ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 12/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

هيلاري كلينتون... «البعثية»!

الرأي الكويتية

مبارك محمد الهاجري

10-5-2011

يبدو أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بتصريحاتها الأخيرة، معجبة أيما إعجاب بالنظام «البعثي» في سورية، مشيرة إلى أن هذا النظام هو أرقى بكثير ومتميز عن نظام معتوه ليبيا معمر القذافي!

السيدة كلينتون ترى القتل والسحل الذي يتعرض له الشعب السوري رأي العين، ولم تبدِ أدنى أسف تجاه الجرائم البعثية هناك، ويا ليتها وقفت عند هذا الحد، بل وطالبت بضبط النفس، وكأنها توجه حديثها إلى الحكومة الإسرائيلية التي اعتادت معاليها أن توجه نصائحها إليها! وليست إلى حكومة «البعث» الديكتاتورية التي حكمت سورية بالنار والحديد منذ 40 عاماً دون أن يكون للحرية مكان في قاموسها!

أي زمان هذا، هل عاد القرن الواحد والعشرون إلى الوراء، هل نحن في عالم يسوده قانون الغاب؟ واشنطن التي ينظر إليها ملايين البشر على أنها دولة القانون والديموقراطية، تؤازر وبشكل فج ووقاحة لا مثيل لها وعلى لسان وزيرة خارجيتها، نظاماً دموياً أهدر دماء شعبه لأجل المكوث على كرسي الحكم مدة أطول! هل هذه واشنطن التي تزعم حماية حقوق الإنسان، وتدعم الديموقراطيات والثورات المنادية لها، قلناها ومازلنا، أن المغررين بسياسات أميركا كثر يعتقدون أنها على صواب دائماً وواقعها يقول عكس ذلك تماماً، ولكن، إذا عرف السبب بطل العجب، تأييد وزيرة الخارجية الأميركية لم يأتِ من فراغ، فأمن إسرائيل لا يُعلى عليه، ولا يمكن التفريط به، وما صرحت به يتوافق وسياسات بلادها التي وضعت خطوطا حمراء حول أمن إسرائيل، وهذا ما جعلها تعلن تأييدها لنظام «البعث» الذي لم يجرؤ قط على إطلاق رصاصة تجاه نظام الصهاينة المجاور لبلاده!

واشنطن تعلم يقينا أن ملفات النظام السوري سوداء كالحة كظلام الليل، متناسية ما فعله بلبنان وزرعه فيها حزب (اللات) المسلح، وجعله ألعوبة يهدد به أمن وسلامة لبنان والمنطقة، فهل تعتقد عزيزي القارئ نظاماً كهذا سيكون عامل استقرار في منطقة تحاصرها إسرائيل من الغرب، ونظام طهران من الشرق!

طالت الأزمة الليبية ويبدو أن الأموال التي يتلاعب بها معمر القذافي قد فعلت فعل السحر في نفوس بعض الساسة في أوروبا، وإلا بماذا يُفسر التلكؤ والمماطلة في دعم الثوار الذين يسعون للحصول على الأسلحة لكي يواجهوا بها كتائب المرتزقة القذافية التي دمرت المدن الواحدة تلو الأخرى، كمصراته التي نالها ما نالها من القصف والدمار تحت أنظار أوروبا التي ترفض وحتى هذه اللحظة إنقاذ أرواح البشر، أو حتى دعمهم بسلاح يدافعون به عن أنفسهم!

==================

العلاقات البريطانية - السورية على المحك

المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «الغارديان»

التاريخ: 11 مايو 2011

الامارات اليوم

تحسنت العلاقات بين بريطانيا وسورية في السنوات الأخيرة بشكل لافت وأسهمت باريس في عودة نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد إلى المجتمع الدولي بعد قطيعة دامت طويلاً. وعقدت الدول الغربية آمالا كبيرة على قطع دمشق علاقاتها مع إيران وعقد معاهدة سلام مع اسرائيل.

وعلى الرغم من أن لندن لا تتوقع كثيرا من دمشق، إلا أن السياسة الخارجية البريطانية عملت في اتجاه التطبيع التدريجي، بالموازاة مع الجهود الفرنسية، وكانت الدوائر الدبلوماسية قد استقبلت خلافة الأسد لأبيه عام،2000 وتفاءل الكثيرون في بريطانيا بأن الرئيس الجديد الذي درس وعمل في لندن وتزوج فتاة سورية مولودة في بريطانيا، سيكون مختلفا عن سلفه وسيقود البلاد على الطريقة الغربية. ويرى محللون أن تلك الآمال تراجعت بشكل كبير، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة، إلا أنها لم تمت.

يقول السفير البريطاني السابق في سورية، ديفيد هوغر، «كان الانطباع السائد آنذاك أن سورية مقبلة على ربيع (سياسي)»، لقد توقنا فجرا جديدا في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، لكن ذلك لم يحدث».

ويضيف أن الحرب على العراق التي اندلعت في مارس ،2003 أوقفت النشاط السياسي بين لندن وسورية، وازدادت العلاقات سوءاً بعد اتهام النظام السوري بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في .2005 ولطالما اعتقد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أن دمشق هي مفتاح السلام في الشرق الأوسط. ويقول مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني في لندن، كريس دويل، «لقد كان هناك دائما فضول غير عادي من جانب الحكومة (البريطانية) تجاه سورية». ويوضح الخبير أن تعاون دمشق مع المجموعة الدولية سيجعل التعاطي مع المسألتين اللبنانية والفلسطينية أسهل بكثير، على الرغم من أن سجلات سورية في مجال حقوق الإنسان ليست جيدة.

عملت منظمات غير حكومية وشخصيات مستقلة على دعم الحوار ومد جسور التعاون بين البلدين. وفي هذا السياق يشار إلى الجهود التي بذلتها الجمعية البريطانية السورية، التي يمولها رجل الأعمال السوري الدكتور فواز الأخرس، والد زوجة الرئيس السوري أسماء الأخرس. وقامت الجمعية بتمويل المؤتمرات والندوات التي تعقد من أجل جذب الاستثمارات البريطانية إلى سورية، كما تكفلت بنفقات زيارات رئيس الوزراء البريطاني وكبار معاونيه إلى دمشق. ومع كل ما يجري في سورية حالياً، فإن دويل، وهو أحد منتقدي سياسة بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، لايزال مصراً على أن الأمر كان يستحق المقامرة، «لو لم نحاول فسنظل نتساءل: ماذا لو؟».

وعرف الأخرس بدماثة خلقه وموهبته في خدمة مصالح بلده في بريطانيا، وقد اشتهر بالترويج الهادئ والمدروس لصالح سورية. وهو طبيب قلب مشهور دولياً لفت أنظار الرأي العام اليه منذ 10 سنوات عندما تزوجت ابنته أسماء من الرئيس السوري بعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة. ويقوم الأخرس (65 عاماً)، بدور المستشار الاعلامي للرئيس الأسد، حيث يفحص ملفات الصحافيين البريطانيين الذين يريدون مقابلة الرئيس وتربطه علاقة وثيقة بالسفير السوري في لندن سامي الخيمي الذي يعمل معه عضواً في مجلس مستشاري مركز الدراسات السورية بجامعة سانت اندروز الاسكتلندية.

من جهة أخرى، يقول دويل، «الأخرس رجل جدير بالاحترام، لكنه في وضع صعب للغاية بوصفه والد زوجة الرئيس، وبالتالي فإن كل ما يفعله يخضع للتدقيق، وهو يدرك ذلك تماماً. انه شديد التحفظ ولابد من ذلك». أما المسؤولة السابقة في الجمعية البريطانية السورية، منى نشاشيبي، فقد وصفت الرجل بأنه كان «يسعى جاهداً الى بناء جسور بين بريطانيا وسورية». وتقول: «لقد عمل بصدق من اجل انفتاح سورية، وأن تصبح بلدا ديمقراطيا». وتضيف أنه أطلق مبادرات عدة لفتح قطاع الأعمال أمام رؤوس الأموال الأجنبية.

==================

لغة المصالح

صالح القلاب

الجريدة

كل الذين فصَّلوا تركيا، في عهد أردوغان، على مقاساتهم الخاصة أصيبوا الآن بأكثر من خيبة أمل، وهم يرون أن القصور التي بنوها من الرمال غدت تنهار تباعاً، وثبت أن هذه الدولة مثلها مثل كل دول الكرة الأرضية تبني علاقاتها وتضع سياساتها الخارجية على أساس مصالحها الخاصة، فالدول ليست جمعيات خيرية تعمل من أجل وجه الله عز وجل، ولهذا وعندما أعلن وزير الخارجية التركي 'تصفير' عداد بلاده فإنه قصد أن هذه المجموعة التي غدت تحكم واحدة من أكبر وأهم دول المنطقة تريد الاتجاه إلى مجالها الحيوي في الشرق الأوسط، ووقف اللهاث وراء عضوية الاتحاد الأوروبي.

اعتقد كثيرون أن تركيا في عهد هذه المجموعة سترتد على مصطفى كمال (أتاتورك) وعلمانيته وإصلاحاته واستبداله الطربوش العثماني بالقبعة الأوروبية، وأنها ستعود إلى عثمانيتها، وقد ذهبت أحلام اليقظة ببعض هؤلاء إلى أن الخلافة العثمانية عائدة لا محالة، وأن زوال دولة 'الكيان الصهيوني' بات مؤكداً وفي فترة قريبة، وأن أمجاد محمد الفاتح ستعود، وأن حوافر خيول الفرسان المسلمين ستطأ قلب أوروبا كما وطأته في السابق.

لم يدرك هؤلاء أن أردوغان ومجموعته بمجرد وصولهم إلى السلطة بادروا إلى 'تصفير' عداد بلادهم لتجديد انطلاقتها في المنطقة وتجديد مسيرتها الاقتصادية والسياسية، وأنهم سيحافظون على علاقات حسنة مع إيران لأنهم متفاهمون معها على أساس المصالح المشتركة والمكاسب الاقتصادية المتبادلة، وأنهم بادروا إلى بدء عهد جديد مع سورية بعدما توقفت في عهد رئيسها السابق حافظ الأسد عن التدخل في شؤون بلادهم الداخلية، وطرد عبدالله أوجلان من بلاده شر طردة، وأنهم بعد انحياز سابق كامل إلى إسرائيل بالنسبة إلى صراع الشرق الأوسط أرادوا سياسة متوازنة تجاه هذا الصراع بين الإسرائيليين من جهة والعرب والفلسطينيين من جهة أخرى.

ولهذا فقد بادر أردوغان بمجرد اهتزاز المعادلات في هذه المنطقة تحت ضربات ظاهرة الثورات الشبابية إلى 'تصفير' العداد مرة أخرى، ولذلك 'ولأن الأقربين أولى بالمعروف' فقد بدأ بسورية حيث انقلب عليها بين عشية وضحاها، وقال مما قاله في مجال تهديدها بعد السكوت عما كان يجري بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه 'حماة' جديدة، وكان قبل ذلك قد قلب ظهر المجن ل'الأخ قائد الثورة' وطالبه بالرحيل الفوري وتَرْك مصير 'الجماهيرية العظمى' للثوار الزاحفين من الشرق تحت غطاء الغارات الجوية الأطلسية.

إن تركيا في عهد أردوغان ومجموعته ستبادر إلى 'تصفير' العداد كلما استدعت مصالحها ذلك، ولهذا فإنه غير مستبعد أن يأتي اليوم الذي يشهد فيه العراق وتشهد معه المنطقة صراعاً عثمانياً-صفوياً جديداً، خاصة وأن إيران جادة في أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه الإمبراطورية الفارسية في هذه المنطقة قبل أن تظهر القوة الإسلامية وتغير كل المعادلات فيها، فالدولة التركية لها مصالح حيوية في بلاد الرافدين وفي منطقة الخليج وفي المنطقة العربية كلها، ولهذا فإذا تعرضت هذه المصالح لأي تهديد إيراني فإن الأردوغانيين سيلجأون إلى 'تصفير' العداد مجدداً، وقد يضطرون حتى إلى المواجهة العسكرية.

لقد كانت لتركيا أردوغان حسابات بالنسبة إلى سورية هي التي أملت التآخي والتقارب ودفن الماضي بكل خلافاته وأحقاده، أما وقد حدث هذا الذي يحدث فإن الأردوغانيين، الذين تهمهم جداً معرفة طبيعة من سيحكم الجارة الجنوبية، ويهمهم قبل ذلك ألا يفاجأوا بموجات من النازحين واللاجئين خصوصاً في مناطق التماس الحدودية الشرقية والمتداخلة من حيث السكان الأكراد، قد بادروا هرولة إلى 'تصفير' عدادهم مرة أخرى وإطلاق التهديدات التي أطلقها أردوغان ضد زميله في دمشق إن وصلت الأمور في بلاده إلى 'حماة' جديدة.

==================

أشارت إلى قلق دمشق من احتمال اتهام مسؤولين كبار في عملية اغتيال الحريري.. «خدمة أبحاث الكونغرس» عن ديبلوماسي غربي: نظام الأسد انتهى

واشنطن من حسين عبد الحسين

الرأي العام

11-5-2011

نقلت «خدمة ابحاث الكونغرس» عن ديبلوماسي غربي مقيم في سورية، لم تذكر اسمه، ان نظام الرئيس بشار الاسد اصبح في حكم المنتهي.

