ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 10/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

إلى من يهمه الأمر في موضوع سوريا

الشرق الاوسط

اياد ابو شقرا

9-5-2011

«كل حكم ديكتاتوري في العالم يدعي أنه يتصرف باسم الشعب».

(هارولد ه. غرين)

إذا كان جزء لا بأس به من أبناء الشعب السوري قد فوجئ بأسلوب تعامل النظام في دمشق مع المظاهرات الشعبية، التي غطت واقعيا معظم المحافظات السورية خلال الأسابيع الماضية، فإن هذا الأسلوب القمعي لم يفاجئ اللبنانيين إطلاقا. ثم إن ثمة شعورا سائدا في لبنان اليوم أن أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية الموعودة مرتبطة، عضويا، بما يحدث في سوريا.

فمما لا شك فيه أن الصلات التي تربط لبنان وسوريا أوثق بكثير من الصلات التي تربط أيا من الكيانين بباقي الأقطار العربية الشقيقة. وعلى امتداد التاريخ تبادلت أجزاء المساحة التي يقوم فيها الكيانان الحاليان المنافع والأضرار، بل وشهدت أمواجا من التبادل السكاني.

وإذا كان النظام الحالي في دمشق يدعي ضمن «منجزاته» أمرين هما: أنه «ممانع» ومناوئ لإسرائيل، وأنه فوق الانقسامات الطائفية؛ بعكس حال النظام اللبناني، فالواقع أن «الحالة الإسرائيلية» و«الحالة الفئوية» كانتا، وما زالتا، من الظواهر التي اخترقت قلب الفكر والممارسة السياسية في الكيانين.

فعلى صعيد «الحالة الإسرائيلية» يمكن القول، بصراحة، إنه لا فارق يذكر بين وضعي سوريا ولبنان. ولئن أخذ كثيرون في سوريا على لبنان بين عامي 1948 و1975 اقتناع نفر من زعمائه بمقولة «قوة لبنان في ضعفه»، وفي علاقاته الدولية، فإن صمت دمشق عن استمرار احتلال هضبة الجولان - باستثناء استقوائها ب«جبهة» لبنان - يشير بوضوح إلى «ضعف» لا جدال فيه.

أما عن «الحالة الفئوية»؛ فالظاهر حتى الآن أن طريقة معالجة دمشق لمشكلاتها الفئوية أسوأ حتى من الانقسام اللبناني. ذلك أن لبنان تعايش مع تعدديته واعترف بها دستوريا، ومارسها سياسيا وإداريا. بل، ووصل في عدة مفاصل إلى حدود عقد تفاهمات داخلية، حتى في عز استعار حربه «الأهلية» بين 1975 و1990، وهذا قبل أن يجهضها في كل مرة ما اصطلح على تسميته ب«الطرف الثالث». ومع الأسف، كان «الطرف الثالث»، غير مرة، جهة محسوبة سياسيا وأمنيا على دمشق.

ثم إن نصيبا لا بأس به من الحقن الفئوي والتحريض الذي سبق حرب 1975 - 1990 في لبنان، ما كان بعيدا عن تنظيمات لبنانية وفلسطينية، «دمشقية» الإيحاء من نوعية تنظيم «الصاعقة» ذي التاريخ المشهود قبل تلك الحرب وإبانها وما بعدها. كذلك فإن أصحاب الذاكرة القوية من اللبنانيين يتذكرون جيدا أول من قال عبارة «لبنان الأخضر سنحوله إلى أحمر!».

ومن ناحية أخرى، يدرك اللبنانيون اليوم – كما بالأمس – أنهم بعدما عاشوا في ظل هيمنة دمشق الأمنية المباشرة على مقدراتهم على امتداد ثلاثة عقود.. ها هم الآن يغرقون في مستنقع أكثر طائفية وأشد تعصبا وكراهية. وهذا يعني أن تجربة هيمنة دمشق على الساحة اللبنانية طوال العقود الثلاثة فاقمت الأزمة الطائفية ولم تعالجها.

لماذا يا ترى؟

هناك خبثاء كانوا دائما مع الرأي القائل إن النظام في دمشق أخفق أصلا في معالجة الأزمة الطائفية أو الفئوية داخل سوريا، فكيف يتوقع منه أن يعالج طائفية جيرانه وفئويتهم في كيانات مأزومة كلبنان والعراق؟

طبعا هذا الرأي كان مرفوضا على مستوى الخطاب الرسمي السوري، سواء في التصريحات السياسية للمسؤولين، أو «بروباغندا» الأبواق الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية السورية داخل سوريا ذاتها، أو في لبنان. ولكن اليوم، بعد أسابيع على بداية انتفاضات الشارع السوري – مهما بلغ حجمها – يتبين للمراقب الجاد أن النظام في دمشق أخفق حقا في معالجة أزمته الداخلية.

تكرارا، بصرف النظر عن حجم الانتفاضة.. المتسعة جغرافيا من القامشلي إلى اللاذقية ومنها إلى درعا، وما بينها من المدن والضواحي والبلدات في قلب البلاد، نجد أن واقع الإخفاق مؤكد. فبعد أكثر من 40 سنة على «الحركة التصحيحية» التي حملت النظام الحالي، بجيليه الاثنين، إلى السلطة، يعترف النظام بأن البديل الوحيد له هو الفوضى والفتنة والطائفية المتطرفة. وهذا الاعتراف في قاموس السياسة يعني الفشل الذريع في بناء سلم أهلي حقيقي يسمو على النعرات والحساسيات والظلامات الفئوية.

لقد أتيحت عدة محطات مهمة أمام النظام لكي يتعلم من أخطائه. وكانت أولاها تجربة حماة في مطلع فبراير (شباط) عام 1982، التي عالجها، كما هو معروف، بقوة السلاح.

ثم وقعت أحداث القامشلي في مارس (آذار) عام 2004، ومجددا وجد النظام أن الحل الأمثل هو الحل الأمني.

وبعد سنة تقريبا في 14 فبراير 2005 اغتيل رفيق الحريري ورفاقه في لبنان، وأدى توجيه قطاع واسع من اللبنانيين الاتهام إلى دمشق، مما اضطر النظام إلى سحب القوات السورية من لبنان تحت ضغط دولي غير مسبوق. وردت دمشق بمضاعفة الضغط على لبنان عبر أدواتها وحلفاء حلفائها، وعلى رأسهم حزب الله. وانتهى الأمر إلى إنجاز حزب الله ما كان، عمليا، انقلابا مسلحا على السلطة الشرعية اللبنانية المنتخبة.

الرئيس بشار الأسد أقر في أحد أول تصريحاته بعد سحبه القوات السورية من لبنان ب«ارتكاب دمشق أخطاء في لبنان»، غير أن أحدا لم يُحاسَب على هذه الأخطاء.. إلا الشعب اللبناني.

واليوم بعد مرور أسابيع على انتفاضة الشارع السوري، نجد أنفسنا كمراقبين أمام الحقائق التالية:

أولا: الخطاب السياسي والإعلامي السوري الرسمي، يتحدث عن «مؤامرة أصولية» مسلحة. لكنه، بينما يركز على سقوط قتلى وجرحى من القوات المسلحة وقوات الأمن، يتجاهل تقريبا سقوط قتلى مدنيين.

ثانيا: تتهم دمشق الإعلامين العربي والدولي – كله فعليا – بالتآمر لتشويه حقيقة ما يجري، لكنها تصر على حرمان الإعلاميين العرب والأجانب من حرية الحركة.

ثالثا: على الرغم من الإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ، بما فيها منع التظاهر، فإن وزارة الداخلية السورية تصدر بيانات تحض فيها المواطنين على لزوم بيوتهم.

رابعا: تواصل السلطات اعتماد القوة العسكرية في تصديها للاحتجاجات والمعارضة، التي بعكس وضع حماة، ما عادت محصورة بمنطقة واحدة من البلاد.

إزاء هذا الواقع، ولمن يهمه الأمر، من الصعب جدا أن يغير النظام في دمشق أسلوب تعامله مع الوضع الداخلي السوري. وعبر الحدود – غير المرسّمة – مع لبنان من المستبعد جدا سماح أدوات هذا النظام وحلفاء حلفائه بقيام حكومة لبنانية تستطيع أن تمارس دورها الطبيعي بالحكم.

===================

متى «جمعة الحسم» في سورية ولمن الغلبة ؟

الإثنين, 09 مايو 2011

جورج سمعان

الحياة

الحراك في سورية يمر أمام خيارات صعبة. وكذلك المواجهة الأمنية التي يقودها النظام أمام امتحان مفصلي. لذلك، ستكون الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع في هذا البلد ووجهة الأحداث فيه. المحتجون لم تثنهم حتى الآن الدبابات التي دخلت درعا. خرجوا في «جمعة التحدي» من مدن وقرى أخرى، وهم مصممون على مواصلة التحرك. والدبابات انتقلت بدورها إلى مدينة أخرى، إلى بانياس. وواكبت الولايات المتحدة وأوروبا هذه المواجهات بمزيد من الضغوط والعقوبات... ولكن مع موجة من الانتقادات المتبادلة والخلافات على الموقف الحقيقي الواجب اتخاذه من دمشق.

ستكشف الأيام المقبلة وجهة الصراع: هل يستطيع المحتجون مواصلة حراكهم إذا نجحت الدبابات في تطويع المدن واحدة بعد أخرى؟ وهل يذهب النظام بالحل الأمني حتى النهاية أياً كان الثمن ضحايا وخراباً؟ وهل يكتفي المجتمع الدولي بهذا القدر من المواقف أو العقوبات؟ أم هل يقع المحظور في المؤسسة العسكرية الذي تراقبه دوائر غربية... فتنقلب المعادلة رأساً على عقب؟

مواقف كثيرة تلتقي حتى الآن حول الرئيس بشار الأسد: أولها موقف المعارضين الذين يتواصلون عبر صفحة «الثورة السورية» على موقع فايسبوك. طرح هؤلاء على الرئيس حلولاً للخروج من الأزمة. هم يكررون مناشدتهم إياه قبل أسابيع التدخل شخصياً لإجراء الإصلاحات. أي أنهم لا يزالون يؤمنون بأنه قادر على ذلك. هم بذلك يعطون مزيداً من الوقت للتسوية، أو أنهم يدركون استحالة تحقيق ما حققه المصريون والتونسيون، بسبب التعقيدات الداخلية والخارجية التي تحيط بحراكهم.

ثاني المواقف يعبر عنه هذا الجدال الدائر بين أعضاء في الكونغرس الأميركي وإدارة الرئيس باراك أوباما التي ترفض دعواتهم إلى سحب سفيرها من دمشق مثلما ترفض طرد السفير السوري لديها. واتهم أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإدارة بأنها تتخذ موقفاً من دمشق أكثر ليونة من المواقف التي اتخذتها حيال مصر وليبيا. وأكدت نائبة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى تمارا كوفمان ويتس أن الحكومة الأميركية لم تدعُ إلى تغيير النظام في دمشق.

وثالث المواقف ما عبّرت عنه العقوبات الأوروبية. لقد استثنت الرئيس الأسد ووزير دفاعه. علماً أن بعض الدول الأوروبية كان ولا يزال يدفع نحو مزيد من التشدد مع رأس النظام نفسه. ويأخذ على زعماء أوروبيين أنهم لا يتعاملون مع الأسد تعاملهم مع العقيد معمر القذافي. ورابع المواقف غياب أي مؤشر إلى تحرك عربي شبيه بالتحرك الذي واكب توفير غطاء شرعي لقرار مجلس الأمن الرقم 1973 الخاص بحماية المدنيين الليبيين. بخلاف ذلك، هناك محاولات عربية لإقناع دمشق بسلوك طريق الإصلاح. وهو ما تقوم به تركيا أيضاً. وكذلك ليس ثمة مؤشر إلى إمكان قيام إجماع في مجلس الأمن على إجراءات خاصة ضد النظام في دمشق كما كانت الحال مع نظام طرابلس.

