ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 09/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الحكم السوري وقاعدته السياسية

الأحد, 08 مايو 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

لم يتغير شيء في سورية منذ إعلان إلغاء حال الطوارئ ومحكمة امن الدولة، إن لم يكن نحو الأسوأ، في ظل استمرار موجة الاحتجاجات الآخذة في الاتساع، والقمع العنيف الذي يتعرض له المحتجون. وهذا يعني ان النيات وحدها لم تعد تكفي من أجل تهدئة الوضع، والتوجه نحو استقرار من دونه قد تنزلق البلاد الى الشر المستطير، كما لم تعد تكفي التعهدات الشفوية، أنّى كان مصدرها، لعودة الثقة بين الحكم والمحتجين.

كذلك لم تعد الرواية الرسمية عن المجموعات المسلحة والسلفية... إلخ، في مصلحة الحكم في سورية، إذ إنه في حال صدْق هذه الرواية التي تبرر بها السلطات عدم الانتقال الى سياسة جديدة في معالجة المطالب الاصلاحية واستمرار القمع العنيف، فإنها تشكل الدليل على ضرورة إعادة نظر في وظيفة الأجهزة الأمنية، بعدما أثبتت فشلاً مريعاً في مواجهة هذه المجموعات، اذ كيف يمكن لدولة مثل سورية، في حال حرب مع اسرائيل، المتزايدةِ العدوانية والتمسك بالجولان المحتل، وتملك زهاء دزينتين من أجهزة الامن، ألاّ تتمكن من كشف مجموعات مسلحة يعتلي افرادها السطوح في مدن عدة، ووقت متزامن، ويروحون يطلقون النار على المحتجين وقوى الامن؟! الا يعني ذلك ان هذه المجموعات، بصرف النظر عن الصفة التي تطلقها عليها السلطات، منظَّمة ومدرَّبة ومعَدّة لمثل هذه الممارسات المخطَّط لها؟ وكيف لا تُقيل السلطات كل مسؤولي الأجهزة الامنية الذين يضبطون أنفاس الناس منذ عقود ويظهرون هذا القدر من التقصير في كشف هذه المجموعات واعتقال افرادها وتقديمهم الى محاكمة علنية؟

كل ذلك لم يحصل، لأنه ببساطة لا وجود لمثل هذه المجموعات المنظمة، وقصتها تبريرٌ للفشل في معالجة المطالب الإصلاحية، واذا لم يتم الاعتراف بهذه الحقيقة، فإن كل الإعلانات الشفوية لن تؤدي الى تهدئة.

صحيح أن ثمة خصوماً داخليين للحكم السوري الحالي، وتتوزع ولاءات هؤلاء الخصوم على تيارات إسلامية متشددة إلى تيارات يسارية متطرفة، وصحيح أيضاً أن خارج سورية ثمة من يرغب في تغيير الحكم في دمشق، لكن الصحيح في الوقت عينه، ان الضعف الذي يعانيه هذا الحكم حالياً يرتبط بضيق مساحة قاعدته وانحسار هذه المساحة مع مرور الوقت. والصحيح أيضاً أن غالبية من السوريين الذين يطالبون بالإصلاح يرغبون في تفادي تعميم العنف، لانهم يعون مدى الخطورة في انفلات هذه العنف، ويرغبون أيضاً في إصلاح سلس وسلمي، وهو وحده ما ينقذ البلاد من حمام دم.

وهؤلاء السوريون هم القاعدة التي ينبغي على الحكم السوري استعادة ثقتها وكسبها لتوسيع قاعدته، والتي لا يمكنه من دونها مواجهة الأصوليين المتشددين، الذين يقول إنهم يهددون وحدة البلاد.

لقد تمكن الحكم السوري خلال العقود الماضية، من توفير حد من القاعدة الشعبية، بفعل تحالف مضمر مع تجار المدن، لكن هذا التحالف يواجه اليوم تحدياً كبيراً، وليس مضموناً إمكان الاستمرار فيه من دون انضمام فئات جديدة تضررت على مدى عقود من احتكار السلطة والاقتصاد.

وأيُّ توجُّهٍ جِدّي نحو الإصلاح، ينبغي ان ينطلق من قناعة سياسية بضرورة انضمام فئات جديدة الى السلطة، وهي قناعة لا يؤكدها سوى الإلغاء الفوري لمواد الدستور التي تضمن هذا الاحتكار، وإطلاق تعددية سياسية حقيقية تتيح التعبير الحر والشفاف عن كل مكونات المجتمع السوري.

لا يزال ممكناً للحكم السوري ان يبدأ مسيرة اصلاح، رغم شعار المحتجين «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن ذلك يفترض شجاعة للاعتراف بالواقع السوري الحالي، الذي لم يعد ما كان عليه قبل سنوات، وشجاعة الإقدام على إصلاح حقيقي للنظام السياسي وممارسة السلطة، وشجاعة القبول بمشاركة المكونات السياسية الأخرى في السلطة.

=================

يحدث في درعا!

حلمي الاسمر

الدستور

8-5-2011

يحرر الأشاوس المناضلون الممانعون المسجد العمري في درعا، فيدخلونه فاتحين، ويرقصون احتفالا، وعلى شرف التحرير والفتح، يفتح المناضلون قناني الخمر ويرقصون في بيت الله، ومن ثم يوزعون الاحتفال على السكان، فيبثون أغاني الانتصار عبر مكبرات الصوت!

مهما قيل عن درعا، وشقيقاتها من روايات وحكايات، لا يمكن أن يتصوره عقل، يقول درعاوي حر في رسالته: من أراد جثث أبنائه يجب أن يوقع تعهدا بان يخرج مسيرة تأييد، وأن يقول ان المندسين قتلوه،

ولا احد يستطيع الدخول او الخروج، ولكن طبعا شباب الثورة من قرى درعا يدخلون خلسة، اهل درعا ادرى بشعابها ووصفت لهم بيت أبي وطمأنوني عنه، الاعتقالات كثيرة جدا هناك من ابناء عمي واخوالي

ومجزرة صيدا سمعتها من مشارك فيها، مجزرة حقيقية قتل فيها الكثير، اوقعوا المتظاهرين في شرك عند مساكن الضباط شجعوهم على المرور والتقدم وهم آلاف من جميع القرى، خليل الرفاعي الذي استقال من مجلس الشعب لا احد يعرف اين اخفوه، ناصر الحريري تراجع بعد تعذيب اهل بيته تراجع تحت التهديد والخوف، انهم ينظفون الشوارع في درعا ويغسلونها، في منطقة كنا نذهب اليها سيران نزهة اسمها غرز قريبة من درعا مقبرة جماعية للشهداء والجرحى، لقد وضعوا فيها شهداء وجرحى دفنوهم احياء، هناك من شاهدهم بعينه، نعم علّ الناس تصدق ان مجازر ترتكب في درعا، يقولون ان الجيش انسحب، كاذبون

يقولون عادت الحياة الطبيعية كاذبون، يقولون أرسلوا مواد غذائية كاذبون، يقولون قبضوا على العصابات كاذبون، لا يوجد في حوران مندسون ولا عصابات ولا سلفيون، ذنبهم أنهم نادوا بالحرية وذنبهم الأكبر انهم كسروا صنم حافظ الأسد، كل هذا انتقام حتى يعلموهم درسا وحتى تتعظ المدن الأخرى، ولكن حوران أهل الشهامة والخير لن يقتلهم جوع، ولن يركعوا، ولن يستطيعوا قتل المليون حوراني، وسيدفعون الثمن غاليا

لقد دقوا المسمار في نعوشهم بالاعتداء على حوران!!

غيض من فيض، ما ورد في رسالة الحوراني، فلم نزل نشهد فصولا دامية من المذبحة المفتوحة، عبر رسائل وفيديوهات وتسريبات، مهما حاولوا أن يخفوا ما يصنعون ويكذبون، ها نحن نشهد كل التفاصيل بكل قسوتها، وثمة من يعتقد ان هناك المزيد المزيد من المشاهد المخفية، ورغم كل ذلك يخرج علينا من يتساءل: أين المذبحة؟ واين المظاهرات؟ وأين الثورة؟؟ وهي بدأت تأكلهم، وستجهز على القتلة، فقد كتبوا شهادة وفاتهم بأيديهم، النظام الذي يقتل شعبه لا مستقبل له، إلا القبر وحبل المشنقة، أو القتل تحت أحذية المظلومين!

=================

التوقعات بتوقف المعارضة وببدء الإصلاحات تبدّدت بعد درعا

نافذة الفرص الدولية تضيق شيئا فشيئا أمام النظام السوري

روزانا بومنصف

النهار

8-5-2011

حبس مسؤولون لبنانيون انفاسهم يوم الجمعة المنصرم في انتظار ما ستسفر عنه "جمعة التحدي" التي دعا اليها معارضون سوريون في ضوء اعتقاد ساهم في تعزيزه مسؤولون سوريون ان تنفيذ الجيش السوري اقتحاما عسكريا في درعا ينبغي ان يشكل رسالة قوية الى المعارضين السوريين في المدن او المحافظات الاخرى ويردعهم عن مواصلة الاحتجاجات. وقد كان لاعلان السلطات السورية انسحاب الجيش من درعا يوم الخميس اي قبل يوم من تظاهرات الجمعة تأثير في اشاعة الانطباعات بأن الامور انما تحصل وفق جدول معين تتحكم السلطة بمفاصله. ولذلك فان استمرار تظاهرات الاحتجاج بات يفرض تحدياً اكبر على القيادة السورية، وفق ما تعتقد مصادر ديبلوماسية مراقبة، لان ما اريد له، على ما يبدو، ان يكون مرحلة فاصلة بين ما قبل درس درعا الامني العسكري وما بعده لم ينجح. ولم يطابق حساب البيدر حساب الحقل، فيما نقل عن الرئيس السوري بشار الاسد قوله لمتصلين به ان ما تشهده سوريا على وشك الانتهاء في خلال ايام في اشارة الى نجاح العملية العسكرية في درعا والانسحاب منها وفق ما اعلن.

وتبدي هذه المصادر أسفها لعدم استفادة الرئيس الاسد حتى الان من الفرصة التي لا تزال مفتوحة امامه على الصعيد العربي والدولي في حين ان الهامش امام الدول الكبرى بات يضيق. فالولايات المتحدة وان تكن تدين "القمع الذي يمارسه النظام" لا تزال "تؤمن بمستقبل لنظام الاسد وفي قدرته على تنفيذ الاصلاحات"، وفق ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي تتعرض لانتقادات سياسية واعلامية نتيجة الموقف الذي تعتمده ادارة الرئيس باراك اوباما من التطورات السورية. وهو انتقاد طاول حتى الآن التصريحات التي ادلت بها كلينتون في موضوع التطورات السورية. وهو الامر الذي يجعل الولايات المتحدة تدافع بشراسة عن النظام السوري على نحو لا يقل تمسكاً ودفاعاً عن هذا البقاء من جانب روسيا التي عارضت اجماعا في مجلس الامن على بيان يصدر حول سوريا.

وهذا الاحراج الذي تواجهه الولايات المتحدة ينسحب ايضا على الدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا التي عمد رئيسها نيكولا ساركوزي الى فك العزلة التي واجهتها سوريا بعد العام 2005. عبردعوة الرئيس السوري الى باريس وتعيينه موفدا شخصيا له لدى الرئاسة السورية ويعتقد كثر ان طبيعة الاتصالات التي اجريت ساهمت في استعادة سوريا نفوذها في لبنان بعدما انحسر هذا النفوذ بانسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005. اذ تواجه الحكومة الفرنسية تحدي الدفاع عن عدم اعتمادها معايير مزدوجة في التعامل مع الثورات العربية وتحديدا التمييز بين ليبيا وسوريا على رغم اوجه الشبه الكبيرة التي يراها الاعلام الغربي بين البلدين من حيث التعاطي مع موجة المعارضة الناشئة في كل منهما. وهي ترى ان المواقف التي اعلنتها كانت شديدة وهادفة وتعبر عن مدى الاستياء الفرنسي تحديدا من التزام شخصي اخذته باريس على عاتقها في موضوع سوريا، فيما لم تتصرف هذه الاخيرة في موضوع الاصلاح واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب وفق ما ينبغي ووفق الالتزام الشفوي او المبدئي السوري في هذا المجال. ولذلك يبدو الموقف الفرنسي مقداماً في السعي الى موقف في مجلس الامن او في اقناع دول الاتحاد الاوروبي باجراءات اكثر حزماً من دون نجاح كبير لاعتبارات مصلحية تتفاوت بين دول الاتحاد.

وفي الاطار نفسه، تقول هذه المصادر ان نافذة الفرص لم تقفل بعد امام سوريا على رغم الاجراءات التي اتخذت ضد النظام السوري. اذ ان العقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد سوريا وتلك التي يعتزم اتخاذها الاتحاد الاوروبي هي رسالة معنوية اكثر منها تدابير فاعلة، وخصوصا مع تحييد واشنطن الرئيس السوري نفسه عن هذه العقوبات ومطاولتها قريبين منه فقط وفي مسائل لا يعتقد انها تؤذي هؤلاء ايضاً بما يترك المجال امامه مفتوحا لحرية حركة كبيرة يمكن ان ينفذ منها الرئيس السوري من اجل الانتقال بسوريا الى مرحلة اخرى كان يعتقد كثر انه سيعمد الى تنفيذ البعض منها في موازاة اقتحام مدينة درعا للتغطية عما يجري هناك من خلال تسليط الضوء الاعلامي على خطوات اصلاحية سيقال انها بدأت ترى النور من جهة وتاليا من الضروري اعطاؤها فرصة للتبلور والظهور ومن اجل تنفيس الاحتقانات واستيعاب الحركات الاحتجاجية المرتقبة في المدن والمحافظات الاخرى من جهة ثانية. وتخشى هذه المصادر من الا يكون في متابعة القيادة السورية على الوتيرة نفسها معالجة تظاهرات المعارضة في الاسابيع المقبلة احراج اكبر للدول الغربية جميعها بما فيها روسيا او تركيا او سواهما. اذ ان هذه تكون قد استنفدت سبل الضغط مع ترك النافذة مفتوحة لدعم بقاء النظام، تماما كما حصل مع اعلان الوزيرة كلينتون لصحيفة ايطالية موقفها من بقاء النظام السوري في حين اتت حصيلة " جمعة التحدي" لتظهر مدى الحرج في استمرار هذا الرهان مع مطالب متصاعدة لاعضاء في الكونغرس الاميركي وفي الاعلام ايضا تريد موقفاً مختلفاً.

=================

سوريا: نظام ومحكمتان

علي حماده

النهار

8-5-2011

... ويمضي النظام في سوريا قدما في خيار القمع الامني للاحتجاجات الشعبية المنتشرة في كل مدن البلاد وقراها غير آبه لردود الفعل الداخلية والخارجية، وهي خجولة مقارنة بما يرتكبه نظام الرئيس بشار الاسد من اعمال يفترض ان تودي بالمسؤولين عنها الى المثول امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وثمة تقصير كبير على المستوى الدولي ناهيك بالمستوى العربي المتمثل بجامعة الدول العربية في التصدي القوي لما يقوم به النظام في سوريا في حق المدنيين العزل، من اولاد، انفجرت الازمة منتصف آذار الفائت بعدما اعتقل عدد منهم في درعا واعيدوا الى اهاليهم مقلعي الاظافر واثار التعذيب بادية على اجسامهم. الى نساء يقتلن على طريق بانياس برصاص حي لانهن يتظاهرن لمنع اجتياح دبابات النظام مدينتهم.

