيفة 'نيويورك تايمز' أنّ النظام السوري 'لن يستسلم بسهولة وسيقاتل حتى النهاية'. مما أودى بحياة 850 شهيداً وآلاف الجرحى واعتقال 8000 من المتظاهرين والناشطين المعنيين بالشأن العام والمناهضين لسلطة الاستبداد.

إلا أنّ الحل الأمني، الذي اختارته وصاية نظام الاستبداد، يعاني اليوم حالة انكشاف واضطراب، جراء ثورة الاتصال والمعلوماتية وامتلاك الشباب السوري لتقنياتها وآليات عملها، وارتقاء وعي السوريين بعد أن صاروا يتحسسون جيداً وزنهم ويستشعرون الدوافع الحقيقية وحسابات المصالح الضيقة التي تقف وراء دعوات احتكار الوطنية من قبل السلطة وادعاء التصدي لجماعات سلفية جهادية. الأمر الذي يحث الغيارى على سورية ومستقبلها لاستمرار الحراك الشعبي من أجل التغيير الوطني الديمقراطي، من خلال تواصل الحراك السلمي ذي الطابع الوطني الشامل لتحقيق المواطنة، التي يكون الإنسان السوري مركزها وغايتها، تبدأ بأوجاعه وهمومه وتسعى إلى حقوقه ومصالحه، بعيداً عن التسلط والهيمنة، محطمة الجدار المصطنع بينه وبين السياسة، ممتدة في منظورها المجتمعي نحو الحريات وحقوق الإنسان وتطوير المؤسسات المدنية واحترام الكفاءات، بما في ذلك تعرية وكشف ما يعيقه أو يكبله من قيود، لتصل إلى إرساء مناخ صحي يثق بالناس ويمنحهم الفرصة من الأمان والحرية كي يأخذوا دورهم الحقيقي في المجتمع، كذات حرة واعية لمثلها وقيمها وأهدافها، قادرة على تحمل مسؤولياتها بحرية وطواعية بعيداً عن القسر والإكراه.

وتأسيسا على ما سبق فإنّ الوطنية السورية الحقيقية تتعلق بتنامي شعور المواطنين بقوة انتمائهم لوطنهم، وبمدى اعتزازهم بهذا الانتماء، واستعدادهم للدفاع عنه والتضحية من أجله، فقوة المجتمع ووحدته تتأتى من قوة أبنائه الأحرار المتساوين المتحدين، ومناخ الحرية هو ما يبعث في النفوس الحب الحقيقي للوطن وصدق الانتماء إليه.

وبالتالي لن ينعم مجتمعنا بلحمة وطنية صحية إلا في حال البدء بتحرير السياسة من السيطرة الشمولية للسلطة، من الوصاية والنمطية، ومن سيادة الرأي الواحد والصوت الواحد والحزب الواحد، وتفكيك منظومة الدولة الأمنية للقطع مع الاستبداد بكل تجلياته، وإدراك 'المستوى السياسي' خطورة ارتهانه إلى 'المستوى الأمني'، بما يعني الاستعداد لخطوات جريئة على صعيد حقوق المواطنة والعدالة وسيادة القانون، والقبول بالتعددية والاختلاف كمقدمة لا غنى عنها لصياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن للجميع حقوقهم على قدم المساواة في المشاركة السياسية وإدارة الشؤون العامة، بعد أن حلت الأجهزة الأمنية المتنوعة مكان المؤسسات ذات الشأن بقضايا المواطنين. وقد عبّر الأستاذ مصطفى سعيد خير تعبير عن مشاعر المواطن السوري، إذ قال 'منذُ ولادتنا وحتى يومنا، ورجل الأمن ضيفٌ مقيت في حياتنا، أيُ موظفٍ في سورية لرجلِ الأمنِ يدٌ في توظيفه، فَصلُ أي موظفٍ لرجل الأمن يدٌ في فصله، ترقية أي موظف لرجل الأمن يدٌ في ترقيته، أي مسؤولٍ في الدولة لرجل الأمن يدٌ في تزكيته، كل عضوٍ في مجلس الشعب لفروع الأمن فضلٌ في عضويته، أعضاء ومديرو الأندية الرياضية والعمالية والطلائع والشبيبة معظمهم يتم اختيارهم من قبل رجل الأمن، معظم شوارع الوطن أصبحت محلات تجارية مخالفة بدعم رجل الأمن، كل مخالفة بناءٍ عشوائي تتم بحماية رجل الأمن، معظم بسطات الدخان والبضائع المهربة والأكشاك المنتشرة والمظاهر غير الحضارية بحماية رجل الأمن، معظم الجمعيات السكنية والقروض البنكية تيسّرُ بأيدي رجل الأمن، كل قادمٍ وخارجٍ من وإلى الوطن يمر جيبه بكفِ رجل الأمن، كل معتدلٍ يتعاطى بإيجابية مع النظام أصبح معارضاً شرساً والفضل لممارسات رجل الأمن، كل شيوعي أو علماني يصبح سلفياً وعميلاً فقط في تقرير رجل الأمن، كلُ متطرفٍ يُصبح مقاوماً بطلاً بمباركة رجل الأمن، كل شريف وغيور على الوطن يصبح خائناً فقط في تقرير رجل الأمن ..'، ونضيف أنّ ال36 مطلوباً للعدالة من مجموع ال40 'وجيهاً' من حلب الذين قابلهم الرئيس للاستماع إلى مطالبهم الإصلاحية، كانوا بتزكية من رجال الأمن. وفي هذا السياق كان رد فعل النظام، منذ بداية الحراك الشعبي في 15 آذار/مارس الماضي، ارتكاب أعمال عنف لا تقل وحشية عن أفعال القذافي في ليبيا. على الرغم من عدم ظهور أي انتحاري تابع لتنظيمات جهادية، بل مواطنين يطالبون بأن تلحق بلادهم بركب التقدم في القرن الواحد والعشرين، شأنهم شأن جميع المواطنين في مختلف دول العالم.

ويبدو أنّ أسلوب النظام في مواجهة الغضب الشعبي كمن يريد إطفاء النار بالزيت، ومع ارتفاع النيران فإنّ التعنت وعمى البصيرة يدفعان بالنظام إلى إلقاء المزيد من الزيت، مما يزيد لهيب الاحتجاجات عنفاً وتصميماً وإصراراً، بحيث يمكن الاستنتاج أنّ النظام، في معالجته الأمنية للحراك السلمي، يريد للحراك الشعبي السلمي والوطني أن يتحول إلى ثورة مسلحة وفتنة طائفية.

وهكذا، يبدو أيضاً أنّ السلطة المستبدة مستميتة لحرف الاحتجاج السلمي إلى أي شكل من أشكال المواجهة المسلحة، لتتحول الصورة من ضحايا مسالمين طلاب حرية وكرامة إلى جناة قتلة مجرمين، بما ينطوي عليه ذلك من فتنة عمياء تتداخل فيها الخطوط وتنقلب إلى معركة غير متكافئة بين طرفين مسلحين، مما يجعل مهمة السلطة في الاستمرار بتحريض القوات المسلحة وتوريطها ليست بالعسيرة. إنّ جريمة السلطة الأمنية في سورية مضاعفة عندما تطلق تهمة السلفية على هذا الشباب الثائر، الطامح إلى الحرية والكرامة له ولكل المواطنين السوريين، والتخلص من الإنتاج الذاتي للعبودية في مملكة الصمت، التي تشكل سلطتها أكثر نماذج الحكم شؤماً وعقماً في العالم.

إنّ الأمر الذي يعطي المجتمع السوري مخرجاً واحداً من الأزمة، هو استعادة المبادرة وعقلنة استراتيجية التحرك في الفترة القادمة حول محاور عدة: القدرة على إدخال كل الفئات الاجتماعية والمكوّنات القومية والمدن إلى ملعب التغيير الديمقراطي السلمي، عبر توضيح التخوم بين حق الشعب وباطل السلطة، خاصة وقد عادت السلطة لخطاب الضرورات الأمنية في تلكلخ بعد درعا واللاذقية وحمص وبانياس.

- التفكيك العقلاني لسقف الخيار الأمني وشجب العنف من أي طرف كان.

- بلورة برنامج انتقال سلمي، عملي ومنطقي، قادر على الرد على طروحات السلطة التي تربط بين الحراك الشعبي والفوضى وغياب الاستقرار.

- مباشرة مشروع التضامن المواطني مع المناطق المحاصرة في درعا وحمص وبانياس، هذا المشروع الذي يبدأ بالتوثيق لجرائم العقوبة الجماعية، وينتهي بإعادة البناء كمهمة مجتمعية لا تنتظر قراراً من أي طرف حكومي أو خارجي وتعتمد على إمكانيات الشعب السوري نفسه.

إنّ ما يحدث في سورية يؤكد فشل الحل الأمني، وبات البحث عن حلول سياسية أنفع للقيادة السورية والمعارضة معاً، لهذا لابد من البحث عن مخارج مرضية. ورغم كل ما حدث ويحدث ما يزال لهذه المخارج مساحة في المعادلة السورية، انطلاقاً من حل يبدأ بوقف إطلاق النار على المتظاهرين، والسماح بالتظاهر السلمي، والإفراج عن المعتقلين الذين وصل عددهم إلى الآلاف، وكف يد قوات الأمن، ومحاسبة المتسببين بنزف الدماء، وإعلان الحوار الوطني الشامل بهدف الاتفاق على عقد سياسي جديد، يستجيب لمعايير الشرعة الدولية للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي المقابل، فإنّ السيناريو الأخطر يتمثل في تصاعد دوامة القمع والتحوّل إلى الاستقطاب على أسس الهويات الفرعية ما قبل الوطنية، ما قد يفضي إلى حرب أهلية ممتدة. لذلك تبدو القضية الرئيسة ليست هزيمة قوى الأمن للشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة، ولكن ما إذا كان الخيار الأمني للسلطة يمكن أن يدوم من دون عقد سياسي واجتماعي جديد. فالشعب السوري قال كلمته حين خرج وهتف 'ما في خوف بعد اليوم' لن يقبل بأن يعود الزمن إلى الوراء، لن يقبل أن يعيش مجدداً في حالة الرعب والخوف والكبت والقهر والذل، التي مورست عليه على مدى أكثر من أربعين عاماً.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

==================

حرب سورية أم تفاوض إيراني – أميركي؟

الجمعة, 20 مايو 2011

وليد شقير

الحياة

حين افتحم الشباب الفلسطينيون السياج الفاصل بين سورية والجولان المحتل، الأحد الماضي، ووصل واحد منهم هو حسين حجازي (وغيره) الى الجولان، حيث استقل باصاً لناشطي سلام الى حيفا لرؤية منزل أهله، واحتلت روايته في اليوم التالي الصحف، دفعت رمزية الحادثة الكثيرين، ومنهم الإسرائيليون، الى التفكير في مغزاها العميق.

وإضافة الى أن الإعلام الإسرائيلي استنتج مما حصل في الجولان، وعند السياج الذي يفصل بلدة مارون الراس اللبنانية عن فلسطين المحتلة، ومعبر قلنديا، وغيرها من مسيرات تحت شعار «العودة»، أن الثورة العربية تقرع باب إسرائيل، كان من الطبيعي أن يستنتج آخرون أن تمكُّن حسين حجازي من الوصول الى الجولان المحتل وتخطّيه، يعني أنه في إمكان أي مقاومة سورية لتحرير الجولان أن تسقط اتفاق فصل القوات الموقع عام 1973. كان التحرك على جبهة الجولان بعد مضي ما يقارب ال40 سنة على جمودها، هو العنصر المستجد الذي يضرب جرس الإنذار للجانب الإسرائيلي وللدول المعنية الأخرى في المجتمع الدولي.

إلا أن رمزية هذا الحدث ارتبطت بجانب آخر من التأزم الذي تعيشه المنطقة، فالرسالة السورية كما فهمها الكثير من الدوائر الدولية، هي أن دمشق قادرة على هز استقرار إسرائيل إذا صعّد المجتمع الدولي من ضغوطه على النظام في إطار الأزمة الداخلية التي تعيشها سورية بفعل استمرار الاحتجاجات، ومواجهتها من قِبل حكم الرئيس بشار الأسد بالقمع، حتى لو اضطر ذلك النظام الى خوض حرب، ولو جاءت خاسرة بمقاييس ميزان القوى العسكري، كمخرج من هذه الأزمة، وهو خيار يتردد الحديث عنه إذا وضعت هذه الضغوط الدولية، المضافة الى التحركات المعارِضة الداخلية، النظام في موقع حرج.

ومع أن هذه الحرب قد تأخذ أشكالاً مختلفة، منها صيغة عمليات ضد الاحتلال بدلاً من الحرب الكلاسيكية، فإن قرار خوضها متعذر من دون أن تنضم إليها الجبهة اللبنانية في مواجهة إسرائيل إذا تفاقمت تطوراتها. وهذا يتطلب قراراً من «حزب الله» بخوض هذه الحرب، ما يستتبع من دون أدنى شك قراراً إيرانياً بتوجه كبير من هذا النوع، مع ما يعنيه من إقامة جسر جوي نحو سورية ولبنان.