خلاصة هذه المواقف أن ثمة شبه اتفاق على وجوب إعطاء الرئيس الأسد مزيداً من الوقت للتراجع عن سياسة مواجهة الاحتجاجات بالقوة والعنف. فهناك من يعتقد أن المجتمع الدولي لا يرى بديلاً محدداً أو جاهزاً للتعامل معه من أجل الانتقال إلى مرحلة أقسى في مواجهة النظام الحالي. ولا يزال كثيرون يرون إلى سورية نقطة محورية في المنطقة، ويخشون أن يعم أي اهتزاز أو اضطراب، غير محسوب النتائج، المشرق العربي بأكمله، فيغرق في فوضى خطيرة ربما استحال ضبط تداعياتها السلبية على الاستقرار الإقليمي برمته، من المتوسط إلى الخليج. هم يفضلون حتى الآن رؤية النظام وقد تداعت قوته في الداخل. وحتى إذا قُدّر له أن يخنق هذا الحراك فإنه سيخرج منهكاً لا حول له على العودة إلى الساحة الاقليمية لاعباً يمكنه تجاهل مواقف «مصر الثورة» أو مواقف مجلس التعاون الخليجي، أو تجاوزها بلا حساب. وهذا ما يزيد في إرباك إيران ويضاعف قلقها.

لكن كل هذه المواقف الخارجية مما يجري في سورية ستكون، هي الأخرى، أمام امتحان صعب في الأيام المقبلة. فليس في الأفق ما يوحي بأن الرئيس الأسد في وارد تبديل خياره الحالي، وإلا لما تأخر منذ اليوم الأول في استعجال الكثير من الإصلاحات. ويعتقد كثيرون أن ثمة مبالغة في القول إن مراكز القوى، الأمنية والاقتصادية، تعارض الإصلاحات وتؤثر في صنع القرار أو في تغليب موقفها. ذلك أن الرئيس تسلم الحكم بدعم من هذه القوى. أي أنها أساس شرعيته التي مهدت في السنوات الأولى من حكمه لشرعية شعبية علقت آمالاً كثيرة عليه بعد الوعود التي أطلقها. ومن المنطقي والواقعي القول إنه في مركب واحد مع هذه القوى، وبالتالي إن أي إصلاح حقيقي فيه إضعاف لمواقعها... وموقعه أيضاً، إن لم يؤدِّ إلى إلغاء هذه المواقع.

أما سياسة العقوبات فيستبعد أن تترك الأثر المطلوب. فسورية تعرضت عملياً لسنوات من الحصار، وعانت فترات طويلة من العقوبات. ولم يبدل ذلك من سياساتها ولم يضعف النظام. لذلك، قد لا تترك العقوبات الجديدة، الأميركية والأوروبية، أثراً كبيراً في مسار الأحداث في هذا البلد. فالحصار الذي تعرض له النظام إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان أقسى وأوسع... لكنه لم يبدل في «سلوك النظام» وفي سياساته. بل اضطرت فرنسا ثم الولايات المتحدة إلى رفع الحصار والانخراط مجدداً في سياسة الحوار مع دمشق. لذلك، سيكون من العبث التعويل على العقوبات الحالية في لَيْ ذراع النظام ووقف تعامله العنيف مع معارضيه.

بالطبع تبدو تركيا الأكثر تأثراً وتأثيراً في سورية. من هنا غضبها وانزعاجها من الآذان الصماء التي تلاقيها. حاولت عبثاً مد جسر من الحوار بين النظام وفريق من «إخوان سورية» لكنها جبهت بالرفض بذريعة أن النظام علماني لا يحاور حزباً دينياً! وحاولت عبثاً أن تدفع النظام إلى حوار وطني مع رموز من المعارضة. لكن النظام الذي أفرغ البلاد طوال أربعين سنةً من أي حياة سياسية كان يعزو رفضه إلى غياب أي طرف «مؤسسي» يمكن محاورته. لذلك، كان ولا يزال يلصق بالمتظاهرين والمحتجين تهماً مختلفة من «العصابات» إلى «السلفيين» إلى...

كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ولا يزال الأكثر إلحاحاً على الرئيس بشار الأسد لإجراء إصلاحات محذراً من «حماه أخرى». لأنه يخشى من آثار الفوضى التي قد تلحق ببلاده والمنطقة كلها إذا خرجت الأوضاع في سورية عن نطاق السيطرة. لكن ما يدركه الزعيم التركي في قرارة نفسه هو أن إصلاحات بنيوية حقيقية من نوع تعددية حزبية وإعلام حر وانتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة كفيلة بإنهاء نظام أقفل على نفسه وناسه طوال أربعين سنة. وتجربة الإصلاح في النظام التركي مختلفة تماماً، ولا أرضية أو ظروف أو واقع تتيح نسخها في سورية.

ولكن، يبقى من حق أردوغان أن يغضب وأن يقلق. فسورية تبدو وحدها هذه الأيام تسبح عكس التيار. الأميركيون والأوروبيون ينهجون سياسة الانخراط مع الأحزاب الإسلامية التي استعجلت اللحاق بالشباب في ساحات التغيير «السلمي» العربية، موجهة ضربة قاصمة إلى سياسة العنف في مواجهة قهر الأنظمة، وإلى فكر «القاعدة» ومشتقاتها حتى قبل مقتل زعيمها بن لادن. والتي تسعى إلى اقتفاء أثر تجربة الإسلاميين في تركيا ومثالهم. من حق أردوغان أن يغضب وأن يقلق، فهل يعقل أن تتحول سورية قلعة مقفلة الأبواب نحو العالم العربي بعد كل الجهود التي بذلتها أنقرة في السنوات الأخيرة والتحول الكبير في ديبلوماسيتها نحو ما كان ماضياً جزءاً من الإمبراطورية؟

الأيام القليلة المقبلة ستحدد مسار الأوضاع في سورية. وأياً كانت نتائج الحملة الأمنية على المدن والقرى، فإن النظام لن يخرج معافى سليماً كما لو أن شيئاً لم يحدث... هذا إذا لم يحدث المحظور. كما أن مثابرة المحتجين على الحراك قد تبدل في المواقف والسياسات، الداخلية منها والخارجية. وإذا كانت مواقف حركة «حماس» تؤشر إلى ما طرأ على الساحة السورية حتى الآن... فإن الخلافات داخل أهل النظام في طهران تؤشر هي الأخرى إلى ما طرأ على «جبهة الممانعة» من اهتزاز وارتباك لا ينفع في وقفهما الوقوف في وجه «الربيع العربي».

===================

كيف نثق بالمعارضة الأردنية بعد تأييدها النظام السوري؟

الإثنين, 09 مايو 2011

إبراهيم غرايبه *

الحياة

موقف وسلوك المعارضات السياسية الأردنية، الإسلامية والقومية واليسارية والوطنية على السواء هو أبعد بكثير من مخزٍ ومقزز، ولكنه يبعث على القلق والرعب فيما إذا أتيح لهذه الأحزاب والقوى السياسية أن تحكم أو تشارك في الحكم، ويشجع على هذا الاستنتاج بأن فهمها للحريات والعدالة ونظرتها إليها لا يختلف عن الأنظمة السياسية الوحشية والبدائية الموغلة في العنف والإجرام بحق الإنسانية والحياة. فإذا كانت هذه الأحزاب والجماعات ترى مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة (هل يقاوم النظام السياسي في سورية بالفعل إسرائيل والولايات المتحدة؟) مبرراً لإلغاء الحرية وارتكاب الجرائم بحق الإنسانية فهي تقول لنا بأنها ستفعل الشيء نفسه في الأردن إذا أتيح لها ذلك.

إذاً، ما معنى مطالبتها بالإصلاح في الأردن؟ وما معنى الإصلاح لدى هذه الجماعات؟ وإذا كان رفضنا الاحتلال والاستعمار مستمداً أساساً من تطلعنا إلى الحرية والعدالة أليس أفضل لنا أن نكون في ظل الهيمنة الأميركية وحتى الإسرائيلية إذا كانت هذه الهيمنة أقل وحشية وأكثر احتراماً للإنسان، وهو بالمناسبة ما يشعر به بالفعل الناس في العراق، ويعترف به بوضوح وبساطة حتى المعارضون للوجود الأميركي في العراق، وكيف سنثق بدعوات هذه الجماعات والأحزاب للتظاهر والخروج في مسيرات مطالبة بالإصلاح ومناوئة للفساد، وهي تؤكد إذا كانت تنظر إلى أنظمة سياسية مثل نظام سورية كمثال يحتذى، أنها أكثر فساداً وظلماً من الواقع القائم، وأن الثقة بها أو اللجوء إليها مثل المستجير من الرمضاء بالنار.

والأزمة التي يكشف عنها سلوك المعارضة هي أعمق بكثير من الازدواجية أو نقص الفهم والإدراك، ولكنها تؤشر على موقع الحريات في أولويات المجتمعات والأحزاب ومدى تقديرها أولوياتها واحتياجاتها، ومن ثم استعدادها للنضال والمواجهة، فهي إن كانت لا ترى حق الناس في ولايتهم على أنفسهم ومواردهم مسألة تستحق العمل والتضحية، وأنها قضية يمكن تأجيلها عقوداً طويلة لأجل دعاوى المقاومة، فلا يمكن الثقة بها بادعائها الإصلاح ولا يمكن الثقة أيضاً بدعواها في التحرير، فالرصاص الذي يقتل المئات في سورية بلا رحمة وبدم بارد ليس مختلفاً عن الرصاص الذي يقتل الناس في غزة.

فالقتل هو القتل، ولا يختلف القمع والاضطهاد في شيء إن كان الظالم عربياً أو مواطناً أو غير ذلك.

إننا في مواجهة حالة مرعبة تبعث على الخوف والقلق العميق! فإذا كان المواطنون في الأردن يؤيدون جماعات تدعي الإصلاح ولديها في الوقت نفسه، عندما يتاح لها المجال، الاستعداد أن تطلق النار على المواطنين أو تظلمهم أو تسلبهم حريتهم وحقوقهم الأساسية، أو على الأقل تؤيد أنظمة سياسية تقتل شعوبها وترتكب جرائم يندى لها الجبين بحق شعوبها، فكيف يأمن الأردنيون على أنفسهم عندما يؤيدون مثل هذه الجماعات؟ وكيف لا يشعرون بالقلق العميق على مستقبلهم وحرياتهم ومصائرهم إن أتيح لمثل هؤلاء أن يساهم في تقريرها.

وهكذا فإن الحراك الإصلاحي في الأردن يُطعن في الصدر على يد الحكومة وجماعاتها وبلطجيتها، ويُطعن أيضاً في الظهر على يد جماعات وأحزاب وشخصيات إسلامية ويسارية وقومية ووطنية تدعي الإصلاح وتخرج إلى الشارع مدعية المطالبة بالحرية والديموقراطية، ولكن من الواضح أنها لا تؤمن بما تطالب به وتدعو إليه، ويبدو واضحاً اليوم أنها جماعات وأحزاب وشخصيات لا تملك الحد الأدنى من الضمير الذي يؤهلها لأبسط عمل عام، ولا تملك أيضاً الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الذي يؤهلها لثقة الناس وتأييدهم، ومن الخير للمواطنين، إن لم يتخلصوا من مثل هذه المجاميع البدائية التي لا تقل فساداً وفشلاً واستبداداً عن الأنظمة السياسية، ألا يجشموا أنفسهم عناء الاستماع إليها أو مشاركتها بشيء، فهي مشاركة مثل صحبة الدب الذي قتل صاحبه ليطرد الذبابة عن وجهه!

* كاتب أردني

===================

حامل العصا

صبحي حديدي

2011-05-08

القدس العربي

 ذات يوم، في آذار/مارس 2003، خلال خطبة افتتاح أوّل دورة في عهده لمجلس الدمى المتحركة الذي يُسمّى 'مجلس الشعب'، شنّ بشار الأسد هجوماً عنيفاً على المعارضة السورية؛ ليس لأنها تعارض نظامه القائم على التوريث والإستبداد والفساد والحكم العائلي، إذْ كان الهجوم سيجد مسوّغه الأوّل، بل لأنّ المعارضة... لا تكفّ عن اقتباس خطاب القسم الذي ألقاه، في المجلس ذاته، ساعة توريثه! ولقد أوحى أنّ المعارضة هي السبب الوحيد في بلاء سورية، والورم الخبيث الذي يتوجب استئصاله على الفور، دون تهاون أو شفقة أو تردد! النظام، الراكد العاجز عن التبدّل والتطوّر والإصلاح، ليس جوهر المشكلة، أو أمّ المشكلات جميعاً ربما؛ بل هي المعارضة، التي تجهل معنى مصطلح الديمقراطية. والفاسدون، الذين ينهبون الوطن ويستنزفون طاقاته وثرواته، ليسوا مصدر قلق أو سخط؛ بل هم المعارضون، الذين يرون أنّ 'الديمقراطية حلّ لعقدهم النفسية على حساب الآخرين'!

