ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 03/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ما بعد خطاب الرئيس السوري

وليد نويهض

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3130

السبت 02 أبريل 2011م

من الناحية التقنية كان بإمكان الرئيس السوري بشار الأسد تجنب إلقاء خطابه الموعود في قاعة مجلس الشعب. فالتصفيق والهتافات والضجيج الفولكلوري أساء إلى المشهد وأعطى صورة سلبية لا تليق عن هيكل النظام وتراتبه ومنظومة علاقاته بين مؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية. وساهمت هذه الفوضى المنظمة في تقطيع أوصال الخطاب وأدت إلى إخراج أفكاره بطريقة مشوشة، الأمر الذي منع وصولها بوضوح إلى المشاهدين والمستمعين.

غموض أفكار الخطاب، بسبب صراخ أعضاء مجلس الشعب وتدخلاتهم المنفعلة بين فقرة وأخرى، أعطى الانطباع لدى معظم المراقبين بأن السلطة في سورية قررت اللجوء إلى الحل الأمني والابتعاد عن لغة الإصلاح والمصالحة واحتواء مضاعفات العنف الذي شهدته المدن والمحافظات خلال الأسبوع الماضي. تقنياً كان بإمكان الرئيس السوري الذهاب إلى قاعة مقفلة أو على الأقل خالية من الرفاق والأنصار والمريدين والتوجه مباشرة إلى الشعب من دون توسط حتى تأتي أفكار الخطاب متناسقة في انسيابها اللغوي ومتناسبة مع الظروف الدولية والإقليمية وحالات القلق التي يعيشها الناس.

هذا من الناحية التقنية. أما من الجانب السياسي جاء الخطاب الموعود أقل من التوقعات، ما أدى إلى صدور ردود فعل أعربت عن خيبة أمل حتى من الأطراف القريبة أو المتفهمة للصعوبات التي تمر بها سورية. فالتعليقات المختلفة في مشاربها ومنابتها أجمعت على أن المطلوب أكثر من المعروض، باعتبار الأزمة ليست بسيطة وعادية إذ تجمعت روافدها من مصادر متعددة بعضها موغل في قدمه (قانون الطوارئ) وبعضها نتاج أخطاء تراكمت حديثاً وتعانقت مع موروثات تجاوزها الزمن (حكم الحزب الواحد، إعلام الرأي الواحد).

تقطع أفكار الخطاب دفع أجهزة النظام وإعلامه إلى تقديم توضيحات توجز الخطوات المزمع اتخاذها خلال الأسابيع المقبلة. وجاءت التوضيحات اللاحقة لتبريد الأجواء الساخنة وتخفيف الاحتقان الداخلي سواء بالإفراج عن بعض المعتقلين وسواء بتحديد مواعيد وآليات لتنفيذ الوعود التي شملت تعديل مواد دستورية وإعادة النظر بموضوع تجنيس الأكراد في القامشلي والشمال السوري.

الآن تبدو الأمور متجهة نحو الاستقرار القلق المفتوح على احتجاجات غير منظورة، لكون فئات الناس أصبحت في حال انتظار لمعرفة مدى جدية السلطة في تطبيق الإصلاحات وتعديل قوانين تعود إلى مطلع ستينات القرن الماضي. فالمشكلات التي يطالب الناس بمعالجتها ليست جديدة ومستحدثة ولا ترتبط بالخارج وهي نتاج تأزم الداخل ولم تصنعها المؤامرات وغير مستوردة من الجوار القريب أو البعيد.

قانون الطورائ دخل سن الشيخوخة، كذلك قانون الإحصاء والتجنيس، أو قانون الإعلام والصحافة، أو قانون الأحزاب وحكم الحزب الواحد (المادة الثامنة من الدستور)، أو قانون حق الاعتراض والتظاهر السلمي وغيرها من مشكلات تعود عقوداً إلى الوراء. بعض القوانين صدر بعد انقلاب حزب البعث ومصادرته للسلطة، والبعض صدر قبل حرب يونيو/ حزيران 1967 أو بعدها، والبعض صدر قبل حرب أكتوبر/ تشرين 1973 أو بعدها. المشكلات التي يعاني منها الشعب السوري لها صلة بتقييد الحريات وهي في معظمها قديمة ومتهالكة وفقدت وظائفها وصلاحياتها ولم تعد صالحة للعمل بها بعد نصف قرن على صوغها وتطبيقها.

المسألة إذاً داخلية أساساً وهي تفاقمت زمنياً وتراكمت بحكم تخثر آليات الأجهزة البيروقراطية التي تشرف على مراقبة قنوات تمريرها ميدانياً على الأرض. الموضوع في أصوله الأولى ومواده الأولية هي نتاج أزمة علاقة السلطة بالناس وهي أزمة تأسست قواعدها الايديولوجية في العام 1962 وأخذت بالتشعب والتشابك من دون أن يتم مراجعتها حتى تكون صالحة للاستخدام في العام 2011. وهذه الفجوة تعتبر عادية وطبيعية في مجرى تطور تجارب الأمم ومسالك الدول، وهي يمكن أن تحصل في كل البلدان التي تغيب فيها النخبة عن الوعي وتبتعد عن حاجات الناس ومتطلباتهم العفوية.

السلطة التي لا تتطور تصبح بمنطق التاريخ خارج آليات الزمن. والسلطة التي تتعامل مع الناس بوصفهم مجرد أحجار دمى أو قوى فاقدة للحياة تتورط منطقياً في مواجهات يمكن تجنبها والاستغناء عنها. وهذا الأمر يحصل دائماً في الدول التي تعاني من صدأ الأفكار وتصدع المؤسسات ما يجعلها تتأخر في الاستجابة للمعطيات التي تتوالد طبيعياً بحكم التطور الموضوعي لكل الشعوب والأمم. عدم القدرة على التكيف مع تقدم منظومة الحياة هو من سمات الأنظمة التي تعتقد أن القوانين ثابتة لا تتغير مهما كانت المتحولات الداخلية والمحيطة بها. وهذا النوع من التفكير الجامد يعتبر أسوأ وصفة يمكن تقديمها للتعامل مع مشكلات مزمنة أخذت تتفاقم أعراضها بحكم التقادم الزمني وعدم جاهزيتها للرد على احتجاجات هي نتاج الحاضر.

الأنظمة التي لا تتطور هي تلك التي تعتقد أن الشعوب جامدة ولا تتغير والأمم لا تتقدم والمجتمعات عقيمة لا تتوالد. وهذا النوع من القناعة اليقينية يخالف نواميس الطبيعة التي إذا قطعت عنها مداخل ومخارج التنفيس يحصل في داخلها الاحتقان وتنفجر كما هو حال جماهيرية القذافي.

التطور هو قاعدة مطلقة لكل الشعوب وهو يخضع لمعايير نسبية بين بلد وآخر، لكنها في النهاية لا تخرج عن القانون العام والمشترك لكل الأمم والدول. الدولة تتطور كذلك المجتمع. هذه سنة الحياة ومن دونها ينعدم التدافع ويتغلب الهدوء وتنتصر السكينة ويسيطر الجمود وينهار العمران وتغيب الحضارة عن مسرح التاريخ.

هذه المبادئ البدائية العامة تدركها الكثير من الأنظمة لكونها تعتبر من الأفكار التي استهلكت لكثرة تكرارها واجترارها منذ أيام مونتسكيو وروسو. لكن بعض الأنظمة يعمل ضدها على رغم علمه بها، ويذهب نحو اتهام الخارج لتعليق الأخطاء على حباله حتى لو كان هذا «الخارج» يفضل الاستقرار ويقدم الحماية والضمانات ويتخوف من التغيير أو الفوضى.

كان بإمكان الرئيس الأسد أن يدلي بخطابه المنتظر من الأستديو مستخدماً الكاميرا للظهور مباشرة أمام الناس بالصوت والصورة ومن دون حاجة لتوسط قاعة مجلس الشعب وما سادها من هرج ومرج قطع أوصال الأفكار وساهم في التشويش عليها ووصولها إلى الشعب غامضة وغير واضحة في مواعيدها وآلياتها.

لاشك أن الخارج موجود، والمؤامرة هي جزء من فن السياسة، والتدخل أمر لا يمكن استبعاده في زمن الفضائيات وعصر «العولمة». فهذه العناصر يصعب إنكارها وتجاهلها في الحاضر والماضي والمستقبل، لكن الأساس في عنوان الموضوع لا يمكن تجاوزه داخلياً وخارجياً لأنه يتصل مباشرة بمبدأ التطور الطبيعي للحياة وحق الناس في التغيير بما يتناسب مع درجة التقدم.

الملاحق التوضيحية التي اضطرت السلطة أن تشرحها للناس بعد انتهاء الرئيس الأسد من إلقاء خطابه، وما نتج عنه من غموض دفع أصدقاء سورية إلى الإعراب عن صدمتهم وخيبة أملهم، تؤكد أن الأجهزة أدركت الخطأ وحاولت استدراكه بعد تلاشي الأفكار وعدم وصولها للشارع الذي كان يترقب الكثير من الإجراءات والوعود. الآن وبعد أن حصل التشويش بات على الرئيس السوري أن يعد العدة لإلقاء خطاب آخر يوضح ما أراد قوله ويقول ما يحتاجه الناس من إجراءات تلبي ثغرات وعثرات تراكمت بفعل التقادم الزمني منذ ستينات القرن الماضي

==================

متغيرات المنطقة ودور لبنان

تاريخ النشر: السبت 02 أبريل 2011

غازي العريضي

الاتحاد

ثمة خفّة في التعاطي في لبنان على أساس أن ما يجري في البلاد العربية سنكون بمنأى عنه. وأصحاب هذه النظرية ينطلقون من قناعة بأنه إذا كان شعار التحرك في محيطنا الحرية والديمقراطية، أو مواجهة إسرائيل والمشروع الأميركي ولم نسمع مثل هذا الكلام في أي مكان – فإن لبنان هو واحة الحرية والديمقراطية في المنطقة منذ قديم الزمان، والكل كان ولا يزال يتغنى به ويحلم أن يكون مثله، ولبنان هو البلد العربي الوحيد الذي هزم إسرائيل أكثر من مرة وحرر أرضه دون ثمن. هذا صحيح، ولكن الأصح أن في لبنان مشاكل كثيرة ملازمة لمناخ الديمقراطية والحرية، ولعنوان التنوّع، وهو تنوّع "طائفي، ونابعة من خلافات على الهوية والتاريخ ورؤية الحلول في الداخل والعلاقات مع الخارج، وثمة اليوم أزمة ثقة عميقة بين مكوناته وخوف من فتنة لا سيما بين السُنّة والشيعة. إضافة إلى اختياره الدائم الساحة الأضعف لتصدير المشاكل إليه واستعداد أبنائه الدائم أيضاً لتلقف مثل هذه العملية والدخول فيها استناداً إلى العوامل المذكورة.

لبنان اليوم هو في قلب العاصفة. الخوف فيه كبير والخوف عليه كبير.

وثمة خطأ في التعاطي مع ما يجري في البلاد العربية الشقيقة في ظل الحساسيات المذهبية الكبيرة الموجودة. فنحن لسنا في موضع يسمح لنا أن نكون أطرافاً مباشرين في تلك الأزمات، وقد رأينا كيف أن بعض التصريحات والمواقف والتصرفات انعكست سلباً على اللبنانيين الموجودين في دول شقيقة وبدت ملامح الخوف تظهر على مصالحهم ووجودهم فيها، والشائعات كثيرة حول احتمال تخلي شركات ومؤسسات رسمية وخاصة عن عدد كبير من اللبنانيين سوف يعودون في النهاية حاملين معهم كرهاً أو حقداً في نفوسهم على من أبعدهم أو من سبّب إبعادهم وأزمات إضافية إلى بلدهم الذي يعاني وبسبب معاناته تركوه للعمل في الخارج.

يقال عندنا، "الباب الذي يأتيك منه الريح ، سدّه". نحن للأسف نفتح كل الأبواب لكل العواصف والرياح التي تلفح ديارنا وتخلق فيها الأضرار فأين الحكمة في ذلك؟

دور لبنان في هذه المرحلة، الذي مزقته الحروب وأنهكته وخلقت فيه الأزمات المتتالية والكوارث، يجب أن يكون دور المثال. بمعنى دور الذي كوته الحروب والانقسامات الداخلية وتعلم منها ويفعل كل شيء لتفادي تكرارها مهما كانت التضحيات والأثمان. فيتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى ذلك في الداخل، وانطلاقاً من هذه التجربة والخبرة المريرة يقرأ ما يجري حوله وبعيداً عن الشماتة والانتقام والحقد والكراهية، وكأنه يقول لأشقائه لقد جاء دوركم الآن! فندفع نحن الثمن مرتين. مرة عندما كان دورنا ومرة عندما جاء دور الآخرين ، إذا صحت هذه النظرية، لسبب بسيط؛ إن ما يجري عند غيرنا ستكون له انعكاسات علينا وخصوصاً في محيطنا الأقرب أي في سوريا. هذه هي الجغرافيا السياسية. وهذا هو تكوين وتركيب المنطقة، وهذه هي اللعبة وقواعدها التي إذا لم تكن أميركا هي من رسمها ويديرها، فإنها بالتأكيد القوة الأكبر والأقدر على التأثير فيها وعلى استيعابها والتعامل معها وفق مصالحها ويشاركها في ذلك عدد من الدول الأخرى، والكل يعطي الأولوية في المنطقة لإسرائيل دون غيرها، وهذا بحد ذاته خطر علينا.

نعم، هذه هي دولنا، تدمّر الواحدة تلو الأخرى تحت عناوين وشعارات متنوعة. تتفكك وحدتها وربما جغرافياتها، والثابت هو نفطها وخيراتها في يد الآخرين وتحت إشرافهم.

لا مكان للمكابرة في السياسة وحركة تطور التاريخ. والأنظمة السياسية مثل الأفراد في النهاية ستموت. يعني ستتغير. هذا هو منطق التاريخ والتطور في الحياة. قد يطول عمرها لفترة معينة لكنها ستشيخ وتموت. قد تتعدد الأسباب والظروف لكن الموت واحد! والظلم والقهر لا يدومان والاستبداد والاستغلال والاستعباد لا يدوم! دائماً ستأتي لحظة تشهد فيها الدول متغيرات منطلقة من ومرتبطة باستشرافات القادة وطموحاتهم وأمزجتهم وممارساتهم وأحلامهم وتقديراتهم... ولذلك، لا بد من التغيير والتطوير والإصلاح في كل مرحلة داخل الأنظمة والمؤسسات لمسح وإزالة العفن والغبار عن أجسام مؤسساتنا السياسية.

وهذا التغيير لا يجوز أن يكون مطلباً خارجياً يفرض علينا. بل قناعة داخلية نعيشها ونعمل على تحقيق أهدافها. والقادة المدركون لهذه الحقيقة، والصادقون مع أنفسهم ومع شعوبهم، واللاعبون الماهرون البارعون الذين يجيدون فن التعاطي مع الأحداث والأزمات يعرفون كيف يلتفون على محاولات الاستهداف فيستوعبون ما يواجههم ويقدمون بشجاعة وثقة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، ولو كلف ذلك بعض التحديات والتعب ومواجهة أصحاب المصالح والمتخلفين عن مواكبة حركة التطور والمتحجرين في عقولهم، الموجودة في جيوبهم لا في رؤوسهم!

ومع ذلك، نحن في لبنان، مدّعون، أننا نعرف كل شيء، ونعلّم كل الناس، ولكننا لا نعلّم أنفسنا، ولا نتعلّم مما جرى عندنا، فنعود دائماً إلى الوقوع في الأخطاء وندفع ثمنها.

اليوم في مواجهة المتغيرات في البلاد العربية، ينبغي أن نواكب بارتياح حركة التغيير، لا سيما التغيير السلمي الحضاري في بعض الدول، وحركة التغيير التي ترافقها أحداث دموية، بقلق، وألا نكون جزءاً من اللعبة هنا أو هناك. لنا رأي نقوله بهدوء وصدق انطلاقاً من حرص نجاح حركة التغيير الديمقراطي التي ولو متأخرين أقر بضرورتها كل القادة تقريباً ولكن خطوات البعض كانت متأخرة وقاصرة عن اللحاق بوتيرة سرعة الأحداث.

ما جرى في الأيام الأخيرة على مستوى التعاطي مع الأحداث في سوريا لم يكن يبشر بالخير. وكأن البعض منا أراد إقحام نفسه والبعض الآخر أراد إقحام شركائه في العملية من خلال الحديث عن سلاح وتحركات وتدخلات من لبنان إلى سوريا، وثم نفي ذلك من قبل مسؤولين سوريين، أو من خلال الرهانات في التحليلات السياسية والقراءات لأبعاد ما يجري وبناء خطط وقرارات وتوجيهات على أساسها. وسبق ذلك مؤشرات حول مصر وليبيا واليمن وغيرها... وكل ذلك لا يطمئن!

==================

صحوة الشرق الأوسط

يوشكا فيشر

وزير خارجية ألمانيا السابق 1998-2005

تاريخ النشر: السبت 02 أبريل 2011

الاتحاد

ينشر بترتيب مع خدمة "بروجيكت سينديكيت"

عندما نجحت الثورة الديمقراطية في تونس في خلع النظام القديم، تفاعل العالم مع الأمر بقدر عظيم من الدهشة والذهول. "هل يُعقَل هذا، ديمقراطية تفرضها القاعدة العريضة من الناس في العالم العربي؟".