وفي المقابل، ثمة موانع أمام تخطي رسالة الأحد الماضي إلى ما هو أبعد من رمزيتها. وإذا كانت المواجهة قراراً سورياً، لطهران دور أساسي فيه، فإن عين دمشق على تطورات الصراع الدائر داخل إيران، إن بين المحافظين أنفسهم أو بين المحافظين وبين المعارضين، الذي وإن هَمَد فإنه لم يُخمد. أما إذا كانت المواجهة، وصولاً الى حرب، قراراً إيرانياً، عبر «حزب الله»، فإن الأخير لا يريد الحرب ويسعى الى تجنبها، نظراً الى كلفتها عليه وعلى لبنان. والجانب الإيراني قلق من الوضع الداخلي السوري، مثلما أن سورية قلقة من الوضع الإيراني الداخلي، فضلاً عن أن طهران تركز على الحد من خسائر سياستها الخليجية، خصوصاً في البحرين، بالسعي الى تطبيع العلاقة بينها وبين الدول الخليجية، نتيجة الموقف الحاسم لدول مجلس التعاون الخليجي من التدخل الإيراني في شؤونها.

ليس معروفاً عن طهران تهوّرها في حالات كهذه، خصوصاً في ظل تفوق المرشد الأعلى السيد علي خامنئي على الرئيس محمود أحمدي نجاد في الإمساك بزمام السلطة. فهي تخوض مراجعة معمّقة لتطورات المنطقة، وللوضع المستجد في سورية، التي يصعب على طهران احتسابها، كما في السابق، جزءاً أساسياً من خطتها في المنطقة، من دون أن يعني ذلك عدم دعمها للحكم الحليف لها في دمشق.

والأرجح أن «الحكمة» التي تتميز بها الحسابات الإيرانية، قد تأخذ طهران نحو سياسة مختلفة تماماً، هي التفاوض وفتح خطوط التواصل مع الغرب والولايات المتحدة، بدل الذهاب نحو المواجهة والحرب.

==================

 مع الثورات العربية والثورة السورية، ولكن...

الجمعة, 20 مايو 2011

أكرم البني *

الحياة

يبدو أن الإيمان المطلق بالثورات وبرياح التغيير التي تهب على المنطقة بدأ يفقد إطلاقيته، وبت تسمع عبارات اشتراطية مثل «نعم للتغيير ولكن...» من أناس كانوا حتى وقت قريب من اشد المتحمسين له. لكنْ وراء هذه المواقف تنتصب مخاوف على مسار هذه الثورات ومصيرها، نشأت ربما بسبب الإرباكات والصعوبات التي تعاني منها الثورتان التونسية والمصرية وأبرزها دخول الاحتقانات الطائفية على الخط وما شهدته مصر من أحداث عنف وقتل، أو جراء تنامي القلق من دور القوى الإسلامية بتنويعاتها، وخطورة المشروع السلفي الذي يحمله بعضها على مستقبل الديموقراطية وعلى بنية الدولة والمجتمع، وربما بفعل المخاض العسير الذي تمر به الثورات في بلدان أخرى، والتكلفة الباهظة التي تُكره الشعوب على تسديدها لقاء تطلعها المشروع نحو الحرية!

هو أمر بديهي أن يتمنى كل عاقل مساراً سلساً وآمناً لعملية التغيير الديموقراطي، أو أن يخشى من خطف حلم الثورة وحلول استبداد محل آخر أشد قسوة وأضيق خناقاً، أو يتحسب مما قد يرافق هذه العملية من توترات اجتماعية وعدم استقرار، ويتخوف من الاضطراب والفوضى وانفلات قوى المجتمع من عقالها على غير هدى. لكنه لن يكون عاقلاً إذا استكان لهذا التخوف واندفع نحو تسطيح الأمور معتقداً أن التغيير الديموقراطي هو مخطط مرسوم مسبقاً في الأذهان يفترض أن يتحقق من دون عوائق أو توترات أو خسائر، أو ينجرف بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار نحو الدفاع الأعمى عن الركود والاستنقاع القائم وتخفيف مسؤولية الأنظمة عن خطورة ما وصلت إليه أحوالنا وما نكابده!

فالتوترات والصراعات الهامشية التي قد ترافق المراحل الانتقالية للثورات ليست بنت التغيير الديموقراطي، بل نتيجة طبيعية لما راكمته سنوات طويلة من القمع والمركزة الشديدة ونجاح الأنظمة الشمولية في تدمير المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وقتل روح السلام والتآخي بين الناس وتغريبهم عن إدارة حياتهم وحماية حقوقهم، وبعبارة أخرى هي ظواهر مفسرة واختبارات مفهومة لمجتمعات حطمها الاضطهاد وأدمنت السلبية والاتكال، وأنتجتها أساليب الأنظمة وفسادها في إحكام السيطرة وتطبيق نظرية فرق تسد، وسعيها المستمر تالياً لتفكيك وحدة المجتمعات عبر إحياء شبكات من المصالح والارتباطات المتخلفة واستيلاد نزاعات قبلية أو طائفية بين أبناء الوطن الواحد لإكراههم على اختيار الأمن والاستقرار بدل مطلب التغيير الديموقراطي.

وإذ يقرن البعض تخلف مجتمعاتنا بحضور نزعات عشائرية وطائفية وإثنية قد تحرف الديموقراطية عن مسارها، فإن هذه النزعات تنمو بصورة أسرع وأكثر تشوهاً في ظل غياب الديموقراطية، وليس في تضييق هوامش العمل السياسي وكبح حرية الرأي وإضعاف الحراك المدني، سوى عوامل خفية تدفع الإنسان إلى اصطفافات لاوطنية، وتضطره إلى الاحتماء بإثنيته أو طائفته أو عشيرته وإعادة إنتاج تفكيره ومصالحه على مقدار مصالحها وحساباتها الضيقة. ولنسأل أنفسنا: هل يصح الانتظار حتى يتوافر ما نعتقده شروطاً محايثة لتغيير آمن كي نرضى به وندعمه؟! وكم هو أكثر كلفة وضرراً على نهضة المجتمع ومستقبل أجياله تضخيم بعض المظاهر السلبية المرافقة للتغير والتخويف منه ولا نتخوف من أن يفضي ما نحن فيه الى انفجار مريع للأزمات المتراكمة وحصول انهيارات واسعة قد تفكك الدولة وتشرذم المجتمع وتذرره؟

وهنا لا بد من تذكير المتخوفين من الاحتقانات والصراعات المذهبية، بأن التحول الديموقراطي هو موضوعياً نقيض هذه الظواهر، ونجاحه يعني النجاح في بناء الدولة الديموقراطية، بصفتها تعبيراً صحياً جامعاً عن مكونات المجتمع وأطيافه على اختلاف انتماءاتهم العرقية ومعتقداتهم الدينية. فتحصين المجتمع من مظاهر التفكك والتنافر والصراعات التي قد ترافق انبعاث الحريات والتعددية والخصوصيات، يتحقق بتمكين الدولة الديموقراطية ودعم مؤسساتها العمومية، لتغدو هذه الأخيرة المكان الأمثل لإدارة الخلافات سلمياً وحفز روح التفاهم والتوافق بين مختلف الأطراف، بما في ذلك محاصرة الفلتان الأمني والاندفاعات العدوانية العمياء.

من الخطأ أن نرفض التغيير الديموقراطي حين نعتقد أن رياحه قد تأتي بما لا تشتهي سفننا، أو نتردد في دعمه ونحجم عن المشاركة الفاعلة فيه لأن ثمة قوى متطرفة قد تستفيد من مناخاته، ففي ذلك ضعف ثقة بقواعد الحياة الديموقراطية وبقدرتها على تصحيح ما يرافقها من انحرافات، وضعف ثقة بالنفس وبقدرة مجتمعاتنا على التمييز بين الغث والسمين والدفاع عن حرياتها وحقوقها ومصالحها.

وإذ يعني الوقوف مع التغيير الاعتراف الصريح بأن توق مجتمعاتنا للحرية وصل إلى أوجه ولم يعد بإمكانها العيش وفق الأنماط التسلطية القديمة، فانه يعني الاعتراف أيضاً أن ثمة أثماناً سوف تدفع لقاء ذلك، تزداد طرداً مع تعنت الأنظمة ولجوئها الى الخيار العنفي للدفاع عن مواقعها، مثلما يعني عدم الاستهتار بالصعوبات التي ترافق عادة الانتقال من استبداد مزمن الى الديموقراطية. فهذه الأخيرة لا تتحقق بمجرد إسقاط الأنظمة أو توفير بعض الحريات، بل هي عملية تاريخية غالباً ما تشهد بعض مراحلها صراعات حادة حول السلطة ومحاولات لتخريبها والارتداد عنها.

ليس ثمة من يملك جواباً دقيقاً حول مستقبل الثورات العربية، وأية أطراف سوف يكون لها الكلمة الأقوى فيها، لكن غموض المراحل الانتقالية ينبغي ألاّ يفضي إلى هز الثقة بجدوى الحرية ودورها الخلاصي أو زعزعة الإيمان بالموقف الصائب من واقع الاستبداد والفساد وما خلفه من تشوهات بنيوية وأمراض مزمنة هي المسؤول الرئيس عن تنمية القوى المناهضة للديموقراطية وإعدام فرص سلاسة التغيير وسلميته.

لقد آن الأوان كي نتخلص من التشوهات التي تكتنف ثقافتنا، وأن ننتقد الزاوية الضيقة التي لا يزال الكثيرون ينظرون منها الى الحرية والديموقراطية، يفصلونها على مقاسهم الإيديولوجي والسياسي، وينصّبون أنفسهم أوصياء عليها. فمناخات الحرية والديموقراطية مفتوحة للجميع، وكما هي تضمن لكل جماعة الحق في أن تختار المعتقد أو المبدأ الفكري والسياسي الذي تقتنع به، فهي تشكل في الوقت ذاته، المكان الأفضل لمواجهة الوصاية والتطرف، وخير ميدان لخوض سجال مفتوح مع القوى السلفية أو غيرها والرهان على وعي الناس ودرجة تمثلهم لحقوقهم ومصالحهم في رفض هذه المشاريع العصبوية ومحاصرتها!. ثم ما يزيد الاطمئنان حول سلامة العملية الديموقراطية وصعوبة الارتداد عنها أو الاستئثار بها، خصوصية الثورات العربية الراهنة المفعمة بشعارات الحرية واحترام التعددية والبعيدة من الشعارات الإيديولوجية، وخصوصية تشكلها كرد عميق على مرحلة طويلة من الفساد والاستبداد أورثت مجتمعاتنا حصيلة تنموية محبطة ومخيبة للآمال، والأهم كونها تجري ضمن نسق لتحولات تاريخية عربية تتعاضد على الخلاص من عصر الديكتاتوريات والوصاية، وضمن مناخات عالمية داعمة موضوعياً للفكر الديموقراطي وحقوق الإنسان* كاتب سوري

==================

سباق الأمني والسياسي في سوريا

فايز سارة

السفير

20-5-2011

تبدو الحالة السورية في سباق بين الأمني والسياسي في إطار معالجة الأوضاع التي تطورت اليها حركة احتجاج السوريين على اوضاعهم، وتظاهراتهم المطالبة بالحرية والكرامة، التي بدأت قبل شهرين، غلب فيهما لجوء السلطات الى المعالجة الأمنية العنيفة، فيما كانت الدعوات الشعبية تركز على المعالجة السياسية للأوضاع، قبل ان يبدأ الحديث الرسمي عن معالجات سياسية تتواصل بالحوار، الذي قال عدد من المسؤولين السوريين إنه سيبدأ، وانه تم تشكيل لجنة للحوار الوطني برئاسة نائبي الرئيس فاروق الشرع ونجاح العطار.

وسط تلك الحالة، لا يبدو الخيار السوري في معالجة الاوضاع، قد استقر بصورة واضحة. فالقول الرسمي بالتوجه الى الحوار، لا يجد له الصدى القوي في الشارع السوري الذي اتسمت تحركاته الاخيرة بالتكثيف المتزايد، ليس من خلال تزايد التظاهرات واتساعها وتشدد شعاراتها فقط، بل في إطلاق شروط لعملية بدء الحوار، وهو امر كشفت عن تفاصيله وثيقة اصدرتها المنسقيات المحلية في المدن والمحافظات السورية، والتي يمكن اعتبارها البؤرة الأساسية أو المركز الموجه لحركة الاحتجاج والتظاهر السوري، وقد أكدت الوثيقة على نقاط ابرزها، وقف كافة أشكال القتل والعنف ضد المتظاهرين السلميين، وفك الحصار المفروض على المحافظات والمدن السورية، وعودة كافة الوحدات العسكرية إلى ثكناتها، وإطلاق سراح كافة المتظاهرين السلميين والمعتقلين السياسيين، ووقف ملاحقة المتظاهرين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، وعدم التعرض للتظاهرات السلمية بأي شكل من أشكال المنع أو القمع، وتحمل الدولة لمسؤوليتها في ضمان سلامة المتظاهرين، وقف كافة أشكال حملات التجييش والتخوين والكذب الإعلامية المنهجية التي تمارسها وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية، والسماح بدخول وكالات الأنباء العربية والعالمية لتغطية ما يحدث في الشارع.

