ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

«نوبل» للمندسّين!

الإثنين, 28 مارس 2011

جميل الذيابي

الحياة

منذ بدء الثورات العربية الأخيرة والشعوب تتلقّى التحذيرات من وجود «مندسّين» تصفهم الحكومات ب «مناوئين للأمن والاستقرار» وينوون استغلال الاعتصامات لإثارة الفوضى والتخريب. هل هؤلاء المندسّون في نظر الحكومات كائنات بشرية أم مخلوقات زئبقية أم وهمية أم فضائية أم إلكترونية؟! في خطاب الرئيس التونسي «الهارب» زين العابدين بن علي، قال إن الأحداث والتظاهرات التي تشهدها مدن تونسية، هي أعمال قلّة من المناوئين الذين يغيظهم نجاح تونس ويسوؤهم ما تحقق لها من تقدم ونماء. مضيفاً «أن هؤلاء مأجورون ومندسّون، تسيّرهم من الخارج أطراف لا تكنّ الخير لتونس».

فيما قال الرئيس المصري «المخلوع» حسني مبارك، إن المتظاهرين في مصر يحرّكهم الآلاف من المندسّين، ممن تلقوا تدريباً بالخارج. فيما اتهم معمر القذافي في خطابه الشهير الذي ألقاه في 22 شباط (فبراير) الماضي، قلّة «مندسّة» تسعى لتخريب ليبيا من طريق تقديم حبوب الهلوسة والأموال لمأجورين لديهم أجندات خارجية. في حين أفادت «وكالة الأنباء السورية» أن بعض المندسّين استغل الموقف بعد تجمّع عدد من المواطنين في محافظة درعا بالقرب من الجامع العمري، وعمدوا إلى إحداث فوضى وشغب، ما استدعى تدخل عناصر الأمن للحفاظ على سلامة المواطنين. وفي بلاد الرافدين، لم يجد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تعبيراً عن قلقه من سلسلة التظاهرات في مدن عراقية، سوى التحذير من مندسّين.

سألت صديقاً مصرياً بعد خلع حسني مبارك: هل قبضتم على أحد من المندسّين؟! رد بسرعة: «فين همّ يا راجل... الشعب بيدور عليهم علشان يحييهم!» للأسف، هؤلاء المندسّون لم ترهم الشعوب لكن رأتهم أعين الأنظمة والأجهزة الأمنية التي تحرّك «البلطجية» لإهانة المحتجين وقتلهم بنية إرهابهم وثنيهم عن التوسّع في مطالبهم المشروعة.

يبدو أن تلك الأنظمة لم تجدد سياساتها ووعيها وطريقة تعاطيها مع الشعوب، وما زالت تتخيل بعض المتظاهرين «مندسّين» في صور شيطانية، فيما أن الشعوب لم تلمس ذلك، وثبت لاحقاً بعد تقديم تلك الأنظمة تنازلات أو سقوطها أو فرارها أو رضوخها للأمر الواقع أن الادعاء بوجود «مندسّين» ليس سوى خيالات غير موجودة من الأصل إلا في أذهان من يحكمون الناس ب «الأنظمة البوليسية». من الواضح منذ نجاح ثورتي تونس ومصر أن الحكومات العربية أصبحت قلقة ومرتبكة من «بعبع» المندسّين بعد أن صارت غالبية الشعوب «مندسّة» و «مندمجة» وسط الصفوف وبين الحشود والجماهير في شكل علني وترفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وترفض أي وعود «استهلاكية» من الحكومات القائمة.

الشارع العربي لم يفوّت الفرصة للسخرية وإسباغ النكات على ادعاءات الحكومات وتحذيرها من وجود مندسّين، إذ ردت مجموعة «شباب ثورة 25 يناير» في مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية على اتهامات الحكومة المصرية في حينه بتعليقات طريفة تقول: أنا مندس... أنا مندس، هاتلي أجندة ووجبة وبس... من «هارديز» أو من «كنتاكي»، أهم شيء هاتلي وجبة «دينر بوكس» من غير خس... أنا مندس... أنا مندس، وكل الشعب كمان مندس... أنا مندس... أنا مندس، عندي أجندة «مستر إكس»!

وفي رد سريع وحاسم من شباب سورية على اتهامات النظام السوري بوجود مندسّين بين الشعب، ردوا بإنشاء «غروب» على «فايسبوك» يحمل عنوان أنا «مندس/ة». وجاء في تعريفه: أنا المواطن السوري: أعترف بكامل قواي العقلية بأني مندس في مطالب الشعب وسأدافع عن حقي بالاندساس في جميع القضايا الوطنية شاء من شاء وأبى من أبى. ولا يزال الآلاف من الشباب السوري ينضمون لمجموعة «أنا مندس/ة»، ويرددون «مندسّين... مندسّين... من درعا للشيخ مسكين». ويشارك في الصفحة عدد من الإعلاميين والناشطين السوريين المعروفين بأسمائهم الصريحة، فيما يشارك آخرون بأسماء مستعارة، فقد كتب عمر الأسعد «بما أني مثل بقية الشعب السوري أعترف بالاندساس معكم، فدسّوني بينكم لأنه خير لي». فيما كتب باسل رفاعي «بعد أن استمعت إلى ملهم الاندساسية السيد خالد العبود عضو مجلس الشعب عن محافظة درعا أعلن انضمامي، عفواً اندساسي في هذه المجموعة، وتفضلوا بقبول فائق اندساسي. فيما ينقل أحدهم «ساخراً» من اتهامات الحكومات بقوله: أعلنت المفوضية العامة للجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي عن وظائف شاغرة تحت شروط مطلوب «مدسوسين» من ذوي الخبرات العالية. فيما وجّه كاتب آخر اسمه قيس ماهر تحياته إلى كل المندسّين «شبر شبر... بيت بيت... دار دار... زنقة زنقة»، في إشارة إلى خطاب القذافي الشهير عن «الجرذان» و «المهلوسين».

كم هو مبتلى هذا «المندس» الذي تُرمى عليه كل التهم جزافاً ولم تقبض عليه الحكومات أو الشعوب حتى اليوم؟! حماكم الله أيها المندسّون من كل رصاص بوليسي «مندس» يتربص بكم! وكم أنتم تستحقون جائزة نوبل للسلام بعد أن أنقذتم شعوباً عربية من ممارسات قمعية، وحرّكتم الميادين والساحات بالهتافات الوطنية لإسقاط أنظمة استبدادية؟!

الأكيد أن عربة القطار لا تزال تسير على السكة الثورية الصحيحة، وأن رواية المندسّين والمهلوسين ما هي إلا كلمات «شمطاء» تقال في سياقات أمنية خاطئة، والأيام تثبت تباعاً أن الشعوب أكثر وعياً من الحكومات ولم تعد تنطلي عليها حيل التخويف والترهيب بعد أن شمّرت عن سواعدها لأخذ حقوقها بأيديها لا بأيدي أجهزة تقمعها وتقصيها وترهبها وترميها بشرر.

=====================

الشرخ السوري

يديعوت 27/3/2011

2011-03-27

القدس العربي

 يتصدى نظام بشار الاسد الآن للأزمة الاشد التي يواجهها منذ ورث كرسي أبيه في حزيران (يونيو) 2000. قبل وقت قصير مضى فقط، في مقابلة طويلة ومشوقة منحها ل 'وول ستريت جورنال'، تباهى الاسد باستقرار نظامه بخلاف بارز مع انهيار نظام مبارك. ولكن في نهاية المطاف وصلت موجات الصدى 'للربيع العربي' الى سورية أيضا.

وتتغذى المعارضة بعداء الاغلبية السنية للحكم العلوي ولكن أيضا من احساس الكثيرين بان النظام متحجر، فاسد ويمنع دخول سورية الى التيار المركزي للحياة في القرن الواحد والعشرين.

يوجد في سورية تعب من النظام وما ينطوي عليه من قمع، وتوجد في درعا وفي مدن اخرى اسباب لعدم الارتياح. فعلى مدى السنين سلم الجمهور السوري بصفقة غير مكتوبة تقضي باعطاء النظام له الاستقرار وأخذ الحقوق والحرية منه. في المناخ السياسي الذي ينشأ الان في العالم العربي، يريد قسم كبير من الجمهور السوري الغاء هذه الصفقة.

خلافا لمصر، ليس في سورية فارق حقيقي بين النظام والجيش. كلاهما يعكسان الهيمنة العلوية، والعناصر المختلفة للنخبة يعرفون ما هو الثمن الذي سيدفعونه اذا ما سقط النظام.