وبعد الإطاحة بنظام مبارك الذي ظل طيلة ثلاثين عاماً يحكم مصر، قلب الشرق الأوسط، تحول الذهول إلى يقين. لقد أفاق الشرق الأوسط وبدأ في دخول عالم العولمة الذي ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين. فحتى يومنا هذا، تخلفت المنطقة (باستثناء تركيا) على نحو أو آخر عن عملية التحديث العصري الجارية في مختلف أنحاء العالم.

ولكن هل تكون الغلبة حقاً للصحوة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي أم أن الأمر قد ينتهي إلى تغيير رؤوس الأنظمة الاستبدادية فحسب؟ وهل تؤدي هذه الصحوة إلى نظام مستقر أم فوضى مستمرة وتطرف؟ لا أحد يستطيع أن يجزم الآن. ولكن هناك أمراً واحداً واضحاً: ألا وهو أن العصر الذي شهد سبات هذه المنطقة الشاسعة واستغراقها في النوم بينما أصابت مناطق أخرى من العالم قدراً كبيراً من التحديث قد ولى.

ويجدر بإسرائيل أيضاً أن تعد العدة لاستقبال تغيير تاريخي في المنطقة وأن تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين وسوريا في أقرب وقت ممكن. ورغم ذلك فليس هناك من الإشارات ما يدلل على أن الحكومة الإسرائيلية تتمتع بالبصيرة اللازمة للاضطلاع بمثل هذه المهمة.

المشاكل متماثلة في كل مكان تقريباً (باستثناء تركيا): القمع السياسي، والتخلف الاقتصادي، والفقر المدقع، والافتقار إلى التعليم، وارتفاع معدلات البطالة، والضغوط الديموغرافية (السكانية) الهائلة المتمثلة في النمو السكاني السريع وخاصة بين فئات الشباب.

لقد تحدث كثيرون عن هذه المشاكل مراراً وتكراراً وعاماً بعد آخر، وخاصة في تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولقد تفاقم الوضع سوءاً علاوة على ذلك بسبب عجز وقصور الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، والتي تقاعست عن تزويد شعوبها الشابة بأي أمل في الحياة، بل راحت تمارس معها أساليب قمعية وحشية. لذا فإن اشتعال برميل البارود هذا كان مسألة وقت لا أكثر.

وكان الفتيل الذي أشعل شرارة هذا البارود المتفجر تكنولوجياً المعلومات الجديدة من الإنترنت إلى القنوات الفضائية. والواقع أن إحدى المفارقات التاريخية هنا أن القوة الأميركية الصارمة التي تم توظيفها في حرب العراق على سبيل المثال لم تكن القوة التي حركت هذه الثورة الديمقراطية، بل كانت قوتها الناعمة "تويتر" و"فيسبوك" التي تضررت كثيراً أثناء حكم بوش الابن ومستشاريه من "المحافظين الجدد". ويبدو أن وادي السليكون كان أكثر فعالية من وزارة الدفاع.

لقد تحولت هذه الأدوات الرقمية التي أنتجتها الولايات المتحدة إلى أدوات تمرد استخدمها الشباب العرب في نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية. ورغم أن الشرق الأوسط ينقصه الكثير من الأمور، فإنه لا يفتقر إلى الشباب الذين فقدوا كل أمل، والذين سوف تستمر أعدادهم في التزايد في الأعوام المقبلة.

والواقع أنه على الرغم من التشابه بين أحداث ميدان التحرير في القاهرة وبين مايو 1968 في باريس وسقوط سور برلين في عام 1989، فمن السابق لأوانه أن نعلن أن الحرية قد سادت. إن سيادة الحرية ستتوقف بدرجة كبيرة على الكيفية التي سيستجيب بها الغرب لهذه الأحداث الآن، لأن ما أصبح على المحك ليس مجرد إسقاط الطغاة، بل وأيضاً التحول العميق وتحديث المجتمع والاقتصاد بالكامل. وإنها لمهمة مهولة في واقع الأمر.

فضلاً عن ذلك، فبالمقارنة بأوروبا الشرقية في عام 1989، فإن الشرق الأوسط في عام 2011 يفتقر إلى أي هياكل استقرار خارجية، مثل حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي، قادرة على التأثير على الإصلاحات الداخلية من خلال إبراز إمكانية العضوية. والواقع أن الجهود المبذولة في إطار هذا التحول العظيم لابد وأن تأتي من داخل هذه المجتمعات، وهذا مطلب كبير من كافة الجوانب.

فقد استغرق تحول أوروبا الشرقية بعد عام 1989 وقتاً أطول كثيراً وكان أكثر تكلفة مما كان متصوراً في مبدأ الأمر. وهناك العديد من الناس الذين خسروا أثناء ذلك التحول، ولم يكن منظمو الثورات الديمقراطية هم بالضرورة أولئك الذين كان بوسعهم دفع الديمقراطية والتنمية الاقتصادية إلى الأمام. وهناك تجربة ثورة أوكرانيا البرتقالية في عام 2004، التي فشلت بعد بضعة أعوام بسبب الإقصاء وانعدام الكفاءة وفساد القادة.

إن كل هذه القيود والقياسات مجتمعة تشير إلى أن الغرب، وخاصة أوروبا، لابد وأن يركز على توفير المساعدات الطويلة الأجل للتنمية الديمقراطية والاقتصادية لبلدان الشرق الأوسط التي ولدت من جديد، وأن يركز أيضاً على الشراكات مع كافة القوى الداعمة للديمقراطية والتحديث في هذه البلدان. ولم يعد بوسع الغرب الآن أن يواصل سياسة الأمر الواقع كالمعتاد.

هذه المهام تتطلب السخاء، سواء على الصعيد المالي أو غير ذلك من الأصعدة . كانت فرص السفر على سبيل المثال تشكل أهمية بالغة في تأمين التطلعات الديمقراطية لأهل أوروبا الشرقية بعد عام 1989، وتنفيذها يتطلب عقوداً وليس أعواماً من الصبر والمثابرة. أو بعبارة أخرى، سوف يكون النجاح مكلفاً - بل باهظ التكاليف - وهو ما لن يلقى قبولاً شعبياً في ظل الانكماش الاقتصادي الحالي. ولكن الديمقراطية التي لا تترجم إلى وضع الطعام على موائد الناس هي ديمقراطية محكوم عليها بالفشل.

إن المساعدات الاقتصادية، وفتح أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومشاريع الطاقة الاستراتيجية، والمشورة الدستورية والقانونية، والتعاون بين الجامعات، كل هذا من بين الموارد التي يتعين على الغرب أن يوفرها إذا كان راغباً في الإسهام في إنجاح الصحوة الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وإذا فشلت هذه الصحوة فإن النتيجة ستكون انتشار التطرف إلى مختلف أنحاء المنطقة. لذا فإن العودة إلى الوضع الراهن ليست بالأمر الوارد على الإطلاق. فقد خرج المارد من القمقم.

==================

التغيير في الزمن الضائع

آخر تحديث:السبت ,02/04/2011

عبد العزيز المقالح

الخليج

من المؤكد أن الدعوة إلى التغيير في الوطن العربي تأخرت أكثر مما ينبغي . إذ كان لا بد أن تبدأ أنظمة الحكم العربية في التغيير منذ عشرين عاماً على الأقل في تواز مع التغيرات التي رافقت سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفتت الأنظمة التي كانت ترتبط به في شرق أوروبا . ولو تم التغيير المطلوب في ذلك الوقت لما حدث ما يحدث الآن ولما احتاج التغيير إلى انتفاضات وثورات ودماء وتدخلات أجنبية، لكن، هكذا هم العرب في عصرهم الحاضر لا يتحركون إلا بعد فوات الأوان، ولا يشعرون بأهمية المتغيرات إلا في الوقت الضائع . وقد كانت حاجة كل قطر عربي إلى التغيير من الوضوح بمكان، وربما كانت بعض الأقطار قد بدأت ذلك، ولكن ببطء وبطريقة فوقية لا تستجيب لنداء الشارع ولا تلامس جذور المشكلات .

ومما زاد الطين بلة، أن بعض الأنظمة العربية استنامت للتبعية، وما كانت توحي به لها من أمان موهوم، وربما أقنعت نفسها أن تلك التبعية كافية لتحميها من المجهول وتجعلها في غير ما حاجة إلى إجراء أي نوع من التغيير، ولم تدرك تلك الأنظمة أن التبعية وغياب التغيير قد أفرزا تراكماً في الواقع وخلقا ضغوطاً شعبية يصعب مواجهتها في لحظة الانفجار . وما حدث ويحدث الآن في أكثر من قطر عربي، إن لم يكن فيها جميعاً، ليس سوى التعبير عن ذلك التراكم المخزون وعن التأخر في إجراء التغيير المطلوب والضروري في موعده، بالإضافة إلى ما تركته تبعية بعض الأقطار من شعور مرير تجاه التفريط في استقلالها وسيادتها .

وإذا كان أوان التغيير الطبيعي والسلمي قد انتهى من وجهة نظر البعض، فإن آخرين يرون - وأنا منهم ومعهم - أنه مازال ممكناً لا سيما في الأقطار ذات التركيبة الإثنية والقبلية والمذهبية التي يحتاج التغيير فيها إلى توافق بين هذه المكونات حتى لا تتفكك البنية الوطنية وتتعرض لأسوأ مما تريد الخلاص منه . ومن النافل القول إن وجهتي النظر قابلتان للبحث والنقاش وإن كان تسارع الأحداث وتطورات أشكال المواجهات في بعض الأقطار يجعل من الصعب إيجاد مساحة من الوقت الكافي لتحديد أي من وجهتي النظر أجدى للتغيير والخروج من دوامة الصراع الذي فرضه التأخر في الاستجابة لمطالب الإصلاح الاجتماعي والسياسي .

لقد أهدر العرب في السنوات الماضية الكثير من الأموال، وأهدروا ما هو أهم وهو الوقت . والآن يجدون أنفسهم في المربع الأول من المسيرة التي توقفت عند البداية، ولم يكتشفوا أهمية التغيير في الوقت المناسب، وأن ما كان ينبغي عليهم أن يفعلوه، وهم في سعة من أمرهم، أصبح صعباً ومعقداً في ضيق الوقت . وما كان أحوجهم إلى الفهم العميق لما يدور في صدور مواطنيهم وما يعتمل في نفوس الأجيال الجديدة من أحلام وتصورات ومن شعور بعدم جدوى الترقيع والتلفيق ومواجهة وتائر التغيير المتسارع في العالم بوعود لا تتحقق أو بإجراءات إصلاحية لا تتعدى سطح الواقع إلى الأعماق .

==================

اضطراب الشرق الأوسط يزعج العالم

المصدر: « شينخوا» الصينية

التاريخ: 02 أبريل 2011

البيان

يتمتع الشرق الأوسط بموقع استراتيجي في السياسة الجغرافية العالمية، الأهمية الإستراتيجية للمنطقة الغنية بمواردها النفطية وثقافتها وتاريخها الفريدين جعلت منها لاعبا استثنائيا في السياسة الدولية الحديثة. وقد تؤثر أي أحداث كبرى داخل المنطقة أو نابعة منها على المشهد السياسي العالمي.

وفى العقد الثاني من الألفية الجديدة أصاب الشرق الأوسط العالم بالصدمة، ففي 14 يناير 2011 اجبر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على التنحي بعد 23 عاما أمضاها في السلطة. وتبعه الرئيس المصري حسني مبارك الذي أزيح عن منصبه في 11 فبراير المنصرم بعد 30 عاما قضاها في سدة الحكم.

ومنذ أواخر فبراير أفضى الوضع في ليبيا إلى عمليات إجلاء جماعية للرعايا الأجانب، فيما تتواصل اشتباكات دموية بين القوات الحكومية ومجموعات المحتجين. وفى 15 مارس أعلن ملك البحرين حالة الطوارئ، فيما وصلت قوات امن من المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى إلى البحرين لحفظ النظام. وفى 19 مارس قامت فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا بإجراءات عسكرية ضد ليبيا، من خلال شن غارات جوية على العاصمة طرابلس ومحيطها. وفى 25 مارس ، قال الرئيس اليمني علي عبدالله صالح انه على استعداد لتسليم السلطة سلميا إلى أياد أمينة.

وخلال الأيام المئة التي أعقبت حادث تونس وقعت أيضا اضطرابات سياسية واجتماعية، وان بدرجات متفاوتة، في كل من سوريا والكويت والأردن والمغرب والجزائر وعمان والمملكة العربية السعودية.

وفيما تتباين الأسباب من دولة إلى أخرى، يقول محللون إن الدعوات المطالبة بتحسين مستوى المعيشة كانت المحرك الأقوى للاضطرابات في تونس ومصر، أما في البحرين فوقعت نزاعات دينية، وفى ليبيا واليمن أعطت العداوات القبلية طويلة الأمد زخما للاضطرابات. ومن الواضح أن التدخلات الخارجية، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، قد زادت من تعقيد الوضع في الشرق الأوسط وأضافت المزيد من عدم اليقين بشأن نتائج الفوضى الراهنة. ومهما كانت الأسباب وراء تلك الاضطرابات فإنها أزهقت الكثير من أرواح المدنيين في تلك البلدان.

وبحسب السلطات الليبية، فإن ما لا يقل عن 114 مدنيا قد قضوا حتى يوم السبت في الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف بقيادة الغرب، فيما أصيب مئات آخرون.

وخلال الاضطرابات أيضا لقي 110 أشخاص مصرعهم في تونس و 365 في مصر ونحو مئة في اليمن إلى الآن. بعد وقت ليس بطويل من أحداث تونس، حط ما يزيد على 15 ألف لاجئ رحالهم في جزيرة لامبيدوزا الايطالية أقصى نقطة واقعة جنوبي ايطاليا، والتي تبعد نحو 110 كيلومترات من تونس. وبالإضافة إلى إجلاء آلاف الرعايا الأجانب، فر ما يربو على 330 ألف ليبي من بلدهم منذ اندلاع الاضطرابات في ليبيا. وتوافد نحو مليون لاجئ إلى الدول الأوروبية المجاورة مع تواصل الاحتجاجات في الشرق الأوسط، بحسب تقديرات وكالة ايطالية.

وعلى الحدود بين ليبيا وتونس تدفق اللاجئون زمرا زمرا، بعضهم يحمل أطفالا رضع بين ذراعيه والبعض يحمل حقائب على كتفه وبعضهم جثا يقبل الأرض بشكل هستيري بمجرد عبوره الحدود. وألقت الاضطرابات في الشرق الأوسط بظلالها أيضا على بعض جوانب الحياة المعيشية مثل ارتفاع أسعار النفط في كل من الدول المتقدمة والنامية، وتركت صورة أكثر ضبابية بشأن التعافي الاقتصادي العالمي. ولطالما كانت الاضطرابات الكبرى بالشرق الأوسط مصدرا لارتفاع أسعار النفط، والتي بدورها أثارت ثلاثا من خمس مراحل ركود عالمية، على حد ما ذكر نوريل روبيني أستاذ الاقتصاد بكلية ستيرين للأعمال بجامعة نيويورك.

==================

رسالة من حمصية الى سيادة الرئيس

كلنا شركاء

2011/03/31

انا مواطنة سورية أريد ان أشكرك من قلبي و اهنئك سيدي الرئيس على خطابك طبعا لا اريد هنا ان اعلق على الجانب السياسي فلست بالسياسية البارعة إنما أريد ان اهنئك على خفة دمك و روح الفكاهة المتميزة و التي برزت و بشكل واضح ربما تأثرا بزوجتك الحمصية و أرجو ان لا تعتقد إني اسخر لا سمح الله فانا حمصية أيضا.

 

 سيادة الرئيس

كم أعجبت بسرعة بديهتك التي جعلتك لا تغفل عن أي نقطة تستطيع من خلالها اظهار روح الدعابة و خفة الدم بل وفاجأني هذا التفاؤل الذي حاولت عبثا ان افهم سببه و مبرره لكن للاسف لم امتلك ذكاءك الفطري الذي ورثته سيادة الرئيس بل و اراهن ان ثلاث و عشرين مليون مواطن لم تصل درجة ذكاءهم و عمق تفكيرهم ليعرفوا مصدر هذا التفاؤل الذي رسم ابتسامتك المشرقة و ضحكتك المتألقة التي لم تفارقك طوال فترة الخطاب.

لكن اعذرني سيدي الرئيس فلم أتمكن من مجاراة حس الدعابة عندك و لم ارق إلى مستوى خفة دمك فما زال قلبي يتوجع على دماء شهداء سقطوا في وطني على يدي حراسك. ما زالت روحي تتألم حزنا على كل أب و أم فقدوا فلذة كبدهم على كل زوجة بعمر الورد ترملت و على كل طفل تيتم على كل أخ و أخت فقدوا اغلي الأحباب.

نعم سيدي الرئيس ما زلت ابكي بحرقة لذا سامحني فقد استطيع في مناسبة أخرى غير هذه المناسبة أن اشاركك الفرح و السعادة و النشوة بأصوات محبينك و عشاقك.

اسمح لي الآن أن أودعك لاسمع اغنية سميح شقير يا حيف و أرجوك سيدي الرئيس ارجوك لا تسمعها كي لا نفقد أخر شخص قادر في هذا الوطن على الابتسام بعد ما حصل.

===============

رؤية الإسلاميين لشكل الدولة في مصر

المستقبل - السبت 2 نيسان 2011

العدد 3957 - رأي و فكر - صفحة 19

علي عبدالعال

منذ بدأت بشائر النصر تلوح على ثورة المصريين التي كان على رأس أهدافها اطاحة نظام الرئيس مبارك واستبداله بنظام جديد يرسخ لدولة القانون، وحقوق الإنسان، ويؤكد على الحريات العامة، أخذ الحديث يدور بقوة حول دور الإسلاميين في مستقبل البلاد وشكل الدولة التي ينشدها هذا المكون الهام من الطيف المصري.