وأشارت الوثيقة في إطار رؤيتها لموضوع الحوار، الى ان التمهيد للحوار»الوطني الشامل المنشود» يجب أن يقوم على أسس واضحة حتى يستطيع أن ينتج حلولا جذرية للأزمة الوطنية التي تمر بها سوريا، ومنها عدم تجزئة الحوار إلى حوارات متعددة تتم في كل محافظة أو منطقة على حدة، وأن تتمثل كافة الشرائح والقطاعات في الحوار بممثلين يتم اختيارهم بشكل حر على قدم المساواة والندية، وأن يكون للحوار جدول أعمال محدد وسقف زمني محدد، وأن يتم التوافق على ما سبق، مع «تأكيد على إحالة كافة الأشخاص الذين تلوثت أياديهم بدماء المواطنين السوريين كافة، العسكريين منهم وعناصر الشرطة وعناصر الأمن، على محاكم علنية تتوفر فيها شروط المحاكمات العادلة، تنقل مجرياتها عبر الإعلام»، وأن يتم وقف كافة حملات التجييش الطائفي البغيضة ومحاولات تفكيك النسيج الوطني، التي تهدف إلى إضعاف الحراك المدني السلمي والتشويش عليه وإخافة المواطنين السوريين من التغيير الديموقراطي السلمي.

وقريباً من محتويات هذه الوثيقة، كانت قد تكرست في الشهرين الماضيين مطالبات النشطاء السوريين بخلق بيئة تمهد للحوار في سوريا، يتم من خلالها إطلاق المعتقلين والسجناء السياسيين، وإقرار حزمة تشريعات سياسية وقانونية تتعلق بقوانين الاحزاب والصحافة ورفع الطوارئ، ووقف العنف والاعتقالات ومحاسبة الضالعين بأعمال قتل المتظاهرين، وقد تقاطعت مطالب التحالفات، وبينهما تحالف اعلان دمشق والتجمع الوطني الديموقراطي، مع الاحزاب السياسية وآخرها الاحزاب الكردية السورية مع تلك المطالب عبر المبادرة التي اطلقتها مؤخراً الاحزاب الكردية.

وبصورة عامة، فقد انجزت حركة الاحتجاج والتظاهر، والنشطاء والمستقلون والجماعات السياسية السورية، ملامح رؤيتها لعملية الحوار وما يسبقها وما تحتويه من معالجات بهدف الخروج من نفق الازمة القائمة، لكن الجانب الحكومي، لم يعلن عن رؤية مماثلة في عموميتها، بل إن كل ما أعلنه في هذا السياق، هو مجرد فكرة إطلاق الحوار من دون اية تحديدات، وهو امر يكرس مخاوف، ان الحوار من جانب السلطات، لا يتجاوز الفكرة الى محتوياتها وأهدافها، ومما يزيد هذه المخاوف، ان القرارات الحكومية الاخيرة في موضوعي رفع حالة الطوارئ والسماح بالتظاهر، وإطلاق سراح معتقلي الاحداث الاخيرة وعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، لم تجد لها طريقاً للتطبيق الفعال بصورة تقنع المحتجين والمتظاهرين بجدية تلك القرارات، بل إن الأهم من ذلك كله، وجود قناعة واسعة في الاوساط السورية الواسعة، بأن السلطات مستمرة في خيارها الأمني في معالجة الوضع القائم، رغم كل الإيحاءات والمؤشرات الرسمية بوجود واعتماد خيار المعالجة السياسية.

في ضوء تلك المعطيات، يستمر السباق بين الأمني والسياسي في سوريا، لكن هناك مخاوف جدية في ان استمرار ذلك يحمل خطر خلق وقائع عنيدة وجديدة، لا يمكن بعدها التوجه الى مسار المعالجة السياسية للوضع القائم، بل إن ثمة خشية من ان الغرق في مسار الحل الأمني يمكن ان يقود النظام، وربما البلد كله، الى انفجارات، تتجاوز السيطرة المطلوب الوصول اليها عبر المسار الأمني، لأنه عندما يتم إطلاق خيار القوة بكل زخمه ووحشيته، فإنه من الصعب التوقف عند الحد الواجب التوقف عنده بالضبط.

 ([) كاتب وسياسي من سوريا

============================

"أوقفوا القتل واستخدموا العقل"

محمد مخلوف

الوطن السعودية

19-5-2011

لا شكّ أن سورية تستفيد كثيرا من "رقمها الصعب" في الحسابات الدولية. لقد كانت، ولا تزال، قطبا استراتيجيا أساسيا في المنطقة. هذا ما تدركه المجموعة الدولية جيّدا، كما يبدو بوضوح في مواقفها "الخجولة" مما يجري في سورية

تتواصل في سورية منذ أسابيع عديدة مظاهرات شعبية بدأت في درعا بالمطالبة بالحريّة والإصلاح ثمّ شملت عددا كبيرا من مختلف مناطق البلاد وتطوّرت إلى رفع شعار إسقاط النظام. ومنذ اللحظات الأولى قابلت السلطات تلك المظاهرات الاحتجاجية بالعنف والقمع والقتل وسقط الضحايا بالعشرات ثم بالمئات، أمّا المعتقلون فأصبحوا بالآلاف. كان الخيار إذن أمنيا بوضوح. وكان خاطئا بوضوح.

هذا الخيار لم يخمد، ولن يخمد، النار، بل أججها، وقد يدفع البلاد إلى منزلقات خطيرة تهدد السلام الأهلي والوحدة الوطنية اللذين يشكلان التحدي الحقيقي في نهاية المطاف. السوريون يدركون ذلك جيّدا على عكس ما كان يعتقد الذين اختاروه كحلّ. ومن هنا كانت الدعوات والنداءات من المعارضين للنظام ومن أصدقائه أيضا التي تطالب بوقف النزيف واللجوء إلى خيار الحل السياسي.

لكن لا يبدو أن طبيعة ممارسة الحكم لعقود عديدة وإحكام القبضة على الدولة والمجتمع أدّت إلى تغييب السلطة للدولة ومعها أي انفتاح سياسي حقيقي؛ هذا غير ما يُعرف ب "الجبهة الوطنية التقدمية" الكسيحة. بالتالي تعطّلت كل آلية للتفكير بنمط آخر غير اللجوء إلى قمع كل صوت يرتفع، أو يهمس، احتجاجا. باختصار أصبح لسان حال السلطة وخطابها كلّه يتلخّص في القول: أنا أو الفوضى..

جرى تبرير اللجوء إلى الحل الأمني بوجود مؤامرة خارجية تستهدف أمن سورية واستقلالية نهجها السياسي، وإذا لم يكن يغيب عن ذهن أي عارف لواقع المنطقة ولخارطة القوى السياسية فيها أنّ الحسابات الإقليمية والدولية ليست بعيدة عمّا يجري في سورية التي جسّدت لدى شريحة واسعة من الرأي العام العربي أحد رموز مقاومة المشروع الصهيوني، لكن جوهر حركة الاحتجاج الشعبي المستمر منذ أسابيع يعود لنفس الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لما كان في تونس أو مصر أو اليمن. نعم هناك متزمتون ومتطرّفون، كما في جميع البلدان، ومن واجب الدولة حماية الوطن والمواطن منهم، لكن المطالب الشعبية في الحريّة والعدالة الاجتماعية هي التي تدفع الآلاف للتظاهر السلمي في الشارع ولو كانت حياتهم هي الثمن.

ولا شكّ أن سورية تستفيد كثيرا من "رقمها الصعب" في الحسابات الدولية. لقد كانت، ولا تزال، قطبا استراتيجيا أساسيا في المنطقة. هذا ما تدركه المجموعة الدولية جيّدا، كما يبدو بوضوح في مواقفها "الخجولة" مما يجري في سورية. ولا شكّ أنّه ليس بعيدا عن هذه المواقف الخوف من نتائج الفوضى في سورية على مجمل منطقة الشرق الأوسط. والكل يعرفون أن للنظام السوري تحالفاته الإقليمية والدولية. وإذا كانت جميع محاولات فك تحالفاتها الإقليمية قد فشلت حتى الآن فإن روسيا، التي كانت قد امتنعت عن التصويت لصالح القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص "حماية المدنيين" في ليبيا ثمّ اعترضت على آليات تطبيقه، تبدي اليوم موقفها الحازم ضد أيّة محاولة لاستصدار إدانة صريحة لسورية أو فرض عقوبات دولية عليها. هكذا أفشلت، مع الصين، بتاريخ 27 أبريل الماضي صدور مجرّد بيان عن مجلس الأمن يدين قمع النظام السوري للمظاهرات الشعبية.

على خلفية مثل هذا المنطق جرى تفويت الفرص التي كان منها أن تأتي بالإصلاح المطلوب. وخاصّة فرصة الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري فيما يُسمّى ب "مجلس الشعب" يوم 30 مارس الماضي. لم يستجب في ذلك اليوم لما كان ينتظره منه السواد الأعظم من مواطنيه السوريين وأنا منهم وانتهاز الفرصة التاريخية التي كانت متاحة أمامه لوضع قطار الإصلاحات على السكّة الصحيحة.

وهكذا ابتعد بالتالي عن صورة من قد يكون جزءا من الحل، بل ومفتاحا لهذا الحل، وأصبح أكثر فأكثر جزءا من المشكلة التي تكبر، وتكبر تهديداتها، كلما جرى الإيغال أكثر في العنف والاعتقال والقتل.

وأين الإصلاح؟ ومن، وما، يعيقه؟

إنه غير موجود حتى الآن سوى ببعض الجمل والوعود ب"صيغة المستقبل"، ودون القيام بأية خطوة حاسمة على أرض الواقع. كلّنا نحب بلادنا، ولكننا لا نفكّر بنفس الطريقة . ف"أوقفوا القتل واستخدموا العقل"، هكذا تقول لافتة حملها أبناء من الشعب.

==========================

السوريون يتحولون إلى شعب من المصورين والمراسلين ويرمون إعلامهم الرسمي في سلة المهملات!

محمد منصور

2011-05-17

القدس العربي

يبدو أن السوريين اليوم، يكتبون ملحمة تحرر جديدة من نوع فريد سيخلده التاريخ من دون شك.

ملحمة ليست مليئة بالدم والدموع وحصار المدن وقصف الدبابات والمدرعات والموت تحت التعذيب في أقبية المخابرات وحسب، لكنها مستهدفة أيضاً بالتعتيم الإعلامي، وبميليشات إعلامية رسمية تتحول كاميراتها ومايكروفوناتها وكلمات مذيعيها وندوات استوديوهاتها ونشرات أخبارها، إلى حالة من التشبيح الأمني الذي لا يطالب مشاهديه بأي ذرة احترام، وهو يحرف الحقائق، ويفبرك الافتراءات، ويخون الشرفاء، ويمثل بجثث الشهداء، ويقتل القتيل ويمشي بجنازته، ويبارك عمليات القتل باعتبارها أعلى درجات الوطنية، ويصورها بوصفها أسمى حالات الحرص على الوطن.. والتضحية من أجل الوطن!

لم يحدث في أي بقعة من العالم أن قام نظام يواجه حملة احتجاجات شعبية، ويقوم بقمعها بعنف مفرط أو غير مفرط، بمنع حتى إعلامه الرسمي من تصوير أماكن الحدث... لم يحدث أن طردت كل وسائل الإعلام، وأغلقت المناطق، وعلقت التصاريح، ومنع المراسلون المعتمدون من دخول المناطق التي يفترض أن تدخلها الكاميرات كي تنقل ما تيسير لها من حقيقة تحت إشراف السلطات الممسكة بزمام الأمور نفسها.

حتى في حرب أفغانستان... وفي حرب احتلال العراق، وأثناء عملية السور الواقي وعناقيد الغضب وحصار جنين، وحرب تموز وحصار غزة، كان هناك إعلام يطمئن العالم إلى أن الجرائم إن حدثت لن تحدث وسط الصمت المطبق، والسيطرة المطلقة للجلاد على أصوات الضحايا وأنين الجوعى والمحاصرين. وحتى في تونس وفي مصر وفي ليبيا كان هناك إعلام ومراسلون... فأي شريعة غاب تحكم حق السوريين في المعرفة وفي نقل الصوت والصورة والألم وصرخات الاستغاثة، وأي مروءة إعلامية يمكن أن تشعر السوريين بأنهم لم يتركوا لقدرهم ومصيرهم كي يواجهوا نظاماً ضرب بعرض الحائط أبسط معايير التغطية الإعلامية، وراح يتحدث على هواه عن عصابات مسلحة وإمارات سلفية، ويصور ما يشاء من اعترافات تلفزيونية ليس لها أي قيمة قانونية في أي محكمة وأمام أي قضاء، وراح يصادر ما يشاء من كميات الأسلحة أمام كاميرات تلفزيونه، وترك العنان لأبواقه كي تخترع ما تشاء من روايات عن وزراء دفاع في إمارات سلفية، وعن أمراء كانوا يتأهبون للهرب على متن طائراتهم الحوامة، وعن كوماندوز إسرائيلي أخرج نائب تيار المستقبل عقاب صقر من بانياس في وقت سابق، وعن القبض على ضباط استخبارات عرب وإسرائيليين... وعن حبوب هلوسة ضبطت وعلى أكياسها شعار قناة الجزيرة... من دون أن يفكر بتقديم أي دليل جدي يقنع الأصدقاء قبل الأعداء بما يهذي به؟

سخر السوريون من سَفَه وجرائم إعلامهم ... ووجدوا أنفسهم وحيدين في الساحة، فقرروا أن يبدعوا ملحمة كسر التعتيم الإعلامي بشجاعة وذكاء قلبت تلك المعادلة الظالمة رأساً على عقب. رموا كل وسائل الإعلام الرسمية والحليفة في سلة المهملات، أسقوطها من حسابهم ووجدانهم... وصنعوا لأنفسهم وسائل إعلام تواكب ملحمتهم الكبرى، التي لم تكن في أي لحظة من اللحظات مجرد مباراة ودية أو نزهة... صار المتظاهرون المحتجون هم المراسلون وهم المصورون وهم الشهود في اللحظة التي كانوا يستشهدون فيها أيضاً. استخدموا كاميرات هواتفهم النقالة التي طالما ابتزهم السيد رامي مخلوف بها، وسرق من جيوبهم على مدار سنوات أغلى أثمان هذه الخدمة وأكثرها ارتفاعاً عالمياً، ليجعلوا منها أدوات نقل الحقيقة التي عتم عليها إعلامهم وقلبها من النقيض إلى النقيض. وعلى شبكة الانترنت، أسس مجموعة من الشباب السوريين على موقع التواصل الاجتماعي شبكة أخبار حملت اسم (شام) استطاعت بإمكانات بسيطة وعلى صفحة فيسبوك مجانية، أن تهزم ترسانة إعلامية من قنوات التلفزيون السوري والفضائية السورية والإخبارية السورية، التي تصرف عليها مليارات الليرات.. فنقلت الخبر أولا بأول، والصور والفيديوهات حدثاً بحدث، وشهيداً بشهيد، وحصارأ بحصار، ومجزرة بمجزرة... وفنّدت أكاذيب الإعلام السوري أكذوبة أكذوبة... حتى صار شعار هذه الشبكة يظهر على شاشات كبرى المحطات التلفزيونية يومياً عشرات المرات، لينافس أشهر وكالات الأنباء العالمية، ولتصبح هذه الشبكة مصدراً للخبر المصور تعتمده المحطات عبر تحميل الصور التي تنشرها شبكة (شام) على صفحتها يومياً، معتمدة معايير بسيطة وواضحة لتحديد تاريخ الخبر ومكان التقاط الصور، عبر معرفتها الشاملة بالجغرافيا المحلية.