للقمع وللذبح في بداية الثمانينيات يوجد أثر مزدوج في سورية اليوم. الحساب الدموي للاغلبية السنية مع النظام ينتظر تسديده، ولكن الكثيرين يخشون من أن المقاومة العنيفة ستؤدي الى حمام دماء آخر.

حاليا، رد النظام بمزيج غير ناجح من اقتراح الاصلاحات والتنازلات والقمع العنيف، ولكن أغلب الظن ليس في ذلك ما يمنع التمرد المدني. كما ان هناك مؤشرات على جدال داخل النظام بين المؤيدين لاصلاحات بعيدة الاثر وبين اولئك الذين يدعون بان مثل هذه الاصلاحيات ستعرض وجود النظام للخطر. زعامة الاسد ستختبر في قدرته على بلورة سياسة ناجعة وفرضها على النظام.

الفرصة والخطر

لتغيير النظام في سورية، ولكن أيضا لفترة طويلة من انعدام الاستقرار، ستكون آثار بعيدة المدى على الشرق الاوسط وعلى أمن اسرائيل: بداية، يدور الحديث عن ضربة شديدة لايران. حتى الآن كانت ايران بين المستفيدين من التطورات في المنطقة. سقوط مبارك، الاحداث في البحرين والضغط الذي تعيشه العربية السعودية عملت كلها على تعزيز محور المقاومة بل وصرفت الانتباه الدولي عن برنامجها النووي. اما سورية فهي الحجر الرئيسي في المحور المؤيد لايران. ضعف نظام الاسد، ناهيك عن سقوطه، هو ضربة شديدة لايران، لحزب الله ولحماس.

ثانيا، هذا الوضع يعطي مساحة تنفس لخصوم المعسكر الايراني وعلى رأسهم المعسكر المعتدل في لبنان، ولكنه يخلق اغراء لايران وسورية للتخفيف عن سورية من خلال تسخين النزاع مع اسرائيل.

استمرار الصدامات واحتمال القمع العنيف سيخلقان معضلة للولايات المتحدة وحلفائها. فالتدخل في ليبيا وجد تبريره في أنه لا يجب السماح للقذافي بذبح المواطنين الليبيين المطالبين بالحرية والديمقراطية. وسيتعين على اوباما وشركاه أن يشرحوا لماذا لا يتدخلون لمنع سفك دماء في سورية.

حاليا، 'الخيار السوري' لاسرائيل سيسحب. هذا الخيار يحوم دوما في الهواء كبديل عن المسار الفلسطيني. في السنوات الاخيرة سمعنا كثيرا بان المؤسسة الامنية الاسرائيلية تفضله بسبب ميزة الخطاب والحوار مع نظام مستقر، توجيه ضربة للمحور الايراني وتوفير مفتاح للتغيير في لبنان.

آخرون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، لم يكونوا مستعدين للتنازل عن هضبة الجولان. وهذا المعسكر سيدعي الان، بقدر كبير من الحق، بانه لا يوجد أي معنى لصفقة كهذه مع نظام استقراره موضع شك.

في هذا الوضع مطلوبة سياسة اسرائيلية اساسها القراءة السليمة للتطورات الداخلية في سورية، التأهب الامني، الحوار والتنسيق الوثيقان مع الولايات المتحدة ومحاورين آخرين، ولكن ايضا رأس مفتوح للفرص التي ينطوي عليها الوضع الجديد.

=====================

هل يقدم الحراك في سورية نموذجاً مغايراً؟

الإثنين, 28 مارس 2011

جورج سمعان

الحياة

لأن الثورة نجحت في مصر بعد تونس، كان لا بد أن يشجع هذا النجاح «ساحات» المنطقة على تعميم النموذج والمثال في التغيير الجذري. ولأن مصر كانت وتظل القاطرة للعالم العربي وبلدانه، ولأنها دولة محورية كان لا بد لثورتها من أن تجد الصدى في الشمال الأفريقي والشرق الأوسط برمته. ولأن سورية بلد محوري أيضاً في الشرق العربي، ولأنها «قلب العروبة» فلا بد للحراك الذي ينتشر في مدنها أن يكون له تأثير واسع ليس أقل من التأثير الذي تصدّره القاهرة. لا بد أن تصاب الأطراف بما يصيب القلب. الحراك هنا يصير قضية «بلاد الشام»، قضية «الهلال الخصيب»، وليس قضية دمشق وحدها. لن يكون لبنان ولا الأردن ولا العراق ولا فلسطين بمنأى عن النتائج والتداعيات. أي أن المنطقة كلها ستشهد تبدلاً في المعادلات السياسية وخريطة التحالفات من إيران إلى المتوسط.

رسمت الثورات من تونس إلى اليمن مروراً بليبيا ومصر خطاً واضحاً لمآل الحراك، وإن اختلفت النماذج. بات النظام، أي نظام، أمام معادلة مزدوجة صعبة: أولاً، سقط حاجز الخوف من بطش الأجهزة الأمنية. أما استخدام القوة فيزيد قاعدة جمهور الغاضبين اتساعاً وشعوراً بالمهانة والظلم فيتصاعد الغضب. وإذا ترك العنان للمتظاهرين تكاثروا في الساحات لشعورهم بأن السلطة باتت ضعيفة وأكثر عجزاً عن مواجهتهم. والتكاثر يحول دون الرد بالرصاص العشوائي ويصد الباب نهائيا أمام لغة الحوار ويفتح النوافذ أمام رياح التدخل من الجيران الأقربين والأبعدين. فما أحبط عملية التفاوض بين المحتجين في اليمن والنظام هو المجزرة التي ارتكبت قبل أيام في ميدان التغيير وعجلت في البحث عن آليات رحيل الرئيس علي عبد الله صالح وانتقال السلطة. وما عجل في التدخل الدولي في ليبيا هو زحف كتائب النظام على الأحياء والمدن.

ثانياً، لم يعد هناك سقف لمطالب «الساحات». ما دام سقف النظام في مصر، أكبر الدول العربية، سقط على رأس النظام. كما كانت الحال في تونس أيضاً. وأظهرت تجارب الحراك الدائر في أكثر من بلد عربي أن المطالب كانت تتصاعد مع كل موجة ممانعة أو مماطلة من الحكم أو هروب إلى الأمام مرة بالتهديد والوعيد ومرة بإغداق الوعود. وأثبتت أن ما كان ممكناً أن يقبل به الناس أمس ورفضته السلطة لن يعود مقبولاً اليوم. وما هو مقبول اليوم لن يعود مقبولاً غداً وبعده. وهكذا دواليك. لذلك لم يعد ثمة مفر من الاستماع إلى صوت الشارع. لم تعد مقابلتهم بجموع مقابلة مجدية. قابلهم العقيد القذافي بكتائبه المسلحة فقابلته أساطيل الأطلسي، وجر ليبيا إلى مصير مجهول. وقد لا يكون أمام خصومه المتمسكين بالوحدة سوى أن يرتضوا بمواصلة الحرب الأهلية أو التقسيم. وكلاهما أبغض المتوافر، أو أبغض الحلال. وليس أفضل منهما التدخل الدولي المرتبك بأجنداته المختلفة. فيما دفع الرئيس علي عبد الله صالح جمهور مؤيديه ليقيم توازناً مع المعترضين والمعارضين لنظامه، فبدأ الملتفون حوله ينفضون عنه تدريجاً. وكان عليه أن يختار في النهاية بين حمامات الدم أو التسليم بإرادة الناس ليبعد «كأس ليبيا» عن اليمن.

أما وقد بدأت رياح العاصفة العاتية تهب على سورية، بعد اتساع الاحتجاجات وخروجها من نطاق درعا ومحيطها، فهل تقدم دمشق نموذجاً ثالثاً أو رابعاً مختلفاً لمآل الحراك؟ مختلفاً عن نموذج مصر – تونس وعن نموذجي ليبيا واليمن؟ لم يعد في مقدور دمشق أن تصدر الأزمة إلى الخارج. عليها الآن أن تجد السبل التي تقي البلاد ما هو أسوأ. لم تعد صورة النظام كما كانت قبل الأحداث الأخيرة. وجدت التظاهرات في جنوب البلاد صدى لها في مناطق أخرى. واستدعت سلة عاجلة من الاصلاحات والاجراءات، ولكن غير الكافية. مثلما استدعت تظاهرات مؤيدة للنظام في «ساحات أخرى. لكن لا هذه ولا تلك ستبعد الخيارات الصعبة. ذلك أن مواجهة الإحتجاجات بمزيد من العنف سيفاقم الوضع. فالعنف يولد العنف. و»تقاسم الساحات» قد يقسم البلاد شوارع متقابلة ومتصارعة بين معارضين ومؤيدين. وربما قادها إلى المحظور: الفتنة الطائفية والمذهبية. كما أن التدرج في استجابة المطالب السياسية الملحة أو محاولة الالتفاف عليها، ستدفع إلى مزيد من التنازلات... وصولاً إلى مطالبة النظام بأن يحل نفسه بيده.