وقال الديبلوماسي: «انتهى (النظام السوري)... انها مسألة وقت، قد تحصل المسألة على نار خفيفة، او بطريقة قذافية مجنونة، لكن الوضع متوتر جدا هنا... يمكنك ان تشعر بالتوتر في الجو».

بيد ان تقرير الخدمة، اشار الى ان المجتمع الدولي منقسم حول كيفية التعامل مع الملف السوري، وان «مجلس الامن فشل بتاريخ 27 ابريل في اصدار بيان صحافي بالاجماع يدعو فيه قادة سورية الى وقف العنف ضد شعبهم»، وان روسيا هي التي تعارض ادانة تصرفات النظام السوري.

ونقلت الخدمة عن مسؤول روسي ان «الوضع في سورية، على الرغم من التوتر المتزايد، لا يمثل تهديدا للسلام والامن الدوليين».

وتابع التقرير انه حتى تاريخ 28 ابريل، تم تسجيل مقتل اكثر من 500 سوريا، وان «الخبراء حذروا من ان تؤدي الاحداث الى انقسامات داخل القوى الامنية».

واضاف: «الآن مع دخول سورية في ازمتها، يهتم المراقبون في معرفة كيف سيؤثر عدم الاستقرار الطويل (او التغيير المحتمل في الطاقم هناك) على اولويات السياسة الخارجية الاميركية في لبنان، بما في ذلك (اولوية) استقرار لبنان ومكافحة حزب الله، والحد من النفوذ الايراني، وحل الصراع العربي الاسرائيلي».

ولفت التقرير الى ان الاحداث المندلعة في سورية منذ منتصف مارس الماضي، شكلت التحدي الاول من نوعه لبشار الاسد منذ توليه السلطة خلفا لابيه الراحل حافظ الاسد قبل 11

عاما.

وافاد: «لطالما عاشت سورية في ظروف اجتماعية اقتصادية وسياسية مشابهة للظروف التي ولدت عدم رضى (شعبي) حول الوضع القائم في الديكتاتوريات العربية الاخرى، بما في ذلك نسب البطالة العالية، والتضخم العالي، ومحدودية الترقي (الاجتماعي)، وانتشار الفساد، وغياب الحريات السياسية، ووجود قوى امنية قمعية».

واضاف: «ولطالما اعتبر المراقبون ان تفشي الدولة البوليسية، وانخفاض مستوى استخدام الانترنت، والحساسية المفرطة تجاه التوتر الطائفي السني العلوي ستشكل حصنا في وجه انتشار الاضطرابات... الا ان هذه الافتراضات ثبت ان لا اساس لها».

وتطرق التقرير الى لبنان، واعتبر ان «من الواضح ان سورية قلقة من ان مسؤولين كبار فيها ستتم تسميتهم كمتهمين محتملين في عملية اغتيال (رئيس الحكومة السابق) رفيق الحريري في العام 2005»، وان «سورية لا تعتبر ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جسما دوليا شرعيا»، وانها «عملت خلف الكواليس لعرقلة تحقيق المحكمة فيما ارسلت اشارت ان اي تحرك (قضائي) ضد مسؤوليها سيؤدي الى زعزعة الامن في لبنان».

عن الحكومة في لبنان، ذكر التقرير ان «ترشيح (نجيب) ميقاتي رئيسا للحكومة جاء على الاغلب بعد موافقته على طلبات حزب الله تجاه المحكمة».

اما عن السياسة الاميركية تجاه الاسد، فاعتبر ان ادارة الرئيس باراك اوباما حاولت، على مدى السنتين الماضيتين، اتباع «سياسة الانخراط» مع سورية. بيد ان «استخدام حكومة الاسد للعنف لاحتواء التظاهرات المتنامية في انحاء البلاد قد يؤدي الى اعادة صياغة في المواقف في الكونغرس، حيث يطالب بعض الاعضاء باعتماد تشدد اكبر في وجه دمشق، فيما يرى اعضاء غيرهم ضرورة «الاستمرار في سياسة الانخراط من اجل احتواء المضاعفات السلبية للاضطرابات».

==================

قالت بثينة

إبراهيم توتونجي

التاريخ: 11 مايو 2011

البيان

وقالت السيدة بثينة لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «الأصعب قد مرّ، وكل شيء بات تحت السيطرة». ومرت شحنة كهربائية مباغتة في دماغي، لا أدري إن كانت لفرط الصدمة أم «فرط» العائلات التي تذكرت أن جل رجالها ونسائها باتوا في المعتقلات. ومرت فكرة تغيير موجة الإذاعة التي نقلت النبأ، أو إحراق المذياع، أو التحليق بالسيارة فوق الجسر. كنت بحاجة لأي رد فعل عظيم يوازي التصريح العظيم للسيدة بثينة.

والسيدة بثينة، لمن لا يعرفها، «مبشرة». ليس في الدين ولا الوعظ الأخلاقي، «لا سمح الله»، ولكن في السياسة. وهي متخصصة في التبشير بالإصلاح. وهي تتمتع بكلمة حاذقة وفكرة حاضرة وشعارات حاضنة، وربما، في أعماقها نوايا صادقة. لكن كل ذلك لم يمنع أحد القراء من مكاتبتي بالعبارة التالية: «بتنا نخاف من إطلالاتها، حين تعد بالإصلاح القريب، انهمرت طلقات الرصاص على صدور أبنائنا كما زخات المطر، وقتلت نساؤنا واعتقل الأطفال وجاعت المدن وذبلت البيادر. نخاف أن تتكلم بثينة أكثر فنفنى ولا يبقى لنا أثر».

وقد تكون ألطف من الموجة المتشظية على صخرة نبت عليها الطحلب، وقد تكون أرق من عاصفة تخلّع الأبواب والنوافذ وتأتي بالوحل إلى طاولة الطعام والوسادة، وقد تكون امرأة، تبكي لأم فقدت وليدها، وترثي أباً فقد عياله، ويحترق قلبها لطفل سقط رأسه عن عنقه بسبب شظية استهدفت منارة الجامع.. وقد تكون إنسانة، من لحم ودم، لكن لها وظيفة محددة لا ترغب بالتخلي عنها: أن تدافع عن ضحالة الصخرة ووسخ الوحل والشظية القاتلة.

لكنها لو صمتت.. قليلاً. فيما الشموع تضاء على أرواح من فقدوا ومن سيفقدون. فيما الأسئلة معلقة حول أسماء من اختفوا ومن سيختفون. فيما رائحة الموت تفوح أكثر من رائحة الطحين من مخابز الصباح، والأرض من سيقان العشب بعد المطر، والصابون من قمصان معلقة على سطوح البيوت الفقيرة. قمصان لن يرتديها أحد. فقد رحل أصحابها إلى غير رجعة وبات «الأمر تحت السيطرة».

==================

نحن بخير اطمئنوا

11/05/2011

ميشيل كيلو

الخليج

لست من أبناء الجيل الحالي . أنا من جيل ولد قبل منتصف القرن الماضي، وجمع خبراته واكتسب وعيه في خضم النضال من أجل الاستقلال الوطني، وبروز الثورة المصرية والعداء للغرب، ودخول الاتحاد السوفييتي والفكرة الاشتراكية بقوة إلى المنطقة العربية . ولا أحسبني مبالغاً إذا قلت إنني حاولت دوماً، بدرجات متفاوتة من التوفيق، دمج لحظات ثلاث في رؤيتي ومواقفي هي : الوطنية والقومية والنزعة الإنسانية/ الكونية، التي اعتقدت أنها تتجسد فيهما، وأنهما فسحتها التي يجب أن تتحقق من خلالها فينا نحن العرب، فلم أفهم الأممية إلا كبعد كوني للوطنية يجعل سائر البشر أخوتي، ولم أع الوطنية إلا كترجمة للقومية في مستوى الوطن، وأرى في القومية غير الوطنية في صعيدها العربي العام . بما أن هذه اللحظات الثلاث كانت وظلت متقاطعة متفاعلة في رؤيتي، فقد كانت في حاجة إلى حامل مشترك اعتقدت أنه الإنسان ككائن نوعي، وفي حالتي كوطني وقومي، ككائن كوني يتعين ويتساوى،عندنا وفي كل مكان، بحريته وليس بأي شيء غيرها، فهي تزيده وطنية وقومية، بينما تنمي الوطنية والقومية إنسانيته وكونيته، وبالتالي حريته وابتعاده عن أي تعصب أو انغلاق .

لست من الجيل الحالي، لو كنت منه لكان انتمائي إليه مبعث فخري وسعادتي . أليس هو من يلقي بنفسه إلى التهلكة اليوم كي يخرجنا من نار احتجاز استبدادي قتل الوطنية والقومية والكونية، واغتال حاملها : الإنسان بما هو ذات حرة وتتعين بالحرية، فإن فقدها أضاع كل شيء غير الرغبة في استعادتها، مثلما تؤكد ثورات العالم الحديثة من أجل الحرية، التي بدأت قبل عشرين عاماً هناك، في أوروبا، ثم انتقل إعصارها إلينا هنا نهاية عام ،2010 ويبدو أنه سيتواصل إلى أن يعيدها إلينا بعد أن ضيعناها من أجل أشياء أخرى توهمنا أنها أكثر أهمية منها، فلم يبق لنا بضياعها أي شيء . ولولا الجيل الحالي لما استعدنا اليوم من جديد ذلك الأمل، الذي ملأ قلوبنا عندما كنا شباناً، وجعلنا نعتقد أن خلاص العرب وحريتهم رهن بالمظاهرة القادمة، فلم نغادر الشارع أو نتوقف عن العمل والتضحية من أجل ما كنا نتوق إليه: وطن عربي حر، ومواطن فرد حر، ومجتمع عمل وعدالة ومساواة .

أتحدث عن النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي . في ذلك الزمن تكاثرت المؤامرات على سوريا والعرب . وعندما وقع عدوان السويس عام 1956 على مصر، نسف العمال خط أنبوب النفط الأمريكي القادم من السعودية، الذي يصب في مدينة بانياس الساحلية - فك الله أسرها - فهي تتعرض لهجوم عسكري منظم . يومها، أعد جيش سوريا آنذاك كل ما يلزم لدخول الحرب إلى جانب مصر، وكاد يدخلها لولا تحذير مصري صارم، ووزع السلاح على الشعب، حتى إن اللاذقية ذات الخمسة وستين ألف مواطن تلقت اثني عشر ألف قطعة سلاح ظلت في أيدي أبنائها طيلة ستة أشهر، من دون أن تسجل حادثة عنف واحدة بين المواطنين، مع أن هؤلاء كانوا يتولون حراسة الساحل كله، ومرافق المدينة الحيوية، ويسهرون الليل بالآلاف في كل مكان داخلها وفي الضواحي القريبة، بقيادة وإشراف ضباط وصف ضباط من الجيش السوري كانوا يشاطرونهم الوطنية والرغبة في الحرية . حدث هذا كله عام 1956/ ،1957 في ظل حكومة كان يقودها المغفور له صبري العسلي، ساندها في البرلمان تجمع أغلبي ضم أحزاباً متنوعة، من الشيوعيين إلى فصائل من الحزب الوطني . بعد إفشال المؤامرات، تفاعل النضال الوطني في الصعيد القومي، إلى أن أجبر الشعب والجيش جمال عبدالناصر، بطل الأمة ورمزها آنذاك واليوم، على قبول الوحدة الاندماجية، بعد أن كان متردداً أول الأمر في شأنها .

هذا التطور المتنوع، الوطني/ القومي والتصاعدي، وقع كله خلال عامين ونيف، من دون أن يكون في بلادنا نظام يسمي نفسه ثورياً أو وحدوياً . كان في سوريا شعب، وكان هناك أحزاب وصحافة حرة وبرلمان منتخب ووزارة مسؤولة أمامه وجيش وطني ونقابات عمالية حرة وفلاحون يناضلون في سبيل العدالة، وكانت الانقلابات التي تحدث لا تبطل مبدأ الحرية بل تكيف نفسها وأوضاعها معه . . إلخ، ذلك مكنّ بلادنا من تحقيق تطلعاتها خلال هذا الوقت القصير . تلك الإنجازات كانت الاستمرار الطبيعي لنجاحات وطنية ترتبت على النضال في سبيل الاستقلال وطرد الأجنبي من وطننا، الذي قرب بين فئات الشعب وصهرها في بوتقة قامت على الانتماء إلى جسدية سياسية واحدة أرضيتها الحرية . ثم، وقع شيء خطير أحل السلطة محل الشعب، وأدخل سوريا في متاهة لا تعرف إلى اليوم كيف، وما إذا كانت ستخرج منها، أهم سماتها أن الوطنية اقتصرت خلالها أكثر فأكثر على السلطة ومالكيها، وأن الشعب صار خارجها، بينما توطدت فكرة غريبة ترى أن النظام هو الوطن، وهو الشعب والأمة، فإن سقط أو ضعف وقعت الواقعة وسقطت سوريا وتخلت عن التزاماتها وأدوارها الوطنية والقومية، وانضمت إلى المعسكر الإمبريالي/ الصهيوني، وشاركت حكماً في القضاء على ما تبقى من مقاومة له في الوطن العربي، وخاصة منها حزب الله .

