ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

معجزة سورية

الكاتب: ساطع نور الدين

السفير

6-4-2011

عاصفة التغيير تهب على سوريا. تسببت حتى الآن بخسائر بشرية وسياسية ومادية جسيمة، لم يعد بالامكان تعويضها الا بحل جذري ليس له أفق لدى الشعب وليس له وجود لدى النظام. الصلات مقطوعة بين الجانبين. الحوار يدور في الشارع وحده، بالرصاص الحي من جهة، وبالشعار العفوي من جهة اخرى. الوقت ضيق وهو لا يخدم سوى أحدهما. ومساحة الاهتمام تقتصر على كل اللبنانيين، وبعض العرب وبعض الايرانيين والاتراك. والبقية تراقب من بعيد حدثاً كان حتمياً، لكن مفاجأته الوحيدة انه سبق موعده المرتقب بثلاثة اشهر، وهو يسابق الآن الحدث الليبي الاكثر أهمية والحدث اليمني الاشد خطورة.

كان واضحا ان الهوة عميقة بين النظام المغلق على سلوكيات وشعارات موروثة منذ نصف قرن، وشعب تواق الى الانخراط في مسيرة القرن. لكن، لم يكن ظاهرا للعيان كل هذا التوتر المتبادل، والمتصاعد يومياً. ولم يكن ثابتا ان ما كان النظام يعتبره نقطة قوته الاساسية، أي السياسة الخارجية المفرطة في الطموح، هي نقطة ضعفه الرئيسية، ومشكلته الاضافية التي تتراكم مع مشكلات الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

المفارقة المذهلة هي ان النظام نفسه بادر الى الاعتراف بمعضلة جوهرية اخرى تواجهه، لكن الجميع كان ولا يزال يتفاداها ويعمل على إخراجها من جدول أعماله، هي المعضلة الطائفية التي تضاعف من خطورة الحدث السوري، وتجعله فريدا لا تنطبق عليه أي من المعايير التونسية والمصرية والليبية واليمنية، وتجعله أقرب ما يكون الى الحدث البحريني.. مع فارق مهم وحاسم هو ان النظام السوري لن يجد على الارجح أنصارا أو حلفاء في الخارج يمكن ان يهبوا لنجدته على غرار ما حصل في البحرين. والصمت المدوّي الذي يسود طهران حاليا ويعبر عن شعور بالصدمة، والهمس الخافت الذي يتردد في أنقرة، ويتسرب بين الحين والآخر على اللسان الطليق لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، لا يوحي بأن دمشق يمكن ان تعتمد على أهم وآخر حليفين لها. أما ما يقال في واشنطن وباريس والرياض والقاهرة فهو لا يخرج عن سياق تلك الحتمية التاريخية التي أرساها سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وان كان البعض في هذه العواصم يلح على الرئيس بشار الاسد لكي يتحرك بسرعة متناهية ولا يرتكب الاخطاء الفادحة التي يرتكبها الجيل القديم من الحكام العرب.

المشكلة كانت وستبقى داخلية، برغم التخريف الرسمي عن تورط جهات خارجية، فلسطينية تارة أو أردنية تارة اخرى، أو إسرائيلية دائما (وربما لبنانية في وقت لاحق). عناوين المشكلة بسيطة جدا، لكن حلولها معقدة جدا. النظام يعيش في عالم افتراضي لا حاجة فيه الى الاصلاح والتغيير، والشعب يعيش في عالم خيالي لا أثر فيه لمعارضة جدية ولا حتى لجيل الفايسبوك والانترنت، الذي يصنع المعجزة. العثور على قواسم مشتركة بينهما يزداد صعوبة يوما بعد يوم، ويفسح المجال للتكهن بأن الجانبين لا يملكان من خيار سوى المواجهة التي تؤدي في نهاية المطاف الى انكسار أحدهما.

======================

قانون الأحزاب السوري بين الحاجة والطموح

(دي برس-خاص)

6-4-2011

نظراً للتغيرات والأحداث التي تشهدها الساحة العربية عموماً وسورية بشكل خاص عاد موضوع الحاجة إلى قانون أحزاب سوري جديد متصل بالحاجات المجتمعية والسياسية الحالية ليطرح نفسه من جديد، وفي ذات السياق أكدت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في وقت سابق أن هذا القانون قيد الدراسة.

إلى ذلك توقعت مصادر سورية رفيعة المستوى أن يتم طرح مسودة قانون الأحزاب قريباً بحيث تخضع للنقاش العام، علماً أن المسودة يجري عليها تعديلات وفق التي طرحت في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث.

وقالت المصادر حسبما ذكرت صحيفة "الوطن" السورية إن الغرض من النقاش هو "إغناء المسودة" خصوصاً بعد التعديلات التي طرأت عليها، وأشارت المصادر إلى أنها ستكون قريبة من قانون الأحزاب في مصر بما في ذلك التعديلات التي طرأت عليه بعد الثورة والتي جعلت تأسيس الأحزاب وتسجيلها تتم بطريقة أسهل وأبطلت مبدأ "ولادة الحزب قيصرياً" بحيث يكون تكون بنيته الأساسية مشوهة وقائماً على الانتماءات العائلية ويعاني من ضعف القاعدة الشعبية ويكون أي حزب فيها تابعاً للحزب الحاكم.

وأوضحت أن تلك التعديلات "لا تمس الأساسيات" التي من بينها ما يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو طائفي أو إثني، كما رجحت المصادر أن يلحق بقانون الأحزاب قانون آخر للإعلام تتم مناقشته من قبل الحكومة الجديدة ومن ثم إقراره رسمياً.

وهنا يبرز عدد من الأسئلة الهامة: ما هي أهمية الأحزاب في الحياة السياسية لأي بلد؟ وما المبادئ الأساسية التي يجب أن يقوم عليها قانون الأحزاب؟

تعتبر التعددية السياسية من أهم أسس النظام الديمقراطي وضمانة احترام حقوق الإنسان فتؤمن للمواطنين إمكانية ممارسة حقوقهم السياسية بوعي وفاعلية، كما تسهم الأحزاب السياسية المعبّرة عن التعددية بإدخال عناصر الوعي والتنظيم والتوجه السلمي في حركة الشعوب وترتقي بمبدأ المواطنة بحيث يكون الوطن لكل المواطنين يسهمون في صنع قراراته، مما يؤدي إلى تعميق الوحدة الوطنية على أساس مساواة الجميع في الحقوق والواجبات.

وبغية تفعيل الحياة السياسية والاجتماعية لأي بلد والارتقاء بها كان لابد من إصدار قانون ديمقراطي للأحزاب ينطلق من تجربة البلد و خصائصه ويتلاقى مع المفاهيم المعاصرة للإسهام في تعميق الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية وقوننة الحياة الحزبية وتنظيمها على أسس مؤسساتية وعملية.

الحزب السياسي: هو تنظيم سياسي يضم مجموعة من الناس تجمعهم مبادئ وأهداف مشتركة يعمل بالوسائل السياسية والديمقراطية السلمية لتحقيق برنامج يشمل الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر الانتخابات العامة للتداول السلمي للسلطة والمشاركة في مسؤوليات الحكم.

وللحزب السياسي مهام متعددة من أهمها:

1- تنشيط العمل السياسي في البلاد وإقامة الحوارات حول القضايا العامة بين مختلف القوى السياسية.

2- تطوير الوعي العام وتعميق المشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة السياسية.

3- تكوين واستنتاج الأفكار الجديدة وتكوين الأطر السياسية والإسهام في تدريبها.

4- تعميق التواصل بين المواطنين والمؤسسات الدستورية.

مسودة قانون الأحزاب

في سورية بدأ الحديث عن قانون أحزاب جديد يواكب حاجات المجتمع والمفاهيم المعاصرة مع خطاب الرئيس بشار الأسد في عام 2000 باعتباره أحد المبادئ الأساسية في مسيرة التطوير والتحديث، وتم وضع مسودة لقانون الأحزاب السوري في المؤتمر القطري العاشر عام 2005 وقد احتوت هذه المسودة على مبادئ تشكيل الأحزاب وتسجيلها واستمرارها وأهدافها.

أكدت هذه المسودة على حق السوريين في تشكيل الأحزاب والانتساب إليها والعمل في صفوفها وتضمنت شروط تسجيل الحزب حيث تتلخص بما يلي:

* أن يكون من يتقدم بطلب لتأسيس حزب سياسي سوري ولا يقل عمره عن 35 عاماً ويتحلى بالسمعة الجيدة والأخلاق الحميدة وغير محكوم بجناية أو جنحة، ويتقدم إلى الجهات المختصة بطلب مكتوب وموقع من 30 عضواً لا تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين.

* ألا يقل عدد المنتسبين عن ألفي عضو ينتمون إلى عشر محافظات على الأقل ويحملون الجنسية السورية أو ما في حكمها ولا يجوز أن يكون من بين المؤسسين من يحمل جنسية مزدوجة وأن يحدد في الطلب مقر الحزب الأساسي.

* أن يرفق مع الطلب برنامج الحزب ومنطلقاته ونظامه الأساسي وشروط العضوية بعد أن يكون قد جرى إقرارهم من قبل الأعضاء المؤسسين، وتدقق السلطة المختصة في مدى توافق الوثائق المطلوبة مع أحكام الدستور السوري والقانون وشروط التأسيس، فتوافق عليه أو ترفضه وذلك خلال مدة زمنية لا تتجاوز التسعين يوماً.

ووفي ذات السياق حددت المسودة مجموعة من المبادئ والأهداف التي على الحزب الالتزام بها ومن أهمها:

* أن لا يجمع المواطن بين عضوية حزبين في آن واحد.

* لا يجوز أن يقوم الحزب على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو جنسي أو مناطقي ولا بد أن يكون مفتوحاً لكل المواطنين، وعدم جواز تشكيل تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.

* ألا يكون الحزب تابعاً لأي حزب أو تنظيم سياسي خارجي ولا يتلقى التمويل أو الإعانة أو الهبة المالية من أي جهة خارجية، وإنما تعد اشتراكات الأعضاء والتبرعات التي يجمعها الحزب لدعم نشاطه واستثمار أمواله مصادر تمويله الأساسية، بما في ذلك تملكه لمؤسسات اقتصادية واستثمارية وعقارية كما تعد المساعدات المقدمة من الدولة لدعم النشاط الحزب مورداً إضافياً.

أما حقوق الحزب حسب المسودة:

* يعد الحزب بعد تأسيسه ذو شخصية اعتبارية وللحزب الحق في إصدار صحافته الخاصة من صحف ومجلات للتعبير عن آرائه ومواقفه دون التقيد بالشروط التي ينص عليها قانون المطبوعات، وله حق استخدام وسائل الإعلام الرسمية المسموعة والمرئية لعرض آرائه ومواقفه وملاحظاته.

* يحق للحزب إقامة تحالف مع حزب أو أكثر وتشكيل الجبهات والاتحادات فيما بينها ويمكن لهذه الجبهات أن تكون مؤيدة لبرامج الحكومة أو معارضة لها.

* للحزب حق تشكيل منظمات شبابية ونسائية تحت قيادته ويقتصر نشاط الحزب داخل الجمهورية العربية السورية وله أن ينشط بين الجاليات السورية في المغتربات.

أهم واجباته فتتمثل حسب المسودة ب:

الالتزام بقانون الأحزاب، الالتزام بعدم قبول العسكريين وموظفي الأمن والشرطة والقضاة في صفوف الحزب، عدم استخدام دور العبادة (مساجد، كنائس) للدعاية للحزب.

ومما سبق تتضح أهمية وضرورة إعادة النظر في المسودة ومناقشتها بصورة أدق وأشمل من كافة شرائح المجتمع بحيث تسهل صياغة قانون جديد للأحزاب بحيث يوضح مهام وماهية مشاركة الحزب السياسي في المؤسسات الحكومية وكيفية مشاركة أعضائه في مجلس الشعب والحكومة كما على القانون أن يركز على استقلالية هذه الأحزاب وعدم عرقلة نشاطاتها وفعالياتها عبر ربطها بانتماءات أو أجندات لا تملك حرية القرار فيها.

من هنا فإن على هذه الأحزاب أن تأخذ دورها في الحياة السياسية على أساس القانون الجديد المنتظر وتقوم بإعداد أطرها وقواعدها الشعبية بما يلبي متطلبات التعددية السياسية من مشاركة ديمقراطية في السلطة واحترام الرأي والرأي الآخر والتعبير عن حاجات أعضائها ومتطلباتهم.

======================

الثورة السورية ليست مؤامرة

السياسة الكويتية

6-4-2011

ها قد انطلقت بشائر الثورة السورية من أقصى الجنوب, من قلب درعا الثائرة بشبابها وشيبها, لتصل إلى أقصى الشمال, إلى جبابرة القامشلي, جبابرة كاوا الحداد وصلاح الدين, بعد أن ذاق الشعب السوري مرارة اليأس والذل والهوان من أسوأ نظام فاشي عرفته سورية في تاريخها القديم والحديث.

قطار الثورة, انطلق مسرعاً ولن يتوقف إلا في محطته النهائية, وهو ليس حكراً على جهة أو طرف بعينه, بل هو من صنع الشعب, انطلق مع انطلاق ربيع الثورات العربية بعد عقود من التعطل والشلل.

إن الثورة السورية, وما أشيع عنها من أقاويل وأباطيل لا تستند إلى البرهان الصحيح, ليست مؤامرة كما يظن أو يعتقد أصحاب العقول المريضة, الذين دمغت ذاكرتهم بنظرية المؤامرة.

إنها ثورة شعب يتوق الى الحرية والعزة والكرامة, مثلما تاقت إليها الشعوب العربية في جمهوريات الخوف والقمع والفقر, جمهوريات النهب والفساد والتوريث.

فلا يزايدن أحد على ثورة الشباب السوري الذي خرج يهتف بنداء الحرية, خرج بشكل سلمي وحضاري, عاري الصدر, عزيز النفس, شامخ الهامة. إذا ما أردنا أن نتحدث عن المؤامرة التي يتشدق بها نظام الأسد للالتفاف على مطالب الثورة, فإن أكبر مؤامرة تمثلت بإطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل, الذين طالبوا بأبسط حقوقهم, قبل أن يوغل النظام المتغطرس في قمعهم واعتقالهم. فليست نداءات الحرية, سلعة مستوردة من الخارج, كما أنها ليست مؤامرة مدبرة, إنها حق مدني نادت به كل شعوب الأرض قاطبة. فمتى يفهم نظام الاسد أن حرية الوطن والمواطن فوق الجميع ? متى يعلن النظام السوري أنه فهم شعبه?

الواضح من مسار أحداث الثورة السورية, أن نظاماً توليتارياً فاشياً كنظام الأسد, ليس بصدد فهم معاناة شعبه, طالما بقي عقله مسكون بنظرية المؤامرة.

فهكذا نظام يتغذى من المؤامرات ويستمد وجوده منها, لن ينجلي ليله إلا بالثورة على تلك المؤامرة التي يحيكها ضد خيارات شعبه في الحرية والعدالة والمساواة.

ليعلم النظام السوري, أن زمن المؤامرات البائدة ولى إلى غير رجعة, وأن زمننا اليوم هو زمن الحرية والتغيير, وأن الثورة مستمرة حتى النصر.

* كاتب وناشط سوري

======================

خطاب الأسد فرصة أخيرة لتصحيح المسار

الاربعاء, 06 أبريل 2011

خليل العناني *

الحياة

احتار الزميل حازم صاغية فى وصف نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وما إذا كان نظاماً تنقصه النزعة الديموقراطية أم أنه نظام ينحو باتجاه التوتاليتارية («الحياة» - 2 نيسان/أبريل)، وهي حيرة قد يكون لها ما يبررها قبل 15 آذار (مارس) الماضي، باعتبار أن الأسد منذ أن تسلّم السلطة في تموز (يوليو) 2000، حاول أن يقدّم نفسه كما لو كان زعيماً إصلاحياً، في حين أنه لم يكن سوى امتداد لنظام أبيه الراحل حافظ الأسد، بشموليته وسلطويته، ولكن في ثياب شابة. بيد أنه منذ اندلاع الانتفاضة السورية قبل ثلاثة أسابيع، وبعد سقوط القتلى والجرحى، لا يمكن وصف النظام السوري بأقل من كونه نظاماً شمولياً لا يختلف كثيراً عن نظامَيْ حسني مبارك وزين العابدين بن علي.

فما حدث في سورية عام 2000 لم يكن بأي حال انتقالاً من نظام سياسي الى آخر، وهذه بداهة، وإنما كان تجديداً لنظام سلطوي تولى السلطة قبل أربعة عقود، وقام بتسليمها لوريث عبر انقلاب دستوري (أبيض) جرى التحضير له طيلة التسعينات، وتم بعدها إعادة طلاء أعمدة النظام، وهو ما يعني فعلياً أنه لا توجد شرعية حقيقية لهذا النظام الجديد سوى شرعية «الإرث» السياسي انطلاقاً من رابطة الدم والعصبية.