إن انتشار الحراك أضعف - إن لم يسقط - المقولة الرسمية عن «الطرف الثالث» و»المندسين» و»الغرباء» في الساحات والشوارع الذين يجرون الأهالي وأجهزة الأمن إلى المواجهة. يجب ألا تحجب هذه المقولة، ومعها روايات الإعلام الرسمي وما يجود به المستشارون وبعض قادة الأجهزة، شعور الناس الواسع بالغبن والظلم وتفشي الفساد وغياب الحريات والعدالة والمساواة. وشعورهم بامتهان الكرامة وتسلط الأجهزة. ومعاناتهم متاعب اقتصادية واجتماعية. وكلها عوامل تشكل أسلحة فتاكة في أيدي خصوم النظام، التقليديين من أحزاب وهيئات في الداخل والخارج. وهذه ليست بعيدة اليوم عن المساهمة في تأجيج الغضب ضد الحكم.

اعتراف النظام بواقع الناس الغاضبين خطوة أولى ضرورية لسلوك طريق الإصلاح وامتصاص الاحتجاج. لن يفيد بعد اليوم الهروب إلى خارج الحدود. لقد جهدت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية في السنوات الأخيرة لتغيير ما سمته «سلوك» النظام «الممانع» في سورية. لكن محاولاتها فشلت. مثلما فشلت كل المساعي لإبعاد دمشق عن محور طهران وحلفائها في المنطقة. كان خصوم دمشق يتهمونها بأنها صبت كل جهودها خارج الحدود، في «ساحات» الجيران التي شكلت لها طوق نجاة من كل العواصف العاتية التي ضربت المنطقة في العقود الأربعة الماضية. يتهمونها بأنها تمارس السياسة والدور في أزمات الجيران بدل الالتفات إلى الداخل. أما اليوم فإن العاصفة تتقدم في أكثر من «ساحة» سورية. ولم يعد أمام النظام مفر من الإلتفات إلى شؤون الداخل ليتضاءل انخراطه في شؤون الخارج.

ولا شك في أن «ممانعة» دمشق نجحت في تجاوز الكثير من أنواع الحصار والضغوط الخارجية التي لم تتوقف يوماً، والتي تصاعدت منذ الحرب الأميركية على العراق إلى خروج القوات السورية من لبنان. والسؤال اليوم هل تنفع «الممانعة» في الداخل كما نجحت في الخارج؟ أليس من المجدي الاستناد إلى بعض «النجاحات» في الخارج وتوظيفها لإحداث خرق في الأزمة الداخلية قبل فوات الأوان؟ إن استمرار الاتكاء على «الساحات» الخارجية في مواجهة مطالب الداخل لن يكون حلاً. لن يكون بديلاً من استجابة مطالب الناس أو مبرراً لتهدئة الخواطر. بات الاتكاء هذا ورقة مستهلكة. أو بالأحرى لم يعد في مقدم اهتمامات المحتجين الساعين إلى تحقيق العدالة والمساواة والحرية ورفع الظلم ويد الأجهزة واستعادة الكرامة.

قد يستطيع الرئيس بشار الأسد الذي طالما تحدث عن الإصلاح والتحديث ومحاربة الفساد، أخذ الأمور بيده في مواجهة الوضع، مستغنياً عن وسائل الإعلام الرسمية والمستشارين والأجهزة التقليدية، حزبية أو أمنية. أغدق وعوداً بالاصلاح منذ وصوله إلى الرئاسة. وحاول بعد انتشار الأميركيين على حدوده الشرقية أن يبدل وجوه السياسة ووجوه الاقتصاد، لكنه تعثر في الحزب وقياداته التقليدية. مثلما تعثر بمراكز القوى الموروثة والمستفيدة. لكن الأزمة اليوم تتطلب قرارات شجاعة وحازمة. تتطلب رسم خريطة طريق واضحة لإصلاحات حقيقية وملموسة تستجيب مطالب الناس وتهدىء من موجة الغضب. بدل اللجوء إلى «نظريات» لدوائر تعيش في الماضي تزيد من غضب الناس وتعمق فقدان الثقة بالحكم. كأن هؤلاء الذين يروجون لمثل هذه النظريات لم يتابعوا ما حدث في تونس ومصر وما يحدث في ليبيا واليمن وأماكن أخرى في المنطقة. مثل هذه «النظريات» لا تهين ذكاء الناس بقدر ما تسيء إلى الحكم وتصوّره كأنه خارج الزمن! المطلوب حزمة واسعة ومقنعة من الإصلاحات والإجراءات السياسية والإقتصادية والاجتماعية الجذرية. ودفعةً واحدة وليس بالتقسيط. لأن التدرج في استجابة مطالب الناس قد تدفعهم إلى المزيد، إلى سقف لن يكون في مقدور النظام الإقرار به، كما حصل في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.

أما أولئك الذين يراقبون بحذر، ما يجري في سورية، وأولئك المتحفزون للتدخل، فعليهم أن يحاذروا المساهمة في تأجيج الوضع. لأن سقوط هذا البلد في نار الفوضى والعنف لن يوفرهم. ستطاولهم هذه النار بشكل أو آخر، من لبنان إلى الأردن وفلسطين والعراق. لذلك يجب حث النظام ومساعدته على تغيير مقاربته مسألة «التغيير» المطلوب وإعادة التموضع في خريطة المنطقة، لتجنيب البلاد ما هو أسوأ. فهل يقدّم الحراك في سورية نموذجاً مختلفاً عن نماذج الثورات التي شاهدنا ونشاهد؟ هل فات أوان التجربة أم أن الوضع شارف السقوط في نموذج آخر فريد لكنه بالتأكيد قاسِ ومرير لكلا الطرفين، للمطالبين بالتغيير ولأهل النظام... وللجيران أيضاً؟

==================

الثورات العربية: الشرعية والثقة

تاريخ النشر: الإثنين 28 مارس 2011

الاتحاد

تختلف الثورات العربية الحالية عن تجارب التحول الديمقراطي التي عرفتها أغلب مناطق العالم في منتصف القرن الأخير، بدءا من أوروبا الجنوبية في السبعينيات ثم أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية في التسعينيات وأوائل القرن الجديد.

حدثت التحولات الديمقراطية المذكورة في سياق صفقات انتقالية بين الديكتاتوريات الحزبية والعسكرية الحاكمة من جهة وقوى المعارضة المناوئة لها من جهة أخرى، وأفضت في الغالب إلى استخدام الهياكل الدستورية القائمة لتمرير التحول (بمراجعتها وتحسينها).

حاولت الأنظمة العربية التي انهارت مؤخراً استنساخ تلك التجارب برفع راية الإصلاح المتدرج والانتقال السلس عبر المؤسسات "الشرعية"، بيد أن انتفاضات الشارع خلقت واقعاً جديداً، وغيرت جذرياً قواعد الرهان السياسي.

بدأت بعض الأقلام العربية تشكك في مدى قابلية الثورات العربية لإنتاج معادلة التحول الديمقراطي المنشودة. ركز البعض على دواعي الخوف من الفوضى والمجهول ووصول القوى المتطرفة للسلطة، في حين تشبث البعض بالمنطق القانوني والإجرائي للديمقراطية الذي يتمحور في التشريعات والمؤسسات، بدل الانتفاضات العمياء وحركة الشارع المدمرة.

طرح الموضوع في تونس بقوة أثر الانهيار المفاجئ للحكم وهروب الرئيس المخلوع. وبعد محاولات فاشلة لتمرير التحول عبر الهياكل الدستورية والمؤسسية القائمة، انتصر منطق الثورة، فحل البرلمان والحزب الحاكم وتغيرت الحكومة وبدأ التحضير لشرعية جديدة تلغي تركة النظام السياسي بكامله.