لست من السذاجة بحيث أبدأ بتذكير إخوتي في الحزب بوقائع التاريخ . ولست بحاجة أيضاً إلى إيراد إثباتات تؤكد أن السياسة ابنة الجغرافيا، كما كان يقول نابليون، وأنه لم يوجد ولن يوجد أبداً وضع يكون الشعب خلاله في موقع الخيانة والسلطة في موقع الوطنية . ولن أثبت أن الشعب السوري لن يتخلى عن أراضيه المحتلة أو يبيع بلاده للأجانب، وأنه كان وطنياً وقومياً قبل عام ،1963 وسيعاود سيرته هذه، تحت أي ظرف . أعتقد جازماً أن من يحمل أفكاراً كهذه عن سوريا وشعبها هو على خطأ، وأنه يجهل من هي الجهة الحقيقية، التي تضمن وطنيتنا وقوميتنا وروح المقاومة فينا ورغبتنا في تحرير أرضنا واستعادة وحدة دولتنا وسيادتها على جميع أراضينا . في النهاية، تقول التجارب اليومية إن كل من زار سوريا ولو مرة واحدة يعلم أن مواطنيها عاملوه كواحد منهم، وأنه كان بين أهله وتمتع دون منة بكرم شعبها وحبه للآخرين، ووجد نفسه في وضع آمن مريح، لا يسأله أحد من أين أتى وإلى أين يذهب، وإنما يلقى الترحاب والمودة أينما حل وحيثما ارتحل .

قبل عام 1963 بكثير، كانت سوريا تسمى “قلب العروبة النابض “ . لو فكر المرء بالتظاهرات التي خرجت عام 1955/ 56 احتجاجاً على اعتقال شابة جزائرية عادية اسمها جميلة بوحيرد، وبلغ عددها عشرات الآلاف على مدار الشهور والأعوام، لعرف حقاً معنى هذه التسمية ولوافق عليها، ولأدرك صحة ودقة فكرة قالها فيلسوف روماني هي: لكل إنسان على الأرض وطنان، وطنه الأصلي وسوريا، ولما خاف على سوريا أو منها، ولنام على حرير، لأن شعبها هو الذي يُكره حكوماته على انتهاج سياسات وطنية وقومية، وهو أكبر من أن يتخلى عن قيمه، وأنبل من أن يتظاهر بالوطنية والقومية قرابة نصف قرن، بينما يضمر عكسهما وينوي التخلي عنهما والانقلاب على الأفكار والممارسات النابعة منهما، والغدر بالقائلين بهما والداعين لهما والمناضلين في سبيلهما .

أردت التذكير ببعض ما عشته شخصياً، لاعتقادي أن الذكرى تنفع المؤمنين، وأن من لا ذاكرة له لا وعي له، ولا فائدة منه ولا رجاء فيه، وأن شعباً يمكن أن ينسى تاريخه الخاص، الذي صنعه بدمائه وتضحياته، لا يستحق هذا التاريخ وما تخلله من حرية وكرامة . لكن شعب سوريا، الذي يستحق الحرية لا ولن ينسى قيمه، التي أرسى دولته عليها، كي لا يفقد هويته ويضيع حاضره ومستقبله، ويهلك - لا سمح الله - مع الهالكين . سوريا بخير، لا تخافوا عليها .

==================

الفتنة الطائفية كسلاح للطغيان!

طلال سلمان

السفير

11-5-2011

كشفت الانتفاضات الشعبية التي تفجرت في العديد من الأقطار العربية، لا سيما تلك التي انتصرت فأزاحت حكم الطغيان، حجم الخراب في هياكل الدول كما في المجتمعات، فإذا السلطة الجديدة وهي بطبيعتها موقتة لا تعرف من أين تبدأ وكيف تتخلص من «العهد البائد» الضاربة جذوره عميقاً في مختلف جوانب الحياة.

تبيّن أن «الدولة» قد قزمت حتى صيِّرت بمختلف مؤسساتها وإداراتها مجرد أداة تنفيذية في خدمة الطاغية تقوم على تحقيق مصالحه وأغراضه وتلبي احتياجاته ورغباته: يعيّن فيها ولها المطيع لا الكفؤ، يعاقب أهل النزاهة وأصحاب الرأي من المخلصين «لدولتهم» وحقوقها بالإقصاء عن موقع القرار، أو بإلغاء صلاحياتهم، أو بإلحاقهم بمن تعوّدوا أن ينفذوا بلا نقاش وبمنطق: «حاضر يا فندم... تقدر سيادتك تطمئن!».

الوزارات تكايا للمحظوظين الذين صُيِّروا وزراء لأنهم يعرفون كيف يحققون مطالب «السيد الرئيس» وسائر أفراد أسرته، السيدة الأولى بداية ثم الأنجال فشركاء الأنجال، وبعدهم يأتي دور أولئك «العباقرة» من رجال الأعمال الذين سيحققون أحلام السيد الرئيس في النهوض الاقتصادي والانتساب إلى عالم التقدم، مع توفير الضمانات لمستقبل آمن عبر بعض الاستثمارات وتوظيفها في مشروعات إنتاجية مضمونة الربح بكفالة شركات عالمية «ستمنح بعض الامتيازات مكافأة لها على اختيارها دولتنا من بين دول عدة مستعدة لأن تقدم لها أكثر».

تصير «الدولة» أشبه بمزرعة لأهل السلطان، الربح لهم، مباشرة أو مداورة والخسارة على مجموع الشعب، الفقير أصلاً، والذي لا مجال لأن تزداد أحواله سوءاً... «فأين سكان العشوائيات في سفح جبل المقطم مثلاً، أو في المقابر، من أسباب التقدم العلمي المذهل، وأي مجنون يفكر بالتصدي الآن لحل مشاكلهم؟ غداً، في ظل النهضة السياحية والطفرة المالية، ونجاحات البورصة يمكن أن نباشر في وضع خطة شاملة لإجلائهم إلى حيث يمكن أن يسكنوا من دون أن يشاغبوا على جهودنا من أجل النهوض بالوطن جميعاً... ثم إن الله يقسم الأرزاق، يعطي من يشاء بغير حساب، فهل سنحل نحن محل ربنا، له العزة والإجلال».

تتحوّل الإدارات العامة إلى دوائر للبصم على قرارات «الناس اللي فوق»، بغض النظر عن مدى ملاءمتها للقوانين والأصول المرعية الإجراء... أما مؤسسات «القطاع العام» فهي عبء على الخزينة العامة: «متى كانت الدولة تاجراً أو صناعياً أو مزارعاً؟»... في أي حال، ولكي تكون في خدمة الدولة، فلا بد من أن يعود القرار فيها لشخص السلطان وأصحاب الحظوة لديه.

... ولأن الزور والتزوير والغلط المقصود في الأشخاص والمشاريع المفصلة على مقاس أصحاب الحظوة، كل ذلك لا يمكن أن يمر بلا حماية، فقد صار لكل متنفذ جاء به «السلطان» من خارج الكفاءة وأصول التعيين، من يحميه ويمنع عنه المحاسبة.

من باب الاحتياط، لا بد من بعض الحماية التي تتجاوز الأطر الرسمية والتي يمكن أن يوفرها بعض «متعهدي الأنفار» الذين يعرفون «البلطجية» وأثمان خدماتهم، وهؤلاء متوفرون بكثرة بين أصحاب السوابق، كما بين سكان المقابر أو العشش، وإن ظل الأفضل من بينهم من يؤتى به من الأرياف، هؤلاء الذين لا يأتمرون إلا بتعليمات من استقدمهم فوظفهم ومنحهم مرتبات مجزية وطلب إليهم أن يمنعوا الهواء من أن يعكّر عليه صفو أيام الربح والاستمتاع بالمكاسب التي لا بد من أن يخفي بعضها قبل أن يقدم «حقوق السلطان» و«شلة الإنس» من شركائه الذين يصيرون أصدقاء، ثم قد تسعده الأقدار بمصاهرتهم.

من باب الاحتياط أيضاً لا بد من «تأمين» أجهزة الأمن عبر اختيار المخلصين لقيادتها، فإذا ما طرأ طارئ، أنزلوا رجالهم بمختلف تسمياتهم وليس ضرورياً أن يكونوا بالبزة الرسمية، لتأديب من قد تسوّل له نفسه الاعتراض أو المساءلة...

تأخذ الفطنة إلى التحسب لأشتات المعارضين الذين قد يفكرون بالنزول إلى الشارع، وهؤلاء أمرهم سهل: يجري تقسيمهم بشراء بعضهم، والتشهير بالآخرين عن طريق توجيه سلسلة من الاتهامات إليهم، قد تكون «الشيوعية» كما قد تكون «الأصولية»... أما السلاح الاستراتيجي فهو الطائفية التي لا مجال لمواجهتها، لأن المواجهة تؤجج نيرانها فتنتشر ألسنتها الحارقة في كل الاتجاهات، فضلاً عن أن النظام يكتسب من مقاومتها رصيداً إضافياً فيتبدى في صورة «حامي الوحدة الوطنية» و«ضامن التآخي بين فئات الشعب الواحد» و«حارس الإيمان من التلوث بجراثيم التعصب الطائفي»!

وليس ضرورياً أن ينتظر الطغيان انفجار الفتنة، بل هو من قد يلجأ إلى تفجيرها إذا ما وجد في نارها تأميناً لسلطانه: أليس هو مرجع الشعب جميعاً، بكل فئاته وأطيافه وعائلاته الروحية؟!

انسف كنيسة في ليلة عيد تشعل فتنة عمياء! أطلق شائعة عن إقدام امرأة على تغيير دينها لتتزوج عشيقاً تحرق مدينة! فالتعصب يستدرج التعصب، ولا من يطفئ النار؟!

في تونس، مثلاً، لا مجال لإثارة الفتنة الطائفية، لكن المجال يتسع لفتن أخرى قد تأخذ طابع «الجهوية»، ريف في مقابل مدينة، أو جنوب في مقابل شمال.

أما في مصر وسائر المشرق العربي فإن الطائفية سلاح استراتيجي فعال ومضمون النتائج، إنها مرض مزمن لم تتم معالجته، وغالباً بقصد مقصود، لتبقى استثماراً سريع الاشتعال ومضمون النتائج.

ولقد شهدنا في لبنان من التجارب المرة بحيث استحال علينا أن نكون «مواطنين في دولة واحدة»، وتوزعنا طوائف ومذاهب جاهزة للاقتتال غب الطلب... وإن تفوّق علينا العراقيون تحت الاحتلال الأميركي الذي تعامل معهم بالذكريات السوداء لحقبة الطغيان التي تعاملت معهم بطوائفهم وعناصرهم بحيث بات ممكناً تفجير مسلسل من الحروب الأهلية التي لا تنتهي، ذاق مرارتها المسلمون، سنة وشيعة، ومعهم الأكراد، وإن دفع ضريبتها الأثقل المسيحيون، وما زال باب جهنم مفتوحاً يتهدد وحدة الشعب بعدما كادت وحدة الدولة تحترق في أتونه.

والأمل أن تكون الانتفاضات الشعبية التي اتخذت من «الميدان» الذي تلاقى فيه الجميع خلف أهدافهم الوطنية، أعظم وعياً وأقوى إيماناً من السقوط في فخ هذه الآفة آكلة الثورات والدول والشعوب جميعاً.

قلوبنا، في هذه اللحظة، مع ثورة مصر التي انتصرت على الطغيان برؤوس رموزه السياسية والاقتصادية، أن يمكنها وعي قياداتها الشابة المحصنة بالتماسك التاريخي للمجتمع المصري، من تخطي هذا الامتحان القاسي الذي لا بد من النجاح فيه مهما تعاظمت أكلافه التي تبقى ثانوية قياساً إلى الإنجاز الباهر الذي تساعد طبيعة شعب مصر المؤمن والطيب على تحقيقه.

ودائماً كان الإيمان طريقاً إلى الله بينما التعصب يحرق الأوطان وأهلها في نار جهنم.. ولا مغيث إلا الوحدة الوطنية والانتصار بالوعي على الغرائز ومن يستفيد من إحراق الأوطان!

==================

زوبعة «بيان الحليب» السورية

معن البياري

الدستور

11-5-2011

القصَّةُ وما فيها أَنَّ نحو 400 فنان ومثقف سوري أَشهروا في اليوم الخامس للحصار العسكريِّ على درعا «نداءً عاجلاً» إِلى الحكومةِ السوريةِ من أَجل أَطفال المدينة، عُرِف لاحقاً ب «بيان الحليب»، ثم استنفرَ الإِعلام الحكوميُّ السوريُّ حملةَ تخوينٍ ضدَّهم، شارك فيها التلفزيون ومن استدعاهم من المشتغلين في الدراما والتمثيل، منهم المخرج هشام شربتجي الذي وصفَ النداءَ بأَنَّه «خيانةٌ، ولا يختلفُ عن الرصاص»، وقال إِنَّ الفنانين الموقِّعين عليه «شرذمةٌ وحُثالة»، والمتظاهرين «غوغاءُ يجب التخلُّصُ منهم برشِّهم مثل الصراصير». واضطر بعضُ أَصحاب النداءِ للظهور على التلفزيون لتوضيح أَنهم ما أَرادوا غير التنبيه إِلى وضعٍ إِنسانيٍّ محدَّد، يُعاني منه أَهل درعا وأَطفالُهم الذين هم جزءٌ من سوريا، غير أَنَّ محاوريهم المذيعين عيَّروهم بأَنهم لم يَذكُروا شيئاً عن معاناةِ أَطفال الشهداءِ من الجيش، فأَصدر موقّعون على النداءِ بياناتٍ وتصريحاتٍ تُؤَكِّد حبَّهم لسورية وقناعتَهم بالنظام، وأَنَّ ما ارتكبوه عملٌ إِنسانيٌّ بحت موجهٌ إِلى وزارةِ الصحة، على ما ذكرت المخرجة رشا شربتجي، ابنة ذلك الأخرق. وفي غضونِ دعواتٍ إِلى سحبِ وسام الاستحقاق الذي منحه إِياها الرئيس بشار الأسد، ذكّرت منى واصف بأَنها كانت من موقّعي بيانٍ سابقٍ يتضامنُ مع الجيش وأَبناء الشهداء.