وقال الأسد (مرتجلاً، ونقتبسه هنا  حرفياً، بعلامات الوقف ذاتها  عن نصّ وكالة الأنباء السورية 'سانا'): 'تحدثوا عن خطاب القسم ورفعوه كعَلَم.. وجعلوه خطة تنفيذ.. بينما هو منهج تفكير.. والفرق كبير بين منهج تفكير وخطة تنفيذ.. منهج تفكير هو كيف يفكر هذا الشخص الذي ألقى الخطاب.. وهذه هي آلية تفكيره.. لا بدّ للمواطن أن يعرف كيف يفكر هذا الرئيس. هناك العديد من المصطلحات التي طرحت في خطاب القسم.. وكلها مصطلحات متداولة.. لا يوجد فيها أي مصطلح جديد.. كلها تمّ تعريفها بالشكل الذي فهمتها أنا.. فإذاً منهج التفكير بحاجة لخطط تنفيذ وليس خطة تنفيذ.. ربما تربط بجدول زمني.. ربما لا تربط.. هذا موضوع آخر'.

ولا ريب في أنّ خيار الخطابة ارتجالاً (والذي كان الأسد يفضّله في مطلع عهده، قبل أن يتنبه إلى أنّ القراءة من نصّ مكتوب هي خير وأبقى!)، جعل الأفكار تتدافع على هذا النحو الذي لا يتماسك تماماً في صيغة ملموسة. فليفترض المرء أنّ هذه مسألة أسلوبية، وليذهب إلى سلسلة من التساؤلات المستمدّة من جوهر ما يمكن أن يعنيه الأسد: هل يقصد القول إنه كان من الخطأ التعامل مع خطاب القسم كخطة تنفيذ، وكان المطلوب تجريده من صفة 'الخطاب الرئاسي الأوّل'، واعتباره مجرّد منهج تفكير؟ ومتى تنفّذ السلطة التنفيذية أشغالها، إذاً، واستناداً إلى أيّة سياسات وخطط وتوجّهات؟ وهل يكفي أن يعرف المواطن كيف يفكّر 'هذا الرئيس'، لكي تشتغل الدولة وتخطط وتنفّذ؟ وإذا كان منهج التفكير هذا يستلزم 'خطط تنفيذ وليس خطة تنفيذ'، فما الذي منع الدولة من رسم تلك الخطط؟ وفي الأساس، ما جريرة المعارضة هنا؟

بيد أنّ الأسد تناسى، أو لعله نسي بالفعل، أنّ الذين تحدثوا عن خطاب القسم ورفعوه كعلم لم يكونوا في صفوف المعارضة، بل كانوا ويظلّون حتى اليوم في صفوف السلطة، وفي عداد المطبّلين لها هنا وهناك، في وسائل الإعلام الرسمية مثل وسائل إعلام أحزاب ما يُسمّى 'الجبهة الوطنية التقدمية'. كذلك بدا الأسد وكأنه يُسقط ذريعة أساسية استخدمها الذين لم يكونوا من أنصار السلطة أو محازبيها، ولكنهم عقدوا الكثير من الآمال على وعود التغيير التي أوحى بها خطاب القسم. ولقد مضى اليوم زمن كانت فيه مقالات هؤلاء، المستبشرة خيراً على صفحات صحيفة 'الثورة'، لا تخلو أبداً من اقتباس خطاب القسم!

كذلك قال الأسد، في الخطاب ذاته: 'تحدثنا في خطاب القسم عن الديمقراطية وقلنا إن الديمقراطية هي أخلاق ففهموها تهجماً على التاريخ.. وتهجماً على رموزنا الوطنية التي نفتخر بها جميعا. قلنا إن الديمقراطية هي تعزيز للأمن والاستقرار. فالبعض فهمها تعميماً لعدم استقراره النفسي على الوطن ومساساً بالوحدة الوطنية. قلنا إن الديمقراطية هي صناعة وطنية. قالوا إنها عبارة عن مصطلحات نضع الوطن داخلها.. مصطلحات مستوردة. قلنا إنها حلّ لمشاكل عامة. قالوا إنها حلّ لعقدهم النفسية على حساب الآخرين'. لكنّ سوابق الوريث، حتى تلك الساعة، كانت لتوّها كافية لاستكناه طبائع هذه 'الديمقراطية' الذي زعم تصنيعها وطنياً، ولام المعارضة لأنها تطالب باستيرادها!

ففي المناسبة الدستورية الأولى لعهده، أي الإستفتاء الرئاسي، كانت نسبة ال 97.29 في المئة بمثابة لطمة عنيفة ذكّرت المواطنين بما كان يتكرّر في الماضي من نِسَب مماثلة عند التجديد لانتخاب الأسد الأب؛ الأمر الذي شكّل  في كلّ مرّة  مصادرة صريحة للعقل الطبيعي والمنطق السليم، وإهانة مباشرة للمواطن السوري. وفي المناسبة الدستورية الثانية، خطاب القسم الشهير، أعلن الأسد أنه لا يملك 'عصا سحرية لتحقيق المعجزات'. وفي الواقع لم يكن أحد يطالبه بإشهار تلك العصا، إذا كان 'الرئيس الشاب' قد تملّص من إلزام نفسه بإلغاء حال الطوارىء، أو إعادة تنظيم الحياة السياسية بما يكفل بعض التعددية وبعض الحريات، أو إصدار عفو عام...

واليوم، بعد خطبته الأولى في زمن الإنتفاضة، وتعاليمه الرئاسية للوزراء: الكتبة؛ لا أحد، سوى الحمقى ورهط المطبّلين المزمّرين، يفترض أنه سوف يستخدم تلك العصا السحرية، حتى لو أوقعتها المعجزة بين يديه. ولماذا يفعل، وهو حامل عصا كهربائية هي المفضّلة لديه!

===================

سورية ستكون مختلفة تماماً وبشكل متطرف.. فلتتفكك

معاريف 8/5/2011

صحف عبرية

2011-05-08

القدس العربي

 الجميع يعرف لمن تعطى النبوءة، وفي الوضع الحالي في الشرق الاوسط يقل عدد من يتطوعون لان يكونوا شاذين. في جهاز الامن، الذي توقع قادته في نهاية السنة السابقة استمرار استقرار الانظمة العربية لم يعد احد مستعدا لان يضع مكانته على كفة الميزان، ويتنبأ اذا كان بشار الاسد سينجو من العاصفة الحالية. عندما تقع مثل هذه الموجة، فان الاشخاص الفهيمين ينظرون اليها بتحفز وينتظرون رؤية نتائجها.

هذه لحظة اختبار لرجال الاستخبارات ولزبائن معلوماتهم وتحليلاتهم. وهي تذكر بما مر على اجهزة الاستخبارات الغربية قبل عشرين سنة: عالم كامل، مرتب ومعروف، كل الاجهزة ووعيها اتجه لفهمه، انهار دفعة واحدة وحلت محله الفوضى. فليس فقط من الصعب معرفة ما سيحصل، بمعنى من سيسيطر في دمشق وكم ستكون مستقرة السلطة، بل ينبغي، في ظل الحراك، تغيير اقراص التفكير التي تجمعت على مدى عشرات السنين وبسرعة. هذا صحيح على نحو خاص بالنسبة لسورية، التي على مدى عقدين كانت الهدف المركزي لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. وعندما أجمل رئيس شعبة الاستخبارات السابق عاموس يدلين مهام منصبه، قال في المحافل المغلقة انه وجد منظومة استخبارية كانت مشبعة بالمعرفة بالنسبة لسورية، مقابل انعدام المعلومات الاستخبارية عن اهداف حيوية اخرى.

صحيح، ذات المنظومة فوتت على مدى السنين فرصة معرفة بناء المفاعل في دير الزور، ولكنها اكتشفته لاحقا وجلبت المعلومات التي سمحت بادانته وهيأت مشروعية الهجوم الذي دمره، وليس اقل من ذلك ساعدت في الخطوات التي منعت الاشتعال بعد القصف. في كل الاحداث الامنية العليا في العقد الاخير، وعلى رأسها حرب لبنان الثانية، وجدت تعبيرها الفرضية في أن سورية جيشها، زعماءها، منظومة قراراتها نحن نعرفها جيدا.

اما الان، فسورية كفيلة بان تكون مختلفة تماما، وربما بشكل متطرف: سيناريو محتمل يقول ان الاسد لن يستبدل بحكم مركزي آخر بل ان سورية ستدخل في فترة طويلة من انعدام الاستقرار، النزاعات الطائفية والتفكك لمؤسسات الحكم. بقايا النظام العلوي ستتصدى للاغلبية السنة، وستواصل قوى انعزالية ومحلية اخرى نحو اتجاهاتها. ايران، التي في عهد الاسد الابن اصبحت السند الاساسي لسورية، لن يكون بوسعها التنازل عن النفوذ وعن الاتصال المباشر مع لبنان، والذي منحها اياه النظام القائم. بالتوازي، سيتعين على المنظومة الاسرائيلية ان تتكيف مع الحديث عن سورية بتعابير اخرى تماما. التاريخ يبين ان هذا هو احد الامور الاصعب بالنسبة لمنظومة الاستخبارات واتخاذ القرارات.

 

' ' '

الجيش الاسرائيلي، والامور معروفة، ايد المفاوضات مع سورية على نحو متواصل في العشرين سنة الاخيرة، منذ حدد رئيس شعبة الاستخبارات اوري سعي الاسد الاب كمن 'اختار استراتيجيا' طريق المفاوضات. ولهذا التأييد كانت نقاط ذروة، مارست فيها القيادة العسكرية الحد الاقصى من الوسائل المشروعة في نظرها من أجل ان تدفع القيادة السياسية التي جرت أرجلها نحو المفاوضات.

رئيس شعبة الاستخبارات أهرون زئيفي فركش تعرض للتوبيخ من رئيس الوزراء شارون عندما تجرأ على ان يعرض على الحكومة تحليلا من هذه الزاوية. رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي حث اولمرت، باراك ونتنياهو، على استغلال ما يبدو في نظره كفرصة لتحطيم هلال النفوذ الايراني، وتغيير الوضع في المنطقة من اساسه.

هذا التأييد يعتمد على فهم بان نظام أبناء الاسد هو نظام مستقر، وكلمته كلمة، والاتفاق معه ينجح في الاختبار. ويجدر بالذكر ان من خرق وضع عدم الهجوم بيننا وبين السوريين كانت اسرائيل: في الاجتياح للبنان في العام 1982، في ظل الوصول الى مواجهة مباشرة ومحتمة مع القوات السورية واستخدام كامل لخطة القتال الجوي التي وضعت منذ يوم الغفران. بالهجوم على أهداف سورية، ردا على نار حزب الله على الجليل (بشكل بارز في حملة 'طب بديل' في العام 1999، بعد أن رد حزب الله على انتصار باراك في الانتخابات بوابل كثيف من صواريخ الكاتيوشا).

في اصابة غير مقصودة لمواطنين سوريين في حرب لبنان الثانية (نحو ثلاثين منهم قتلوا في قصف لسلاح الجو في البقاع)، وحسب المصادر الاجنبية المعروفة ايضا في قصف المفاعل في دير الزور. في كل هذه الحالات سورية لم تبادر، وباستثناء حرب لبنان الاولى، لم ترد ايضا.

' ' '

يجدر بنا أن نتذكر ذلك ايضا حين نفكر مثلما يفعل البعض الان، بسيناريو بموجبه يحاول الاسد الخروج من ضائقته من خلال تسخين الحدود مع اسرائيل، وذلك لتوجيه الغضب منه الى العدو الصهيوني. هذا سيناريو يطرح في كل مرة يكون فيها زعيم عربي في ضائقة، ولكنه لا يوجد له اساس حقيقي من الصحة.

الاسد يعرف جيدا ماذا ينتظر سورية في مثل هذه المواجهة. من امتنع عن الرد على تدمير المفاعل، مشكوك فيه ان يقرر بان الحل للمظاهرات في درعا هو حرب نارية قاسية مع اسرائيل.

هذا لا يعني أن هذا السيناريو مستحيل، ولكن ليس فيه لا منطق ولا سابقة تاريخية. في كل تحليل استخباري لسورية يظهر بقاء النظام بانه الدافع الاول في سموه بالنسبة للاسد. مشكوك فيه ان يفكر بان هجوما على اسرائيل سيساعده في هذا البقاء.