امام اعتى آلة قتل في المنطقة يقف المدنيون الاحرار في سوريا بشجاعة نادرة تستدعي منا الاحترام والتحية. ويصل عدد القتلى برصاص النظام الى حدود الالف بحسب ارقام متطابقة ولا يتراجع النظام عن مسار القتل، بل يواصل يوما بعد يوم انزلاقه المخيف نحو اخطر الحلول: القتل لطالبي الحرية...

قبل ايام سئلت صحافية سورية قريبة من النظام كانت تزور الكويت عما يجري في بلادها، وعما اذا كانت الدولة هناك يمكنها الاستمرار في نهج القتل، فأجابت: "عندنا في سوريا لا يوجد دولة ولا مؤسسات … توجد مخابرات ورئيس فقط ". واضافت: "لذا لا مشكلة في ذهاب النظام بعيدا في الحل الامني".

اذا كان هذا التقويم من اهل البيت فما بالكم بتقويم المعارضين! في مطلق الاحوال لا بد من النظر بعناية الى لائحة الاسماء التي صدرت في حقها عقوبات من الاتحاد الاوروبي ومعظمها من الدائرة العائلية الضيقة للاسد الابن الذي سيدرج اسمه لاحقا اذا لم يتوقف القتل في سوريا. هذه اللائحة تدل على تركيبة الحكم الفعلية، اي المخابرات والعائلة والعشيرة. هذا الثالوث لا يمكنه ان يدوم في حكم سوريا بشروط حافظ الاسد. فإرث الرئيس الراحل سقط في شوارع درعا وساحاتها ومن بعدها في جميع المدن الثائرة، وبات من المستحيل على ابنه وصحبه ان يديموا واقعا كان يجب ان يتغير بعد وفاة الاب العام 2000، وقد اضاع الاسد الابن فرصا كثيرة كانت آخرها اعادته الى المجتمع الدولي بعد ازمة 2005 في لبنان، والعالم بأسره يعرف بدور النظام ورئيسه في اغتيال رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الأرز في لبنان.

لقد انقضى زمن "الستالينية العربية" وكل هذا الدم في سوريا هو ثمن الحرية والانعتاق من السجن الكبير كما سماه اول شهدائنا كمال جنبلاط. وما لم ينقلب الرئيس بشار الاسد على نفسه ويتخلص من ارث حافظ الاسد، فلن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي يمثل فيه وصحبه في لاهاي امام محكمتين: المحكمة الخاصة بلبنان، والمحكمة الجنائية الدولية...

=================

بشأن عفوية الحراكات الشعبية وشرعيّتها

المستقبل - الاحد 8 أيار 2011

العدد 3990 - نوافذ - صفحة 10

ماجد كيالي

اندلعت الثورات الشعبية في عديد من البلدان العربية، من دون سابق إنذار، أو تهيئة، أو تخطيط، وأيضا على الرغم من غياب "الطليعة"، والأحزاب الثورية، ومن دون أن تتغطّى ببرامج سياسية جاهزة أو بمنظومات أيديولوجية معروفة؛ أي إنها لم تنشأ بحسب حسابات المنظرين ولا وفق رغباتهم أو تخيلاتهم.

هكذا فإن اندلاع هذه الثورات، من تونس إلى اليمن، ولاسيما انتصارها في اكبر بلد عربي (هو مصر)، إنما يعني شيئا واحدا، ينبغي الإقرار به، وعدم الترفّّّع عنه أو إنكاره، وهو أن زمن التنظيرات النمطية، والمسبقة، بات إلى غروب، وأن حراكات الواقع باتت تسبق حراكات التفكير، بما يخصّ هذه اللحظات التي تتكثّف فيها حركة التاريخ.

لايعني ذلك البتّة تقديس الحركة العفوية، ولا التغنّي بها، مثلما لا يعني الدخول في نوع من الجدل الفلسفي، حول أولوية الواقع على الفكر أو الفكر على الواقع، وإنما يعني تفحّص هذه التجربة وملاحظتها، من داخلها، وكما تحدث، أو في صيرورتها، على ارض الواقع.

على ذلك لايمكن محاسبة الحركات الشعبية، أو التقليل من شأنها، بسبب غياب طابعها الحزبي أو الأيدلوجي، أو بسبب غياب برامج جاهزة لها، أو لافتقادها لقيادة كاريزمية أو إدارة تنظيمية معينة، على العكس من ذلك فإن المسؤولية في كل هذه المجالات تقع على عاتق طرفين، أولهما النظم السياسية السائدة، وثانيهما الأحزاب السائدة.

في الحقيقة فإن النظم السياسية، باعتبارها الفاعل الأكبر، أو المحتكر للفعل، في بلدانها، بحكم طبيعتها التسلّطية، والهيمنية على المجالين السياسي والمجتمعي، هي التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن غياب الطابع المنظّم للتحركات الشعبية، وانفلاش خطابها السياسي، وحصول بعض الفوضى في إدارتها. لأن هذه النظم كانت، من الأصل، قد منعت السياسة عن المجتمع، وقيّدت المشاركة السياسية، وهمشت مختلف القوى الاجتماعية، وصادرت حريات الأفراد المتعلقة بالرأي والتعبير والاجتماع.

القصد من ذلك أن هذا النمط من السلطات التسلطية، القائمة على محو الأخر، أو تهميشه، والتي صادرت القانون والدولة والمجتمع، وجعلتها بمثابة ملكية خاصة، هي التي خلقت هذا النوع من المجتمعات شبه الأمية من الناحية السياسية، كما من ناحية ضعف تمكّنها من التعبير عن ذاتها، بالشعارات والطرق المناسبة واللائقة.

وعلى رغم أن السلطات السائدة، والمتسيدة، هي التي تتحمل معظم المسؤولية عن كل ما يحصل من توترات وتخبّطات، في التحركات الشعبية، فإن الأحزاب السياسية السائدة تضطلع بقسطها من المسؤولية عن كل ذلك، كونها ارتضت، هي الأخرى، بالتهميش والتدجين، مكتفية ببعض الامتيازات المتحققة لها، من التعاون مع السلطات القائمة، أو من التغطية على سياساتها، وربما تجميلها.

وبالأصل فإن هذه الأحزاب لم تؤهّل ذاتها لاحتضان مطالب المجتمع وحملها إلى السلطات المعنية، كما لم تفكّر يوما باجتراح خط مغاير للنهج الذي تسير عليه سلطاتها، وحتى إنها لم تسع، بالدرجة اللازمة، لتعزيز علاقاتها بفئات المجتمع، أو حتى تعريفها على ذاتها السياسية، أي بحقوقها.

ويستنتج من ذلك أن مشكلة غياب الطابع الحزبي، والمنظم، وضعف القدرة على التعبير السياسي في الحراكات الشعبية الحاصلة، لاتتحمل مسؤوليتها الفئات الشعبية المنتفضة، أو الثائرة، والتي تطمح لتغيير واقع الظلم والحرمان والامتهان المحيق بها، وإنما تتحمل مسؤوليتها الأحزاب السائدة، والمنتشرة في معظم البلدان العربية، تماما بقدر ادعاء هذه الأحزاب لمكانتها في المجتمع وطليعيتها بالنسبة له.

أيضا، فقد ظهر في النقاشات الدائرة من حول التحركات الشعبية نوع من المثقفين، أو المنظّرين، الذين يتساءلون، في نوع من التشكّك، عن ضرورة هذه التحركات وشرعيتها وجدواها ومآلاتها.

طبعا، ثمة مشروعية لأي تساؤل، ولأي شك، فهذا من طبيعة التفكير العقلاني. لكن الأمر هنا لا يتعلق بالعقلانية، ولا بالواقعية، لأن هؤلاء المنظّرين، أو المثقفين، كانوا قبل حدوث هذه التحركات يشكون من سلبية مجتمعاتهم، ومن خنوعها للسلطات الحاكمة، بل وثمة منهم من اعتقد بأن ثمة عنصراً جينياً في مجتمعاتهم يفسر هذه القابلية للاستبداد والفساد، كما للخنوع والخضوع!

ولعل هذا يحيلنا إلى تصحيح مفهومي العقلانية والواقعية، إذ ليس من العقلانية والواقعية في شيء استمرار الحال التي هي عليها المجتمعات العربية، من هوان وحرمان، ومن فساد واستبداد، إلى الأبد. وليس من العقلانية والواقعية قبول هذه المجتمعات لواقع البؤس والحرمان المحيق بها، وعدم التمرد عليه، في حال توافرت لها بعض الظروف المواتية؛ حتى بغض النظر عن إمكان نجاحها في ذلك من عدمه، فهذه سنّة التحولات التاريخية، التي لاتسير في اتجاه واحد ومستقيم.

اللافت ان بعض التنظيرات تنحي باللائمة على التحركات الشعبية، بدعوى عدم النضج السياسي، وبدعوى سطحية شعاراتها، وفي أحيانا كثيرة بدعوى أن الغلبة ستكون للأقوى.

الواقع أن هذه الادعاءات غالبا ما تصدر عن أصحابها كمحاولة لحجب موقفهم المهزوز، أو المرائي، أو كنوع من "التقية"، وهي ادعاءات مضرّة بالمنظرين المعنيين من الناحيتين السياسية والأخلاقية.

فضلا عن ما تقدم فإن هذه الادعاءات تضر بمكانة الثقافة، وبدور المثقفين، لأن هؤلاء لايمكن ان ينحازوا إلا إلى قيم الحرية والعدالة والكرامة، ولا يمكن أن يدافعوا إلا عن الضحايا من المقهورين والمظلومين، مهما كان الوضع. فما هي هذه الثقافة التي تدافع عن سلطة الاستبداد والفساد؟ وعن أي شيء تدافع حقا؟

=================

الغرب والبديل الإسلاموي في العالم العربي

المستقبل - الاحد 8 أيار 2011

العدد 3990 - نوافذ - صفحة 9

نجيب جورج عوض

نعم، العالم الغربي وإسرائيل لن يمانعا بعد اليوم قيام أنظمة حكم إسلاموية في العالم العربي. أعلم أن قول هذا الكلام سيجعل الكثيرين ينعتونني بقصر النظر والغرابة. لقد اعتدنا في العقود الماضية أن نسمع من الأوساط السياسية والفكرية ومراكز صنع القرار والدراسات الغربية الكثير من الكلام الذي يعبر عن مخاوف القوى الغربية من أي بديل إسلاموي سياسي يستولي على السلطة في العالم العربي لما قد يعنيه هذا، كما تمضي تلك النظرية بالقول، من هيمنة لقوى صدامية تعادي الغرب لا إيديولوجياً وسياسياً فقط بل دينياً أيضاً، إن لم يكن أولاً، وتعادي إسرائيل وتكن لها الكره وستعمل معاً على محوها من الوجود. هذا الخوف من البعبع المسمى "البديل الإسلاموي" لطالما كان عنوان الموقف الغربي التقليدي من الحراك السياسي والتركيبات السلطوية الحاكمة في الشارع العربي العام. ولطالما اعتدنا كباحثين ومغتربين يعيشون في الغرب سماع مثل هذه المخاوف تتردد على ألسنة الغربيين وتظلل تساؤلاتهم حول طبيعة الحراكات العامة والسياسية أو طبيعة قمعها في الشارع العربي، سواء السابق للحراكات الأخيرة أو الناتج عن تلك الحراكات ونجاحاتها التاريخية. ولطالما سمعنا صنّاع القرار الغربيّين يميلون للحفاظ على الستاتيكو في الدول العربية ولممالئة أنظمة القمع والفساد والهيمنة العربية وذلك تحت شعار الحرص على استقرار العالم العربي وأمن أقلياته ومراعاة التعددية الإثنية والدينية والثقافية التي تميزه وحمايتها مما يمكن أن يصيبها من اهتزاز وتشوه وإمكانية زوال إذا ما سيطرت على السلطة والحكم في العالم العربي أنظمة من نمط ولون وإيديولوجية أحادية مثل الأنظمة الإسلاموية.

ليس بعد الآن. ما عادت تلك المخاوف نظارات صحيحة لقراءة ميول العالم الغربي الحالية ومواقفه وتصوراته لما سيؤول إليه العالم العربي في ضوء الثورات الأخيرة وماهية البدائل الدولتية والسلطوية التي سينتجها. إنني أعتقد وبيقين قوي بأنّ احتمال دعم الغرب لبدائل إسلاموية في العالم العربي ليس بالأمر المستبعد إطلاقاً ولا هو بالخيار غير المقبول للعقل السياسي والاستراتيجي الغربي بعد الآن. اليوم، يبدو أن ملامح تصورات وطروحات سياسية واستراتيجية جديدة بدأت تطبع منطق تفكير القوى الغربية حول منطقة الشرق الأوسط وحول علاقة العالم بالإسلام؛ منطق تفكير يقول: لا يمكننا أن ننكر وجود الإسلام السياسي والتركيز فقط على الإسلام الديني، وكأنه من الممكن لهذا الإنكار أن ينفي البعد السياسي للإسلام ودوره في مصير العالم وأحواله. الإسلام السياسي حقيقة واقعة أقوى تأثيراً وأوسع انتشاراً من خطاب الإسلام الديني، خاصة في الغرب. فالإسلام السياسي يهدد بخطابه ومواقفه مجمتعات ودول عديدة حول العالم لا يمثل فيها الإسلام كخطاب ديني خطاباً مهيمناً أو طاغياً ولا يمثل فيها المسلمون (حتى الآن على الأقل) سوى أقليات. اليوم، يصل تأثير الإسلام السياسي إلى كل أطراف الأرض وهو يلعب دوراً في تقرير مصير العديد جداً، إن لم يكن كل، المجتمعات الغربية وذلك لعوامل عديدة أقتصادية وثقافية وأمنية باتت تربط مصير العالم الغربي بالعالم الإسلامي تحت شعارات مثل الاقتصاد المعولم (تأثير المحفظة المالية الهائلة للدول الإسلامية الخليجية على اقتصادات العالم)، تحدي الحاجة للطاقة، الحاجة إلى حوار الثقافات بدل صراع الحضارات (تأثير الجاليات الإسلامية المهاجرة على حياة المجتمعات الغربية) وأولها جميعاً الحرب على الإرهاب ومحاولة جر العالم الإسلامي للوقوف ضده لا للتعاطف مع مقترفيه لإسلاميتهم.

وصل الإسلام في تأثيره السياسي إلى عقر دار العالم الغربي وبات يتدخل بالحراكات السياسية والمدنية والدولتية في كل دول أوروبا وفي أمريكا. وما عجز المهاجرون المسلمون (خاصة الهاربون منهم أو المنفيون من بلدانهم) عن ممارسته في العالم العربي بسبب القمع والاستبداد والاضطهاد الذي تعرضوا له بسبب قناعاتهم وآرائهم الدينية-السياسية باتوا يعملون وبقوة ونشاط حثيث على محاولة ممارسته، بل والدفاع عن حقهم به، في بلدان المغترب. وبات العالم الغربي يشعر بأن كل بنيته السوسيولوجية والثقافية والمدنية والحقوقية والشرائعية، التي اعتمدها بنية تأسيسية لجمهورياته ودوله منذ القرن التاسع عشر، تتعرض لتهديد ولتفكيك عقائدي وسياسي وإيديولوجي وديني جديد يطرحه الإسلام السياسي العالمي بقوة في أرضه وقلب مجتمعاته. لا بل لقد وصل الأمر ببعض الحراكات الإسلاموية في الغرب إلى المطالبة بتأسيس مجالس شورى إسلامية تدير شؤون الإقليات المسلمة وكأنها سلطة موازية للسلطة القائمة (دولة ضمن الدولة)، وكذلك إعلان أوروبا وأمريكا "دار جهاد" لنشر الدين الإسلامي والتعويل على التزايد العددي الواضح والمتسارع للمواطنين المسلمين مما قد يجعل منهم في العقدين القادمين الغالبية الديمغرافية الساحقة ويعطيهم بالديمقراطية والحقوق المدنية الصرفة الحق بتأسيس سلطة إسلاموية الطابع والذهنية.