وإذا كان الأب حافظ الأسد قد استمد شرعيته من تاريخه وكاريزميته وسياسته الخارجية، فإن الابن يفتقد أياً من هذه المقوّمات الثلاثة، باستثناء ما ورثه عن أبيه من عناد يصل أحياناً إلى حد الغرور، فهو لم يحقق أيَّ إنجازات خارجية، سواء في الجولان المحتل أو بتحقيق الوحدة العربية الشاملة التي يضعها حزب «البعث» شعاراً له، كما أنه لم يقم بأي إصلاحات داخلية قد توفر له شرعية جديدة. وما كانت التظاهرات التي خرجت مؤيدة للابن عشيةَ رحيل الأب، والتي حملت شعاراً ذا مغزى هو «قائدنا، مثالنا، أملنا»، سوى تكريس لمفهوم الوراثة المشروطة التي كانت ترى في بشار «الأمل» الذي سوف يستكمل مسيرة الأب «القائد»، وبمثالية الابن الأكبر باسل، الذي رحل فجأة ولكنه خيّب آمال الجميع.

صحيح أن بشار حاول تكريس صورته طيلة التسعينات، سواء كمفاوض سياسي، عطفاً على تولّيه إدارة ملف لبنان، رغم أن نجاحه لم يكن نتيجة مهاراته السياسية بقدر ما ارتبط بنفوذ أبيه وسطوته داخل لبنان آنذاك، أو كمناهض للفساد، من خلال محاربة الفساد البيروقراطي الذي استشرى في حكومة محمود الزعبي وكانت نتيجته فضيحةَ قضيةِ «الإيرباص» التي راح الزعبي ضحيتها لاحقاً، إلا أن طريقة إدارته للشأن الداخلي على مدار السنوات العشر الماضية أكدت أن قدراته السلطوية تفوق أيَّ حديث عن نواياه الإصلاحية.

خلال سنواته الخمس الأولى، وعد بشار الأسد بتحقيق إصلاحات سياسية واجتماعية تلبي طموحات السوريين الذين حُرموا طيلة حكم أبيه من الخبز والحرية معاً. وقد صدّق كثيرون هذه الوعود، فظهر ما بات يُعرف ب «ربيع دمشق»، الذي لم يستمر سوى ستة أشهر فقط، أُغلقت بعده جميع النوافذ السياسية، وتم اعتقال الناشطين السياسيين وقادة المعارضة، وقُمعت حرية التعبير ودخل السوريون في حقبة جديدة من الترهيب السياسي والأمني. ودعْكَ ممّا ساقه البعض عن كون إجهاض «ربيع دمشق» قد جاء نتيجة للصراع بين الحرسين القديم والجديد، فتلك رواية يتم ترديدها من أجل توفير غطاء وشرعية للوريث باعتباره مناضلاً إصلاحياً، فقد نجح الوريث لاحقاً فى إقصاء الحرس القديم ورغم ذلك لم يتحقق الإصلاح الموعود.

وفي الخمسية الثانية جاءت الوعود نفسها، عبر المؤتمر القطري العاشر لحزب «البعث»، وذلك بالحديث عن: إطلاق الحريات، وإلغاء حالة الطوارئ، والسماح بإنشاء الأحزاب السياسية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين... إلخ، في حين كان الهدف الأساسي للمؤتمر هو «قبر» الاشتراكية البعثية من أجل تمرير التوجه الاقتصادي الجديد لبشار الأسد ودائرته الضيقة، التي سوف يتمدد دورها لاحقاً كي تصبح القوة المهيمنة الوحيدة على الاقتصاد السوري، من دون أيِّ تحقيق للعدالة الاجتماعية التي أوصى بها المؤتمر ذاته تحت شعار اقتصاد السوق الاجتماعي. ورغم ذلك، فقد حاول السوريون تصديق الأسد وإعطاءه فرصة جديدة لاختبار جدية نواياه الإصلاحية، خاصة في ظل حالة التعبئة والحشد الإعلامي التي شارك فيها مثقفو النظام وسدنته.

ولكن بانقضاء الخمسية الثانية من حكم بشار الأسد، كانت النتيجة هي: أكثر من 11 بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، في حين وصل حجم البطالة إلى حوالى 9 بالمئة، بالإضافة إلى نحو 9 بلايين دولار هي قيمة الدين الخارجي، واحتلت سورية المرتبة 138 في معدل الفساد العالمي بين حوالى 180 دولة. أما سياسياً، فلا يزال قانون الطوارئ مفروضاً منذ عام 1963، ولم يتم إصدار القانون الجديد للأحزاب السياسية الذي صدر الإعلان عنه قبل خمس سنوات، ناهيك عن القيود الصارمة المفروضة على حرية الإعلام والمطبوعات (وذلك بموجب قانون المطبوعات السيئ السمعة، الصادر عام 2001، والذي يفرض عقوبات رادعة على حرية النشر وإبداء الرأي تتراوح بين الحبس من عام إلى ثلاثة أعوام بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى حوالى مليون ليرة سورية أو ما يعادل 20 ألف دولار أميركي)، وهي حال لا تختلف كثيراً عما تقوم به الأنظمة الشمولية شرقاً وغرباً.

ومع بداية الخمسية الثالثة، انطلقت الانتفاضة السورية في درعا وعمّت بقية المدن والأرياف السورية، بعدما تأكد تأجيل تنفيذ الوعود الإصلاحية للرئيس السوري من خلال أفعاله السلطوية طيلة السنوات العشر الماضية، فبالنسبة الى كثيرين من السوريين، بلغ السيل الزُّبى، وانقضت فرصتان لم يستفد منهما بشار الأسد، الذي فشل في تلبية طموحات وتوقعات الشعب السوري منه. وزاد الطين بلّة ما قامت به قوات الأمن السورية في مواجهة حركات الاحتجاج والتظاهرات الاخيرة، فقد وقع المحظور وحدثت القطيعة بين النظام والشعب.

كان مؤسفاً بعد مرور أكثر من عشرة أيام على قيام الانتفاضة السورية، أن يخرج الرئيس السوري، وبنبرة لم تخلُ من غرور معتاد، ليكرر وعوده نفسها، وكأن شيئاً لم يحدث. ولم يبدُ عليه الغضب لأعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا، في حين اعتبرهم مجرد «قلة مندسّة ومأجورة»، لذا فقد توعد بالنيل ممن يقف وراء «المؤامرة الكبرى» التي تحاول زرع الفتنة في سورية. وهي اللغة نفسها والمفردات نفسها، التي باتت طقساً أساسياً في تراجيديا السقوط التي تمر بها أنظمة عربية مهتزة، فقد حمل خطاب الأسد الوعود نفسها التي حملها من قبله نظامان عتيقان رحلا عن السلطة في غضون أيام في تونس ومصر.

خطاب الأسد كان بمثابة فرصة أخيرة لتصحيح المسار، ولكنه ضيّعها عامداً. وهو أشبه بخطاب الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي ألقاه في الأول من شباط (فبراير) وكاد أن يشقّ الأمة المصرية نصفين بين متعاطف معه ورافض له، ولكن بعد حوادث القتل التي وقعت في دوما واللاذقية وبانياس ودرعا، يُخشى أن يكون الوضع في سورية قد صار شبيهاً بما حدث مع المتظاهرين المصريين حين هاجمتهم البغال والجمال في ميدان التحرير فيما عُرف لاحقاً ب «معركة الجمال» وكانت المسمار الأخير في نعش حكم مبارك. ربما سيصمد نظام بشار الأسد أكثر من غيره، ليس لصدق نواياه وجديته الإصلاحية، وإنما فقط بقوة البطش.

تبقى ثلاث نقاط مهمة، أولها ما تقوم به الآن القوى السياسية والكوادر الفكرية والثقافية العربية والسورية، فخلال الأسابيع الماضية امتلأت الفضائيات العربية بمثقفين، أو كذلك يوصفون، من سوريين وعرب، يدافعون عن نظام بشار الأسد ويروّجون لقدرته على عبور الأزمة الراهنة باعتباره نموذجاً مختلفاً عن بقية النماذج العربية. وللأسف، فإن بعضهم قد عُرف عنه في السابق دفاعه الشديد عن الحقوق والحريات، فما أن وقعت الانتفاضة حتى لاذ بالصمت.

ثانياً: يراهن البعض على أن الجيش السوري لن يصطف مع الشعب إذا ما تأزّمت الأمور، وأن قياداته سوف تنحاز لصالح النظام، إن لم يكن ولاءً فبداعي المصلحة المشتركة، وهو أمر قد يبدو صحيحاً بالمقاييس العادية، ولكنه ليس كذلك بمقياس الثورات، وهو ما رأيناه في تونس ومصر واليمن.

ثالثها: المبالغة في التخوف من اندلاع نزاع طائفي سني – شيعي في حال قيام الثورة السورية، وهو أمر فضلاً عن سذاجته في بلد لم يشهد خلال العقود الأربعة الماضية تعصباً طائفياً أو فرزاً إثنياً، تكذّبه الوقائع، فأفضل ما فعلته الثورات العربية أنها أعادت صهر وإنتاج الهوية الوطنية في البلدان العربية على نحو مبهر، وذلك بعد أن توحّد الجميع حول هدف واحد هو نيل الحرية والكرامة.

* أكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا.

======================

نعم، وسورية بحاجة للديمقراطية والحريات

علي جرادات

الايام الفلسطينية

6-4-2011

في معرض التعليق على ما تعرضت له بدايات الحراك الشبابي الفلسطيني من قمع فظ في غزة، أو قمع ناعم في الضفة، سبق لي أن عالجت علاقة الديمقراطي بالتحرري في مقالة سابقة، أكدت فيها على أن الشرط الديمقراطي شرط لازم لنجاح وتواصل حركات التحرر، وطنية كانت أم اجتماعية، بل، ويشكل هذا الشرط سمة لازمة من سمات حركات التحرر، التي تنكص وتنهار بغيابه، عاجلاً أم آجلاً. هكذا قال "التاريخ الذي لا نصدق غيره"، وفي أقله وفقاً لأسباب انهيار تجارب الاشتراكية المحققة، كحركات تحرر اجتماعي، في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية، وانهيار العديد من حركات التحرر الوطني في بلدان ما يسمى "العالم الثالث"، ومن بينها بلدان عربية كمصر والجزائر الخ...

واليوم، حري التمعن فيما يجري من قمع دموي مرعب لبدايات الحراك الشعبي السوري، الذي سارع النظام لوصمه بالمؤامرة الخارجية، وبالمؤامرة الأميركية الصهيونية تحديداً، رغم أن شعارات هذا الحراك لم ترتقِ إلى المطالبة بإسقاط النظام، بل اقتصرت على المطالبة بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، كان النظام وعد بها منذ زمن طويل، بل، وما زال يقر نظرياً بمشروعيتها وضرورتها، وتنص جوهراً على:

1: إلغاء قانون الطوارئ بعد نصف قرن من فرضه، بما يتيح سيادة القانون واستقلال القضاء، ويمنع القمع والاعتقال العشوائي والتعسفي.

2: سنِّ قانون يتيح حرية تشكيل الأحزاب وتنافسها البرامجي الديمقراطي بديلاً عن النص الدستوري الشمولي الذي ينص على أن حزب البعث هو "الحزب القائد للمجتمع والدولة".

3:إطلاق حريات الصحافة والتنظيم السياسي والنقابي والتجمع والتظاهر السلمي الخ...

4: محاربة الفساد والبطالة والفقر والثراء الفاحش وتوفير الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.

وتعد هذه المطالب الإصلاحية، مجرد حد أدنى من متطلبات النظم الديمقراطية، التي بات غيابها من مخلفات الماضي، حيث تجاوزها التاريخ والعصر، ولا يعتبر تحصيلها كمكتسبات للشعوب مِنَّةً من النظم السياسية الحاكمة، اللهم إلا لتلك الأنظمة التي لا تزال تحكم بصيغة السلطان والرعية القرووسطى، أو بصيغة الحُكْمِ خارج القانون والمساءلة، كصيغة تجاوزها المعدل العام للفكر السياسي البشري منذ قرون.

عليه، فإن هذه الإصلاحات يجب ألا يتم القفز عليها، أو المطمطة والتسويف بشأنها، أو التحايل عليها، أو محاولة تقنينها وإعطائها بالقطارة، بذريعة أن سورية ما زالت تعيش حالة مواجهة مع إسرائيل، وتتعرض لتدخلات أميركية وسواها، أما لماذا؟؟ فلأن هذه الذريعة تنطوي على العديد من المغالطات، لعل أهمها:

1: إن افتراض أن حصول الشعب السوري على حقه الطبيعي في هذه الإصلاحات الديمقراطية، من شأنه أن يجعله أقل ذوداً عن الوطن، هو افتراض مفتعل، وينطوي على مغالطة أن الشعوب، والشعب السوري بضمنها، لا تتشبث بقضاياها الوطنية والقومية إلا إذا كانت مقموعة وخاضعة وجائعة، بينما العكس هو الصحيح، فنيل الشعوب لحريتها وحقوقها الديمقراطية، هو ما يجعلها أكثر مشاركة في صنع القرارات الوطنية، وأكثر انتماء للوطن والدفاع عنه ضد التهديدات الخارجية القائم منها أو القادم.

2: إن افتراض أن إطلاق العنان للحريات والخيار الديمقراطي الداخلي للشعوب، وبضمنها الشعب السوري، من شأنه أن يضعف منعة الدول في مواجهة الأخطار الخارجية، ينطوي على مغالطة قياس قوة الدول بقوة ما تمتلكه أنظمتها من عوامل قوة عسكرية وأمنية، لأن هذا قياس ميكانيكي لعوامل قوة الدول ومنعتها، وهو قياس لا يعي، أو لا يريد أن يعي، أن القياس الأعمق والأدق والأشمل لعوامل القوة يشتمل على ما للدول من عوامل قوة سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية، وهذا لا يتيحه إلا إطلاق الحريات والخيار الديمقراطي للشعوب في هذا البلد أو ذاك.

3: إن تضليل أن كل حراك شعبي عربي ينادي بالتغيير، وبضمنه بدايات الحراك الشعبي السوري، لا بد وتقف خلفه مؤامرة خارجية، أصبح تضليلاً عتيقاً ممجوجاً، ولا يمكن له أن ينطلي على كل من له عقل يستخدمه، أو على كل من له عينين يشاهد بهما شاشات الفضائيات ومواقع الاتصالات الالكترونية العصرية السريعة والعصية على التحكم .

في سياق كل ما تقدم، وحول علاقة الديمقراطية بمنعة الدول بخاصة، تحضرني مطالعة بهذا الشأن، كان قدمها المرحوم الدكتور جورج حبش في أواسط ثمانينيات القرن المنصرم، وتم نشرها في كراس تحت عنوان "نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني"، أكد فيها على ضرورة عدم قياس عوامل قوة هذا الكيان بما يمتلكه من عوامل قوة عسكرية وأمنية فقط، بل ضرورة النظر إلى ما يمتلكه ككيان غاصب من عامل ديمقراطي داخلي، يتيح تفجير كامل طاقاته كمجتمع، بدءاً بإشراك المرأة في المواجهة وعدم حبسها في البيت والمطبخ، مروراً بإعلاء شأن البحث العلمي ودعمه بموازنات خيالية، وتحويل إنتاجه النظري إلى تطبيقات عملية في كافة المجالات العسكرية والأمنية والصناعية والزراعية الخ...عرجاً على إطلاق حريات الصحافة والتنظيم والمعتقد والتفكير والتنوع والتعدد الخ...، وتوظيف كل ذلك في معارك المواجهة الخارجية، وصولاً إلى ممارسة لعبة الديمقراطية السياسية الليبرالية بأعلى أشكالها، عبر التداول السلمي للسلطة، ورهن تبدلاتها بصندوق الاقتراع، الذي يعطي السلطة ويراقبها وينزعها بشكل دوري، بعيدا عن وراثتها أو توريثها أو رهنها ب"الحزب الواحد" وب"القائد الأوحد"، وما يفضي إليه ذلك من تعفن واحتقان واحتراب داخلي، كظواهر تلد كل أشكال التفتيت السياسي والطائفي والمذهبي والاثني، وكتربة خصبة للاستثمار الخارجي وتدخلاته، بحسبان أن القلاع لا تقتحم إلا من داخلها. ما يثير سؤال: ألم يكن هذا هو حال ما شهدته، (وللأسف ما زالت تشهده)، العديد من الأقطار العربية، التي شكَّل غياب الشرط الديمقراطي الداخلي في حياتها، تربة خصبة لإشعال الفتن بين مكونات تنوعها الطبيعي بنيران بدعة الفوضى الخلاقة الأميركية، التي لم تنجح في تدمير النظام السياسي العراقي وسلطته فقط، بل ونجحت في تدمير الدولة العراقية ومؤسساتها أيضاً، الأمر الذي لم يكن ليحصل بأدوات داخلية، لو أن نظام صدام البعثي كان ديمقراطيا مع شعبه، وفي أقله لو أنه كان أقل دموية في تعامله مع معارضيه. وفي هذا، درس كبير، نراه يتكرر في ليبيا، وعلى كل نظام رسمي عربي، وعلى النظام السوري تحديداً، التعلم من هذا الدرس قبل فوات الأوان. ففي نهاية المطاف تبقى سورية الدولة أهم وأبقى من تبدلات نظامها وسلطتها وأحزابها ورئيسها، إذ في أقله قيل يوما "لا حرب بدون مصر"، و"لا سلام بدون سورية"، التي هي الأخرى بحاجة إلى الديمقراطية والحريات.