الاكثر معقولية هو انه اذا ما نجا ولم يسقط، فان سورية ستسقط من خريطة المفاوضات المحتملة وكذا من خريطة التهديد الفوري، لزمن غير معروف. كما أن التأييد في اسرائيل لمثل هذه المفاوضات كفيل بان يهبط، حين يكون في الجهة الاخرى نظام جديد او مترنح.

الثمن المعروف  التنازل عن هضبة الجولان بأسرها، حسب 'وديعة رابين'  ليس محببا على معظم الاسرائيليين، والكثيرون من اولئك الذين كانوا مستعدين له مقابل دفعة استراتيجية موازية، ولا سيما خرق التحالف مع ايران، لن يؤيدوه في مثل هذا الوضع.

ايران. هذه هي الكلمة الاساسية شبه الوحيدة لجهاز الامن الاسرائيلي في هذه الايام، والمنشور الذي من خلاله ستفحص كل التطورات، بما في ذلك في سورية. ايران كقوة عظمى اقليمية مضادة، لديها استراتيجية عالمية ومعادية لاسرائيل بشكل مطلق  وايران بصفتها الموزعة الاكبر لوسائل النار من بعيد، والتي أحدثت تغييرا استراتيجيا في المنطقة لا تزال معانيه غير واضحة تماما حتى لقادة الامن الاسرائيليين.

ايران استخدمت سورية بشار الاسد كأنبوب تزويد لحزب ا لله، كصمام عبره تدفق جزء من تأثيرها على ما يجري في العراق، كطعم تلوح به امام ناظر اسرائيل والولايات المتحدة بينما يرتبط جيدا، كما يظهر في كل ظرف اختباري، بالحبل السري لطهران.

هل سيكون لايران تأثير مشابه على نظام سني، كفيل بان ينشأ على حطام نظام الاسد؟ ومشوق بقدر لا يقدر ان نعرف كيف ستتمكن طهران من التأثير اذا ما علقت سورية حقا في وضع غير مستقر، تتنافس فيه جماعات قوة مختلفة على مدى الزمن، ولا تتمكن من الوصول الى حسم؟

 

' ' '

يوجد في الساحة الاسرائيلية من يرون بالذات ميزة في مثل هذا الوضع. الانتباه السوري سيتجه الى الداخل، التخوف من المواجهة مع اسرائيل سيزداد فقط. الاراضي الاقليمية السورية السائبة تماما  في السنوات الاخيرة تعرضت لعدد غير قليل من الهجمات العسكرية بل وايضا التصفيات لاهداف مثل عماد مغنية، والجنرال سليمان، دون رد سوري  ستصبح مشابهة اكثر للبنان منها للدولة السيادية في عهد حافظ الاسد. لعله لن يكون ممكنا الوصول الى اتفاق، ولكن السلام مع سورية لم يكن ابدا امنية اسرائيلية. وحتى من أيده، رأى فيه اساسا وسيلة لتحقيق أهداف أمنية. سورية من شأنها أن تتفكك ومعقول أنه في كل الاحوال ستعاني من عدم الاستقرار على مدى زمن طويل. ليس مؤكدا أن يوجد في اسرائيل كثيرون ممن سيذرفون أية دمعة.

===================

الحل بيد الرئيس بشار

أ. د. بسام العموش

الرأي الاردنية

9-5-2011

لا نستطيع أن نخفي حبنا لسوريا لأنها جارتنا ولنا فيها ومعها النسب والمصاهرة ولأن الدم السوري عزيز علينا، ومن هذه المنطلقات أقول: إن الحل بيد الرئيس بشار الأسد فهو القائد الذي يستطيع تدارك الأمر قبل أن يتسع الخرق على الراقع. ومسيل الدم السوري يجعلنا نكتب بإخلاص بعيداً عن تسجيل المواقف والتنظير. طالب المتظاهرون بالحرية فهل هذا أمر محل خلاف أو يستطيع أحد أن يقول له: لا؟؟ المطلوب ترجمة هذا الأمر بأن يعلن الرئيس بشار الخطوات التالية :

1) تبييض السجون من السياسيين بحيث لا يبقى أحد منهم بغض النظر عن اتجاهاتهم وذلك سيراً نحو مصالحة

2) الإعلان لجميع السوريين في الخارج أنهم مدعوون للعودة إلى بلدهم ليساهموا في بنائها من خلال العمل الدستوري والقانوني المرحب بكل أطياف اللون السياسي.وحتى تتحقق هذه العودة فلا بد من الإعلان عن ضمانات بعدم القيام بأية ملاحقات تمس ذواتهم عن تهم منسوبة أو لميولهم السياسية.

3 ) إعلان إلغاء القوانين التي تحظر العمل السياسي على أية فئة مهما كانت ما دامت راغبة في العمل الدستوري والقانوني.

4) إزالة أية عقبات تشريعية تقف في طريق التقدم نحو سوريا الجديدة المراعية للمتغيرات العالمية.

5) تشكيل لجنة قضائية عليا من المعروفين بالنزاهة للتحقيق في المجريات التي وقعت ولتحديد المسؤولية لينال من تجاوز عقابه وليرد الحق إلى أصحابه.

6) الإفراج الفوري عن كل الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة باستثناء من تلطخت أيديهم بالدماء.

7 ) إجراء تعديلات دستورية وقانونية تستشرف آفاق المستقبل وتجعل سوريا الحديثة مَعْلماً على الخريطة العربية.

8) تشكيل حكومة مؤقتة يقودها شخص يحظى باحترام الجميع تكون مهمتها إجراء انتخابات نيابية حقيقية تطوي صفحة الانتخابات المحبطة والتي يشكل عدداً من نوابها عبئاً على الوطن والمواطن بالسرعة.

هذه بعض العناوين التي أقدمها بدافع الغيرة والمحبة لسوريا مع علمي أن أهل مكة أدرى بشعابها وأن أهل كل بلد هم الأحق ببلدهم وهم الأعرف لكنها مساهمة لا يمكن أن ينظر إليها على أنها تدخل في الشأن الداخلي لأن مضمونها إيجابي يهدف للخروج من الأزمة التي لا يعرف أحد نهايتها إذا بقيت المعالجة الأمنية هي السائدة.

إن جيل الاحتجاجات العربية هم جيل شاب لم ير الهزائم وهو مصمم على تغيير الأوضاع نحو الأفضل فإما أن نتجاوب معه أو سنناطحه بالقوة التي تزيد الأمور اشتعالاً ظناً منا أنه جيل مثلنا نحن الذين عشنا الرعب والخوف والهزائم.

===================

أزمة سوريا وظلال الدور التركي على المنطقة

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

9-5-2011

الآن يعني الآن، احدى العبارات القوية والحاسمة التي أطلقها الأمريكيون لدفع الرئيس المصري حسني مبارك للتنحي، مثل هذه العبارة لم تصدر إلى اليوم بخصوص الأحداث الجارية في سوريا، والأمريكيون لا يتحدثون جديا عن تنحي النظام السوري، وكل ما في جعبتهم عقوبات اعتادت سوريا على مواجهتها والتعامل معها.

النظام المصري السابق كان حليفا كاملا ومثاليا للأمريكيين، ومع ذلك تخلت واشنطن عن مبارك دون أن تحاول مد طوق نجاة لمبارك للخروج بصورة مشرفة على الأقل، بينما بقيت سوريا على قائمة الدول المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، وكانت مرشحة لتكون هدفا لمغامرة عسكرية أمريكية بدت وكأنها مسألة وقت.

الأمر ينطوي على مفارقة لا تبدو عفوية، وتحت الطاولة أوراق كثيرة، فهيلاري كلينتون تفتح الطريق أمام النظام السوري لترتيب أوراقه وهي تصرح بأن الإصلاح ما زال ممكنا في سوريا رغم العنف المتصاعد، ورفضت أن تقارن الوضع في ليبيا بما تؤول له الأمور في سوريا، لتؤكد على أن التدخل الأمريكي ليس مطروحا في سوريا.

لا يمكن فهم ما يجري في إطار الرؤية البسيطة والمباشرة، ويجب أن تنتقل أي قراءة لمستوى آخر، فالأمريكيون يعتقدون على أن الملف السوري يقع ضمن المجال الحيوي التركي، ولا يريدون أن يتدخلوا عن هذه المسافة القريبة من مناطق النفوذ التركية، خاصة أن رجب طيب أردوغان حدد للسوريين ما يمكن قبوله على المستوى التركي، ورسم الخطوط الحمراء لدمشق.

هل وصلت تركيا لهذه القوة في الإقليم، وهل الولايات المتحدة مقتنعة بأن الأتراك هم القوة الجديدة والمؤهلة لقيادة ما يمكن تسميته برؤيتهم لشرق أوسط جديد، عمليا لا يوجد منافس للأتراك في المرحلة الحالية، فهل يعتقد الأمريكيون بأن هذا المنافس في ظل الأوضاع الحالية اقتصادية واجتماعية وسياسية في الدول العربية القيادية مصر والعراق وسوريا غير متوفر ولا توجد مؤشرات على توافره في المرحلة المقبلة.

المؤكد أن الأتراك ليسوا على تلك الصورة من النقاء الذي تحاول أن تصدره للدول العربية آلتهم الإعلامية الجديدة، ولكن كثير من العرب على قدر كبير من السذاجة بحيث تنطلي عليهم الرسائل القادمة من الباب العالي.

تركيا وفق ما يتصوره الأوروبيون هي الجسر الذي يربطها بالشرق ومن خلاله يمكن أن تتم السيطرة الناعمة على المنطقة، ومكاسب تركيا من الاتحاد الأوروبي في ظل وجود جالياتها الكبيرة في أوروبا الغربية تغري الأتراك بالقيام بهذا الدور، أما الأمريكيون فيدركون أن الاستمرار في الإنفاق العسكري للإبقاء على قيادة منفردة للعالم أمر غير ممكن بعد اليوم، ويجب على أطراف أخرى أن تتحمل المسؤولية، فما الذي يتوقعه العرب؟

===================

أغنية المندسين السوريين!!

ياسر الزعاترة

الدستور

9-5-2011

يبدو أن الثورة السورية الباسلة ستشرع في صناعة فنونها وأغانيها الخاصة المعبرة عن روحها وضمير المشاركين فيها، تماما كما فعلت الثورة المصرية والثورات الأخرى من قبل.

في الأغنية التي أسماها أصحابها «أغنية المندسين»، أداء «فرقة المندسين السوريين» (لم يذكروا صاحب الكلمات الذي سيكون مندسا بالضرورة!!). في الأغنية الجميلة رغم لحنها المقتبس تعبير رائع عن روح الثورة. تقول كلماتها (العامية حتى لا يعترض البعض على الأخطاء النحوية) الموجودة على «اليوتيوب» باسم أغنية المندسين:

قالوا عنا مندسين، قالوا عنا مخربين، قالوا عنا مسلحين، قالوا عنا سلفيين، قالوا عنا وياما قالوا، نسيوا يقولوا سوريين، سوريين، سوريين.

سوريا بلد الأحرار، سوريا رجالك ثوار، شهدائك زفوا بالغار، مهما اشتد الظلم وجار، بدنا نشيلك يا بشار، رح بنشيلك يا جزار.

ثورتنا ثورة سلمية، انتفاضة للحرية، ما بدنا طائفية، ولا بدنا عنصرية، دايم رح نكتب سلمية، سلمية، سلمية.

والحرية للإنسان، مكتوبة بكل الأديان، ما هي منحة من السلطان، مشروعة بكل الأزمان، ما بدنا حكم الظلام، يسقط يسقط النظام. يسقط يسقط النظام، يسقط يسقط النظام.

هل ثمة أجمل من هذا؟ ألا يستحق الشعب السوري العظيم أن يكون حرا يعبر عن إرادته بالطريقة التي يريد؟ هل تحول المقاومة والممانعة دون تعبير الشعب عن نفسه؟ وهل ثمة من يزايد على السوريين بأنه أكثر انحيازا للمقاومة والممانعة منهم؟!

يوميا نستمع إلى وصلات ردح من قبل أزلام النظام والمعبرين عنه ضد الفضائيات التي لا تنقل الحقيقة بحسب رأيهم، لكأن على الناس أن يستقوا الحقيقة من أفواههم هم لا غير، أو لكأن العالم قد أجمع على ترتيب مؤامرة ضد النظام، مع أن الذي يصرخون من سوريون، ومن يموتون سوريون، ومن يعتقلون سوريون.