هذا الواقع الآنف الذكر هو اليوم الخوف الحقيقي في الغرب في علاقته بالإسلام السياسي. لم تعد مخاوف الغرب المذكورة تتعلق بدور الإسلام السياسي في الشرق الأدنى وتهديده للمصالح الاقتصادية الاستراتيجية لأوروبا وأميركا في العالم العربي أو تهديده لإسرائيل ووجودها برمته. لم تعد تلك الأمور هي المصدر الرئيس لمخاوف الغرب وقلقه الشديد من دور الإسلام السياسي، بل باتت مصادر هذا الخوف الرئيسة والأولى هي تأثير هذا الإسلام المذكور على حياة الغرب الداخلية وعلى البنية السوسيولوجية والسياسية والدولتية والأمنية لدول الغرب بحد ذاتها.

أمام هذا الواقع، من الممكن جداً أن يحاول صناع النظريات وصناع القرار في الغرب إعادة قراءة خريطة العالم الاستراتيجية وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط في إطار هذه الرؤية. هناك طرح جديد بدأ كما يبدو يحظى بالاهتمام والتفكير من قبل تلك الدوائر، وهو منطق يقول: إذا كنا لا نستطيع الوقوف في وجه الإسلام السياسي ولا لجم طموحه بعد الآن، لماذا لا نجلس معه على طاولة واحدة ونساعده على تحقيق مشروعه البديل. ولكن، لنفعل هذا في موقع يساعدنا أيضاً على إبعاد هذا الطموح عن مجتمعاتنا ومناطق وجودنا المباشرة، ولنعطه الفرصة كي يحقق طموحاته ورؤاه السلطوية في أرضه الأم: العالم العربي. منطق شبيه بهذا المنطق دفع الغرب بقيادة بريطانيا لتشجيع اليهود على تأسيس دولتهم في فلسطين، انطلاقاً من تحقيق هدف واحد، كما تخبرنا أوراق لورد بلفورد، وهو إبعاد شبح اليهود وتأثيرهم عن أوروبا. في ضوء هذا المنطق، تصبح المعادلة تشجيع بل ومساعدة الإسلام السياسي للعودة إلى أرضه الأم والعمل على تحقيق مشروعه السياسي والدولتي فيها والقبول به كبديل عن الأنظمة العربية التقليدية. وكل هذا لا من باب الثقة والشراكة والمؤازرة، بل من باب إبعاد الخطر وتحويل وجهته نحو مكان آخر.

تبين الحراكات التاريخية الأخيرة التي تغير وجه العالم العربي للأبد بأنَّ احتمال البديل الإسلاموي وحلوله كمنظومة سلطة جديدة ليس احتمالاً بعيداً عن الواقع، وأنه هو الاحتمال الأقرب للتحقق على الأرض في البلاد العربية في المرحلة الانتقالية القادمة. فالحراك الإسلاموي السياسي استطاع أن يحافظ على تأثيره على الشارع العربي وأن يطور بنية تنظيمة ويؤّمن لنفسه ذخيرة بشرية ومادية واستطالات علاقاتية واستراتيجية مع باقي الحراكات الإسلاموية في العالم برغم القمع والملاحقة والتعتيم والتصفية في العقود السابقة. وكل مراقب متبصر يمكن أن يدرك أن حماس الشباب العربي اللاديني والديمقراطي والمدني الذي صنع التغيير في العالم العربي لن يتمكن من تقديم نفسه كبديل سياسي أو سلطوي في الفترة القريبة. الأهم من هذا أنَّ الغرب لن يدعم هذا الشارع الشاب ولن يعتبره بديلاً، بل هو سيضع يده بيد البديل الإسلاموي دون سواه انسجاماً مع إحساس أوروبا وأميركا المتنامي مؤخراً بأن الطريقة الوحيدة للتخلص من تهديد الإسلام السياسي في قلب المجتمع الغربي هو تشجيع هذا الإسلام على صرف أنظاره عن الغرب ودفعه لتحقيق مشروعه السلطوي في أرضه الأم وعالمه الأصل، لا بل ومساعدته على تحقيق هذا المشروع وقبوله كبديل استراتيجي عن الأنظمة السابقة.

والسؤال هو أي إسلام سياسي سيؤيد الغرب وسيدعم في العالم العربي؟ ليس الإسلام السياسي السلفي ولا الإسلام السياسي الجهادي والعنفي طبعاً. سيدعم الغرب بدائل سلطوية إسلاموية تتبع النموذج التركي والخليجي. فالنموذج الإسلاموي التركي أثبت أنه حليف يعول عليه في إطار الحفاظ على مصالح الغرب والتوازن الاستراتيجي الذي يريده الغرب فيما يتعلق بدور وحضور التهديد الإيراني في المنطقة. وقد بات النظام الإسلامي التركي أحد سفراء ووسطاء التوفيق والتفاوض بين دول المنطقة بكافة أطيافها وتناقض مصالحها وتخالفاتها. كما أنَّ النموذج الإسلاموي الخليجي أثبت انفتاحه على الغرب وحرصه على الحفاظ على مصالح مشتركة معه. لا بل وقد رضي كل من الإسلام السياسي التركي والخليجي (القطري على أقل تقدير) بأن يتخلى عن لهجة العداء وموقف الصراع مع إسرائيل، بل والبدء بنسج علاقات معها. مثل هذا الإسلام السياسي لا يهدد مصالح الغرب الاستراتيجية في المنطقة ولا يدين بالكراهية لإسرائيل ولا يعتقد بأنه يجب إزالتها من الوجود، وإن كان يدافع عن أحقية الفلسطينيين بدولة خاصة بهم (الأمر الذي بدأت دول الغرب نفسها تدرك الأهمية الاستراتيجية لدعمه ولهذا بدأت تعبر عن إيجابيتها تجاه إعلان الفلسطينيين لدولتهم من طرف واحد وعن سلبيتها وعدم رضاها العلني والصارخ على سياسات إسرائيل). ناهيك عن حقيقة أن الإسلام السياسي السني المذكور لا يقل عداء لإيران عن أميركا والغرب وإسرائيل، وهو يمكن بهذا أن يكون خط دفاع أول في وجه مشروع تلك الأخيرة الاستراتيجي. العامل الإيراني قد يكون، مثلاً، سبباً رئيساً لقبول الغرب ببديل إسلاموي معتدل وغير عنفي في مصر لا بل وفي سوريا أيضاً، إن كان هذا يعني أنَّ سوريا ستنقلب إلى معسكر الاعتدال الاستراتيجي وتقف في موقفها في صف دول مثل تركيا ودول الخليج وتلجم تأثير الجناح العسكري والصدامي للإسلام السياسي في الغرب. وإذا كانت الأنظمة البديلة عن الأنظمة العربية المنهارة تتبع التيار الإسلاموي السياسي التركي أو الخليجي نفسه، فلن أكون مستغرباً أبداً إن نالت أنظمة تقودها جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو سوريا أو الجماعات الإسلامية في تونس أو الجزائر أو ليبيا، وتحت أي مسمى حزبي أو تنظيمي قد تقدم نفسها به، التأييد والضوء الأخضر من الغرب، لا بل ومن إسرائيل أيضاً (لأول مرة نسمع مسؤول إسرائيلي يشكك ببقاء نظام الأسد في سوريا مؤخراً).

تخطئ الأنظمة العربية الديكتاتوية القديمة إن كانت ما زالت تعتقد أنَّ الغرب مازال يتبنى نظريتها عن مخاطر بروز بديل إسلاموي سلطوي في قلب العالم العربي، وتخطئ أكثر إن اعتقدت أن مثل هذه النظرية مازالت تضمن لها دعم الغرب ومساعدته لها على البقاء في السلطة. تتغير المنطقة العربية بشكل راديكالي وسريع يسبق بإيقاعه ومفاجآته وتبدلاته الحدثية عقول وتحليلات وتوقعات الجميع. ولكن ما لا يمكن لأحد من أتباع وأنصار الأنظمة العربية القديمة أن يتجاهله أو يتعامى عنه هذه الأيام هو تغير لهجة الغرب حيال الإسلام السياسي وتعديله للهجته السلبية تجاه إمكانية تكريس هذا الأخير كبديل على الساحة العربية الجديدة. وخلاصة الأمر أنَّ الخوف من الإسلام ودوره في قلب الغرب هو الذي يصنع اليوم سياسة الغرب الاستراتيجية حول العالم العربي، وليس الخوف من الإسلام السياسي وإمكانية سيطرته على السلطة في العالم العربي المجاور لإسرائيل. اليوم، قد يصبح طرح الإسلام السياسي كبديل سلطوي عن الأنظمة العربية المتهالكة هو أحد الحلول، إن لم يكن أهمها، الاستراتيجية التي يريد أن يجربها الغرب كي يردأ عن مجتمعاته وعقر داره طموحاً سياسياً إسلاموياً مماثلاً بدأ يتحدث عنه بل ويسعى له على أرض الواقع أولئك الإسلاميون الذين هربوا إلى الغرب يوماً لأنهم حاولوا تحقيق نفس الحلم في أرض الوطن ولم ينجحوا في ذلك.

وكلمة أخيرة للعرب غير المسلمين أو غير-الدينيين أو العلمانيين: العالم العربي عالم إسلامي شئنا أم أبينا، وفضاءات الوطنية القومية واللا-دين والعروبة التي خلقتها الأنظمة العربية القديمة في العقود الأربعة السابقة وفرضتها على مجتمعاتها فرضاً لا إقناعاً وقمعاً لا إصلاحاً بدأت تنهار مع الأنظمة التي صنعتها. على الأقليات غير المسلمة أو العلمانية أو اللادينية أو المسلمة اللا-إسلاموية على حد سواء أن تستعد فكرياً ومجتمعياً وممارسة للتعامل مع إمكانية نشوء بدائل إسلاموية في العالم العربي بدعم وقبول الغرب دون سواه وانطلاقاً من مصالح الغرب الخاصة دون غيره وسعيه لإنقاذ الذات. كيف السبيل للاستعداد لهذا؟ هذا سؤال لمقال آخر.

=================

الانتفاضة الشعبية بسوريا

تاريخ النشر: الأحد 08 مايو 2011

د. شملان يوسف العيسى

الاتحاد

رغم الإجراءات العسكرية التي اتخذها الجيش السوري، والحملات الأمنية الواسعة التي تشن على المعارضين في كل أرجاء البلاد، فقد تحدى المحتجون المطالبون بالحرية والديمقراطية النظام الحاكم للأسبوع السابع على التوالي وخرجوا في جمعة التحدي يوم السادس من مايو الجاري.

ما يحدث في سوريا اليوم هو اجتياح رياح التغيير التي هبت على الوطن العربي، وفي سوريا هذه المرة. ومثل إخوتهم في تونس ومصر، فقد شكّل الشباب عماد الحركة الشعبية في سوريا.

لقد انطلقت الحركة الاحتجاجية في مدينة درعا بعد اعتقال قوات الأمن السورية 15 صبياً في مارس الماضي بتهم كتابة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، علماً بأن أعمارهم لم تتجاوز 14 عاماً. وقد أهان رئيس فرع الأمن السياسي ومحافظ درعا وفد العشائر والأعيان الذي حاول التوسط لإطلاق سراح الصبية. كانت هذه بداية الشرارة لأن السلطات الأمنية المحلية أهانت وأذلت أبناء القبائل في مجتمع لا تزال التقاليد والأعراف العربية فيه تلعب دوراً مهماً.

إن لجوء السلطات إلى العنف والقتل بالرصاص، واستشهاد عدد من المواطنين، بدلاً من امتصاص الأزمة، ولَّد انتفاضة شعبية امتدت إلى ريف دمشق وحمص واللاذقية وحماة وبانياس والمناطق الكردية والجزيرة.

السلطات الرسمية بررت لجوءها للعنف بأن المتظاهرين أطلقوا النار على رجال الأمن، أما المحتجون فيردون بأن هنالك ميليشيات سلطوية متورطة في أعمال القتل.

ويبقى السؤال: هل وصلت سوريا إلى نقطة اللاعودة؟ وهل يستطيع النظام إجراء إصلاحات وتغييرات جذرية لتفادي الانهيار؟

الرئيس بشار الأسد تأخر كثيراً في إجراء الإصلاحات المطلوبة، ففي عام 2000 عندما استلم السلطة سمح للمنتديات الفكرية أن تطرح مطالبها أملاً في تحقيقها لحماية النظام، وتتلخص هذه المطالب بإنهاء حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1963 بعد وصول حزب "البعث" للسلطة، وتغيير المادة الثامنة من الدستور التي كرست مبدأ الحزب القائد، وكذلك غياب الديمقراطية والحريات العامة وتغول الأجهزة الأمنية في تفاصيل حياة المواطن السوري، وغياب قانون عصري ينظم الحراك الحزبي... حيث طالبت المنتديات بإجراء انتخابات حرة تعددية للرئاسة بدلاً من الاقتصار على مبدأ الاستفتاء على الرئيس في شكل تصديق انتخابي يضمن عدم وجود مرشحين آخرين إلى جانب مرشح حزب "البعث". هذه المطالب الإصلاحية طرحتها متنديات ربيع دمشق عام 2000، وكان رد فعل الحكومة هو تجميد كل المحاولات السلمية للإصلاح والحراك السياسي.

اليوم يجد النظام السوري نفسه في مأزق، إما أن يختار المواجهة الشاملة مع شعبه، أو الإصلاح الجذري للنظام... فمرحلة إجراء الإصلاحات الجزئية انتهت.

يبدو أن النظام السوري اختار طريق المواجهة ضد شعبه، وهو لا يعير أي اهتمام للنصائح التي طرحها رئيس الوزراء التركي والتي طالبه فيها بإجراء الإصلاحات، ولا يهتم للاحتجاجات الدولية، فوزير خارجية فرنسا صرح بأن أي حكومة تفتح النار على شعبها تفقد شرعيتها، وأن فرنسا تعكف مع الاتحاد الأوروبي على صياغة عقوبات ضد النظام السوري. وبعض دول الخليج العربية ومعها مصر وتونس تدعم مسيرة واختيار الشعب السوري.

نأمل أن يترك الشعب السوري لتحديد اختياراته بطريقة ديمقراطية حرة بعيداً عن سفك الدماء.