طرح الإشكال ذاته في مصر، وتجلى في النقاش القانوني – السياسي المحتدم حول الإصلاحات الدستورية الأخيرة التي وجد فيها البعض مجرد ترقيعات محدودة لنسق متهرئ لا تتناسب مع سقف الثورة، في حين تمسك البعض بمنطق الشرعية الدستورية بسد الثغرات المعيقة للنقلة الديمقراطية في النسق السياسي. يبدو الإشكال نفسه مطروحاً في اليمن، حيث يتلمس الرئيس "علي عبدالله صالح" مسالك الخروج الآمن من السلطة من خلال دائرة "الشرعية" القائمة متسائلاً عن "حق أقليات منتفضة في الشارع في افتكاك السلطة من أيدي نظام منتخب بإرادة الشعب".

والمفارقة القائمة هنا أن رؤساء البلدان الثلاثة المذكورة وصلوا للسلطة عن طريق انتخابات تعددية، احترمت القواعد الشكلية للتنافس، وقد لا تكون احتاجت للتزوير باعتبار موازين القوة القائمة في الحقل السياسي المتمنع على التغير من الداخل. بل إن البلدان الثلاثة لم تعرف قبل أولئك الرؤساء، أي نمط من الانتخابات التعددية، على الرغم من نواقص ونقائص اللعبة التنافسية.

فالحقيقة التي لا مراء فيها أن الجمهوريات الاستبدادية العربية عرفت في العقد الأخير كيف تؤمن استمراريتها وتعيد إنتاج نفسها من خلال قوالب التعددية الديمقراطية ولو اقتضى الحال قبول المراقبين الدوليين وفتح وسائل الإعلام العمومية وإشراك القضاء. وهذا هو السبب الأساسي لاندلاع الثورات الراديكالية الأخيرة التي كانت المخرج الوحيد الممكن من نسق تعددي عاجز عن توفير أفق التداول السلمي على السلطة.

هل تكون الثورات العربية في منطقها وتوجهاتها غير ديمقراطية، ما دامت تقوض البنية المرجعية للتعددية السياسية بدل العمل على تفعيلها وإصلاحها؟

هل يمكن الدفاع عن ثورات راديكالية تزعزع أنظمة حكم قائمة بالاستناد إلى كتلة هلامية غائمة لا وسائط فيها ولا مكونات محددة (الشعب)؟

أليست الديمقراطية أقل الأنظمة السياسية سوءاً حسب التعريف الرائج، ومن الخطأ والخطر تجاوزها والقفز عليها باسم أحلام الثورة التي كانت دوما نهج الشعبوية الاستبدادية التي تتوهم وتدعي التماهي مع ضمير الأمة ووعي الجماهير؟

وهناك كثير من هذه الآراء والاستدراكات بعد مرور سكرة التجربتين التونسية والمصرية وبعد بروز المصاعب الحادة التي تعاني منها الثورتان اليمنية والليبية.

للمسألة جوانب ملتبسة، ترجع إلى إشكالية الشرعية نفسها التي تدخل في باب "المتاهات" المنطقية، باعتبار علاقة الدور التلازمية ما بين الجانب المؤسسي في الديمقراطية والجانب المعياري فيها. فكل ممارسة شرعية تقتضي فعلاً تأسيسياً سابقاًَ عليها. ومن هنا اعتبر الفيلسوف والقانوني الألماني فكرة "السيادة" التي يقوم عليها النسق السياسي الحديث مجرد "حالة استثنائية مستمرة".

فمفهوم الشرعية لا يمكن فصله عن مفهوم أوسع هو "الثقة" التي تشكل لحمة النسق السياسي، ومن دونها تتحول المؤسسات القائمة إلى هياكل شكلية فارغة. وإذا كان المفهومان تلازما في التجارب الديمقراطية الحديثة، إلا أن تمايزهما المفهومي والإجرائي يبرز للعيان في فترات التأزم والاحتقان.

ترتبط بمفهوم الثقة الأبعاد القيمية والجوهرية في العمل السياسي في ما وراء التحديدات الشكلية للشرعية (في أبعادها القانونية والمؤسسية)، كما أنها إطار تقويم حالة الشرعية التي لا يمكن ضبطها اعتباطياًً في زمنية دورية.

ويبين عالم السياسة الفرنسي "بيار روزنفالون" في كتاباته الرائدة حول موضوعات الشرعية الديمقراطية، إن الثقة وإن كانت "مؤسسة غير مرئية"، إلا أنها ركيزة الممارسة الديمقراطية، ولذا أصبح من الضروري بلورة الآليات الإجرائية الناظمة لها إلى جانب آليات الشرعية القانونية. ومن هذه الآليات الفاعلية الاحتجاجية التي كثيراً ما أدت في الديمقراطيات العريقة إلى تقويض الشرعيات الدستورية واستحداث هياكل بديلة قادرة على تأمين الثقة في القيادة الحاكمة.

وباستخدام مصطلحات فيلسوف الفعل التواصلي "يورجن هابرماس"، لا بد من التمييز بين العقلانية النسقية الأداتية التي تصوغ إجرائيا وشكليا الدائرة التنظيمية للنشاط السياسي والعقلانية الاجتماعية الشاملة التي تغطي كامل الحراك المجتمعي.

فقد تغدو العقلانية النسقية عاجزة عن احتواء واستيعاب الديناميكية المجتمعية، فيغيب الشرط الأساسي في أي ممارسة ديمقراطية الذي هو "عقلنة الهيمنة" من خلال النقاش العمومي الحر.

ذلك ما حدث في الجمهوريات العربية، التي طورت هياكل قانونية ومؤسسية مستمدة من المعجم الديمقراطي الأكثر حداثة، لكن في انفصام كامل مع الأرضية العميقة للحراك الاجتماعي، ومع الشروط الموضوعية للتعددية، فلم تنجح في إضفاء الثقة على الشرعيات الشكلية القائمة. لا يعني هذا الكلام القدرة على الاستغناء عن القوالب الإجرائية للشرعية الديمقراطية، وإنما تأكيد حاجة هذه القوالب إلى معين الثقة الذي هو المخزون القيمي للفعل السياسي الحر.

===================

سوريا: الرفاق حائرون

تاريخ النشر: الإثنين 28 مارس 2011

الاتحاد

في سوريا اليوم احتجاجات ٌبدأت في درعا ثمّ تمددت بسرعة وحماس على امتداد الخريطة السورية فيها صخب وانتشاء وتصميم، وفي سوريا كذلك شيء من نيةٍ لإصلاحات أعلنتها مستشارة الرئيس الغائب حتى كتابة هذه السطور عن مخاطبة شعبه، وهي إصلاحات لم ترض الكثير من السوريين على أية حال، وفيها أيضاً شيء من عنف الدولة تجلّى في عشرات القتلى والجرحى جرّاء إطلاق النار الحي على المواطنين، ومع إطلاق النار تمّ إطلاق يد الأمن بالاعتقالات ما خلّف المزيد من السجناء، وإن كان النظام قد عاد وأعلن عن إطلاق سراح بعضهم.

حين نتحدث عن المشروعية السياسية فمشروعية النظام السوري هي مشروعية عسكرية انقلابية بدأها حزب "البعث" مع صلاح جديد الذي انقلب عليه حافظ الأسد فيما يعرف بالحركة التصحيحية، وهي مشروعية لم يطوّرها الحزب لاحقاً، وهذا الحزب معروف بعنفه المفرط واعتماده القوة العسكرية في مواجهة الشعب وتاريخه في سوريا والعراق جدير بالاستحضار.

إيديولوجيا هذا الحزب عنيفة بالضرورة، وهذا جزء لا يتجزأ من تاريخه من كيماوي صدّام ضدّ الأكراد إلى استخدام الدبّابات لضرب الشعب في سوريا حافظ.

التاريخ والواقع لهما حديث متوافق في التعليق على الحدث السوري، أما التاريخ فيقول إن الحزب قد ماهى بينه وبين الدولة وبالتالي أصبح من ميزات الحياة للفرد السوري عبر سنين طويلة الانتماء لهذا الحزب، والواقع يقول إن كثيراً من أعضاء الحزب الذين التحقوا به لممارسة حياةٍ أفضل سينتقلون منه للشعب في أقرب فرصة تسنح كما يجري اليوم.