لم تكن هذه التساؤلات بعيدة عن إثارة الهواجس من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم وما اصطلح على تسميته ب"فزاعة الإسلاميين" التي استخدمها كثيرا النظام السابق سواء لدى القوى الدولية في الخارج أو تجاه بعض مكونات المجتمع المصري في الداخل بخاصة الأقباط والقوى العلمانية واليسارية.. وهو ما حدا الإسلاميين الإعلان في كثير من مواقفهم عن شكل الدولة الذي ينشدونه في مصر المستقبل وحقيقة مواقفهم من الهيمنة على صناعة القرار في البلاد.

فمن جهتهم، يؤكد الإخوان المسلمون دومًا أن الدولة التي يتطلعون إليها إنما هي "دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية"، جاء ذلك في العديد من بياناتهم ومنها البيان الصحافي حول الثورة الشعبية في 9 شباط. وردا على اتهامات بسعيهم إلى "إقامة دولة دينية كالتي في إيران"، اعتبر البيان ذلك افتراء على الإخوان الذين كرروا كثيرا أن الدولة التي يريدون الشعب فيها "مصدر السلطات وصاحب السيادة".

وأكدوا أيضا على أنهم لا يتطلعون إلى السلطة ولا يريدون "الرئاسة، ولا المناصب"، ولا يسعون لكسب الأغلبية في البرلمان، بل يتطلعون إلى "الإصلاح الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والإعلامية وسائر جوانب الحياة".

وحسب المصطلح اليوناني فالدولة الدينية أو "الثيوقراطية" هي التي تحكمها حكومة دينية، ويستمد الحاكم فيه سلطاته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، والحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أو على الأقل يسود رأي الكهنوت عليها. لكن يقول الإسلاميون إنهم لا يعرفون مطلقا هذا الشكل الذي ساد الغرب في القرون الوسطى المعروفة بالمظلمة.

فيقول الدكتور يوسف القرضاوي: الدولة الدينية "الثيوقراطية" التي عرفها الغرب في العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين، الذين يتحكَّمون في رِقاب الناس وضمائرهم أيضًا باسم "الحق الإلهي" (...) هي مرفوضة في الإسلام، وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي، إنما فيه علماء دين، يستطيع كل واحد منهم أن يقوم بالتعلُّم والدراسة، وليس لهم سلطان على ضمائر الناس، ودخائل قلوبهم، وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق، بل كثيرًا ما يُهضَمون ويُظلَمون.

ثم يعرج القرضاوي ليضع رؤيته للدولة، فهي "دولة مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد فيها أن تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل مسلم، بل كل مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن الثورة عليه إذا رأى كفرًا بَوَاحًا عنده من الله برهان".

وهو نفسه ما يؤكد عليه الكاتب د.حلمي القاعود حيث يرى الفارق كبيرا بين الدولة الدينية بمفهومها الأوروبي، والدولة الإسلامية كما أرساها الإسلام، إذ إن الدولة الإسلامية هي أول دولة مدنية في التاريخ يخضع فيها الناس لسلطة النظام العام أو القانون، ولا تفتش في الضمائر، ولا تملك سلطة حرمان أو غفران لأن "كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " ( الإسراء : 13) ، "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الإسراء : 15) . كما جاء في مقاله "الثورة بين الدولة الدينية والدولة المدنية".

وفي عمومياتها تقترب هذه الرؤية التي يقدمها مفكرو الإخوان إلى حد كبير من الدستور المصري، الذي تنص المادة الثانية منه على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". لكن هذه المادة تجد ما يصفه الإسلاميون ب"تحرش من قبل البعض" من وقت لآخر، خصوصاً من قبل بعض العلمانيين. إذ أعلن نشطاء ينتمون إلى أقليات مختلفة في مصر تأسيس ما سموه "الجبهة الوطنية المصرية للدفاع عن الأقليات والدولة المدنية" وضمت في عضويتها أقباطاً وبهائيين وشيعة ونوبيين وأمازيغ، وهي تهدف إلى صياغة رؤيتهم بشأن التعديلات الدستورية. وحددت شخصيات قبطية مطالبها في بيان أصدروه، في: أنه يجب أن تتبنى التعديلات الدستورية حذف أو تعديل أية مواد تتعارض مع المادة الأولى الخاصة بالمواطنة، والمادة رقم 40 الخاصة بالمساواة، والمادة رقم 46 الخاصة بحرية العقيدة. وقال البيان شارحا هذا المطلب: "ونقصد بذلك المادة الثانية تحديدا من الدستور"، كما طالبوا بإصدار قانون بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.

==================

التعددية الطوائفية في سوريا عامل التمييز عن سابقاتها

غلبة دولية تخشى بديلاً من نظام الأسد

النهار

2-4-2011

على رغم اتصالات الدعم والتأييد التي تلقاها الرئيس السوري بشار الاسد من عدد من المسؤولين الكبار في لبنان في وجه ما تشهده سوريا من اضطرابات وضعها الرئيس السوري في اطار "المؤامرة على سوريا"، فان واقع الحال ان انطباعا سياسيا عاما في لبنان شاع، مدفوعا بما اعلنته مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان عن اجراءات على وشك ان تتخذها القيادة السورية، بأن الرئيس السوري سيعلن خطوات اصلاحية مهمة. ولا يمكن القول ان المسؤولين في لبنان لم يفاجأوا كسواهم من المسؤولين في العواصم المراقبة بخلو خطاب الرئيس السوري من اي ذكر تفصيلي لاي خطوات اصلاحية وقد ساورتهم مخاوف من ان يكون هناك خطأ ما ارتكب عبر هذه الخطوة نظرا الى تجربة الدول العربية التي شهدت معارضات اطاحت النظام فيها او هي على وشك ان تفعل. ويعود ذلك الى اعتقاد ان الرئيس السوري لا يزال يملك الفرصة الكبيرة لأخذ المبادرة في قيادة بلاده من دون مواجهة اعمال عنف تهدد نظامه في حال احسن التعاطي مع الامور ولم يعتمد الطريق التي اتبعها سواه من حكام عرب. ويمكن القول ان مسؤولين كثرا يخشون من تأثيرات الوضع السوري على لبنان ولا يطمحون الى تغيير على مستوى القيادة بمقدار ما يمكن ان يرحبوا بتغيير في الاداء وانفتاح سوريا، بصرف النظر عما اذا كانوا عبروا عن ذلك للرئيس السوري ام لا، على غير ما توحي به مواقفهم المعلنة.

وتعتقد مصادر ديبلوماسية ان الرئيس السوري، وبصرف النظر عن معلومات عن وجود تضارب في الرأي بين المحيطين به حول كيفية التعاطي مع الازمة المستجدة في سوريا، تأثر بالنصائح الاقليمية والدولية التي اسديت اليه حول وجوب تقديم اصلاحات بعد الاحداث المؤلمة التي اضطرت على اثرها شعبان الى الاعلان عن خطوات اصلاحية قريبة. ولكنه بعد رصده لردود الفعل الدولية على الاحداث التي تجري في سوريا تبين له ان نظامه اقوى مما يعتقد بالنسبة الى الخارج الذي يتمسك به لاعتبارات متعددة من بينها في شكل خاص تورط الغرب في ما يجري في ليبيا بحيث يتعذر عليه فتح جبهة جديدة او الانخراط في اي حرب مماثلة تحت تأثير الضغوط الداخلية لهذه الدول والخلافات في ما بينها كما يحصل بالنسبة الى ليبيا. لا بل ان تدحرج الانظمة العربية الواحد تلو الآخر بدا اكثر مما يمكن ان تتحمله الدول الغربية من تغيير دفعة واحدة ولو ان ذلك يعني تغييرا شاملا لمنطقة الشرق الاوسط. يضاف الى ذلك وجود اصدقاء له اكثر بكثير مما للنظام الليبي يمكن ان يدافعوا عن بقاء نظامه في وجه اي اجراءات عقابية كتلك التي استهدفت ليبيا. وتقول هذه المصادر ان الاضطرابات في سوريا بدت اكثر إقلاماً للدول الغربية من تلك التي تحصل في ليبيا نظرا الى التعددية الطوائفية التي تقوم عليها وما يمكن ان يعنيه ذلك، على عكس ما كانت الحال بالنسبة الى مصر او تونس او حتى ليبيا مع مشهدين في الذاكرة للحرب في لبنان والحرب في العراق لجهة تعدد الطوائف في كليهما. وقد شكل الموقف الذي اعلنته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون يوم الاحد 27 آذار، اي في الايام الفاصلة بين البشرى التي قدمتها شعبان والخطاب الذي ألقاه الاسد في مجلس الشعب، اشارة مهمة جدا بالنسبة الى الرئيس السوري لانه يشكل معيارا يمكن قياس الامور على اساسه. اذ فيما قالت كلينتون ان "من التقى الرئيس السوري من اعضاء الكونغرس الاميركي خرجوا بانطباع انه اصلاحي"، فقد راج على نطاق واسع اختصار الموقف الاميركي التي عبرت عنه كلينتون بانها قدمت دعما قويا الى الاسد بصفته اصلاحيا. وعلى رغم ان هناك تمايزا بين الامرين الا ان كلام كلينتون لم يفهم في اي حال على ان ثمة رغبة اميركية في التعاطي مع الاسد على انه قذافي آخر في حين ان التنديد بقمع المتظاهرين وقتلهم هو امر مبدئي لدى الغربيين في الوقت الذي سعى الاسد الى التنصل منه وانكار مسؤوليته عنه والاستعداد لمعالجته وفق ما فهم من كلامه في الحديث عن درعا او الضحايا التي سقطت برصاص قوى الامن السورية.

وتقول هذه المصادر ان هذا لا يعني ان الدول الغربية تفضل نظام الاسد على نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك لكنها تخشى عدم وجود بدائل كما هي الحال في مصر بسبب عدم وجود معارضة منظمة او احزاب او حتى جمعيات وصحف حرة، وكلها كانت موجودة نسبيا في مصر وحتى لاختلاف طبيعة جيش يمكن الاعتماد عليه من اجل تشكيل مرحلة انتقالية كما حصل بعد مبارك وذلك لاعتبارات تتصل بالتعددية الطوائفية الموجودة في سوريا. وعلى رغم اعلان الدول الغربية انها ترحب بالديموقراطيات في المنطقة، فانها لا تشعر بنفسها مؤهلة للتعايش مع اسلاميين يصلون الى السلطة وربما يشكلون خطرا على اسرائيل. ولذلك لا ترى هذه المصادر في كلام الاسد عن مؤامرة تستهدف سوريا اكثر من شعار للاستهلاك الداخلي السوري وربما العربي. علما ان الشعار نفسه استخدمه القذافي كما استخدمه مبارك ورؤساء عرب آخرون في حين ان اسرائيل نفسها وفق ما يعبر مسؤولوها وصحافتها لا ترغب في اطاحة الاسد عبر الاحتجاجات الداخلية وتفضل بقاءه. والوضع نفسه ينسحب على الولايات المتحدة وتركيا والدول العربية المنشغلة كل منها بهمومها الخاصة لكن مع اصلاحات جذرية ترى هذه الدول انه من الضروري ان يجريها الرئيس السوري ومن الافضل ان بفعل ذلك بإرادته وليس تحت الضغط الذي يمكن ان يتعاظم من دون معرفة الى اين يمكن ان يؤدي، باعتبار ان خيار التغيير بات حتميا أياً يكن حجم التظاهرات، ولم يعد في الامكان العودة الى الوراء سواء نجح الاسد في قمع التظاهرات أم لا.

==================

الرئيس السوري إذ يرفض «التسرع» في الإصلاح!!

ياسر الزعاترة

الدستور

2-4-2011

لكأن البوعزيزي لم يحرق نفسه ويحرق معه ثياب الذل ويكسر جدار الخوف. كأن الرئيس التونسي لم يتأخر كثيرا في الفهم حين خرج بعد فوات الأوان ليقول «فهمتكم». لكأن حسني مبارك لم يتلكأ في قول ذات الكلمة وأصر على البقاء في الحكم حتى ارتفعت مطالب المحتجين على نحو دفعهم إلى رفض بقائه في الحكم ولو مجرد ستة شهور أخرى.

النظام السوري بدأ الحكاية من أولها، بدءا بإطلاق النار على المتظاهرين ومن ثم إبداء الأسف على سفك دمائهم، ومرورا بنسبة المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح إلى جهات خارجية ومندسين فلسطينيين وأردنيين ومصريين وترتيب روايات بائسة لما يحدث وليس انتهاء بالمظاهرات الموالية المبرمجة التي تهتف للرئيس القائد.

لم ينس النظام في هذا السياق دفع بعض الموالين إلى الهجوم على المحتجين في درعا وسواها، ومن ساندوهم، بما في ذلك قيام بعض صغار الممثلين إلى التطاول على رموز الأمة كما فعلوا مع الشيخ يوسف القرضاوي الذي اتهم بإثارة الطائفية والفتنة، مع أنه لم يدعُ لغير الإصلاح من منطلق الحب لسوريا وأهلها والاعتراف بمواقفها القومية الجيدة.

في ذات السياق، وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، خرجت الناطقة باسم الرئاسة (بثينة شعبان)، فتحدثت عن «عطايا مالية»، إلى جانب الحديث عن وعود تتعلق بإصلاحات سياسية، الأمر الذي لم يكن مقنعا إلى حد كبير، حيث تواصلت الاحتجاجات، وخرج عدد من المثقفين السوريين ببيان يؤكدون فيه على مطلب الإصلاح. كما جاءت إقالة الحكومة كمحاولة أخرى لإقناع الناس بجدية نوايا الإصلاح.

بقي الناس في انتظار خطاب الرئيس، لاسيما أن إقالة الحكومة لم تكن خطوة تثير الانتباه، وكان أن رأينا بأم أعيننا كيف استقبل الرجل في مجلس الشعب بهتافات لا تليق بممثلي شعب عظيم مثل الشعب السوري، فضلا عن وصلات من المديح المدجج بالنفاق، والتي تثير الخجل وتؤكد أن درس الثورات العربية لم يصل بعد أروقة السياسة في دمشق.

في الخطاب لم يعترف الرجل بعفوية الحراك الشعبي، بل نسبه إلى دوائر خارجية تبتغي الفتنة، وتحدث عن بنية منظمة لذلك الحراك، وهيكلية وزعت الأدوار على نحو مخطط، الأمر الذي يدرك العقلاء أنه لم يكن صحيحا بحال.

الأسوأ من ذلك أن الكلمة المنتظرة لم تأت بأي شيء جديد خلافا لما تحدثت عنه بثينة شعبان من قبل (رفض الرئيس التسرع في الإصلاح)، بل إن المرور على قانوني الأحزاب وقانون الطوارىء لم يرد في سياق التأكيد على شيء إيجابي، إذ تحدث عن وضعهما قيد الدراسة، وفي سياق من إصلاحات كانت قد أعلنت في العام 2005، مع العلم أن تعليق العمل بقانون الطوارىء لا يحتاج أكثر من قرار واضح صريح (لاحقا شكلت لجنة لاستبداله بقانون لمكافحة الإرهاب، ما يعني تراجعا جزئيا عن منظومة القمع)، أما الإصلاحات الاقتصادية التي لم يفصّل فيها فلا يستبعد أن تبقى كلاما كما كانت في السابق، والأسوأ أنه حين أشار إلى موضوع الفساد، ذهب إلى أنه غير موجود في سوريا، مع أن الفساد بقصصه المثيرة وأسماء رموزه كان ولا يزال حكايات يومية تتردد على كل لسان في الشارع السوري. وعموما تمت إحالة الإصلاحات لمجلس الشعب الجديد، وهو بالطبع لن يختلف عن مجلس الشعب الحالي (مجلس حزب البعث) الذي يتسابق أعضاؤه على الوقوف والهتاف وترديد الشعر في مديح القائد، وصولا إلى قول أحدهم إنه ينبغي أن يكون قائد العالم وليس سوريا أو العرب جميعا!!

في ضوء ذلك يمكننا القول بكل وضوح إن السيناريو العربي التقليدي سيتكرر في سوريا لأن أي تغيير حقيقي لم يحدث، وإلا لتم تأجيل انتخاب مجلس الشعب الجديد إلى حين تغيير قانون الأحزاب ومن ثم بروز قوى جديدة تشارك فيها على نحو ينتج مجلسا أكثر التصاقا بهموم الشعب، ولو بنسبة بسيطة، مع أن المطلوب شعبيا هو أكثر من ذلك بكثير، إذ من دون دستور جديد يلغي النص على هيمنة حزب البعث على السلطة، إلى جانب تغييرات تشعر المواطنين بأن البنية الطائفية للنظام قد أصبحت من الماضي بالفعل، لن يعترف الناس بأن شيئا قد تغير.

والحال أنه لم يعد مقنعا الحديث عن سوريا الداعمة للمقاومة وسوريا التي تتعرض للضغوط والمؤامرات بسبب مواقفها القومية كسبب للتلكؤ في الإصلاح، لأن دعم المقاومة الذي لا ينكره منصف ليس نقيضا للإصلاح كما أشرنا من قبل، ولأن التصدي للمؤامرات الخارجية يتطلب جبهة داخلية متماسكة، وشعبا يؤمن بنظامه السياسي. أما إذا أصرّ النظام على تجاهل المرحلة ومتطلباتها، وندعو الله أن لا يفعل، فإن تطور الحراك الشعبي سيكون مؤكدا بصرف النظر عن الوقت الذي سيستغرقه حتى يتمكن من فرض التغيير الشامل، وأقله الإصلاح الحقيقي بحسب تطور الأمور.