=================

الخداع

المحامي هيثم المالح

دمشق في 5\5\2011 

المصدر : موقع مؤسسة هيثم المالح 6/5/2011

منذ أن اندلعت الاحتجاجات في الشارع السوري والسلطة تعد بإجراء إصلاحات ،وتناشد الشعب إعطاءها المهلة الكافية،وتكلف لجاناً لإصدار قوانين لإلغاء حالة الطوارئ وما شابه ذلك، وأخيراً طلعت علينا السلطة بمرسوم إلغاء حالة الطوارئ - المنقضية في الواقع- وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا التي أصدرت أحكاماً لها أول وليس لها آخر لا تنتمي إلى القانون ولا إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة ،وتسببت بإزهاق أرواح وزجت بالآلاف في السجون،ولم يكتف النظام بهذا النوع من المحاكم الاستثنائية بل أطلق يد محاكم الميدان العسكرية "الأسوء سمعة"لمحاكمة المدنيين ونصبت المحاكمات في سجني المزة العسكري وتدمر السيئ الصيت وصدرت الأحكام خارج القانون بإعدامات لا حصر لها،وتم تنفيذ الأحكام من غير أن يوقع رئيس الجمهورية عليها كما هو منصوص عليه في قانوني العقوبات العام والعسكري.

إلا أن السلطة كما يبدو لا تستطيع التخلي عن مستند يجعل يدها طليقة في كل شيء ،فأصدرت مع حزمة ما سمته"إصلاحات"المرسوم التشريعي رقم 55 والذي نص على ما يلي :

تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في المواد من 260حتى 339 والمواد 221 و388و393 من قانون العقوبات، وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها على ألا يتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقاً لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً .

وقد كان اصل المادة كما يلي:

المادة17:

1- النائب العام مكلف باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها.

2- ويقوم بذلك على السواء النواب العامون المختصون وفقاً لأحكام المادة 3 من هذا القانون.

علماً أن المواد التي شملها مرسوم التعديل تحتوي ما يلي : الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي000 النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي000 والجنايات الواقعة على الدستور000 واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية000 والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة،والجمعيات غير المشروعة،والتظاهرات وتجمعات الشغب000 إلخ ،والمادة 221المتعلقة بإخفاء الأشخاص والمادتين 338 و393 المتعلقة بسير القضاء.

إن التعديل الذي صدر بمرسوم تشريعي لقانون صدر عن هيئة تشريعية فيه الكثير من التسرع ومع ذلك فهو يدل على :

عدم الثقة بالنيابة العامة والتي هي جزء من القضاء لأن الأصل في التحقيق في الجرائم جميعاً بما فيها المواد المبينة أعلاه يعود للنيابة العامة،فسحب البساط من تحتها إنما يعني عدم الثقة بها .

ثم إعطاء الصلاحية للضابطة العدلية بمباشرة التحقيق والتوقيف لأسبوع الغرض منه احتجاز الناس دون مذكرة قضائية ،مع تسليمنا بأن القضاء فقد استقلاله منذ بداية الاستبداد السياسي وهو يستجيب لإملاءات السلطة التنفيذية وبالتحديد سلطة الأجهزة الأمنية التي تتحكم في البلد منذ أمد بعيد.

من هذا نرى كيف أن النظام يحاول خداع الرأي العام الداخلي والرأي العام الخارجي بتقديم صورته على انه ساع للإصلاح في حين نراه يأخذ بيد ما أعطى باليد الأخرى ،والبقاء على الأوضاع كما هي دون تعديل أو التعديل للأسوأ.

===============

اضطرابات سوريا في المنظور الإسرائيلي

جوشوا ميتنك

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: الأحد 08 مايو 2011

الاتحاد

بينما يهتز النظام السوري تحت وقع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، يسود نوع من عدم الارتياح في الأوساط الإسرائيلية وهي تراقب ما يجري على حدودها الشمالية. فمع أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد سيزيل لاعباً أساسياً في التحالف الإيراني بالمنطقة، التحالف الذي يهدد الدولة العبرية على جبهات عديدة، إلا أن سوريا تحت بشار الأسد حافظت على استقرارها وعلى التوازن الإقليمي الذي يخشى المحللون والمسؤولون من انهياره ليفتح الطريق أمام جماعات إسلامية راديكالية. وعن هذا الموضوع يقول "أيوب كارا"، العضو الدرزي في الكنيست الإسرائيلي من حزب "الليكود"، إنه يفضل التطرف السياسي للنظام السوري على التطرف الديني، ثم يوضح قائلاً: "نحن لا نريد التطرف الديني على حدودنا".

وفي أسوأ السيناريوهات التي يتوقعها المحللون، يبرز خطر الراديكالية الإسلامية، سواء تعلق الأمر بتمدد إيران داخل سوريا بعد سقوط النظام وبسط نفوذها في مرحلة ما بعد الأسد، أو صعود الفرع السوري لجماعة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة.

وفيما يتفق جميع المراقبين على أن الإطاحة بالنظام السوري ستخلص المنطقة من حليف وثيق لإيران، إلا أن طهران قد تستغل الفراغ المترتب على انهيار النظام لتوطيد علاقتها أكثر مع "حزب الله"، أو كسب سلطة أكبر على القادة الجدد في سوريا، بل حتى إن إضعاف النظام السوري من دون إسقاطه سيعطي لإيران قدرة على التمدد داخل سوريا من خلال دعمها للأسد ومنع خروجه من الحكم.

هذا وتخشى إسرائيل أيضاً أنه في حالة استبدال الطائفة العلوية الماسكة بالحكم حالياً في دمشق بالأغلبية السنية في البلاد، فإن ذلك قد يجعل من "الإخوان المسلمين" القوة المهيمنة على الحياة السياسية. وحتى لو كانت القيادة السنية البديلة علمانية في توجهاتها، يرجح المراقبون بأنها ستتخذ مواقف أكثر حزماً تجاه إسرائيل بسبب العلاقات التاريخية مع المسلمين السنة في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي هذا السياق يقول "آلون ليال"، المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: "لا شك أن الأسد يساعد حماس وحزب الله، لكن تفكيك النظام السوري يثير الرعب، فليس هناك معارضة منظمة تستطيع تولي السلطة في سوريا بعدئذ".

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية خاضت سوريا وإسرائيل ثلاث حروب، فضلاً عن حرب أخرى بالوكالة في لبنان، ومنذ ذلك الوقت والدولة العبرية تتهم دمشق برعاية وتمويل حروب صغيرة في بلدان أخرى تنفجر بين الفينة والأخرى في شكل صراعات مسلحة مثل حرب إسرائيل مع "حزب الله" في عام 2006، وحربها مع "حماس" في عامي 2008 و2009. وفي تلك الفترة أيضاً فشلت ثلاث جولات من مفاوضات السلام بين البلدين، هذا بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه سوريا ل"حزب الله" على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ودعم آخر توفره لحركة "حماس" في قطاع غزة.

وعلاوة على ذلك، يسمح النظام السوري بعبور الأسلحة إلى لبنان عبر أراضيه ووصولها إلى "حزب الله" الذي خاض حرباً مع الدولة العبرية استمرت شهراً كاملاً في عام 2006. كما تستضيف سوريا "حماس" التي دخلت في حرب مع إسرائيل لثلاثة أسابيع متواصلة. لكن رغم ذلك فقد التزم النظام السوري بخطوط وقف إطلاق النار التي تفصل باقي الأراضي السورية عن مرتفعات الجولان، ما جعل من تلك الجبهة الأكثر هدوءاً مقارنة مع باقي الحدود الإسرائيلية الأخرى.

وحتى بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا، ظلت الحدود الشمالية لإسرائيل هادئة، لكن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً رفض تأكيد ما إذا كانت الدولة العبرية قد أعادت نشر جنودها في مرتفعات الجولان تحسباً لأي طارئ، لاسيما وأنها خطوة قد تزيد من تأجيج الوضع.

وعلى غرار ردة الفعل الإسرائيلية تجاه أحداث مصر التي انتهت بإطاحة مبارك، فضلت في الحالة السورية التزام الصمت إزاء ما يجري، مع رفض الدبلوماسيين الإسرائيليين مناقشة الاضطرابات السورية. وفيما انتقدت الحكومات الغربية القمع الذي تواجه به السلطات السورية المتظاهرين، آثرت تل أبيب الصمت مخافة أن يستغل النظام السوري ذلك والادعاء بأن إسرائيل تتدخل في شؤونه الداخلية. بل إن بعض المسؤولين الإسرائيليين يتخوفون من أن يلجأ النظام السوري -في محاولة منه للتشبث بالحكم- إلى افتعال صراع محدود لتشتيت الانتباه عن القلاقل الداخلية، وهو ما عبر عنه مسؤول إسرائيلي بقوله: "نحن لا نريد أن يُنظر إلينا وكأننا جزء مما يجري في سوريا، لاسيما وأننا متواجدون في الأرض بمقربة من الحدود وقد ننجر إلى الأزمة السورية".

ويبدو أن الاضطرابات الحالية التي تشهدها سوريا دفعت بعض دعاة استئناف المفاوضات مع دمشق إلى إعادة النظر في الوضع، إذ رغم دفاع البعض في إسرائيل عن التوقيع على اتفاق مع سوريا باعتبار أن من شأنه قطع تحالفها مع إيران وإنهاء نفوذ الأخيرة في المنطقة، إلا أنه ومع ما يعتبرونه تراجعاً لشرعية النظام السوري، يرى العديد من المراقبين أنه من الأفضل لإسرائيل التريث وعدم المجازفة أمنياً.

=================

الأحواز ... قضية عربية منسية تعيش تحت قبضة العنصرية الصفوية!

مصطفى أبو عمشة - محمد سيد – جدة - القاهرة

06 – 05 – 2011

http://www.al-madina.com/node/301184/risala

كشفت أوساط سياسية رفيعة المستوى عن عزم دول عربية التقدم بشكوى جماعية إلى هيئة الأمم المتحدة والسعي إلى استصدار قرار أممي من مجلس الأمن الدولي للتدخل لحماية حقوق عرب الأحواز، ويعدّ مثل هذا التحرك سابقة جديدة وتطوراً كبيراً في السياسات العربية تجاه إيران،

فهل هو إجراء كاف للحد من تصرفات السلطات الإيرانية واضطهادها لسكان منطقة «الأحواز»؟

ولماذا لا يتم دعم سكان المنطقة سياسياً واقتصادياً ليكون ذلك وسيلة للضغط على إيران ومنع تمددها؟

وهل من الممكن أن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى إيقاف الحلم الإيراني ومنعه من التمدد أو على الأقل إخماد الطائفية سواء كان ذلك في إقليم الأحواز نفسه من خلال وضع حد للتمييز ضدهم ومعاملتهم، أو ضمان عدم استغلال الأقليات في الدول العربية وتوجيهها لخدمة مصالحها في المنطقة؟

كل هذه التساؤلات وضعناها أمام عدد من الساسة والخبراء والمفكرين المتخصصين في الشؤون الإيرانية في التحقيق التالي.

 

بداية يرى الباحث السياسي الأستاذ مروان شحادة أنّ الدول العربية تحاول ابتداءً ممارسة ضغوطات على إيران بعد تزايد حالات التدخل وباستمرار في شؤون دول المنطقة، موضحاً أنّ هذه الدول على ما يبدو تريد أن تستخدم الطريقة ذاتها التي تنتهجها إيران حيال دول المنطقة لكن عن طريق الاستفادة من مؤسسات العمل الدولي وذلك بتمرير قرارات أو إصدار ضغوطات تجاه تصرفات إيران في المنطقة.

ويؤكدّ شحادة أنّ مثل التحركات من قبل الدول العربية تأتي في سياق الضغط على إيران للحد من تدخلاتها وأطماعها، موضحاً أنّ الظروف الحالية التي تعاني منها المنطقة العربية بشكل عام تشكل فرصة كبيرة للعرب من أجل حشد الدعم لسكان الأحواز واستخدامها كورقة للضغط على إيران، واعتبر أن الدول العربية تستطيع اللعب بهذه الورقة، مشيراً إلى الدعم الكبير الذي تقدمه إيران للأقليات في بعض الدول، وهذا جعل العرب يتحركون بنفس المنهجية التي تتحرك بها إيران تجاه الأقليات في المنطقة.

ويؤكدّ شحادة أنّ المنطقة تعاني من الظلم والاستبداد حيث نسمع يومياً بإعدامات ومحاكم سريعة تتم بحق سكانها، إضافة إلى عدم توفر الحقوق السياسية والاجتماعية والدينية، منوهاً إلى تحركات الدول العربية للتقدم بشكوى جماعية إلى هيئة الأمم المتحدة والسعي إلى استصدار قرار أممي من مجلس الأمن الدولي لدعم حقوق عرب الأحواز سيكون محدوداً ويشكل نوعاً من الضغط من قبل المجتمع الدولي على إيران.

 

التغلغل الإيراني

من جهته يطالب الدكتور عبد اللطيف بن دهيش الدول العربية بضرورة الوقوف مع شعب الأحواز ضد ممارسات النظام الإيراني، منوهاً على أنّ التمدد الإيراني قد تغلغل بشكل كبير في عدد من الدول العربية، ويضيف بن دهيش أنّ الدول العربية تستطيع تمرير قرارات عبر مؤسسات المجتمع الدولي تؤكدّ على إعطاء الحقوق السياسية والدينية والاجتماعية سواء كان ذلك للسنة أو الشيعة في الأحواز، محذراً من أنّ شوكة الصفويين تزداد يوماً بعد يوم وهذا يستدعي الوقوف بشكل صارم والعمل على تكوين قوة رادعة تعمل على منع هذا التمدد.

 

ويعتبر بن دهيش أنّ سياسة الردع لا تكون فقط في جانب القوة العسكرية ولكن لابد أن يتم الالتفات إلى الجانب الإعلامي ومخاطبة الآخرين عبر لغتهم، مستشهداً بقناة «وصال» التي بدأت من جديد في استخدام اللغة الفارسية ومخاطبة الشعب الإيراني والرد عليه بمنطق الحجة، كما يهيب بالدول العربية وخصوصاً الدول العربية الإسراع في التحرك تجاه قضية الأحواز، مبدياً استغرابه من قيام النظام الإيراني بإدانة الأحداث الحاصلة في البحرين، وتناسي وإغفال الجرائم والظلم الذي يرتكبه هذا النظام نفسه ضد شعب الأحواز، مؤكداً في نفس الإطار على أهمية إعطاء هذا الشعب حقوقه السياسية والاجتماعية المشروعة، وأنّ خيار الانفصال عن إيران يعدّ أمراً مطروحاً لكن بعد نفاذ كل السبل الأخرى.

خطوة إيجابية

أما الخبير في الشؤون الإيرانية ومدير مركز «عربستان» للدراسات الإستراتيجية الأستاذ حامد الكناني فإنّه يثمّن التحركات المبذولة من قبل الدول العربية بشأن إقليم الأحواز واصفاً هذه الخطوة بالإيجابية، إذ لا بد للدول العربية أن تقابل التصرفات الإيرانية بالمثل، مؤكداً بأنّ مثل هذه الخطوة يمكن أن تشهد تغييراً في الواقع الذي يعيشه سكان الأحواز حيث تتم وباستمرار عمليات القتل والاعتقال، مستشهداً بالتحركات التي حدثت عام 2006م من قبل الأحزاب السياسية المعارضة للنظام الإيراني التي قامت بإجراء اتصالات ومراسلات مع الأمين العام للأمم المتحدة والتي بدورها أرسلت مبعوثاً خاصاً لها لتقصي الأوضاع في منطقة الأحواز وعلى إثره قام المبعوث الخاص بإصدار تقرير يصف الوضع القائم هناك، موضحاً بأنّ تحركات دول مجلس التعاون تصب في حث الأمم المتحدة إرسال مفتشين ومبعوثين لزيارة الأحواز وتقصي الحقائق والأوضاع التي يعانيها السكان جراء تصرفات السلطات الإيرانية.