وفيما نتابعُ هذا الهراء السقيم الذي يكادُ يُتلف الأَعصاب، بأَسىً كثير على القاعِ الذي يقيم فيه فنانون طالما انجذبْنا إِلى إِبداعاتهم، نقرأُ أَنَّ المخرج نجدت أَنزور أَطلق حملة لمقاطعةِ الموقعين على «نداء الحليب»، ونجحَ في غرضِه الأَسود، فقد أَعلنت 22 شركة للإِنتاج الفني في سورية مقاطعتَها لهم، ووصفت بيانَهم بأَنَّه «سياسيٌّ مغلفٌ بصيغةٍ إِنسانية، ويهدفُ بشكل مباشر للإِساءَة لسوريةَ شعباً وحكومةً ووطناً»، واعتبرته مُنحازاً «لحملةِ السلاح الإِرهابي والقتلةِ والمخربين الذين ارتكبوا فظائعَ ينْدى لها جبينُ الإِنسانية». وكانت الكاتبة ريما فليحان التي صاغت النداءَ قد شدَّدت، في بيانٍ توضيحيٍّ، على أَنها كتبته بحسنِ نيَّةٍ وفي لحظةٍ عاطفيةٍ تنطلقُ ربما من أُمومتها، ولم تكنْ تعرِف أَنَّه «سيُضخَّمُ على نحو مخالفٍ لمُبتغاه الذي لا يتعدّى التوجهَ إِلى الحكومةِ السوريةِ التي نثقُ بها جميعا».

تُرى، بماذا يمكنُ التعقيبُ على هذه المسخرة؟ وبأّيِّ كلامٍ يمكنُ التعليقُ على النفاقِ والتملقِ المقرفِ الذي يُمارسُه دريد لحام وزملاؤه تجاه السلطةِ في بلادِهم، فيما التقتيلُ والرصاصُ غزيران في مواجهةِ متظاهرين لا يُطالبون بغير الحريةِ والكرامة اللتين طالما احتفت بهما مسرحياتُ غوار الطوشة وأَعمالٌ بديعةٌ في المسرحِ والدراما السورييْن. وهذه نقابة الفنانين في سورية تدينُ «حملةَ التجييش الإِعلاميِّ ضد سورية وشعبِها الآمن وكل أَشكال المؤامرات». وفي هذا المشهد الرديء، يلتقي المطبلون للنظام هناك، من أَمثال أُولئك الممثلين، معه تماماً في أَنَّ الجاري في بلدِهم مجرَّدُ مؤامرة، واستهدافٌ إِعلاميٌّ من الخارج. أَما قتلُ مائةِ سوريٍّ في نهارٍ واحد، واعتقالُ ثمانية آلاف آدميٍّ في أُسبوع، فمن أَكاذيب «الجزيرة» و»العربية»، ومن يقولُ غير ذلك شريكٌ في المؤامرةِ على سورية وصمودِ قيادتِها، ومن هؤلاء عزمي بشارة الذي كان مُخزياً من دريد لحام التطاولُ عليه بأَوصافٍ نستحي هنا من إِيرادِها، دلَّت على سقطةٍ أَخلاقيةٍ مضاعفةٍ لدى قائِلها الذي صمتَ في زوبعةِ «بيان الحليب»، ولو صمتَ عن كل الجاري في بلادِه لكان أَحسنَ له، ولأَعصابِنا أَيضاً.

==================

هل أحرق أردوغان مراكبه في سياسته مع سورية؟

أديب عبد الله

القدس العربي

11-5-2011

منحى الشدة الذي أتخذه خطاب أردوغان الأخير بخصوص مجريات الأحداث في درعا والمدن السورية المنتفضة، يعطينا انطباعا عن وجود انتقال من مرحلة أولية في التعامل مع الجارة سورية إلى 'مرحلة أخرى' سنحاول أن نحدد أهم معالمها.

أردوغان بدأ حديثه بالتذكير بالأخوّة التي تربطه ببشار الأسد، وأسهب في عرض سلسلة اللقاءات الودية بينهما قبل وبعد الأحداث في درعا، هذه اللقاءات تمحورت حول نقاشات جدية وعميقة عن الإصلاحات التي ترى أن تركيا المنقذ الوحيد للنظام السوري من الانجراف في تيار الثورات العربية.

واللافت للنظر أن أردوغان لم يختم كلامه هذه المرة بالتأكيد على تطبيق الإصلاحات في سورية، كما كان متوقعا، بل ساق بعضا من الكلمات معبرا فيها عن استغرابه من الإيغال في الحل الأمني بدون وضع اعتبار لإقرار قوانين الإصلاح المتخذة قبل أسابيع في سورية، إذ قال أردوغان: 'الرئيس الأسد لا يقول: لن أقوم بالإصلاح، بل يقول: أنا مستعد لذلك، ولكنني لم أر تطبيقا لهذا على أرض الواقع! فهل يوجد مانع يحول بينه وبين ذلك؟ أم أنه متردد في الإقدام على هذه الخطوة؟ أم أنه في حيرة من أمره؟ أقولها بصراحة هذا ما لم أستطع فهمه لحد الآن! '.

وحدود ومعالم 'المرحلة الأخرى' التي خَطَت إليها تركيا في التعامل مع سورية تكتمل عند تحذير أردوغان للأسد من مغبة الإقدام على القيام بمجزرة كالتي شهدتها مدينة حماة في الثمانينيات، وهذا ما عبر عنه من خلال قوله: 'إذا أقدمت سورية على فعل مجزرة فالإنسانية لن تقف بدون تدخل لحماية المدنيين، وأنقرة أيضا ستقوم بما يترتب عليها حيال ذلك'.

وببساطة نستطيع التكهن - بعد مطالعة حديث أردوغان - بالمعلومات التي نقلها رئيس المخابرات التركي هكان فيدان لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عمّا يجري في سورية إثر زيارته الأخيرة لها. ونذكر أن الزيارة كانت قبيل الدعوة لاجتماع على أرفع المستويات في الدولة التركية لبلورة موقف جديد لأنقرة تجاه سورية.

ومما لا شك فيه أن فيدان نقل صورة عن إصلاحات صورية لن تُخرج سورية من هذه الأزمة، الأمر الذي دفع بالساسة الأتراك إلى تجاوز مرحلة الكلام عن إصلاحات واستشراف مرحلة جديدة، وهو ما عكسه قول أردوغان متسائلا: هل إزالة قانون الطوارئ يُطبّق برمي الشعب بالرصاص الحي؟

ويجب عدم إغفال ضغط الشارع التركي، ورأيه العام المنقسم بين قائل بنظرية المؤامرة على سورية ومن يرى الأحداث في سياق الحراك العربي. فالرأي العام في الغالب بدأت تميل كفته إلى الرأي الأخير. وإن كان هذا الأمر حافزا لرفع القيود عن خطاب أردوغان باتجاه نقد سورية، فهو في نفس الوقت دافع أيضا لتطوير خطاب أكثر حدة.

وكنتيجة طبيعية للمعطيات التي أسلفناها، قامت تركيا بحرق عدد من المراحل في التعامل مع الوضع السوري إذا ما قارناها بالمراحل التي تبعتها تركيا في مسار الملف الليبي.

فتركيا وضعت نفسها الآن أمام مرحلة أهم معالمها السعي وراء تهيئة نفسها للعب دور أساسي في سورية بعد إدراكها بأن مرحلة الكلام عن إصلاحات في بنية النظام السوري عفا عليها الزمن.

ونستطيع أن نرى هذا واضحا في كلمات أردوغان: 'إن مجلس الأمن سيناقش الأوضاع في سورية عاجلا أو آجلا، وليس لمجلس الأمن إلا أن يُنيط بتركيا الدور الأساس في إيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف'.

وتراهن أنقرة - في لعب هذا الدور - على العلاقات الوطيدة مع النظام من جهة، وثقة الشارع السوري بالوسيط التركي من جهة أخرى، ناهيك عن حدود طويلة تربط الجارين تعطيها أولوية على باقي الدول.

ولا يمكن فهم هذا الحراك التركي 'الجديد' بعيدا عن سياق تنامي التلويح من قبل بعض الدول العظمى بعقوبات إضافية على النظام السوري، إضافة إلى إجماع شبه دولي على أن النظام السوري تمادى في استخدام القوة المفرطة لقمع المظاهرات، ففي هذا الخصوص فإن تركيا لن تستطيع أن تُبقي سياستها بمعزل عن الحراك الدولي، على الأقل، كي لا تُلدغ مرة ثانية من نفس الجحر، فالساسة الأتراك لم تنس ذاكرتهم الموقف الفرنسي الذي قطع الطريق عليهم في السعي للعب دور أساسي في ليبيا.

وأخير تأكيد أردوغان على أن الاتصالات لن تنقطع مع الأسد يشير إلى أن تركيا لن تحيد عن سياسة مسك العصا من منتصفها، وحتى في حال تكرار النموذج الليبي في سورية فتركيا ستكتفي بالدعم اللوجستي ولن تشارك في أي تدخل عسكري. وما عرضنا لا يعني أن تركيا تدفع باتجاه تدخل عسكري بل إنها تحاول إبعاد سورية بقدر ما تستطيع عن الانزلاق في مستنقع كالذي هي فيه ليبيا. ولكن وفي نهاية المطاف أنقرة رمت الكرة في ملعب النظام السوري.

' مذيع في قناة TRT التركية إسطنبول

==================

سورية المفترى عليها

محمد كريشان

2011-05-10

القدس العربي

'سورية إذا راحت، سوف يسقط التاريخ العربي وكل شيء وسوف تسقط الجغرافيا العربية'... كاتب وصحافي لبناني.

'انقلب الجميع على سورية لأن هناك مخططا لإسقاط المعركة مع إسرائيل'... نائب لبناني. 'ما يقال في بعض وسائل الإعلام عن الفوضى والتقتيل في سورية من نسج الفضائيات وتضخيمها للموضوع'... نائب لبناني آخر.

غيض من فيض ما يتسابق كثير من اللبنانيين هذه الأيام إلى قوله بخصوص سورية وما يجري فيها. الأول قال 'إذا راحت سورية' وهو يقصد نظامها لأن سورية الوطن والشعب لن يذهبا أبدا إلا إذا قامت القيامة ومسحت سورية وغيرها من الخارطة!!

الثاني قال 'لإسقاط المعركة مع إسرائيل' لأن التواضع منعه من الاسترسال في القول وهي حامية الوطيس الآن في الجولان وغيره !!

أما الثالث فما كان يقصده باختصار هو أن الفضائيات لو خرست لاكتشفنا جميعا وبكل بساطة أن لا شيء يجري حاليا في سورية على الإطلاق!!

هؤلاء أنفسهم وغيرهم كثر في بلاد الأرز يبغونها عوجا، فهم عاتبوا وقرعوا ما اعتبروه عدم اهتمام إعلامي وسياسي بما جرى في البحرين، وهم محقون في ذلك، لكن من كان يدافع عن الحكم في البحرين قال بأن ما حدث ليس ثورة وإنما فتنة طائفية زادها سوءا حشر طهران لأنفها فيها. وها هم من نهوا غيرهم عن خلقهم تجاه البحرين يأتون بمثله بشأن سورية.

ما جرى ويجري في سورية ليس ثورة ضد الاستبداد والفساد ومن أجل الحريات والكرامة، هكذا قالوا، بل هي مؤامرة ضد قلعة الصمود ونهج الممانعة في المنطقة.

فلماذا نصدقهم هم تحديدا في تبرير ما لا يمكن تبريره في سورية ونكذب من يفعل الشيء نفسه في البحرين؟!

لماذا ندين منطق 'خيار وفقوس' عند الآخرين ولا نرى نحن حرجا في اعتماده من بعدهم؟!! ثم من قال لهم أو لغيرهم أن هذه الممانعة، التي يرددونها في كل لحظة كالتعويذة، لا يستقيم لها حالا إلا ورقبة المواطن تحت حذاء المخابرات!؟

هذه الممانعة لا حقا أعادت ولا حريات أرست، مع أن أي دولة ديمقراطية تنعم بمؤسسات فعالة وانتخابات حرة وصادقة ما كان مواطنوها ليتركوا أصلا في سدة الحكم من ظل يمنيهم لعقود باسترداد أراضيهم المغتصبة ولم يفلح لا سلما ولا حربا.

لنحزم أمرنا بوضوح: إما أن ما يجري في بلادنا العربية ربيع ثورات حقيقي علينا أن ندافع عنه في كل مكان وإما أن نبحث هنا أو هناك عن الأعذار لهذا وذاك. وإذا ما دخلنا هذا المنطق فلماذا تريدنا أن يقبل الواحد منا معاذيرك عن سورية قانعا أو مستسلما ولا تقبل أنت معاذير غيرك عن البحرين؟! ثم إنه لو اجتهد جهابذة كثر، كما يفعل بعض اللبنانيين الآن مع سورية، لما سقط بن علي ولا مبارك ولما ترنح القذافي ولا علي عبد الله صالح وبالتالي لظللنا راضين بالدكتاتوريات متغنين ومفتونين بمحاسنها.