سوريا الأسد أحد أعمدة ما كان يعرف بمحور الممانعة في المنطقة وهي الدعامة الأساسية لقوة "حزب الله" في لبنان، وبعض الدول الإقليمية المتحالفة مع سوريا والتي ثبت عجزها في البحرين عجزاً كاملاً وفشلت هناك فشلاً ذريعاً لن تصمت تجاه ما يجري في سوريا، لأن أي خللٍ في النظام السوري يضرّ كثيراً بمصالحها وطموحاتها التوسعية، ويعيد المشهد بالنسبة لها للمربع الأول، ومن هنا فهي سترمي بكل أوراقها دفاعاً عن النظام في سوريا، بما فيها ورقة "حزب الله" المتورّط بكثيرٍ من الأحداث الإرهابية في دول الخليج ومصر، وقد تحدثت المعارضة السورية عن دخول أعدادٍ من كوادر الحزب الإلهي إلى سوريا.

تحتاج بعض الوقائع التي يتم تداولها على نطاقٍ واسعٍ في الإعلام القديم والجديد تجاه ما يحدث في سوريا إلى بعض التحقيق والتدقيق، ولكنّ هذا لا يمنع من رؤية المشهد العام وبعض تجلّياته على الأرض، فقد نقلت بعض الفضائيات من درعا أسلوباً أمنياً اختصت به بعض الدول الإقليمية في مواجهة مظاهراتها واضطراباتها، وهو أسلوب ركوب رجال الأمن للدراجات النارية بشكل ثنائي، قائد الدراجة وخلفه الرامي أو القنّاص.

لدى بعض الدول الإقليمية خبرة كبيرة في صناعة المظاهرات الحاشدة قبل نجاح ثورتها، ولديها خبرة أكبر بعد نجاح الثورة في قمع المظاهرات وتفتيتها والقضاء عليها، وبالتأكيد ستنقل نفس الخبرة بكل ما تستطيع لسوريا أو هكذا ترغب على الأقل، ولكن يغيب عنها أن سوريا لها وضع مختلف، لا التاريخ هو التاريخ ولا الشعب هو الشعب ولا التجربة هي التجربة.

الذاكرة السورية والعربية تحتفظ لسوريا بالكثير من الأحداث والتواريخ المهمة، ففيها دولة الأمويين والأيوبيين والمماليك، وتثلمت سيوف الحملات الصليبية، وكانت طوال تاريخها الإسلامي خزّاناً للسنّة وقائدةً لهم، ومن هنا فإن النظام الذي تسيطر عليه أقلية تنتمي للطائفة العلوية التي تمثل ما يقارب العشرة بالمئة من الشعب يحكم أكثرية سُنيةً تقارب السبعين بالمئة، وهذه معادلة لا تسمح بالاستقرار في بلد يعتبر أوّل بلدٍ جملوكيٍ أي جمهورية ملكية في العالم العربي.

تحظى سوريا بتنوّعٍ مثرٍ في شعبها ففيهم الديانات السماوية الثلاث بكل تفرعاتها، وفيهم العرب والأكراد والأرمن والشركس، وفي العرب قبائل متنوعة، وفي الشعب طبقات من التجّار والمزارعين، والمشكلة لدى النظام "البعثي" في سوريا تكمن في محاولاته الطويلة لطمس هذا التنوّع واعتباره نسياً منسياً، وها هو يطلّ اليوم برأسه ليعبّر عن حقوقه ومطالبه وطموحاته وعلى النظام أن يستعيده لذاكرته وأن يتعامل معه.

تبدو الخيارات أمام الرئيس السوري ضيقة للغاية، فهو قد تأخر كثيراً فيما كان يجدر به أن يفعل من إصلاحات أطلقها على اتساعها أوائل حكمه قبل ما يزيد على العشر سنواتٍ، لأنه على ما يبدو قد رضخ للتيار القديم في النظام، ولم يحالفه الحظّ في اختيار تحالفاته الإقليمية، وراهن على المدى القصير حين كان عليه أن يراهن على المدى الطويل، وها هو النظام يتخبط في وقت لا مجال فيه للتخبط، فهو يطلق إصلاحاتٍ بيدٍ ويضرب الشعب بالسلاح باليد الأخرى، وحين تتناقل وسائل الإعلام القتلى والجرحى يصرّح وزير الإعلام بأن الوضع في سوريا هادئٌ جداً، وتخرج الصحف السورية لتتحدث عن مظاهرات تأييد لإصلاحات الرئيس، وحين تقرّ بثينة شعبان بمطالب مستحقة للشعب تخرج الصحف السورية لتتحدّث عن مؤامرة خارجية ومجموعاتٍ إرهابية.

ما لا يعيه النظام السوري هو أنّ ستار الممانعة الذي كان يختفي خلفه لم يعد مجدياً لستر العيوب والأعطاب الكبرى التي ينضح بها واقعه وتاريخه، وأن التعجيل بالإصلاح هو الضمانة الوحيدة لاستقرار سوريا، وما لا يعيه أيضاً هو أن واقع الشعب في سوريا وشبابها قد تغيّروا كثيراً عما كان يعهده شيوخ نظام "البعث"، أو عوائل الفساد أو أداة القمع العنيفة للنظام. لقد جرت في سواقي الشعب الكثير من المياه، ولئن تعوّد النظام على مواجهة معارضةٍ تقليدية كالإخوان المسلمين أو بعض أنصار رفعت الأسد أو خدّام فإن المعارضة الحالية تمثّل شرائح جديدة من ليبراليين وشيوعيين وعامة الناس الذين تصفهم صحيفة الإندبندنت بالقول إن "الاحتجاجات الحالية تحمل صبغةً علمانية".

ما تثيره أحداث سوريا الأخيرة هو التساؤل هل تعلم الرئيس شيئاً مما يجري من اضطرابات في المنطقة؟ وهل فهم ما يريده شعبه؟ وهل يعي ما يحدث في المنطقة وصراعاتها اليوم؟ الإجابة تبقى رهناً بقراراته وسياساته في قادم الأيام. ويبقى الأمل للشعب السوري بالحرية والعدالة والاستقرار.

===================

تركيا تهزم فرنسا     

آخر تحديث:الاثنين ,28/03/2011

محمد نور الدين

الخليج

قبل شهر تقريباً قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى تركيا، كانت الأولى منذ وقت طويل لرئيس فرنسي في إطار زيارة ثنائية .

وترك ساركوزي وراءه عاصفة من السجال، جراء مصارحته المسؤولين الأتراك أن تركيا لا مكان لها في الاتحاد الأوروبي، ولا أحد يريدها من الأوروبيين هناك . وقال أيضاً إنه بخلاف غيره من المسؤولين الأوروبيين يقول رأيه بصراحة للأتراك ولا يخدعهم، وحينها ردّ عليه الرئيس التركي عبدالله غول قائلاً “إن تركيا ستصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي رغماً عنك” .

ولم تقتصر العاصفة على التصريحات، بل أيضاً على محاولة ساركوزي قصر زيارته على عدة ساعات لم تتجاوز الست، في مؤشر على “احتقاره” للأتراك .

جاءت الأزمة الليبية الحالية، وكانت حين زيارة ساركوزي إلى تركيا قد بدأت، لكنها لم تكن قد تفاقمت بعد، لتظهر عمق الخلافات بين تركيا وفرنسا حول مختلف القضايا .

لم تكن المسألة الأرمنية واعتراف باريس سابقاً ب “الإبادة” الأرمنية سوى أحد عناوين الخلافات الفرنسية التركية .

مع وصول ساركوزي إلى السلطة، حاولت فرنسا أن تعيد النظر بسياساتها الخارجية، لتكون أكثر انفتاحاً ومرونة مما كانت عليه في عهد جاك شيراك .

فانفتح على سوريا وعلى المعارضة في لبنان (التي في طريقها اليوم لتكون في السلطة) . لكن ساركوزي استمر في مواقفه المعادية لتركيا، وحاول أن يسحب بساط دور الوسيط بين “إسرائيل” وسوريا من تحت أقدام تركيا، لكن الموقف السوري المتشبث بالدور التركي أفشل الخطة الفرنسية .

الخلاف التركي الفرنسي على عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي معروف، وفرنسا تعرض على تركيا عضوية مميزة أو شراكة تفضيلية، وليس عضوية كاملة . وهو الموقف الألماني نفسه ولبعض الدول الأوروبية، لكن هذا يتناقض مع قرار الاتحاد الأوروبي بدء مفاوضات العضوية الكاملة منذ بداية العام 2005 والمستمرة من حينها . وتركيا تقول إن المفاوضات وفقاً للقرار الأوروبي تستهدف العضوية الكاملة، وإلا لا معنى لأية مفاوضات .