ويرى الكناني بأنّ أطروحة قيام دولة مستقلة في المنطقة لن تجدي نفعاً، منوهاً على أن السبيل الوحيد لحل هذه القضية يكمن في التحرك بمعية الشعوب الأخرى داخل الخارطة الإيرانية لاسترداد جميع الحقوق المشروعة، ويبقى خيار بناء دولة مستقلة في الأحواز سابقاً لأوانه وربما يكون خياراً غير ناضج بحسب الكناني، مشدداً على أنّ هذا الشعب العربي هو من يملك الخيار في تقرير مصيره ومستقبله.

 

وقف التجاوزات الإيرانية

من جهته يعتبر الناطق الرسمي للجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي الأحوازي الأستاذ صلاح أبو شريف أنّ تحركات الدول العربية تجاه هذه القضية سيكون لها تأثير كبير على وقف التجاوزات الإيرانية في المنطقة، مبدياً استغرابه من استخدام هذه القضية كورقة ضغط على السلطات الإيرانية قائلاً: هذا ما يؤسفنا من عدم استثمار قضية الأحواز للضغط على إيران، مشيراً إلى أنّ الدول العربية تقوم بمراعاة أخلاقيات العلاقات الدولية وحق الجوار تجاه الدولة الإيرانية.

 

وحول إمكانية أن تثمر مثل هذه التحركات في إيقاف الحلم الإيراني من التمدد أو على الأقل أن تعمل على إيقاف بث روح الطائفية سواء كان ذلك في إقليم الأحواز نفسه لوضع حد للتمييز في المعاملة ضد السكان، أو ضمان عدم استغلال الأقليات في الدول العربية وتوجيهها لخدمة مصالحها في المنطقة يرد أبو شريف قائلاً: هذا مؤكدّ وسوف يردع التجاوزات والهيمنة الإيرانية إلى مدى طويل بل وإلى الأبد، إضافة إلى أنّ تقرير الشعب البلوشي وشعب أذربيجان الشرقية لتأسيس دولهم المستقلة سوف يجعل منطقة الخليج تستقر إلى أبد الآبدين ويكون هناك وئام حقيقي بين الشعوب العربية بأكملها، موضحاً بأنّ تسمية منطقة الأحواز ب «عربستان» من قبل الصفويين لهو اعتراف فارسي بعروبتها، معتبراً في نفس الوقت بأنّ هذا الشعب لا يعدّ أقلية في إيران بل هو شعب مستقل وقال: ما نقوم به من ثورة أو انتفاضة هو لأجل طرد فارس وإعادة الأحواز إلى الحاضنة العربية، ونحن لا نسعى إلى إنشاء دولة بل نريد إعادة بناء دولتنا التي تم احتلالها، كما أننا لا نطالب بحقوق سياسية فحسب بل نريد دولة مستقلة كانت تتمتع في يوم من الأيام بعلاقة قوية مع أمراء وملوك الخليج.

 

من جهته يؤكدّ الباحث والمحلل في الشؤون السياسية الأستاذ إبراهيم التركي أنه إذا صح عزم دول عربية التقدم بشكوى جماعية إلى هيئة الأمم المتحدة والسعي إلى استصدار قرار أممي من مجلس الأمن الدولي يلزم المجتمع الدولي التدخل لحماية حقوق عرب الأحواز فهي خطوة كبيرة وانتقال مفاجئ ومباشر وصاعق من الدول العربية في الرد على التدخلات الإيرانية يشابه حدث درع الجزيرة في مفاجأته وهي خطوة متأخرة كان يجب أن يسبقها منذ ثلاثين سنة تدخل عربي غير مباشر في الشأن الإيراني رداً على تدخلاتها غير المباشرة ومن باب الردع، مبيناً بأنّها حتى وإن جاء متأخراً خير من أن لا تأتي أصلا، وهي رد على ما تقدمت به إيران للأمم المتحدة من طلب حماية شيعة البحرين، منوهاً على أنّ هذا الإجراء العربي لا يعدّ كافياً لكنّه خطوة أولى يجب أن تتلوه خطوات وخاصة في الجانب الإعلامي لنصرة الأحوازيين لكشف حالهم المزرية والذي يبين مآل سيطرة الإيرانيين عليهم فيضطهدونهم سواء كانوا سنة أو شيعة.

 

ويبيّن التركي سر عدم تدخل الدول العربية في الوقت السابق لدعم سكان منطقة الأحواز من الناحية السياسية والاقتصادية، وذلك لتكون وسيلة أو ورقة من الأوراق للضغط على إيران، قائلاً: سياسة دول الخليج تقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين وقد يكون ذلك مقبولاً حين لا تتدخل تلك الدول في شؤوننا أما حين يحدث ذلك فلنا الحق والدفاع وبعد النظر، وأن نعاملهم بالمثل وبعيداً عن السياسة وحتى لو لم تتدخل إيران في شؤوننا فمن الواجب أن ننصرهم لأنّهم مظلومون فكيف وبيننا وبينهم روابط عديدة؟

ويتم ذلك بحسب التركي عن طريق الدعم الإعلامي، ومناصرتهم دولياً عبر المؤسسات الأممية، وتفعيل منظمات حقوق الإنسان، والعمل على تطويرهم لنيل حقوقهم بوسائل مباشرة وغير مباشرة، وكذلك دعم اللغة العربية بينهم، ودعمهم اقتصادياً، والعمل على تنظيمهم مؤسسياً، وتحويل قضيتهم كقضية بلد عربي محتل، وتفعيل دور المهجرين منهم، وغير ذلك الكثير، معتبراً أنّ الفرصة مواتية الآن لدعم الأحوازيين من قبل العرب، على الرغم من تأخرها عشرات السنين.

 

قضية منسية

من جانبه يعتبر الخبير والمحلل السياسي الأستاذ علي عبد العال، أنّ مثل هذه التحركات لا شك بأنّها تطور ملحوظ تجاه هذه القضية التي سقطت عمداً من وعي العرب ونسوا أو تناسوا أنّ لهم إخوة يعانون أيما معاناة في ظل الحكم الفارسي الطائفي، لكنها ليست كافية برأيه، ويقول: الأمر عظيم والمعاناة التي يعانيها هؤلاء الأبرياء كبيرة، ونحن أمام نظام متسلط أدمن القمع واستعذب الإجرام، وإخوتنا من أهل الأحواز عانوا وما زالوا، فهم أحوج ما يكونون لأي دعم يقدم لنصرتهم، والأمر برأيي يحتاج إلى سياسة ممنهجة ومنظمة من قبل العرب والمسلمين جميعا لدعم هؤلاء المستضعفين، فدعم هؤلاء يعد أمراً في غاية الأهمية، وهو لن يعود بالنفع عليهم وحدهم وإن كانوا هم يستحقون إلا أنّه ينبغي النظر إلى الأحواز باعتبارها أرضاً عربية خليجية وجميع سكانها ينتمون إلى الأمة العربية ويشعرون شعورها ويتألمون لألمها، وكان هذا هو السبب الرئيس الذي جعل الدولة الإيرانية الطائفية تضعهم في هذه المعاناة التي استمرت على مدار عقود دون أن يلتفت إليهم أحد سواء من إخوتهم في العالم العربي أو المجتمع الدولي.

ويضيف عبد العال قائلاً: يمكن للعرب أن يقدموا الكثير، وهم قادرون على ذلك، وأهم ما يمكن أن يقدموه هو التأكيد على مشاعر الأخوة باعتبار أنّ القضية ليست قضية مصالح يطرحها ما يمكن أن نعتبره خطراً قادماً من إيران ويستهدف العرب في المقام الأول، بل إن هؤلاء أخوة لنا لا ينبغي نسيانهم بأي حال وتحت أي ظرف. مؤكداً أن العرب أيضاً يمكن أن يدعموا سكان الأحواز اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً للتعريف بهذه القضية التي تكاد تسقط من ذاكرة العالم حتى لا يكاد يتذكرهم أحد إلا عندما تنقل الأنباء التي تتحدث عن قتلاهم وسجنائهم ومشرديهم، معتبراً بأنّ إيران دولة عنصرية طائفية مذهبية في المقام الأول والأخير، ومن ثم فكل أشكال التمييز ليست بالجديدة عليها، والأمثلة على ذلك أكثر من تحصى على حد قوله، وليس أقرب من ممارساتها ضد السكان البلوش والعرب والسنة ممن يفترض أنهم مواطنوها، وجرائمها ضد هذه الأقليات وغيرها أكثر من أن تحصى.

 

ويختم عبد العال حديثه قائلاً: هذه التحركات قد تأخرت كثيراً، وطيلة هذا التأخر عاش أهلنا العرب الأحوازيون في ظل قهر أعظم من أن يوصف، هذا القهر طال ممارساتهم لشعائرهم الدينية، كما طال تاريخهم وثقافتهم ولغتهم الأصل، بل وطال أرزاقهم وثرواتهم، فضلاً عن كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، وأنا أرى أنّه يكفي كثيراً هذا التأخر وما ناله هؤلاء، ولنعمل من الآن كل ما بوسعنا لنصرتهم.

دولة الأحواز العربية المحتلة .. في سطور

 “الأحواز” هو الاسم العربي لدولة عربية كانت مستقلة حتى عام 1925م، حيث قامت إيران باحتلالها وضمها إليها. يعود تاريخها إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وهي بذلك دولة ذات حضارة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ.

كان الأحوازيون مثلهم مثل البابليين والسومرين من صناع الحضارات القديمة، ويعد العرب أول من سكن ارض الأحواز ويزيد عدد السكان العرب فيها على 8 ملايين نسمة من قبائل شمر وطي وغيرها من القبائل العربية. وفتحها المسلمون عام 637 ضمن الفتوحات الإسلامية. وتفصل الأحواز بين إيران والخليج العربي، وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي الذي دعا إيران لاحتلالها حتى تشرف على الخليج مباشرة.

قامت الدولة المشعشعية في الأحواز بزعامة محمد بن فلاح سنة 1436م وعاصمتها مدينة الحويزة، واستمرت هذه الدولة لحوالى 3 قرون، ودخلت في حروب مع الدولة الصفوية ومع الدولة العثمانية. في عام 1762م سقطت الدولة المشعشعية العربية وقامت في الأحواز دولة عربية هي الدولة الكعبية التي كانت أقوى دولة في المنطقة، وكان الشيخ خزعل أمير الأحواز مرشحًا لعرش العراق، ولكن السياسة الاستعمارية رأت أن تقوي الدولة الفارسية لتكون حاجزًا بينها وبين روسيا فغدرت به وبادرت بضم الأحواز إلى الدولة الإيرانية، واعتقل الشيخ خزعل ونقل إلى سجن في طهران سنة 1925م وبقى فيه أحد عشر عامًا حتى قتل فيه سنة 1936م، وغيرت إيران اسم الأحواز إلى خوزستان بهدف نزع الهوية العربية عنها.

الطائي: النظام الفارسي ينهب ثروات الأحواز ويستغلها لإذلال العرب

وفي الشأن نفسه يقول مؤسس حركة شعب الأحواز العربي الموحد الأستاذ عبد الله الطائي: خرجت من بلادي المحتلة قسراً أنا وعائلتي عبر دول عربية مختلفة حتى وصلنا بإرادة الله إلى أستراليا كلاجئين سياسيين حيث كان محكوما علي بالإعدام بسبب رفضي الاحتلال الفارسي لوطني»، ويثمّن الطائي التحركات العربية تجاه قضية الأحواز واصفاً إياها ب»الخطوة المباركة» مع أنّها جاءت متأخرة، متمنياً من الأشقاء العرب أنّها لو أقدمت على هذه الخطوة منذ عهد الخميني والذي أرسل جيشه وقتل 380 عربي أحوازي خلال ثلاثة أيام.

ويرى الطائي أنّه كان من الأجدر على الدول العربية أن تتخذ مواقف حاسمة قبل التمادي الإيراني، حيث إنّ هذه التحركات تأخرت كثيراً لنصرة الأحوازيين، مهيباً بأهمية نصرة الأخوة البلوش والأكراد والسنة التركمان، وعدم اتخاذ هذه الشكوى المقدمة للأمم المتحدة كمجرد حركة دفاعية من جانب الدول العربية للضغط على إيران لتتراجع وتكف عن تدخلاتها فقط بل يجب جني ثمار هذه التحركات التي فرح بها الشعب الأحوازي وتناقلوا أخبارها بترحيب بالغ وبترقب كبير أملين بمستقبل مشرق.

ويضيف الطائي قائلاً: التحرك العربي الجاد على صعيد دولي للدفاع عن أهل الأحواز وتبني القضية وقبول ممثلين لها في الجامعة العربية وإيجاد قناة فضائية تلفزيونية، والمساعدات المالية لعائلات الشهداء والمعوقين والمعتقلين, هذا يعدّ حقاً من حقوق هؤلاء المنكوبين على أبناء عمومتهم العرب، فالقضية عادلة. مشيراً إلى أنّ النظام الفارسي يعمل على نهب الثروات الأحوازية، وبذلها في إركاع العرب وإذلالهم.

ويتابع الطائي حديثه قائلاً: منذ 15 ابريل 2011م وحتى هذه اللحظة قتل 40 أحوازياً بينهم أطفال وجرح 125، ولا يعرف عن الأسرى والجرحى وجثث القتلى أي شيء، حيث تعودنا على مثل هذه الحالات التي تقوم السلطات الإيرانية بدفن الشخص وإخبار أهله سراً بأنّه قد تمّ دفنه، كما لا يحق لأهالي القتيل عمل مراسم تأبين. منوهاً على أنّ مثل هذا الظلم الحاصل لا بد من أن تبذل مزيداً من الجهود لرفع الظلم عن القوميات المظلومة في إيران الذين لهم مشتركات دينية ومذهبية ويسلبون جميع حقوقهم.

ويؤكد الطائي بأنّ الأحواز تعدّ أرضاً عيلامية سامية عربية وعمر حضارتها 4850 قبل الميلاد أي ما يقارب عمر 6000عام، منوهاً إلى أنّ الإيرانيين كثيراً ما يحاولون تزوير التاريخ وادعاء أنّ لهم حقوق في المنطقة مع أنّ كثيراً من الباحثين والمؤرخين الإيرانيين ينفون وجود حضارة للفرس فيها، ويعتبرون الفرس بأنّهم كانوا ميلشيا يتحكم فيها اليهود للانتقام من البابليين والعيلامين العرب، فالأحواز دولة عربية كانت لها سيادة وتبادل تجاري وكان السفراء موجودون فيها لكن التآمر عليها وقتل أميرها المعروف بخزعل الكعبي، مشدداً على أنّ هذا التآمر مستمر ولم يبطل بعد والنتيجة هي السكوت العالمي على احتلالها.

عويس: على الدول العربية التدخل لمنع إبادة الشعب الأحوازي

بداية يقول المفكر الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس إن حضارة الأحواز متجذرة في التاريخ مثلها مثل حضارة مابين النهرين وان العيلاميون كانوا مثلهم مثل البابليين والسومرين من صناع الحضارات القديمة وبدأت حضارتهم قبل أربعة آلاف عام قبل الميلاد، ويعد العرب أول من سكن هذه المنطقة على عكس ادعاءات الفرس، ويزيد عدد السكان العرب فيها على 8 مليون نسمة من قبائل شمر وطي وغيرها من القبائل العربية أما عدد السنة في كامل ايران فيتجاوز 20 مليون نسمة.