وشبكة (شام) ليست استثناء، فقد أبدع السوريون آلاف الصفحات على شبكة الانترنت كي يخوضوا معركة الحياة أو الموت التي يواجهونها... ففي كل مظاهرة، وفي كل شارع، وكل زاوية ومن على شرفة كل بيت، ووراء ستار كل نافذة، ثمة عين ترى الجريمة، وكاميرا موبايل تصور، وثمة صور تحرج هذا الإعلام الرسمي الذي خرج مجموعة من السوريين في منطقة برزة بدمشق، ليقولوا رأيهم الحقيقي فيه، فشكلوا فرقة عراضة شامية لشتم هذا الإعلام، وقول رأيهم الصريح في أبواقه، وقاموا بتصويرها في فيديو بدا أشبه بندوة شعبية لتقييم هذا الإعلام الذي ما زال يصر على ألا يستضيف في استوديوهاته إلا من يمدح جرائمه الموصوفة باعتبارها واجباً وطنياً يرفع الرأس، ومن يتهدج صوته حتى البكاء من فرط تصديقه لرواية العصابات المسلحة والإمارات السلفية.

وهكذا استطاع السوريون وهم على مقربة من رصاص القتل أن يكونوا الشهداء والشهود، وتمكنوا من أن يمدوا المحطات التلفزيونية بالصور الحقيقية التي تبقي قضيتهم في دائرة الحدث والضوء والمتابعة اليومية... وكثير منهم اعتقلوا وعذبوا أو قتلوا في الشوارع لأنهم ضبطوا وهم يصورون ما يجري... فالصورة ليست لقطة تذكارية لسائح عابر، لكنها صرخة الألم التي تنطلق من صدور أبناء البلد، وهتاف الحق ضد التعتيم الإعلامي الذي باستطاعته في ما لو تمكن أن يمنع تدفق الصور، أن ينكر طلوع الشمس في وضح النهار من دون أن يرف له جفن.

وفي موازاة ذلك... انطلق العديد من الشباب السوريين كي يبدعوا أفلاماً وثائقية قصيرة، وكي ينجزوا 'سلوغات' ساخرة تكمل خطابهم الإعلامي الخاص... فصنعوا أفلاماً عن شهداء، وأنجزوا تقارير إخبارية عن ظواهر القمع، وصاغوا من تلك الصور أعمالا فنية تعبر عن الحقيقة وتفضح الزيف، وأنجزوا العديد من الأعمال البصرية التي فندوا فيها كذب الإعلام السوري، أو بعض الفيديوهات المفبركة التي تنجزها جهات أمنية وشركات فنية تابعة لمتنفذين، وتنشر على موقع اليوتيوب لخلط الحابل بالنابل وتشويه سمعة الثورة... الأمر الذي دفع الجهات التي نشرتها إلى رفعها وحذفها بعد انكشاف حقيقتها.

أجل أنها ملحمة من نوع فريد، يبدع فيها السوريون إعلام الحقيقة بأدوات بسيطة وشجاعة نادرة، وفكر وثاب، وروح حرة عظيمة... روح تقول للعالم كله: انظروا نحن لسنا الشعب الذي يهتف ويصفق وينحني ويخرج في مسيرات تأييد كالقطيع، ونحن لسنا الشعب الذي عدل نوابه الدستور في أقل من ربع ساعة قبل أحد عشر عاماً، ونحن لسنا الشعب الذي يقول للسيد الرئيس: (مطرح ما بتدعس وتدوس... نحنا بنوطي ونبوس) ونحن لسنا الشعب الذي يريد قائداً إلى الأبد خارج كل أعراف الحكم والسياسة والتداول السلمي للسلطة. إننا هؤلاء الذين ينزلون إلى الشوارع بصدور عارية، والذين لم تستخدم السلطات ضدهم حتى اليوم أي رصاص مطاطي لأنها لا ترى أي حرج في استخدام الرصاص الحي... ونحن الشعب الذي يعتقل الآلاف من أبنائه كل أسبوع، ويقضي أبناؤه شهداء تحت تعذيب وحشي... نحن الشعب الذي لا مستشفيات لجرحاه، لأن مستشفياتنا صارت معتقلات، وسيارات الإسعاف تنقل بعض الجرحى إلى فروع التحقيق فوراً، ونحن الشعب الذي لا حصة له في إعلامه، ومع ذلك فكل هذا لم يفت من عزيمتنا، ولم يرهبنا، إننا شعب نستحق الحياة. ونستحق أرقى أشكال الحياة: حياة العزة والكرامة والكبرياء.

 

نشرة أخبار الحياة الطبيعية!

في يوم الجمعة الماضي الذي سمي (جمعة الحرائر) وبينما كانت كل المحطات الفضائية تعرض صور المظاهرات التي خرجت في أكثر من عشرين مدينة وبلدة، بما فيها محافظات كبرى كدمشق وحمص وحماة، كانت نشرة الأخبار في الفضائية السورية وعلى مدى ما يقرب من ساعة كاملة، تنقل صوراً لشوارع فارغة إلا من بعض المارة، وكانت تؤكد أن الحياة تجري بشكل اعتيادي لا أثر فيه لأي دعاية مغرضة، وكان جميع من أجرى التلفزيون لقاءات معهم في نشرته التاريخية يؤكدون في جوقة موحدة وعلى لسان واحد: 'ما في شي أبداً... الحياة طبيعية جداً'.

لا يفهم المرء الخبر فإذا كانت الحياة طبيعية جداً والشوارع شبه فارغة، والناس لا هم لهم إلا التسوق وشراء الخضراوات والفواكه والخروج للنزهات، فأين هو الخبر... بل لماذا تكون هناك نشرة أخبار بالأساس؟

وإذا كان الخبر ليس فيه خبر في نشرة أخبار التلفزيون السوري، فإن الحوار ليس فيه أي معنى من معاني الحوار أيضاً.. ذلك أن التلفزيون السوري ما زال مصرا على مواكبة الأزمة بحوارات يتفق فيها المتحاورون على كل شيء منذ أول سؤال. المفردات نفسها بين السائل والمجيب، الرؤية ذاتها، حمى تكذيب الحقيقة ذاته، الخلط الفاجر بين بقاء الوطن وبقاء النظام ذاته.. بحيث أن أحداً لا يجرؤ على أن يسأل نفسه: إذا حدث مكروه للنظام هل ستزول سورية من على الخارطة؟! لقد رحل حسني الزعيم وشكري القوتلي وهاشم الأتاسي وأديب الشيشكلي... و...و... لكن سورية بقيت، لم تذب من على الخارطة، ولم تتبخر تحت الشمس... ولم يرم أبناؤها أنفسهم في البحر... فلماذا هذا النظام فقط هو الذي سيحمي سورية من الزوال؟

ناقد فني من سورية

===================

سوريا... إلى أين؟

عبدالله عبيد حسن

تاريخ النشر: الخميس 19 مايو 2011

الاتحاد

يبدو أن محاولة انضمام سوريا إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تضاربت أو بالأحرى اصطدمت مع التطورات التي شهدتها الساحة السورية في الأسابيع الماضية.

الحكومة السورية اتجهت خلال الآونة الأخيرة إلى سحب ترشيحها لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن سوريا قد نشطت في الأشهر الأخيرة من أجل الحصول على أحد المقاعد الأربعة التي خصصت -بعد إصرار طويل- للمجموعة الآسيوية في المجلس المهم، والذي يمثل "المراقب العام" لحالة حقوق الإنسان، ويتحرى عن الانتهاكات غير الإنسانية والاتهامات التي توجه لأي دولة عضو في الأمم المتحدة.

وبالنسبة لناشطي حقوق الإنسان في العالم العربي، فإن وجود صوت عربي يمثل الشعوب العربية منتهكة الحقوق هي مسألة مهمة وضرورية. ولقد كانت المجموعة الآسيوية قد رشحت سوريا لشغل أحد المقاعد الأربعة المخصصة لها بدون منازع.

الحكومة السورية وجدت نفسها في مواجهة موقف الرفض والإدانة بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية والتأكد من وحشية، ولا إنسانية العناصر الأمنية في حق المواطنين المدنيين الذين طالبوا بحقوقهم المشروعة، في تغيير النظام الشمولي الحاكم ورفعوا في البداية شعارات تطالب بإلغاء حالة الطوارئ المزمنة في سوريا وإطلاق سراح سجناء الرأي من النشطاء السياسيين والكُتّاب والصحفيين والفنانين، وبتحقيق وعود الرئيس الشاب الواعد بشار الأسد بالإصلاح السياسي والسير على طريق الديمقراطية وكفالة سيادة القانون.

لكن يبدو أن الرئيس السوري الذي كان واعداً، لم يوف بالوعود التي أطلقها، وتتالت الأحداث، وازداد العنف، بوتائر متصاعدة، وتورط النظام في مواجهة المتظاهرين والتنكيل بالمتظاهرين والاحتجاجات السلمية.

لقد وضع النظام "البعثي" الحاكم سوريا في موقف أكسبها وأكسبه شخصياً، إدانة وغضب حتى أصدقاء سوريا والذين كانوا ينظرون إليه بأمل وتفاؤل لما عُرف عنه وما بذله من وعود بالسير ببلده على الطريق الذي لا طريق غيره للتقدم والاستقرار والتنمية.

سوريا عزيزة على كل العرب الذين ظلوا عقوداً من الزمن ينظرون إليها باعتبارها جدار الصمود العربي الأخير في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والشعلة الوحيدة المتبقية في النفق المظلم الذي أُدخِلت فيه الحركة الوحدوية العربية بعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد"..

سوريا العربية كانت منذ مطلع القرن الماضي الرائدة للدعوة والنضال من أجل وحدة الأمة العربية.

كما أن الحزب الذي يرأسه بشار الأسد اليوم (حزب البعث العربي الاشتراكي) كان من طلائع دعاة الوحدة العربية، وكان الرواد التاريخيون -رغم أخطائهم وعثرات الطريق الذي ساروا فيه بعد سقوط الوحدة المصرية-السورية- سيذكر له التاريخ أنه شق الطريق للعمل الوحدوي بكثير من التقدير والإنصاف، لم تقصر يوماً في حق سوريا وشعبها، وبذلت من الدعم المادي والمعنوي الكثير لتظل "دولة المواجهة" الصامدة.

ولقد تفاءل الكثيرون في عالمنا العربي عندما صعد الدكتور بشار الأسد إلى سدة الرئاسة برغم أن والده رحمه الله، هو الذي استن هذه السنة في توريث الأبناء في النظم "الجمهورية"، والتي هي اليوم أحد أهم أسباب حالة الاحتجاج والغضب الشعبي التي طالت بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر واليمن وليبيا.

موجة التغيير والتحول بدأت بتغيير الشعب نظام بن علي في تونس وتغيير الشباب المصري مدعوماً بالشعب، نظام مبارك.