======================

الافتتاحية.. دعوة إلى الحوار

دمشق

صحيفة تشرين

كلمة رئيس التحرير

الأربعاء 6 نيسان 2011

سميرة المسالمة

تشرين

تحتاج الفوضى والتخريب إلى إرادة منفردة، بينما يحتاج الإصلاح والبناء إلى اجتماع الإرادات واجتماعها لا يمكن أن يكون إلا في خانة المصالح الوطنية العليا، ولذلك فمن البدهي القول: إن خيار الإصلاح هو خيار جماعي، وإن تعدد الآراء تحت سقف الإصلاح يثري مسيرة الإصلاح

ولا يفسدها، وعندما نقول آراء مختلفة واجتماع إرادات، فهذا يعني بالضرورة أننا نختار الأفضل والأنجع والأصدق، لأن كل نقاش يدور وكل حوار يجري وكل جدل قائم يهدف إلى إنجاز الإصلاحات المختلفة كما ينبغي أن تكون، وكما تتطلب المصالح الوطنية العليا التي تمثل إرادة الناس وتطلعاتهم وهواجسهم.. وهذا يعني أيضاً أن انتقال سورية من مرحلة إلى مرحلة أفضل يجب ‏

ألا يكون عملاً تجريبياً أو طارئاً أو مؤقتاً، بل عمل علمي منهجي ووطني يستند إلى معطيات الواقع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وإلى حاجات الجماهير ومشاكلها وتعقيدات حياتها، ما يفرض على كل المثقفين والنخب المجتمعية والسياسية الوطنية حواراً شاملاً نهضوياً وحضارياً لا إلغاء فيه ولا تغييب، ويقوم على قواعد الإصغاء والاستماع إلى نبض الشارع الذي هو دائماً وأبداً متميّز بصدقه ووطنيته وسموّه الأخلاقي والقيميّ.. ‏

إن المسؤولية هنا اليوم موزعة على اجتماع ومجتمعة على عموم الناس في حماية الاستقرار والأمن الوطني والسيادة الوطنية، وإجراء مراجعة نقدية كلية قادرة على تشخيص العلل والمشكلات في روح من الألفة والمحبة وتقدير الآخر واحترام وطنيته وحرصه، والالتزام بلغة سياسية تجمع ولا تفرّق، توحّد ولا تبدد، سقفها الوطن وأرضها الوطن وخيارها الوطن وأهدافها بناء سورية المعاصرة القوية والقادرة والتي يكون فيها الإنسان هو الأسمى والأعلى في حريته ومستقبله وإرادته وكرامته، لهذا كلّه فأنا أدعو كلّ الأطياف السياسية والثقافية والمجتمعية لحوار يجمعنا تحت سقف الوطن، حدوده أمان وأمن سورية، وأهدافه دائماً حماية سورية..‏

======================

الفتنة الأهلية وإجهاض الثورة الديمقراطية

تاريخ النشر: الأربعاء 06 أبريل 2011

برهان غليون

الاتحاد

فتحت الثورة الديمقراطية للشعوب العربية آفاقاً كانت الاستراتيجيات القديمة التي استخدمتها بعض حركات المعارضة السياسية قد أغلقتها عليها تماماً، إن لم تساهم في تعزيز سطوة النظم الاستبدادية من خلال ما أحدثته من شروخ ومخاوف وعداوات داخل المجتمعات. بل إن هذه الثورة المدنية التي تنادي بالكرامة، بما تعنيه من احترام للفرد الإنساني بوصفه كذلك، كما تنادي بالحرية التي تؤسس لمشاركة الأفراد بصورة متساوية في الشأن العام، أي تنشد باختصار تحقيق المواطنية للجميع، ما كان من المقدر لها أن تنطلق وتتقدم وتنتصر في بعض الأقطار العربية إلا لأنها نجحت في أن تتجاوز ثقافة العصبية وتقاليد الانقسام الحزبوية، وتضع نفسها على السكة ذاتها التي تحرك جميع المجتمعات اليوم وتدفعها للارتقاء بوعيها وثقافتها ونظم سياستها وإدارتها... إلى مستوى المبادئ والقيم والممارسات الإنسانية.

هذا هو المضمون العميق للأجندة التحررية التي تحرك المجتمعات العربية، وتسمح للأغلبية الساحقة، بعد أن هجرت الحياة السياسية، بالعودة من جديد إلى ساحة العمل الوطني والاجتماعي.

وفي تعبيرها عن التطلعات الجديدة والعميقة لهجر الأفراد معازلهم الطائفية والعشائرية التي فرضتها ظروف الشح السياسي في الماضي، تعلن هذه العودة إلى ساحة العمل العام، والاستعداد للتضحية من أجلها، بما في ذلك التضحية بالأرواح، الولادة الجديدة للوطنية العربية أو بالأحرى الشوق الملتهب إلى الخروج من ذل الزبائنية والمحسوبية، إلى المواطنة وما تعنيه من كرامة شخصية وممارسة للحرية والسيادة الذاتية.

من هنا ما كان من الممكن لإرادة الانعتاق التي تحملها المطالب المواطنية إلا أن تصطدم بأنماط من الحكم والإدارة الاستبدادية التي لا يمكن أن تستمر إلا بتحييد الشعوب عبر تقسيمها والتعامل معها بالقطعة. فالمواطنية لا تستقيم من دون الحرية والكرامة والمساواة.

وما شهدناه في الأشهر الماضية من مواجهات بين نخب الحكم التي عملت ولا تزال من أجل إبراز الانقسامات الأهلية داخل مجتمعاتها، وتفجيرها إذا ما أمكن ذلك، وبين الشعوب الناهضة والطامحة للتوحد ولفرض إرادتها... يعكس الصراع على تحديد وضعية الفرد ومكانته في بلادنا العربية: وضعية الزبون التابع لزعامة طائفته أو حزبه أو عشيرته أو زعيم دولته، والملتزم من دون تفكير بكل ما يفرضه منطق المحسوبية من ولاء والتصاق والتحام أعمى... أو بالعكس؛ وضعية المواطن الحر الذي يعرف أن شرط ممارسته لهذه الحرية واحتفاظه بها وتعزيزها والارتقاء بمستوياتها ومعانيها هو احترام حرية الآخر، وتعميم المشاركة على الجميع لتحويلهم إلى رجال أحرار، فاعلين ومسؤولين، أي واعين لمعنى الحرية المدنية والسياسية.

وكما يتطلب الحفاظ على الأوضاع وأنماط الحكم والاستبدادية، القائمة على إخراج الشعوب من معادلة السياسة والقوة، تكسير هذه الشعوب وتقسيمها وإجهاض روح الكرامة والحرية في أفرادها، وهذا ما تتكفل به العصا الأمنية الغليظة، يتطلب تحقيق المواطنية التي تجتاح بروحها اليوم الوعي العربي، الانتقال إلى نمط جديد من الحكم، وتنظيم السلطة السياسية، والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين. وهذا يعني أولاً انقلاباً أخلاقياً، يشير إلى تغير نظرة الفرد إلى نفسه ورفضه أن يعامل كتابع وزبون بدون إرادة خاصة له أو استقلال ذاتي. وثانياً انقلاباً فكرياً يدفع بالأفراد إلى الخروج عن عصبوياتهم وانغلاقاتهم التقليدية في إطار الطائفة أو القبيلة، نحو فضاءات أرحب يلتقي فيها مع أقرانه في المواطنية، ومن ورائهم، مع أبناء الإنسانية. وثالثاً ثورة سياسية تقودهم إلى التحرر من جميع الوصايات الأبوية أو الطائفية، والاندماج في مغامرة تكوين رابطة الأمة السياسية التي هي التعبير الأوضح عن الانخراط في التاريخية الحضارية. وأخيراً ثورة اجتماعية تفتح الباب أمام انفتاح الجماعات الأهلية والفئات الاجتماعية والجهوية بعضها على البعض الآخر، من دون أحكام مسبقة وحسابات ماضية أو راهنة، وتقود إلى نشوء روح جماعية جديدة، تتجدد عبرها الجماعة ذاتها وتتحول إلى جماعة وطنية.

وفي هذا الصراع، ليس لنظم الحكم الاستبدادية، والمصالح الاجتماعية المرتبطة بها، أمل في البقاء من دون إجهاض دينامية التحرر الراهن، والذي جسده شعار ثوار سوريا: "واحد واحد واحد، شعب واحد"، ومن دون إحياء ذاكرة النزاعات المأساوية القديمة، وشحن العواطف البدائية، وتخويف الكل من الكل، ووضع الناس في مواجهات طائفية أو عشائرية إجبارية تفرض على كل فرد الالتحاق بعصبيته ليضمن لنفسه الحماية التي حرمته منها الدولة. والهدف من ذلك هو إجهاض الوليد في المهد، أي شعب المواطنة الحديث الحر والمتساوي، وإكراه الجميع على الانضواء ضمن عشائرهم وطوائفهم من جديد، حتى يمكن التلاعب بانقساماتهم وفرض الوصاية الأبدية عليهم.

هذا ما سعى إليه نظام سابق حين دفع بوزير داخليته إلى تفجير إحدى الكنائس لبعث الفتنة الطائفية، وليبرهن على أن الفوضى هي النتيجة الطبيعية للحرية، ويبرر استمرار نظام القمع وضرورة تجديد البيعة للسلطة الاستبدادية. وهذا ما فعلته وتفعله أنظمة أخرى حين تهدد بالفتنة بين القبائل، معتقدة أن الولاءات القبلية ينبغي أن تكون أسبق من الولاءات السياسية الجديدة الطامحة إلى بناء فضاءات المواطنة المنفتحة، أو عبر تأليب الطوائف على بعضها البعض، وشحن مشاعر الخوف والضغينة بينها، في نفي للروح الوطنية الصاعدة على انقاض اللعب بالحزازات الدينية والمذهبية.

لم يعد لبعض الأنظمة إلا رسالة واحدة، هي تفجير مجتمعاتها من أجل الاستمرار في إخضاعها وسلب إرادتها وحرياتها ومواردها، وفرض الإذعان عليها، وشدها نحو عصور الظلام الكئيبة.

ورغم أني على ثقة بأن الشعوب لن تضحي بحرياتها المنشودة وحلمها بحياة جديدة حرة وكريمة في سبيل حسابات قديمة وانتقامات لا أخلاقية وتافهة، إلا أنه لا تنبغي الاستهانة بما يمكن أن تفعله نخب فقدت صوابها، ولم يكن لديها يوماً شعور بالمسؤولية تجاه بلدانها. وما فعله القذافي وأفراد عائلته الذين ورطوا شعبهم في حرب جرّت عليه الدمار وكرست التدخل الدولي في شؤونه، لا يزال ماثلاً أمامنا.

باسم هذه الشعوب المقهورة وحقها في العيش بسلام وحريةٍ، أدعو المثقفين العرب إلى أن يرفعوا عالياً راية المقاومة لاستراتيجيات الفتنة الأهلية هذه، وأن يدينوا بصوت مرتفع أصحابها من النظم التي تفضل تدمير بلدانها على فتح باب المشاركة في السلطة لشعوبها.

======================

الفزاعات العربية ... احترقت

تاريخ النشر: الأربعاء 06 أبريل 2011

الاتحاد

لم تعد فزاعة "القاعدة" تنفع بعض الأنظمة العربية لاستمرار الحصول على دعم الغرب لها... ولم يعد التخويف من الجماعات الإسلامية يقنع الغرب بخطورة وجودها وبالتالي الخوف من إمكانية وصولها إلى السلطة... لم تعد الفوضى التي تقول بعض النظم العربية بأنها البديل الحتمي عنها فرضية مقنعة للغرب أيضاً... لم تعد المخاوف من حرب أهلية تؤخذ بعين الاعتبار في الداخل والخارج... كما أصبح واضحاً أن الغرب لم يعد يعتبر أن ثمة دولة عربية حليفة له. لقد أصبح يعيد ترتيب أولوياته مع المنطقة، كما لو أنه يبدأ من الصفر في علاقته مع المجتمعات العربية، بالطبع منطلقاً من مصالحه الاستراتيجية... فالفزاعات العربية احترقت كلها تقريباً فكانت دخاناً لنيران الثورات العربية.

لم تعد الأساليب القديمة في الحكم تجدي نفعاً... ولم تعد هناك قواعد ثابتة للعبة السياسية بعد أن تبعثرت جميع الأوراق، ولم تعد هناك محرمات ولم يبق شيء من "المقدسات". الإنسان العربي حطم قيوده وأزاح ما بداخله من خوف وتردد وجبن وتسويف ونفاق... فخرج عاري الصدر لا يرى إلا مستقبله ومستقبل أبنائه وقد قرر أن يرسمه بيديه... ولا يريد إلا تحقيق حلمه الذي صادرته حكومات أخذت الوصاية الكاملة على شعوبها لعقود دون أن تقدم لهذه الشعوب ما تتطلع إليه.

الشعوب لا تريد سماع المزيد من الأكاذيب، والشعوب شبعت من الوعود... هذا ما يردده الكثيرون في تلك الدول التي خرج الناس فيها مطالبين بحقوقهم. الشعب لا يريد التراجع بعد أن قدم التضحيات. ومن يعتقد أن الشعب سيرجع من حيث أتى، كما توقع الرئيس اليمني عندما دعا المعتصمين والمحتجين منذ أيام إلى إيقاف المظاهرات كشرط لقبول مطالبه، فهو واهم! فكيف يعود المتظاهرون بعد أكثر من شهرين من الاعتصام وبعد أكثر من عشرات الشهداء وآلاف الجرحى..؟ بعد تلك التضحيات والدماء والضحايا... يبدو أن لغة الكلام قد تغيرت، والسلطة المطلقة انتهت، والحقبة التي كانت تأمر فيها السلطة شعبها فيطيع الأوامر بلا نقاش، قد ولّى زمنها.

لا ينفع النظر إلى الوراء أو التفكير في العودة إلى الخلف، هذا تضييع للوقت والجهد. من يريد اجتياز مرحلة التغيير هذه بأقل الأضرار عليه أن يبدأ بالتغيير أيضاً. إن أصعب شيء على الإنسان هو أن يغير أو يتغير، لكن التغيير قد يكون مطلباً ملحاً في بعض الأحيان من الاستمرار والحفاظ على البقاء. والحقيقة أن أغلب الدول العربية تشترك في شيء واحد هو "الفساد" بأشكاله وأنواعه ومستوياته، والذي يدفع ثمنه الشعب، لذا لم يستغرب الناس حين رأوا الثورة الشعبية تنتقل من بلد إلى آخر!

من لم تصله عاصفة التغيير ما يزال يملك فرصة لتدارك نفسه وللتعلم مِن أخطاء مَن سبقوه. وينبغي أن يكون الهدف الرئيسي هو أن لا تصل الشعوب إلى مرحلة الثورة والخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقها، فاستباق الأمور واستيعاب مطالب الشارع أمر مهم جداً.

أغلب الأنظمة العربية لا تريد الفهم، والقناعة الذهبية عند الغالبية أنهم "غير" وأن الوضع في بلدانهم مختلف عمن سبقهم، فقد قالوها في مصر ثم ليبيا ثم اليمن والآن في سوريا، لكن الواقع يقول إن أغلبية الأنظمة متشابهة وأنها معرضة لنفس الواقع، لذا يمكن من الآن التعامل مع الواقع بشكل مختلف حتى يتغير المصير. لا يمكن تغيير الواقع، لكن من الممكن تغيير المصير عبر التعامل العقلاني مع متغيرات المنطقة.

ثمة دول عربية مضطربة هذه الأيام على رأسها ليبيا التي تشهد حرباً شعواء بين القوات الموالية للقذافي والثائرين على نظام حكمه. والوضع في ليبيا يحتاج، بالإضافة إلى التدخل العسكري الدولي، إلى خطوات سياسية عربية ودولية على رأسها الاعتراف الدولي بالمجلس الوطني الانتقالي، ودعم احتياجاته، ويفترض أن يؤدي ذلك إلى تصدع نظام باب العزيزية من الداخل وإلى تخلي من بقي من أتباعه عنه، وبالتالي التعجيل بإنهاء الحرب التي راح ضحيتها الآلاف في أقل من شهرين.

الدولة الثانية هي اليمن التي أثبت شعبها أنه متحضر ومسالم، وأن ثورته سلمية ومطالبه شرعية. واليمن أيضاً يحتاج إلى من يقنع نظام علي عبدالله صالح بأن وقت التغيير قد حان وأن عليه أن يحقن دماء اليمنيين، فما حدث من قتل خلال الأسابيع الأخيرة على أيدي رجال الأمن يجب أن لا يتكرر. لقد فعل صالح كل ما بوسعه لليمن، ولا يبدو أن لديه المزيد كي يقدمه، لذا فإفساح المجال لآخرين كي يديروا شؤون البلاد يبدو أمراً منطقياً.

أما الدولة الأخرى التي انفجرت فيها الثورة مؤخراً فهي سوريا، والتي نتمنى أن يستوعب نظامها بقيادة رئيسه الشاب، أن رياح التغيير وصلت ارض الشام، وأن تجاهل مطالب الشعب لن يكون مفيداً، وتدارك ثورة كبيرة على الأرض السورية لن يكون إلا بتغييرات وإصلاحات حقيقية، وهذا ما لم يحدث منه شيء حتى هذه الساعة. فالخطاب السابق يتم تكريسه، والنظام ما يزال مصراً على النظر إلى المرآة لرؤية ذاته وليس لرؤية الواقع!