==================

حوار حول ثورة شعب سورية

مع موقع أون إسلام

نبيل شبيب

مقدمة الموقع:

إثر توفر إرهاصات انتفاضة الشعب السوري، كان لنا مع الخبير الإعلامي السوري المقيم بألمانيا أ. نبيل شبيب هذا الحوار حول حال ومآل المشهد السوري وموقفه من النموذجين الثوريين في تونس وليبيا. و تحدث أ. نبيل عن سوريا رافضا الفزاعة الطائفية، معتبرا النظام السوري نظاما استبداديا وحسب، وعن الفارق بينه وبين النموذج الليبي رأى شبيب أن النموذج السوري نموذج مؤسسات ويتضمن عقلاء لا يمكن أن ينحوا المنحى الليبي، ولفت إلى أن سلمية الثورة جعلت بعض أفراد الأمن يرفضون الخدمة حينما صدر لهم الأمر بإطلاق النار، وأكد شبيب أنه متى بدأت الثورة لحظتها الأولى فقد حققت انتصارها ونبه لضرورة أن يدرك الحاكم السوري ذلك، وقلل من احتمال تكرار نموذج مذبحتي حماة وتدمر بسبب سلمية الثورة.

كما تحدث أ. نبيل شبيب عن وجود إمكانية لتغيير حقيقي من داخل النظام (جرى الحوار قبل كلمة بشار الأسد يوم 30/3/2011م) لكنه ليس بمنطق المنحة، لافتا إلى أن المستبد لا يهدي الحريات للشعب وإنما يعيدها إليه، ونبه على أن من شروط الثقة الضرورية لعودة الهدوء مشاركة القوى السياسية في عملية التغيير من بداياتها ووفق جدول زمني، ولفت إلى أن شرط الثقة بين الشعب والحكومة إشراك القوى السياسية الوطنية ذات التاريخ النضالي في إدارة التغيير، مشيرا إلى أن هذه المشاركة هي أمارة على وجود ضابط على ثقافة البيروقراطية الخاضعة للنظام القديم.

وتحدث الخبير السوري أ. نبيل شبيب عن المؤسسة العسكرية السورية التي رآها قوية وأكد أنها ستنحو نفس المنحى المصري والتونسي. ولفت إلى أن القوى السياسية والشعبية ترفض التدخل الدولي في سوريا ولو وصل عنف النظام لدرجة الإبادة. وصرح بأنه إذا استمرت الثورة في سوريا فسيسقط الاستبداد قبل بلوغه مرحلة القمع الوحشي المطلق. وأعلن شبيب أنه يخشى وصول الأمر في سوريا لسيناريو صراع الأجنحة الذي اعتبر أنه سيكون مكلّفا جدا، ولفت إلى أن الرئيس السوري يملك من الثقافة ما يجعله متأكدا من عدم قدرة الاستبداد على الاستمرار في سوريا بالذات، وأكّد شبيب أن نموذج الاستقطاب غير وارد مستقبلا بالحالة السورية على نحو ما شهدته مصر.

سؤال: بعد بدء مسارات الثورة في كل من تونس ثم مصر فاليمن وليبيا، تعتبرون الشعب السوري محظوظا في أن يأتي تاليا لهذه الخبرات بحيث يستفيد منها أم ترى أن الخبرة أتت في صف النظام السوري الحاكم؟

جواب: دعنا نردّ السؤال عليك وأنت مصري.. هل استفادت الثورة في مصر من سابقتها في تونس؟.. الحقيقة أن العوامل الموضوعية لإنجاح الثورة موجودة في كل البلدان العربية. ومن ثَمّ فالقضية لا يمكن تصويرها وحسب في ضوء التتالي من حيث الوقوع. قد يؤثر هذا التتابع في الشعوب نفسانيا؛ لأنها ترى بأم عينها أنها قادرة على التغيير إذا ما قدمت التضحيات. فالاستبداد موجود في سوريا كما في غيرها، وهو مهترئ، ويتهاوى بسرعة. هذا ما أدركته الشعوب عندما نظرت إلى ما حدث في تونس ومصر. وليس للأمر علاقة بالترتيب الزمني.

سؤال: نحن نتحدث عن الدروس المستفادة. هل كانت هناك دروس مستفادة؟ وفي أي اتجاه صبت؟ هل صبت في صالح انتفاضة الشعب السوري أم في صالح النظام الحاكم؟

جواب: أعتقد أن المستبدين لا يستوعبون الدروس.. فلو نظرنا إلى الخطاب الذي يستخدمه النظام السوري سنجده نفس الخطاب الذي استخدمه سابقوه، فلو كان النظام قد استوعب الدرس مما حصل في تونس لما كرر نفس الصيغة، ونفس الخطاب، ونفس الإجراءات التي بدأها نظام بن علي في تونس، ومن تلاه، وهذا كان نفس الوضع في كل البلدان العربية التي ذكرتها؛ كلها كرّر نفس الصيغ ونفس الخطابات ونفس الإجراءات على تفاوت في التفاصيل.

أما عن الشعب السوري، فأعتقد أنه على العكس، فقد فهم ما حدث في تونس، بل وتعلم منه. ولو أنك نظرت إلى ما يحدث في سوريا ستجد الشعب السوري وقد استوعب المقدمات التي حدثت بسابقه، ومنها سلمية الثورة، والصبر على التضحيات لفترة من الزمن لأجل البرهنة على استعداده للتغيير ورغبته فيه، وتحرك الانتفاضة في كل سوريا وليس في إقليم واحد بعينه، ولهذا أجيب بالإيجاب فيما يتعلق باستيعابه الدروس المستفادة مما حدث في كل من تونس ومصر.

لكن من المهم أن نشير إلى أن المعطيات الحقيقية الموجودة في المجتمع السوري هي التي تجعله قادرا على الاستفادة. فلولا أن الاستبداد قائم في سوريا، لما كان لدور مصر وتونس أي تأثير، لكن المعطيات قائمة، والشعب السوري لديه العزيمة، وكلاهما جعلاه يستفيد مما أحاط بعلمه من أحداث تونس ومصر.

سؤال: هذا ينقلنا للحديث عن خصوصية الوضع السوري من زاوية المعطيات، ومن زاوية طبيعة الاستجابات الشعبية وتطورها.. هل ترى من خصوصية في النموذج الثوري السوري؟ وما ملامحها إن وجدت؟

جواب: وضع السلطة في سوريا يختلف عن نظيره في كل من تونس ومصر، وكذا وضع السلطة في تونس يختلف عنه في مصر، ومع ذلك؛ فإن كلا البلدين أسقط الاستبداد.. وأقصد من وراء ذلك أن كل الدول العربية مهما اختلفت خصوصياتها أسقطت الاستبداد، فالخصوصيات لم تمنع من إسقاط الاستبداد، فالاستبداد يسقط لأنه استبداد، وليس لأنه اتخذ هذا الشكل أو ذاك.

سؤال: دعني أصوغ السؤال بطريقة أخرى: أنا أعني إدراك الشعب السوري لخصوصية وضع نظامه الحاكم، بما يجعله يقدم استجابات مختلفة عن غيره من الشعوب العربية.. فالشعب الليبي طور نموذجه الخاص في مواجهة طبيعة النظام الليبي.. فهل سنشهد نموذجا سوريا مختلفا؟

جواب: الشعب السوري بطبيعة الحال أدرى بسوريا وبخصوصيات نظامها الحاكم، وهم عندما يتحركون يضعون خصوصية وضعهم هذا في حساباتهم بلا شك.. وكذا حدث في مصر، حيث استوعب المصريون خصوصية وطبيعة الوضع عندهم، وأبدعوا في هذا الإطار باستجابات متميزة. الشعب السوري يدرك خصوصية الوضع لديه، ويقدم بالطبع استجابات ملائمة. على سبيل المثال، نحن نعلم أن ورقة الطائفية من أخطر الأوراق التي يمكن أن يستخدمها النظام على الإطلاق من أجل أن يحول المعركة من حرية في مواجهة استبداد وحقوق في مواجهة ظلم، إلى قضية طائفية لا وجود لها في الأصل. وكان هناك في سوريا من يحاول من المسؤولين أن يصور الأمر باعتباره كذلك، بل ومنهم من دخل بين صفوف الشباب الثوار عبر مراسلاتهم على موقع فيسبوك وخلافه وكأنه من بينهم؛ ليحاول تقديم المسألة باعتبارها قضية طائفية، وكان الشباب السوري يكشفونه، ويجيبونه بشكل مباشر بما يفيد بأن الشعب السوري في ثقافته لم يعرف الروح الطائفية.

صحيح أن الشعب السوري يتكون من طوائف متعددة، لكنه يدرك أن هذا الأمر من خصوصياته، ويتعامل مع هذا الأمر، وإذا نظرت إلى الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في سوريا فستجد شعارات من قبيل: "سني وعلوي.. كلنا واحد"، وغيرها من الشعارات التي تنفي بقطعية أن تكون التظاهرات السورية ذات منحى طائفي.

هذه واحدة.. والأمر الثاني الذي قد أفاجئ به بعض من يرصد المشهد السوري هو أن النظام السوري ليس نظاما طائفيا بمعنى الكلمة، بل هو نظام استبدادي، ومن يشكّلون ركائز هذا النظام ينتمون لجميع الطوائف، ومنها فريق من العلويين، فهو يستغل جميع الطوائف.. ومن ثَمّ، فتصوير الأمر باعتباره صراع بين طائفة وأخرى هذا ليس له من الصحة شيء.

استنتاجات المستبدين خاطئة.. هم عندما يقولون إنّ من خصوصية بلادنا كذا وكذا، ومن ثم؛ فلن تشهد سوريا ما شهده غيرها من الأقطار. فالذي سيحدث أن ما حدث في مصر وتونس سيتكرر في سوريا بجوهره وليس بتفاصيله. فالجوهر هو وجود نظام استبدادي وتوجّه جماهيري عارم لإسقاطه، وهو ما إن آمن السوريون بإمكانية تحقيقهم إياه فسيحدث.. وهذا الجوهر هو ما أتمنى أن يدركه المسؤولون في سوريا؛ وهو إن أدركوه فسيتمكنون من إحداث التغيير بسرعة، بدلا من تلك الوعود غير المضمونة، وآنذاك يمكن أن يحدث التغيير بدون انفجار في سوريا.

الشعب السوري لا يريد الثورة بحدّ ذاتها، بل يريد التغيير، ومن لا يريد الثورة فعليه أن يصنع التغيير حقيقة، بدون محاولة إنتاج نظام استبدادي مخفف أو مرقع أو يستغل ورقة فلسطينية أو ورقة طائفية.. إلخ، فهذا التهاون هو ما سيؤدي لتزايد المطالب الثورية وارتفاع سقفها.

سؤال: في الحالة الثورية العربية هناك نموذجان: النموذج التونسي الذي تكرر في مصر واليمن، وهناك النموذج الليبي. وبالنظر لوجود حالة من تشابه المناخ السياسي في كل من ليبيا وسوريا؛ هل ترى المشهد السوري مرشحا لأن ينحو منحى النموذج الليبي أم النموذج التونسي؟

جواب: لا أعتقد أن ينحو الوضع في سوريا منحى النموذج الليبي، لعدة أسباب:

أولا: سوريا -بخلاف ليبيا– هي دولة استبدادية فيها مؤسسات، توجد مؤسسات للحكم. ولا ينبغي لأحد أن يقفز لاستنتاج خاطئ في هذا الصدد فيرى أن مؤسسات الدولة السورية يمكن استهدافها لإنجاح الثورة. فالمطالبون بالتغيير في سوريا يقولون إننا لا نريد أن يكون هناك احتكار للسلطة لصالح حزب واحد.. أما في ليبيا فلا يمكن للثوار أن يقولوا ذلك، ولو قالوا لقال لهم القذافي أنتم الشعب وأنتم تحكمون. كما أن هناك دستورا في سوريا، وهذا الدستور يحتاج لتغيير.. بالإضافة لوجود بعض القوانين الشاذة وحالة الطوارئ يجب إلغاؤها.. هذه مطالب الراغبين في التغيير في سوريا، وهي مطالب عادية، ولا يوجد ما يستدعي مواجهتها بأساليب غير عادية.

ثانيا: هناك أمر أظن أن من المهم للمراقبين الالتفات إليه، ألا وهو أن النظام في سوريا لا يمكن أن يتورط فيما تورط فيه النظام الليبي من مسلك دموي عنيف.. فالثوار الليبيون لم يكن طرحهم مغالىً فيه، وفي البداية لم يرفعوا مطلبا يتعلق بتغيير النظام، لكن النظام الليبي استخدم معهم العنف الدموي من اللحظة الأولى، وهو ما دفع الثورة الليبية للتخلّي من براءة سلميّتها ورفع السلاح، كما أنه أعطى للقوى الدولية الذريعة لاستخدام القوة المسلحة ضده، ولا أظن أن القيادة السورية يمكن أن تقترف هذا الخطأ الفادح.. فالمسؤولون في سوريا لم يندفعوا وراء هذا الخيار العنيف المطلق، وهذا يجعل للوضع السوري الراهن مخارج عديدة ممكنة ومحتملة.

ومن المهم أيضا أن نلتفت إلى أن السوريين يستعجلون الإصلاح حقيقة، وليس على سبيل التسويفات والوعود التي صدرت عن النظام السوري حتى اليوم (تاريخ إجراء الحوار كان 28/3/2011م) فما طرحه المسؤولون السوريون حتى اليوم لا يزال يحمل نفس بصمة الأنظمة الاستبدادية من حيث أن الاستجابات جزئية ومتأخرة ولا ترقى لمستوى الحدث. ولتجنب وقوع ثورة، فإن النظام مطالب بتقديم تصور كامل متكامل يستجيب لمطالب السوريين، مصحوبا بجدول زمني لتحقيقه، وضمانات لعدم الارتداد عنه، وحينذاك فقط يمكن تجنب حدوث ثورة.

لكني بصورة عامة، لا أعتقد أنهم سينحون المنحى العنيف الذي نحاه نظام القذافي، كما لا أعتقد أنهم سيسقطون بالسرعة التي سقط بها نظام بن علي في تونس، لأن وظائف ومهام الأجهزة الأمنية في سوريا تختلف عن تلك التي كانت مسندة للأجهزة الأمنية في تونس.

سؤال: يرى بعض المراقبين أن النظام السوري نفسه له سوابق في استخدام العنف المفرط قبل بضعة عقود في مواجهة حركات اجتماعية مطالبة بالتغيير، فهل تلقي الضوء على أسباب عدم إمكان تكرار نفس الخبرة التاريخية؟

جواب: أحد التبريرات التي استخدمها النظام السوري للتغطية على مذبحة حماة وغيرها، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف نتيجة استخدام المدفعية الثقيلة في هدم المدينة على أهلها.. أحد التبريرات التي استخدمها النظام وجود جهات مسلحة ترفع سلاحها في وجه الحكم، وهذا غير وارد الآن لأن الثورة سلمية.

كما أن المذبحة التي وقعت في سجن تدمر لا مجال لتكرارها الآن، ولا يمكن تطبيق نفس رد الفعل على الوضع السوري الراهن، وقوة الثورة السورية الراهنة كقوة الثورة في كل من مصر وتونس، ومصدر هذه القوة أنها ثورة سلمية، فليس سهلا أن يتواصل إطلاق النار على رجل طاعن في السن أو طفل صغير أو رجل أعزل، هذا الأمر ليس سهلا الآن مع سلمية هذه الثورة، وإذا حدثت مواجهات في إرهاصات الثورة، فإن هذا لا يمكنه أن يستمر طويلا. وبعض أفراد القوات الأمنية رفضوا الاستمرار في الخدمة عندما طلبوا منهم إطلاق النار؛ وهذا هو مصدر قوة الثورة السلمية، وهذا هو الفارق بين المشهد الاحتجاجي السوري الراهن وبين أوضاع عام 1979 وما تلاها.

المشهد السوري الراهن مشهد ثورة قامت في بقاع شتى من الإقليم السوري، ترفع مطالب عادلة تماما وغير مبالغ فيها، ولا ترفع السلاح في وجه أحد.. حتى إن السلطات السورية نفسها تراجعت عن اتهام المتظاهرين بأنهم أطلقوا النار، واتهمت جهات مجهولة، لا أجد أي تعبير يمكن توصيف هذه الجهات به، وكأنما نزلوا من السماء فأطلقوا النار ثم اختفوا، وهو ما يجعل هذه الجهات إما عناصر مرتبطة بأجهزة أمنية أو أن الأمن السوري عاجز عن منعهم من إطلاق النار، وكلا الشكلين من أشكال التقصير يقع على عاتق النظام الراهن وليس على المتظاهرين.. ولهذا كله لا أرى أن النظام السوري قد ينحو منحى النموذج الليبي.