آلاف الشهداء والجرحى حتى الآن، وأكثر من ذلك بكثير من المعتقلين في مساعي سحق الانتفاضة التي تثبت كل يوم أنها ليست في وارد التراجع حتى تتحقق أهدافها.

في البداية كانت درعا التي لم تغادر مربع الاستهداف، وخلال الأيام الماضية جاء دور «بانياس» التي استبيحت من قبل عناصر الأمن و»الشبيحة»، وهم عناصر أمن أيضا، وقبلها حمص والحبل على الجرار.

يتبجحون بأن الشوارع السورية لم تشهد مسيرات مليونية كما هو الحال في مصر واليمن، لكن من قال إن الوضع متشابه هنا وهناك؟ من قال إن مصير المتظاهر في صنعاء هو ذاته في دمشق؟ من دون أن يكون ذلك تزكية لعلي عبد الله صالح، فقد دفع اليمنيون مئات الشهداء حتى الآن، لكنهم أصروا إصرارا رائعا على سلمية تحركهم.

في سوريا تستباح المدن وتقطع عنها المياه والكهرباء حتى ينفضّ الناس من حول الثورة، وهو ما لم يحدث لا في مصر ولا في تونس ولا اليمن، وفي سوريا يُعتقل الآلاف وهو ما لم يحدث في الثورات السابقة، وفي سوريا استخدمت الدبابات، وهو ما لم يحدث في الدول الأخرى، وهو ما دفع رجلا بحجم أردوغان إلى التحذير من مجزرة حماة أخرى. وفي سوريا يخرج المتظاهرون ولا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى بيوتهم أم لا.

على أن ذلك كله لا يعدّ ذكاءً ولا بطولة بأي حال، ولو كانت تلك الوسائل قادرة على قمع انتفاضات الشعوب لما تردد الآخرون في استخدامها. ونذكر هنا برفض الجيوش الأخرى التدخل لصالح الأنظمة وإطلاق الرصاص على الناس، وكلنا أمل ألا يتورط الجيش السوري في مواجهة شعبه.

ليس لدينا شك في أن السوريين سيواصلون ثورتهم حتى الانتصار، وليس لدينا شك في أن الدماء التي تسيل ستصّعد لهيب الثورة، وكذلك حال مسلسل الاعتقالات الرهيب، فضلا عن استباحة المدن.

لقد أيقن السوريون أن حكاية الإصلاح ليست في وارد النظام، وأن أقصى ما يمكنه التفكير فيه هو إجراءات شكلية لا ترضي الإنسان السوري ولا تغير في منظومة القمع والدكتاتورية التي تجثم على صدر السوريين منذ عقود. ولذلك ليس أمامهم غير المضي في مسيرتهم مهما بلغت التضحيات، ويبدو أنها ستكون كبيرة كما تقول أكثر المعطيات المتوفرة.

===================

مرحلة انتقالية حتمية!

السفير

ميشيل كيلو

9-5-2011

مراحل الانتقال هي أصعب المراحل على الإطلاق، ليس فقط لأنه يكون هناك دوما تيار في السلطة يريد الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأمر القائم، متجاهلا أنه تقادم وصار من الصعب بقاؤه، وتيار مقابل يريد الخلاص من «النظام القديم»، والوصول بسرعة إلى هدفه: النظام البديل، الجديد، واضعا في أحيان كثيرة اعتباراته ومشاعره الذاتية فوق مستلزمات الواقع الموضوعي وخصائص الحالة المشخصة التي يواجهها. وتتزايد مصاعب الانتقال ويتعاظم الصراع بقدر ما يمسك التيار الأول بقوى وأجهزة مسلحة تستطيع الحفاظ بالقوة العارية والعنف المنهجي على أمر قائم وجوده، مصلحة شخصية أيضا، بالنسبة إلى قادته، و«يكون» في الشارع جماهير وقوى مؤيدة للتيار الثاني، أو مستعدة، وإن بصورة عفوية، للذهاب في الاتجاه الذي يدعو إليه. ويشتد الصراع بدرجة كبيرة إذا كان ساد اقتناع عام لدى سادة الأمر القائم بأن من الصعب الحفاظ على جميع مفرداته القائمة ومن يمثلونها، وأن تغييره مسألة لا مهرب منها، تتطلب التخلي عن أجزاء تكوينية منه، يتوقف إنقاذ النظام على التخلص منها، فإما أن يتم تغييرها بأيدي الممسكين بزمامه، ليكون الانتقال بطيئا ومحدودا ويحقق هدفه: إنقاذ جوهر النظام وحلقاته القائدة، ويتم قطع الطريق على خصومه الراغبين في استبداله بنظام مغاير بنيويا له، يعني قيامه خسارة كل شيء. في هذا الصراع المتفاقم والمتعاظم الاحتدام، من المحال أن تبادر النخب الحاكمة إلى تبني موقف كموقف قيادات بلدان وسط وشرق أوروبا الاشتراكية، التي فهمت معنى الاحتجاج الشعبي والمجتمعي ضد نظامها، فقررت التخلي سلميا وطوعيا عن السلطة، بعد أن رأت بأم عينها استحالة الحفاظ عليها، ليس لأنه لم يكن لديها أنصار ومؤيدون، أو لعجزها عن فبركة مؤامرات تلصقها بالشعب، بل لإدراكها أن زمن السلطة التي تديرها مضى وانقضى، وأنها لن تلد غير الأزمات والمتاعب، وأن الحفاظ عليها محال دون مجازر ومذابح. هكذا، اندفعت بحرص فريد في نوعه على سلامة شعبها ووطنها إلى التخلي عن نظامها من فوق، بعد أن أيقنت أنه بلا سند من تحت، مكذبه بذلك أطروحة لماركس تقول: ما من طبقة تتخلى عن السلطة بمحض إرادتها.

وتزداد صعوبات الانتقال بقدر ما يكون النظام متقادما، لكن قادته لا يعون ذلك أو يرفضون القبول بنتائجه العملية، ويتوهمون أن بوسعهم التحايل سياسيا على الواقع، إن هم فوتوا بالعنف فرص تغييره بواسطة معارضيه ورافضيه، حتى إن كانوا أكثرية شعبية. في هذه الحالة، تنبع المشكلات من مفارقة تتسم بالتناقض، لها حدود ثلاثة: حد أول هو قوة التيار العنيف، الراغب في المحافظة على الأمر القائم، وضعف قوى التغيير داخل النظام نفسه، وحد ثان هو استحالة بقاء النظام على وضعه القائم، بسبب فواته وتلاشي شرعيته المتعاظم، وحد ثالث هو إيكال أمره إلى القوة والعنف، الذي يتصاعد بقدر ما يرغب كل طرف في التخلص من الآخر والقضاء عليه، علما بأن أحدهما منظم ومسلح، وثانيهما قليل التنظيم وغير مؤسسي، له مصلحة في تقييد العنف لأنه تقييده شرط نجاح مسعاه، الذي يتخلق في سياق ولادة قيصرية مؤلمة ومكلفة، تتجسد في انبثاق الجديد من القديم، خلال معركة موضوعها الرسمي تغيير محدود للنظام يتم في منطقة هوامشه البرانية، يبقي على هياكل وأبنية يمكّن استمرارها من احتواء التغيير أو تقويضه، أما الشعبي فتعبئة طاقات متزايدة القوة في شروط متزايدة الصعوبة، تقوي فرص مؤيدي العنف المضاد لعنف السلطة، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في الزخم الشعبي السلمي، وتقليص لفرص التسوية بتقليص عدد أنصارها وتراجع دورهم لدى الجانبين. عند هذه النقطة، تستقل التطورات عن موازين القوى وتتجه نحو خيار صفري مهلك، يصعب أن يخرج أحد منتصرا منه، حتى إن نجح في القضاء على الآخر، ما دام انتصار التيار الأول لا ينفي الحاجة إلى التغيير، لاعتبارات قد لا تكون داخلية بالضرورة، تنبثق من الحاضنة الدولية التي تم بالأمس إنتاج النظام العربي القائم بمعونتها وفي إطارها، ويتم اليوم بموافقتها ودعمها إنتاج نظام عربي جديد لن يكون فيه مكان لنظام مغلق، مركزي واستبدادي، يحافظ أو يسعى إلى المحافظة على قوامه الحالي، الذي سيتعارض مع إعادة إنتاج النظام العالمي، وسينتج قدرا من التوتر والأزمات لا قبل له بإدارته، سيطبع وجوده بطابعه، وسيفضي إلى إضعافه وتجدد الممانعة الداخلية ضده، فضلا عن عزله وتفاقم تناقضه مع بيئته الإقليمية والقومية والدولية. السؤال الآن: إذا كان التغيير حتميا نتيجة استحالة الإبقاء على الأمر القائم على حاله الراهن، فلماذا لا يكون الهدف المباشر لجميع الأطراف، ويتم منذ البداية ودون عنف، بالتوافق السلمي الذي يراعي مصالح الجميع؟

لن يعفي الانتصار طرفا من أخذ واقع ومصالح الطرف الآخر بعين الاعتبار. لنفترض أن التيار الأول حقق نصرا كاسحا، وقضى بصورة كاملة على أي صوت شعبي أو معارض يطالب بالتغيير. هل سيمكنه الانتصار من الإبقاء على النظام الحالي؟ لن أعود هنا إلى العوامل الدولية، التي ستتحول إلى عنصر داخلي خطير، خاصة إن تم تطبيق العقوبات ضد النظام ورموزه، التي يتحدثون عنها في الغرب وكثير من دول الإقليم، وستلعب دورا متزايد الأهمية في أي صراع يبلغ درجة من الاحتجاز تتطلب تدخلا دوليا، كما يظهر من تجربة ليبيا، ربما أفضي إلى جعل التعريب / التدويل مخرج الأزمة الوحيد، كما في اليمن وربما لاحقا عندنا : في سوريا، حيث يمكن أن يقع التدخل، الذي لن يكون بالضرورة عسكريا في مراحله الأولى، رغم أي انتصار عسكري مهما كان كاسحا يحرزه النظام، ليضعه في مواجهة واقع يصعب التغلب عليه أو الخروج منه، إن واكبه حصار عربي، يقوم على تقويضه وتقليص قدراته الاقتصادية ودوره السياسي إلى درجة التهميش. سيقوم النظام بخطوات من شأنها امتصاص ما هو مطلوب من تغيير، في خطوات يراد لها أن تبدو وكأنها تنشد الحلول الوسط مع الآخر، علها تمكن الأمر القائم من إعادة إنتاج نفسه في صورة مختلفة، تشعر الطرف الآخر - أو توهمه - بأن مطالبه تتحقق وفق اعتبارات عليا يمليها «منطق الدولة» ! هذا يعني، عمليا، أن الحل الأمني لن يحقق المطلوب: الإبقاء على النظام في أكثر الأوضاع قربا من واقعه الراهن. وأنه سيكون هناك حاجة إلى استكماله بحل سياسي، سيكون التفافيا ووهميا إن تم بمفردات النظام وحده، واستعان بجهات من خارجه، محايدة أو مماثلة له في المصلحة والبنية، يعتقد أن دمجها فيه وتعاونها معه سيعيدان توسيع قاعدته المجتمعية العامة، التي ستضيق كثيرا في سياق تطبيق الحل الأمني وبسببه. في احتمال آخر، قد يمد النظام خيوطا إلى أطراف معارضة، إن هو خرج من عقلية «من ليس معنا فهو ضدنا»، ولا بد من أن يعاقب بالسجن أو بالإقصاء التام من الحياة العامة. في هاتين الحالتين، لن يخرج النظام من أزمته، التي ستستمر داخليا وستتفاقم في الحاضنة القومية والإقليمية والدولية، وستأخذ أشكالا أشد حدة وعمقا وإنهاكا من أزماته السابقة والحالية جميعها. بقول آخر: لن ينجح النظام في استعادة توازنه ووظيفيته بغير تحقيق ما هو جوهري من مطالب الشعب، وأهمها قاطبة مطلب الحرية والعدالة والمساواة، التي سيتيح له تحقيقها، إن تم بجدية وفي أجواء مصالحة وطنية عامة، انتقالا تدريجيا إلى حال انتقالي مغاير في مكوناته لواقعه الراهن، عندئذ سيطرح نفسه بقوة أكبر السؤال: ماذا أفاد الحل الأمني، ولماذا تم اعتماده أصلا، إذا كان سيؤدي إلى هذه النتائج، التي ستعني فشله؟

أصل الآن إلى الطرف الآخر: إنه لن يتمكن بدوره، ومهما فعل، من القضاء على النظام دفعة واحدة، حتى إن اسقط حكمه، فالنظام ليس فقط أشخاصا بعينهم، وإن بدا الأمر كذلك بالفعل، وهو ليس حكومة فقط، بل هو أيضا قاع مجتمعي وشعبي، وله حوامل لا يجوز أن يفكر عاقل أو محب لسوريا في التخلص منها أو تقييد دورها وإقصائها عن المشاركة الكاملة في الحياة العامة. صحيح أن قطاعا منها يقاتل الآن مع النظام، رغم أن مصلحته في الحرية والتغيير لا تقل حيوية عن مصالح غيره من مكونات الجماعة الوطنية السورية، لكن شعبا ينشد الحرية لن يحجبها عن الذين عارضوها أو قاتلوا ضدها، وسيكون مكرها، لهذا السبب، على إيجاد مراحل وتوسطات الانتقال إلى إقامتها ودفعها نحو أفقها الديموقراطي، آخذا بعين الاعتبار واقع هؤلاء ومصالحهم ورغباتهم. ثمة هنا نتيجة مهمة هي التالية: سواء انتصر تيار السلطة المحافظ، أو التيار المجتمعي المناهض للنظام، سيجد الطرفان نفسيهما مجبرين على الانخراط في مرحلة انتقالية قد تقاس بالأعوام، لكنها ستكون إجبارية ولا مهرب منها، رغم تباين مكوناتها، الذي يمكن أن يبلغ حد التناقض.