======================

جامعة عربية جديدة   

آخر تحديث:الأربعاء ,06/04/2011

ميشيل كيلو

الخليج

نشأت جامعة الدول العربية قبيل موجات الاستقلال التي عرفتها البلدان العربية المختلفة، بعيد الحرب العالمية الثانية . ويقال إنها قامت باقتراح من تشرشل، الذي أراد حماية العالم العربي من اختراق أمريكي وشيك، خشي أن ينتزع مستعمرات بريطانيا العربية، كما أشيع في زمنه، ويعتقد كثيرون حتى الآن .

وعلى رغم الملاحظات والمطاعن الكثيرة على الجامعة، التي جعلت منها ملحقاً ثانوياً بسياسات الدول، بدل أن تكون مركزاً تتمحور هذه حوله وتنطلق منه منسقة موحدة، وأصابتها بجميع أمراض النظم ونقلت إليها مشكلاتها، فعطلتها وحولتها إلى هيكل رمزي فقير المضمون محدود الدور، فإن بقاء الجامعة في بحر التناقضات العربية المتلاطم اعتبر دوماً واحدة من غرائب الحياة العربية الحديثة، وسراً يصعب تفسيره أو شرحه، وبالتالي جانباً رئيساً من مشكلاتهم المتشعبة، التي لا يحتاج المرء إلى إجهاد نفسه ولو بمجرد التفكير فيها، خاصة بعد ما حل فيهم من كوارث متعاقبة لم تكن كافية لأن تحرك الجامعة، أو تدفع بالدول المنضوية في إطارها إلى التفكير بتطوير أو تغيير دورها، ولو في اتجاه التحكيم أو القيام بالتوسط في الخلافات والصراعات المتزايدة الحدة فيما بينهم .

وعزا كثيرون إلى هيكلية الجامعة وميثاقها ما لازمها من عجز وضعف، منذ ولادتها إلى اليوم . وقيل إنها لا تستطيع فعل أي شيء، لأنها مرآة تعكس التناقضات العربية وليس جهة تملك المبادرة، بوسعها وضع نفسها فوق وخارج التجاذب المعقد، الذي زاده التطور تعقيداً بعد تكوّن ما عرف بالدولة الوطنية في مغرب ديار الأمة ومشرقها . رغم أن الجامعة، التي فشلت فشلاً مدوياً في فلسطين، ساعدت بعضها على التحرر من الاستعمار، أو أنها خدمت كإطار استخدمته دول بعينها، خاصة مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر، لإمداد حركات التحرر العربية بالعون والمساندة . غير أن هذا الدور غير المباشر غالباً، الذي لعبته الجامعة في ظل دولة مصرية قوية غدت مركز ثقل الحياة السياسية العربية، الذي حوّلها إلى جهاز فرعي للسياسة المصرية، في بعض المسائل والمناطق، لم يبدل جدياً وظيفة الجامعة، رغم أن أمينها العام كان مصرياً معظم الفترة التي انقضت على قيامها، باستثناء حقبة قصيرة عرفتها السبعينات تولى خلالها الشاذلي القليبي، السياسي التونسي المعروف، أمانتها العامة، عقب نقل مقرها إلى تونس وإخراج مصر في عهد السادات منها .

لكن تغيرات الأوضاع العربية لم تبدّل بأية صورة جدية موقع ودور الجامعة في حياة العرب الحديثة، حتى عندما تولى أمانتها شخصان مهمان كمحمود رياض وعمرو موسى، وهما قوميان حاولا شدها بقوة أكبر إلى مواقع تمارس من خلالها دوراً حقيقياً داخل العمل العربي المشترك، وعملا على رفدها بمؤسسات جديدة تستطيع كسر الإطار الضيق والخانق لعملها، وإدخالها إلى مناطق نشاط جديدة لا تخضع بالضرورة لبنود ميثاقها وقيوده، على أمل أن تمكن أمانتها من توسيع مجالات فاعليتها واختصاصاتها . ولعل من أهم مظاهر التجديد تلك اللقاءات مع المثقفين العرب، التي قرر عمرو موسى عقدها مع خمسين مفكراً عربياً للتداول في شؤون الأمة والجامعة وشجونهما، وكذلك سعيه إلى تأسيس محكمة عدل عربية على غرار محكمة العدل الدولية، تبتّ في الخلافات والصراعات العربية، وتسعى إلى تنظيم علاقات العرب في أجواء أكثر شرعية من جهة، وصحية من جهة أخرى، عسى أن يسهم ذلك في الحد من تفاقم الصراعات المتجددة يومياً فيها، التي سممت الحياة الرسمية والشعبية العربية ووضعت الدول بعضها في مواجهة بعض، ضمن أجواء من العداء غير المبرر وغير المفهوم .

واليوم، والعالم العربي يدخل في طور جديد يبدل الكثير من الأسس والركائز التي قام عليها نظامه العام، وارتكزت عليها علاقاته الرسمية والشعبية، هل حانت الفرصة لإخراج الجامعة من احتجاز الفرقة العربية والخلافات الرسمية والمصالح المتضاربة، ولأقلمتها مع وضع تقول مؤشرات عديدة إنه سيكون تاريخياً وفريداً في وجود العرب، وسيأخذ بمعايير ومقاييس مغايرة لما عرفوه خلال العقود السبعة المنصرمة؟ وهل سينتبه صنّاع الوضع العربي البديل إلى أهمية أن تكون الجامعة حاضنة قومية بمعنى الكلمة، تحل تناقضات ومشكلات العرب بدل اتخاذ موقف يتسم بالحيرة والجمود حيالها، فتزود بالأدوات والوسائل الضرورية للتصدي لما قد يعترض تطور العرب الجديد من عقبات وعراقيل، علماً بأن معظمها ينبع من طبيعة الواقع العربي القائم، التي أمعنت في الفصل بين المحلي والقومي، وبنت حساباتها على فك مصالحها عن المجال العربي، ووضعها في مواجهته في أحيان كثيرة، ويعدنا المستقبل القريب باستبدالها بطبيعة أخرى، مغايرة ومناقضة لها؟ وهل وحدة الحامل الشعبي، التي تلوح في الأفق، ستنعكس على الجامعة وداخلها، فتغير هيكلها ودورها وأهدافها وآليات عملها، وتجعل منها جامعة للوحدة العربية، ومؤسسة تكون نوعاً من مظلة عليا تساعد العرب ليس فقط على جسر خلافاتهم، وإنما كذلك على التواصل التفاعلي المستمر بينهم، الذي من ينمي ويطور مشتركاتهم في جميع مجالات وجودهم، الوطنية والقومية، ويزيد مساحة التنسيق والتعاون التي يقفون عليها معاً، والمصالح التي يتقاسمونها، على أن تقوم المؤسسات اللازمة لتحقيق هذا، التي يجب أن تتسم بطابع قومي يغلب على طابعها المحلي، من دون أن يتناقض معه بالضرورة أو يستمر في النمو خارجه . أخيراً، هل تقوم داخل الجامعة هيئة رئاسية عربية مشتركة تشرف على العلاقات العربية العربية، وتتكفل بالسهر على تطويرها مادياً في مستوى قومي عام، من خلال برامج تفصيلية تنفيذية وموارد مالية كافية تتوزع بعدالة على البلدان العربية المختلفة، التي يجب أن تنمو على نحو متوازن متكامل، لتتشابك اقتصادياتها وتصير أكثر فأكثر كتلة واحدة، تواجه العالم بلغة ومصالح موحدة .

من حق المواطن العربي أن يأمل بتطور كهذا يصيب الجامعة ومؤسساتها، في ظرف جديد يعد بتغيير يبدل أبنية الدول القائمة وسياساتها، من خلال تعزيز طابعها الشعبي والمجتمعي، الذي سيكون حاملها من جانب، وعبر الانفتاح على الفسحة القومية من جانب آخر . ومن واجب الجامعة أن تطور نفسها وتتكيف مع الواقع الجديد، وإلا فإنها لن تلعب الدور المأمول، الذي عليها لعبه بالتأكيد، إذا كانت تريد أن تكون قوة دفع لا كبح للعرب، ورغبت في مبارحة الوضع الذي كانت عليه إلى اليوم، وجلب لها الكثير من اللوم والنقد، وهمّشها .

أخيراً، هل يكون تطوير الجامعة علامة على قدرة الوضع العربي الجديد على ابتكار مؤسسات عمل قومي مختلفة، تسهم بدورها في استنهاض العرب وأخذهم إلى المرحلة الثالثة من يقظتهم، التي تختلف عن سابقاتها في حاملها الشعبي المجتمعي، وبرامجها المستقبلية، وطموحاتها، ومن الحتمي أن تتصدى لتجديد مجمل مكونات العمل الوطني والقومي، في زمن لطالما انتظره العرب في هذا العصر .

======================

لبنان يحاذر مقاربة التطورات السورية سلباً أو إيجاباً

ويراقب المواقف الأميركية التحذيرية والتركية المتفرجة

هيام القصيفي 

النهار

6-4-2011

حين وصل السفير الاميركي روبرت فورد الى دمشق في 16 كانون الثاني الفائت ، كانت الانظار تتجه الى تونس ومن ثم مصر حيث كانت وتيرة الاحتجاجات الشعبية تزداد يوما بعد آخر لتدفع الرئيسين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي الى ترك الحكم.

وحدهم اللبنانيون تابعوا الخبر باهتمام وانشغلوا بمتابعة تداعيات الخلاف الاميركي الديموقراطي - الجمهوري على تعيين فورد في المنصب الذي شغر اثر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. خصوصا ان الرئيس الاميركي باراك اوباما مارس صلاحياته واصدر مرسوما بتعيين فورد بعدما قدم اسمه الى مجلس الشيوخ قبل نحو عام. وكذلك انشغل اللبنانيون بمدى تأثير العودة الديبلوماسية الاميركية الى دمشق ، بينما كان لبنان يعيش مجددا تحت وطأة التدخل السوري التي ادت الى انفراط عقد حكومة الرئيس سعد الحريري، قبل اربعة ايام تحديدا من تسلم فورد منصبه.

ولكن لم يكن احد يتوقع ان يصبح فورد بسرعة في قلب الحدث السوري، تماما كما نظرائه الاميركيين المنتشرين في الدول العربية المتفجرة تحت وطأة الشارع، وان تكون اولى مهماته الاساسية الاشراف على اجلاء الرعايا الاميركيين من دمشق، وهو الذي كان وجه اليهم دعوة الى اجتماع لهم عشية اصدار وزارة الخارجية التحذيرات من السفر الى سوريا وصولا الى السماح لافراد عائلات الموظفين الحكوميين الاميركيين بمغادرتها، مع العلم ان تصنيف سوريا جاء في المرتبة الاولى في لائحة البلدان التي حذرت الخارجية الاميركية من التوجه اليها، تليها اليابان ومصر والبحرين.

والتحرك الاميركي في دمشق اثار اهتمام الاوساط السياسية اللبنانية التي حاولت قدر استطاعتها تفادي مقاربة ما يجري في سوريا، خشية ان توصم بالتشفي او المبالغة، او التستر على ما يجري وتصوير التظاهرات وسقوط عدد من القتلى فيها بانه حوادث امنية محدودة.

ورغم مرور اسبوعين على تطورات سوريا وتسمية رئيس حكومة جديد منها ظلت القوى السياسية على حذرها، لا بل خشيتها، في التعليق على الاحداث المتتالية ، وكأن لا تظاهرات تتكرر ولا قتلى يقعون، واكتفت بقراءة معمقة لخطاب الرئيس السوري بشار الاسد... ولكن في الصالونات المقفلة.

الا ان الحدث السوري لم يلبث ان فرض نفسه، من زاويتين اميركية وتركية.

في الاولى، استعادت شخصيات سياسية متابعة، ما جرى قبل اسابيع حين نشرت مجلة "فوغ" الاميركية مقابلة طويلة مع زوجة الرئيس السوري بشار الاسد تحدثت فيها عن التغيير في سوريا، مما اثار موجة من الانتقادات الاميركية الاعلامية والسياسية للمجلة الاميركية وسعيها الى ترويج صورة سوريا بغير ما هي عليه. خصوصا ان المقابلة جاءت بعد ثلاثة اسابيع فقط من الحديث الذي ادلى به الاسد الى صحيفة "وول ستريت جورنال" وعُدّ حينها خرقا لمحاولات التضييق الغربي عليه.

منذ تلك اللحظات والترقب اللبناني لتطورات سوريا يزداد ولكن بحذر فرضته تجارب الاعوام الطويلة الماضية. وازدادت كثافة الاشارت السورية التي تنذر بأمر ما قبل بدء التظاهرات في درعا وما بعدها، وصولا الى خطاب الاسد الذي جاء بحسب المتابعين اللبنانيين، بمثابة بداية مرحلة جديدة، لكونها اسست لتطور الموقف الاميركي عمليا، وبعيدا من بيانات الادارة الاميركية السياسية.

عكس الاسد تماما الموقف السوري القديم بصيغته الجديدة. والمتابعة اللبنانية – الاميركية له تعاملت معه على اساس انه رسالة سورية الى الغرب لتحديد شروط جديدة للتفاوض حول وضع سوريا والاوراق التي يمكن ان تلعب بها في كل المنطقة، من لبنان الى فلسطين والعراق وتركيا والاردن. اذ تعرف سوريا بجغرافيتها ودورها في لبنان الممتد على ثلاثين سنة، ولما ينته بعد، ان يدها تطال البلدان المجاورة، لان وضعها لا يشبه بتاتا مصر ولا ليبيا ولا حتى اليمن. وهي تعرف ايضا ان امامها ثلاثة سيناريوات مختلفة اختبرتها هذه الدول ما يجعلها امام تجربتي مصر وتونس، او اليمن وليبيا، وصولا الى تجارب اكثر حدة وقسوة كان للغرب يد فيها كيوغوسلافيا السابقة او العراق.

استبق الاسد ما ترسمه له مراكز القرار الاميركي، ولعب لعبة "الاخوان المسلمين" التقليدية، ولعبة الوجود المسيحي والحفاظ عليه لئلا يتكرر ما حدث لمسيحيي العراق. والرد الاميركي لم يكن سياسيا بالمعنى المتعارف عليه لبنانيا، بل جاء مختصرا، بتحذير صادر عن وزارة الخارجية الاميركية، وبالاستعداد لنقل العائلات الاميركية، تماما كما فعل المارينز في لبنان ابان حرب تموز العام 2006.

اتكأ الاسد بخلفية واضحة على حليفه التركي، لكن الموقف التركي جاء لافتا ومعبرا، على مرحلتين، الاولى خلال اللقاء بين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ونظيره البريطاني ديفيد كاميرون في لندن، إذ ذكّر الاسد "بضرورة إلغاء حال الطوارئ والذهاب إلى إصلاحات في سوريا"، متحدثا للمرة الاولى عن ميزات للاسد مصدرها زوجته و"كونه علويا وزوجته سنية"، والاشارة الثانية كانت المؤتمر الصحافي الذي عقده المراقب العام ل"الاخوان المسلمين" في سوريا محمد رياض الشقفة في اسطنبول، بينما جدد اردوغان موقفه من عدم الغاء حال الطوارىء السورية متحدثا للمرة الاولى عن طلب اهالي الاسكندرون وحلب والقامشلي ومناطق قريبة من اللاذقية "مساعدتنا".

قال الاميركيون كلمتهم في دمشق من خلال تدبير اداري، وقبلهم فعل الفرنسيون عندما ابعدوا المستشار الرئاسي الفرنسي كلود غيان عن الملف السوري، وتحركت تركيا وارسلت الى دمشق مسؤولا استخباراتيا فحسب، ليناقش فيها التطورات. وحدهم اللبنانيون يخشون مقاربة الملف السوري، من قريب او بعيد، لتأتي زيارة الرئيس سعد الحريري لتركيا ولقائه اردوغان لافتا ليس في توقيته فحسب، بل في لقائه وزير الخارجية داود اوغلو "الاستراتيجي المحنك" والذي يحلم بنظام سوري شبيه بنظام تركيا.

======================

"لحظة" الإخوان المسلمين في المنطقة ؟

جهاد الزين

النهار

6-4-2011

يعتقد عدد من الاصدقاء الاتراك الذين اتصلت بهم هاتفياً في ال48 ساعة الماضية وبينهم الاكاديمي والصحافي والديبلوماسي – ان "ظهور" القياديين الرئيسيين من " الاخوان المسلمين" السوريين في تركيا يوم السبت المنصرم وادلاءهما بتصريحات علنية لا يحملان أي "تواطؤ" ضمني من الحكومة التركية، حكومة "حزب العدالة والتنمية"، ضدّ اصدقائها في القيادة السورية وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد.