غير أن حديثي هذا لا يعني أن النظام السوري سيتورع عن استخدام درجات متفاوتة من البطش الدموي.. والمشهد المصري نفسه شهد استخدام درجات متفاوتة من التعامل العنيف لم يكن أحد يتصور احتمال لجوء النظام لمثلها، وأتذكر منها ما سمي ب"موقعة الجمال"، كما أتذكر منها أيضا ترويع المصريين عبر استخدام "البلطجية" الذين يسمى نظراؤهم في سوريا ب"الزعران" أو "الشبيحة". وما أتمناه حقيقة أن يدرك النظام السوري أن استخدام مثل هذه الوسائل يزيد الثورة اشتعالا ولا يطفئها، فمتى بدأت الثورة لحظتها الأولى فقد حققت انتصارها، ويجب أن يدرك الحاكم ذلك، وعليه أن يعرف أنّ ثمة مخرجين من الوضع السوري الراهن: إما أن يتخلى الحاكم عن الاستبداد، أو يتم إرغامه على التخلي عنه.

سؤال: تحدثت عن الاستجابات الحقيقية التي يمكن أن يقدمها النظام السوري مما يؤول به إلى إنهاء الانتفاضة الشعبية، وسؤالي: هل يمكن ضمان تغير حقيقي في سلوك نظام استبدادي دام استبداده كل هذه الفترة؟ هل يمكن حدوث تغيير حقيقي من داخل النظام الراهن؟

جواب: أعتقد أن هناك مشكلتين أساسيتين هنا تواجهان النظام السوري.. الأولى تتعلق بعنصر الزمن، والمشكلة الثانية ترتبط بأن النظام السياسي السوري ليس متجانسا مائة بالمائة، فالقوى الموجودة في النظام السوري بعضها لديه استعداد لشيء من التعقل، وهناك قوى تسيطر على ثروات البلاد؛ وهذه ليس لديها استعداد للتخلي بسهولة عما تحت أيديها من هذه الثروات، فحائزو الثروة لديهم الاستعداد لرفع درجة استخدام البطش، بينما القوى العاقلة لديها استعداد لتجنب المشهد الدموي.

لهذا، فإن المحتمل الأقرب هو حدوث صراع إرادات داخل النظام القائم، وبعض القوى يمكن أن تتجه بالمشهد السوري نحو صورة مأسوية، وبعض القوى الحقيقية المتعقلة يمكن أن تضع حدا لسيناريو البطش وتدعم مطالب التغيير.

عملية التغيير ليست صعبة.. ويمكن في بعض البلدان أن يحدث التغيير خلال فترة قصيرة، فالحديث عن إخضاع حالة الطوارئ لدراستها للنظر في إلغائها يمكن مقارنته بواقعة نقل السلطة من الرئيس حافظ الأسد إلى ابنه الرئيس الحالي، حيث تم تغيير الدستور في 30 دقيقة في اجتماع طارئ لمجلس الشعب السوري.. معنى هذا أنهم قادرون –خلال دقائق.. ولا أقول خلال أيام أو أسابيع أو شهور– على إحداث تغييرات جذرية.

لهذا أرى أن تغيير النصوص القانونية ليس صعبا، ولا يستغرق وقتا، لكن ما أراه صعبا هو تغيير بنية الحكم في سوريا، وهذا ما يحتاج الانتباه إليه حقيقة.. وفي هذا الإطار أعود لما أتمناه من أن تقوم القوى السياسية المتعقلة في سوريا بمنع المشهد السوري الثوري الراهن من أن يسلك طريقا دمويا، علما بأنّ كل تغيير لا ينهي الاستبداد بشكل كامل ليس تغييرا ولا ثورة، بل يصبح ترقيعا. وما ألفت إليه هنا أن الشعوب العربية، ومن ضمنها الشعب السوري تعي ذلك، والشعب السوري الآن يدرك هذا الوضع والمآل بصورة جلية، ولن يفلح معه تغيير بعض الأسماء أو الوزارات أو بعض مواد الدستور، فالثائرون في المشهد السوري يطالبون اليوم بدستور حقيقي، وإلغاء حالة الطوارئ بشكل نهائي، ويطالبون بجهاز قضائي مستقل تماما عن إرادة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية ويرفضون المحاكمات العسكرية بشكل نهائي، كما يطالبون بإعلام مستقل مائة بالمائة.. المطالب واضحة جلية، يعلمها النظام الحاكم، ويعلمها الشباب تمام العلم ويصرون عليها ويتمسكون بها.

المهم في هذا الصدد أن تدفع القوى المتعقلة النظام للاستجابة الكاملة لهذه المطالب بسقفها الحالي، وأن تضع لتنفيذها جدولا زمنيا محددا، كما أنّ من المهم أن تشارك القوى السياسية والحزبية وقوى الشارع السوري في إدارة مشهد التغيير منذ البداية، وليس وفق صيغة التهيئة والتسليم في النهاية.. والاهم من هذا أن ثقافة التغيير يجب أن تتم في إطار حق الشعب الذي حصله بدمه وبثورته السلمية وليس التغيير منحة من الحاكم منحها لشعبه، فهذه الصيغة (المنحة) مرفوضة تماما، فالمستبد لا يهدي الحريات لشعب، وإنما يعيدها، وعندما يعيدها ينبغي عليه أن يشرك الجهات المعروفة بأمانتها ونزاهتها في عملية التغيير.

سؤال: وأنا أطرح سؤالي عن التغيير من داخل النظام لم أكن أعني تغيير علاقات القوة فقط، بل كنت أتساءل عن إمكانية حدوث تغير في ثقافة البيروقراطية ومؤسسات الدولة التي كانت تعتبر كل إمكانات الدولة ملكا للنظام الحاكم.. هل هذه الثقافة يمكن أن تتغير وتسمح بالتغيير؟

جواب: عملية التغيير عملية معقدة يمكن أن تأخذ أشكالا متعددة، وعندما يتأخر التغيير كما تأخر في سوريا وغيرها من البلدان العربية لعشرات السنين، تصبح الخطوة الأولى الحاسمة في حركة التغيير هي استعادة الثقة ما بين الشعب والأجهزة الحكومية.. هذه الخطوة لا يمكن أن تكون الأخيرة. وهذا يعني أن تسود ثقافةُ أننا لن نغير بمفردنا. "لن نغير بمفردنا" عبارة تعني ان هناك عددا من القوى السياسية الموجودة داخل سوريا وخارج سوريا، وهي قوى مخلصة لسوريا وتتمتع بمقبولية شعبية عالية، هذه القوى يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من عملية تنفيذ التغيير من الخطوة الأولى، وعندئذ سيكون هناك نوع من الثقة بين الشعب والحكومة. أما أن يكون التغيير من خلال دستور صنعه النظام الاستبدادي على عينه، أو أن يتم من خلال قانون صادر عن مجلس نيابي مصنوع وفق أطر صناعة المجالس النيابية المشبوهة المعروفة في عالمنا العربي، أو أن يتم في إطار قوانين حزبية نشأت في إطار عصر يمجد الحزب الواحد، هذا لا يمكن أن ينجح.

يجب أن تتم عملية إلغاء حالة الطوارئ من البداية، ثم صياغة دستور بمشاركة القوى الوطنية السورية المختلفة الاتجاهات، والتي اكتسبت شرعيتها عبر تاريخها النضالي الطويل الذي يكسبها هذه المصداقية أمام الشعب السوري.. فإذا اجتمعت هذه القوى مع الحكومة الراهنة على خط واحد، فهنا يمكن أن نتجنب عملية تصاعد الثورة بشكل سريع، أما إذا ما تمت إدارة عملية التغيير وفق الإطار الراهن لممارسة العملية السياسية، فهنا لا يمكن بناء الثقة، ولا يمكن تجنب تصاعد الثورة ومطالبها.

سؤال: في نفس السياق من شروط إتيان الانتفاضة السورية ثمارها، أريد أن أسأل عن شرطين مهمين في مسيرة الحركة الاحتجاجية الشعبية السورية أو إرهاصات هذه الثورة، أول هذين الشرطين هو المؤسسة العسكرية، وثانيهما هو مباركة الوضع الإقليمي والدولي.. أسأل عن تأثير هذين الشرطين في تحفيز أو تثبيط الحركة الاحتجاجية السورية.

جواب: أما عن المؤسسة العسكرية السورية فهي مؤسسة معروفة في سوريا وخارجها بأنها مؤسسة شعبية. وهذا قد يعارض بعض ما يثار بين المراقبين للشأن السوري. وكما في مصر، فإن القيادات العليا للمؤسسة العسكرية موالية للنظام بصورة كاملة، وكذا القيادات العسكرية في سوريا موالية للنظام السوري الحاكم بصورة كاملة، بينما عامة الجيش، من الضباط ذوي الرتب الوسطى وحتى الجنود؛ فأولئك من عامة الشعب، فالنظام السوري لن يستطيع أن يأتي بجنود من خارج سوريا، وعندما تحتدم المشكلة بين الشعب والنظام في سوريا لا أعتقد أن سلوك المؤسسة العسكرية السورية سيختلف عن نظيراتها في تونس ومصر، وليس في ليبيا. النموذج الليبي لم يكن فيه جيش، كان هناك صورة جيش مفرّغ من ضباطه وأسلحته، فعندما أراد الجيش الليبي أن يدعم الثورة الليبية لم يجد إلا الأسلحة الخفيفة ليدعمها بها.

لكن قرار الحسم لن يكون بأيدي صغار الضباط فقط، بل إن القيادات العليا في المؤسسة العسكرية السورية ستشارك في نفس السلوك المنحاز للشعب، ولن تصدر أي قرار بإطلاق النار على مظاهرات جماهيرية كبرى، وهذا هو الفارق بين سوريا وليبيا، فالدول التي بها مؤسسات قوية لا يسهل عليها أن تتخذ قرارات بهذا القدر من الجسامة.

أما عن الشرط الثاني الذي تحدثت عنه، والمتعلق بالقوى العالمية، فلا شك في أن سوريا التي تعتبر نفسها دولة ممانعة، وأنها دولة احتضان للمقاومة، وهو ما تصور من خلاله سوريا الموقف الدولي المعارض للسياسة الخارجية السورية والمتآمر عليها والضاغط باتجاه إجبارها على التخلي عن دعم المقاومة، هذا الأمر يحتاج نظرا وحديثا طويلا، لا يسعه المقام، ولكن سأضع له هنا عناوين كبرى.

والسؤال الأول الذي أطرحه هو: ما الذي قدمه النظام السوري للمقاومة من خلال حالته الاستبدادية التي منعت تعبئة الشعب السوري، ومنعت استخدام طاقات سوريا الكبرى، ماذا قدم خلال أربعين سنة على صعيد استمرار المشروع الذي أدّى للاقتراب من تصفية قضية فلسطين على النحو الذي نشهده اليوم.. فهو لم يسمح للمقاومة بانخراط كامل في عملية تحرير فلسطين، ولم يسمح لها بالمشاركة حتى في تحرير الجولان.

في هذا السياق يجب أن يكون منهج النظر للنظام السوري منهجا مقارنا يرى في الوضع السوري نظاما أقل سوءا مقارنة بدول إقليمية أخرى، على رأسها النظام المصري السابق، الذي كان يخدم المصالح الصهيونية واقعيا. فالنظام السوري كان بإمكانه أن يخدم القضية الفلسطينية أضعافا مضاعفة بالنظر لِما يقال من مقولات "دولة الممانعة" و"دولة احتضان المقاومة".. والواقع أن الفلسطينيين يجب أن يحددوا مواقفهم أيضا، وأن يعلموا ان الطريق الصحيح لتحرير فلسطين يشمل تحرير إرادة الشعب السوري من الاستبداد.. ونرجو أن يستوعب المسؤولون في سوريا نفس المنطق قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه.

أعتقد أن القوى الدولية تعي ذلك تماما.. القوى الدولية لم تكن ترغب في نجاح الثورة في مصر لأنها تعلم أن نجاحها سيغير موازين القوة في المنطقة على صعيد قضية فلسطين؛ بحيث يدفع بوضع فلسطين في اتجاه التحرير وليس في اتجاه دعم استمرار الهيمنة الصهيونية.. والقوى الدولية تعلم أن هذا القانون ينطبق على سوريا أيضا، رغم الاختلاف بين ما يسمى بدول معتدلة ودول ممانعة. وفي هذا السياق، كان لافتا ذلك التصريح الذي استخدمته وزيرة الخارجية الأمريكية من أن "الولايات المتحدة لن تستخدم مع سوريا نفس المنهج الذي استخدمته مع ليبيا"، وكأن لها الحق في أن تقول ذلك. فإن كان حدث ما حدث في ليبيا، فإن الولايات المتحدة ليست هي من يقرر أنه يمكن أن تضرب في سوريا كما ضربت في ليبيا.

وفي حال طرح قضية مثل هذه، فأنا –من خلال قراءاتي لمواقف وتوجهات القوى في المشهد السوري– أؤكد أنه لن تقبل أية قوة شعبية أو قوة سياسية سورية معارضة؛ سواء في الداخل أو في الخارج، لن تقبل أن يحدث تدخل دولي في سوريا، بغض النظر عما تقوله كلينتون أو أوباما أو سواهما من المسؤولين الغربيين. التدخل في سوريا مرفوض نهائيا، حتى لو كانت هناك مذابح مطلقة يمارسها النظام في حق الشعب السوري ذي الثورة السلمية، وكل القوى السورية من إسلاميين ويساريين وعلمانيين، كل الاتجاهات ترفض حدوث تدخل على النحو الذي حدث في ليبيا، حتى لو كان ما سيحدث في سوريا إبادة وليس درجة مخففة من درجات القمع.

سؤال: هل نفس المنطق ينطبق على تدخل أوروبي من قبل فرنسا أو بريطانيا؟

جواب: القوى السورية ترفض التدخل الغربي على إطلاقه، أوروبيا أو أمريكيا، بل وحتى التدخل من قوى إقليمية قريبة مثل تركيا التي هي قريبة من العالم العربي حيث يجمعها به رابط الدين الإسلامي، فمثل هذا التدخل مرفوض أيضا.

وأقول شيئا آخر أراه مهما في الحقيقة، أن قيمة الثورتين اللتين شهدتهما كل من تونس ومصر تمثل في سلمية هاتين الثورتين، تلك السلمية التي أدت لسقوط النظامين رغم عنفهما، ورغم عدم تدخل القوى الدولية، وهذا من سرّ نجاح هاتين الثورتين، سواء نجاحهما الراهن أو نجاحاتهما المستقبلية. وإذا كانت هناك حالة شاذة تكسر قاعدة فاعلية الثورة السلمية، فهي حالة الثورة الليبية التي استدرجها نظام لا يفهم شيئا، ولديه استعداد للتضحية بكل شيء: البلد والشعب من أجل البقاء في كرسيه، وهذا ما يجعلنا نلتمس لثوار ليبيا عذرا.

بصفة عامة، فيما يتعلق بسوريا، إذا استمرت الثورة، فسيسقط النظام قبل أن يبلغ مرحلة استخدام القمع الوحشي المطلق على غرار ليبيا، وحتى لو استخدمها فعلا ونجح؛ فإنه لن يستطيع البقاء. وهنا أعود لسؤال سابق، فهذا ما يجعل الوضع اليوم يختلف عما حدث جذريا في عام 1979. فقد تغير العصر، وتغيرت وسائل العصر، وتغير اطلاع الناس على ما يجري، ولا يمكن أن يحدث في حماة اليوم ما حدث في 1979 وتبقى بقية البلدات ساكتة. ونحن رأينا أنه مع ما حدث في درعا، وهو لا يقارن بما حدث في حماة قبلحوالي 30 عاما، تحركت كل مدن سوريا، وفي دمشق نفسها تحركت 10 ضواحٍ حول دمشق، كما تحرك قلب دمشق نفسها تفاعلا مع الحدث. اليوم ليس كالأمس بأي حال، ولم يعد بإمكان النظام أن يخفي مجزرة بهذا الحجم، ولا مذبحة بهذا القدر، وكان ما حدث في درعا كفيلا بتحريك سوريا بكاملها.

هذا الأمر يدركه النظام السوري الراهن بصورة كافية. وهذا الإدراك، وهذه المعطيات هي التي تجعلني موقنا من أن سوريا لن تشهد تدخلا دوليا كذلك الذي شهدته ليبيا,. وأعتقد أن موقع الثورة في سوريا يقع في منطقة وسط ما بين النموذجين التونسي والمصري من ناحية، وبين ذلك النموذج الشاذّ جدا الذي شهدته ليبيا، والذي أراه غير قابل للتكرار في أية ثورة عربية.

سؤال: ما توقعاتك لسيناريوهات المستقبل وفق المعطيات التي طرحتها؟

جواب: أنا من طبعي التفاؤل.. وفي هذا السياق أتمنى أن أصحو غدا وقد اتخذ الرئيس بشار الأسد قراراه بالاستجابة لمطالب السوريين، وشرع في إجراء التغيير على النحو الذي يحقق إرادة الشعب السوري. وهذا ليس تفاؤلا خياليا، بل أمر ممكن. والرئيس بشار الأسد يملك من الثقافة والرؤية ما يجعلانه موقنا بأن الاستبداد لا يمكن أن يبقى للأبد في سوريا بالذات.. هذه هي الصيغة الأولى التي أراها، وكلمة "الصيغة" هي الكلمة التي أفضلها بديلا عن كلمة "سيناريو".

الصيغة الثانية، وهي الصيغة الأخطر، وهي ما لا أتمنى حدوثه بحال، لكنها صيغة محتملة، هي أن تلك القوى التي تتمتع بوضع يدها على ثروات سوريا لن تجد أنه من المقبول أن تتنازل عما اكتسبته خلال الفترة الماضية، وستعمل على الحيلولة دون حدوث تغيير، وهنا أظن أن سوريا قد تشهد صراعا بين أجنحة الحكم المختلفة، وصولا لمشهد التغيير، لكنه سيكون تغييرا مكلّفا جدا.