جاءت الأزمة الليبية الحالية لتنفخ في نار الخلاف التركي الفرنسي . منذ البداية وقفت فرنسا ضد ثورتي تونس ومصر اللتين استهدفتا صديقي ساركوزي الحميمين زين العابدين بن علي، وحسني مبارك . فتراجعت أسهم فرنسا لدى الشارع العربي، وبان ساركوزي والديمقراطية الفرنسية نقيض شعارات الثورة الفرنسية في الحرية والمساواة .

وعندما اندلعت الاضطرابات في ليبيا حاول ساركوزي استدراك التراجع في صورة فرنسا لدى العرب، كما في تراجع شعبيته في الداخل الفرنسي عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة، فكانت مسارعته للوقوف إلى جانب المنتفضين على معمر القذافي، وأول من اعترف بالمجلس الانتقالي الليبي، بل تعيين سفير لفرنسا في بنغازي وكأن ليبيا دولتان .

وعندما صدر قرار مجلس الأمن 1973 بفرض منطقة حظر طيران على ليبيا، سارع ساركوزي أيضاً إلى عقد اجتماع باريس الشهير الذي أراده تغطية لضربات عسكرية أولى تقودها فرنسا، من دون تفويض مباشر من الأمم المتحدة، ووسط معارضة روسية وصينية .

لكن اللافت أن تركيا التي كانت في أساس محاولات إيجاد حل للأزمة الليبية، وكان لرئيس حكومتها رجب طيب أردوغان نصيب وافر من الاتصال بالقذافي شخصياً وابنه سيف الإسلام عدة مرات، تركيا هذه لم تكن مدعوة إلى اجتماع باريس، رغم أنها أيضاً عضو في حلف شمال الأطلسي، ولها تواصل بحري قريب جداً من ليبيا، وفي أزمير إحدى قواعد حلف شمال الأطلسي الأساسية .

واجهت أنقرة الخطوة الفرنسية العدائية هذه باعتراضها على التفرد الفرنسي في التدخل، ودعت إلى أن يكون التدخل إما من الأمم المتحدة، أو حلف شمال الأطلسي .

بطبيعة الحال تركيا لا تحبذ أي تدخل عسكري في ليبيا، لا من جانب الأطلسي ولا من الأمم المتحدة، بل هي تدعو لحل سلمي، وكانت مستعدة هي نفسها لمثل هذه الخطة التي وضعتها بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية خلال ثلاثة أشهر . لكن دعوة ساركوزي إلى اجتماع باريس أجهضت هذه الخطة .

تفرد فرنسا بقيادة العمليات العسكرية أحرج حلف شمال الأطلسي، وبدت فرنسا انتهازية حتى تجاه دول الأطلسي، وهنا كان الموقف التركي حاسماً في أن يتم التدخل عبر حلف شمال الأطلسي، وألا تكون هناك أية عملية برية .

وفي هذا الإطار أمكن لتركيا أن ترد الصاع صاعين لفرنسا، وأن تخرجها من قيادة العمليات العسكرية التي لم يكلّفها في الأساس أحد بها، وأن تلتزم بالقيادة الجماعية لحلف شمال الأطلسي . وكم كان أردوغان شامتاً بساركوزي عندما قال “إن انتقال القيادة إلى حلف شمال الطلسي أخرج فرنسا من العملية وهذا أمر إيجابي جداً” .

بدت الهزيمة الفرنسية واضحة أمام تركيا بتصريحات فرنسية، حول ضرورة البحث عن حل سلمي، بعدما أدرك نابليون فرنسا الجديد أن أسوار اسطنبول هذه المرة كانت أكثر ارتفاعاً من أسوار عكا التي هزمت نابليون الأصلي قبل مئتي عام ونيف .

==================

إسرائيل الخائفة من عقلانية أعدائها

محمود حيدر

التاريخ: 28 مارس 2011

الخليج

أكثر ما يخشاه الإسرائيليون وهم يرقبون مسار التحوّلات الثورية في العالم العربي، هو أن يعود الفلسطينيّون إلى العمل وفق منطق الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينات. يومذاك استطاع شعب فلسطين أن يُبدع مقاومة عطَّلت الآلة العسكرية الضخمة لإسرائيل، ووضعت دولة الاحتلال أمام خيارات سياسية وأمنية شديدة الخطورة.

ومع أن القيادة الإسرائيلية انصرفت على مدى عقدين من الزمن، إلى إجراء عمليات احتواء متعدّدة الأنساق والتقنيات حيال الانتفاضة، إلاّ أنّ المخاوف الاستراتيجية من استئناف ثورة الحجارة بالتّزامن مع التحوّلات الحاصلة في الأمن الإقليمي، تبدو الآن في ذروتها. والتّساؤل الذي يشغل مدارات التّفكير في إسرائيل اليوم، يجري في الاتجاه الذي يمكن أن يتوحد فيه فلسطينيو غزة والضفة، إلى فلسطينيي أراضي 48، تحت شعار مركزي هو «شعب فلسطين يريد إنهاء الاحتلال».

أما السؤال الذي يُتداول بزخم خاص في الوسط الفكري الإسرائيلي، فيتركّز على الخيارات الممكنة التي سوف تعتمدها دولة تقوم على خاصيّة الاستيطان والاحتلال، حيال شعب يريد خوض حرب استنزاف طويلة الأمد بالصدور العارية؟

الخشية الإسرائيلية من مآل متوقع كهذا، لا تتأتى من النظر إلى ثورة حجارة جديدة، بوصفها نسخة مكرّرة عن سابقاتها، بل في اندراجها ضمن سلسلة متّصلة من الثورات والانتفاضات، أسقطت أنظمة وحكومات يعتبرها الإسرائيليون شريكاً استراتيجيّاً في أمنهم القومي والإقليمي. وما يضاعف مثل هذه المخاوف، هو الحضور الوازن لميراث الخسارات التي مرّت بها إسرائيل خلال العقدين المُنصرمين.

 لذا سنرى كيف أن التنظير الإسرائيلي ذا الطابع التشاؤمي، راح يتّكئ على جملة من الحقائق السوسيو ثقافية والنفسية، ستكون لها فعالية حاسمة في سياق البحث عن سبب الإخفاق في المواجهات المديدة مع الشعب الفلسطيني. أساس هذا التنظير ينطلق من أطروحة مفادها «إن الضعفاء هم غالباً ما يكونون الأكثر عقلانية..».

وبيان ذلك، حسب عدد من المفكرين الإسرائيليّين، أن الضّعفاء وهم يواجهون القوّة العاتية، يقيسون موازين القوى بمعايير أكثر دقة مما يقيس به المنتصرون.. يقول الجنرال الإسرائيلي المتقاعد «فان كريفيلد» في هذا الصّدد: «عندما كنا ضعفاء في الماضي، كنا عقلاء وجسورين فحقَّقنا الانتصار. لكن تحولات جذرية طرأت على الصراع لتصبح المعادلة مقلوبة تماماً. فلقد بدأت المشكلة في لبنان عندما باشرنا بقتال من هم أضعف منا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نمضي من فشل إلى آخر».

الخط الانحداري الذي بلغ مع حرب يوليو 2006 مستويات أكثر عمقاً مما كان يتوقعه كثير من علماء المستقبليات في إسرائيل، أخذ يكمل مساره المدوِّي في تجربة الحرب على غزة عام 2009. لذا لن يكون من الغلو حين ينبري جمعٌ من الباحثين الإسرائيليين، إلى حدّ القول «إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فسوف نصل إلى مرحلة تنهار فيها دولة إسرائيل».

لدينا أيضاً مشهد آخر من الكلام الساري في فضاء التشاؤم. فلقد مضى الكاتب السياسي الإسرائيلي أهارون لبرون، قبل سنوات، ليطرح في كثير من المرارة التساؤل الحاد، عمّا إذا كانت إسرائيل هي حقاً قوية بالصّورة التي تجعلها صاحبة النّهي والأمر في محيطها؟ وهو إذ يجيب بأنَّ إسرائيل هي حقاً قوية. مثل هذا الشعور يجري التعامل معه الآن، كإحدى أكثر الزوايا الحادة التي يجد فيها الإسرائيليون أنّهم أسرى جدرانها المغلقة.

في الماضي القريب لم تكن ثمة مشكلة تطرح نفسها على هذا النحو. كانت القوة قابلة للاستخدام في أية لحظة ضد عرب الأراضي المحتلة عام 1967، وضد فلسطينيي 1948، ناهيك عن الحروب والمعارك الخاطفة التي اعتاد أن يشنّها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. وليس من شك في أنَّ الوعي الإسرائيلي سيمتلئ على مدى أكثر من نصف قرن، بحقيقة أنَّ لدى إسرائيل من القوة ما يمكنها من إحراز الانتصار بيسر نادر.