ومع كل أسئلتي التشكيكية لكل واحد منهم – وهم متابعون جدّيون لشؤون العالم العربي – فإن أقصى تفسير سلبي لهذا الظهور العلني الذي يحصل للمرّة الأولى قطعاً هو تشديد البروفسور والمعلّق سولي أوزيل انه كان هناك دائماً في "حزب العدالة والتنمية" جهة وثيقة الصلة ب"حركة الاخوان المسلمين" السوريين لكن من المستبعد أن يكون حضور القياديين الاخوانيين بتحضير مباشر أو غير مباشر من زعامة "الحزب"... حتى لو كان المبرر المعلن لوجودهما في اسطنبول هو حضور مؤتمر دعت إليه منظمتان غير حكوميتين احداهما تهتم ب"حقوق الانسان" وتعتبران قريبتين من "حزب العدالة والتنمية" (AKP). غير أن الدكتورة فولي أتاسان تطرح السؤال عن احتمال ان يكون الزائران المثيران للجدل قد جاءا بهدف توسطي... أي نوع من"وساطة" ما تتولاها قيادة AKP بسبب حرصها على الوضع السوري القائم وعلاقتها المميزة مع نظام الحكم فيه وليس العكس؟

بين هذين الحدين السلبي والايجابي تراوحت الاجابات "العفوية" للاصدقاء الاتراك الذين فوجئ بعضهم بخبر "الظهور" وطلب مهلة لسؤال آخرين ثم عاد الى الاتصال بي.

الملاحظة التي أرغب بتسليط الضوء عليها عبر سرد هذه التفاصيل هي أن هذه "العينة" التركية التي تضم متابعين مختلفي الحساسيات السياسية وإن كان لونهم الغالب علمانياً وليبرالياً وبعضهم يأتي من "حجذور" يسارية لم تمنعه من الاقتراع في دورتين متتاليتين ل"AKP”... هذه "العينة" لا تستسهل، إن لم أقل، لا تقبل، فكرة دخول الحكومة التركية الحالية في مسار سلبي ضد دمشق رغم مواقفها المعلنة – عبر رئيسها رجب طيب أردوغان - والتي تدعو الرئيس بشار الأسد الى التسريع بحلول اصلاحية لمعالجة الأزمة الناشبة في سوريا، بل رغم نقدها له لما تعتبره تباطؤاً في الجواب الاصلاحي المطلوب.

كان هذا النوع من "الظهور" الاخواني السوري الحدث الأكثر دلالة في الأيام الأخيرة على مشهد بانورامي يشكّل اليوم إحدى الحقائق الأكثر وضوحاً في العالم العربي.

فاياً تكن "كواليس" وجود القياديين الاخوانيين السوريين في تركيا، فهو "ظهور" ما كان يمكن تخيله قبل كانون الأول المنصرم، شهر بدء اندلاع الانتفاضات العربية. وإذا كنت أشارك الأصدقاء المراقبين الأتراك رأيهم بأن العلاقة التركية – السورية كما ارتسمت في السنوات الأخيرة تملك عناصر متانة سياسية واقتصادية مهمة، فاني لا أشاركهم ميلهم الى تخفيف احتمال مساهمة القيادة الحكومية الحالية في توفير حضورهما الى تركيا. إذ أظن انه من المستحيل ان يحصل ما حصل حتى في هذه الحدود الضيقة (مؤتمر منظمات غير حكومية – وتصريحات نأت بنفسها عنها وزارة الخارجية) مع ما يعني ذلك – مباشرة او غير مباشرة – من متغيرات عميقة في المشهد ليس السوري فقط، بل العربي العام.

وعلى الرغم من الاختلافات النوعية – وأشدد على كلمة "نوعية" بين حركات الاخوان المسلمين في كل بلد عربي... ليس فقط في وزن كل منها الداخلي، بل ايضا في قابلياتها الايديولوجية والسياسية ايضا... على الرغم من ذلك فان بعض أولى نتائج موجة الانتفاضات العربية المتلاحقة هي وضعها الفوري لتيارات الاخوان المسلمين في واجهة كل تحرك... ولو بدرجات مختلفة جداً.

ففي مصر تشكل حركة الاخوان المسلمين منذ اللحظة الاولى ركيزة أساسية للوضع السياسي الى حد يمكن معه ملاحظة ان هناك نوعا من التفاهم العميق – إن لم يكن التحالف – بين الحركة والمؤسسة العسكرية في الضبط التدرجي لمرحلة ما بعد تنحي الرئيس حسني مبارك.

لكن على الوجه الآخر للصورة – ولعله الوجه المتمم بمعنى من المعاني – فان الاخوان المسلمين المصريين هم جزء من تيار أكثري واسع يمثل التقاليد والثقافة الدينية المصرية وفي مقدمه "الأزهر" بدأ يخوض حاليا صراعا ضد السلفيين الذين ظهروا بقوة مهددة بعد الانتفاضة... وهذا الموقع الذي يتشارك به "الاخوان" مع قوى أخرى لم تكن تنظر تقليديا الى أدوارهم بارتياح ك"الأزهر" أو كالاقباط هو اعلان طبيعي عن كون "الاخوان" أصبحوا الآن جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع التعددي المصري الذي تهدد السلفية تقاليده التعددية، هذه التعددية التي ستصبح قريبا ديموقراطية برلمانية او رئاسية راسخة دستوريا وواقعيا.

في الأردن، وبدون تعقيد، تحول الاسلاميون الاردنيون الى قوة المعارضة الاولى في مواجهة مفتوحة ولكن ايضا لا تزال محكومة بضوابط الوضع الشرق أردني ونظامه السياسي.

في سوريا... المجهول على هذا الصعيد هو السائد بسبب التاريخ "السري" لحركة الاخوان المسلمين السوريين من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الطبيعة التعددية القومية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري نفسه ذي الاكثرية السنية، ولعله في سوريا تكمن أصعب الاختبارات وأخطرها قطعا، خصوصا انه لا يبدو هناك تعدد حزبي جدي على مستوى المعارضة، مثلما هي هذه التعددية راسخة، رغم تفوق الاخوان الظاهر، في مصر.

... إنها لا شك "لحظة" الاخوان المسلمين من تركيا الى مصر الى المغرب دون ان ننسى ان الاسلام السياسي الشيعي هو الحاكم في بغداد... وحركة "حماس" الاصولية في غزة، فهل هي لحظة "عابرة" بمعنى أنها الموجة الاولى للمد الديموقراطي العربي التي لا يمكن تلافيها... ستتراجع بعد ان ينفجر احتقانها فتعود الى أحجام عادية عندما يترسخ البناء الديموقراطي في هذا البلد او ذاك... أحجام عادية او طبيعية كما كانت في مصر الاربعينات او سوريا الخمسينات او أردن الثمانينات... أو انها، كما يتخوف بعض الغربيين، وربما بعض الليبراليين العرب، ستتحول الى سيطرة أحادية طويلة الامد، كما فعلت الحركات القومية بعد عام 1948 وهي التي يطال بعضها التغيير الآن؟

بين "الاسلاميين" الأتراك الذين تطوروا الى حزب ديموقراطي على غرار احزاب المسيحيين الديموقراطيين في أوروبا وبين السلفيين السعوديين الذين تحولوا الى "تنظيم القاعدة"... كيف سيتجه الإسلاميون بين هذين الحدّين؟

=======================

لبنان والشرق الأوسط في الصحافة الاسرائيلية

قراءة إسرائيلية في خطاب الرئيس السوري

رندى حيدر

النهار

6-4-2011

حاول متابع الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل أمس تحليل مضمون خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير، فكتب:

"لا ينوي الرئيس السوري بشار الأسد تغيير بنية النظام السياسي في سوريا القائمة على تقدم حزب البعث الحاكم على غيره من الأحزاب. كما أنه لا ينوي العمل على تطوير الحياة العامة. بالأمس تحدث الأسد عن اصلاحات لتغيير قانون الانتخابات، والتركيبة الاقتصادية وحتى إلغاء قانون الطوارئ المطبق في سوريا منذ عام 1963، وبعض هذه الوعود الاصلاحية سبق للاسد أن تحدث عنها في الخطاب الذي وجهه الى الشعب عام 2005، كما أشار اليها في مقابلات صحافية.

لكن مثلما فعل في المرات السابقة، كذلك هذه المرة لم يحدد الأسد جدولاً زمنياً لتحقيق هذه الاصلاحات، وامتنع عن إدانة الفساد في الدولة ولم يعلن عن حملة لمحاربته كما فعل عندما تولى الرئاسة. عام 2000 تحدث الأسد عن البيروقراطية "غير المفيدة التي تعوق التقدم". وهذا ما فعله أمس أيضاً عندما اتهم البيروقراطية بما يحدث وكذلك أطرافاً خارجيين "يريدون التسبب بحرب أهلية". واذا بحث المتظاهرون عن شيء إيجابي في الخطاب فسوف يجدونه في كون الأسد لم يتهمهم بالخيانة، واعتبر أن قسماً منهم تظاهر بنية طيبة وليس بإيحاء من "الأطراف الخارجيين".

يستخدم الأسد اللهجة الأبوية التي سبق لوالده حافظ الأسد ان استخدمها. ففي رأيه على الناس أن تثق بأن قائدها يعمل من أجل مصلحتها، وعليها أن تؤمن بأن زعيمها سيقوم بالعمل الصحيح في التوقيت الصحيح.

لكن خطاب امس لم يكن موجهاً إلى الشعب السوري وحده. ففي الآونة الأخيرة مارست تركيا ضغطاً كبيراً وعلنياً على الأسد، وتحدث معه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرتين خلال نهاية الأسبوع واقترح عليه تبني سلسلة اصلاحات. كما أراد الأسد إرضاء الإدارة الأميركية بشيء ما، على رغم تلميحه الى ان هذه الإدارة هي التي تقف وراء الأحداث. فقد أراد الحصول على ثمن من الأميركيين مقابل الاصلاحات مثل تعهدهم ألا يتدخلوا عسكرياً، وألا يطالبوه بالتنحي من منصبه كما فعلت إدارة أوباما مع مبارك والقذافي.

لكن السؤال الأهم بالنسبة الى الأسد هو: هل الشعب السوري مستعد لتصديق وعوده على رغم معرفة كثيرين أنها لن تتحقق؟ تدل المقابلات التي أجرتها قنوات التلفزيون العربية مع معلقين وسياسيين سوريين على عدم ثقة هؤلاء بما سمعوه.

إن المشكلة الكبرى المطروحة الآن هي ماذا سيحدث بعدما اتضح ان الأسد ليس مستعداً لأن يعطي أكثر مما قاله؟ والأخطر من ذلك أن خطاب الأسد لم يتضمن وعوداً فقط، وإنما انطوى أيضاً على تهديد مبطن. ويعتقد الأسد أنه قدم كل ما يريده الشعب، ومن الآن وصاعداً بات من حقه استخدام القوة، ومن المسموح له أن يقمع المتظاهرين بقوة أكبر".

======================

النهوض العربي والنفاق الغربي

فؤاد حسين

hussein.fuad@gmail.com

الرأي الاردنية

6-4-2011

لو تتبعنا موقف الدول الغربية، من ثورات الشباب العربية، سنجد دون أدنى عناء، أن شعارات الديمقراطية والحرية والرأي الأخر مجرد إدعاءات جوفاء، لا يقيم لها الغرب وزنا أمام مصالحه، فهي، أي المصالح، الفيصل في مواقفه كلها، فموقف الحكومة الفرنسية مثلا، كان حتى قبل يومين من نجاح الثورة التونسية يدعو الى إستخدام الشدة في فض التظاهرات والإعتصامات المناوئة لزين العابدين بن علي، حتى أن وزيرة الخارجية الفرنسية المستقيلة ميشال أليو ماري، عرضت على الحكومة التونسية تقديم الخبرات في قمع التظاهرات، لكن حين بزغ نور نجاح الثورة، إنقلب موقف الحكومة الفرنسية رأسا على عقب، دون خجل أو حياء، فقط حفاظا على مصالح مستقبلية لفرنسا في تونس. كذلك كان الموقف الأميركي، الذي بقي متفرجا حتى إنبلج فجر الحرية في تونس.

الموقف من الثورة المصرية لم يكن مختلفا عن موقف الغرب من الثورة التونسية، فقبيل نجاح الثورة ببضع ايام قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون أن نظام مبارك مستقر، وأن واشنطن مع الإستقرار على حساب الديمقراطية، ومقياسها كان حلفها الإستراتيجي مع نظام مبارك، وعلاقة نظام مبارك مع إسرائيل، بغض النظر عن تطلعات الشعب المصري للحرية والديمقراطية، لكن حين حسم الشارع المصري الموقف سارعت واشنطن الى مطالبة حسني مبارك بالتنحي، بل أنها من بدأ ركوب الموجة، قامت بزيارة الى ساحة التحرير في قلب القاهرة، تلك الزيارة التي وجه فيها شباب الثورة صفعة لها برفضهم إستقبالها.

الغرب بمجمله، بما فيه الولايات المتحدة، لم يتعلم من درسي تونس ومصر، فكررت نفس الحماقة تجاه الثورة في اليمن، ففزاعة القاعدة التي أشهرها الرئيس اليمني عبد الله صالح، كانت فاعلة في وضع حد لتأييدهم للتظاهرات المطالبة بتغيير نظام الحكم في اليمن، فقد وجدت واشنطن أن التغيير يحمل في طياته مخاطر تمدد القاعدة في اليمن، وفق ما صوره لهم النظام الحاكم، فقبلوا ببقاء نظام دكتاتوري، يقمع ويقتل المطالبين بالتغيير، خشية مجيء القادم المجهول، لكن إصرار الشعب اليمني على التغيير وإستعداده لدفع مزيد من التضحيات، ستجد واشنطن ومعها كل الدول الأوروبية نفسها مضطرة للإنحياز الى مطالب الشعب.

لم تدرك واشنطن بعد أن كل مظاهر ما تسميه الإرهاب، ما هو الا نتاج سياستها، علاوة على تبنيها سياسة إسرائيل العدوانية التوسعية، وأن مناخات الحرية والديمقراطية، هي وحدها الكفيلة بإنتاج مخرجات تحول سلمية، فالشعوب الرازحة تحت القمع لا تجد وسيلة للوصول الى حقوقها، ووضع حد اللفساد ونهب ثرواتها سوى شق عصا الطاعة على الأنظمة، مما يضطرها للجوء الى أي أسلوب كان لتحقيق أهدافها، وحينها ستدفع واشنطن ثمن ذلك، مع أنظمة الحكم الفاسدة المفسدة.

حركة النهوض العربية ماضية لا محالة الى نهاياتها الطبيعية، فحركة الشارع لا تستطيع قوة مهما كانت دموية أو قمعية، أن توقف سيلها الجارف، وذاكرة الشعوب دائما تبقى حية وفق ما أثبتته التجارب عبر التاريخ، وحينها لن ترحم الشعوب التي دفعت وتدفع أثمانا باهظة في سبيل حريتها الدول التي كانت تحول دون نجاح ثوراتها ما لم تدفع ثمنا باهظا، فمن باب المصلحة التي تعتمدها الدول الغربية وواشنطن معيارا لمواقفها، عليها أن تنحاز بشكل مبكر الى خيارات الشعوب، كي لا تستعدي مستقبلا تلك الشعوب ضدها وضد مصالحها، خاصة قبل أن يكتمل بدر التحولات العربية ليشمل كل الأنظمة التي تنتمي الى الماضي، فشعوب المنطقة يدركون أن مستقبل بلدانهم في ظل التكتلات الكبيرة، لا يكون الا في إيجاد صيغة تجعل منهم كتلة واحدة، سواء أكانت تلك الصيغة وحدوية أو فدرالية، وحينها لن يكون أمام الغرب سوى القبول بالأمر الواقع، ليبقي على مصالحة دون مساس في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

======================

تركيا والإسلام السياسي

د. سليمان البدور

s_albdour@hotmail.com

الرأي الاردنية

6-4-2011

نجح حزب العدالة والتنمية التركي نجاحاً مذهلاً على المستويين الإقليمي والدولي بالرغم من وقوفه على مشارف الاتحاد الأوروبي وعدم التمكن من ولوج أبوابه، وهذا له خلفياته الشائكة وتعقيداته الثقافية والتاريخية، لكن المهم في الأمر أن هذا الحزب الإسلامي بلونه العصري، قد نجح حتى الآن في تحقيق ثلاثة أهداف مركزية، الأول: كسب اهتمام واحترام الجغرافية الطبيعية والثقافية التي ينتمي إليها الشعب التركي وهي الشرق الأوسط، عبر اعتداله ومتابعته اليقظة لما يجري حوله من أحداث وتفاعلات اجتماعية وسياسية، ومن ثم فهمه العميق للخارطة البشرية وحساسياتها في الجوار العربي والإيراني، حيث نأى بنفسه حتى الآن عن أي اصطفاف مذهبي، رغم مذهبه السني، خلال هذه الموجة من التناقضات المذهبية التي تجتاح العالم العربي منذ ثلاثة عقود، والهدف الثاني: كان الاحتفاظ باستقلالية تركيا وخصوصيتها في المحافل الدولية رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي، فقد تعامل بندِّية مع الغرب وسياساته المصلحية ولم يرضخ لضغوط الولايات المتحدة وإملاءاتها كما فعلت بعض الدول إزاء القضايا الساخنة في العراق وأفغانستان وفلسطين، فلم يسمح لقوات التحالف الانطلاق من الأراضي التركية لضرب العراق، كما شجب العدوان الإسرائيلي على غزَّة بقوة وخفض التعامل مع إسرائيل إلى قطيعة شبه كليَّة، وفي العام الماضي لامس زعيم الحزب «رجب طيب أردوغان» وجدان الشارع العربي عندما قال: «مصير تركيا ومستقبلها لا يختلفان عن مصير الدول العربية ومستقبلها»، كان هذا لدى افتتاحه للفضائية التركية باللغة العربية (تي.آر.تي)، في مطلع نيسان العام المنصرم، أما الهدف الثالث والأبرز فقد تحقق على صعيد الداخل التركي نفسه في ازدهار اقتصادي غير مسبوق، حيث تضاعف دخل الفرد وانخفضت نسبة البطالة مثلما ارتفع حجم الصادرات إلى عدة مليارات خاصة إلى العالم العربي، حتى بتنا نشاهد المنتجات التركية على أرفف أغلب المحلات التجارية، وفي حالة نادرة لكنها ذات دلالة ملفتة للنظر، قامت شركات تركية بتقديم كافة الخدمات اللوجستية للقمة العربية التي انعقدت في ليبيا العام الماضي، وتقاضت شركة واحدة «ناليتكو» مائة وخمسين مليون دولار مقابل بناء القصور وأماكن الضيافة والفنادق في مدينتي (سرت) و(طرابلس) لأعضاء الوفود العربية، حتى أن الخدمات الفندقية قدمتها إحدى الشركات التركية التي استقدمت ألف شاب وفتاة لهذه الغاية مقابل عشرة ملايين دولار، وتفيد الأنباء هذه الأيام بأن تركيا ستتولى إدارة مطار بنغازي معقل الثوار في شرق ليبيا، والحاصل أن حزب العدالة والتنمية التركي قدَّم نموذجاً جديداً للحزبية السياسية ذات الطابع الإسلامي وقدَّمه بلون عصري براجماتي يمكن استنساخه ومحاكاته من قبل أحزابنا الدينية المنخرطة في السياسة وهي منغلقة على نفسها في قوقعة السلفية الجامدة والأفكار النمطية المحنَّطة!.