===================

الاصطفاف السياسي يستعيد زخمه على وقع التطورات السورية

أي خيار ممكن للبنان: دعم النظام أم الشعب؟

روزانا بومنصف

النهار

19-5-2011

يواجه لبنان اشكاليات كبيرة في موضوع الاحتجاجات الشعبية في سوريا ليس اقلها عجزه عن المجاهرة بتضامنه مع الشعب السوري فيما اقر الرئيس بشار الاسد بنفسه بوقوع اخطاء من الاجهزة الامنية، بغض النظر عن مسؤولية القيادة السياسية في ذلك اوعدمها. وقد لا يكون مطلوبا من لبنان بما عجزت وتعجز عنه دول عربية عدة نأت بنفسها عن الادلاء بأي موقف يتعلق بالوضع في سوريا باستثناء دولة الكويت التي عرضت ارسال مساعدات الى مدينة درعا في ضوء ما تعرضت له رفضتها السلطات السورية مما ادى الى مطالبة اكثر من نصف المجلس النيابي الكويتي بطرد السفير السوري من الكويت. وغياب الموقف العربي من التطورات في سوريا ان على مستوى جامعة الدول العربية او على مستوى الدول فرديا شكل ذرائع مهمة للدول الغربية من اجل تبرير عدم اتخاذ قرارات في شأن سوريا مماثلة لتلك التي اتخذت في موضوع ليبيا. لكن فهم الجميع من موضوع الكويت رفض سوريا الاعتراف بوجود ازمة تحتاج الى اي تدخل من الخارج العربي او الغربي بما في ذلك كشف وجود ازمة انسانية علما ان رفض النظام السوري ايضا الوساطة السياسية التي قدمتها تركيا يندرج في هذا الاطار على قاعدة ان النظام يحل ازمته وقادر على انهائها من دون اي مساعدة يضطر في ظلها الى التنازل والمساومة.

والاشكالية بالنسبة الى لبنان ان وضعه حساس وصعب جدا من دون ان يعني ان ما يحدث في داخل سوريا لا يتفاعل على المستوى الشعبي في لبنان انطلاقا من علاقات القربى والصداقة. لكن لبنان لا يحتمل، أكان من داعمي النظام او من معارضيه، ما يمكن ان يتشظى به نتيجة تصاعد المواجهات في الداخل السوري وما يمكن ان تؤدي اليه. وفي الوقت الذي حمل من دافع بقوة عن وجود القوات السورية في لبنان على معارضي هذا الوجود بذرائع تتصل بان الشعبين اللبناني والسوري تربطهما عضويا علاقات القربى العائلية بحيث لا يمكن الفصل بين الشعبين، يجد هؤلاء انفسهم في شكل خاص مضطرين الى دعم النظام من دون الشعب او ما يتعرض له قسم كبير من هذا الشعب لاعتبارات مختلفة في خلاصتها عدم الرغبة في ان يجد هؤلاء انفسهم في مواجهة النظام او تركه من دون دعم وهو كان من داعميهم طوال عقود. كما وجد لبنان نفسه مضطرا الى اعادة جنود سوريين تضاربت الروايات في شأنهم بين ان يكونوا هربوا من الجيش السوري الى لبنان مما يمنع على هذا الاخير تسليمهم الى سوريا الا وفقا لقوانين دولية تتخطى الاتفاقات المعقودة بين البلدين الى جانب موضوع المروءة العربية الشهيرة التي تمنع تسليم من لجأ اليك للحماية مما يتعرض له، وبين روايات اخرى دخلت على الخط وافادت باضطرار هؤلاء الى العبور الى لبنان تحت وطأة الدفع الشعبي السوري النازح. علما ان الموضوع كان مثار بحث على اعلى المستويات. وهذا البحث لم يكن ليطرح في الاصل وفق مصادر معنية لولا صحة الرواية الاولى. وقد فهم لبنان على نحو جيد الرسالة في التعاطي مع الكويت من دون ان يكون في حاجة اليها فعلا، كما ان السلطات لم تستطع تأمين الحماية للقاء تضامني سلمي مع الشعب السوري تحت وطأة تهديدات بتجمع مضاد لم يخف نيته في المواجهة من أجل منع حرية التعبير على نحو يشكل بدوره مؤشرا مقلقا للبنان من نواح متعددة.

فهل ينقسم اللبنانيون بين دعم الشعب ودعم النظام وفقا للاصطفاف السياسي الداخلي بين قوى 8 و14 آذار؟

لا تخفي المصادر السياسية المعنية وجود مخاوف لدى اللبنانيين من ابداء اي دعم للشعب السوري خشية تصدير الازمة الى لبنان او حتى خشية انتقامات. ولذلك يتحفظ كثر على التطرق الى هذا الموضوع او يتم تناوله بكلام مبدئي يبتعد عن التفاصيل اقله بالنسبة الى قوى 14 آذار في حين ان مواقف قوى 8 آذار وتحديدا "حزب الله" الصامت ينبغي الا تقل احراجا مع انهيار منطق الدعم للانتفاضات في المنطقة والقائل بأن الثورات العربية لا تطاول الدول الممانعة بل الدول الملتحقة بالولايات المتحدة وان هذه الثورات تنطلق من رحم الظلم الذي تواجهه الشعوب وليست مدفوعة من الخارج.

==================

الثورات العربية بين الإنجاز والاستعصاء

الأربعاء, 18 أيار 2011 23:27

د. عيدة المطلق قناة

السبيل

الانتفاضات الشعبية العربية، منذ شرارتها الأولى في تونس، تمكنت من تحريك آلام كثيرة، وفي الوقت نفسه نجحت في بعث آمال كبيرة.

إن شعوب هذه الأمة رغم معاناة السنين من القطيعة والتدابر والاحتراب، وجدت نفسها أمام معاناة واحدة وإن اختلفت أو تباينت في تفاصيلها الصغيرة؛ فشعوب هذه الأمة تعاني من استبداد طال أمده، ومن فساد عز نظيره، ومن نشوء طبقة طفيلية قشرية استحكمت فأثرت على حين غرة. أدارت البلاد وتسلطت على العباد، ونهبت الثروات وبددت المقدرات، وجمعت كل السلطات بقبضة واحدة (سلطة المال والنفوذ)، وأنشأت حولها طبقة من المريدين والمحاسيب والأزلام، مقابل تهميش الكتلة الاجتماعية الأكبر، وأحاطت نفسها بأجهزة فاسدة ومفسدة، قمعت كل أشكال التعبير، وتجسست على الناس، وأخذت تعد عليهم أنفاسهم، وزرعت الفتنة والشك بين مكونات المجتمع، وحالت دون قيام جماعات أو كتل اجتماعية وازنة ومؤثرة!.

مجتمعاتنا كلها تتكون من شباب يشكلون الكتلة الأكبر في المجتمع، جلهم من خريجي الجامعات، وجلهم يعانون بطالة مرتفعة ومتصاعدة، ومن ضيق شديد في الفرص الاقتصادية؛ فضاقت خياراتهم الحياتية والسياسية، واضطربت أوضاعهم. وحين يضطرب حال الشباب تضطرب المجتمعات بأسرها، وها نحن اليوم أمام قلق شديد يعم المنطقة، شعوب مفقرة مجوعة، وشباب معطل فقد الأمل بمستقبل كريم، أو بعدالة أي عدالة.

ورغم ما في المشهد العربي من آلام وانسداد، فعلى الجانب الآخر هناك الكثير من الآمال، فالثورات العربية حركت الآسن من هذه الأوضاع، وتمكنت بما حققته من منجزات رائعة من تجاوز زمان اليأس الآخذ في الأفول.

اليوم نحن أمام حراك شعبي عام، أمام شباب عربي اكتشفوا ذواتهم الجمعية، واكتشفوا أن آمالهم وآلامهم واحدة، واكتشفوا أن ذات الموقف الذي يبكي الموريتاني يبكي في اللحظة ذاتها الأردني والحضرمي، وأن الإنجاز الذي يسعد التونسي يشيع الفرح في اللحظة ذاتها في المصري واليمني والسوري.

نحن اليوم أمام شباب عربي خرج على كل شروط الردة والفرقة والانقسام، وراح يردد نفس الشعارات وينشد ذات الأهداف في الحرية والوحدة والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية دون أن ينسى فلسطين.

شباب وجد أنه -بالرغم من انحسار الاستبداد في العالم لصالح نظم حكم ديمقراطية- إلا أن أوطانه وأمته ما زالت تخضع للاستبداد؛ إذ حين فوجئت الأنظمة بالاحتجاجات العفوية والسلمية تأتيها من شرائح لم تكن في حسبانها، سارعت إلى أسلوب القمع، والعقاب الجماعي، وتقديم وعود بإصلاحات شكلية تضمن بقاء النظام والمؤسسات الأمنية.

راحت هذه الأنظمة تتخبط في ردات أفعالها؛ ففقدت صوابها أمام فتية يتداعون للتظاهر بكل الوسائل الحضارية، فأطلقت أجهزتها الأمنية المتكاثرة، وبالغت في القمع، وراحت تحاصر المدن وتمنع عنها الماء والكهرباء والاتصالات، وتمنع الغذاء والدواء، وتقتحم المدن والبلدات بالدبابات، وتحظر التجوال فيها. وبذريعة استعادة الأمن المفقود وتأديب المتمردين والعملاء والمأجورين والسلفيين، استباحت النهب والسلب وتخريب الممتلكات.

وتركت لجهاز البلاطجة/ أو الشبيحة يعيثون بأمن المواطنين فساداً، وتركت للقناصة تدبر أمر الناس. فكل الناس (شيوخاً وشباباً، نساء وأطفالاً) سواسية أمام القنص والتعذيب والتنكيل والاعتقال والاغتصاب وإطلاق الرصاص العشوائي على كل من يتحرك.

في وطننا العربي الكبير بات مشهد الجثث المتناثرة في الشوارع العربية والطرقات العربية مألوفاً واعتيادياً، وانتشرت المقابر الجماعية في هذا الوطن الكبير، منها ما تم الكشف عنه ومنها ما زال مجهولاً.

ولكن رغم كل هذا الانسداد فقد تحققت منجزات كثيرة منذ انبثاق الربيع العربي المبشر بالحرية والكرامة من مشارق هذا الوطن وحتى مغاربه، إلا أن اندفاعة الإنجاز أخذت تواجه الكثير من الاستعصاء، وبات يتطلب الكثير من الصبر والتضحيات، فهذه القوى الحية التي تنشد التغيير تواجه اليوم بأبشع أشكال القمع والاستئصال من قبل قوى متكلسة فاسدة ترفض التغيير والإصلاح، وتحاول الالتفاف على المطالب الشعبية.

لقد أكدت ثورات العرب أن لدى شعوب هذه الأمة مخزوناً هائلاً من القيم والمثل والأخلاق، أكدت قيم التعاون والانضباط وقبول الآخر، بعكس ما أكدته ممارسات وسلوكيات الأنظمة. وعليه فإنه رغم حالة الاستعصاء والانسداد، وما فيها من مراوحة بين مد وجزر. ورغم ما سال على ضفاف هذه الثورات من دماء وتضحيات فإن هذه الحالة الثورية الشعبية العربية هي أهم منجز تاريخي للعرب في العصر الحديث، وحين يستكمل حلقاته وتحقق أهدافه فإن الأمة هي التي تحدد شخصيتها الحضارية والإنسانية، وهي وحدها من تحدد هويتها وأهدافها، وهي وحدها من تختار موقعها بين الأمم ودورها بين الأمم!!.

==================

خدمة الجلاد وإهانة الضحية

الأربعاء, 18 أيار 2011 23:32

عمر عياصرة

السبيل

من يقتل شعبه بالشكل الذي نعاينه في سوريا (850 شهيدا حتى اليوم)، لا يمكن له أخلاقيا ومنطقيا أن يكون مؤهلا لخدمة الأمة أو الاصطفاف مع الممانعة، فلا يعقل أن من يقتل أفراد الأمة أن يكون خادما لها.

الأشد ألما، أن هناك من المثقفين السوريين والعرب من يجرد نفسه من كل بعد أخلاقي وإنساني، فيصدق كذبة «سوريا الممانعة والقلعة»، ويغض الطرف عن الشهداء والدماء أو يتحدث عنها باستحياء.

لن ينتصر ولن يقاوم ولن يحارب العدو، من يفعل بشعبه كما يفعل الأسد الصغير المستنسخ عن أبيه، إنها -أيها الناس- مقابر جماعية وقتل بارد ورصاص في درعا وحمص لم نسمعه يوما في الجولان.

البلطجية في الشام يطلق عليهم اسم الشبيحة، وهم ليسوا أولئك الذين يطلقون الرصاص على العزل في الشوارع فقط، فالشبيحة موجودون في أماكن كثيرة أخرى، ويرتدون ربطات العنق والبدلات التي تخفي تحتها فنانا أو مثقفا أشبعنا قبل الأحداث لطما على الديمقراطية.

خذ «دريد لحام» مثلا، هذا الذي تمسمرنا أمام الشاشة من اجل رؤية أعماله التي تنتصر للمواطن والأمة والحرية، نكتشف اليوم انه كان يكذب، وانه ينحاز في لحظة العسرة إلى رواية النظام الركيكة ويوظفونه «خدمة للجلاد وإهانة الضحية».

شبيحة الفن في سوريا اليوم كثر، كلهم نجوم أشبعونا ضربا في الرجولة والانحياز للحق، فإذا بهم جزء من طبقة الفساد والجبن والباطل.

قد تنتصر «هبة الشوام» وقد لا تفعل، لكنها ستبقى علامة مميزة على حقيقة أولئك المثقفين والفنانين الذين قدموا لنا، قبل الحدث، عدالة مزيفة استعراضية، وعندما بلغ الجد منزلته غابوا ودافعوا عن الظلم مستخدمين شعبيتهم التي حازوها بسبب ما قدموا سابقا.

«باب الحارة» الذي ظنناه سيحمي المتظاهرين والعزل، خلعه فنانو سوريا ووضعوه على صدر الضحايا ليحموا به نظام الاستبداد والأبوية والزيف.