لن يكبح العنف حتمية التغيير، ولن ينجح في تقييد السعي إليه، بسبب التطورات التي طرأت على المجتمع والدولة والشعب خلال حقبة نصف القرن المنصرم، وفشل النظم الاستبدادية المزري وما سببته لشعوبها من هزائم خارجية وبلايا داخلية، وتخلق طبقة وسطى جديدة ترفض الخروج من السياسة والشأن العام، وتراهما في ضوء جديد وواقع محلي ودولي مختلف، ورفض كتل الشعب الكبرى لما تعرضت له من ظلم وعانته من إذلال وتهميش واستعباد، ونتيجة أيضا لضغط العوامل الخارجية: العربية والإقليمية والدولية. لن يمنع العنف الشعب من التمسك بالحرية، خاصة أن تطور العرب ذاهب إليها. بالمقابل، لن ينتهي النظام بضربة واحدة، وإن سقط. وسيكون هناك مرحلة تختلف عن المرحلة القائمة في الحالة الأولى، والمتخيلة في الثانية. لذلك أتساءل للمرة المليون: لماذا نجري وراء ما يبدو بجلاء أنه مستحيل، ونفعل بأنفسنا ما يقوض أسس وجودنا الوطني، ما دام النظام القائم لن يبقى مرجعيتنا لفترة طويلة، وما دامت حاجتنا إلى إعادة إنتاج وحدتنا المجتمعية والوطنية ستفرض علينا المرور في مرحلة انتقال قد لا تكون قصيرة، تغاير قواعدها تلك التي قامت حياتنا السياسية عليها خلال قرابة نصف القرن الماضي؟

يمر العالم العربي، ومنه سوريا، في طور انتقالي صعب ومعقد... وحتمي. من لا يدرك هذا ويستجب لمقتضياته ومتطلباته، ويفد منه لتجديد المشروع السياسي العربي، فسيدفع ثمنا لا يخطر له على بال، مهما حقق من انتصارات على شعبه، أو ظن أن النجاح في معركته ضده سيكون حاسما ونهائيا!

 ([) كاتب ومفكر من سوريا

===================

«الفيسبوك» في مواجهة الدبابة

زين الشامي

الرأي العام

9-5-2011

لو كنت مقرباً من الرئيس بشار الأسد لنصحته بالتالي: توقف عن لقاءات الوجهاء والطاعنين في السن الذين يعينهم ويرسلهم أمناء فرع «حزب البعث» في المحافظات للقاءك والتباحث معك في الوسائل الناجعة لإخماد الاحتجاجات في المدن السورية، فهذه عدا عن كونها أساليب غالباً ما كانت تلجأ إليها سلطات الانتداب الفرنسية خلال مرحلة الثورة الفرنسية لشق صفوف الثوار السوريين، هي في الوقت ذاته أساليب بدائية وغير مجدية. ان الأفضل لك أيها الرئيس ان تلتقي وتعقد حوارات مباشرة مع «أولاد الفيسبوك». هم كل شيء، هم من يخططون ويرتبون وينفذون. هم عقل الثورة وجمهورها.

لكن وبما أن الرئيس السوري الذي تلقى تعليماً غربياً وقيل انه يقضي ساعات مطولة أمام الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية، قد قرر خيار قمع التظاهرات عن طريق العنف، فإن نصيحتي لن تصل إليه، وهي متأخرة أيضاً.

صدق جون ريتش حينما قال ان «غوغل هي واحدة من درر تاج الأمبراطورية الأميركية، وقد تكون الأثمن على الإطلاق».

هذا ما أثبتته وقائع الأحداث في كل من إيران 2009 حين أبدع الشبان هناك في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي العالمية وبالأخص منها «تويتر» ثم المصريون والتونسيون من خلال استخدامهم موقع «يوتيوب» ولاحقاً السوريون الذين أبدعوا في استخدام الهواتف النقالة وتقنية التصوير و«الفيسبوك». فلولا هؤلاء الشبان، جيل التكنولوجيا وثورة الاتصالات الحديثة، لما وصلتنا الصورة الحقيقية لما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في سورية. بشكل أدق وصريح، ربما لولا الصورة المأخوذة من الهواتف النقالة ونشرها لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لما كانت هناك ثورة.

هذا لا يعني أن الأصل هو في هذه التقنيات، نحن ندرك أن أصل الثورات دائماً وعبر التاريخ ارتبط بالظلم والقمع والاحباط وبروز قوى اجتماعية جديدة، لكن في هذا العصر ونتيجة لحجم القوة العسكرية الباطشة التي تملكها الدولة، أي دولة، وحجم النفوذ والسيطرة التي تملكها في الإعلام والمال واستحواذها على كل مناحي الحياة العامة، صار من الصعب جداً أن تنجح أي ثورة اجتماعية وفقاً لمعادلة الثورات التقليدية، كان لا بد من تقنيات اتصال عامة تجمع كل شرائح المجتمع حول هدف، وتلعب الدور الجمعي نفسه الذي كان يلعبه القائد أو الدين أو الأيديولوجيا في التاريخ.

بعيداً عن إيران وتونس ومصر وسورية، ألم تحصل ثورة حقيقية في الولايات المتحدة حين انتخب المجتمع الأميركي، الذي ألغى قوانين التمييز العنصرية فقط عام 1964، رجلاً أسود هو باراك اوباما، من ساعد هذه الثورة أن تتحقق في المجتمع الأميركي، أليست مواقع التواصل الاجتماعي والشبان الأميركيين الذين يستخدمونها بشكل بارع ولديهم ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافة الآباء الذين لم ينظفوا بعد من تأثيرات ما قبل إلغاء قوانين الفصل العنصري؟

سياق الحملة الانتخابية الأميركية في عام 2008 وإدراك أوباما والفريق الذي كان حوله لأهمية هذه الوسائل الحديثة التي صارت في متناول كل شاب ودخلت كل بيت هو ما جعله يحقق الانتصار التاريخي في مواجهة الساسة التقليديين وأساليبهم القديمة.

الشبان في سورية، ينتمون للجيل نفسه الذي اتى بأوباما إلى الحكم، وإلى الجيل نفسه الذي صنع الثورة في مصر وتونس. إنه جيل الهاتف النقال والفيسبوك واليوتيوب وتوتير، على عكس جيل «المنطلقات النظرية ل «حزب البعث الاشتراكي» وجيل «ما العمل؟» لكارل ماركس، وجيل «هكذا تكلم القائد» للعماد مصطفى طلاس.

في ظل غياب، أو تغييب الإعلام العالمي عن تغطية ما يجري في سورية، لاعتقاد السلطات أنها ستنفرد في الشعب وتفعل ما تشاء كما فعلت في 1982 خلال صراعها مع «الإخوان المسلمين» حين دمرت مدينة حماة، وبالتالي انهاء الاحتجاجات خلال بضعة أيام، اكتشف العالم من خلال سورية، أن لا أهمية تذكر اليوم لوسائل الإعلام التقليدية والمراسلين الحربيين والميدانيين على الأرض، لقد تحول كل شاب سوري إلى مراسل حربي على الأرض، ينقل ويعلق خلال تسجيله المجزرة أو موت الرفيق والصديق أو الأخ، لا بل ان «أولاد الفيسبوك» أثبتوا أنهم يملكون قلباً قاسياً، حين صوروا الأشلاء والدم والرأس المفجور برصاصة، والعين المقلوعة للأحباب والمقربين، بيد ثابتة لم ترتجف... من خلال صورهم، من خلال أجهزة الهواتف النقالة، من خلال كمبيوتر مرتبط بغوغل والشبكة العنكبوتية، أوصلوا للعالم، وخلال دقائق، ما يجري في سورية، لكن قبل ذلك، وقبل أن يعرف العالم، فمن خلالهم عرف السوريون أنفسهم ماذا يجري في بلادهم. على عكس ما حصل في حماة في الثمانينات حين احتاجت بعض المحافظات السورية إلى أعوام لتعرف حقيقة ما جرى على الأرض.

الفرق بين الأنظمة السياسية العربية التقليدية وبين جيل «أولاد الفيسبوك» أن الأنظمة، تخاطب الوجهاء والمنتهية صلاحياتهم، والمرفوضين من قبل أبنائهم والجيل الجديد لاعتبارات تتعلق بصراع الأجيال، هذا عدا عن أن الجيل القديم لا يتكلم ولا يفكر بلغة العصر، وربما أن بعضهم لا يستخدم الكمبيوتر أبداً. على عكس الجيل الجديد الذي يستخدم هذه التقنيات ما يزيد على عشر ساعات يومياً ومن خلالها يتواصل مع كل ما يجري في العالم.

النظام العربي القديم خسر لأنه أنزل الجمال والأحصنة إلى الساحة لتدهس المتظاهرين. بينما «أولاد الفيسبوك» سينتصرون لأنهم ينزلون صوراً على الفيسبوك، صوراً تروي حكاياتهم وأحلامهم.

هذا الجيل هو ما دفعني لتحطيم جهازي النقال القديم واستبداله ب «الآيفون» الحديث، فقبل نجاح «الأولاد» في صناعة الثورات هنا وهناك، كانت نظريتي تقول ان «الهاتف النقال خلق وصمم لنتكلم به عند الضرورة وليس للعب وصرف الوقت وتبادل الرسائل النصية، و...، لقد كنت مخطئاً جداً، كان علي أن أغير هاتفي وعقلي لأفهم ما يجري حولي.

===================

لا ل «فتاوي الإفك»!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

9-5-2011

أفضل مساندة يقدمها الذين «يُفتونَ» من الخارج للمعارضة السورية هي أن يصمتوا ويوقفوا الشحن الطائفي البغيض ويتركوا للشعب السوري أن يحدد خياراته بدون أيَّ تدخل خارجي فأهل مكة أدرى بشعابها وهذا الشعب العريق والمعروف بانتمائه الوطني والقومي الصادق ليس بحاجة إلى أي وصاية خارجية وهو قادر على تحديد اتجاهات تحركاته وبالتالي اختيار الأساليب والوسائل الصحيحة لتحقيق الأهداف التي يريدها.

منذ البداية وحتى الآن ,أي منذ الخامس عشر من آذار الماضي لم يُسمع أي هتاف طائفي ولا في منطقة من المناطق السورية التي غشاها «تسونامي» الاحتجاجات المتواصلة ولم تشاهَد أي لافتة تدل على أي عامل مذهبي بالنسبة لما يجري بل وأن الملاحظ أن دعوة الوحدة الوطنية بقيت عنوان كل هذا الذي جرى والذي يجري مما يعني أن الذين «يُفْتون» طائفياً من الخارج إنما يسعون لحرف الأحداث عن مسارها الحقيقي بل وهُم يسيئون إلى وطنية الشعب السوري والتزامه القومي.