وأنَّ مبدأ القوة واستعماله حين الضرورة سواء كتدبير احترازي أو كقوة ردع في أي حرب محتملة هو المبدأ الذي يستحيل على الدولة العبرية أن تتجاهله، لو هي قررت البقاء في منطقة مملوءة بالأعداء. غير أنَّ هذه الحقيقة سوف تأخذ مساراً معاكساً على امتداد العقدين المنصرمين.

فهنالك قطاعات وازنة في المجتمع الإسرائيلي، تلاحظ حقيقة رسّختها تجارب الحروب الماضية، وهي اللاَّجدوى من استخدام قوى الحرب الكلاسيكية. ولقد أعطت الانتفاضة الفلسطينية نماذج أكيدة على الشلل الذي يصيب الآلة العسكرية الإسرائيلية، جراء استخدام سلاح شعبي لم تعتد إسرائيل على مواجهته منذ قيامها.

ومن الإسرائيليّين من يرى أن الإثبات البسيط لعدم كون إسرائيل قادرة على صناعة الزمن السياسي في المنطقة، هو الحقيقة التي لم تعد تخفى على أحد: فشل منطق القوة في إنهاء الانتفاضة. فلو كانت إسرائيل لا تزال تملك حقيقة القوة، لاستطاعت كسب معركة استنزاف مروِّعة فرضت عليها فرضاً منذ الثمانينات.

أكثر من ذلك، فإنَّ من هؤلاء مَنْ وجد أن من نتائج الانتفاضة أن استطاع الفلسطينيون، ولأول مرة، فرض إرادتهم على إسرائيل، وتالياً إجبارها وإن بطريقة غير مكشوفة على الانسحاب القسري من غزة، والتفكير في الأمر نفسه في الضفة الغربية.

ويعترف كثيرون منهم اليوم بأنَّ المعادين لإسرائيل اكتسبوا معارف سياسية وأمنية فائقة الخطورة، وتتمثَّل في ظهور نقاط ضعفها على نحو بيّن. فما لا يُشك فيه، أن السجال الإسرائيلي الحالي حول قوة وضعف إسرائيل، بات يتوسع باستمرار. ومع هذا التوسُّع تراكمت نزعات التشكيك ضمن مسار دراماتيكي، راحت معه الدولة اليهودية تفتقد عوامل القوة التقليدية.

على أنّ التحول الجيواستراتيجي منذ احتلال العراق، إلى إخفاقها المدِّوي في لبنان وغزة، سوف يشكل مانعاً جدياً من التفكير في شن حرب تعيد التوازن والتماسك لمجتمعها السياسي والعسكري والمدني. والواضح أن أحد أبرز الأسباب المستدعية للخوف لدى الإسرائيليين، هو التّصدُّع الذي أصاب كتلتهم التاريخية.. في الماضي مثلاً، كان التشكيك في عمل وأداء القيادتين السياسية والعسكرية، يُعتبر عاملاً مهماً في إعادة ترميم التصدعات ومناطق الخلل.

أما الآن، ومع ثورات الشارع العربي، فقد تعرض ما يسمّى ب«الغريزة القومية الجماعية»، إلى ضرب من الاهتزاز نتيجة المراجعات الذاتية، متزامنة مع نشوء مناخات عارمة توحي بنهاية تاريخ كامل من اقتدار الظاهرة الإسرائيلية.

=====================

الجامع المشترك بين الانتفاضات العربية

المستقبل - الاثنين 28 آذار 2011

العدد 3952 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

منذ أن تفجرت أحداث الانتفاضات الشبابية في دول العالم العربي مشرقا ومغرباً، ارتفعت علامة استفهام كبيرة حول العلاقة بين هذه الانتفاضات. هل هناك عقل مدبر؟ هل هناك يد خفية؟

كان هناك اعتقاد تبسيطي يقول بأن المجتمع العربي يعتمد غالباً على نظرية المؤامرة. وهي نظرية تشكل ملجأ آمناً للعاجزين. وكان هناك تصور آخر بأن العقل العربي يعاني من ظاهرة عدم التفكير لذاته وفق نظرية المفكر شيسلو ميلوش عن العقل The Captive Mind .

غير أن ما حدث، وما يحدث قلَبَ كل هذه المفاهيم والتصورات رأساً على عقب. وبدأت عملية جديدة لدراسة ظاهرة الانتفاضات الشبابية العربية من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي.

فبعد مرور قرن تقريباً (90 عاماً) على سقوط الامبراطورية العثمانية التي هيمنت على معظم أرجاء العالم العربي، وبعد مرور نصف قرن على سقوط الاستعمار الغربي للعالم العربي، وبعد مرور أكثر من عقد على انتهاء الحرب الباردة التي كان العالم العربي أحد مسارحها الرئيسة، وبعد سلسلة من الحروب مع إسرائيل التي لم تحرر القدس ولم تعِد للفلسطينيين حقوقهم في دولتهم، كان لا بد من ولادة عالم عربي جديد.

بدأ الجنين يتكون في الأحشاء العربية تدريجياً وعلى مراحل:

لقد انكفأ الاستعمار الغربي المباشر، وتحول الى هيمنة من خلال الأحلاف العسكرية، وكان أهمها حلف المعاهدة المركزية في عام 1955 الذي ضم كلاً من تركيا وإيران والباكستان والعراق. ولكن أين تقف عناصر هذا الحلف اليوم؟. صحيح أن تركيا لا تزال عضواً في حلف شمال الأطلسي ولكنها أقرب اليوم الى الشرق الأوسط من أي وقت مضى منذ سقوط الامبراطورية العثمانية. ويعكس ذلك، التحول الذي طرأ على علاقاتها مع إسرائيل. كما يعكسه الدور - أو الأدوار - التي تقوم بها، سواء بين إيران والمجتمع الدولي على خلفية الملف النووي الإيراني، أو بين الدول العربية ذاتها (بين سوريا والعراق وبين سوريا ولبنان). حتى أن الحدود التركية مع سوريا التي كانت مزروعة بالألغام، أصبحت حدوداً مفتوحة يمكن اجتيازها حتى من دون تأشيرة.

أما إيران فتحولت من خط أمامي للدفاع عن المصالح الأميركية والغربية في الخليج، الى خط أمامي للهجوم عليها. كما تحولت من متعاون مع إسرائيل الى معادٍ لها. ولقد شن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر العملية العسكرية المعروفة باسم "مخالب النسر" لتحرير رهائن السفارة الأميركية في طهران في عام 1980، وفشل فيها.. ورغم ذلك، كان الانتقام الإيراني في لبنان في عام 1983 عندما جرى تدمير مواقع قوات المارينز الأميركية على يد عناصر إيرانية ولبنانية.

كذلك تحولت باكستان من رصيد عسكري سياسي للغرب عامة وللولايات المتحدة خاصة، الى عبء عسكري وسياسي واقتصادي أيضاً. ولعل أكثر ما يقض مضاجع أي رئيس أميركي هو الترسانة النووية الباكستانية التي خرجت من تحت الهيمنة الأميركية لتشكل خطراً مستقبلياً محتملاً على مصالح الولايات المتحدة وعلى أمن حلفائها وشركائها في آسيا.

أما العراق، العضو العربي الوحيد في الحلف فقد سقط مرتين. المرة الأولى بالانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة نوري السعيد، والمرة الثانية بالاجتياح العسكري الأميركي الذي أطاح بحكم صدام حسين. فالأول كان شريكاً في حلف المعاهدة المركزية، وعاملاً على تعريبها، والثاني كان رأس الحربة في حرب الثماني سنوات على إيران التي ذهب ضحيتها أكثر من مليون قتيل. ولا شك في ان الاجتياح الأميركي للعراق الذي مرت عليه ثماني سنوات وما تسبب به من مجازر بشرية واقتصادية وعمرانية وسياسية يعكس عمق التحولات التي طرأت.. وتالياً عمق الآثار النفسية في المجتمعات العربية عامة، وفي المجتمع العراقي بصورة أخص.

ما كان لهذه التحولات أن تمر من دون أن تترك بصماتها العميقة في ثقافة الجيل الجديد من الشباب العربي الذي دفع ثمن ذلك غالياً على حساب حقه في التنمية والتطور.