أما الصيغة المحتملة الثالثة التي أراها فتتمثل في أن تؤدي الاستجابات الجزئية من النظام السوري إلى تهدئة الأمور مؤقتا لفترة قصيرة جدا، وهي ليست شهرا أو أسبوعا، بل حتى الجمعة القادمة (1/4/2011م) وحتى ذلك الحين ستتضح الصورة لجميع السوريين، فيتم التحرك لرفع سقف المطالب، فإما أن يستجيب النظام للسقف الجديد ويحلّ الهدوء، أو لا يستجيب فيستمر سقف الثورة في الارتفاع حتى زوال الاستبداد كليا.

سؤال: بالنظر للمشهدين التونسي والمصري، شهد المجتمع السياسي حالة استقطاب أعقبت سقوط المستبد. فهل ترى أن التربة السورية مرشحة لمواجهة مشهد الاستقطاب؟

جواب: الوضع في سوريا يختلف عن مصر.. كان وضع الاستقطاب قديما في سوريا، قبل وصول حزب البعث للسلطة وبعد وصوله، وكان يتركز في ثنائية استقطاب إسلامي علماني. لكن القيادات الثقافية التي كانت تحمل هذا الاستقطاب محدودة، كما أن كثيرا منها هاجر إلى الغرب، وهناك في الغرب نجد فعلا هذا الاستقطاب بين أصولية علمانية في جانب، وصولية إسلامية في جانب آخر.

الوضع داخل سوريا يختلف.. فقد ظهرت قبل فترة صيغة حوار حملت اسم "ربيع دمشق"، والتي انتهت إلى إعلان "بيان دمشق" الذي انضم إليه علمانيون وإسلاميون، كما انضمت إليه أيضا قيادات من حزب البعث، واجتمعوا جميعا على مفهوم "المواطنة التي تظللنا جميعا"، وهو ما يجعلني على ثقة من أن الوضع في سوريا سيكون مختلفا عن خارج سوريا. وفي النهاية أظن أن صيغة ما بعد سقوط الاستبداد في سوريا ستكون قانعة بمنطق الاحتكام للشعب، خاصة وأن الحالة الحزبية في سورية واهنة، ولم تصل لذلك القدر من التبلور الذي يكفل حدوث استقطاب حاد.

===============

وتركيا.. أيضاً!!

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

2-4-2011

يصعب تجاهل الدور التركي المحوري حقاً (وليس كما يتوهم غيرهم عن انفسهم) في منطقة مضطربة أخذة خرائطها القديمة بالانهيار والانمحاء، فيما يستعد «أولو الأمر» لرسم خرائط جديدة يغيب عنها قصراً وأمراً «اصحاب الشأن» او من هم في هذه المرتبة الرمزية على مستوى موازين القوى والادوار، لكنهم (في بلادهم) جلاوزة وسرّاق واستبداديون.

تركيا انتزعت لنفسها دوراً او فرضته (لا فرق) وهي تنطلق من قوة سياسية واخرى اقتصادية وثالثة جيوسياسية ورابعة في توفرها على مقومات الدولة الديمقراطية الحديثة والصاعدة بمواصفاتها الدولية والمعايير التي لا تتنازل عنها او تتراجع، حتى لو كانت شرطاً من دفتر شروط الانضمام للاتحاد الاوروبي.

هل قلنا الاتحاد الاوروبي؟

نعم، رغم ان هذا ليس موضوعنا، إلاّ انه جزء من الحراك التركي السياسي والدبلوماسي والميداني في المنطقة بأسرها والذي تَسارَعَ بعد اندلاع الثورات العربية التي منحت لتركيا فرصة تاريخية «اهتبلها» رجب طيب اردوغان فخرج على العرب (واوروبا) واعظاً وخطيباً ومرشداً (تبعاً لطبيعة الجمهور الذي يخاطبه والدولة التي يقصدها).. رأينا ذلك في ثورة تونس كما في مصر واليمن ودائماً في ليبيا دون ان ننسى البحرين وغزة.

الدور الذي تقمّصه اردوغان، لم يكن كبيراً عليه، كما لم يكن مفتعلاً، فهو كما يبدو، يأخذ تركيا، بحماسة محسوبة، الى مسار آخر حتى لا نقول بديلاً، وهنا يمكن الاضاءة الى التوجه الاوروبي لانقرة الذي بدا في الاونة الاخيرة بطيئاً او آخذاً في الفرملة التدريجية، التي اظهرتها «المناكفات» العلنية التي تبادلها اردوغان مع ضيفه ثقيل الظل وأحد ابرز الرافضين لانضمام تركيا لنادي الدول الاوروبية نيكولا ساركوزي الذي يشغل الان رئاسة مجموعتي G8 وG20، محاولاً توظيف هذين الموقعين لتعزيز حظوظه الانتخابية في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة اضافة، الى تقديم فرنسا كدولة مدافعة عن حقوق الانسان والديمقراطية بعد التردد (اقرأ التواطؤ) الذي شاب مواقف باريس في الاحداث التونسية والمصرية والنفاق الذي بدت عليه الدبلوماسية الاميركية.

بدا اردوغان مؤخراً زاهداً او غير «متكالب» على عضوية الاتحاد الاوروبي وراح «يلقّن» ساركوزي (دروساً) في الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الشعوب في تقرير المصير وفق معايير لا تعرف الازدواجية وفي الوقت نفسه محذراً من مغبة التعاطي مع قرار مجلس الأمن (الخاص بليبيا) 1973، على انه رخصة للاحتلال او اسقاط النظام او الهيمنة على حقول النفط.

ماذا عنّا؟

السياسة التركية «الليبية» هي المؤشر على النهج الذي سارت عليه انقرة في تعاطيها مع القرار 1973 ورفضها زج حلف شمال الاطلسي (التي هي عضو فيه) في المغامرة الفرنسية البريطانية ولاحقا الاميركية، تجاه نظام العقيد القذافي او توظيف الحلف كمظلة، على النحو الذي يجري الان في افغانستان مع اختلاف الظروف والوقائع والمقاربات.

رفضت تركيا اشراك الاطلسي (القرارات في الحلف تتخذ بالاجماع) ما لم يُمنح الحلف القيادة الكاملة في العمليات العسكرية (القيادة السياسية اوكلت لمجموعة الاتصال التي انشأها مؤتمر لندن قبل اربعة ايام) وهو الامر الذي عارضه الفرنسيون وخصوصا الاميركيين، وحاولوا المماطلة فيه، الا انهم رضخوا في النهاية وسلّموا القيادة للحلف يوم الخميس الماضي.

ثمة اشارة اخرى وهي الاهم والاكثر دلالة، والتي تمظهرت في المواقف «الحادة» والجادة ايضا، التي اتخذها اردوغان تجاه «الثورات» المندلعة في اكثر من بلد عربي عندما اصطف الى جانب الجمهور العربي مقدما نصائحه (وفي غير تلعثم او التباس) لزعماء تلك الدول بان يستخلصوا الدروس والعبر وان يستجيبوا لمطالب شعوبهم قبل فوات الاوان، قال ذلك لفرعون مصر وقبله لديكتاتور تونس ولم يتردد في ادانة سلوك القذافي الذي واجه الاحتجاجات الشعبية بالحديد والنار الحي، دون ان يُخضع مواقفه لحسابات المصالح التجارية، والتي هي بالنسبة لتركيا في ليبيا ضخمة وبالمليارات في مشاريع عديدة ابرزها قطاع الانشاءات وفي الآن ذاته، كان منسجماً مع نفسه، ومبادئه عندما رفض السير مع قارعي طبول الحرب في باريس ولندن وواشنطن في «تزوير» المزيد من الصلاحيات الرامية في النهاية الى احتلال ليبيا واسقاط نظام القذافي (بمعنى تنصيب نظام تابع يأتمر بأوامر العواصم الاستعمارية الثلاث)..

الدبلوماسية التركية لعبت دوراً «محورياً» على الساحة الفلسطينية عندما رتبت «هدنة» بين حماس وحكومة نتنياهو بعد ان كانت الاخيرة قد بدت وكأنها تسير نحو اجتياح جديد (رصاص مصهور2) اثر سقوط صواريخ (غراد) قريباً من اسدود وبئر السبع وخصوصاً بعد تفجير الحافلة في القدس، ولم تكن «البحرين» بعيدة عن الحراك التركي وكانت الساحة «العراقية» مسرحها عندما زار اردوغان بغداد والنجف واجتمع بآية الله علي السيستاني، وكانت زيارته لاربيل لافتة ومثيرة.

هل ثمة من مزيد؟

.. انظروا الى هذا التلعثم والارتباك الذي يلف العواصم العربية!!.

==================

بشار الاسد يهدد باستعادة 'انجازات' ابيه في حماه 1982

اسرائيل اليوم 1/4/2011

صحف عبرية

2011-04-01

القدس العربي

 في وزارات الخارجية في الغرب تابعوا هذا الاسبوع في تأهب واهتمام كبير ما يجري في دمشق. إن قوات حلف شمال الاطلسي مشغولة في الحقيقة في الجبهة الليبية لكن أنظار العالم تطلعت في الايام الاخيرة نحو سورية التي هي بلا شك دولة مفتاحية في 'ربيع الشعوب العربي' لسنة 2011.

كم هو من المفارقة ان الدكتور بشار الاسد الذي رمز، وبغير حق، الى الانفتاح العربي في مطلع العقد السابق، هو الذي يهدد اليوم باستعادة 'انجازات' أبيه في حماة في شباط (فبراير) في 1982، حينما ذبح أبناء شعبه بلا تردد. في حزيران (يونيو) 2000 غطيت صحافيا في دمشق جنازة حافظ الاسد وكنت بين الجماهير التي صاحبت جثة من تولى السلطة في بلاده في سنة 1971. بكى الجمهور لموت الزعيم؛ وكان نفس الجمهور الذي خرج منتصف الاسبوع الى شوارع دمشق للتظاهر من اجل حكم ابنه. هؤلاء أصلا من أبناء الطائفة العلوية التي تحكم سورية وتشكل أقل من 12 في المئة من سكان الدولة.

في منتصف الاسبوع قررت القيادة السورية أن تُبين للعالم مبلغ مشايعة الشعب لها. تجمع مئات الآلاف في دمشق في الميدان المركزي في المدينة وحوله ليعلنوا قائلين 'بالروح بالدم نفديك يا بشار'. جاء الآلاف مع صور الرئيس كي لا يصابوا في العالم، معاذ الله، بالبلبلة ويظنوا ان الحديث عن مظاهرة احتجاج. وتمت في مدينة حلب ايضا مظاهرة تأييد مشابهة. إن الصور الرسمية التي تم بثها من سورية كانت عكس تلك التي تم تهريبها قبل ذلك ببضعة ايام من مدينة درعا حيث بدأت الاضطرابات في 18 آذار (مارس).

انتظر بشار الاسد اسبوعين تقريبا منذ نشبت الاضطرابات في درعا ليتوجه يوم الاربعاء الى الأمة عن طريق مجلس الشعب في بلاده الذي صفق له. وعلى غير عادته، مزح وانفجر ضاحكا مرتين خلال الخطاب لاظهار الثقة بالنفس. أما في واقع الامر فأشار هذا الى العصبية. لكنه بخلاف مبارك وبن علي لم يجيءْ بأي وعد، فهو من جهته قد وعد باصلاحات قبل سنين بيد أن سيرها بطيء جدا.

عند الاسد، مثل رئيس اليمن علي عبد الله صالح، من يتهمه: 'الأحداث الاخيرة في الدولة هي مؤامرة اجنبية جاءت من مناطق اخرى في العالم'، قال وهو يقصد اسرائيل. 'أعداؤنا يعملون بصورة منظمة من اجل المس بسورية وحل سورية، يحاولون ان يفرضوا علينا أجندة اسرائيلية'. ولم يتردد عن التهديد ايضا. 'نحن لا نتعجل المواجهة لكن اذا فرضت علينا اليوم معركة فأهلا وسهلا'. مع ذلك نشرت صحيفة 'واشنطن بوست' خاصة في منتصف الاسبوع ان حكومة اسرائيل يريحها نظام الاسد رغم انه يؤيد ايران وحزب الله، لان الاسد يهتم بالهدوء على الحدود بين الدولتين ويعرف احترام الاتفاقات.

البعث في مشكلة

في مقابلة مظاهرات التأييد عرض رئيس الحكومة السوري محمد ناجي العطري استقالة حكومته بالتنسيق بطبيعة الامر مع القصر الرئاسي بعد الأنباء عن وقوع 13 قتيلا و185 جريحا في الحوادث الدامية في نهاية الاسبوع في مدينة اللاذقية. مع ذلك وعلى حسب أنباء منظمات حقوق انسان، قُتل حتى استقالة الحكومة 130 شخصا. وكانت السلطة مستعدة للاعتراف بعدد أقل كثيرا 30 فقط.

إن الحكومة التي تم انشاؤها في 2003 أخلت محلها للمجلس الوزاري المصغر الذي تم انشاؤه في غضون 24 ساعة. لم يشأ بشار فراغا في الحكم ولم يشأ من جهة ثانية التنحي. حتى لو أراد التنحي فليس من المؤكد أن يُمكّنه من حوله من اختيار هذا الخيار. هكذا الحال في دولة لا يريد الرئيس وحده البقاء بل طائفة كاملة تخاف على مصيرها في حال انقلاب.

يصعب ان نقول إن أمة سورية كاملة انتظرت خطاب الرئيس في مجلس الشعب في منتصف الاسبوع. عند اولئك الذين أصبحوا قد قرروا مصير بشار لم يكن خطابه ذا معنى بالضبط مثل خطابي بن علي ومبارك. في الحقيقة وعد الرئيس أبناء شعبه بجملة إفضالات وفي الأساس انهاء قانون الطوارىء الذي يسلب المواطنين حريات كثيرة منذ خمسين سنة.

حاول نائب الرئيس ووزير الخارجية في فترة الأب، وهو فاروق الشرع، أن يُليّن الشعب عندما قال إن الحديث عن 'إفضالات جدية وحقيقية تُحسن للشعب'، لكن معارضي بشار معنيون فقط بشيء واحد وهو أن يترك القصر الرئاسي.

ليس واضحا الى الآن الى أين ستفضي موجة الاحتجاج السوري، لكن يصعب ان نقول انها كانت مفاجئة. كان لسورية كل الاسباب للانضمام الى قائمة الدول العربية ذات السلطة المهتزة لانها تعاني ايضا من أمراض رفيقاتها في الجامعة العربية. تُدبر امور سورية منذ 1963 تحت قوانين الطوارىء التي تُمكّن اجهزة الامن من التدخل واتخاذ وسائل قمع لكل مواطن يشتبه فيه من غير تقديم حساب لأحد. حتى موجة الاحتجاج الحالية، كان الشعب السوري مستعدا لذلك، لكن لم يعد الامر كذلك منذ سقط النظامان في تونس ومصر، ولا سيما منذ جند العالم نفسه لمواجهة نظام حكم القذافي.

والى ذلك وفي العهد الذي أصبحت فيه كلمة الديمقراطية لامعة النجم في العالم العربي، يصعب منح شعب كامل حزبا واحدا فقط. قضى دستور 1973 في سورية بأن حزب البعث هو الحزب الحاكم، وهو حزب الشعب. إن أنصار بشار هتفوا في يوم الثلاثاء في شوارع دمشق بأنه لا يوجد سوى 'سورية واحدة'، لكن ليست هذه هي الحقيقة. البعث في الحقيقة حزب منظم، وجذري، وبلا أعداء، لكنه يجد نفسه اليوم بلا أيديولوجية حقيقية تلائم توقعات الشعب السوري. يجب على بشار الاسد ان يواجه هذا الفراغ السياسي الداخلي، وليست هذه مهمة سهلة.

ينبغي ان نزيد على كل هذه الامور بطبيعة الامر، مشكلات سورية الاقتصادية. إن تأميم الحياة الاقتصادية في الدولة الذي بدأ في بداية الستينيات لم يُسهم في الجهاز الاقتصادي السوري. فسورية دولة جُندت فيها القوة البشرية للعمل لا بحسب القدرة والانتاج بل بحسب الانتماء الحزبي. وليست هذه هي الطريق للامتياز ولا للنمو الاقتصادي.

'الجيش سيدافع عن النظام'

السؤال الكبير هو ماذا سيفعل الجيش السوري؟ 'يجب التفريق بين ما يجري في سورية وبين ما جرى في تونس ومصر'، يُبين مصدر دبلوماسي اسرائيلي عارف بما يجري في دمشق. 'في تونس ومصر لم يشأ الجيش اطلاق النار على الجماهير. فالجنود، وبخاصة الضباط، يعلمون أننا نعيش اليوم في عصر آخر تستطيع الجماعة الدولية فيه ان تطاردك، وكان عندهم الى ذلك خيار الانتقال الى جانب المواطنين وأن يصبحوا جيش الشعب. وليست الحال كذلك في سورية. فالعلويون وممثلوهم في الجيش يدركون أن اعمال انتقام منهم متوقعة في حال انقلاب. ومن هذه الجهة يوجد في سورية خوف حقيقي من حمام دم. سيفعل الجيش كل شيء للدفاع عن نظام الحكم'.

ينبغي ان نزيد على ذلك ان الجيش السوري فقد من أهميته في الدولة منذ 1974 وتوقيع الاتفاقات مع اسرائيل التي وضعت حدا للعداء بين الدولتين (اذا استثنينا المواجهات في الساحة اللبنانية). كذلك أضرت اتفاقات كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر بالجيش السوري، لأن مواجهة بصورة ما حدث في 1973، مع جبهتين متوازيتين في مواجهة اسرائيل من مصر وسورية أصبحت غير واقعية.