======================

فوائد ومصائب خطاب الرئيس الاسد

د عبد الله سعد - بريطانيا

2011-04-05

القدس العربي

لعل إحدى الفوائد الكبرى لخطاب الرئيس بشار حافظ الأسد (رغم كثرة انتقاداته) هو في قدرته على عكس شخصية هذا الوريث غير المنتخب (والحق يقال) للسلطة في سورية.

فهذ الرئيس يبدو بوضوح أنه يعيش في عالم خاص يعشق نسجه بأدوات فكرية لغوية يصعب على القارئ العادي فهم مدلولاتها.. فكل شيء، حتى بديهيات الحياة، تحتاج إلى تعريف... بل إن القرار البسيط والشجاع بمعالجة الفساد (الذي يبدأ لسوء الحظ بالسيد الرئيس نفسه وبأقرب المقربين إليه) يحتاج هو أيضاً لتعريف آخر.

فالقرار - والقول له - هو قرار واحد ولا يجب أن يسمى قرارين.. وما سمعتموه من قرارات جديدة هي في الحقيقة ليست بقرارات إذ يمتنع في العقل تكرار القرار الصادر منذ ستة أعوام مرة أخرى.. وهكذا دواليك.. وكأننا مرة أخرى بالظاهرة القذافية تعيد صياغة نفسها بصورة شابة.. ممانعة ظاهرية وفساد داخلي مقيت.. وليس ذاك بصادر عن سوء طوية وخبث ما بعده خبث (وهذا للأمانة صحيح إلى درجة كبيرة)، لكنه لؤم شديد يفترض اجتماع المعرفة الكونية الكبرى بشخص رئيس نصبه الحق (بغض النظر عن المعنى الاعتقادي لكل منهما) ليكون شاهداً على الناس.

وتأتي الشواهد واحدا تلو الآخر لتؤكد هذا المعنى بكل وضوح.. فهو يصدر قراراً في الصباح لينعدم أثره في المساء.. وهو لا يتابع ذلك إذ يكتفي من القرار بجمالية هذا القرار.. بأناقته.. بأولوياته.. بمحبة الجمهور المصفق (دوماً) حوله.. وهو رغم كل مقالات الصحف والأخبار المتواترة يعجز أن يدرك أنه هو المخطئ.. والمقصّر.. والضعيف.. والفاقد لكل معاني القيادة.. وأنا هنا إنما أضع هذه الأوصاف للتوصيف فقط، يشهد الله، لا للسخرية فما هنا موضعها ولا المقام يحتملها، ثم إنه أيضاً الرجل المفضل، رغم ممانعته الظاهرية، للكيان الصيوني.. وبكل جدارة.. بل هو ربما أكثر أهمية من مصر نفسها.. لكن هل يعلم هو ذلك.. إلى حد ما ربما.. لكن لا بمنطق الخيانة (وهو المستبعد) بل من منطق 'الأهمية' التي يكتسبها من وزنه في المنطقة.. من كلماته وأفكاره وتحليله الشديد العمق.. ومن حرصه العميق على الأمة والشعب.. كمفاهيم أولية واعتبارية لا ككائنات حية تعيش وتأكل وتفقد أطفالها وأزواجها برصاصات قناصته هو.. ولكن هل هم فعلاً قناصته هو.. هو المستحيل بعينه.. فقد أثبت في كلامه أن كل ذلك هو من صنع الأدوات العميلة والجهات الخارجية.. ولا تسأل عن الأدلة، فهي تكمن بوضوح في عمق المعنى الحقيقي للاضطراب..

ونحن مرة أخرى أمام ذاك العالم الخيالي الذي تنسجه وبكل امتياز أفكار رجل استيقظ ذات صباح ليجد نفسه في أكبر تحد فكري يمكن أن يتعرض له أحد.. أنت الآن 'أمل' أمتك وطائفتك لتخلف أخاً لك قد أخذته يد الأقدار، لا عن عبث، بل لتضعك مكانه.. ومن هو الذي يطلب منه ذاك.. إنه القائد الأسطورة الذي منحته الأقدار فراسة أمة بأكملها.. إنه الأب الكبير الذي ما فتئ يعدّ الأخ الأكبر للقيادة على مدى السنين.. وها هو الآن يطلب منه هو بنفسه أن يهيئ نفسه لقيادة الأمة والوطن والجيل.. والنصيحة الحكيمة الوحيدة التي يجب أن يتذكرها هذا الشاب هي باختصار.. لا تهتم بالجزئيات.. بل فوضها للآخرين.. وابحث لنفسك عن مقعد في التاريخ فهو المكان الوحيد الذي يستحق أمثالك.

إن سورية تعيش الآن مرحلة صراع فكري مع هذا القائد الحالم.. فهي لا تكرهه بشخصه فعلاً.. ولا تستطيع وضع يديها على الجرح الحقيقي.. فالفساد مستشرٍ وهو أيضاً وبنفسه يحارب الفساد.. وسرقة أموال النفط وعائدات الهواتف المحمولة ظاهرة للعيان وهو نفسه من سيقبض على رؤوس الفساد بكل جدارة وثقة.. وهو إنسان جد طبيعي.. يبتسم كالأطفال . يُكثر من حركات يديه أثناء خطابه كالأطفال.. إنه حتماً ليس ذاك الرئيس الراحل بكل جلالته وضبطه لأدنى نظرة قد تؤخذ عليه.. فهذا البشار هو الأقرب للناس والشعب.. الذي تحول، مثله، إلى شعب ضاحك متمتع بالحياة وبسيط فعلاً.. وتحول، ومعه الجميع، إلى عجلة اقتصادية فعالة حتى لو ظهرت على شكل الاتاوات المختلفة في فروع الدولة العتيدة.. فلا مشكلة كبرى حقاً.. كلنا يأكل ويطعم.. من السيد رامي مخلوف إلى أدنى موظف في ذاك الجهاز الحكومي الضخم.. حالة 'تعايش' واضحة المعالم وليست في الحقيقة حالة 'تطفل' فقط.. وهذا مع من.. إنه مع أهل سورية المعروفين بأصولهم التجارية الشديدة الكفاءة.. فما أخذه السيد رامي مخلوف بيد سيجعله تجار الشام وحلب وغيرهما يدفعه باليد المقابلة.. فالأسعار مرتفعة.. والبيوت مرتفعة.. والكل يأكل ويٍطعم.. ولكن.. لا كرامة ولا حرية بعد الآن.. وهنا بيت القصيد.

ومربط الفرس.. والقشة التي ستقصم، في اللحظة المناسبة، ظهرالبعير.. وستهدم، وللأسف، حلم الرئيس الشاب حين يصحو ليرى كيف قام الواقع، بمهارة، بهدم أحلامه.. شبراً شبراَ.. زنقة زنقة.. ولبنة لبنة.

======================

انتفاضة الكرامة وانبثاق الجديد

هيثم مناع

6-4-2011

القدس العربي

منذ 18/3/2011، يوم نجح الشباب في مدينة درعا، رغم كل الحصار الأمني والتحضيرات لإجهاز أي اعتصام أو تظاهرة، بكسر الحصار، وخرجوا من منطق فئة تطالب بالتغيير إلى مجتمع يتحرك بكل فئاته من أجله، تتداول وسائل الإعلام ردود السلطة على الأحرار، سواء منها ما كان بالرصاص الحي أو الغازات الممنوعة أو وسائل الإعلام المنتمية إلى العصور الحجرية للتواصل بين البشر. وفي غمرة أحداث متسارعة نستعرض فيها قائمة غير حصرية بأكثر من مئة شهيد من المحافظة وحدها، وعشرات المفقودين والمعتقلين في الأيام الأخيرة، نطالب بالتوقف لحظة عند زهرة الجنوب لمعرفة من هم وماذا يريدون وكيف يعيشون عملية التحول الملموسة في المسلك والأخلاق ومفهوم المشاركة العامة وفكرة المواطنة والوطن.

من هم هؤلاء الذين أسقطوا جدار برلين الدكتاتورية بصدور عارية وكلمات ظن أكثر المتفائلين بالإنسان العربي أنها قد اختفت من القاموس (سلمية، سلمية، لا لا للطائفية، لا فساد ولا استبداد، يابوطي ويا حسون الشعب السوري ما بخون، يا بثينة يا شعبان شعب درعا مش جوعان، فزعة فزعة ياحوران للقدس والجولان، اعتصام اعتصام حتى إصلاح النظام، قاتل شعبه خاين شعبه، واحد اثنين واحد اثنين وينك يا سورية وين..). يكتب لي أحد المناضلين المخضرمين وهو سجين سابق: 'كنا نتضايق من أصوات الموتورات القديمة التي يستعملها الشباب، لأن بعضها عمره عشرين سنة أي أكثر من عمر صاحبه، صوت وضجيج يشق هدوء جلستنا على مساطب المنازل ليلا.

لم ندرك أن هؤلاء هم صناع الغد، الآن ينظفون الساحة قبل مغادرتها يرفعون اليد للقسم: 'أقسم بالله العظيم أن لا أرتشي ولا أصافح مرتشيا ولا أسكت عن رشوة'، 'لن ننسى دم الشهداء ولن نتوقف قبل محاسبة القتلة'، يا شهيد الحرية اسمك أكبر غنية، 'لا سنية ولا علوية، وحدة وحدة وطنية'.

قام شباب درعا بتشكيل ثلاث لجان الاسبوع الماضي: لجنة تنظيم للاعتصامات واستقبال الضيوف والمتضامنين، لجنة تأمين للمؤن والطعام، ولجنة من أجل المساعدة الطبية. فقد استعملت السلطات الأمنية كل وسائل الضغط بما فيها محاصرة المشافي ومنع سيارات الإسعاف من نجدة الجرحى، في ما يشكل جريمة ضد الإنسانية. وأعطت الأوامر بإطلاق الرصاص الحي، ووضعت القناصة في الأماكن الحساسة في المدينة. كانت تريد خلق حالة فوضى تبرر استعمال القمع لتفريق المعتصمين. لكنها صعقت بقدرة هؤلاء الصغار في العمر الكبار في الحكمة والقدر، على ضبط النفس وعدم استعمال أية وسيلة عنف، ورفض الحجارة في محافظة استعمال الحجارة فيها تعبير عن الرجولة والبلوغ. دعوة أولى لجمعة الشهداء، وها هم عبر حركة شباب 17 نيسان للتغيير الديمقراطي يوجهون النداء لجمعة الحرية للمعتقلين (8 نيسان)، ورغم كل الأوجاع والضغوط والملاحقات، مازال الشبيبة يمسكون البوصلة من أجل تغيير ديمقراطي سلمي وحضاري.

انقل رسالة من شاب في السابعة والعشرين يشكو لي من تغييب الصورة الحقيقية لما يحدث:

'يحاولون تصوير درعا بالمجتمع القبلي والعشائري، نحن شباب لا ننتمي إلا للوطن، الشهداء من كل العشائر والجماعات من دون استثناء، والتعازي تجري في كل بيت. لا يمثلنا شيخ عشيرة أو قبيلة ونسمع من الأكثر احتراما وصدقا وأمانة وبعدا عن أجهزة السلطة، هذه هي معاييرنا. لا فرق بين درعاوي وقروي، لا فرق بين حوران والحسكة وحلب، نحن اليوم في مدرسة الكرامة نتعلم من بعضنا البعض. الاستبداد زرع عادات وتقاليد دنيئة لا تليق بالأحرار، وفي كل يوم نتناقش في جلساتنا واعتصاماتنا لنتحدث عن سورية الغد الجميل الذي لا يخاف الإنسان فيه إلا من ربه. يوم الحرية والعدالة. يوم يكون القاضي قاضيا كما هو اسمه، يقضي بالحق ولا يخاف في العدل لومة لائم، يوم يكون ممثل الشعب ابن الشعب لا ابن الحزب، يوم نقول بصوت واحد: هذا دستورنا وليس دستور الأسد والبعث، الأصغر عمرا يسألون من هم أكثر خبرة كيف يعدل الدستور وكيف تلغى حالة الطوارئ، يجيب محام اعتقل بالأمس: المادة 101 تقول يعلن الرئيس حالة الطوارئ ويلغيها، الأمر لا يحتاج إلى لجان هم يريدون استبدال طوارئ قديمة بطوارئ جديدة، والشباب يستمع ويصيح بعدها: لا طوارئ لا تعذيب.. حول تعديل الدستور أمسك باقتراحات المحامي حبيب عيسى، ولكي يعرف الشباب من هو يقول لهم هذا صديق هيثم مناع وهو ثقة.. يتابعون اكتشاف كيف وأين ومتى يحصل التغيير.. لقد استفاد الشباب كثيرا من تغطية الجزيرة للثورة المصرية، ونحن الحوارنة نحب مصر ونحب الشعب المصري، أصلا مثلما سبق وأعلمتك، الشباب كانوا متفقين على أن لا يتحركوا قبل سقوط الفرعون'.

فقدت السلطات السورية صوابها، من أصغر عنصر أمن إلى رئاسة الدولة، اتهمتهم بجند الشام وهم يدعون للدولة المدنية، ثم عادت واتهمتهم بالماسونية والصهيونية وهم أنصار المقاومة الفلسطينية، حملت بالسيارات الرسمية السلاح والمال لتضعه في الجامع العمري فتبين عقم الكذبة الكبيرة، تحدثت عن عناصر غريبة وأجنبية ولم يشارك شخص واحد من خارج محافظة درعا، تحدثت في مساعدات خارجية وهي تعرف أن الانتفاضة كانت ومازالت بوسائل محلية وإمكانيات ذاتية بشكل مبالغ فيه (لعلها الأنفة الحورانية والرفض الصارم للمثل العراقي). لكنها لم تفهم أن ما يحدث هو بداية نهاية الدكتاتورية، ونعش منظومة الفساد، وإعادة الاعتبار لمفاهيم كان يجري اغتيالها من السلطة، سواء عبر التغييب أو التوظيف البائس مثل المواطنة والديمقراطية والإنسان وإقامة العدل والوحدة العربية وتحرير الجولان وفلسطين والدولة المدنية وسورية لكل أبنائها..

يبدو أن سقطة شافيز وأوغلو ومشعل، في سوء تقييم الحدث وفهم الرغبة العميقة عند شعب سورية للتغيير الديمقراطي، قد زادت في عمى دفة الحكم، فلم تعد ترى وقائع احتضار الوطنية التسلطية، وولادة الوطنية المواطنية ذات الشرعية الشعبية.. لقد رحلت مع دماء الشهداء حقبة كاملة، وسورية الغد لن تكون على شاكلة سورية العقود الأربعة الأخيرة.. سورية الجديدة لا تحمل لا روح الانتقام ولا أمراض وعقابيل التسلط، بل تفتح صدرها لكل شريف ومخلص لهذا الوطن ليكون شريكا في صنع حاضره ومستقبله، وليس مجرد مهرج أو مروج، لآخر وأسوأ أشكال عبادة الشخصية ودكتاتورية الحزب والأمن.

' حقوقي وكاتب سوري

======================

انتفاضة سورية ستنتهي بالدم

صحف عبرية

2011-04-05

القدس العربي

 ما هي طبيعة النظام السوري الذي يطلق النار على المتظاهرين ضده؟ الصورة التي تعكس أكثر من أي شيء آخر هذه الازمة عرضت امام كل العالم الاسبوع الماضي في خطاب الاسد امام البرلمان السوري. قصدت بقدر أقل الخطاب نفسه، وبقدر أكثر الناس في البرلمان.