نقطة أخيرة، لماذا يستبسل بعض اللبنانيين دون غيرهم في الدفاع عن الحكم السوري أكثر من بعض السوريين أنفسهم؟!

وما سر هذه الحمية الجياشة؟! في بدايات تسعينات القرن الماضي، وفي تغطية للانتخابات الرئاسية في سورية، المعروفة اختصارا ب'تجديد البيعة' للرئيس الراحل حافظ الأسد، ذهلت لوجود لوحات دعائية ضخمة للرئيس السوري في بلدتي زحلة وشتورة اللبنانيتين فتلك كانت أول مرة أرى فيها حملة انتخابية رئاسية لبلد في بلد مجاور.

اليوم أدركت أن 'اللي خلف ما ماتش'!!

==================

فيما انهمك المحللون الاعلاميون باجابة اسئلة المذيعين: اين اختفت الحكومة السورية من على الشاشات؟

محمد منصور

2011-05-10

القدس العربي

منذ ظهر الرئيس السوري بشار الأسد أثناء ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء في السابع عشر من نيسان (إبريل) الماضي بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

لم يظهر أي وزير أو رجل دولة أو مسؤول ليتوجه إلى الشعب السوري في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، باستثناء المؤتمر الصحافي اليتيم لوزير الخارجية وليد المعلم في الثامن عشر من شهر إبريل المنصرم، الذي كان بطبيعة الحال موجهاً لسفراء الدول العربية والأجنبية لتوضيح رغبة السلطات السورية في القضاء بالقوة على هذه الاحتجاجات التي لا تريد لأحد أن يتعامل معها إلا بوصفها: حركات سلفية مسلحة ومتمردة!

بالأمس أعلنت الأمم المتحدة أن لجنة تقصي الحقائق التي وافق مجلس حقوق الإنسان على إرسالها للتحقيق فيما يجري في سورية من انتهاكات لم تتمكن من دخول درعا... وقد سألت قناة 'الجزيرة' المحلل السياسي طالب إبراهيم صاحب الأكذوبة الشهيرة حول المتظاهرين الذين يطالبون بالإفراج عن معتقلين في تهم الاتجار بالمخدرات وجرائم اغتصاب أطفال... وصاحب السؤال الاستنكاري: (ما هذه الحرية يا سيدي) سألته عن سبب عدم السماح للجنة تقصي الحقائق بدخول مدينة درعا، فأجاب أنه ليس مسؤولا في الدولة، وليست لديه معلومات دقيقة، لكن قد تكون هناك أسباب (تقنية) لذلك.. ولا ندري إن كانت هذه الأسباب التقنية تشمل موافقة إسرائيل على فتح معبر رفح أمام اللجنة.. أو سماح الأردن أو تركيا باستخدام أجوائهما للعبور جوياً... لكن ما يعنينا حقاً هو غياب وجهة النظر الرسمية في إيضاح أسباب المنع أو السماح، بدل إطلاق ثلة من المحللين السياسيين والوجوه الإعلامية الجديدة التي ظهرت فجأة لتشغل مساحة البث التلفزيوني 'المغرض' في شرح وجهة نظر رسمية غائبة، والقول بأن لا معلومات دقيقة لديهم يقدمونها لمن يسأل ويستفسر ويريد أن يفهم ما يجري!

هكذا اختفت فجأة الحكومة السورية من على شاشات المحطات الوطنية والعملية، الحريصة على أمن الوطن والمتربصة بمواقف الوطن... وافتقدنا لتصريحات بثينة شعبان مستشارة الرئيس الإعلامية، ولإطلالة الوزراء الجدد الذين لم نكحل أعيننا بمرآهم وسماع أصواتهم بعد، لتبقى صور دبابات الجيش في درعا وحمص وبانياس ودوما والمعضمية... هي الصور التلفزيونية الوحيدة التي تنقل وجهة النظر الرسمية في معالجة الأزمة.

الجيش السوري الوطني الذي شارك في كل معارك العرب القومية، وبذل الشهداء منذ حرب 1948 في فلسطين، وصولا إلى مهمة قوات الردع في لبنان، وانتهاء بما يسمى (تحرير الكويت) بغض النظر عمن يفهم مشاركته تلك بأنها كانت مباركة واضحة وصريحة للتدخل الأجنبي العسكري الأمريكي البريطاني على أرض عربية... الجيش السوري الوطني الذي يستنزف ميزانية سورية منذ عقود، والذي يدفع له السوريون من قوتهم اليومي ضريبة (مجهود حربي)، خرج من ثكناته، لا ليحرس الحدود، بل ليحاصر المدن، ولتتهادى دباباته في شوارع البلاد، فنرى صورها تهشم سيارات المواطنين في شوارع درعا، وتدخل باب عمرو في حمص فجراً، وتحاصر بانياس كي تمنع الخروج والدخول إليها، وتسهل عمل أجهزة الأمن في التمشيط واعتقال عشرات الناشطين والمحتجين!

لا نكتب هذه الكلمات لنشكك بوطنية الجيش السوري الذي يضم مئات الآلاف من الضباط والجنود الذين يلتحقون به لأداء خدمة العلم في عُرفٍ يسميه السوريون (الواجب الوطني) بل لنتألم على هذا الدور الذي تدفع إليه فرق الجيش وألويته، حيث يرى الكثير من أفراده أنفسهم أمام جموع المتظاهرين العزل، مطالبين بأن يطلقوا النار على مجموعات مسلحة لم يجدوا لها أثرا إلا في روايات إعلامية يؤكدها أمثال طالب إبراهيم وخالد العبود وعصام التكروري، ويدعونا الدكتور فايز الصايغ لتصديق اعترافاتها التلفزيونية الذي يعرف كمدير سابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون كيف تفبرك وتصور، من دون أن يهتم أحد بدراسة تناقضاتها التي لا تستقيم مع عقل، ولا يصدقها منطق، وخصوصاً في ظل غياب أي مراقبين حياديين يمكن أن يؤكدوا أن تلك الاعترافات لم تنزع تحت تهديد التعذيب واقتلاع الأظافر واستخدام التيار الكهربائي لدواع أمنية.

الجيش السوري هو جيش لكل سورية صفقنا لبطولاته في حرب تشرين، وبكينا شهداءه أثناء الاجتياح السوري للبنان... وحزنّا لصمته أمام اعتداء الطيارات الإسرائيلية المعادية على موقع عين الصاحب شمال دمشق عام 2003، ثم قصف موقع الكبر في دير الزور بطائرات (إف 15) الإسرائيلية عام 2007، وأملنا أن نراه على حدودنا الجنوبية يخوض معركة تحرير الجولان كي لا يأتي أي عميل أو صائد في الماء العكر ليعيّرنا بأن (الصمود والتصدي) أصبح مجرد شعا... هل سنسر حين نراه يحاصر المدن؟ أم هل سنصدق كلام الفنان دريد لحام حين يقول لنا في لقاء تلفزيوني ان مهمة هذا الجيش ليست محاربة إسرائيل؟ من سيحارب إذن والكيان الصهيوني يحتل أرضنا؟ وهل أوكلت مهمة محاربة إسرائيل لحزب الله، وسورية حليفة للمقاومة وراعية لها؟ هل الجيش السوري أقل وطنية من حزب الله مثلاً... كي نصفق لذاك حين يسعى لتحرير كامل تراب الجنوب اللبناني، ثم نأتي لنعفي جيشنا الوطني من المهمة ذاتها على ترابنا الوطني؟

أسئلة مريرة لا نجد إجابة عليها، سوى مزيد من الاعتزاز بكل ضابط ومجند ومقاتل في صفوف أفراد هذا الجيش، ومزيد من الإيمان بأن دوره في حماية سورية والسوريين، لا يمكن أن يمر من خلال الغوص في مستنقع قمع الاحتجاجات وحصار المدن، بل بإفساح المزيد من المجال أمام حل سياسي وسلمي، تقوده سلطات تعترف بأنها تتعامل مع شعب يولد من جديد، شعب كسر حاجز الخوف، وخرج من مملكة الصمت والسكوت، كي يصرخ بدمائه لا بحناجره فقط بمطالب مشروعة ومحقة، تستلزم حواراً وطنياً مشروعاً بين طرفين لا طرف واحد... بين وجهتي نظر لا وجهة نظر واحدة هي الخصم والحكم... بين قوى ونخب وحراك اجتماعي يريد اعترافاً بكيانه، من سلطة لم تكن ترى في الوطن سوى كيان النظام وأجهزته الأمنية القادرة على فرض أي سياسة أو قانون أو إصلاح أو نكوص عن إصلاح، من دون الرجوع إلى الشعب الذي تتحكم به ولا تحكم باسمه!

 

الفنانون 'الخونة' يتألمون لحصار درعا!

كتبت في هذه الزاوية الأسبوع الماضي، واصفاً البيان الذي كتبته كاتبة السيناريو ريما فليحان، ووقعه عدد من الإعلاميين والفنانين السوريين للمطالبة بوقف الحصار الغذائي لأطفال درعا، بأنه (بيان خجول) وقد كنت أعتبر أن هذا البيان هو أضعف الإيمان في مثل هذه الظروف، قبل أن أكتشف أن لا مكان للأيمان بأبسط معايير الإنسانية لدى كثير من الفنانين السوريين الآخرين!

فقد تعرض الفنانون الذين وقعوا على البيان أمثال: (منى واصف، كنده علوش، يارا صبري، عزة البحرة، ثائر موسى، قاسم ملحو، رشا شربتجي) وسواهم ممن نحترم ونجل موقفهم، تعرضوا إلى حملة شعواء من زملائهم الفنانين، فقال المخرج هشام شربتجي على قناة (الدنيا) الموصوفة... بأنه لا ينفي عن هذا البيان صفة الخيانة... وأبلى زهير عبد الكريم وسوزان الصالح وسعد مينه بلاء مخزياً في النيل من زملائهم واتهامهم بالفشل المهني، وأصدر منتجو الدراما بمعية لجنة صناعة السينما والتلفزيون وعرابها كاتب التقارير الأمنية عماد الرفاعي، بياناً يدعون فيه لمقاطعة من طالبوا بفك الحصار.. وأجبر العديد من الفنانين على الظهور على شاشة الفضائية السورية ليقولوا إنهم فُهموا خطأ، وأن المحطات الفضائية استغلت هذا البيان بما يخدم أجنداتها، فيما دعت صفحة على الفيسبوك لتجريد الفنانة الكبيرة منى واصف من وسام الاستحقاق الذي قلدها إياه الرئيس الأسد العام الماضي، معتبرين أنها يجب أن تقلد (وسام الخيانة) ناهيك عما لاقته الفنانة كنده علوش من شتائم مقذعة على موقع التواصل الاجتماعي وتهديدات بذيئة تحاول المس بشخصها... أما المواقع الإلكترونية السورية فقد سخرت من البيان وأطلقت عليه (بيان الحليب) في تسفيه وقح لقضية البيان ونداءاته الإنسانية التي وجهها الموقعون للحكومة السورية وليس لجهة خارجية قد يتهمون باستعدائها ضد الوطن!

ليس اتهام الآخرين بالعمالة والخيانة وجهة نظر... وليست الشتائم البذيئة حرية تعبير... وليس التهديد والترهيب حالة حوار... الفنانون الذين شتموا زملاءهم ليس في تاريخهم الفني والشخصي ما يجعلهم يملكون صكوك البراءة والتخوين، إن لم نقل العكس... وأجهزة الإعلام التي فتحت بثها بالساعات للنيل منهم، قال الكثير من السوريين رأيهم الصريح فيها وبمدى مصداقيتها وحجم احترامهم لها.. وهذه المعركة غير المتكافئة بين كلمة الحق وسلطان الباطل المتخفي تحت ستار تخوين الآخرين، سيقول التاريخ كلمته فيها، فمن هم الأبطال ومن هم الأبواق؟ ومن هم الشجعان ومن هم أنصار ثقافة الخوف؟ ومن هم الشرفاء الذين حرك الظلم والحصار مشاعرهم ومن هم المرتزقة الذين باعوا واشتروا ليحصدوا الرضا الأمني على حساب دم الشهداء وأنين الأطفال الجوعى؟ أسئلة سيجيب عنها التاريخ الذي سينصف الجميع، مهما علا الصراخ والزعيق، ومهما لمع بريق الدمع في عيني المخرج هشام شربتجي وهو يقول للكاميرا: إننا أقل من أن نستحق أن يحكمنا هذا الدكتور الطيب!

ناقد فني من سورية

==================

رامي مخلوف وتصريحاته المفاجئة

رأي القدس

2011-05-10

القدس العربي

 فاجأنا السيد رامي مخلوف رجل الاعمال السوري، وابن خال الرئيس بشار الاسد بالتصريحات التي ادلى بها الى صحيفة 'نيويورك تايمز'، وقال فيها انه 'لن يكون هناك استقرار في اسرائيل اذا لم يكن هناك استقرار في سورية'.