 

ويواصل عويس قائلاً: تقع الأحواز على رأس الخليج العربي وتمتد على الساحل الشرقي للخليج وتم احتلالها من قبل فارس «إيران حاليا» عام 1925 ميلادي، وقد سيطر على هذه المنطقة كل من الفرس والمقدونيين لفترات قصيرة، ثم فتحها المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، واستمرت ولاية قائمة بذاتها حتى الغزو المغولي، وبرزت مستقلة أيام الدولة المشعشعية والدولة الكعبية، إلى أن ظهر النفط فيها في بداية القرن الماضي ليسلط عليها أنظار وأطماع القوى العظمى آنذاك، كونها أول منطقة في الشرق الأوسط يكتشف فيها الذهب الأسود، وتصبح نقطة صراع بين إيران وبريطانيا التي ورثتها من الدولة العثمانية، وكانت للحكومات العراقية محاولات لانتزاع الإقليم من إيران، كان آخرها في الحرب العراقية الإيرانية التي دارت معظم معاركها على أرض هذا الإقليم، حين أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أن الأحواز للعراق، ولم يكن الصراع على الإقليم عبثيًّا، فهي أرض غنية بالموارد الطبيعة من نفط وغاز، وتربتها الخصبة المنتج الرئيس لمحاصيل السكر والذرة في إيران، وتساهم بنحو نصف الناتج القومي لإيران، وبأكثر من 80% من قيمة الصادرات، الأمر الذي يجعل إيران حريصة على الأحواز وصبغها بالفارسية كما يتهمها أهل الإقليم، ويتهمونها أيضًا بقمع كل من ينادي بانتماء قومي آخر، ولم تسلم أسماء المدن والبلدان والأنهار من التغيير للفارسية، فمدينة المحمرة العاصمة التاريخية للإقليم باتت تعرف اليوم باسم «خرمشهر» أما إقليم الأحواز نفسه أصبح اليوم اسمه «محافظة خوزستان» بينما كانت إيران تطلق عليه رسميًّا حتى عام 1936 اسم «ولاية عربستان» أي أرض العرب، ويشتكي السكان من منعهم تسمية أولادهم بأسماء عربية غير متعارف عليها في الثقافة الفارسية، والسعي لزيادة نسبة غير العرب عبر الهجرة والهجرة المعاكسة، والبطالة، وعدم المشاركة في السلطة، ويبلغ تعداد سكان الأحواز 8 ملايين نسمة من القبائل العربية الأصيلة تناضل من اجل الاستقلال وتقرير المصير وتسعى إلى لجم الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية، وتشكل هذه القضية أحد أهم القضايا العربية التي لا تجد اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام العربي، على الرغم أن الشعب الأحوازي يعاني حاليًا من الاضطهاد وعمليات طمس الهوية الذي تقوم به الدولة الإيرانية

 

ويسترسل عويس قائلاً: إيران تمارس اليوم سياسة القهر والتهميش للشعب الأحوازي، وهو شعب ذو هوية عربية تاريخية بمعزل عن كل الادعاءات التي تلصق به، ولديه هوية مستقلة وخلفية تاريخية، ولكن هناك قوانين جعلت القوى الأحوازية تفكر بفكرٍ وواقعٍ وخطابٍ جديد ينسجم مع الوضع الدولي الحاضر، وقد بدأت سياسة المحاصرة منذ تأسيس الدولة الإيرانية المعاصرة عام 1921 على يد «رضا خان بهلوي» ويرجع ذلك إلى أن الدولة الإيرانية تأسست على ركيزتين أساسيتين هما معاداة العروبة والعرب، كهاجس خلفي لصنع الإمبراطورية القديمة وبنائها من جديد، وكان ذلك الشعب أول ضحايا هذا الخطاب الذي تمثل في سياسات استيطان وتهجير، والشعب الأحوازي يؤمن بأن امتداده التاريخي والثقافي هو امتداد عربي خالص، حيث يشكلون ثالث أكبر تجمع سكاني بالخليج بعد العراق والمملكة، ويرجع عدم الاهتمام العربي بهذه القضية إلى انشغالهم بالقضية الفلسطينية التي أخذت الاهتمام الأول كونها قضية دينية مقدسة، وقد آن الأوان اليوم لتحمل العرب لمسئولياتهم تجاه هذا الشعب العربي خاصة في ظل سياسة القمع الذي تمارسه إيران ضدهم في الوقت الحالي.

السويدي: النظام الإيراني يستغل خيرات الإقليم وأهله عانوا الفقر المدقع

أما مسئول المكتب الإعلامي لمنظمة التحرير الأحوازية (حزم) الأستاذ عادل السويدي فإنّه يعتبر أنّ تحرك الدول العربية مؤخراً وما تمّ الترويج له في الإعلام العربي عن نيتها بالتقدم لشكوى في الأمم المتحدة على أساس التدخلات الإيرانية، لم يتم تأكيده بشكل قاطع حتى الآن، متمنياً أن تتخذ مثل هذه الخطوة حتى تسهم في ردع إيران عن تدخلاتها في شؤون الدول العربية، مؤكداً بأنّ أمن الدول الخليجية والعربية والأمن القومي العربي قد أثبت بأنّه مرتبط بمنطقة الأحواز التي تتمتع بمكانة وموقع جغرافي وتاريخي حيث كان من خلاله يتم استهداف الدول العربية، منوهاً إلى أنّ الشكوى العربية لن تكتمل إلاّ من خلال دعم مشروع عربي متكامل تتوفر فيه النوايا الصادقة في دعم القضية الأحوازية.

 

ويضيف السويدي قائلاً: لماذا تفشل كل المحاولات في ردع إيران من قبل الدول العربية؟ الإجابة هي في الابتعاد عن نصرة القضية الأحوازية، فلن تأمن المجتمعات العربية بدون أن يتم إنجاز اتفاقات مستمرة بين الدول العربية لمواجهة المد الإيراني. مشدداً على أنّ الإيرانيين أذكى وأقدر في التعامل مع التهديدات التي تواجهها وخاصة فيما يتعلق بقضية الأحواز، وهذا عائد إلى أنّ غالبية الثروات التي تعتمد عليها إيران موجودة في هذه الأرض، وهذا وفق تصريحات وزير الاقتصاد الإيراني حيث تعتمد الحكومة الإيرانية على ثروات الإقليم المحتل وتزود الدولة ب90% من إنتاجها من النفط، في حين يعيش أهل المنطقة في حالة فقر اقتصادي، وتغييب سياسي، كما أنّه من المعروف أنّ الأحواز تقع ضمن منطقة الهلال الخصيب وهي الأراضي العربية الخصبة ذات الجودة العالية،مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ المتتبع للخارطة يرى أنّ الاستعمار عمل على تقسيم طرفي الهلال الخصيب بحيث تمّ تسليم الأراضي الفلسطينية في طرفها الغربي للاحتلال الإسرائيلي، وطرفها الشرقي المتمثل بالأحواز للاحتلال الإيراني.

 

وحول كيفية تفعيل القضية ومدى نجاح إمكانية استثمارها كورقة ضغط سياسية يقول السويدي: الإيرانيين تجاوزا هذه المسألة بمراحل كبيرة، وأخذوا احتياطاتهم في مثل هذا الأمر، لكنّهم لن يستطيعوا بكل تأكيد أن يركعوا الأحوازيين لصهرهم في البوتقة الفارسية أو البوتقة الإيرانية السياسية.

 

وأوضح السويدي أنّ تدخل إيران لا يعدّ وليد الساعة وإنّما جاء في فترة الخمسينيات من القرن العشرين خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية والذي برز برئاسة رضا بهلوي وقام باحتلال الأحواز، معتقداً بأنّ نفوذه يجب أن يمتد حتى يحتل الضفة الغربية من الخليج، حيث بدأت إيران بتسيير الآلاف الإيرانيين للإقامة في بعض دول الخليج حتى وصلت أعداهم لمئات الآلاف وأصبحوا مواطنين هناك.

 

ويعتقد السويدي أنّ القضية الأحوازية هي التي تعطي إيران القوة الضاربة في المنطقة، فمن دون هذه المنطقة لا تستطيع إيران أن تحرك ساكناً تجاه الدول العربية، ويقول: ثبت تاريخياً بأنّ الأحواز تمثل الضمان لدول الخليج العربي، وتعدّ قبائل بني الكعب وبني القواسم في التاريخ الإسلامي السد المنيع لمواجهة الفارسيين، مؤكداً بأنّ المطلوب من الشعب مقاومة ما الاحتلال الإيراني، وهذا ما تمّ فعلا من قبل الجماهير التي خرجت لمواجهة السلطات الإيرانية واستشهد أكثر من 20 شخصاً وجرح المئات، مشدداً على أهمية قيام الدول العربية بدعم قضية الأحواز من منطلق إنساني وأخلاقي، فهذا الشعب هو القادر بحسب السويدي على إيقاف التمدد الإيراني في كل أرجاء الوطن العربي، قائلاً: هذه القضية لا بدّ أن يتم تفعليها بشكل حقيقي عبر مؤسسات المجتمع الدولي وفي المؤتمرات والمحافل الدولية والعربية، وفي جميع وسائل الإعلام، وباستطاعة الدول العربية أن تطلب كرسي لشعب الأحواز في الأمم المتحدة شأنه في ذلك شأن القضية الفلسطينية.

عبد الفتاح: حرية الأحواز خيار استراتيجي لتحدي الغطرسة الإيرانية

وفي ذات السياق يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ السياسة الإسلامية بجامعة القاهرة أن هناك حالة من الفزع تنتاب قادة نظام الاحتلال الإيراني من جراء اشتعال وتصعيد الانتفاضة الشعبية في الأحواز وأن التمادي في محاصرة ومطاردة واعتقال وقتل أحرار هذا الشعب العربي الحر لن تثني أبداً إرادتهم الصلبة في تصحيح التاريخ والجغرافيا وانتزاع حق تقرير المصير من المحتلين الصفويين الذين انتهى مفعول دجلهم التاريخي، بعد أن وضحت حقيقتهم العنصرية الصارخة، وبعد أن استرد الشعب العربي زمام إرادته وتخلص من أطر التبعية ونفض غبار التخلف المفروض بقوة الاحتلال الاستيطاني المرعب، فالدماء التي قدمتها قوافل الشهداء الذين عانقوا المشانق لن تذهب هدرا أو تستباح جزافا بل إنها الشرارة الحقيقية المباركة التي أدامت نيران الانتفاضة الشعبية العارمة التي أرقت مضاجع الذين يحاولون تصدير مشاريع نظامهم التخريبية صوب العمق العربي في الخليج عبر إثارة محاور ومحاولات الفتنة الطائفية التي هي السلاح الوحيد للفئة الباغية في طهران، وإن حرية الأحواز أضحت الخيار الاستراتيجي المطلوب لتحدي الغطرسة الإيرانية التي تمادت كثيرا وبلغت مبلغا صعبا للغاية لم تعد تنفع معه أية جهود دبلوماسية يفسرها النظام الإيراني تفسيراً خاطئاً على كونها خنوع أو خوف، فلقد ناضل الأحوازيون طيلة تسعة عقود هي عمر الاحتلال العنصري، اعتباراً من تاريخ الاحتلال الأسود في 20 ابريل 1925 في ظل أصعب واعقد ظروف يمكن أن يمر بها شعب من الشعوب وفي إطار صمت إقليمي ودولي شامل ووسط حالة من التجهيل والمحاصرة.

عشقي: السلطات الإيرانية أمعنت في إذلال عرب الأحواز وتعذيبهم

 

يرى المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور أنور عشقي أنّ السلطات الإيرانية أمعنت كثيراً في إذلال العرب في منطقة الأحواز، فحرمتهم من بناء المدارس والمساجد وتعلّم اللغة العربية، وهذا العمل يعدّ مخالفاً للشرائع الدولية، موضحاً بأنّ دول الخليج سكتت مدة عن هذه التصرفات، وآن أوان التحرك تجاه العرب وأهل السنة في إيران، مشدداً على أهمية أن تعود إيران إلى رشدها وصوابها وتبتعد عن استعداء الشعوب، وتعمل على احترام المواطن سواء كانوا عرباً أو سنةً أو شيعة.

 

ويشدد عشقي على أنّ دول مجلس التعاون لا تريد استخدام أي سياسة عدائية ضد أي دولة أخرى ولا تحاول إثارة أي شغب، أو استغلال أي ورقة ضغط ضد دولة أخرى، فلو كانت تريد ذلك لفعلت، وإنّما همها الأكبر هو الرغبة في الإصلاح، موضحاً في الوقت نفسه أنّ دول مجلس التعاون لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولا ترضى أي دولة كذلك أن تتدخل في شؤونها، وبالنسبة لقضية الأحواز فهي تعدّ قضية إنسانية تسعى الدول العربية من ناحية قانونية وأخلاقية الوقوف معها من خلال مؤسسات المجتمع الدولي.

ويقول عشقي: التاريخ يؤكدّ بأنّ هذه المنطقة عربية وسلمت عام 1925م إلى إيران لتكون الحاجز المانع لمواجهة الإتحاد السوفيتي، لذلك آن أوان أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، فإذا أرادوا الانفصال عن إيران وتكوين دولة مستقلة فلهم ذلك، وإذا ما أرادوا البقاء فلهم الخيار أيضاً.

القاطع: تحركات الدول العربية ستدفع إيران للكف عن التدخل في شؤونها

بدوره يؤكدّ مسئول العلاقات الخارجية للمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز (حزم) الأستاذ علي القاطع أنّ تحركات دول مجلس التعاون سوف تعمل على الحد من تصرفات السلطات الإيرانية في المنطقة العربية بأكملها، مشيراً إلى أنّ المنطقة تشكل الحلقة المفصلية في وجود إيران على خارطة العالم وستكون هذه التحركات مؤثرة للغاية، ويضيف القاطع قائلاً: «كثير من الأحوازيين يتساءلون عن عدم دعم قضيتهم والوقوف مع سكانه ونصرتهم من قبل الدول العربية، حتى يكون هذا الدعم بمثابة ورقة ضاغطة على إيران لوقف تدخلها في الشؤون العربية، منوهاً إلى أهمية هذا الدعم بكافة أشكاله ومعرفة ما يحتاجه السكان، وهذا سيشكل ردعاً للاستعلاء والكبرياء الإيراني في المنطقة.

ويضيف القاطع قائلاً: «التاريخ واضح في شأن إمارة الأحواز، وإيران حاولت مراراً أن تطمس الامتداد التاريخي والمعالم العربية لهذه المنطقة، حيث إنّه من المعروف أنّها منطقة عربية يعود تاريخها إلى العهد العيلامي 4000 ق.م. وكان العيلاميون الساميون أَول من استوطن الأحواز، وفي عام 1925م احتلتها القوات الإيرانية وأسقطت سيادتها من حاكم الإمارة الأمير خزعل ومن ثم انتقلت هذه الإمارة تحت رئاسة الجنرال رضا بهلوي الذي استولى على السلطة فيما بعد وأصبح شاه إيران، وقد بدأت الحقائق تنكشف للجميع، وباتت هناك تحركات سياسية جادة وحقيقية لإعادة الحقوق لأصحابها.