إن هذا الذي شهدته سورية والذي لا تزال تشهده منذ الخامس عشر من آذار الماضي ليس صراعاً طائفياً بين الأكثرية والأقلية المعروفة وهنا فإن ما يجب أن يفهمه الذين يحاولون «مذْهَبة» هذه التطورات المتلاحقة هو أن هذه الأقلية ليست مستقطبة مذهبياً ,لا سابقاً ولا لاحقاً, وأنها مثلها مثل جميع مكونات الشعب السوري كله فيها «المُوالي» وفيها «المُعارض» وفيها اليساري واليميني وبالطبع فيها العلماني وفيها المتمذهب الذي يحاول من خلال تمذهبه الحصول على مكتسبات لا يستحقها.

ولهذا فإنه على المصابين بعمى الألوان ,الذين دأبوا, بدل أن يصمتوا ويتركوا للشعب السوري أن يحدد خياراته بنفسه لأنه يعرف أكثر من كل الذين يمدون رؤوسهم وأيديهم من الخارج ما هو في مصلحته ومصلحة وطنه وأمته, على إصدار «فتاوي» الفتنة الطائفية البغيضة التي إن هي أخذت طريقها إلى قلوب وعقول السوريين فإن النتيجة ستكون تقسيم هذا البلد العزيز على قلب كل عربي والذي هو إن تقسم ,لا سمح الله, فإن إسرائيل ستحقق هدفها القديم الجديد بتحويل الوطن العربي إلى «كومونولث» طائفي تكون هي الرقم الرئيسي في معادلته السياسية والديموغرافية.

إنه على أصحاب فتاوي «الأفك» هذه أن يدركوا وأن يعلموا أن دافع هذا الذي جرى في سورية وفي مصر وفي تونس واليمن وليبيا هو الانتقال بهذه الدول من واقع خمسينات القرن الماضي وقبل ذلك إلى واقع القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة فالسابق لم يعد مقبولاً والأجيال الصاعدة التي من خلال كل هذا الانفجار التقني في ثورة المعلومات بات يعرف كل شيء وغدا متعذراً تثبيته عند حالة تجاوزتها أحداث التاريخ ولم تعد ملائمة لمتطلبات هذه المرحلة المستجدة.

وهكذا فإنه لا يهم شباب سورية الذين بدأوا بدق نواقيس الحقيقة في الخامس من آذار الماضي ليوقظوا شعبهم من غفوة طويلة ما إذا كان هذا المسؤول أو ذاك من طائفة معينة أو من أتباع مذهب الأكثرية أو الأقلية بل هل أن هذا المسؤول لا يزال يتمسك بالماضي الذي تجاوزه قطار التاريخ ويصر على بقاء أنماط الحكم التي من المفترض أنها انهارت مع انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الستالينية أم أنه بات متلائماً مع هذه المرحلة التاريخية المستجدة التي عنوانها الدولة المدنية والحريات العامة والتعديدية السياسية ومحاربة الفساد والتداول على السلطة وحكم الشعب ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب على أساس المساواة بين المواطنين وعدم تقسيمهم إلى أبناء غالية وأبناء جارية.

===================

يصر النظام على إسقاطه

محمد زكريا السقال*

القدس العربي

9-5-2011

شهران والشعب السوري منتفض محتج على كل الظلم والقهر والتهميش الذي عاناه ما يقرب الخمسين عاما. صحيح ان الشرارة انطلقت من تونس فاستجابت لها كل جوانب الوطن العربي، والشعب السوري لم يكن خارج الحياة ليطلق الشرارة من أجل كرامته وحريته وهو الجدير بها ويمتلك كل الأسباب المحفزة والواجبة للمطالبة بها، فهو بالأساس أمام سلطة غير شرعية ومارقة، وقد تعامل'هذا الشعب معها بسلم وهدوء، درءاً للمخاطر وللكثير من الأسباب، منها متابعته كل ما يحيط بالمنطقة من تعقيدات ومشاريع استباحتها، وثانيها حالة من الانتظار التي عقبت وراثة الأسد لموقع أبيه في رئاسة الدولة، الذي بدوره وعد بإصلاحات تعيد الحياة السياسية الى البلد وتعترف بالرأي الآخر وتخفف من وطأة الحياة الأمنية الاستخبارية، التي هيمنت على كل شيء بوطن مثل سورية، الذي يعتبر من أهم حلقات المنطقة العربية.

كان الشعب السوري يرقب حراك النظام ويردد لعل القادم يساهم في تحرير أرض ما زالت محتلة وجزء من الشعب السوري ما يزال يرزح تحت نير الاستعمار. لكن كل هذا الانتظار ذهب عبثاً، فالأرض المحتلة لم تحرر وحرية الرأي بقيت شعارا يرفعه النظام كلما أراد تجميل صورته. وعلى ارض الواقع كانت الاعتقالات وتكميم أفواه كل من له رأي مخالف، فلا اصلاحات سياسية حصلت ولا تغيرت الممارسات القمعية لأجهزته الأمنية. استطاع النظام على مر السنوات الماضية الحفاظ على امساكه بمجموعة من الملفات على المستوى الأقليمي ليزايد بها على الشعب السوري، واستثمرها كلها ليديم حالة القمع والسرقة والنهب بالداخل السوري، وباسم محاربة المشاريع الخارجية وباسم تحرير الأرض المغتصبة ديس على كل خيارات التغيير الديمقراطي، الذي سعت اليه النخب السورية المختلفة.

كل هذا الأمور لم تكن غامضة أو خافية ولم تكتشف حديثا، إلا أن وعود الإصلاح التي لم تتحقق، أوصلت السوريين الى قناعة انه ليس بالإمكان انتظار اصلاح من نظام لا مقومات لديه لإجراء أي شكل من أشكال الإصلاح، فكل تغيير في سورية ينظر له هذا النظام على اعتباره يشكل تهديداً لوجوده، خاصة أنه أورث المجتمع السوري ارثا ثقيلا في ثمانينيات القرن الماضي، زعزع المجتمع وهز وحدته الوطنية وهو يدرك الى الان أن هذا الملف ما زال جرحاً مفتوحاً ولا يتجرأ أبداً على الاقتراب منه لازاحة آثاره على المجتمع السوري وأجياله القادمة. ومع فهم وادراك الوطنيين السوريين لفداحة اغفال هذا الملف وتأثيره على النسيج الاجتماعي وتهديده للوحدة الوطنية السورية بادروا في المرحلة الماضية على صياغة برنامج سلمي وهادئ للتغيير، يساهم في حفظ وحدة المجتمع ويعزز تماسكه، يساهم في تحديث مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويشيع روح الديمقراطية والحرية في الوطن، ووضع هدفاً له في اجراء إصلاحات توصل الى إشراك الشعب بالسلطة من خلال ممثليه، الذين ينتخبهم عبر صناديق اقتراع، هذا الاصلاح التدريجي هدف في اعادة سورية الى الحياة المدنية الدستورية في نظام ديمقراطي حر.

أثبتت السنوات الماضية أن النظام في سورية ورأسه لا يفقه هذا الفهم لموضوعة الديمقراطية واستحقاقاتها، ولا يستوعب تماما هموم النخب والناس الذين يريدون وبوضوح كف اليد الأمنية وتفكيك أجهزتها التي أرعبت المجتمع على مدى عقود مديدة. يظن النظام أنه بتلويحه باجراء إصلاح سوف يقدم مكرمة يتحسن بها على المجتمع، كزيادة راتب ورفع شكلي لقانون الطوارئ، والحديث عن إطلاق قانون حديث للأحزاب. يلوح لنا بقانون يستلب من خلاله اي امكانية لوجود احزاب حقيقية، فهو لديه نموذج يرغب في استنساخه، حيث يشرع لأحزاب كي يضمها لخزانة محتوياته الدعائية، كما يفهم من الجبهة الوطنية التقدمية الموضوعة'في 'الفاترينة' تخرج الى العلن فقط ساعة حاجته لها. يتحسن عليها ببعض الهبات من المال والسيارات، مقابل شراء الضمائر والذمم وتكفلها بالابتعاد عن أي شأن يخص تطوير ونقاش آليات تطوير هذا الوطن.

هذا الفهم الإقطاعي لسلطة مستبدة أعطيت من الفرص الكثير لتحسن شروط الانتقال السلمي للديمقراطية، إلا أنها وكما كل الأنظمة المارقة، تعتبر نفسها مؤبدة ووارثة للوطن. مزرعة تستحلبه وتستعبد شعبه. فاتها ان هذا الشعب يصبر لكنه عندما يطفح الكيل به يثور، وها هو يثور وينتفض ويحدد مطالبه باسترجاع كرامته المهدورة وحريته المسلوبة، بما يعني إنهاء ظاهرة التفرد والاستفراد ببلد كسورية حاضنة التاريخ والمناط بها دور ريادي من اجل حل الكثير من القضايا العالقة وأولها قضية وحدة المجتمع السوري وحل كل الاحتقانات، ومعالجة كل الأمراض الذي فرخها النظام وغذاها من اجل إحكام سيطرته وتأبيد حكمه.

ها هو النظام اليوم يدير ظهره لكل أحلام وهموم الشعب ويسفر عن وجهه البشع بقمعه لكل الاحتجاجات والمظاهرات عوضا عن تأطير كل المطالب بحاضنة وطنية تستطيع الاجتماع والحوار بكل تفاصيل القضايا التي تعيد لسورية وجهها الحضاري ودورها الريادي، بعد ان يتصالح المجتمع ويبدع مناخه الحر من خلال إبعاد حالة الرعب الأمنية وتفكيكها ومحاسبة كل جلادي شعبنا وسافكي دمائه.

النظام اليوم لا يطل بوجهه القمعي فقط بل ولا يلتفت لكل هذه الأصوات التي حاولت وتحاول تحفيزه على تحقيق اصلاحات حقيقية في سورية، بل على العكس فانه يمارس أبشع أنواع الذل والمهانة، من خلال إفلات قطعانه الأمنية وصبيان 'شبيحته' يستبيحون دماء وحرمة وكرامة المواطنين في درعا وحمص وبانياس ودوما، بالإضافة لجره الجيش الى مواجهة الشعب، متذرعا بحجج واهية ومنطق يسوده الدجل، وكذب صريح، ويطل علينا إعلامه السخيف الذي لا يحترم أي عقل، ولا'يراعي حرمة، ويستهين بكل مشاعر الضمير الإنساني، بل يمارس نوعا من القمع منقطع النظير على فئات من شرائح المجتمع من الذين لا يملكون تجاه لقمة العيش والقمع سوى الرضوخ لمنطقه وتدبيجهم إعلامه وهم يعرفون أنهم بذلك يفقدون أعز ما يملكون، الكرامة والضمير. نحن ندرك ان هناك الكثير ممن باعوا أنفسهم للشيطان، ولا فرق لديهم فالكذب والدجل والتلفيق والتزوير أصبح الهواء الذي يتنفسونه، يدفع بهم النظام كي يكونوا واجهة لتلفيق أكاذيبه ولتوزيع التهم على كل من يعارض. لكن كل هذا لم يصمد أمام المنطق والعقل، فالنظام معروف وحاصل على شهادة امتياز بالقمع والفساد والتزوير ومصداقيته لا تتجاوز الصفر، وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني. ناهيك عن المواطن السوري الذي يتجرع مرارتها يوميا. لهذا ايضاً يلجأ النظام الى ان يفرض وبكل صلافة على شرائح اجتماعية فنية ورياضية وثقافية ونسائية الظهور الاعلامي لتمرير كذبه وتدجيل فتنته وعبث قمعه، واستمراء استباحته للبلد بشعبه وجيشه وبيوته وكرامة مواطنيه، وهذا ما لا يغفره المواطن السوري لكنه يعرف بأن كثيرا من الألسن تتحدث بعكس ما تؤمن نظراً لخضوعها للابتزاز. كما ان المواطن السوري يدرك اليوم وبكل وضوح كذب وتدجيل النظام عن المشاريع الخارجية وتدخلاتها، فها هو يمسك بها ورقة وفزاعة بوجه شعبه، الذي يثبت أصالته وشرف وطنيته، من خلال رفضه للتدخل الخارجي والذي يؤكده دائما ويحرص ويشدد عليه، بالوقت الذي يصر النظام وبكل صلافة على إنهاء حكمه الذي لم يكن مطروحا وإسقاط تسلطه بعد أن اختار استباحة دماء شعبه واستسهال إراقته، وبهذا يقدم عنقه غير مؤسوف عليه.