مصدر المفاجأة ان مثل هذا الربط، الذي لجأ الى مثله العقيد الليبي معمر القذافي، لا يمكن ان يخدم النظام السوري الذي يفترض ان ينتمي اليه السيد مخلوف، وجرى وضعه على رأس قائمة العقوبات الامريكية المفروضة على مجموعة من المسؤولين السوريين المتهمين بلعب دور كبير في تنفيذ سياسة القمع الدموي التي استخدمت لمواجهة الانتفاضة السورية.

الورقة الاقوى في يد السلطات السورية كانت تتمثل في كونها دولة ممانعة تدعم المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، وتتصدى للمشروع الاستيطاني التوسعي الاسرائيلي، ومثل هذه التصريحات ربما تخدم الكثيرين الذين يشككون في هذا الطرح، وتضعف الكثيرين في المقابل الذين يدافعون عن سورية بحماسة بسبب هذا الطرح ايضاً.

استقرار سورية لا يمكن ان يكون مرتبطاً باستقرار اسرائيل، بل هو نقيضه تماماً، لان اسرائيل التي تحتل الاراضي العربية، وبما فيها هضبة الجولان السورية، والمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة يجب ان لا تنعم بالامن والاستقرار، سواء استقرت سورية او لم تستقر، واذا كان هناك تهديد للاستقرار والامن السوريين فهو يأتي من اسرائيل نفسها، ومؤامراتها، وليس من ابناء الشعب السوري الذين يمارسون حقهم الطبيعي في المطالبة بالاصلاح الديمقراطي، وما يتفرع عنه من حريات، وشفافية واحترام لحقوق الانسان والقضاء العادل المستقل.

فالاسرائيليون هم الذين اغاروا على المفاعل النووي الوليد قرب دير الزور، وهم الذين اغتالوا الشهيد عماد مغنية قائد الجناح العسكري لحزب الله، واللواء محمد سليمان احد ابرز العقول السورية الامنية والشخص الذي قيل انه يقف خلف الطموحات السورية النووية. ولا ننسى الغارات الاسرائيلية على منطقة عين الصاحب تحت ذريعة وجود قاعدة لتدريب قوات المقاومة، والامثلة في هذا المضمار عديدة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً.

الغرب عادى ويعادي سورية، ويفرض الحصار عليها لانها رفضت مشاريع الهيمنة الامريكية في المنطقة، والغزو الامريكي للعراق وغضت النظر عن توجه المقاومين عبر حدودها الى العراق المحتل، مثلما دعمت حزب الله في لبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي صيف عام 2006.

ان يدافع السيد مخلوف عن النظام الذي فتح امامه ابواب الرزق حتى كون ثروته الهائلة، فهذا امر منطقي ومتوقع، لكن ان يقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه الزعيم الليبي معمر القذافي حتى لو كان ذلك من خلال زلة لسان، او لعدم التبصر بالامر، نتيجة لعدم الخبرة في السياسة، فهذا امر ربما تترتب عليه عواقب غير محمودة، خاصة اذا جاء هذا الربط غير الموفق بين الاستقرارين السوري والاسرائيلي مرفوقاً بالعزم على مواصلة الحرب ضد ابناء الشعب السوري المنتفضين من اجل الحرية والعدالة والاصلاحات الديمقراطية.

==================

تقلبات تاريخية في علاقة فرنسا وسورية

الاربعاء, 11 مايو 2011

رندة تقي الدين

الحياة

من واكب العلاقة الفرنسية - السورية منذ عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران يرى التقلب نفسه في نوعية العلاقة. ففرنسا حاولت باستمرار تحسين العلاقة بالنظام السوري لأن سورية مهمة في منطقة الشرق الأوسط ولأنها تلعب دوراً كبيراً في لبنان وعلى صعيد مسيرة السلام. وهكذا قرر ميتران عام 1984 القيام بزيارة الى دمشق أثارت الكثير من الانتقاد في فرنسا كونها أتت بعد سنتين من اغتيال السفير الفرنسي لوي دولامار في لبنان. ولامت الأوساط الفرنسية، بما فيها عائلة دولامار، ميتران على تلك الزيارة، بعد أن كانت أصابع الاتهام الفرنسية أشارت الى النظام السوري. وقام ميتران بتلك الرحلة الشهيرة التي انتهت بفشل كبير لأن الجانب السوري بذل كل الجهود لتفشيلها، خصوصاً عندما تناول ميتران مع نظيره السوري الرئيس الراحل حافظ الأسد الموضوع اللبناني، والعودة الى المؤتمر الصحافي المشترك في اختتام الزيارة تظهر تشدّد النظام السوري وعدم الاستفادة من الفرصة للتجاوب مع اليد الفرنسية الممدودة له.

وبعد ميتران كانت القصة نفسها مع الرئيس جاك شيراك في عهدي الرئيسين حافظ وبشار الأسد. فقد بدأ شيراك بالانفتاح على الرئيس الراحل حافظ الأسد بتشجيع من رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. وبذل جهده لإلغاء الدَّين المترتب على سورية الى فرنسا من دون المرور عبر نادي باريس لإعادة جدولته، وألغاه بقرار سياسي أثار انتقادات الأوساط المالية في فرنسا. ودعا الأسد الأب الى القيام بزيارة دولة الى باريس على رغم حذر وانتقادات رئيس حكومته الاشتراكي ليونيل جوسبان، الذي وافق في نهاية الأمر على الزيارة، كون الرئيس في فرنسا هو صاحب القرار الأخير في شأن السياسة الخارجية.

وعندما توفي الرئيس حافظ الأسد كان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي زار سورية للمشاركة في الجنازة على رغم الانتقادات التي وجهت إليه. وكان شيراك على قناعة أن علاقة جيدة بسورية ستساعد على إقناعها أن لبنان الآمن هو في مصلحتها. كما كان شيراك أول من استقبل الوريث الابن حتى قبل أن يصبح رئيساً واستقبله في قصر الإليزيه، وبعد ذلك مد للرئيس بشار الأسد السجاد الأحمر بزيارة دولة سبقتها زيارة حليف الأسد الرئيس إميل لحود، ثم تدهورت العلاقة عندما لم يستمع بشار الأسد الى نصائح العالم بأسره وفي الطليعة الرئيس شيراك بعدم التجديد للحود، مع أنه كان بإمكانه اختيار رئيس آخر من بين أصدقائه في لبنان، إلا أنه أصر على لحود على رغم نصيحة حليفه الإيراني آنذاك الرئيس محمد خاتمي. وبعد ذلك تم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسلسلة الاغتيالات في لبنان، فكانت قطيعة تامة بين فرنسا وسورية حتى جاء الرئيس نيكولا ساركوزي محاولاً مجدداً في تموز (يوليو) 2008 أن يفتح صفحة جديدة مع النظام السوري. وكان شهر العسل بين سورية وفرنسا منذ 2008 الى ما قبل بضعة أشهر، وكان وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان الذي كان سابقاً أمين عام الرئاسة هو الموجه لهذه السياسة، وكذلك عدد من أصدقاء فرنسا بينهم رئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني والآغا خان كما شجع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ساركوزي على هذا الانفتاح. واعتقد ساركوزي أن بإمكانه النجاح حيث فشل شيراك. لكن النظام السوري لم يستفد من اليد الممدودة. وينبغي أن لا يُلام ساركوزي على ذلك، خصوصاً أن كثيرين في حزبه أيدوا هذه المبادرة، حتى أخصامه مثل رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان ووزير الخارجية الحالي آلان جوبيه. ولكن بعد حوالى أقل من ثلاث سنوات من شهر العسل بين فرنسا وسورية بدأ ساركوزي يرى أن النظام السوري لا يتجاوب معه. فحاول جمع مجموعة اتصال في باريس مع تركيا وقطر حول لبنان بعد انسحاب وزراء 8 آذار من حكومة سعد الحريري. ولم توافق سورية حتى قامت عبر حلفائها في لبنان بقلب حكومة سعد الحريري وأسقطته من رئاسة الحكومة. وعبّر ساركوزي عن استيائه خلال اتصال هاتفي مع الأسد. وعندما بدأت الأحداث في سورية وجهت باريس النصائح إليها بالحوار والقيام بالإصلاحات. لكن النظام السوري لم يسمع. والآن عادت القطيعة مجدداً بعد رغبة فرنسا بفرض عقوبات على الرئيس السوري نفسه.

فالنظام الذي يستمر في عدم الاستفادة من الفرص التي تقدم إليه للخروج من عزلته، والذي لا يتجاوب مع أصدقائه من فرنسا الى تركيا وقطر، لن يتجاوب أيضاً مع مطالب شعبه. ولكن عليه أن يقرأ التغييرات الإقليمية وتغيّر الشعوب، فلا يمكن أن يبقى في العصر الحجري، لأن يقظة وشجاعة شعبه لا يمكن أن تُقتل!

==================

الخيبات السورية والواقعية العربية

عبدالرحمن راشد

الشرق الاوسط

11-5-2011

لا بد أن القيادة السورية مصدومة مما تسمعه وتراه من الذين كانوا حلفاءها الإقليميين. لم تكف تركيا عن استنكار ممارسات الأمن السوري وانتقاد القيادة السورية علانية. كما تعاطت قطر بسلبية أيضا مع دمشق حيال ما يحدث هناك. وفي حركة بهلوانية انقلبت حركة حماس على دمشق، طارت إلى القاهرة وتصالحت مع السلطة الفلسطينية في غفلة من القيادة السورية المشغولة بإطفاء الحرائق في درعا ودوما وبقية المدن المحترقة.

لا بد أن السلطات السورية اكتشفت فشل سياستها الخارجية، ليس بسبب مواقف هذه الأطراف الثلاثة فقط، بل أهم من ذلك لأنها أغفلت العامل المحلي في التعاطي الخارجي، فما الفائدة من حلف سورية مع إيران الذي صار عبئا عليها، وأين هم حلفاء أيام الرخاء؟ الخيبات السورية الثلاث، التركية والقطرية وحماس، تعبر عن الواقعية في إدارة السياسة العربية. لا دولة تريد أن تشاهَد إلى جانب نظام وهو في نزاع مع شعبه إلا عندما يطالها التهديد أيضا. فبعد سقوط النظام في مصر سقطت أسطورة النظام الحديدي، وتعلمت الدول أن تؤجل الإفصاح عن مواقفها الحقيقية إلى ما بعد حين، إضافة إلى أن هول القمع في سوريا يجعل الحكومات العربية محرجة أمام مواطنيها. لا يمكن لأي حكومة أن تجاهر بالتأييد إلا إذا كانت هي نفسها متورطة في ممارسات مشابهة.

وهذا ذكرني بموقف محرج مررت به قبل نحو ثلاثين سنة، عندما كنت طالبا جامعيا في الولايات المتحدة وأعمل في الوقت نفسه مراسلا متعاونا مع صحيفة «الجزيرة». في طريق العودة، في إجازة عيد الميلاد الدراسية، طلب مني رئيس التحرير خالد المالك أن أتوقف في دمشق من أجل إنجاز عمل للجريدة. في بهو الفندق جلس إلى جانبي أحد الدبلوماسيين السعوديين حيث حدثني عن الوضع في العاصمة السورية، كان هناك انتشار عسكري والطريق إلى فندق الشيراتون مليء بالعديد من الحواجز ونقاط التفتيش. وقعت في تلك الفترة ما عُرف لاحقا ب«مذبحة حماه». قلت له إنني جئت في مهمة لا علاقة لها بالحدث. نصحني أن أغادر فورا. كان يخشى أن يسهم وجودي في حدوث أزمة سياسية وشيكة بسبب زميل سابق مر قبلي بدمشق. قال إن الرئيس الراحل حافظ الأسد يبدو أنه أراد أن يتحدث عما حدث للصحافة السعودية، ومن أجل إنجاز الحديث عثر مسؤولو الإعلام السوريون على صحافي مغمور مثلي كان في زيارة للعاصمة، استضيف على عجل وجيء به إلى الرئيس للتصوير معه، وأعطي مقابلة عن حسن العلاقة والتواصل مع السعودية. باختصار قال لي الدبلوماسي إن المقابلة لم تنشر. كان من الواضح أن الجميع يتعمدون أن يباعدوا بينهم وبين النظام في مواجهته الدموية مع مواطنيه. في اليوم التالي غادرت المدينة التي كساها الثلج الأبيض.

التاريخ يعيد نفسه، فها هو صديق دمشق أردوغان، رئيس وزراء تركيا، يحذر علانية نظام الأسد بأن حكومته لا تستطيع السكوت على ما يحدث من قمع، خاصة أن الانتخابات التركية على الأبواب.

==================

سوريا.. وسيناريو يوم القيامة

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-5-2011

يقول أحد «محللي» النظام السوري على قناة «العربية» إن سقوط النظام في دمشق سيمثل سيناريو يوم القيامة بالمنطقة. بل ويقول تصورا كيف سيكون المشهد في العراق، مثلا، مع انسحاب القوات الأميركية من هناك نهاية العام. وبالطبع لا نعلم ما إذا كان ذلك تحليلا، أم تهديدا، لكن المؤكد أن هذا تسطيح!

فمع اندلاع المظاهرات في جل المدن السورية، فإن الحقائق بالمنطقة تقول عكس ذلك. فعندما ساءت العلاقة السورية مع حماس، مثلا، انفرجت أزمة المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، والتأمت بالقاهرة. وها هي حكومة حزب الله في لبنان تراوح مكانها، بل هناك حديث عن حكومة وحدة وطنية لبنانية. وها هم قيادات حزب الله يدخلون جحورهم بانتظار أوضاع سوريا. وفي حال قرر الحزب فتح جبهة مع إسرائيل لرفع الضغط عن النظام السوري، فإن ذلك سيكون بمثابة غلطة العمر، فلا توجد دولة عربية اليوم مؤهلة للعب موقف دولي لوقف عدوان إسرائيل، فالكل مشغول بهمومه الداخلية، بما فيها إيران.