يصعب ان نتحدث عن مظاهرات منظمة لانه لا توجد في سورية معارضة. الاحزاب الصغيرة الموجودة هي تلك المستعدة للعيش تحت سقف حزب البعث. فالحديث عن احزاب تقبل طاعة السلطة. الاحتجاج الذي بدأ في درعا جزء من عملية سقوط الدومينو التي نشهدها في العالم العربي. الحديث عن احتجاج يستغل الوضع. تعاني منطقة درعا منذ سنين ضائقة اقتصادية. والقحط الذي دام في السنوات الأربع الأخيرة لم يسهم في الوضع اسهاما جيدا. كذلك حقيقة ان الاحتجاج نشب في درعا لم تفاجىء الخبراء. ففي هذه المدينة الاحتجاج على السلطة معروف بل راسخ.

يُعتقل في السجن الاقليمي في صيدنايا سكان محليون كثيرون اعتُقلوا لأسباب سياسية، بل يُعتقل اولئك الذين احتُجزوا بعد ان شاركوا في الحرب في العراق على الولايات المتحدة، وهذا يشير الى انه ليس جميع المتظاهرين من أنصار الغرب. اعتُقل كثيرون ايضا في تلك المنطقة لانهم أظهروا تدينا مبالغا فيه من وجهة نظر السلطة. وفي سورية لا تشعر السلطة بأنها ملزمة أن تُمكّن أقرباء السجناء من زيارة أقربائهم. في سورية ايضا كما في اليمن والبحرين وليبيا بطبيعة الامر كان كثير من أقرباء السجناء هم الذين حثوا على الاضطرابات.

احمدي نجاد قلق

تم الابلاغ في وسائل الاعلام الاجنبية هذا الاسبوع انه في اثناء الاضطرابات في تونس ومصر كتب شبان كثيرون في درعا على الجدران شعار 'الشعب يريد اسقاط النظام'. واهتمت اجهزة الامن السورية باعتقال شباب في الرابعة عشرة الى السادسة عشرة من أعمارهم. وأُعيدوا الى أهاليهم مع علامات تعذيب واضحة.

وأُذيعت في الشبكة العنكبوتية أفلام قصيرة كثيرة مع صور فظاعة من سورية. وكالعادة ثمة في سورية من اتهم الغرب باختلاق أنباء وثمة آخرون يريدون التلويح بتهديد الاخوان المسلمين أكبر أعداء العلويين. في هذه الاثناء يتبين ان للمتظاهرين مطالب موحدة وهي: تغيير الدستور، والغاء قوانين الطوارىء، ومنح الحرية السياسية، والافراج عن السجناء السياسيين وتحسين الوضع الاقتصادي.

يصعب أن نعلم هل يوجد اختلاف في الآراء في القيادة السورية في شأن كيف يُعامل المتظاهرون. فالسلطة السورية مغلقة منغلقة؛ قبل اسبوع وعدت ممثلة الحكومة الصحافيين بأن السلطة السورية لن تطلق النار على المتظاهرين، وفي اليوم التالي، في يوم الجمعة، أُطلقت النار. أكذبت الوزيرة أم ان الجهات الامنية حازت لنفسها حقوقا زائدة؟

في هذه الاثناء ثمة خوف من ان تحاول دمشق إشعال النار في لبنان لتُنسي ما يجري عندها أو حتى لتعامل متظاهريها بحرية أكبر. تتمتع دمشق، بخلاف تونس ومصر، بأنه لا وجود لوسائل اعلام اجنبية فيها، لكنه في عصر الشبكة العنكبوتية أصبح كل متظاهر مصورا أو صحافيا. إن تصدير الازمة الى لبنان يمكن بيقين ان يكون طموحا سوريا حاليا.

ولا يمكن بطبيعة الامر تجاهل حليفة سورية ايران. كانت ايران في عهد حافظ الاسد تابعة لسورية، وهو شيء تغير منذ تولى الابن السلطة. لا شك في ان طهران قلقة مما يجري في سورية. فهي تحتاج الى بشار للاستمرار في زيادة قوتها الاقليمية، ومحتاجة الى سورية خاصة باعتبارها محطة لنقل مدد السلاح الى حزب الله في لبنان. مهما يكن الامر، فالاسد يعلم بأنه سيحظى بمساعدة من الجزائر وقطر وليبيا ايضا وإن كانت للقذافي مشكلات بقاء خاصة اليوم.

هل تشير الحقائق في الميدان اذا الى نهاية قريبة لنظام الاسد؟ احتمال هذا ضئيل. فاولئك الذين يحيطون بالرئيس السوري من أبناء قبيلته وأبناء عائلته لن يُمكّنوه من ترك السفينة السورية تغرق. يقضي الدستور السوري بأن نائب الرئيس يرث الرئيس؛ يوجد اليوم في سورية نائبا رئيس وهو امر لا يجعل الوضع أسهل. أحدهما فاروق الشرع والثانية هي وزيرة الثقافة سابقا نجاح العطار. ينبغي ان نفترض انه لن تحدث منافسة بين الاثنين لأن بشار ببساطة لن يغادر بإرادته.

==================

شكرا للتوريث على نعمة الثورات

عبد الباري عطوان

2011-04-01

القدس العربي

 التقيت في شقة الشاعر الكبير محمود درويش المتواضعة في العاصمة الاردنية عمان (عام 2003) بمجموعة من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين القادمين من الاراضي المحتلة، من بينهم السيد نبيل عمرو وزير الاعلام السابق، واحد اقرب المقربين من الرئيس الراحل ياسر عرفات.

احد الحضور انتقد السيد عمرو لانه تخلى عن الرئيس عرفات حسب رأيه، وانضم الى معسكر منافسه في ذلك الوقت، السيد محمود عباس (ابو مازن) الذي 'نحت' له الامريكان والاوروبيون منصب رئيس الوزراء، في خطوة هدفت لتقليص صلاحيات الزعيم الفلسطيني، وتجريده من سلاحي الامن والمال خاصة، بحيث يتحول الى 'مختار' او 'واجهة' سياسية فقط دون اي صلاحيات فعلية.

السيد عمرو رد على هذا الانتقاد بابتسامة خبيثة، وقال: ان سفينة عرفات تغرق، ومن الغباء السياسي الغرق معها، ولذلك قررت القفز الى السفينة الاخرى، وما الضير في ذلك، انها قمة الواقعية والذكاء السياسي في الوقت نفسه. السيد عمرو تعرض لمحاولة اغتيال بعدها عينه الرئيس عباس وزيرا للاعلام 'عرفانا وتقديرا' الى ان اختلف معه اخيرا لاسباب يطول شرحها.

تذكرت هذه الواقعة، وانا ارى المسؤولين الليبيين الاكثر ولاء وقربا للزعيم الليبي معمر القذافي يهربون من سفينته، الواحد تلو الآخر، بحثا عن ملاذ آمن، حتى لو ادى ذلك، مثلما هو حال السيد موسى كوسا وزير الخارجية ورئيس اللجان الشعبية، وجهاز المخابرات سابقا، الى تعرضهم لملاحقة قانونية في بريطانيا بتهم قتل وتعذيب، وبعض المسؤولية عن تنفيذ جريمة تفجير الطائرة المدنية الامريكية فوق مقاطعة لوكربي الاسكتلندية، وكأنه يهرب من الرمضاء الى النار.

اللافت ان ثلاثة وزراء خارجية سابقين هم عبد الرحمن شلقم، وعلي عبد السلام التريكي، وثالثهما موسى كوسا استقالوا من مناصبهم في اقل من شهر، والثلاثة يعتبرون من اعمدة النظام وابرز ركائزه، بل واشد المتحمسين لخدمته، وتبني سياساته وشرحها الى العالم بدأب يحسدون عليه، ترى ما هو السر في ذلك؟

' ' '

الاسباب كثيرة، ولكن هناك عاملا لا يمكن تجاهله او القفز فوقه، وهو تغول ابناء الزعيم، وممارستهم كل انواع الاذلال، والاحتقار، لجميع رجالات ابيهم، والعمل بكل الطرق على ابعادهم من دائرة اتخاذ القرار، ومن يجلس مع هؤلاء المستقيلين قبل انشقاقهم او بعده، يجد ان المرارة من تدخلات سيف الاسلام القذافي على وجه الخصوص في عملهم، ولدرجة إفشال جهودهم هي القاسم المشترك لمعاناتهم.

بينما كنت اتناول طعام الغداء في عاصمة اوروبية مع احد السفراء الليبيين جاءه اي السفير اتصال من قبل احد ابناء الزعيم الليبي، ابلغه فيه انه قادم الى العاصمة بعد اربع ساعات، وعليه تأمين عدة اجنحة في احد الفنادق الفخمة، ورهط من السيارات الفارهة لاستقباله في المطار وجوقته، فما كان منه اي السفير الا مغادرة المطعم مهرولا بسرعة والقلق والتذمر باديان على وجهه لتنفيذ الاوامر، والا فالويل والثبور وعظائم الامور، وقال لي من اين لي ان اتدبر كل ذلك في بضع ساعات وفنادق العاصمة مزدحمة بالنزلاء.

السيد شلقم الذي استقال من منصبه كممثل لبلاده في الامم المتحدة وانضم الى الثوار، قال ان سيف الاسلام تدخل اكثر من مرة لافشال جهود ونجاحات دبلوماسية حققها اثناء مفاوضات تعويضات لوكربي، او نزع اسلحة ليبيا النووية والكيماوية، ليعيد التفاوض بنفسه للحصول على سبق النجاح، وليظهر للعالم الغربي انه صاحب القرار النهائي باعتباره ولي العهد والرئيس القادم لليبيا.

اولياء العهود في الجمهوريات الملكية العربية لعبوا دورا كبيرا في تفجير الثورات العربية الحالية المطالبة بالديمقراطية والحريات، مثلما ساهموا بدور كبير في اطاحة حكم آبائهم بالطريقة المهينة، نتيجة استهتارهم، وغرورهم، وانغماسهم في 'البيزنس' وما يتفرع عنه من فساد وصفقات مشبوهة، والتعاطي مع رهط من السماسرة والانتهازيين وقناصي الفرص.

لم نفاجأ بالاخبار التي تحدثت عن 'شجار' السيد علاء مبارك مع شقيقه جمال، واتهامه له بان ممارساته وطموحاته في الحكم هي التي ادت الى هذه النهاية البائسة لوالده واسرته، فقد تصرف السيد جمال مبارك وكأنه الآمر الناهي، يعين الوزراء ويختار السفراء، ويوزع غنائم الفساد على اصدقائه من رجال الاعمال، وبعض الاعلاميين، الامر الذي سبب حالة من الاحتقان في الشارع المصري، انفجرت ثورة مباركة، عنوانها ميدان التحرير، اطاحت بامبراطورية الفساد هذه، واعادت للشعب المصري، بل والامة العربية، الكرامة والريادة.

' ' '

الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ظل محبوبا لاكثر من عشرين عاما في اوساط اليمنيين، فقد حقق الوحدة والاستقرار، وسمح بتعددية سياسية محدودة، (هناك من يؤكد ان فضل الوحدة يعود ايضا للسيد علي سالم البيض وزملائه في اليمن الجنوبي وهذا صحيح ايضا) ومجلس نواب منتخب، ولكن مصائبه بدأت تتضخم عندما بدأ يخطط لتوريث الحكم لنجله احمد، وتوزيع المناصب الامنية والعسكرية الكبرى على ابناء اشقائه واصهاره ومعها صفقات 'البيزنس' والتوكيلات التجارية، الامر الذي جعل الكثيرين ينفضون من حوله، واولهم اخوه غير الشقيق علي محسن الاحمر، وابناء الشيخ عبدالله الاحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد. فالسادة صادق وحميّر وحميد وحسين عبدالله الاحمر الذين ورثوا أباهم في الزعامة، يمكن ان يقبلوا بالرئيس صالح في قمة الحكم 'الى حين'، ولكنهم من المستحيل ان يقبلوا بنجله، ويعتبرون انفسهم احق منه بالرئاسة، وهذا ما يفسر انضمامهم الى الثوار في ميدان التغيير وسط العاصمة صنعاء وشق عصا الطاعة على الرئيس ابن قبيلتهم.

ولا تفوتنا الاشارة الى ان الرئيس الراحل صدام حسين، وقع في الخطأ نفسه، عندما اطلق العنان لنجليه قصي وعدي لارتكاب خطايا عديدة ربما بسبب رعونتهما، او حداثة سنهما، اساءت اليه، وشوهت صورته في اذهان البعض من ابناء شعبه، وذكر لي احد المقربين جدا من المرحوم قصي، وهو يقيم حاليا لاجئا في لندن، ان من اسباب سقوط بغداد في زمن اقصر من المتوقع وبالحد الادنى من المقاومة، تعيين قصي قائدا للقوات المكلفة بالدفاع عنها، الامر الذي جعل العديد من الضباط العسكريين الكبار والمحترفين يفقدون الرغبة في القتال. اذ كيف يخضعون لقيادة شاب صغير غير متمرس عسكريا، وهم الذين خاضوا حربا استمرت ثماني سنوات ضد ايران حفاظا على هوية العراق العربية، وولاءً للرئيس، وانتصروا فيها.

ولا ننسى في هذه العجالة التعريج على الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، فقد 'تقلصت اخطاؤه في بداية حكمه، وظل لسنوات يعيش في الظل تقريبا مع الحد الادنى من الفساد والكثير من القمع طبعا، ولم يعرف عنه بذخه، او ترفه، حتى تزوج من السيدة ليلى بن علي، حيث عاث اشقاؤها، او بعضهم، في الارض فسادا، واكلوا الاخضر واليابس مثل الجراد ونهبوا ثروات البلاد، وباتوا يتطلعون لوراثة الحكم، الامر الذي سرع بثورة الشعب التونسي، واعتقد ان الرئيس بن علي كان صادقا عندما قال في خطابه الاخير ان الرسالة وصلت (رسالة الثوار)، واعترف بانه تعرض للخديعة والتضليل من قبل بطانته الفاسدة، ولكنه اعتراف جاء متأخرا، وفي الوقت والتوقيت الخطأ، ولم يمنع سقوطه وحكمه والنهاية المهينة التي انتهى إليها.

ولعل من ابرز المشاكل التي يواجهها الرئيس الشاب بشار الاسد حاليا، الذي يعتبر الوحيد من بين اولياء العهود، الذي نجح في تولي مقاليد الحكم عبر منظومة التوريث، فساد بطانته، او معظم المقربين منه، وتغول الاجهزة الامنية، تحت ذريعة مواجهة المؤامرات الخارجية التي تستهدف سورية، وهي موجودة فعلا، ولكن المبالغة في القمع، واذلال المواطنين، عوامل ساهمت بشكل كبير في تأجيج الشارع السوري، ودفعه لمحاكاة الثورات الاخرى طلبا للاصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية.

انها 'لعنة التوريث' التي اصابت الانظمة العربية الديكتاتورية التي اعتقدت لاكثر من ثلاثة عقود انها محصنة امام التغيير الديمقراطي بسبب ضخامة اجهزتها الامنية، ونفاق الاعلام الحكومي الذي ضلل الحاكم، دون ان يخدع المحكومين، بنفاقه، ورموزه المحترفة في هذا المجال بامتياز شديد. وحسنا فعل المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية بابعاد جميع رؤساء مجالس ادارة وتحرير الصحف القومية المصرية في خطوة تطهيرية مستحقة.

ومن حسن الحظ ان هذه اللعنة كانت 'المفجر' لاندلاع الثورات التي نراها حاليا، ونأمل ان لا تتوقف بسبب عمليات المقاومة اليائسة والشرسة لبعض الحكام الديكتاتوريين للبقاء في السلطة بأي ثمن حتى لو ادى ذلك الى مقتل الآلاف من ابناء شعبهم وتمزيق الوحدة الترابية والديموغرافية لبلادهم.

سألني احد النواب الاوروبيين على هامش محاضرة القيتها حول الثورات العربية بدعوة من البرلمان الاوروبي، عن الفرق بين الاوروبيين والعرب، قلت له ان الفرق بسيط، ولكنه كبير ايضا، يلخص المشهد العربي الراهن ابلغ تلخيص، فالاوروبي يقدم المصلحة على الكرامة، بينما يقدم المواطن العربي الكرامة على المصلحة، انتم تعتبرون انفسكم 'واقعيين' وتعتبروننا عاطفيين، وتتعاملون معنا على اننا 'اغبياء' او 'حالمون' في افضل الاحوال. وختمت المناقشة بالقول ان ثورة الشعوب العربية هذه ليست بسبب البطالة والجوع للقمة الخبز، وانما بسبب الجوع للكرامة وعزة النفس، وهي من المكونات الاساسية للجينات العربية والاسلامية، ولهذا تظل الامة عصية على كل محاولات التطويع والتدجين... النائب الاوروبي هز رأسه ومشى بعيدا، وكذلك فعلت انا.

==================

سورية وخطاب الوحدة الوطنية

السبت, 02 أبريل 2011

مصطفى زين

الحياة

التشديد على الوحدة الوطنية هو الجديد الوحيد في الخطاب السوري الرسمي والشعبي. ما عدا ذلك، اي الحديث عن الديموقراطية والرابطة القومية، والمؤامرات، والخيانة والقمع، والعداء لإسرائيل والإمبريالية... كلها من تقاليد المعارضة والنظام معاً. بروز هذا الخطاب الآن لا يعني أن الطائفية لم تكن موجودة، بل يعني أن تغليفها بالشعارات القومية لم يعد يجدي. والأفضل مقاربة هذه الحالة باعتبارها جزءاً من الإصلاحات التي طالب بها الشعب وأقرها الرئيس بشار الأسد، شرط أن لا يتم التعاطي معها على الطريقة اللبنانية أو العراقية، والإفادة من هاتين التجربتين لتجاوز الإنقسام.