رغم ذلك فقائمة العار من الفنانين والمثقفين لم تكن لتضم الجميع، فالممثلة منى واصف والكاتبة إيمان ريحان وغيرهم، رفضوا أن يكونوا بوقا للنظام، فكل التحية لهم، وعسى ان نرى في قادم الايام انتصارا في سوريا يعيد لهؤلاء رشدهم.

===================

النظام السوري ومعادلة احتكار السلطة والمقاومة

أيوب سفر

القدس العربي

19-5-2011

بعض المثقفين العرب أصبح يعطي للنظام السوري تراخيص بقتل المحتجين والمتظاهرين بحسن نية أو بسوء نية، يتحدثون عن فشل الحركة الاحتجاجية في سورية في إخراج مسيرة مليونية كما في مصر أو اليمن، وإن كان بعضهم يحاول أن يظهر بمظهر المتوازن حين يطالب على الضفة الأخرى من حديثه بإجراء إصلاحات باتت ضرورية، وهذا النوع من التوازن المكشوف الذي يرقى إلى مستوى الاصطفاف مع النظام السوري يلعب دوراً في تمييع موقف الرأي العام العربي من المسألة السورية، وتالياً لا بد من توضيح بعض الحقائق المتعلقة بطبيعة الحراك السوري نفسه، وبعضها الآخر متعلق بطبيعة المدافعين عن النظام السوري من الخارج، خاصة أن هذه الأصوات هي من المؤيدة للمقاومة بوصفها عنواناً عريضاً، ول'حزب الله' بوصفه عنواناً محدداً لهذه المقاومة.

نعم لم تخرج مظاهرة مليونية في سورية، فخروج مثل هذه المظاهرة يفترض أولا نظام حكم لا مركزي تتوزع فيه مراكز الثقل، وتنقسم فيه مواقع القرار أمام حركة الاحتجاج، أو أن تكون هناك بعض المؤسسات العريقة والفاعلة التي تلتزم مبدأ الحياد من السلطة السياسية ما يصب في مصلحة المتظاهرين كما حدث في مصر.

النظام السوري لم يسمح منذ حافظ الأسد بأن يكون القرار موزعاً، بل كان دائما في يد نخبة قليلة من الرجال الموثوق بولائهم للرئيس، وهذا النهج ظل مستمراً في عهد الأسد الابن، ولم يكن اغتيال اللواء غازي كنعان قائد القوات السورية في لبنان سوى تعبير عن شراسة النظام في مواجهة أي خروج عن الولاء، ومن المعلوم أيضاً أن الجيش السوري تراجع موقعه الداخلي لمصلحة أجهزة الأمن المتعددة، مع تحوله إلى مؤسسة لا تختلف في طبيعتها عن بقية المؤسسات، كونها مصدراً للرزق، في غياب التوجه السياسي نحو تحرير الجولان المحتل.

في سورية بات واضحا أن النظام السوري لم يتوان عن زج الجيش في الوضع الداخلي، وأن الجيش ما زال غير قادر على أن يكون مستقلاً عن إرادة النظام، وظل مبدأ التخوين الذي استعملته الأنظمة العربية، وعلى رأسها نظام البعث في سورية هو السائد، حتى بات المواطن السوري غير قادر على إبداء أي رأي معارض خوفاً من تخوينه لمصلحة أمريكا و'إسرائيل' أو اتهامه بالوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين، ومع كل هذه الحقائق التي باتت معروفة أو على الأقل يجب أن تكون كذلك خلال الفترة الماضية للمواطن العربي.

فإن بعض المثقفين العرب ما زالوا يمارسون دفاعهم عن النظام السوري، مشككين في بعض الأحيان في وطنية الاحتجاجات الشعبية، وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك قائلا إن أمريكا تقف خلف المعارضة السورية، وأن سقوط النظام السوري يخدم المشروع 'الإسرائيلي'.

المدافعون عن النظام السوري بحجة وقوفه إلى جانب المقاومة اللبنانية والفلسطينية يخشون من سقوطه بحجة أن المقاومة ستفقد سنداً قوياً لها، وبالتالي فإن كفة معادلات القوة وتوازنها سترجح لمصلحة 'إسرائيل' وفي هذا التصور شيء من السذاجة السياسية غير المقبولة، فمن يتصور أن القوى الموجودة في المعارضة السورية ليست وطنية ولا تقف مع القضية الفلسطينية، أو أنها لن تدعم المقاومة أو أي شكل من المقاومة فهو مخطئ، ليس من منطق الرغبة، وإنما من منطق تاريخ المعارضة نفسها، فبعض قواعد تلك المعارضة قاتل إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية أثناء الاجتياح 'الاسرائيلي' للبنان عام 1982، وهي جميعها ذات توجه عروبي في منطلقاتها النظرية، وفي جزء من احتجاجها على النظام احتجاج على صمته عن احتلال الجولان، وبعضها يرى أن الأفق الحقيقي للديمقراطية لا يمكن له أن يتشكل واقعاً حقيقياً من دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وهكذا فإن من يخشى على مستقبل المقاومة في لبنان فهو من باب أولى له أن يخشى من احتكار المقاومة من قبل حزب ما، أيا يكون هذا الحزب، أو طائفة ما، أيا تكون هذه الطائفة، وإنما المقاومة يجب أن تكون مقاومة عربية لا مكان فيها لاحتكارات أو أحزاب أو طوائف، فإنما فشل النظام السوري في تحقيق الحرية والتنمية داخلياً ما هو إلا نتيجة لتحوله عن مبدأ الدولة للجميع إلى دولة طائفة أو حزب، وما فشل المقاومة إلا نتيجة للأفق السياسي نفسه لتلك الأنظمة الذي يخشى من أن تكون المقاومة للجميع ومن أجل الجميع، ويخشى من تحولها من ورقة للمقايضة إلى قضية حقيقية تثبت مدى استثماره لها خارجيا، من دون أن تكون يوماً هماً حقيقياً يقض مضجعه.

==================

بيننا وبينكم الجنائز: يقول الشعب السوري لنظام الحكم

د. بشير موسى نافع

2011-05-18

القدس العربي

 كان يوم الجمعة الماضي، 13 ايار/مايو، يوماً تاريخياً في مسيرة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، التي انطلقت منذ منتصف آذار/مارس. خلال الأيام القليلة السابقة ليوم الجمعة الماضي، أعلنت السيدة بثينة شعبان، مستشارة الرئيس، في مقابلة صحافية ناردة لأي مسؤول سوري طوال شهري الانتفاضة الشعبية، أن سورية تجاوزت الأسوأ في أزمة العلاقة المتفجرة بين النظام وشعبه.

ما أرادت المستشارة قوله في مقابلتها مع نيويورك تايمز الأمريكية أن النظام قد نجح أخيراً في إخماد الحركة الشعبية. لنظام اعتاد العنف في التعامل مع خصومه ومعارضيه، سوريين كانوا أو غير سوريين، اعتقد قادة النظام أن عنف الدولة لن يلبث أن يكسر إرادة الشعب. ولكن الشعب عاد إلى الخروج من جديد يوم جمعة الحرائر، خرج كما لم يخرج من قبل منذ بداية الانتفاضة، متحدياً قوات الجيش والأمن الخاصة المنتشرة في أنحاء البلاد، خرج في حمص وجوارها، في إدلب وجشر الشغور، في أحياء دمشق وريفها، في البوكمال ودير الزور وحماة، في بانياس وجوارها، وفي درعا نفسها، التي أريد بها تعليم السوريين درساً لا يقل عن درس حماة 1980. إن كان النظام لم يزل يظن أن 'خيار حماة' هو السبيل الأنجع للاستجابة لمطالب الحرية والكرامة، فقد أعلن الشعب السوري يوم الجمعة 13 آيار/مايو أنه ليس بصدد التراجع أو الانكسار.

لم يكن غريباً أن تصل السيدة شعبان لاستنتاجها بأن النظام الذي تخدمه قد نجح في احتواء الحركة الشعبية وإخمادها؛ فمنذ الأسبوع الأخير للشهر السابق، نيسان/إبريل، كان النظام قد أطلق حملة أمنية عسكرية لإخضاع المدن والبلدات التي حسب أنها باتت تشكل مراكز رئيسية للانتفاضة الشعبية. عاثت القوى الأمنية، وعصابات مرتبطة بها من المسلحين الموالين للنظام، ووحدات عسكرية من فرق الجيش محل ثقة النظام وقادته، فساداً في المدن والبلدات التي اقتحمتها بالعربات المدرعة والرشاشات الثقيلة، بداية من درعا. وبالرغم من أن الحقوقيين السوريين يقولون بأن هناك 800 سوري قتلوا على أيدي قوات النظام حتى منتصف ايار/مايو، فالواضح أن الرقم لا بد أن يكون أعلى من ذلك بكثير؛ أولاً، لأن تجربتي الثورتين التونسية والمصرية أظهرتا أن الأرقام الأولية لضحايا عنف الأنظمة العربية هي دائماً أقل من الحقيقة، وثانياً، لأن ما بدأ يتكشف في مدن مثل درعا وقراها من مقابر جماعية يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى وحشية واسعة النطاق، مارستها وتمارسها الوحدات الأمنية العسكرية للنظام السوري.

بيد أن القتل ليس إلا وجهاً واحداً لحملة القمع التي أطلقها الرئيس الأسد. ثمة دمار لا يميز أوقع بالمدن والبلدات التي تعرضت لهجمات قوات النظام؛ واستهداف غير تمييزي، عن سبق تصميم وتصور، لممتلكات الأهالي؛ وإذلال بالغ يستهدف كسر الروح السورية، مثل التحرش بالنساء، بما في ذلك روايات اغتصاب متعددة، وضرب الرجال وإهانتهم أمام أسرهم، وإجبار البعض على الركوع لصورة الرئيس. وقد تعهدت قوات النظام حملات اعتقال فردية وجماعية، اعتقالات تستهدف ناشطين وشخصيات محددة، لإيقاع الرعب في صدورهم أو منعهم من التواصل مع شعبهم، وتلك التي يقصد بها معاقبة مدن وأحياء وبلدات بأكملها. وفي النهاية، وفي سلوك لا يجب أن تقوم به دولة تحكم شعباً مسلماً، أو حتى أية دولة أخرى، قامت قوات النظام في أكثر من مكان بإيقاع الدمار بالمساجد، أو احتلالها وتحويلها إلى ثكنات، وكأن الانطلاق المتكرر للتظاهرات الشعبية من المساجد بعد صلاة الجمعة جعل من هذه المساجد هدفاً لحملة القمع السورية. لا أحد يعرف على وجه اليقين عدد الضحايا الذي أوقعته آلة النظام خلال الشهرين الماضيين، سواء من قتل أو من أصيب، وربما لن يعرف أحد مطلقاً عدد الذين تم اعتقالهم، وما هو مصير كل واحد من هؤلاء المعتقلين، لأن ثمة تقليداً وضعه النظام وعرفه السوريون من قبل في قتل المعتقلين أو اختفاء أثرهم لزمن طويل.

المدهش، أن السيدة شعبان أخبرت أحد المثقفين السوريين المعارضين قبل أيام من الجمعة الماضية أن الرئيس أصدر أمراً لقواته بحظر إطلاق النار على المحتجين، ربما في محاولة من السيدة توكيد الثقة الجديدة بالذات وأن النظام بات مطمئناً لقدرته على مغالبة شعبه والانتصار عليه. ولكن مظاهرات الجمعة لم تكن خلواً من القتل كما توقع البعض؛ فمع حلول المساء كان هناك عشرة سوريين على الاقل قد فقدوا حياتهم برصاص قوات النظام. ولم تكن حملات القمع ضد درعا وحمص وبانياس وبلدات ريف دمشق هي النهاية؛ إذ سرعان ما اتجهت آلة القمع البربرية إلى مدن وبلدات أخرى، كانت تلكلخ والعريضة على الحدود البنانية أبرزها في الأيام القليلة الماضية.

لا يتصرف النظام في مواجهة الحركة الجماهيرية، حتى وهو يلجأ إلى نشر أقصى ما يستطيع من وسائل العنف التي يمتلكها، من رؤية سياسية للأزمة، كما يفترض في أية منظومة حكم لدولة حديثة أن تتعامل مع تشظي العلاقة بينها والشعب الذي تحكمه. ما يعتقده النظام، أنه يواجه معركة وجود، معركة حياة أو موت، بالمعنى الحرفي للوجود والحياة والموت، ويتصرف على هذا الاساس.

إما نحن أو الشعب السوري، هكذا يرى قادة النظام وأعضاء العائلة النافذون في المؤسستين الأمنية والعسكرية الانتفاضة الشعبية السورية، وهذه هي المرجعية الوحيدة التي تنطلق منها سياسة المواجهة مع الشعب. وإن كان ثمة من شك في تقدير سلوك النظام السوري، فربما كانت مقابلة رامي مخلوف، أسطورة الاقتصاد السوري الجديد، ابن خال الرئيس، وأحد الشخصيات النافذة في العائلة الحاكمة، مع النيويورك تايمز، كافية للتدليل على حقيقة رؤية النظام للأمور. قال مخلوف بلا تلعثم، 'لدينا العديد من المقاتلين، وسنقاتل حتى النهاية.' هذه ليست أزمة سياسية، ليست حركة احتجاج وانتفاضة شعبية من أجل الحرية والكرامة، لا تنفصل عن حركة الثورة العربية الشاملة المستمرة منذ نهاية العام الماضي. هذه معركة حياة أو موت، يقول النظام ويعتقد. ليس هذا خطاب رجال دولة، ولا هي عقلية دولة؛ هذا خطاب صغير لفئة حاكمة صغيرة، تستشعر الآن عزلتها المتزايدة عن شعبها، وانهيار أحد الأسس الكبرى لبقاء أنظمة الحكم: قبول المحكومين بشرعية خطاب الحكم واستمراره.