في روسيا الشيوعية كنا اعتدنا على أن نرى كل مندوبي مؤتمر الحزب ينهضون ليهتفوا لدكتاتورهم على مدى دقائق طويلة. من هم مقابل اعضاء البرلمان السوري الذين ينشدون احتراما لبشار، ابن حافظ الاسد العلوي، يمجدونه كزعيم العالم، ينبطحون بشكل مثير للتقزز، يسجدون له كإله. لم يسبق أن كانت مثل هذه المشاهد في البرلمان المصري. كانت هناك ايضا معارضة بل وكانت مقاطعات ولم يعجبوا ابدا بمبارك وكأنه ابن الرب. مصر مبارك والسادات كانت ديمقراطية حقا بالقياس الى النظام السوري الوحشي للطائفة العلوية وعلى رأسها عائلة الاسد.

في الماضي اجريت احاديث طويلة مع ضابط سوري كبير جدا توفي لاحقا. الاحاديث تطرقت الى عائلته وابنائه. وقد قال لي بمرارة: ذات يوم كنت اقضي وقتي مع زوجتي وابنتي البكر في مطعم معروف في دمشق. وفجأة دخلت الى المطعم مجموعة من الضباط الصغار. وكلهم كانوا علويين، من وحدة رفعت الاسد، شقيق حافظ. كل الاماكن كانت مليئة. اقتربوا مني، وانا بالبزة، وأمروني باخلاء الطاولة بالصراخ. صاحب المطعم خاف وصمت. من يمكن له أن يقول لهم شيئا؟ الاهانة كانت فظيعة، لاذعة. وكله لأني كنت ضابطا سنيا. لن أغفر لهم'.

شخصية سنية امنية كبيرة اخرى، وعلوية، هي ايضا باتت في عالم الموتى، شرحت لي ذات يوم 'سر الجهاز' لحكم الطائفة العلوية (التي هي جناح انفصل عن الشيعة وتشكل 10 في المئة من عموم السكان): 'تقريبا كل قادة وحدات الاستخبارات، ( القوات الخاصة)، وحدات المدرعات والقواعد الهامة في سلاح الجو، هم ابناء الطائفة العلوية. بالمقابل، معظم ضباط الاركان المختلفة هم سنة، بمن فيهم رئيس الاركان. فهم يمسكون القلم فقط، ولا يضرون.

'ولكن توجد وظيفتان لضباط الاركان كانتا دوما بيد العلويين: رئيس مديرية الطاقم المسؤول عن تعيين الضباط، والضابط المسؤول عن تعيين العرفاء. ذات الشيء في الحكومة. معظمها ان لم يكن كلها سنة، وذلك لانها عمليا عديمة الصلاحات، التي تتركز في يد الرئيس ومجموعة من رفاقه. معظمهم علويون، ولكن يوجد ايضا بعض السنة للزينة ولخلق الانطباع بانه لا يوجد ما يسمى بحكم الطائفة العلوية في سورية'.

يجب ان نفهم: حتى قبل نحو خمسين سنة كانت الطائفة العلوية هي الاكثر تخلفا في سورية. وعرفت بناتها كخادمات في منازل الاغنياء السنة في دمشق والمدن السورية الكبرى. ومنذ ان استولت عائلة الاسد على الحكم في 1970، 'اقسم' ابناء الطائفة الا يعودوا ابدا الى هذا الوضع. وبالتدريج تكوّن في سورية نظام قمع عنيف وظلامي، يعتمد على حراك العلويين وعلى التحالف مع النخبة السنية الاقتصادية المدينية ومع الاقلية المسيحية: نظام علمه الايديولوجي هو القومية العربية التي تصارع في 'الموقع المتقدم' امام المؤامرات الاسرائيلية، الامريكية وعملائهم المختلفين.

الاصلاحات الراديكالية الحقيقية في هذا النظام (في الاقتصاد، في الحكم وفي حقوق المواطن) معناها ابداء ضعف وانتحارٌ طوعيّ ٌ من جانبه. 'ثورة بيضاء' مثلما في مصر او تونس لا يمكن ان تكون هنا. فقط ثورة دموية. مصير كل الطائفة العلوية موجود هنا على كفة الميزان: استمرار السيطرة، ربما مع اصلاحات بطيئة عديمة المعنى، او وادي القتل والذبح. ترقبوا القمع الوحشي والعالم الصامت.

======================

إذا سقط الاسد!

هآرتس 5/4/2011

2011-04-05

القدس العربي

 إن محاولة تقدير تأثيرات موجة المظاهرات في العالم العربي تُذكر بشوان لي، رئيس حكومة الصين لعهد ماو تسي تونغ. عندما سُئل عن رأيه في الثورة الفرنسية أجاب انه ما زال من السابق لأوانه جدا ان نعرف. ومعلومة قول صموئيل غولدوين 'لا تُسمعوا أبدا تنبؤات ولا سيما فيما يتعلق بالمستقبل'. يمكن ان نضيف الى ذلك القول فيما يتعلق أساسا بمستقبل الشرق الاوسط. إن خبراء بالمنطقة تجاهلوا الحذر المطلوب تجرأوا على التنبؤ بالوجهة التي تفضي اليها الأحداث ووجدوا أنفسهم خزايا بعد 24 ساعة أو 48.

يخطىء الساسة احيانا ايضا. تذكرون كيف أطرى ايهود باراك بعد ان انتُخب رئيسا للحكومة على حافظ الاسد الذي سماه 'باني سورية الحديثة'  سورية التي حكمها الاسد بقسوة مدة سنين بوسائل قمع قاسية. بقيت سورية 'الحديثة' دولة من العالم الثالث طوال حكم الاسد الفاسد كله، وأورث ابنه بشار دولة بائسة. أما ايهود اولمرت فأخطأ فهم التطورات في تركيا وطلب الى رئيس حكومتها، رجب طيب اردوغان 'صديق اسرائيل الكبير'، ان يكون وسيطا 'محايدا' بينها وبين بشار الاسد.

لهذا من المناسب ان نحذر جدا عندما نثير تخمينات تتعلق باتجاه الأحداث الحالية. لكن ألا نستطيع بمحاولتنا استراق النظر الى المستقبل إزاء الأحداث الحاسمة أن نلاحظ شيئا ما وأن نُخمن ماذا سيكون تأثيرها في اسرائيل؟.

إن موجة المظاهرات التي تسوق أجزاء كبيرة في العالم العربي موجهة على نظم حكم استبدادية وعلى حكام مستبدين تولوا السلطة سنين طويلة واستغلوها استغلالا سيئا. اسرائيل، على نحو طبيعي تشايع من يدعونا الى انشاء ديمقراطية في بلدانهم. ومع ذلك يثور خوف وبحق  لا في اسرائيل وحدها  أن تسيطر جهات متطرفة على الدولة بعد انشاء نظام ديمقراطي هناك.

اذا تولى الاخوان المسلمون الحكم في مصر فقد يكون ذلك نهاية اتفاق السلام الاسرائيلي  المصري. لا يمكن ان نُقدر احتمالات أن تحدث أحداث من هذا النوع. لكن على كل حال، ستكون ثمة حاجة الى التغلب هناك على عقبات كثيرة. حتى لو تولى الاخوان المسلمون السلطة بانتخابات ديمقراطية تُجرى تحت رقابة الجيش المصري وانشأوا بعد ذلك نظام حكم استبداديا، فسيتوجّب عليهم أن يأخذوا في الحسبان العناصر الليبرالية العلمانية التي كان لها جزء كبير جدا في المظاهرات في ميدان التحرير. ومن المعقول ان نفترض ان هذه العناصر اذا شعرت بأنها خُدعت فستظهر مرة اخرى في الميدان.

إن التدخل العسكري للغرب في ليبيا يزيد بُعدا جديدا على أحداث الشرق الاوسط. يخطر بالبال أن كل مجموعة موجودة في الحكم ستأخذ منذ الآن فصاعدا بحذر شديد عندما تزن عملا حادا في مواجهة معارضي نظام الحكم  خشية ان يُسبب هذا العمل تدخلا من الخارج. وهكذا حتى لو أمكن ان ينشأ في مصر نظام استبدادي للاخوان المسلمين وأن يُلغى اتفاق السلام فليس هذا امكانا معقولا في هذا الوقت.

توجد تقديرات مشابهة ايضا فيما يتعلق بسورية التي يواصل فيها الاسد في هذه الاثناء التمسك بالسلطة. من المعقول ان نفترض انه لن يكرر الطريقة الوحشية التي قمع بها والده الانتفاضة في حماة حيث ذُبح عشرات الآلاف من الاشخاص. لكن اذا تم اسقاط نظام حكمه فقد يؤثر ذلك في حلف ايران  سورية الموجه على اسرائيل. ستكون هذه بشرى خير لاسرائيل والعالم واذا بلغت موجة الاحتجاجات ايران ايضا فستكون بشرى خير كبيرة.

لهذا ثمة في الحاصل العام مكان لتفاؤل ما.

=======================

سورية في الوقت الضائع

الثلاثاء, 05 أبريل 2011

بشير عيسى *

الحياة

حتى الأمس القريب كان هناك تيار شعبي عريض، يعتقد أن الرئيس بشار الأسد يحمل مشروع تغيير وإصلاح، لكنه يصطدم بتيار منغلق، لا يريد لمشروعه الإصلاحي أن يرى النور. ولعل تأخر الرئيس في خروجه إلى وسائل الإعلام بعد أحداث درعا الدامية وما جاء على لسان مستشارته بثينة شعبان، بقولها إن الرئيس يعز عليه ويؤلمه أن تسقط قطرة دم واحدة، تبعه كلام لنائبه فاروق الشرع، من أن الأسد سيقول كلاماً، سيسعد ويطمئن الشعب السوري.

كل هذا أعطى إشارات للداخل من أنه لن يخرج قبل أن يحسم قراره في القيادة السياسية وفي قصره الجمهوري، حيث أشيعت أخبار عن وجود وجهات نظر وخلافات، وأن الناس، ولا أقول المعارضة، كانت متفائلة حين أعلن عن موعد الكلمة التي سيلقيها الأسد تحت قبة مجلس الشعب بتاريخ 30/3/2011.

لكن ما فعله المجلس جاء مخجلاً من حيث الشكل، فبدلاً من أن يقف الجميع دقيقة صمت على أرواح الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة، ومن ثم يعزون أهالي الضحايا، إذا بالمجلس يتحول إلى زفة و عراضة على الطريقة الشامية، ليأتي المشهد مستفزاً لمشاعر ملايين الناس، هذا من حيث الشكل. أما من حيث المضمون فقد كان خاوياً لا يحمل أي جديد عما قالته مستشارة الرئيس في مؤتمرها الصحافي، الأمر الذي أخرج من ذهن السوريين فكرة وجود تيارات داخل القيادة السياسية، وأن النظام كتلة واحدة تتمحور حول الاستئثار بالسلطة مهما كان الثمن.

البعض رأى في تأخر ظهور الرئيس وجود اعتبارات خارجية وداخلية، وهو ما عبر عنه «بوضوح الصورة»، ومن يراقب المشهد السوري يرَ أن التحرك الشعبي في دمشق العاصمة وحلب ثانية أكبر المدن السورية لم يرق إلى المستوى المأمول منها. ففي دمشق حيث الحليف التاريخي للنظام تقف غرفة التجارة ومن خلفها غرفة الصناعة إضافة إلى قطاع كبير من المرجعيات والمؤسسات الدينية إلى جانب خيار الاستقرار حفاظاً على مصالحها. ناهيك عن وضع الأقليات التي يتم تخويفها من التحرك «الإسلامي». أما في حلب عاصمة الشمال فمعلوم مدى تأثرها بالمناخ التركي.

وهو ما يحيلنا إلى الخارج، فمنذ قيام الثورة الليبية كان الموقف التركي متردداً في فرض حظر جوي، ثم رفض الأتراك في شكل قاطع أي تدخل عسكري للمجتمع الدولي، وأخيراً جاء موقفهم واضحاً لجهة عدم دعم الثوار الليبيين بالسلاح خشية وقوعه بيد الإرهابيين، فحزب العدالة لديه من المشاكل الداخلية ما يكفي، ولا يجرؤ على فتح الباب أمام أي حراك معارض لا سيما لجهة الأكراد والعلويين، من هنا هو مع النظام في سوريا، كي يقوم ببعض الإصلاحات التي من شأنها أن تحول دون تردي الأوضاع. المخاوف التركية عكستها زيارة أردوغان إلى العراق وإلى إقليم كردستان، فالحكومة التركية تريد شراء الوقت حتى قدوم الانتخابات في العام المقبل وما تبحث عنه هو الاستقرار في المنطقة، من هنا كان الإخوان المسلمون في سورية، عاتبين على الموقف التركي. فلو تأخر المجتمع الدولي في ليبيا يوماً واحداً لقضي على الثورة. من هنا تأتي أهمية الموقف الدولي والذي على ضوئه يتحرك النظام في سورية.

فما جاء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون «لا يظن أحد أن الولايات المتحدة ستتدخل في سورية كما حدث في ليبيا» كان كمن يعطي الضوء الأخضر للنظام في إطلاق يده، من هنا يدل التحول في لهجة الخطاب السوري ورؤية الأحداث من منظور أمني، بافتراض وجود مجموعات مندسة ومسلحة هي من يحرك الأحداث ويهدد السلم الأهلي، توجه سيأخذ الأمور في منحى خطير. إذ يعكس رغبة محمومة بالاستئثار في السلطة، يجعل معه أي حديث عن الإصلاح مفرغاً من مضمونه ولا يعدو أكثر من مسكنات لامتصاص الغضب الشعبي.

من جهة أُخرى يمكن اعتبار كلام السيدة كلينتون، محاولة كي لا يفهم منه تدخلاً في الشؤون الداخلية، سيستثمره النظام على عاداته في خطابه التقليدي «الممانع»، فيعطيه حجة قوية في استمرار نهج التخوين، يمكّن الحكم من فرض منطقه حتى النهاية، كما يمكن أن يشير إلى خفض مستوى التوتر في منطقة الشرق الأوسط حفاظاً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، لا سيما بعد أحداث البحرين، هناك مخاوف من وجود صفقة في الخارج، فالكلام وحده عن التنديد والشجب لم يعد يكفي لطمأنة الشعب السوري.

على هذه الأرضية جاء خطاب الرئيس، تكريساً وامتداداً للسياسة المعمول بها. والملفت في الأمر أن كل حديث عن الإصلاح لم يكن ليحدث إلا نتيجة لضغوط خارجية، عندها فقط يتذكر الداخل، فيبدأ بإشاعة الإصلاح، وما إن يزول الضغط حتى يتناسى ما وعد به. هذا التذاكي والاستخفاف بمطالب الجماهير في الحرية السياسية، يعمّق الهوة ويزيد الفجوة بين الحكم وطيف واسع من المجتمع السوري، إذ لا يكفي اعتراف الأسد بما معناه: «كان في الإمكان الإصلاح الذي اشتغل عليه عام 2005 أن يتحقق في عام 2009 أو 2010 وما حصل من تأخير مرده إلى التقصير وهذه أحد الأخطاء التي ارتكبناها، ففي النهاية نحن بشر ونخطئ المهم أن نستفيد من هذه الأخطاء». لقد كان المطلوب تقديم تضحيات حقيقية وتنفيذ ما قال عنه إنه جاهز منذ زمن، لا تقديم دروس في الوطنية. في المحصلة جاء الخطاب مخيباً لآمال الكثيرين، فالإصلاح الذي لا يأتي ضمن سياق طبيعي يظل مشوباً بالتوجس وفقدان الثقة، وهو ما يزيد من ضبابية المشهد وتعقيد الأمور، الأمر الذي يبقي الأبواب مشرّعة على الخيارات كافة. فهل بقي من وقت لتدارك ما هو أخطر، أم إن القرار قد اتخذ ولا رجعة عنه؟

======================

هل تنجح الثورات العربية في تصحيح العلاقة مع الغرب؟

الاربعاء, 06 أبريل 2011

أحمد الدبيان *

الحياة

يجمع المراقبون والمحللون اليوم على أن ما يحدث في أجزاء من العالم العربي من حراك جماهيري وثورة شعبية هو حراك لم تتوقعه بهذه الصورة جميع وسائل الرصد الجماهيري والإعلام، بل حتى أجهزة الاستخبارات. ومن المؤكد أن التاريخ سيطيل الوقوف عند هذه الظاهرة ويحللها تحليلات عدة. وكما كشف هذا الحراك الحالي عن مجموعة من الحقائق والمفاجآت الفكرية فإنه سوف يكشف أيضاً عن مجموعة تغييرات في المستقبل القادم. وربما كان من أبرز هذه التغييرات في داخل العالم العربي أن هذا الحراك سيؤثر على منظومة المفاهيم الإدارية وطرق التعامل السياسية الموجودة بين الحكومات وشعوبها. لأنه في تصوري سوف يغير فكرياً وبعمق كبير من علاقة المواطن بالدولة، ليتخلى عن الفهم القديم نحو مفهوم أكثر مسؤولية وشمولية وأكثر وعياً، بل أكثر مواطنة وارتباطاً.