اللبنانيون يتعاطون مع وضعهم الطائفي باعتباره قدرهم. يتقاسمون السلطة على هذا الأساس ويجمعون «الرؤساء الروحيين» في مظهر لا يتعدى عرض أزياء فولكلورية، ويصدرون بيانات لا تعني شيئاً سوى تأكيد الإنقسام، على رغم تشديدها على الوحدة الوطنية التي يستخدمونها غطاء لحروبهم الأهلية المتكررة كل بضع سنوات.

أما النظام العراقي الجديد فتجاوز حال الإنقسام اللبناني إلى تكريس فيديرالية الطوائف في الدستور. ساعده في ذلك الإحتلال الأميركي وتوجهات إيران وبعض العرب. وقبل كل ذلك فشل حزب البعث العراقي طوال سنوات حكمه في نشر الفكر العلماني وتطبيقه سياسياً على صعيد السلطة والشارع والمدينة والمدرسة. لا بل لجأ صدام حسين (قبله السادات) إلى الإسلاميين والعشائر.

هي مؤامرة، قال الأسد، والواقع أن ما يدبره الخارج لسورية مخطط مفضوح. يكفي أن نعود إلى شروط كولن باول الشهيرة في بداية الحرب على العراق كي نعرف حجم الضغط الذي تعرضت له دمشق عندما كان على حدودها أكثر من مئة وخمسين ألف جندي أميركي. وعندما سحبت جيشها من لبنان، ووقفت إلى جانب «حزب الله» خلال حرب تموز. ويكفي أيضاً أن نعود إلى مخطط جاك شيراك، بالتعاون مع جورج بوش الإبن، لإطاحة النظام ودعم الإسلاميين لتولي السلطة في دمشق، ولم يكن عبد الحليم خدام بعيداً عن المخطط. (كتاب أسرار الرؤساء لفانسان نوزي). شيراك استعاد تاريخ الإستعمار الفرنسي. اراد إغراق سورية بالدم وتقسيمها إلى أربع دول على أسس طائفية، ولم يعترض بوش آنذك.

كل هذا صحيح وموثق. واستطاعت سورية تجاوز كل هذه الضغوط. لكن لم يكن النظام وحده. كان الشعب السوري، على حساب حرياته وتقدمه، من تصدى للمخططات وأفشلها.

في خطابه الأخير اعترف الأسد بالتأخير في البدء بالإصلاحات ووعد بالإسراع فيها «لرد المؤامرة». وإلى الوعد بالإصلاحات وتشكيل لجان لدراستها وتطبيقها، اعتمدت قيادة حزب البعث المترهلة خطاباً في الوحدة الوطنية أشبه ما يكون بالخطاب الفولكلوري للأحزاب اللبنانية. خطاب يعبر عن الواقع ويغرق فيه ويستخدم عبارة «الوحدة الوطنية» مجرد شعار خال من أي مضمون.

==================

سوريّة بين استحالتين

السبت, 02 أبريل 2011

حازم صاغيّة

الحياة

نصف المشكلة السوريّة أنّ النظام ليس ديموقراطيّاً، ونصفها الآخر أنّه ليس توتاليتاريّاً. وهذه ليست حالة استثنائيّة، إذ يمكن الوقوع على مثلها في بلدان كثيرة في «العالم الثالث»، بيد أنّها تتّخذ في سوريّة شكلاً نافراً وحادّاً.

لقد ورث الرئيس بشّار الأسد عن والده عدداً من المعضلات الكبرى التي ربّما كان أبرزها التناقض بين إيديولوجيا النظام وبين واقعه وممارسته. ومعلوم أنّ النُظم التوتاليتاريّة المحكَمة والمتماسكة تعمل دوماً على تضييق فجوات كهذه، أو تتحايل على ظهورها بعدّة تبريريّة افتقر النظام السوريّ إلى مثلها.

فشعارات «الوحدة والحرّيّة والاشتراكيّة» التي يتشكّل منها ثالوث البعث المقدّس، غدت شعارات محضة. أمّا التوازن الاستراتيجيّ مع إسرائيل فجعله انهيار الاتّحاد السوفياتيّ، بعد خروج مصر من الصراع، لغواً. وكان، ولا يزال، من السهل إحراج النظام في الموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ في ظلّ الاستقرار المهيمن على هضبة الجولان وانحصار المواجهة، حتّى 2006، في جنوب لبنان.

لكنّ علامات العجز عن بناء نظام توتاليتاريّ تذهب أبعد من ذلك، وتطاول جوانب أشدّ يوميّة وإلحاحاً في حياة السوريّين. صحيحٌ أنّ حزباً واحداً يحكم دمشق، غير أنّ الحزب هذا أخلى الساحتين الفكريّة – الثقافيّة والاقتصاديّة لسواه. فإلى حدّ بعيد يمكن القول بتقليد سوريّ ل»النموذج» المصريّ الذي قام طويلاً على مكافحة «الإخوان المسلمين» وتعويض ذلك بأسلمة الثقافة والاجتماع. وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور آلاف التحقيقات الصحافيّة والتلفزيونيّة عن القبيسيّات والحجاب والفتاوى، وهو ما لا يحجبه منع المعلّمات المنقّبات من ارتداء نقابهنّ في المدارس. أمّا تخلّي الدولة (الاشتراكيّة افتراضاً) عن وظائفها الاقتصاديّة، فقد بلغ إلى ذرى من النيو - ليبراليّة أسماها البعض «اقتصاد السوق الاجتماعيّ». ولئن ظهر محلّلون يرصدون الدلالات الأهليّة للتوجّهات الاقتصاديّة، بقي أنّ هذه الحال تذكّر بدولة صدّام حسين في زمن الحصار والمقاطعة، أي حين قُلع ناب السلطة العراقيّة فتولّت بعض البُنى التقليديّة من عشائر وسواها مهمّات كانت اختصاصاً لها وحكراً عليها.

وما يتبقّى في هذه الحال هو اقتصار الدولة على بُعد أمنيّ بحت، بُعدٍ يضعها في مواجهة الحرّيّات من غير أن يوفّر لها القدرة اللازمة على «إقناع» المحكوم بالتضحية بحرّياته. والحقّ أنّ العكس هو ما يحصل في حالة كهذه: ذاك أنّ الفقر والفساد يطحنان السكّان من جهة، فيما يعمل الوعي المتأسلم، من الجهة الأخرى، على تقليص القدرة على التحمّل. أمّا التذرّع بالنموذج الصينيّ وتقليده، وهو الجامع بين حكم الحزب الواحد والاقتصاد الرأسماليّ، فيبقى أقرب إلى المزاح في ظلّ النجاحات الهيوليّة التي يحقّقها الاقتصاد الصينيّ المصحوبة بقبضة تتحكّم، من دون شريك، بالثقافة والتعليم.

وقصارى القول إنّ ما يجري في سوريّة اليوم هو الوقوع في هذه الوهدة بين عجزين، عجز عن الديموقراطيّة وعجز عن التوتاليتاريّة. ولئن أدّى الوضع العربيّ المستجدّ منذ ثورة تونس إلى تظهير الاستحالة الناجمة عن العجز الأوّل، فإنّه أفضى كذلك إلى تبيان استحالة التغلّب على العجز الثاني. أمّا الباقي فتتعدّد مسارحه بين مجلس الشعب وصلوات الجمعة وشوارع المدن وصفحات الفايسبوك.

مثل صدّام في لحظة حصاره لم يتبقّ من السلطة إلاّ الوجه الأمنيّ.

==================

حذار من الأزمة السورية

محمد الرمحي

الشرق الاوسط

2-4-2011

قابل كثير من المعلقين خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير بكثير من الدهشة. اعتقد بعضهم أن الخطاب سيتضمن اعترافا بالحاجة إلى التغيير، وربما بالحاجة إلى وضع أولويات مختلفة عن السابق لمستقبل سورية التي تتأثر بما يجري من حولها، لا لسبب إلا لأن الشعب السوري قد خبر طويلا التوق إلى التحرر، منذ قرن على الأقل. إلا أن ما ظهر من الخطاب، ليس فقط فشل في وضع أولويات جديدة، بل أيضا في عدم الاعتراف بالحاجة إلى ذلك، الحاجة إلى أمل يترقبه النسيج الاجتماعي السوري. كان بعض المراقبين يراهنون على ذكاء النظام بأن يستوعب الدروس العُجلى لما تم في عدد من العواصم العربية، ويضع عجلات التغيير على سكة متحركة؛ بالإشارة إلى آمال جديدة، إلا أنه لم يفعل.

ما يحدث في سورية بكل المقاييس هو الأخطر في وباء الإنفلونزا السياسية التي تضرب العرب منذ أشهر. صحيح أن مصر قاعدة مهمة للعرب، وما يحدث فيها يتأثر به العرب عاجلا أو آجلا، إلا أن الأكثر صحة أن سورية لو حدث فيها شبه ما يحدث في مصر أو تونس أو حتى اليمن، فسوف يتأثر الإقليم العربي بما هو أكثر من التغير الداخلي. إنه السياسة الخارجية التي تربط سورية بشبكة الاتصال العربية، وصولا إلى إيران في الشرق وحزب الله في لبنان.

ماذا لو حل التغيير المحتمل (ولا أقول الممكن) في سورية؟ أولا إيران سوف تتأثر كثيرا، خاصة سياستها المشرقية التي مكنت لها سورية، من خلال تحالف طويل الأمد، أن تمتد للتأثير في المنطقة العربية. فقط منذ أشهر نتذكر خطاب السيد محمود أحمدي نجاد في بيروت، الذي تحدث عن محور طهران، بغداد، دمشق، بيروت. كان السيد نجاد يعتبر ذلك المحور انتصارا ضخما لسياسته الخارجية. بخروج سورية جزئيا أو كليا من ذلك المحور، سوف تنقطع السلسلة الجغرافية، وهي بذلك لن تكون سبب فشل لتلك السياسة، بل ربما تكون عاملا من عوامل الحراك للمعارضة الإيرانية في الداخل، التي ستجد لزاما عليها الإشارة إلى ذلك بأنه فشل لسياسة الإدارة الإيرانية الحالية، وتبديد هائل للموارد المالية التي أنفقت. فوق ذلك سوف ينقطع حبل السرة بين طهران والضاحية الجنوبية في بيروت، مقر حزب الله السياسي، الذي سوف يصعب عليه الحصول على التمويل اللوجيستي من الممر الدمشقي، مما يضطره للجوء إلى خطوط إمدادات طويلة قد تتعرض للانقطاع. تركيا من جهة أخرى سوف تنظر إلى التغيير في سورية (إن حدث) بعين الريبة، حيث إن تصفير المشكلات السورية - التركية في السنوات القليلة الماضية جاء على حساب مصالح سورية حيوية، منها الاستخدام العادل للمياه، على سبيل المثال لا الحصر.

على الرغم من أن التغيير في مصر قد يقود إلى خلخلة في العلاقات المصرية - الإسرائيلية، فإنها خلخلة قابلة للضبط، حيث إن بيضة القبان (حتى الآن) في مصر الجيش، الذي يعرف أهمية الإبقاء على الاتفاقات الدولية مع إسرائيل، وبالكثير سوف يسعى النظام المصري الجديد إلى تحسين شروطها. في الحالة السورية، أي تغيير قد يصيب الوضع المجمد مع إسرائيل بحراك ما لا تستحسنه إسرائيل أو القوى الغربية الفاعلة المساندة لها، ولا يستطيع أحد الآن أن يتوقع نتائجه، كما سوف تتأثر تركيبة التشبيك السياسي الإقليمي. إنما السؤال الأهم حتى الآن هو: ماذا يمكن أن يتطور عليه الوضع في سورية جماهيريا؟ هل يمكن الركون إلى تحجيم الحراك الشعبي بشيء من الإصلاحات؟ أو بشيء من القوة الفظة؟ في حالات عربية أخرى، قُدمت إصلاحات، إلا أن القوى المتحركة في الكتلة التي كانت صامتة لم ترضها تلك الإصلاحات، التي وُصفت بأنها قليلة ومتأخرة، ولم تعط نتائج ملموسة على الأرض، كما أن التيار الشعبي أثبت عدم القدرة على التكهن بحراكه في هذا الوباء الذي يجتاح المناطق العربية من أقصاها إلى أقصاها، خاصة في ضوء انتقال المعلومات السريع، وأيضا مع مشاهدة الشعب السوري لما تحقق في بعض مناطق الثقل العربي، وخاصة مصر، من إصلاحات ملموسة.

الحراك السوري تأثيره لن يبقى داخليا (كما معظم الحراك العربي)، بل له تأثيرات إقليمية قد تكون أكبر بكثير من ردات الفعل التي صاحبت الهزات السياسية التي حدثت حتى الآن.

آخر الكلام:

في حديث مع صحافي بريطاني صديق زار الكويت أخيرا، عرج الحديث على معاملة الحكومة البريطانية للاحتجاجات الأخيرة في لندن، قال: لقد لاحظنا أن الشرطة استخدمت أقل ما يمكن من التصدي للمتظاهرين، على غير ما حدث قبل أشهر، لأن عينها على الانتقادات الدولية.. أبشروا يا عرب لقد أثرتم في بريطانيا أيضا!

==================

سورية.. والصلاة ببطاقة الهوية!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

2-4-2011

بينما كانت مذيعة إحدى الفضائيات تقول: إن الأوضاع هادئة في سورية، وإن السوريين أظهروا وعيا ولم يستجيبوا لدعوات الخروج للتظاهر والاحتجاج.. كان السوريون، في بعض المساجد، تؤخذ منهم بطاقاتهم الإثباتية عند دخول المسجد لصلاة الجمعة، لتعاد لهم بعد الصلاة عند خروجهم!

لكن الطريف هو أنه بعد حديث المذيعة عن الهدوء بدقيقة تقريبا كان هناك «فلاش» عاجل على الشاشة نفسها يقول إن مظاهرات خرجت في عدة مدن سورية، منها: دمشق وبنياس وحمص واللاذقية! المراد قوله هنا هو أن الحلول الحقيقية في سورية، وغيرها من الدول العربية، هي التعامل بجدية مع هذا الزلزال السياسي الذي يضرب المنطقة، وذلك بخطوات إصلاح حقيقية، على مستوى إصلاحات تصل إلى المواطن مباشرة، وكذلك إصلاحات تطال البنية الأساسية بالبلد، والنظام نفسه، وذلك في أي مكان، وليس سورية وحسب. الإعلام قد يضلل، لكنه لا يغير الحقائق؛ فالإعلام مثل المسكنات أحيانا، ومثل المشهيات أحيانا أخرى، لكن المظالم والجمود في مؤسسات الدولة، أيّ دولة، يعجلان بتصدعها وسقوطها، مهما كانت محاولات الترقيع.

فأبسط مثال هنا على أن الإعلام ليس الحل هو التغطية الإعلامية لخطاب الرئيس الأسد الأخير أمام مجلس الشعب السوري، فما إن قال الرئيس السوري إن بلاده تتعرض لمؤامرة خارجية إلا وكررت وسائل الإعلام العربية، خصوصا المرئية، الكلام نفسه طوال اليوم، بينما كانت هناك مظاهرات في اللاذقية! أما التلفزيونات الغربية فكانت تتساءل طوال اليوم أيضا، بعد خطاب الرئيس السوري: ممن؟ أي: من الذي يقوم بالتآمر على سورية؟ والفارق كبير، لكن الأهم هنا هو المواطن، هل هو مقتنع فعلا بأن هناك مؤامرة، أم أنه يرى أن هناك مظالم حقيقية؟ وهنا السؤال!

وعليه، فإن استمرار خروج المظاهرات في سورية، وحتى يوم أمس، يعني أن المطالب الشعبية لم تقابَل بحلول عملية، وأن الحلول، إلى الآن، غير ناجعة، والمزعج في الحالة السورية أن المطالب ما زالت طبيعية، ومقبولة، ومقدورا عليها، ولن تؤدي إلى إضعاف البلاد، أو هدم المعبد على من فيه، كما يقال، لكن الاستجابة الحكومية ما زالت ضعيفة بشكل غريب. والإشكالية أنه كلما تأخرت الحلول زادت المطالب، وكلما اشتدت المواجهات العنيفة ضاق الأفق، وهذا ما رأيناه في سلسلة التجارب الأخيرة في المنطقة.

والمراد قوله: إنه ما زال بمقدور دمشق أن تنزع الفتيل بسلسلة قرارات حقيقية، وليس وعودا بدراسات، أو الإبدال بقانون الطوارئ قانون مكافحة الإرهاب، أي إبقاء الأمر على ما هو عليه، وذلك لتجنب المواجهات والعنف؛ فعدد القتلى من المتظاهرين، إلى الآن، قد فاق العشرات، وإن كانت هناك تقديرات تقول إنه بلغ الستين، وحتى لو أحكم النظام قبضته الأمنية وبقي صامدا فإنه سيواجه صعوبات داخلية وخارجية لها أول وليس لها آخر، بينما لو أقدم على إصلاحات حقيقية فبكل تأكيد أنه سيخرج أقوى مما كان، لكن المؤشرات تقول إن دمشق لا تستوعب من تجارب الآخرين.

والسؤال الآن هو: أين سيصل سقف المطالب في سورية؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