*كاتب وشاعر'سوري'يقيم'في'برلين

================

غياب المثقف السوري.. الأكفان والطبول 

الجزيرة نت-خاص

9-5-2011

ما إن اندلعت حركة الاحتجاجات في سوريا، حتى اختفى العديد من المثقفين السوريين من على مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها الفيسبوك وتويتر، وهرب كثيرون من التوقيع على البيانات العديدة التي صدرت لإدانة ما أسماها معارضون "وحشية" النظام السوري في تصديه وقتله للمحتجين العزل.

اعتقالات واسعة طالت العديد من المثقفين الناشطين والمتضامنين مع المحتجين، وكان من أبرزهم الشاعران السوريان عمر ادلبي ومحمد ديبو اللذان اعتقلا ثم أفرج عنهما فيما بعد.

هذه الممارسات وغيرها أكدت أن النظام السوري لا يتقبل فكرة الاعتراض على سياساته، وربما أعلن بعض المثقفين بعد حركة الاعتقالات -صراحة- وقوفهم في صف النظام بصورة مستفزة، في حين حمل آخرون أكفانهم على أكفهم وهم ينددون بجرائم نظام الأسد في درعا، وتعذيب وترهيب النساء والأطفال في مدن سورية أخرى.

الجزيرة نت تستطلع في السطور التالية آراء عدد من المثقفين السوريين في الداخل والخارج حول غياب المثقف السوري في الداخل، هل هو خوف من بطش النظام أم مهادنة؟ بحث عن طريق للسلامة أم سياسة صمت تنتظر لحظة الحسم؟

طبل النظام

الكاتبة والروائية السورية المقيمة في لندن غالية قباني تستعير في بداية حديثها عبارة للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، يقول فيها "إن أولى نزعات الاستقلالية والتحرر لدى المثقف هي قدرته على خلق الظروف المواتية التي تسمح له بقول الحق في وجه السلطة، واستعداده لتحمل عواقب هذا الموقف".

"التهرب من العواقب" دفع قباني للقول "ضبطنا قبل شهرين حالات في مصر من هؤلاء المثقفين الذين بدؤوا بفك ارتباطهم مع الثقافة والشعب معا للدخول في فرقة الترفيه عن السلطة والترويج لأفكارها معاً.. بقيت نسبياً في حدود ضيقة، وها نحن الآن نضبط حالات فاقعة جداً في سوريا".

صاحبة رواية "أسرار وأكاذيب" تتوقع أن الآلاف من العرب لاحظوا هذا "العار المستشري" بين بعض أفراد النخبة المثقفة، تحديداً بين الفنانين (ليس كلهم)، إلى حد أنها تزاود على خطاب السلطة نفسه وتبدع في تأليف الحكايات عن مخلوقات غير مرئية تقتل الشعب والجيش معاً وتثير الطائفية في البلد.

وترى قباني أن أفراد هذه الفئة من إعلاميين وفنانين وكتاب وأكاديميين، هم "شركاء في المجازر" التي حدثت بذريعة "محاربة جماعات مسلحة" و"المندسين" و"السلفيين"، وكلها تشير إلى كائنات وهمية لم تعلن عن نفسها ولا رآها المتظاهرون الذين لم يلتقوا بغير "الشبّيحة" ورجال الأمن يعتلون أسطح المباني الرسمية ويقنصون الشباب.

"لقد أبدعت هذه المجموعة من المثقفين في خيانتها لشعبها وتطبيلها لنظام سيذهبون بذهابه لا محالة، بعدما وقفت معه تتفرج على اعتقال أطباء ومهندسين ومحامين وناشطين حقوقيين وكتاب وصحفيين وشباب وأطفال وكبار سنّ.. نظام يقتل المتظاهرين المسالمين ويوجه اتهاماته لابن الثمانين ولابن الثمانية على حد سواء"، تضيف قباني.

خيانة الفنان

وتعتقد أن هؤلاء الفنانين قدموا النسبة الأكبر من هذا الاستعراض المخجل، واضعين أنفسهم في خانة "الفرجة" عليهم، وهم ينهارون أخلاقيا بعدما كانوا يقدمون لهم موضوعات عن الفساد والتسلط واستغلال المنصب الرسمي والقمع..إلخ، وظهروا ليكذبوا أنفسهم بفرجة أخرى مخزية.

وتتفهم قباني "من يصمت" ويبقى موقفه محسوبا على سمات الضعف الإنساني، والخوف "في بلادنا" مقيم في النفوس ومتجذر، وليس سهلا اقتلاعه، لكنها وغيرها لن يغفروا لمن شدّ على الأيدي الملوثة بدماء شعبها، وبرر لها وصفق، فهو يخون دماء الشهداء ويحتقر جثثهم المرمية في الشوارع لأيام.

و"خيانة" هؤلاء لا تتوقف عند "خيانة الأهل" فحسب وفق قباني، بل تتجاوزها إلى خيانة الحريات والكرامة البشرية وغيرها من مصطلحات كان يرددها "الخائنون" دون أن يعوا معناها أو ربما يقصدوها، فقط لأنها كانت من كليشيهات تلك المرحلة.

"وصلت الوقاحة بالبعض أنه خوّن زملاءه الذين وقعوا على نداء لرفع الحصار عن درعا، وإيصال الحليب والغذاء إلى أهلها وأطفالها، ووصف البيان بأنه أشبه بتوجيه الرصاص! أي مرجعية أخلاقية يرجعون إليها وهم يهرجون ويرددون هذا الكلام؟! لا أدري!"، تختم قباني.

عجائب المثقف

الشاعر السوري المقيم في ألمانيا حسين حبش يؤكد "خشية" المثقف السوري من آلة القمع الرهيبة ومن بطش النظام الذي يضرب في كل مكان، ويجعل كل المواطنين سواسية في ترهيبه وبطشه وقمعه الذي لا يفرق بين كبير وصغير باستثناء أعوانه وبصاصيه ومخبريه.

ويلفت حبش إلى أنه من حق المثقف أن يخاف، لكن ليس من حقه أن يخرس ويهادن ويراوغ ويجد المبررات لنفسه بهروبه أو وقوفه في المنطقة الرمادية، أو الحياد التام وسط كل هذا الدم الطاهر والبريء الذي يراق برصاص أجهزة الأمن و"الشبيحة" ومن شابههم، تحت حجج واهية لا تنطلي على أحد.

تنطبق "الرمادية" بحسب حبش على المثقفين الذين "يغمغمون" فقط، ولا يُعرف ما يقولون كأنهم أصيبوا فجأة "بعقدة التأتأة" و"اللعثمة المقيتة".

"من غرائب المثقف السوري أنه بدأ "بطلاً" مع ثورات الشعوب العربية وعلى رأسها ثورتا تونس ومصر العظيمتين، وعبر عن فرحه وغبطته ورأيه بهما بكل حماس ووضوح لا ريبة ولا شك فيهما، لكن عندما بدأت ثورة الشعب السوري -أي ثورة شعبه- بدأ بالتواري والاختفاء وإيجاد الذرائع الكاذبة للتهرب من المسؤولية"، يضيف حبش.

خوف المجهول

السينمائية السورية المقيمة في لندن هالة العبد الله ترى أن موقف المثقفين السوريين ظاهريا "متشابه"، لكن أسباب صمتهم "مختلفة"، فهناك من يخشى على "ضياع" مكاسبه، ومنهم من يخاف على مستقبل تغتاله التنظيمات المتطرفة دينياً، وآخرون يخشون بطش السلطة، وغيرهم يخاف التغيير، وبعضهم يخشى المجهول.

وهناك من يفزع "لفكرة أن الشارع سبقه"، وفئة تفضل الانتظار والصمت، يضاف إليهم فصيل آخر من المثقفين أخذ وجهاً غريباً وغير مفهوم في مثل هذه الظروف، ورغم كل هذا ليس بيدي إلا أن أتساءل: لماذا هذا الصمت؟

التخوين والرعب

الشاعر السوري تمام التلاوي قال "يمكن اختصار حالة المثقف السوري في الوقت الراهن بكلمة واحدة هي: الرعب".

المثقف السوري مرعوب بكل ما تحويه الكلمة من معنى وفق التلاوي، ولهذا الرعب عدة وجوه حسب رأيه، فهناك المثقف المرعوب الذي يخشى المجاهرة برأيه لكي لا يكون مصيره الاعتقال، كما حدث مع العديد من الكتاب والصحفيين والشعراء الذين اعتقلوا لفترات متفاوتة, فمنهم من خرج مثل محمد ديبو وعبد الناصر العايد وعامر مطر، ومنهم من لم يخرج حتى اللحظة كفايز سارة ومنهل باريش وغيرهما من الحقوقيين والناشطين.

التلاوي أشار كذلك إلى المثقف المرعوب من التبعات الأخلاقية جراء اتخاذ موقف ما، قد يأخذ بلدا مثل سوريا ذات الطوائف المتعددة إلى حرب أهلية أو انقسام, وهذا النوع من المثقفين يحاول إعلاء صوته الآن داعياً إلى التعقل والحوار بين السلطة والمعارضة ومختلف وجوه وفعاليات المجتمع السوري للوصول إلى نقطة تتلاقى عندها جميع الأطراف.

يفسّر التلاوي خوف هؤلاء المثقفين من مغبات انقسام سوريا أو الدخول في صراعات أهلية لن تصب في النهاية إلا في مصلحة "إسرائيل", بالنظر إلى موقع سوريا الجيوسياسي الحيوي المعقد والمهم في المنطقة, واضطراب الأوضاع بها سينعكس مباشرة على كامل المنطقة.

"الصوت الوسطي" غالباً ما يضيع في زحمة الصراخ وتبادل الاتهامات والتخوينات بين المعارضة الداعية إلى "إسقاط النظام" من جهة، والنظام ومؤيديه من جهة أخرى"، يوضح التلاوي.

سخرية سوداء

"قراءة" التلاوي "المعقلنة" لواقع سوريا لا يسوّغ الصمت إزاء ما يجري على حد قوله، مستشهداً ببيان لمائة مثقف سوري -غالبيتهم من داخل سوريا- يدعو إلى نبذ القمع الذي يزيد الأمور تعقيداً ودموية ويدعو السلطة إلى الحوار, وكان هو أحد هؤلاء الموقعين, رغم معرفته بمقدار المجازفة.

"المجازفة" تستلزم التذكير "بمنع" المثقف السوري من الكلام حتى على صفحته الشخصية في الفيسبوك، ولا ينسى التلاوي الإشارة إلى رسائل تخوينات وشتائم وتهديدات بالقتل أو الاختطاف تصل المثقفين من قبل مؤيدي النظام, والأمثلة كثيرة.

صدمة الأولى

الكاتب والناقد السوري المقيم بالولايات المتحدة حسين سليمان شدد على أن اختفاء المثقف السوري عن إبداء رأيه حيال ما يحدث الآن في بلاده هو دليل على "اختفاء" الحرية.

هذا الاختفاء يستدعي تذكير سليمان بتجارب المثقفين السوريين في السجون والمعتقلات وما ذاقوه من هوان وذل، لكن ذلك لا يُخفي أن "المثقف السوري أو المواطن السوري وطنيّ يعشق الحرية ويعشق العروبة، وأن الجو الستاليني المهيمن على البلاد سلبه العقل وأنبت داخله الخوف الذي تخلقه أجواء المعتقلات الدموية".

"خوف" المثقف السوري ليس تعبيراً عن مهادنة أو "اختيار" للسلامة، إنما هو يقيس ويحسب: إن كان صوته حين يقول "لا" سيفعل أثراً، فسيقولها، وإن كان لن يترك أثراً فسيصمت، يضيف سليمان.

وفق "القياس والحساب"، المثقف السوري الآن في حيرة الصدمة الأولى وبداية التحرر من الخوف، يرى سليمان الذي يدلل بتعليقات الصديق الشاعر منذر المصري في الفيسبوك وتلميحات الكاتبة والناشطة د. مي الرحبي والصديق الكاتب ياسر الظاهر وغيرهم ممن تحرروا من الخوف الأولي، لكنهم "لا يرقصون" بل "يحجلون" كما يقول المثل السوري.

"الحجل" -بحسب سليمان- يفضي إلى القول "لقد قدم المثقف السوري واجبه، ولنا مثل في عارف دليلة وفرج بيرقدار وآخرين كثر.. الزمام الآن بيد الشعب وانتهى مؤقتاً صوت المثقف، لأن صوته الآن قد اخترق منذ أزمان العقل وذهب نحو أعماق النفس السورية وقال لها ما عليها أن تفعله".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