================

ماذا يفعل الجيش السورى؟

عمرو الشوبكي

8/5/2011

المصري اليوم

ورّط بشار الأسد الجيش السورى فى قمع ثورة شعبه وأطلق أجهزته الأمنية على المتظاهرين لتقتل وتصيب الآلاف، وحاصر مدينة درعا وقطع عنها الماء والكهرباء تحت غطاء من الأكاذيب المفضوحة عن وجود جماعات مسلحة تخرب وتيارات سلفية تقتل، ونسى النظام أن درعا مدينة سورية وليست إسرائيلية، وأن الجيش الذى يقتل أبناء شعبه هو جيش سبق له أن حارب بشرف وكرامة فى 1973 قبل أن يسيطر «آل الأسد» على مفاصله الرئيسية، فيخطف ماهر الأسد، شقيق الرئيس، الفرقة الرابعة ويورطها فى جرائم قتل حقيقية ضد الشعب السورى، خاصة أهالى درعا فى مشهد يُذَكّرنا بجرائم نظام أبيه فى مدينة حماة.

مرعب ما يجرى فى سوريا ومؤسف ما يجرى على يد بعض وحدات الجيش الذى لم يحارب منذ 1973 وغيب النظام كثيراً من القواعد المهنية التى عرفها نظراؤه فى الجيشين المصرى والتونسى، فكلاهما حمى الثورة ودافع عنها ورفض إطلاق الرصاص على المتظاهرين فى حين إن بعض وحدات الجيش السورى تورطت فى قتل همجى للأبرياء، وهى كارثة حقيقية لأن هذا النوع من التورط سيؤدى إلى انقسام الجيش، وسيعنى أن سوريا الحرة سترث جيشاً منقسماً ودولة مفككة وهو ما يجب تلافيه بكل السبل.

مؤلم موقف الجيش فى سوريا، فالمؤكد أنه ضحية نظام قمعى وأمنى مخيف وفى يده أن يرفض قتل المدنيين، وفى يده أن يرفض قمع الثورة، وفى يده أن يطالب النظام بإصلاحات.

لا أحد يطالبه بأن يتحول إلى جيش سياسى أو معارض، إنما فقط جيش مهنى ومحترف، مهمته الدفاع عن الحدود وأمن الوطن لا قتل الناس.

إن سوريا التى زرتها مرة واحدة بلد قريب لأى عربى وأكثر قربا لأى مصرى والوقوف معها واجب لا يجب أن ننساه.

لقد ذكّرنى صديقى اليمنى سمير أبوالمجد فى تعليق أرسله الأحد الماضى بما قلته أثناء دراستنا فى فرنسا عن النظام السورى، وكيف كنت أعتبره نظاماً يدعى الثورية ولا علاقة له بالشعارات التى يرفعها، وذكّرنى بصديقنا الراحل فاروق سبع الليل، الرئيس السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان فى فرنسا، الذى رحل بعد نجاح الثورة المصرية بأيام قليلة، فالرجل كانت خلفيته السياسية ناصرية ولم ينتم إلى أى تنظيم دخل فى مواجهات مسلحة مع النظام، وظل مدافعا صلبا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ولم يتلون ولم يتلوث رغم غربته الطويلة.

ورفض النظام السماح له بالعودة لوطنه رغم وفاة والديه وبعض أشقائه، وسحب جواز سفره السورى وظل الرجل حتى رحيله يرفض أن يستخرج جواز سفر فرنسياً ويتنقل بوثيقة لاجئ سياسى، أما زوجته التى غامرت منذ 15 عاما وعادت لرؤية أهلها، فقد اعتقلها النظام وأساء معاملتها وهى سيدة فاضلة وأم لأبناء ناجحين.

رحل «فاروق» دون أن يشهد ثورة سوريا، ولكنه فرح بنجاح ثورة مصر، رحل دون أن يتمكن من العودة لوطنه لمدة 35 عاما لأنه آمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان. فهل هذا نظام يستحق الحياة وهل هذا نظام يواجه فعلا إسرائيل؟ وهل يجب أن يستمر الجيش السورى فى حماية نظام يمارس كل هذا القمع والتنكيل بأبناء شعبه؟

رحم الله صديقى فاروق سبع الليل وكل ضحايا النظام السورى.

=================

شاشات الخليوي تشهد... عليَّ إذاً أن أصمت

الأحد, 08 مايو 2011

الحياة

روزا ياسين حسن *

الكاميرا في مواجهة الرصاصة، نستطيع أن نقول إنه شعار الثورة في سورية اليوم. وكاميرات الموبايلات على وجه التحديد، وكأن من أتى بها قبل نحو عقد من الزمن إلى سورية، ومن حيث لا يدري، يحفر اليوم قبره بيديه. منع السلطات السورية مراسلي المحطات الفضائية والصحف من الدخول إلى البلاد لتغطية ما يحدث جعل في كل مكان مراسلاً، وأحياناً مراسلين، مدججين بحجتهم، ذلك أن سطوة الصورة اليوم تبدو متسلطة على الوجدان الإنساني قبل أن تكون متسلطة على بصره ودماغه. وتلفزيون الواقع، الذي كان عموم الشباب السوري يلهث وراءه بين المحطات، صار مجبراً اليوم على متابعته وملاحقته بصيغ أخرى، وربما على المشاركة في صنعه. وليس مستغرباً أن يكون حامل أو حاملة الكاميرا اليوم هما أول من يعتقل في التظاهرة، محاولة من السلطات لجعل ما يحدث بحكم ما لم يحدث، فالمقولة (القديمة) القائلة: «كل ما لم ينقش في حجر سيذهب هباء» أصبحت: «كل ما لم يصوّر في كاميرا سيذهب هباء». اليوم يرى المشاهد العربي والغربي فيديوات ملتقطة بموبايلات الشباب السوري فيشتمّ رائحة الدم والبارود منها، تهتز مع ارتجافة حاملها وتقفز حين يركض مع المتظاهرين وقت يبدأ سعار الرصاص، فيديوات تتصاعد منها رائحة العرق والغضب والخوف والغيظ والألم والحب.

صور كاميرات الموبايل كانت الدليل الساطع أمام العالم كله، مهما جاءت اتهامات بأنها مفبركة ومزيفة وما إلى ذلك من ترهات الإعلام الرسمي، خصوصاً أن العرب اعتادوا طيلة عقود على رؤية هذه المشاهد منقولة من غزة أو جنين أو أفغانستان أو العراق. ولكن أن يشاهد أحدهم مبنى أو دكاناً يعرفه جيداً ويمرّ من أمامه كل يوم معروضاً في فيديو على قناة فضائية وأن ثمة شاباً سورياً وأعزل مفغور الدماغ يسبح في بركة دم أمامه ليس بالأمر الذي يتقبله عقل.

وبما أن الإعلام الرسمي أضحى شبه عاجز عن تكذيب وتسفيه كل هذا الكم من الفيديوات التي تنقل مباشرة إلى الفضائيات، خصوصاً أن معظم المدن والقرى والمناطق السورية اختبرت الذي يحدث حقيقة على الأرض، فما الذي استفاده من منع الصحافيين والمراسلين والمصورين من الدخول إلى البلاد لتغطية ما يحدث؟ كاميرات الموبايل بأيدي الشباب الهاتفين بالحرية كانت أهم من أي جهات (حيادية) ستأتي لتغطي ما يحدث.

ولكن ما صوّر قد صوّر، وما سيصور سيصور، وتبقى مناطق كثيرة ما زالت مجهولة ومعتمة لم تشملها كاميرات الموبايل. قد يأتي يوم وتنبش من الذاكرة لتدوّن وقد تذهب، لكن الذي حدث يوم الجمعة من الأسبوع السادس من الأحداث لم يكن ممكناً أن يصوّر، فجهنم كانت تسلّط نارها على دمشق، وعلى الكثير من المناطق الأخرى. نيّتي في أن أنزل الى الساحة مع بقية الأصدقاء باءت بالفشل الذريع، فملعب العباسيين كان غريباً ومخيفاً، وعشرات الرؤوس المختبئة تطلّ من فوقه ورؤوس رشاشاتها معها، تتربّص بمن يمرّ في الساحة، وعشرات الباصات التابعة للدولة تغصّ بالرجال المسلحين بالهراوات والعصي الكهربائية في حال من الانتظار. فيما كان التلفزيون الرسمي ينقل الساحة هانئة سعيدة.

أما شارع الزبلطاني، الذي يعجّ بالناس كالنمل في العادة، فبدا فارغاً إلا من جثث شباب على الأرض، وأصوات رصاص مجنون ورائحة موت. وثمة سيارة BMW سوداء نزل منها رجل أربعيني يرتدي بذلة فاخرة، لا تتناسب مع عموم الكادر أبداً، وراح يطلق رصاصاً على المتظاهرين من مسدس مذهب! صعوداً إلى برزة حيث يجب أن نصل كان الوضع كارثياً حتى اضطررنا إلى الهرولة على طول الأوتوستراد بعيداً لئلا تقنصنا رصاصة مسعورة.

وفي المساء كان ثمة سبعة بيوت في برزة البلد تقيم العزاء على شهدائها، ومنها بيت الدهان، قرب جامع السلام، الذي لا يعرف أن يحمل سكيناً ولكنه قتل مع ذلك برصاصة فجّرت رأسه. وكان الدكتور بسام يرتدي مريلته البيضاء، في ذلك المساء أيضاً، ويحمل حقيبة الأدوية والإسعافات ويتجوّل بين البيوت المنكوبة ليداوي الجرحى والمصابين، الذين كانوا بالعشرات، على رغم أن القناصة كانوا ما زالوا يحتلون أسطح بعض المنازل. وبما أن عيادته وبيته أمام الجامع تماماً فقال لي وهو يغصّ: قُتلوا أمامي.. ومضى.

بما أن ما أقوله غير موثق بأية صورة أو فيديو، بل هو موثق في وجداني وذاكرتي فحسب، فتكذيبه سهل ووارد، فحكم الصورة يبدو اليوم قاطعاً، وكأنها ورقة الإثبات الوحيدة على الحق والحقيقة في ظل السعار المحتدم. ومعظم ما سيكتب لاحقاً، وسيكتب الكثير بالتأكيد، لن يكون في فجائعية اللحظة وتأثيرها، ربما كان له تعميق مغاير ونظرة أكثر حفراً في الدواخل ولكن لن يجعل العالم يلتفت وسط كل مشاغله المتتالية ليتابع شباب سورية، يقابلون الرصاص والحصار بصدور عارية وبالكاميرات، كما يفعل اليوم.

أعتقد أن تلك المقابلة السريعة التي أجريت الأسبوع الماضي على الحدود الأردنية السورية حيث يتوافد اللاجئون السوريون، والتي عرضت تلك المرأة الحورانية مجلّلة بالسواد تنوح على الصغار الجائعين في درعا المحاصرة منذ أيام، لا يمكن أن تنقلها الكلمات. ووقت صرخت صرختها المؤثرة في نهاية المقابلة رافعة يديها مستغيثة: «أنا سورية»، سنحتاج إلى روايات لتنقل ألم تلك اللحظة وعمقها ودلالتها. وربما من أجل كل هذا لن يكون لكل ما سنقوله تأثير فيديو صغير، لا يتجاوز الدقيقة، يظهر طفلة سورية صغيرة اسمها إسراء استشهدت في برزة لأنها كانت قريبة من الشباك وقت بدأ إطلاق الرصاص. لذلك أيضاً ربما من الأفضل أن أصمت الآن.

* روائية سورية

=================

حصار درعا ومجازر النظام

07/05/2011

الكاتب : المهندس ناصر المنصور الدرعاوي

الحصار عقوبة جماعية ترتقي لمصاف جريمة الحرب بين الدول ، والجريمة ضد الإنسانية إن ارتكبت داخل حدود الدولة من قبل حكامها .

الحصار العسكري على المواطنين العزل مرفوض في الشرائع السماوية والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وأن قيام أي قوة عسكرية بهذا العمل مخالفة جسيمة لقوانين الجيش السوري التي تعتبر الدفاع عن الحدود والسيادة الوطنية المهمة الوحيدة للجيش والقوات المسلحة وليس الاعتداء على المواطنين وحرمانهم من أبسط أسباب العيش.

درعا ما زالت محاصرة بالدبابات وبقية الأسلحة الثقيلة والأجهزة الأمنية ، وقد قام النظام بإخراج الدبابات والمدفعية من شوارع درعاً مؤقتاً ريثما تنهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر دخولها درعا وتقديم مساعداتها من ماء وغذاء ودواء يوم الخميس 5\5\2011 ، حيث قاموا بتنظيف الشوارع من جثث الشهدا والجرحى ودفنوا الجميع ليلاً في مقبرة جماعية شرق المدينة ، بما فيهم الجرحى الأحياء الذين كانوا يئنون من جراحاتهم ، واحتفظوا بعدد قليل من الجثث والجرحى وأعلنوا للمواطنين أن من يرغب بإستلام جثة أو جريح عليه أن يوقع على تعهد خطي ، بأن قريبه قد قتلته عصابات السلفية وأن يصرح بذلك أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، الا أن السكان رفضوا ذلك ، وقد تم إبلاغ السكان أن أي شخص يذكر كلمة ضد النظام سوف يتم إعدامه

 وبعد خروج اللجنة في نفس اليوم عادت الدبابات لمواقعها وعاد البطش بشدة على السكان وقاموا بتفتيش البيوت بعشرات الجنود وأعتقلوا أكثر من ألف شخص خلال يوم الخميس والجمعة فقط ، وكانوا يجبرون الرجال على خلع ملابسهم أمام زوجاتهم وأولادهم ويضربونهم ويبصقون عليهم ويشتمون الله ورسوله ويشتمونهم بأقذع الأوصاف التي أخجل من ذكرها ، وكانوا يكسرون كل شيئ في البيوت من أجهزة وتلفزيونات حتى الصحون وأدوات المطبخ لم تسلم منهم ، أما المحلات التجارية فقد خلعوها وسرقوا محتوياتها بما فيها محلات الذهب ، وحطموا كل السيارات الموجودة في الشوارع أو في البيوت ، بلغ شهداء درعا حتى هذه اللحظة أكثر من 500 شهيد و2000جريح و5000 معتقل . ولا يعرف مصير الجرحى والمعتقلين .

حكام سوريا ومنذ التصحيح ليسوا طبقة بل عصابة والعصابة لا تملك نظاما للحكم ولا تعترف بالقوانين ، من يقولون بإصلاح النظام هم عملياً يخدمون النظام.

لا مفاوضات مع العصابة فالعصابة لا تملك قيماً تحرص عليها ولا أمانة تلتزم بها.

إن أي مفاوضات مع العصابة تؤدي مباشرة إلى هزيمة الثورة والتي لن تقوم لها قائمة لجيل قادم، ولذلك ترى عملاء النظام يطالبون بإعطاء فرصة للنظام ليقوم بالإصلاح.

اعلان توقف الثورة ليوم واحد فقط يعني هزيمتها المؤكدة ، لذا لا تراجع عنها مهما حصل وعلى الشعب السوري أن يواصل ثورته السلمية حتى إسقاط النظام مهما كلف الثمن .

الأحزاب التي لم تعلن انسحابها من الجبهة الرجعية كما انسحب الإتحاد الإشتراكي إنما هي أحزاب خائنة للشعب ومناصرة للعصابة الحاكمة مما يستوجب محاكمة قادتها في المستقبل .

على قوى الثورة أن تعلن إنذارها للأحزاب المشاركة في الجبهة ومنها الحزبان الشيوعيان اسماً لا فعلاً وتبين لهما خطورة موقفهماالمهادن.