في تصوري أن فكرة الدولة الحديثة في العالم العربي بعد الاستعمار، والحديث هنا عام، قد عانت من انفصام وتكسرات عديدة في الرؤية، حتى صارت غير واضحة ومشوهة، لأنها في كثيرٍ من حالاتها تنظر إلى المواطن على أنه الآخر، والمواطن من زاويته ينظر إليها بهذه الرؤية. وقد انعكس هذا الفكر الانفصامي على كثير من القرارات والتعاملات على المستوى الإداري والفكري والعلاقات بين المؤسسات والأفراد في العالم العربي. وهو ما أضعف إلى حد كبير قضية الانتماء لدى المواطن. وأقصد بالانتماء هنا الانتماء الوجداني والفكري والشعوري والإحساس بالمصير الواحد، وليس انتماء موظف إلى جهازه الوظيفي. وهذا الانتماء الشعوري هو الشيء الذي حركته التقنية الحديثة اليوم في عقول الشباب بعد أن اتسعت رؤيتهم للعالم، عبر تدفق سيل المعلومات وعبر الدراية بالحقوق والمقارنات مع الآخرين في زوايا العالم كله. وسوف يزول أو يضعف هذا الانفصام الطويل بين الطرفين بفعل هذه الثورات، كما نرى بوادرها الآن في تونس ومصر. وأعتقد أن التكوينات السياسية الجديدة في بلدان الثورات العربية والتغييرات في البلدان العربية الأخرى سوف تزيل هذا الانفصام أو تضعفه لنقترب من الوعي الوطني العميق الذي ينظم العلاقة بالدولة ويحدد المواطنة بصورة أكثر فعالية ونفعاً. وسوف تستمر الدول العربية إلى مدة طويلة قادمة في وضع قرارات جديدة وتغير قرارات قديمة، حتى بعد هدوء هذه الثورات على نحو من الأنحاء.

أما على المستوى الخارجي فإن هذا الحراك الجماهيري سوف يلقي حجراً من التغيير في بحيرة العلاقة مع الغرب أيضاً، لأن الغرب ظل يتعامل مع منطقة الشرق الأوسط عبر مفاهيم صاغتها رؤى محلية إقليمية، أو صاغتها عقول غربية كانت لها السيطرة الفكرية في الثمانينيات والتسعينيات وأواخر الحرب الباردة وربما قبل ذلك، وكذلك أثناء الحرب على الإرهاب بعد فجر هذا القرن الجديد. وهي رؤية أثبتت الأيام وتجارب الغرب نفسه أنها رؤية مغلوطة وغير صحيحة. وعند نجاح هذه الثورات في تحقيق أهدافها الوطنية وتغير العلاقة الداخلية التي تحدثنا عنها سوف تتغير بالتأكيد العلاقة مع الخارج لتصبح علاقة دول أكثر منها علاقة دول وأفراد أو مجموعات نفوذ صغيرة. فمن أخطاء السياسة الأميركية أنها تتعامل مع العالم العربي عبر رؤى محدودة يقررها وكلاء لها، من دون نظرة شمولية عامة. فالمعلومات الأميركية كان يصوغها أناس معينون وأجهزة محددة، وأدت بالتالي إلى أزمة أفغانستان وأزمة العراق واحتلاله. ومن المرجح أن تخبط أميركا في قراراتها وترددها أيام ثورة تونس ومن بعدها مصر والآن في ليبيا إنما يرجع إلى غياب الرؤية الشمولية، وإلى مفاجأة الموقف والظروف. وهذا الجانب في تغير العلاقة هو ما يقلق إسرائيل اليوم، فهي تعرف أن تحول العلاقة من دول إلى دول بكل ما تعنيه الكلمة من وجود مؤسسات ونظم شاملة سوف يغير ميزان العلاقات ويبرز وجه الدول العربية بصورة أفضل بكثير مما هي عليه، وهذا بالتالي سوف يزيل المقولة الدائمة الترداد والتكرار بأن إسرائيل هي الواحة الوحيدة للديموقراطية في الشرق الأوسط، وسوف يزيل هذا التغيير في البلدان العربية من ذهن الغرب ودوائره المعلوماتية والسياسية أيضاً فكرة الوكلاء المتخصصين في الشرق الأوسط ونظرية الخبراء التعيسة، ليبدأ التعامل مع العالم العربي بوصفه عالماً يضم مؤسسات وتنظيمات ورؤية للشعوب وإرادة للأمة العربية تتمثل عبر الحكومات. وهنا تبرز مسؤولية التكوينات السياسية في العالم العربي والحكومات الجديدة التي طورت وجددت نفسها لتحقيق إرادة شعوبها. ومسؤوليتها هي في احتضان هذه الجماهير والتقارب معها ما دامت مطالبها مشروعة، وتحقيق هذا التغيير في العلاقة مع الغرب انطلاقاً من إرادة الشعوب.

* المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي في لندن

======================

سقف المطالب في سورية.. إلى أين؟

محمد صادق جراد

الشرق الاوسط

6-4-2011

تتواصل حمى الثورات بالتنقل من عاصمة إلى أخرى من عواصم العرب وسط ذهول الحكام وهم يشاهدون المواطنين يحرقون صور البطل القومي والقائد الأوحد في كل الساحات ويحرقون مقرات الحزب الحاكم لتسجل موقفا شجاعا وجريئا غاب عن المنظومة الفكرية للمواطن العربي التي تشبعت بمفاهيم الخضوع والخنوع للحاكم وأجهزته الأمنية التي لم تعد تسيطر اليوم على الطوفان الذي سيجتاح الجميع.

الأمر الذي يحير الجميع والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم لماذا لم يأخذ الحكام العبرة مما حصل مع أقرانهم؟ سيما أن التجربة أصبحت تنتقل بنفس التفاصيل من دولة إلى أخرى. فتبدأ بمظاهرات سلمية تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية يمكن تلبيتها فيقمعها النظام ويقتل المتظاهرين، الأمر الذي يصعد الموقف ويرفع سقف المطالب التي تبقى تتصاعد مع استمرار القتل والاعتقالات حتى تصل في النهاية إلى المطالبة بإسقاط النظام.

وهذا ما شاهده العالم أجمع في ساحات الاحتجاجات العربية انطلاقا من سيدي بوزيد مرورا بميدان التحرير وساحات العرب في ليبيا واليمن وانتقلت اليوم إلى سورية التي خرج شبابها المتطلع للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وعبر عن مطالبه المشروعة لوضع حد لاستشراء الفساد وإهدار المال العام واحتكار الثروة من قبل المتنفذين على حساب الفقراء ووضع حد للحصانة التي يستفيد منها رجال السلطة والأجهزة الأمنية من خلال قانون الطوارئ المؤبد الذي لطالما كان سلاحا بيد الحكومات لقمع أبنائها وهذا ما يغري ضعاف النفوس لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب.

وكالعادة وكأننا نشاهد مسلسلا عربيا يعاد لأكثر من مرة يظهر الرئيس ويتهم المتظاهرين بتنفيذ أجندات خارجية وفق نظرية المؤامرة لينطلق الإعلام الداخلي للدفاع عن موقف النظام في محاولة واضحة لتضليل الرأي العام من خلال بث الأكاذيب وتغيير الحقائق التي تحدث على الأرض.

وهذا ما تجلى في الحالة السورية، علما بأن هؤلاء المتظاهرين في سورية وفي مدن العرب إنما يمارسون حقهم المكفول لهم دستوريا في التعبير عن آرائهم حيث قاموا فعلا بالتعبير عن رأيهم عبر مظاهرات سلمية تم مواجهتها بالقمع والتنكيل والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي أحيانا.

إضافة إلى ممارسات أخرى تمثلت في ضرب الشباب من قبل رجال الأمن الذين يتنكرون بزي متظاهرين يؤيدون السلطة مستخدمين الأسلحة البيضاء والخناجر والعصي في صورة تعكس مدى تخلف الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمنا منذ عقود حيث كان الهدف من هذه الخطوة محاولة إخافة المتظاهرين وتفريقهم إلا أن هذه المعالجات القمعية لم تجد نفعا مع جموع المتظاهرين بل يعتقد البعض أن هذه الممارسات قد تجر إلى المزيد من دوامات العنف وتؤدي إلى الفوضى العارمة التي تتحملها الأنظمة وأجهزتها الأمنية.

وهكذا تستمر انتهاكات حقوق الإنسان في تعامل السلطات مع المتظاهرين العرب لتصل إلى مرحلة تعطيل الاتصالات وحجب المواقع الإلكترونية للحيلولة دون التواصل بين الشباب، إضافة إلى محاولة قطع الاتصال بالعالم الخارجي الذي سعى الشباب لاستخدامه كورقة ضغط على الأنظمة وممارساتها القمعية من أجل أن يضمنوا الحماية من قبل المنظمات الدولية ويكسبوا تعاطف وتضامن المجتمع الدولي بعد أن يئس الشباب من مواقف إخوتهم العرب في ظل غياب أي موقف إيجابي يساند هذه الثورات فأخذ الشباب يراهنون على الضغوطات الخارجية التي تصدر من الدول الأوروبية وأميركا والأمم المتحدة والتي جاءت تطالب الحكومات العربية بضرورة الحفاظ على سلامة أرواح المتظاهرين وحقن دمائهم وضرورة التداول السلمي للسلطة والركون إلى الحلول السلمية في تنفيذ مطالب المتظاهرين.

خلاصة القول: إن الأنظمة العربية لم تأخذ العبرة مما حدث للأنظمة التي سقطت قبلها، لأنها ببساطة لا تؤمن بالتغيير ولا تريد تقديم أي تنازلات من شأنها أن تبعد القائد الرمز عن منصبه، لأنه يعي تماما أن الشعب سيحاسبه على الجرائم التي ارتكبها طيلة فترة حكمه السابق.

======================

الثورات العربية والدور الإسرائيلي

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

6-4-2011

في مواجهة المظاهرات المستمرة في عدد من المدن، تحدث المسؤولون السوريون عن مؤامرة تستهدف البلد، ملمحين إلى دور إسرائيلي بسبب «الدور القومي» لسورية. كذلك جاءت الإشارة إلى المؤامرة أكثر من مرة في خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير الذي قال فيه إن هناك مغزى لاختيار درعا لانطلاق المظاهرات التي تحدت النظام. الرسالة كانت أكثر وضوحا في مظاهرات التأييد التي حشد لها النظام، إذ حمل المتظاهرون لافتة كبيرة بين لافتات أخرى تقول: «يسقط الموساد الإسرائيلي وكلابه».

هناك مشكلتان في هذا الطرح. الاولى ان المظاهرات انتشرت في عدد من المدن السورية وشاركت فيها جموع ليست قليلة, فهل ان للموساد كل هذا العدد من «العملاء» في سورية؟ واذا كانت سورية مخترقة بهذا الشكل فإن أزمة النظام أكبر من المظاهرات. المشكلة الثانية ان الرئيس السوري ذكر في خطابه ان برنامج وخطط الإصلاح طرحت منذ أكثر من خمس سنوات لكنها تأخرت ولم تنفذ, فهل كانت هذه مؤامرة اسرائيلية أيضا؟

قبل ذلك سمعنا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يتحدث عن أن الثورة الشعبية ضده تدار من غرفة عمليات في تل أبيب تعمل تحت إشراف واشنطن، قبل أن يتراجع عن اتهامه لأميركا ويعتذر لها بعد أن أبدت استياءها من كلامه. ولا نعرف ما إذا كان سحب بذلك الاعتذار اتهامه لإسرائيل أيضا، علما بأنه كان حريا به أن يوجه اعتذاره لشعبه الذي وصفه بأنه أداة تحركها إسرائيل، وأن مطالبته بحقوقه وبالحرية والكرامة، مؤامرة خارجية.

هل يمكن تصديق أن إسرائيل تدعم الثورات والانتفاضات العربية، وتريد رؤية ديمقراطيات في المنطقة؟

الواقع أن إسرائيل تشعر بقلق كبير لا تخفيه من «الربيع العربي» وما حمله من تغييرات حتى الآن وما قد يحمله في مقبل الأيام. فما يقلق إسرائيل ليس هو الحديث عن فوضى أو فراغ، بل الحديث عن ديمقراطيات عربية، والحماس الذي تبديه الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة لهذا الأمر. فإسرائيل ظلت تتباهى دائما بأنها الديمقراطية الوحيدة في محيط من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، وتوحي بأن القيم العربية والإسلامية لا تتماشى مع الحرية والديمقراطية. وأكثر ما تخشاه إسرائيل هو أن تقترب واشنطن من الدول العربية لدعم التحول الديمقراطي، وأن تضغط على تل أبيب لكي تقوم بمبادرة جدية لتحريك عملية السلام المتعثرة مع الفلسطينيين. فالعديد من الدول الغربية ترى أن خسارة أنظمة حليفة مثل نظامي الرئيسين حسني مبارك وزين العابدين بن علي يمكن تعويضها بظهور أنظمة جديدة منتخبة شعبيا وديمقراطيا، وأن مناخ الحريات يمكن أن يساعد في كبح التطرف ذي الطابع العنفي.

في مقابل التفاؤل الغربي الذي رأى في التحولات العربية فرصة يجب دعمها بدلا من الخوف منها تحت ضغط الإحساس بالقلق من الفراغ، بدت إسرائيل متوجسة من التحولات التي تراها في المنطقة. فهي تفضل التعامل مع أنظمة فردية أو استبدادية، على التعامل مع أنظمة ديمقراطية تستجيب لرأي الناخب وضغط الجماهير، خصوصا بعدما رأت أن اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن لم تنجحا في تحقيق التطبيع الكامل لأن الشعوب كانت تقاوم هذا الأمر وهي ترى الاحتلال الإسرائيلي المتواصل للأراضي العربية والعدوان المستمر على الفلسطينيين.

لذلك لم يكن مستغربا أن نسمع أصواتا في إسرائيل تنتقد واشنطن لتخليها عن أنظمة حليفة، على أساس أن ذلك يعرض السلام للخطر. كما رأينا إسرائيل تتحرك منذ الوهلة الأولى لنجاح الثورة المصرية في إجبار مبارك على الرحيل، للمطالبة بتأكيدات وضمانات على أن أي نظام جديد في القاهرة سيلتزم بمعاهدة السلام بين البلدين. ومع انتشار الانتفاضات الشعبية انبرى سياسيون ومحللون إسرائيليون للحديث عن «وهم الديمقراطية العربية». وقال بعضهم صراحة إن العالم العربي ليس مؤهلا لتحول ديمقراطي وإن واشنطن ستخسر بتأييدها للثورات والانتفاضات العربية أنظمة حليفة ولن تجني في المقابل ديمقراطية في المنطقة، باستثناء إسرائيل بالطبع.

وفي سعيها للتخويف من الانتفاضات العربية بدأت إسرائيل تحذر من أن سقوط الأنظمة الشمولية سيقود إلى الفراغ والفوضى، وأن الديمقراطيات العربية ستعني وصول المتطرفين إلى الحكم، وأن ذلك سيكون وبالا عليها وعلى الغرب. بل إن مسؤولا في وزارة الدفاع هو جلعاد عاموس اعتبر أن «العملية الديمقراطية في الشرق الأوسط ستحول المنطقة إلى جحيم»، بينما أشار مسؤولون آخرون إلى أن هذه العملية ستعيد تكرار تجربة حماس في غزة. الغريب أن إسرائيل تركز على تهديد المتطرفين للعملية الديمقراطية عربيا، وتنسى أن لديها متطرفين وعنصريين ينتظمون في أحزاب, يدخلون الكنيست، ويشاركون في الحكومات ويفرضون عليها برامجهم.

زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني طرحت من جانبها رؤية لترويجها في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى لوضع «ضوابط» تلزم بمقتضاها الأحزاب التي تريد المشاركة في العملية الديمقراطية بالقبول بمجموعة من المبادئ التي تعتبر «قواعد العالم الحر». وفصلت ليفني مقترحاتها في ضرورة التزام أي حزب يريد المشاركة في العملية الديمقراطية بنبذ العنف، والعمل لتحقيق أهدافه بالطرق السلمية، والالتزام بحكم القانون وقبول الاتفاقيات الدولية المبرمة مع الدول الأخرى. ويبدو واضحا أن هذه المبادئ موجهة للعالم العربي وصيغت أساسا لحماية إسرائيل وليس لحماية ديمقراطية عربية ترفضها تل أبيب أساسا وترى فيها خطرا عليها. أصوات قليلة جدا ارتفعت لتقول إن الحماية لإسرائيل ليست في الأنظمة الديكتاتورية بل في اتفاقيات سلام حقيقي.

إن إسرائيل تتآمر على العالم العربي في امور كثيرة لكنها حتما لا تتآمر لدعم الثورات فيه والمطالبات بالديمقراطية، فهي تفضل «استقرار» الأوضاع على ما هي عليه، لأنها كيفت نفسها على معادلة السلام مع الأنظمة الاستبدادية وليس مع الشعوب في المنطقة. والحديث الذي نسمعه في بعض عواصمنا العربية عن مؤامرة إسرائيلية يمثل إهانة للشعوب وتجاوزا لمطالبها في الحرية والكرامة. فالشعوب لم تعد تصدق مقولة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، بعد أن رأت أن الشعار لم يجلب انتصارات على إسرائيل بل أنتج أنظمة استبدادية لرئاسات تريد البقاء في السلطة مدى الحياة وتوريثها للأبناء. المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الحريات والإصلاح، والقضاء على الفساد وكرامة المواطن وحقوقه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