والحقيقة، أن كلاً من الرئيس السابق حافظ الأسد، والحالي بشار الأسد، حاول في أكثر من منعطف ترميم ما تبقى من بنية الدولة السورية، والتصرف وكأن الحكم السوري يستند إلى دولة حديثة راسخة. ولكن التماهي المستمر منذ عقود بين نظام حكم الفئة الصغيرة وأجهزة الدولة، المدنية والعسكرية والأمنية، انتهى بتلك المحاولات إلى الإخفاق. وما إن انفجرت الحركة الشعبية، حتى تكشفت حقيقة نظام الحكم، محدودية القاعدة التي يرتكز إليها، وحجم الخراب الذي أوقعه بما ينبغي أن يكون دولة سورية حديثة. السؤال الآن، هو إن كانت عقلية المغالبة هي التي تقود النظام، إن كانت وسائل القمع الأمني العسكري هي الاستجابة الحقيقة والوحيدة لمطالب الشعب، فاين تمضي مواجهة الشعب السوري مع نظامه من هنا؟

إحدى وسائل المواجهة هي الاستعانة بالرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية، التي تتمتع فيها العواصم الغربية بنفوذ كبير.

وقد ارتفعت خلال الاسبوعين الأولين من هذا الشهر، وبعد أن تصاعدت انتقادات الرأي العام لفعالية العقوبات التي أعلنتها كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، حدة الانتقادات التي وجهها مسؤولون أمريكيون وأوروبيون لسياسة القمع الدموي التي يتبناها النظام السوري. ولكن، وبالرغم من تداول تقارير حول عزم الدول الغربية إعلان فقدان الرئيس السوري الشرعية، فإن مثل هذه الخطوة قد تأخذ بعض الوقت. وعلى كل الأحوال، فإن مصير سورية لا تحدده ولا يجب أن تحدده القوى الغربية.

الوسيلة الاخرى هي الاستعانة بالرأي العام العربي، الذي تحدث المستوى الشعبي فيه قليلاً حتى الآن، ولم يتحدث بعد على المستوى الرسمي. وهنا لا بد أن يبذل جهد أكبر، ليس من النشطين السوريين وحسب، ولكن أيضاً من النشطين العرب، سيما أولئك الذين لعبوا أدواراً رئيسية في حركة الثورة العربية في تونس ومصر، وأولئك الذين اعتادوا الوقوف مع سورية والسياسة السورية في مواجهة الضغوط الخارجية خلال العقد الأخير. على هؤلاء أن يدركوا أن من غير المسوغ اتخاذ مواقف مبهمة وغير محددة عندما يرتكب نظام حكم ما، أي نظام حكم، مثل الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه. ليس ثمة شك في أهمية سورية، ولا في دورها وموقعها، ولكن لهذه الأسباب بالتحديد ينبغي العمل الآن على عزل النظام عربياً والوقوف إلى جانب الشعب السوري، من أجل أن لا تطول هذه المواجهة أكثر مما يجب، وأن لا تأخذ منحى لا يريده أحد داخل سورية وفي المجال العربي ككل.

بيد أن العامل الرئيسي في النهاية هو الشعب السوري، تصميمه على خوض معركة الحرية والكرامة إلى نهايتها، ووعيه بحقيقة الفرصة التاريخية المتاحة أمامه اليوم، ومخاطر تفويتها على مستقبل سورية وحريتها، كما على وعيها بذاتها ودورها العربي.

يوم الجمعة 22 نيسان/أبريل، خرج السوريون إلى الشارع ليعلنوا رفضهم وعود الإصلاح الغامضة واستهتار الرئيس الأسد بمطالبهم وضحاياهم؛ وكان النظام يعتقد أن تغيير الحكومة وتعليمات الرئيس البلاغية للوزراء الجدد ستنجح في احتواء الحركة الجماهيرية. ويوم الجمعة 13 ايار/مايو، خرج السوريون ليعلنوا أن ثلاثة أسابيع من الموت والاعتقالات والتدمير لن تثني عزمهم أو تكسر إرادتهم.

وإن لم يكن النظام قد وعى الدرس بعد، فلعله ينظر إلى مشاهد الجنائز، وإلى السوريين البواسل وهم يودعون شهداءهم ويحتفلون بتضحياتهم. وقديماً قالت العرب: بيننا وبينكم الجنائز.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

====================

واشنطن وشعرة معاوية مع الاسد

رأي القدس

2011-05-18

القدس العربي

 فرضت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما عقوبات مباشرة على الرئيس السوري بشار الأسد من بينها تجميد ارصدته، الى جانب ثلاثة مسؤولين امنيين آخرين، وهي المرة الاولى التي تقدم فيها على مثل هذه الخطوة، وهي التي حرصت على استثنائه من اي عقوبات اثناء اصدارها قائمتها الاولى التي شملت 17 مسؤولاً سورياً، بينهم شقيقه ماهر ورئيس المخابرات العامة علي المملوك وابن خاله الملياردير رامي مخلوف.

الرئيس بشار لا يملك ارصدة مالية باسمه في الولايات المتحدة الامريكية، ولا نعتقد انه يملك ارصدة ايضاً في المصارف الاوروبية، ولذلك فإن هذه العقوبات رمزية، ومجرد رسالة الهدف منها التحذير من عقوبات اخرى اكثر شدة، اذا ما واصلت الاجهزة الامنية السورية قمعها الدموي للاحتجاجات الغاضبة التي تسود معظم المدن السورية منذ ستة اسابيع، وراح ضحيتها اكثر من 500 شهيد وآلاف الجرحى.

الادارة الامريكية مازالت تتعامل بليونة مع الرئيس السوري، وتراهن عليه كعنصر استقرار في المنطقة، وهذا ما يفسر انذارها الذي اصدرته امس وقالت فيه: 'إما ان تبدأ الاصلاح او ترحل'. وهي لغة لم تستخدمها مع الرئيس المصري حسني مبارك او الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اللذين كانا يعتبران من اقرب الحلفاء العرب الى واشنطن، والأكثر اخلاصاً ودأباً لتنفيذ سياساتها وحماية مصالحها في المنطقة العربية.

في الاسبوع الماضي سربت الادارة الامريكية انباء عن عزمها سحب الشرعية من النظام السوري ورئيسه، وقالت على لسان متحدثين باسمها ان هذه الخطوة باتت وشيكة للغاية، ولكن هذا التهديد الواضح الذي يعني قطع شعرة معاوية مع النظام لم يطبق على ارض الواقع حتى الآن، وان كان من غير المستبعد ان يكون هذا التأجيل او التلكؤ راجعاً الى ترك هذه المسألة للرئيس اوباما للتعاطي معها في خطابه الذي من المفترض ان يلقيه صباح اليوم بالتوقيت الامريكي، ويتناول فيه قضايا الشرق الاوسط وموقف بلاده منها.

تعاطي الادارة الامريكية مع الرئيس بشار يختلف كليا مع تعاطيها مع نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، او بالاحرى ما تبقى منه، فبينما ايدت تغيير النظام الليبي بالقوة وشاركت في التدخل العسكري للتسريع بعملية التغيير هذه، وشجعت حليفتها البريطانية على تكثيف محاولاتها لقتله من خلال استهداف مقراته والاماكن التي من الممكن ان يختبئ فيها، حرصت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية على تجنب الملف السوري قدر الامكان، والتأكيد على عدم رغبة واشنطن في التدخل عسكريا على غرار ما فعلت في ليبيا.

وربما تفيد الاشارة الى مقارنة اخرى في الاطار نفسه، حول كيفية تعاطي الادارة الامريكية مع المعارضتين الليبية والسورية، فبينما تحتضن الاولى وتنفق 800 مليون دولار على عملياتها العسكرية لدعمها عسكريا من خلال تدمير قدرات العقيد القذافي، ابتعدت هذه الادارة عن المعارضة السورية، او بالاحرى ابعدت، لان هذه المعارضة، والوطنية منها على وجه الخصوص، رفضت جميع العروض الامريكية والغربية، بل وبعض العربية، بالتمويل والتسليح.

ادارة الرئيس اوباما تدرك جيدا ان الملف السوري اكثر تعقيدا بمراحل من الملف الليبي على الصعيدين السياسي والعسكري، فالنظام السوري قوي ويملك آلة قمعية هائلة، وقوات مسلحة خبيرة ومتماسكة، ولهذا ابدت الكثير من التردد حتى الآن في الاقدام على اي تدخل فعلي ضد النظام ودعم للمعارضة الداخلية على وجه الخصوص.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ربما ساهم بتصريحاته التي طالب فيها بعدم اطاحة نظام الرئيس الاسد لعدم وجود البديل، في بلورة هذا الموقف الامريكي حتى الآن، مضافا الى ذلك ان واشنطن شعرت بالرعب عندما شاهدت الرئيس السوري يلعب اقوى اوراقه بفتح الطريق امام اللاجئين الفلسطينيين بالتدفق الى حدود بلادهم واختراقها تجسيدا لحق العودة في ذكرى مرور 63 عاما على نكبة فلسطين والامتين العربية والاسلامية.

====================

حول أي حوار قادم في دمشق!

الخميس, 19 مايو 2011

أوس المبارك *

الحياة

لا شك في أنّ تأخُّر استخدام «النظام السوري» لورقة الحوار كان خطأ فادحاً يضاف إلى أخطائه اللامتناهية، والتي يلجأ دوماً إلى تجاوزها أو عدم الاعتراف بها، عبر فرض مبدأ القوة العنفية كحلٍّ جاهز لكل تحدٍّ قائم في الداخل.

واليوم، إن تمّ هذا الحوار «الشامل» كما قيل، فإنه سيكون لمصلحة «النظام» بكل الأحوال. أحزاب معارضة تقليدية لا تعبّر عن طموحات الشارع، منظمات مجتمع مدني مغيَّبة، معارضون مستقلون كثير منهم متقدمون على تلك التنظيمات الحزبية لكنهم لا يَرْقَوْن إلى تمثيل الشارع، رغم وجود أصوات منهم تنال احتراماً بين بعض قطاعاته، وشارع لا يمكن وجود ممثلين منه بعد عقود على تغييب فاعلياته السياسية، وتحت الظروف الحالية التي تجعل التواصل والحوار بين مكونات الشارع صعبة كي يستطيعوا اختيار ممثليهم.

لا أقصد هنا القول إنه لا يمكن أن توجد بدائل ديموقراطية تمثل الشارع السوري، بل إن الحوار الذي يمكن أن يتم اليوم لن يكون مُرْضياً للمتظاهرين أو يلبي طموحاتهم في تمثيل ديموقراطي، أو يستطيع مثلاً كفَّهم عن التظاهر في حال التماس وجود منهج إصلاحي وحوار حقيقيَّيْن، كما أنه لا يمكن للمتظاهرين الوثوق بأي حوار والحال في الشارع على ما هو عليه.

ما أود قوله هنا، في خلاصة اللقاء بكثير من الأصدقاء المتظاهرين أو الذين تعرفتُ إليهم أثناء حراك التظاهر، أن الحوار غير ممكن تحت ظل تلك العوامل وغيرها، ولا أدّعي هنا تقديم رأي أوحد للشارع، بل هو أحد الآراء الموجودة، والتي بسبب الظروف القائمة أيضاً لا يمكن معرفة انتشارها من عدمه، لذلك فإن ما يجب إيجاده الآن من حيث المبدأ قبل أي حوار هو:

1- إيقاف القتل وقمع التظاهرات والاعتقالات وحصار المدن، وسواها من متطلبات كفّ أيدي أجهزة الأمن عن حياة المواطنين.

2- إطلاق سراح جميع المعتقلين، سواء من معتقلي الاحتجاجات الجارية أو المعتقلين منذ سنين، والذين صدرت بحقهم أحكام جائرة.

3- تقديم كل مَن أمر بإطلاق النار إلى محاكمات عادلة وشفافة.

4- إطلاق الحريات الإعلامية والسياسية.

ولا تمثل هذه المطالب ملخصاً لجميع المطالب، لكنها تفتح مجالاً لإمكانية وجود حوار شامل مع «النظام» وبلورة قيادات وممثلين للمحتجين حتى ينال الحوار شرعيته ويكون مستنداً إلى بعض الثقة، ثقة المحتجين بممثليهم وبجدية «النظام» في الحوار، وإلا... فإن المحتجين، كما نرى، لم يُترك لهم خيار في نيل حقوقهم سوى إسقاط «النظام»!

* ناشط سوري

===================

خلفيات الموقف التركي من الحدث السوري

الخميس, 19 مايو 2011

فايز سارة *

الحياة

قد يبدو الموقف التركي الحذر من الأحداث في سورية غير مفهوم في احد جوانبه بسبب العلاقات المميزة التي نسجتها انقرة مع دمشق في السنوات العشر الماضية، والتي كان من تعبيراتها علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مميزة، تمت صياغتها في سياق تعاون استراتيجي بين البلدين الجارين، وفي قيام علاقات شخصية مميزة بين قادة البلدين، لا سيما بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والرئيس السوري بشار الاسد.