الشعب السوري عليه أن يدفع دماً أضعاف ما يدفعه الشعب الليبي فالقذافي مجنون أحمق لكن الأسد طاغٍ وقاتل ومجرم وطائفي حاقد .

المجد لشهداء الثورة والخزي والعار لمهادني العصابة .

=================

محنة سورية طال أمدها

الأحد, 08 مايو 2011

ياسين الحاج صالح

الحياة

فوق ضحايا أكثر بكل تأكيد من الأرقام المتداولة، هناك ألوف المعتقلين الذين يتعرضون لتعذيب متطرف في قسوته ووحشيته. منه قلع الأظافر حتى للأطفال، ومنه تحطيم الأسنان وتكسير الأضلاع، ودوماً إلحاق أكبر مقدار من الألم والإذلال بالمعتقلين. يدفع السوريون ثمناً فاجعاً لتطلعهم العادل إلى التحرر من أوضاع متطرفة في انعدام عدالتها. وبعد كل ما جرى، لم يعد هناك ما يمكن أن ينصف آلام السوريين الرهيبة غير إنهاء هذه الأوضاع اللاإنسانية والهياكل السياسية التي تسببت فيها. هذا ما يدركه جمهور متسع من السوريين. يعرفون أنه لا أمل لهم بالعدالة وبالكرامة في بلدهم من دون تغيير حقيقي، من وجوهه ألا يفلت من العقاب أولئك الذين تعاملوا معهم كبهائم.

والحال أن هناك طرفاً يخسر أكثر حتى مما يخسر الشعب السوري: «النظام»، الذي يعتقد أن العنف والمزيد من العنف هو كل ما يلزم لمواجهة انتفاضة شعبية، يشترك فيها الشباب والكهول، الرجال والنساء، البلدات والمدن. عبر القتل وإخفاء الضحايا، وترويع عموم السكان، وعبر التحطيم الحقود لحياة ما لا يحصى من الأسر السورية، يحطم النظام المجتمع السوري والكيان السوري، وفي النهاية نفسه. يفقد كلياً أي اعتبار ويخسر كل شرعية، ويظهر قوة لا إنسانية جذرياً، مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل أن تحكم «إلى الأبد» مجتمعاً لم يعد يريد أن يحكم بالطريقة نفسها.

ترى، كيف حصل أن ساق النظام نفسه والبلد إلى هذه المواجهة المطلقة التي يستحيل أن يكسبها؟ من المحتمل جداً أن مراكز القرار في النظام تفكر على النحو التالي: قبل أكثر من 30 عاماً واجهنا أزمة مماثلة، وقد تعاملنا حينها مع أعدائنا بما يستحقون، وفتكنا بهم فتكاً رهيباً. ولقد استقر الحكم لنا طوال جيل إثر ذلك. السياسي الصارم والقوي هو من يفعل هذا، ووحده السياسي الرخو يتردد. ينبغي أن نعاقب أعداء اليوم بالطريقة الحاسمة نفسها، فننشط ذاكرة من يحتمل أنه نسي من الأكبر سناً، ونصنع ذاكرة قوية للجيل الأصغر. ويجب أن «ندعس رؤوسهم»، لأنهم لا يفهمون غير لغة القوة. من أجل ماذا كل هذه القوة التي لدينا، إن لم تكن للاستخدام في أوقات كهذه؟

ووفقاً لهذا المنطق فإن الطابع السلمي والوطني العام للانتفاضة مشكلة. ولمعالجة هذه المشكلة يجري تسخير مركب إعلامي واسع، سوري ولبناني، لاختراع سلفيين وإمارات سلفية و «مجاميع إرهابية»، بينما يتكفل المركب الأمني بسحقها ومعاقبة بيئاتها الاجتماعية بقسوة. يلزم أن نضيف هنا أن فائدة إمارات السلفيين لا تقتصر على تسويغ عنف النظام، بل تستجيب كذلك لحاجته إلى تخويف قطاعات من المجتمع السوري وتوحيدها خلفه.

لكن السلفيين غير موجودين، ولا يمكن أن تنجح سياسة بنيت على تفكير عضلي ضيق ومقدمات تبسيطية ومضللة إلى هذا الحد، مع افتقارها أيضاً إلى أي مضمون أخلاقي أو وطني. ولن تنجح سياسة العقاب الجماعي في درعا ودوما وبانياس والرستن... إلا في تعزيز الشعور بالمهانة والغضب عند عموم السكان، حتى لو أمكن لها أن تكون ناجعة على نطاقات محلية وعلى المدى القصير. لن يكسب النظام معركة جديدة بالوسائل القديمة نفسها. ولن يستطيع أن يحول سورية كلها إلى درعا، ولا أن يعتقل مئات الألوف من السوريين. ليس هناك حل «حموي» لمشكلة سورية عامة في عام 2011. ولن يتمكن النظام من إخماد الانتفاضة التي يضمن تعدد بؤرها استمرارها.

بالمقابل، ليس هناك ما يؤشر الى أن النظام في وارد الجنوح إلى السياسة بسبب شدة تطرفه، وإصراره على أن ينال 100 في المئة من السلطة مقابل صفر في المئة لعموم السوريين. لن يقبل أحد ذلك بعد اليوم. بل من المحتمل أن الديناميات السياسية والنفسية في البلد وحوله تجاوزت إمكانية الوصول إلى حلول سياسية مع النظام أو بعضه، توفر على سورية أخطاراً داخلية وخارجية تنزلق البلاد نحوها باطراد. ومنذ الآن ترتفع أصوات غاضبة داخل البلد، لم تكن محسوبة في أي وقت على المعارضة، تحتج على حصار درعا واسترخاص حياة السوريين بهذا القدر. وترتفع بموازاتها أصوات إقليمية ودولية يهولها المدى الذي ذهب إليه النظام في قمع شعبه المنكود.

بعد نحو خمسين يوماً من الانتفاضة السورية، لا يستبعدأن تستمر الأزمة الوطنية لوقت أطول، يقاس بالشهور. أو بما هو أكثر. الأكيد أن لا عودة إلى الوراء. لا الشعب يريد العودة، ولا النظام يستطيعها.

ومن المؤسف أن المعارضة التقليدية قد تأخرت كثيراً في بلورة تصورها لمخرج سياسي وطني من الأزمة. كان من شأن ظهورها كطرف متميز وبرؤية سياسية واضحة أن يشكل عامل ضغط إضافي على النظام، وأن يطعن أكثر في لجوئه إلى خيار القوة. أما الفراغ السياسي الداخلي فهو بمثابة تخل عن جمهور الانتفاضة، وتركه وحيداً أمام الآلة القمعية الفتاكة لنظام لا يرحم. لا ينتظر النظام المعارضة لبلورة تصوراتها، ولقد بادر إلى اعتقال رجال معتدلين جداً مثل فايز سارة وحسن عبد العظيم، ربما ليتحرر من أية ضغوط سياسية داخلية محتملة. لكن لا بد للمعارضة التقليدية أن تتحول إلى موقع المبادرة السياسية، غير مكتفية بالتعاطف مع الانتفاضة، أو حتى المشاركة فيها.

وعلى رغم كل شيء، من غير المستبعد أن يكتشف النظام خلال وقت قصير أن طريق العنف مسدود، وأن يميل مضطراً إلى السياسة والتفاوض. لا تستغني المعارضة عن رؤية سياسية محددة للتعامل مع احتمال كهذا، ولتمثيل التغيير السياسي الذي يستجيب للمصالح العامة للشعب السوري. ليس الوقت مبكراً للتفكير في احتمالات كهذه. وليس متأخراً، بالمقابل، للقول إن من يحدث فرقاً على الأرض هم أولئك الذين يدفعون دمهم ثمناً لتحرر السوريين من نير الاستبداد الثقيل، وهم من يُعتقلون ويعذبون ويهانون. وهم من يثابرون على الاحتجاج والتظاهر مجازفين دوماً بكل شيء. هؤلاء من يصنعون تحولاً تحررياً هو الأكبر في تاريخ سورية المعاصر، ومن يؤسسون لشرعية جديدة. وفي هذه الأوقات العصيبة، يجازف أي معارضين محتملين بأن يخسروا صدقيتهم وشرعيتهم إن لم يروا أن مركز ثقل المعارضة اليوم في البلد هو الانتفاضة في الشارع، وليس تنظيماتهم وإيديولوجياتهم وأشخاصهم. هذه أزمنة صعبة، لكنها تطرح سؤالاً سياسياً وأخلاقياً بسيطاً: أنت مع من؟ لا يمكن تفادي السؤال. ولا الامتناع عن الإجابة عليه بوضوح تام.

============================

العرب والعولمة الإعلامية : ملاحظات سريعة

صحيفة الحياة اللندنية

السبت 07 أيار/ مايو 2011

بقلم علي بدوان

تركت عملية العولمة الإعلامية وعصر الصورة (عصر المجال التلفازي)، رعباً كبيراً وهلعاً متزايداً لدى صناع القرار في مختلف بقاع الأرض، ومنها الدول العالمثالثية، ومن بينها دولنا العربية والإسلامية، التي ارتعدت فرائصها، ليس خوفاً من احتمالات تحول العملية الإعلامية من منبر إعلامي/ إخباري ثقافي إلى منبر استبدادي جديد يعيد تقديم المشهد بطريقة توظيفية غير بريئة، ولا خوفاً من تحولها إلى منبر يأسر المشاهد باتجاه واحد، خصوصاً وأن المنابر الفضائية ليست بعيدة في الغالب، وبدرجة من الدرجات، لسياسة المموِّل أو المشرف أو صاحب المكان، ولا خوفاً من تدفق المادة الإعلامية وهطولها عبر مصادر الغرب ووسائل اتصاله، بل خوفاً مما قد تشكله تلك العولمة من ولادة نقيضها، عبر تبني الشعوب وقواها الحية ومؤسسات المجتمع المدني الأهلية وغير الأهلية، لنظرية إعلامية تفاعلية تقوم على الاستفادة من تكنولوجيا تقنيات الاتصال المتطورة والشبكة العنكبوتية للمعلوماتية (الانترنت)، وتوسيع بوابات المعرفة المتزايدة في التدفق بوتيرة هندسية عالية، وإنجاز إعلام ديموقراطي وطني تحرري ومتنور وهادف وبعيد عن الخنوع.

وزاد من حالة الإرباك العربية على مستوياتها الإعلامية كافة، ومن الهلع من ظاهرة «العولمة الإعلامية»، وجودُ حالة من الضعف العام في الأداء الإعلامي العربي (الرسمي وغير الرسمي)، وفقدان الرؤية والإستراتيجية الإعلامية العربية، وهو ما أطلق المجال لبروز محطات فضائية أجنبية موجَّهة للعالم العربي، بعضها من صناعة الغرب والولايات المتحدة، وبعضها يعود للدول الإقليمية المحيطة أو القريبة نسبياً من المنطقة، التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم ومركز تأثير في سياسات المنطقة ومصائرها، نظراً لحساسية منطقتنا العربية ودورها الجاذب للقوى الكبرى وللمصالح الدولية.

وبالتأكيد، فإن برامج المحطات الآتية إلينا عبر الأقمار الاصطناعية من أصقاع الأرض المختلفة، ليست ترويجاً مباركا وبريئاً من قبل جمعية خيرية لأهداف إنسانية محضة على طول الخط،، بل تهدف في (غالبيتها) للترويج السياسي لأفكار الآخرين، وللتسويق الثقافي بكافة نواحيه، وللترويج الاقتصادي في ميادين التنافس التي باتت تطحن العالم بأسره.

وحتى نتكلم بشكل محدد وبتوصيف ملموس، نتطرق لقناة «الحرة» الأميركية على سبيل المثال، والتي جاءت ولادتها انطلاقاً من التقديم أعلاه، ومن موقع التنافس على جمهور المنطقة، وفي سياق البرنامج الأميركي المعلن تحت عنوان مزوَّر هو «نشر الديموقراطية»، ففي نظرة فاحصة لأسلوب الترويج الإعلاني لها، نجد أن تسويق الإعلان عنها جاء كفواصل بين البرامج المقدمة على شاشتها، حيث نلحظ عقلية «السوبرمان» الأميركي، وتمريرات واضحة لمفاهيم وأفكار دعوية وسياسية لمسائل تخص الصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل، ولما يحدث في منطقتنا وفي جوارها القريب.

وفي إعلان الترويج، نجد الفارق بين الإعلانات للترويج عن سلعة تجارية والترويج لسياسات وتسويق فكر وثقافة معينَيْن، بأسلوب قائم على محاكاة العقل يسود فيه المنطق قبل العاطفة، مقابل أسلوب قلب الحقائق (بالاستعانة بسطوة الصورة) الماثلة أمام الأنظار ووعي الأذهان، يسانده تدفق إعلامي يقوم على السيل المتدفق بلا انقطاع للصورة التلفازية، وهو أمر يجعل الصورة أمام الجمهور العريض من المتلقين مجردةً من أي مرجعية، ولا صلة لها بأي حقيقة.

وعلى كل حال، إن «العولمة الإعلامية» الأحادية الاتجاه، ومع كل المخاطر التي تحملها حالُ فقدان الحصانة لدى إطارات واسعة في مجتمعات متلقية لها، خاصة وأن عصر المجال التلفازي أعطى للعملية الإعلامية تصدّراً شاقولياً. فليس من الضروري أن تستولد التقنيات المتطورة وثورة المعلوماتية ولادة أشكال من التسلط والدكتاتوريات وحدها فقط دون غيرها، بل إن إنجاب التعددية وبث روح الرأي والرأي الآخر، وبث قيم العدالة والمساواة والحق، ممكنة أيضاً، فالشبكة العنكبوتية، في جانبها المضيء بالنسبة للبشرية، يمكن لها أن تستولد الوحدة والتواصل والتلاقح الحضاري بدلاً من «عولمة الابتلاع».

إن تطور وسائل الإعلام وتقنياته، وانْ حمل في طياته أشكالاً من الاستثمار التسلطي، فإنه أيضاً فتح أفاقاً جديدة أمام البشرية لتوسيع أفق الديموقراطية والحرية وبث روح المساواة والتعاون، وهو ما يستوجب السعي لتحقيقه، من أجل مغادرة الانتظار ومقاعد المتفرجين والركون، والقيام بالمبادرة لتحقيق موقع إعلامي متقدم، حيث لن تبقى وسائل وتقنيات الاتصال حكراً على طرف دون غيره.

وعليه، يفترض بالإعلام العربي أن يغادر قلق التكنولوجيا وقلق تدني أو تواضع الكفاءة والمهنية، بالمبادرة الخلاقة، وبمغادرة مواقع الانتظار، ومن خلال بناء إستراتيجية إعلامية، لكسر تدفق المعلومات المقدمة عبر البرامج والأخبار الموجهة في اتجاه واحد.

بالنتيجة، نجد أنفسنا الآن إزاء تسارع الفعل الإعلامي المرافق للأحداث في منطقتنا وفي العالم، ونرى أن شكلاً هلعياً للهجوم الإعلامي يحاول أن يخلق رأياً عاماً مشوهاً في منطقتنا وفي العالم، مرة تحت عنوان «الإرهاب الدولي»، ومرة تحت عنوان «فوبيا الإسلام»، ومرة تحت عنوان «الإرهاب الفلسطيني»، ومرة تحت عنوان «الإرهاب النووي القادم من طهران»... وهكذا، وهذا هو سر عصر الحرب الإعلامية التي تدور رحاها هذه الأيام، إلى جانب الحروب السياسية والأيديولوجية وحتى العسكري منها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