لكن الغريب في تصريحات «محلل» دمشق أنه يتحدث عن الوضع في العراق في حال سقوط النظام السوري، وليس عن وضع بلاده. فأيهما الأهم، مطالب الشعب السوري أم الوضع بالعراق؟ فكيف ستؤثر سوريا على العراق في حال تغيير النظام أو سقوطه، بينما لم يؤثر العراق بمساحته وسكانه وكل تشعباته على الداخل السوري بعد سقوط نظام صدام حسين وبالعمل العسكري؟ الإشكالية أن النظام السوري لا يكترث بالمطالب الداخلية بمقدار محاولته استخدام كل ورقة خارجية لتدعيم نظامه.

فعندما يصدر الأوروبيون قائمة عقوبات تستهدف 13 شخصية سورية، فإن المستشارة السورية بثينة شعبان معها كل الحق عندما قالت لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن النظام قد تعود على العقوبات، بل واستخفت بها. ففي حال ما استطاع النظام السوري قمع المظاهرات بشكل تام، وهذا ما يفعله الآن، فبكل سهولة حينها سيتخلص من العقوبات الأوروبية أو الأميركية. فكل ما يتطلبه الأمر هو افتعال أزمة في لبنان، أو في مكان آخر، مثل القضية الفلسطينية، أو العراق، وعندما يأتي الغرب للتفاوض مع دمشق فحينها عليهم أن يثبتوا حسن النوايا، وهذا يعني رفع تلك العقوبات.. هكذا بكل بساطة، وقد فعلتها دمشق مرارا، وأبرز حالة مفاوضات ضبط الحدود السورية العراقية مع الأميركيين، وها هو السفير الأميركي في دمشق، ولا نية حتى لسحبه رغم كل ما يحدث في سوريا.

والأطرف من كل ذلك أنه رغم وصول عدد القتلى في سوريا إلى قرابة 800 قتيل، واعتقال الآلاف، وما زالت الدبابات تطوف الأزقة والشوارع، والأبرياء يسجنون بالملاعب الرياضية، ويعذبون للإفصاح عن الأرقام السرية لحساباتهم على «فيس بوك» وغيره، رغم كل ذلك فإن سوريا ما زالت مرشحة للحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ولِمَ لا، ما دام الصمت العربي والدولي، وتحديدا الأميركي، مستمرا بشكل محزن، وما دامت إسرائيل راضية، بل وآمنة على حدودها المؤمنة باتفاقية هدنة، وليس اتفاقية سلام مع دمشق!

وعليه، فإن الحديث عن يوم القيامة ما هو إلا تسطيح. فمنطقتنا وطوال أكثر من خمسة عقود وهي تعيش في جحيم الحروب، والتخلف!

==========================

حين يرفض السوريون المذلة

بقلم د. وائل مرزا

waelmerza@hotmail.com

المصدر : http://www.iid-alraid.com

10/5/2011

في مقالٍ كتبه منذ أسابيع عن (الإضافة السورية)، لفت الزميل إلياس الخوري الانتباه إلى أن التونسيين والمصريين التقطوا الشعار السياسي من خلال الهتافات التي أطلقوها في ثوراتهم. أما السوريون كما قال: «فإنهم صاغوا الشعار الأخلاقي للثورات التي تجتاح العالم العربي. فهذه الثورة هي في جوهرها ثورة أخلاقية، إنها دعوة إلى استعادة الكرامة الفردية والجماعية... الشعب السوري أبدع العبارة الأساسية، ورفع شعار مقاومة الذلّ، وهو بهذا رسم للأفق العربي الجديد معناه. أهل درعا صرخوا في مظاهرتهم، <الشعب السوري مش جوعان>. حتى لو جاع الناس، فان كراماتهم هي المسألة اليوم، وشعورهم بأن سيف القمع وحكم قانون الطوارئ ومناخات الترهيب فقدت شرعيتها. عندما يعلن شعب رفضه للذلّ، فانه يطرح سؤال الشرعية. ما لا تستطيع الأنظمة الحاكمة منذ أربعة عقود استيعابه هو ان الانقلاب العسكري وحكم الحزب الواحد والاستبداد باسم الشعارات القومية فقدت شرعيتها التاريخية، وصار تداعيها مسألة وقت لا أكثر. لم يعد هناك من يستطيع إنقاذها من مصيرها المحتوم».

 جاء هذا تعليقاً على هتافات يرددها السوريون اليوم في كل مكان وهم يطالبون بحريتهم وكرامتهم من مثل «الموت ولا المذلّة» و«الشعب السوري مابينذلّ» و»الشعب السوري مابينهان». لانعتقد أن ثمة حاجة لذكر معنى الكلمات بالعربية الفصحى فهي واضحةٌ كالشمس ولاتحتاج إلى مزيد بيان.

 التقط مقالُ الزميل ببراعة النقطة الأساسية في ذاكرةٍ تاريخية للشعب السوري يشهدُ بها تاريخه الطويل. والذي رآه الملايين من المشاهدين العرب في أعمال درامية معروفة في السنوات الأخيرة عن قيم العزة والرجولة والكرامة لم يكن نوعاً من فانتازيا تاريخية خيالية لا أصل لها ولا وجود.

 هكذا تستعيد الشعوب رصيدها الأخلاقي السامي في لحظاتٍ تاريخية تسوق الأقدار ظروفها المناسبة.

 صبرَ الشعب السوري عقوداً طويلة حين قيل له أن ثمن صبره هو التحرير. عانى وقاسى المرارات حين أقنعوه بأن فلسطين هي القطب الذي تشير إليه بوصلة المسيرة، وأن المسيرة المذكورة تتطلب التضحية بالكثير، ليس فقط فيما يتعلق بلقمة عيشه وخبزه اليومي، وإنما أيضاً بحريته التي يمكن أن تؤدي إلى الفوضى وتشويش مسيرة التحرير الكبير.

 صبر الشعب طويلاً حين حدّثوه عن (ثورة) ستأتي بالتنمية والتقدم والازدهار. ثورة تمحو التخلف والرجعية، وتحارب المرض والجهل والفقر. تُشعر الإنسان بِعزّتهِ وتعيد له كرامته المفقودة. تهزم التبعية والانكسار، وتُوفّر للوطن أسباب القوة والمنعة.

 ذكروا للشعب الصابر أن الثورة ستأتي بالتحرير. وما إن يأتي التحرير حتى يأتي معه الرخاء بعد عناء المقاومة الطويل المرير. يأتي الرخاء والتنمية فيضمن للسوري رغيف الخبز، ويضمن له قبله قيم الحرية والعدالة والكرامة والمشاركة وسيادة القانون.

 مرّت الشهور ومعها السنوات والعقود، فلم يسمع الشعب إلا الوعود. ولم يرَ إلا الاحتفالات بثورةٍ كلاميّة لايرى لإنجازاتها أثراً على أرض الواقع.

 وكما ذكرنا من قبل. كان أهم شيء أن توضع تقاليد الاحتفالات.

 تُعطّلُ الوزارات والإدارات والمدارس والجامعات. تخرج التظاهرات والمسيرات (العفوية) منها و.. (غير العفوية).

 تمتلئ أرجاء البلاد بالاحتفالات والمهرجانات. تستنفر الصحف والمجلات والإذاعات وقنوات التلفزة.

 يخرج الخطباء المفوّهون إلى منابرهم. ويدبّج الكتّابُ الكبار مقالاتهم. ويصدح المُغنّون بأصواتهم.

 لكن السنوات باتت تمرّ. ينقضي احتفالٌ ويأتي احتفال. والناس تنتظر.

 يمضي عامٌ ويُقبلُ عام. والوطن ينتظر.

 طال زمن الانتظار السوري على رصيف التاريخ.

 لم يتحرك قطارُ التنمية. ولا سَارَت عربةُ التقدم. ولا بدت ملامحُ مركبة الازدهار.

 ظهرت مسمياتٌ دون مضمون. وبُنيت هياكل كان يملؤها أولاً الفراغُ والضباب. ثم صار يحشوها الفساد والزيف والمحسوبية والنفاق.

 وبدأت الشعارات تتوالدُ وترتفع شيئاً فشيئاً حتى حجبت نور الشمس بغلالةٍ سوداء.

 كثُرَ الكلام وقلّ العمل. حتى لم يعد السوري يسمعُ ويُبصر ويأكلُ غير البيانات.

 رأى السوريون هذا فأمسكوا قلوبهم بأيديهم المرتعشة خوفاً من القادم المجهول.

 وكان حدسُهم كالعادة صحيحاً.

 لم تمض برهةٌ من الزمن إلا والتخلف والرجعية يعودان معزّزَين مكرّمَين في أثواب جديدة.

 تتالت الشهور والسنوات وبقي المرض والفقر والجهل ضيوفاً لايفارقون أرضهم.

 لكن ثالثة الأثافي كانت تتمثل فيما حلّ بالكرامة. كرامة السوري داخل وطنه وخارجه.

 لأنه استيقظ ذات صباح ولم يجدها. بحث عنها طويلاً لكنها كانت قد ضاعت.

 وضاعت معها في زحمة الشعارات وزحمة الكلام وزحمة البيانات الحريةُ والعدالةُ والمشاركةُ والكرامة وسيادةُ القانون. حتى رغيف الخبز ضاع.

 وكأن كل هذا لم يكن كافياً لذلك الإنسان.

 قيل له أن ماضاع ضاع ثمناً لرفض التبعيّة، وفداءً للتحرير، وتضحيةً على مذبح الاستقلال!

 ولم يبق إلا الذلُّ في النهاية.. سيداً في كل الميادين.

 لهذا ليس غريباً أن يقول الزميل الخوري في مقاله المذكور: «أن تنطلق كلمة الذلّ من الحناجر، فهذا دليل على أن الناس تصرخ من أعماق الألم. كلمة ذلّ هي اشدّ الكلمات وحشية والتباساً، إلى درجة أن ابن منظور لم يجد مرادفاً لها في -لسان العرب-، ففسرها بنقيضها: (الذلّ نقيض العزّ...والذلّ: الخِسة، وتذلل اي خضع). لم يجد ابن منظور في نفسه القدرة على شرح كلمة خسيسة إلا عبر نقيضها. فالإذلال يجمع الإخضاع الى الهوان، ويتضمن امتهان الكرامة، ويقود الى الشعور بفقدان الهوية الانسانية».

 قد يكون الصبر فضيلة وجزءاً من الحكمة. وقد أظهر الشعب السوري حكمةً كبرى حين أصرّ على سلمية انتفاضته ووحدته الوطنية. من أجل هذا نؤكد على ماختم به الزميل مقاله حين قال: «الحكمة لا تعني الاستسلام، وهذا ما أثبتته دوما ودمشق وحمص وبانياس والقامشلي واللاذقية ودرعا. رسمت الحكمة خطّها الأحمر الذي تجسده كلمتان: الحرية ورفض الذل. هذا الخط تلّون بدماء الشهداء، ولن يكون في مقدورٍ أحد ان يتجاوزه بعد اليوم».

===============================

" انطماس العقل وفقدان الوجدان البشري في سوريا"

جريدة يني شفق التركية

8 -5-2011

خير الدين كارامان

الأستاذ الدكتور في الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة مرمره في اسطنبول