لقد رسمت تركيا علاقاتها السورية بالاستناد الى افق مستقبلي مرتبط باحتياجات تركيا السياسية والامنية والاقتصادية. وفي الجانب السياسي، قامت العلاقات على اعتبار ان سورية تمثل احد محاور السياسة في المنطقة وذات ارتباط في الاهم من قضاياها الاهم ومنها موضوع الصراع العربي – الاسرائيلي والقضية الفلسطينية والوضع في لبنان والعراق وإيران، وجميعها موضوعات مهمة في سياسة انقرة الشرق اوسطية، وقد اعتبرت الاخيرة ان سورية اهم بواباتها الى بلدان المنطقة بحكم موقعها في التماس معها.

وفي الجانب الامني، فإن الاهم في نظرة تركيا الى علاقاتها مع سورية، يقوم على مسألتين، الاولى هي مسألة المياه، حيث ان سورية شريك في أكثر من مصدر مائي تركي، والثانية يمثلها الوضع الديموغرافي القائم على جانبي الحدود، التي يزيد امتدادها عن ثمانمئة كيلومتر، ينتشر على جانبيها الاكراد الذين لهم وضع حساس بالنسبة الى تركيا، ويؤلف الاكراد المنتشرون في جنوب وجنوب شرقي الاناضول كبرى الجماعات العرقية في المنطقة، وقد مثل النشاط المسلح للأكراد في الربع الاخير من القرن أكبر تحدٍ امني وسياسي للدولة التركية، في وقت كانت سورية تقف وراء ذلك النشاط المسلح.

اما في الجانب الاقتصادي، فإن سورية تمثل بالنسبة الى تركيا حيزاً من امتداد سوقها في الجنوب، وهي البوابة الى الاسواق العربية الاخرى عبر طريق برية سهلة وميسرة توصل البضائع والسلع التركية الى اسواق الاردن ولبنان وبلدان الخليج العربية وغيرها، كما انها تمثل ميداناً لتشغيل الاستثمارات والخبرات التركية، الى جانب توفيرها الايدي العاملة الرخيصة فيما لو قرر الاتراك اقامة بعض مشروعاتهم الصناعية والزراعية في الاراضي السورية، وقد شرعوا في بعض ذلك في السنوات الاخيرة.

وسط تلك النظرة التركية الى سورية، جاءت تطورات العقد الماضي من العلاقات التركية - السورية، وكان من الطبيعي وسط هذا السياق توجه الاتراك نحو تعزيز علاقاتهم مع دمشق والقيادة السورية، وكان من الطبيعي سعي الاتراك الى القيام بخطوات هدفت الى تطوير البنية التحتية للعلاقات بين البلدين، وهو امر جاء في سياقه مسعى تركي هدفه إحداث تحولات سياسية – اقتصادية واجتماعية على جانبي الحدود تصيب المناطق الكردية، وهو مشروع قابله السوريون بتحفظ ملحوظ تجاهله الاتراك على الجانب السوري، بينما تابعوه بتصميم في الجانب التركي، بالتزامن مع تطبيقهم سياسة انفتاح عام على مختلف الفعاليات والاوساط السورية، رفعت اسهم تركيا في سورية وأسقطت الحذر السوري التقليدي ازاء بعض سياساتها البينية والاقليمية.

وفي خضم تلك الأنساق الايجابية في العلاقات التركية – السورية، جاءت تطورات الازمة الراهنة في سورية، والتي كانت انطلاقتها مناسبة لأصدقاء دمشق في تركيا لتقديم نصائحهم للقيادة السورية، حيث ركزت على الاستجابة لمطالب المحتجين والمتظاهرين السوريين المطالبين بالحرية والكرامة وتحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية، وهي مطالب تستجيب فكرة تطوير البنية التحتية للعلاقات بين البلدين ومن شأنها المساهمة في تحسين العلاقات التركية – السورية، وقد توالت النصائح والمطالب التركية على لسان رئيس الوزراء اردوغان والرئيس عبدالله غل، ووزير الخارجية اوغلو. لكن السوريين رفضوا ذلك بحزم، مما ادى الى توترات بين انقرة ودمشق، زاد منها دخول بعض جماعات المعارضة السورية على خط العمل في تركيا، وبدء نشاطات شعبية وسياسية تركية مناهضة لما تقوم به السلطات السورية من معالجات امنية وعنيفة للأزمة الراهنة.

ولا حاجة الى تأكيد القول ان الموقف التركي من الاحداث في سورية لا يستند فقط الى ما تحقق من تقدم في علاقات البلدين في العقد الماضي، وضرورة الحفاظ عليها وتطويرها، بل انه يستند الى مخاوف الاتراك من خطورة ما يحدث في سورية واحتمالاته في ضوء عجز السلطات السورية عن القيام بإجراءات اصلاحية مما سيؤثر سلباً في تطور علاقات الجانبين. والاخطر من ذلك انه ومع احتمالات تغيير النظام في دمشق، فإن الاتراك لا يمكنهم السكوت الى حين مجيء نظام يأخذ منهم مواقف متحفظة، او ينكفئ عن الطابع الايجابي للعلاقات السورية معهم، والاهم من ذلك، انهم لا يرغبون في رؤية نظام قد يعيد تسخين الموضوع الكردي في جنوب الاناضول وشرقه على نحو ما فعلت دمشق بين بداية الثمانينات من القرن الماضي. لكن الاهم في المخاوف التركية من تأثير استمرار الاحتجاجات في المناطق السورية، هو احتمال انتقالها الى تركيا ليس عبر الاكراد السوريين فقط، بل عبر آخرين من المكونات العرقية والثقافية الكثيرة، التي لها حضور في البلدين الجارين.

ان مخاوف الاتراك من تأثيرات الحدث السوري حقيقية، وتأثيراتها ليست راهنة فقط، بل مستقبلية ايضاً، وهي مرتقبة ومؤكدة، اذا استمرت وتصاعدت تظاهرات السوريين واحتجاجاتهم، اياً تكن نتائج تلك التظاهرات والاحتجاجات.

* كاتب سوري

==================

أحمد المسالمة.. شاهدا على درعا الشهيدة

ياسر أبو هلالة

18/05/2011

الغد الاردنية

من قبيل المضحكات المبكيات يمكن مشاهدة التلفزيون الرسمي السوري، وما تناسل عنه من الفضائيات "الخاصة" التي لا تختلف عن القوات الخاصة التي تواصل ارتكاب جرائمها بحق الشعب السوري الثائر من أجل الحرية. غير أن الإعلام السوري بلغ حدا من السماجة تجعله مبكيا مثيرا للرثاء من دون سخرية.

تكفي فضيحة المجزرة الجماعية في درعا التي نفى في البداية وقوعها، وبعد ظهور الصور تلعثم وقال إنها للدفاع المدني. وبما أن الدفاع المدني لا يجند أطفالا، اضطر الإعلام السوري أخيرا لإذاعة خبر عن تشكيل لجنة تحقيق! أجزم أن اللجنة ستخرج بنتيجة تقول إن المجزرة نفذها سلفيون إرهابيون لأن العائلات الشهيدة كانت تهتف من أعماق قلبها "منحبك"!

الرد على الإعلام السمج كان من خلال الإعلام الثوري الذي تمكن من رصد الجرائم قبل وأثناء وبعد وقعوها. وكما عرّت الثورات أسوأ ما في الأنظمة من سلوك إجرامي، بذات القدر أظهرت أجمل ما في الشعوب من قدرات خلاقة ووعي وذكاء وجرأة وتحد.

لم يدرس هؤلاء في أرقى جامعات الغرب "نيو ميديا"، ولم يشاركوا في ورشات عمل في مؤسسات ذات تمويل غربي عن الشبكات الاجتماعية، ولم تتح لهم فرص للتنافس في شراء أحدث الهواتف الجوالة وأجهزة الحاسوب، جلهم يمتلكون القليل من الإمكانات المادية، ضاعفها إيمانهم بالحرية.

منذ بداية الثورة السورية، بعفوية، في درعا، تمكن شباب سورية من توثيق ما حصل بدقة ونشره على أوسع نطاق رغم منع كل وسائل الإعلام من دخول درعا، من الأطفال الذين جرى تعذيبهم في فرع الأمن السياسي على يد العميد عاطف نجيب، إلى المقبرة الجماعية بعد دخول الجيش.

أتيح لي أن أتواصل مع أحد هؤلاء الأبطال، وكم كان مفجعا خبر استشهاده. أحمد المسالمة يبلغ من العمر 37 عاما، وله عائلة وأطفال، فجع باستشهاد شقيقته ابنة 12 ربيعا بذنب أنهم يسكنون قرب الجامع العمري. بدأ نشاطه الإعلامي "شاهد عيان"، وسمع الناس صوته على "الجزيرة"، ثم بدأ يصور ويرسل الصور. لم يكن يفعل ذلك من أجل مقابل مادي، كان يدرك أن ذلك قد يكلفه حياته. تمكن من تصوير الكتائب السوداء في المظهر والمخبر. وشاء الله أن يقضي بطلقة قناص. وهو كان يقول لمن يحذرونه من جرأته الزائدة: "لسنا أفضل ممن استشهدوا".

لم يكن حزبيا، ولم يتعاط السياسة قبل الثورة، إلا أنه في حديثه كان عميقا وواعيا. قلت له يوما (طبعا الحديث على الشبكة الأردنية التي يلتقط بثها في درعا): إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له الثورة السورية الانزلاق إلى الطائفية. فرد: هم الطائفيون، ولن نكون مثلهم.

سيفتخر أبناء أحمد أن والدهم أسهم في كشف الجريمة التي تعرضت لها درعا، بقدر ما سيشعر أبناء المجرمين بالعار لأن آباءهم شاركوا في الجرائم. لكن الجميع سيعيشون في سورية الغد بتسامح وتعايش وديمقراطية.

إلى رحمة الله يا أحمد ويا كل شهداء سورية، والمجرمون مكانهم في الجحيم.

====================

من أي شيء صُنع هؤلاء الرجال؟

جمعة الحرائر: إنجاز أغرب من الخيال

مجاهد مأمون ديرانية

مداد القلم 19/5/2011

تخيلوا مسابقة في الجري يشترك فيها مشاهيرُ الأبطال، وذات يوم يشارك فيها رياضيٌّ مغمور لم يشترك في سباق من قبل قط، ويظن الناس أنه لن يكمل عشر خطوات، فإذا به يتقدم الصفوف وإذا هو السابق عليهم أجمعين! ألن يثير دهشة الناس وينتزع إعجاب الجماهير؟

ثم تخيلوا أنه وقع فكُسرت رجله ورُضَّت ركبته والتوى كاحله، فأشفق عليه الناس أن يعود إلى السباق وهو مصاب عليل. لكنه أصر على إكمال السباق، ولم ينجح فقط في إكماله، بل حطم أيضاً الأرقام القياسية... ألن تكون هذه النتيجةُ أعجوبةً ومعجزةً يتحدث عنها الناس؟

شعب سوريا فاجأ العالم بثورة مذهلة، ومضى يقطع الخطوات العريضة في إنجاز مُعْجز لم يتوقعه أحد! من عرف نظام القمع السوري كان يكفيه أن يتظاهر عشرة سوريين في ساحة عامة ليعترف بحصول المعجزة، فكيف بمئات الآلاف في كل ساحات وشوارع مدن سوريا وقراها؟ ثم كان من أمر النظام ما كان من قتل واعتقال وحصار واقتحام... ولو أن سورياً واحداً لم يخرج في مظاهرة بعد ذلك حتى تنحسرَ الحملةُ القمعية وتلتئمَ الجراحُ فلن يلوم الشعبَ السوري منصفٌ، ولكنهم خرجوا، وخرجوا كما لم يخرجوا من قبل!

هذه المعجزة أكبر من معجزة الخروج الأول، لكنها ليست كمعجزة المعجزات: ثورة المكلومين والمحاصرين.

حمص الجريحة تحت الحصار منذ أسبوع، وخرجت المظاهراتُ الهادرة في أحيائها وضواحيها وقراها كافة، حتى لم يبقَ حيٌّ فيها ولا قريةٌ حولها إلا وانتفضت مع المنتفضين. معضمية الشام الأسيرة التي ما كادت تخرج من الحصار الأول حتى دخلت في حصار أشدَّ منه وأسوأ، ولم يخرج اليومَ شبّانُها ورجالها في المظاهرات فقط، بل وخرجت أيضاً النساء. دوما المحتلة منذ أسبوعين خرجت فيها مظاهرة من جامع الأنصار، وبانياس المحتلة منذ أسبوع خرجت فيها مظاهرة من حارة البحر. حتى درعا التي أصيبت بما لم يُصَب به غيرها وتحملت ما لا يُحتمَل، أبَتْ إلا أن يكون لها في مظاهرات اليوم سهم، فخرجت طائفةٌ من رجالها إلى الشوارع وأقامت صلاة الجمعة وهتفت بإسقاط النظام. وحرستا وسقبا وداريا ومضايا ونوى وجاسم وطفس وإبطع والحارّة لم تكد تبرأ من جراح الاجتياح القريب، ولكنها كانت في الطليعة وخرجت فيها المظاهرات الهادرة... يا له من يوم عجيب سوف يذكره التاريخ!

من أي شيء صُنع هؤلاء الرجال؟ أشهد أني ما رأيت قوماً كهؤلاء من قبل، ولا عشت يوماً قبل اليوم أحفلَ بالعجائب من هذا اليوم!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