hkaraman@yenisafak.com.tr

لننظر الى المسألة أولاً من الوجهة الإسلامية : إن معظم الشعب السوري من المسلمين السنة ، وجاء الى حكم هذا البلد بقوة السلاح أقلية تعتبر فاسدة الإعتقاد في وجهة النظر الإسلامية السنية ، وتحكم الأقلية هذه بغير ماأنزل الله. وهذه الطائفة الحاكمة كما هو ظاهر لا علاقة لها بالإسلام لا في القول ولا في العمل ولا في المعاملة. بلغ الفساد في هذا البلد الى عنان السماء. تتحكم القلة القليلة من القيادة بكل إمكانيات هذا البلد وربما تمنّ بشيء بسيط منها لأقربائهم ، الأمن بأيدي الظلمة ، الظلم والقتل والتعذيب لا حد له ولا حساب. لا يسمح للشعب بقول الحق أو المطالبة بالإصلاح عن طريق العلماء أو الزعماء ، ومن ينطق ببنت شفة يجد نفسه في مركز التعذيب أو في غياهب السجون. فإذا كانت الحالة هذه فأي مرجع أو كتاب إسلامي تفتحه تجد فيه الحكم التالي : فعل كل ما يستطيعه الإنسان في سبيل إبعاد وكف يد هؤلاء الحكام عن الحكم والإتيان بمن هو أهل لذلك فرض على كل الشعب. ولننظر الى المسألة من الناحية الديمقراطية وحقوق الإنسان : لا ديمقراطية في هذا البلد ، وقد حظرت الأحزاب السياسية تطبق حالة الطوارئ في البلاد منذ أربعين سنة ، تنتهك حريات وحقوق الإنسان ، وليس أمام الشعب طريق أو أسلوب غير طريق التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام . ففي هذه الحالة خروج الشعب الى الشارع ومطالبة الحق والحرية والديمقراطية -من غير التجاء الى العنف- حق له بل وظيفته وواجبه. الشعب السوري يفعل هذا وأما الإدارة فتكاد ترتكب المجازر في حقهم ثم بعد ذلك –وبكل قبح- تقول : " لسنا نحن الذين نقتل إن الذين يقتلون هم المندسون وأتباع الجهات الخارجية" تصرح بتصريحات يكاد يضحك منها حتى الغراب!! الذين يحبون الوطن والشعب والذين هم مع الحق ومع الشعب (الأصدقاء الحقيقيون) يحذرون الحكام ويقولون لهم " دعوا الحجج التي لا أصل لها أصغوا للشعب ولبوا مطالبه قبل فوات الأوان ، لا تلقوا الوطن في الجحيم من أجل مصالحكم وكراسيّكم ، لا تكونوا سببا في سفك دماء الآلاف من الأبرياء" يتظاهر الحكام بأنهم يستمعون الى هذه الأقوال وأنهم سينفذونها ثم يعودون بعد ذلك الى أعمالهم القديمة وكأن شيئاً لم يكن. أما النتيجة ففاجعة وهلاك ودمار تحول البلد الى مذابح وسجون ومراكز تعذيب ، أنين وصياح المظلومين تبلغ عنان السماء ، والفرصة الأخيرة ضاعت أو تكاد أن تضيع . هل من الممكن أن يطمس العقل والضمير والوجدان البشري الى هذا الحد ؟!! إذن فإن ذلك ممكن كما نرى اليوم . فإذا أصرت القيادة السورية ووجدت الحل في إلقاء اللوم على خطط وحسابات خارجية ، فإن هذا الحل لا ينفع سوريا وإنما ينفع الذئاب الجشعة والظالمة. "فلو وقعت الدول الإسلامية فيما بينها إتفاقيات ومنظمات منها اتفاقية أو وحدة تتعلق بظروف الإختلاف تقضي بإيجاد حلول مشتركة بقوة مشتركة عادلة " فلو وجدت هذه المنظمة لما استنجد من وقع في البحر بالحية –مثل تركي يقول من وقع في البحر يستنجد ولو بالحية- وكان باستطاعته إيجاد حل عن طريق الإستنجاد بالأصدقاء. أعلم أن النصيحة لا تجدي نفعاً ولكنني أظن أن عدم الإستفادة من كل هذه المصائب إنطماس للعقل والوجدان البشري!

===============================

هل بات رهان اليساريين العرب على الأنظمة؟

كفى الزعبي

القدس العربي

2011-05-06

حدث، وقد حدث ذلك فعلا، أن شهدت ندوة ثقافية أقيمت في عمان في شهر شباط ( فبراير)، أي بعد انتصار الثورة التونسية بأقل من شهر، في يوم ماطر في عمان وفي القاهرة.

حيث كانت ملايين مصر في ذروة ثورتها وهي تعتصم في ميدان التحرير... في لحظة تاريخية كان النظام المصري يتهاوى فيها في بث حي ومباشر على جميع المحطات والذبذبات والأمواج الأثيرية والبشرية التي لا تكف تهتف ' الشعب يريد إسقاط النظام' ...في هذه اللحظة، تصورا! فالأمر فعلا يبدو عصيا على التصديق. كانت نخبة من المثقفين اليساريين الأردنيين يجتمعون في ندوة تناقش أزمة التحرر العربي!! يومها برر أحد المشاركين أنه كان قد أعد ورقته قبل اندلاع الثورة في تونس! تبين أن إعجابه بتحليلاته النظرية لأزمة التحرر العربي قد فاق إحساسه بأهمية ما يحدث على أرض الواقع، فبدت الثورة هامشية ليست ذات قيمة، وهو يقرأ مطولا على مسامعنا دراسة من عشرين صفحة وربما أكثر عن أسباب الأزمة ومكوناتها وسبل الخروج منها.

لقد كشفت الثورات العربية فعلا عن أزمة حقيقية، إنما ليس أزمة تحرر عربي فالتاريخ وكما أثبت لنا قادر على العثور على مخارج لأزماته إن وجدت ذاك أن توصيف أزمة هو من اختراع المثقفين والنخب، وربما للتاريخ توصيف آخر وقراءة أخرى. لكن الثورات كشفت وبما لا يبقي مجالا للشك عن أزمة النخب اليسارية العربية وعجزها عن قيادة الشارع، وعن قراءة الواقع، وتخلفها على الأقل عن مواكبته...بيد أن الأمر لا يبدو كارثيا لا سيما في حالتي مصر وتونس حينما تجاوزت الثورة ببساطة وهدوء صالونات النخب وكتاباتهم وانشغالاتهم وجدالاتهم ومضت قدما مبقية إياهم غارقين في دهشتهم بينما هم يقفون على الهامش.

لا يبدو الأمر مثيرا للقلق في حالة تونس ومصر...أما في حالة سورية فيبدو الأمر فعلا مثيرا للقلق، وبالتحديد في قراءة ليس اليسار السوري لانتفاضة الشعب السوري بل في قراءة اليساريين العرب الذين تعودوا منذ زمن طويل على غض النظر عن استبداد النظام السوري وفساده ولم يشاؤوا أن يرووا سوى مواقفه الوطنية والقومية ودعمه للمقاومة اللبنانية والفلسطينية. ربما بوسع المرء أن يعثر لهم على مبررات ما، في سياق مرحلة تاريخية كانت الشعوب العربية فيها لا تمارس إلا الصمت. أما الآن وبعد أن خرج الشعب السوري إلى الشارع مطالبا بالحرية والعدالة فإننا نشهد مؤشرات أزمة خطيرة في أوساط النخب اليسارية العربية، ينم في رأيي عن رؤية تعاني من جمود عميق في قراءة الواقع كما وينم عن خلل عميق يمس جوهر الفكر الثوري الذي من المفترض أنهم يتبنونه وهو التشكيك بمسوغات الانتفاضة الشعبية السورية الطبقية والاضطهاد وغياب الحرية والديمقراطية... والخ من المسوغات الدامغة التي نضجت ودفعت بالناس إلى الشوارع وتبني هذه النخب مع شيء من الحذر والخجل. خطاب النظام الملوح بالخطر الطائفي وبوجود مؤامرة خارجية ( أمريكية وإسرائيلية) على سورية تهدف إلى تفتيت الدولة من أجل تحطيم المقاومة ومعسكر الممانعة العربي. قد لا نستغرب هذا الخطاب من النظام السوري، فهو كطرف في الصراع معني بالحفاظ على السلطة وعلى مصالحه حتى وإن أدى به ذلك إلى التضحية فعلا بوحدة سورية، ذاك أننا لم نسمع ولو شعارا واحدا في المظاهرات يدعو إلى الطائفية والانقسام، بل على النقيض من ذلك، ففي حين كما نوه إلى هذه النقطة الكاتب المبدع أمجد ناصر في مقالة له وردت كلمة ' فتنة' في خطاب بشار الأسد المقتضب سبع عشرة مرة، وأقول لأمجد أن رد الشارع على بشار جاء فورا: ' واحد واحد واحد...الشعب السوري واحد'.

في الحقيقة يذكرني سلوك النظام السوري بسلوك عصابات المافيا التي انتشرت في روسيا في بداية تسعينيات القرن الماضي، حينما كانت تفرض هذه المافيا ضرائب مالية طائلة على كل فرد من الشعب الروسي لكي تحميه منها هي ذاتها...من كان يرفض الدفع كان يقتل وكان مكان عمله إن كان صاحب عمل خاص - يتعرض للحرق.

قلت أن خطاب النظام مبرر في سياق صراعه من أجل البقاء...أما اليساريون العرب الذين يتبنون هذا الخطاب فلست أفهم ما الذي يريدون قوله: هل يريدون من الشعب السوري أن يبقى أسير القمع والفقر والاضطهاد واللاعدالة من أجل الحفاظ على وحدة سورية ومواقفها ' الوطنية'، من أجل أن لا يقتل هذا الشعب ولا يحرق ولا يتشرذم؟ أم أنهم فعلا لا يثقون بالشعوب ولا يعولون على مواقفها الوطنية ولا ينتظرون منها سوى صراعات طائفية ستنفجر إن لم تقيد وتسجن وتكمم الأفواه كالكلاب المسعورة في أقفاص مغلقة، يقف عندها شرطي على أهبة الاستعداد لقتلها وإبادتها إن تململت؟

في رأيي المتواضع أن معركة تحرر الشعوب العربية من الطائفية ومن الإقليمية والعشائرية والجهوية...المعركة التي يمكن أن تقود هذه الشعوب إلى الوقوف على أعتاب المجتمع المدني، إنما تبدأ من التحرر من الأنظمة الديكتاتورية البوليسية الفاسدة.

لهذا بالذات يبدو لي أنه على اليساريين العرب المدافعين عن النظام السوري ( وسأفترض حُسن نيتهم) أن ينفضوا الغبار عن معتقداتهم الثورية التي يستعملونها حسبما تقتضي أوهامهم ومخاوفهم، وليس حسب قوانين هذا التاريخ ذاته، ذاك الذي يمضي بصراعاته حسبما يشاء هو وليس حسبما نشاء نحن...التاريخ الذي طالما أخبرنا بهدوء أن المراهنة الحقيقية الرابحة في نهاية المطاف، يجب أن تكون على الشعوب وليس على الأنظمة، لا سيما إذا كانت هذه الأنظمة مستبدة وفاسدة.

===========================

الدكتاتور غوار الطوشة !

خلف الحربي

عكاظ - 11 مايو 2011م

حين نقول إن الثقافة العربية المراوغة أنتجت أمة كذابة نصابة لعابة يجب أن لا نتجاوز حقيقية أساسية وهي أن ثقافة أي أمة يصنعها مثقفوها، وموقف الفنان دريد لحام من الأحداث في سوريا يثبت أن كل تاريخه المسرحي الطويل الذي ناهض خلاله الديكتاتورية والطغيان والتسلط لم يكن أكثر من حفلة كبيرة للزيف والارتزاق، بالطبع أنا أشعر بأسف شديد حين أقول هذا الكلام بحق فنان رائد طالما أحببته وأحترمته ولكنني لا يمكن أن أجد وصفا أفضل بعد أن انقلب غوار الطوشة على كل المبادئ التي كان يتغنى بها حين خرج من مسرحيته الكبيرة ووجد نفسه في مواجهة الحقيقة فلم يكن منه إلا أن اتخذ موقفا مناصرا للغة الحديد والنار، فلم يعد أمامنا سوى أن نردد سؤال زميله أبو عنتر: ( شو بنا أبو الغور ؟ !) .

 

في مسرحية (كاسك ياوطن) كان ثمة مشهد يتحدث فيه غوار مع والده الشهيد مؤكدا أنه لا ينقصنا نحن العرب أي شيء في هذا الزمان باستثناء (شوية كرامة) لحظتها اشتعل المسرح بالتصفيق تقديرا لهذه العبارة الجريئة، واليوم حين ارتفعت المطالبات من حوله ب(شوية كرامة) يخرج علينا مؤكدا أنه ليس من مهمة الجيش السوري محاربة إسرائيل بل حفظ السلم الأهلي داخل سوريا! .. الله يرحمك يا أبو عنتر ليتك تتحدث مع رفيق دربك مثلما تحاور هو مع والده الشهيد على خشبة المسرح وتسأله: (شو بنا أبو الغور؟!).

 

لن أسرد عليكم أمثلة للمشاهد التي تحدث فيها دريد لحام عن الحرية ودماء الشهداء والمواطن العربي المسحوق فأنتم تعرفونها منذ أن كنتم صغارا، بل سأحيلكم إلى موقف قريب جدا حين اندلعت الثورة الليبية حيث خرج علينا غوار بتصريح أكد فيه أن زيارة القذافي له في بيته لا تعني أنه صديقه لأنه يرى أن القذافي ديكتاتور وهو بطبيعته (ضد الديكتاتوريات أينما وجدت) .. أرجوكم تأملوا هذه العبارة الرنانة جيدا وقارنوا بينها وبين موقفه الحالي المناصر للحلول الدموية واسألوه نيابة عن أبو عنتر: (شو بنا أبو الغور ؟ !) .

 

من السهل أن يبرر دريد لحام اتخاذه هذا الموقف المعيب بأنه كان يتحاشى الأذى، ولكن هذا التبرير لا يلغي أن الحياة مواقف وعزائم الرجال تختبر في اللحظات الصعبة وإلا ما الذي يجبر رسام الكاريكاتير الفنان علي فرزات الذي يرسم من داخل سوريا لوحات في غاية الشجاعة ؟!، أو مالذي يجبر الفنانة القديرة منى واصف على توقيع بيان يدين حصار درعا ؟!.

 

على أية حال نحن حين نتحدث عن دريد لحام فإننا بالطبع لا نتحدث عن (مشخصاتي) عابر ساعدته الظروف ووصل إلى النجومية في لحظة غفلة بل عن أستاذ جامعي اختار الفن لإيصال رسالته السياسية والثقافية وشكل لسنوات طويلة ثنائيا رائعا مع الأديب الراحل محمد الماغوط حيث قدما سويا سلسلة من المسرحيات السياسية التي ساهمت في تشكيل وعي الشارع العربي ثم نكتشف بعد كل هذه السنوات بأن هذا الفنان المناضل ليس أكثر من هراوة خفية ادخرتها السلطة كي تهوي بها على رؤوس المساكين في الوقت المناسب !.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