أما المرحلة الثانية من تكوّن جنين الانتفاضات العربية، فكانت مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي الأميركي والشيوعي السوفياتي. فقد كانت حرب 1973 بين العرب وإسرائيل قمة من قمم هذا الصراع عندما دارت الحرب بين السلاحين السوفياتي (مع العرب)، والغربي (مع إسرائيل). وتجدد ذلك في عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت عاصمته بيروت؛ وفي ذلك الوقت حشد الأسطول الأميركي السادس قواته أمام الشواطئ اللبنانية فيما تجمعت طائرات الميغ الروسية في المطارات السورية استعداداً للمواجهة.

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التحولات الاقتصادية. والتي كانت ذروتها الأزمة العالمية التي تفجرت في الولايات المتحدة، وانطلقت منها لتوجه الى المجتمعات العربية المستنزفة أصلاً طعنات قاتلة، تمثلت في تضخم نسبة البطالة، وفي ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونفقات المعيشة وفي ضياع المليارات من أصول الاستثمارات والودائع العربية.

صحيح أن جزءاً مهماً من الاقتصاد العربي تحول الى آسيا وتحديداًَ الى الصين والهند وماليزيا واليابان، إلا ان الصحيح أيضاً هو أن الجزء الأكبر من الاستثمارات العربية لا يزال أسير الأسواق الأميركية والأوروبية، حيث مني بخسائر فادحة نتيجة للأزمة.

ولقد أدى ذلك الى قيام نوع من العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وبعض الأنظمة العربية من جهة ثانية، بحيث بدا الدفاع عن هذه الأنظمة بمثابة دفاع عن المصالح الغربية، وذلك بصرف النظر عن طريقة تعامل هذه الأنظمة مع شعوبها، وبصرف النظر كذلك عن انتهاكاتها للمواثيق الدولية. لقد كان الغرب - ولم يزل - يخاف من التطرف الإسلامي. وكان ولا ندري إذا كان لا يزال- يعتقد أنه لا يمكن مواجهة هذا التطرف إلا بأنظمة متطرفة ومتشددة في استخدام القمع والعنف. وبموجب هذه المعادلة جرى تجاوز الارتكابات ضد حقوق الإنسان في الحرية والتنمية، الأمر الذي تفجر غضباً شعبياً في تونس ومصر.. ليشمل العديد من الدول العربية الأخرى من المغرب حتى اليمن، مروراً بالجزائر والأردن والبحرين. ولقد حاولت الأنظمة في هذه الدول تدارك ما يمكن تداركه بإدخال إصلاحات سياسية وتقديم مساعدات اجتماعية سريعة. أما ليبيا فكانت استثناء، إذ إنها، بدلاً من ذلك اعتمدت أسلوب العنف الدموي، ما أدى الى سقوط عدد كبير من الضحايا، فكانت إدانته التاريخية في مجلس الأمن الدولي بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه.

لقد تجمعت ثلاث صفات في حركات الانتفاضات الثورية العربية الجديدة. وهذه الصفات هي: الشباب والبطالة والغضب.

فالشباب يشكلون أكثر من ستين في المئة من الشعوب العربية. والبطالة بينهم تزيد على 25 في المئة.. أما الغضب فقد بلغ درجة الغليان. ولذلك كان ما كان..

====================

ربيع دمشق يمر في بيروت

نايلة تويني

النهار

28-3-2011

لا شماتة حتماً بما يجري حالياً في عدد من المدن السورية، بل قراءة واقعية في مصير الأنظمة العربية الآيلة الى السقوط الواحد تلو الآخر، أو الماضية غصباً عنها الى سيل من الاصلاحات التي تطيل عمرها، وتحجب عنها، ولو لمدة قصيرة أو متوسطة، المصير الأسود عينه.

اليوم يمضي النظام السوري الى عملية "اصلاحية"، وقد تردد أنه اطلق نحو 270 سجيناً ومعتقلاً سياسياً من الذين عارضوا اجراءاته وطالبوا باصلاحات تحقيقاً لربيع موعود أطلق عليه حيناً اسم "ربيع دمشق". ولعل سمير قصير كتب تحت هذا العنوان ودفع الثمن، ووجّه جبران تويني كتاباً مفتوحاً الى الرئيس السوري بشار الأسد فتحول شهيداً من دون أن يطمئن الى مصير المعتقلين اللبنانيين في سوريا، وهو الملف الذي حمله وناضل من أجله عندما انكفأت الدولة، خوفاً وجبناً وتواطؤاً، عن ملاحقته.

لا نريد التدخل في الشأن السوري الداخلي لأننا لم نسعد يوماً بالتدخل السوري في الشأن اللبناني، وهو التدخل المتمادي الذي هدّد استقلالنا وحريتنا وسيادتنا، وما زالت بعض تجسداته ظاهرة بالواسطة. لا نشجع الثوار لأن لا شأن لنا بهم، ولا ندعم أركان النظام بالتأكيد، لكننا نراقب باهتمام حركة الشارع السوري الذي لحق بركب الشعوب العربية الثائرة على الظلم، والمنادية بحرية التعبير والانتماء السياسي والديني والاجتماعي . نراقب باهتمام مضي الشعب السوري في تقرير مصيره، أنجحت حركته الحالية وتوسعت أم قضي عليها في مهدها، لا فرق، لأن النظام في دمشق شعر بخطورة المرحلة، وبدأ سلسلة إصلاحات واجراءات ويتجه الى المزيد منها.

هذا الخير الذي سيطال السوريين سيبقى منقوصاً، لأن الأخطاء التي ارتكبت طالت اللبنانيين أيضاً، وتطاولت عليهم في مراحل مختلفة. وكل اصلاح يجب ان يطالهم أيضاً، ويبدأ من اطلاق جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، أكانوا سياسيين أم مرتكبي جرائم، لأن في لبنان قضاء ويجب أن يمثل هؤلاء أمامه.

وكل إصلاح سوري يجب ان يشمل لبنان بترسيم الحدود بين البلدين وضبطها ومنع التهريب، وخصوصاً تهريب السلاح، لأن احترام الحدود هو احترام السيادة، وهو ما يجب أن يقوم بين الدول.

ثم يجب تفعيل الاتفاقات المفيدة للبلدين، والغاء تلك التي قامت من دون توازن في زمن الوصاية.

والأهم الأهم من كل هذه الاجراءات هو التعاون والتنسيق بين بلدين شقيقين، والتعامل من دولة الى دولة، لا فرض الوصاية على لبنان، والتدخل القسري في كل شؤونه الداخلية، بل حتى في سياسته الخارجية.

إن عملية الاصلاح السورية لا يمكن ان تكتمل من دون لبنان، و"ربيع دمشق" يزهر في بيروت أولاً، بعدما أزهر ربيع "ست الدنيا" في 2005، وحاول المتضررون إطفاءه قبل أن تصيبهم عدوى الربيع... ولو تأخرت خمس سنوات.

===================

مصر تئد دكتاتورية الشارع بديمقراطية الصندوق

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

28-3-2011

تمكن المناصرون لتعديل الدستور من إعادة ترسيم الساحة المصرية، بحيث بدا أن سقف ميدان التحرير لا يتعدى ثلاثة وعشرين بالمائة من الشارع المصري، بينما بقيت المشكلات تحاصر رئيس الوزراء عصام شرف، وتدفعه إلى الزاوية، وخاصة فيما يتعلق بالاعتصامات الفئوية، فميدان التحرير كان مظلة لحركة واسعة، وبدون وجود قوى سياسية ناضجة تفتت سطوته على مجموعة لا منتهية من المطالب الصغيرة.

مع إقالة الجنرال أحمد شفيق كان يمكن لأي متابع أن يلاحظ من خلال التعليقات على الخبر في مختلف المواقع الإلكترونية حجم الاستياء الشعبي لإقالة شفيق الذي فضل أن يكون صريحا في ضرورة الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة، وأكثر صراحة بخصوص إمكانيات مصر على الصمود في حالة عدم الاستقرار بينما الاحتياطات المالية والغذائية تنفد دون وجود استراتيجية لإدارة البلاد.

وكان سقوط ديكتاتورية الميدان في الاستفتاء الدستوري مؤشرا لبدء عملية الضمور للحركة الشبابية التي وصفت التعديلات بالترقيع، بينما رآها معظم المصريين كافية لإطلاق بداية يمكن البناء عليها، فليس معقولا أن يظل الشعب في الشارع، لأن أحد لن يهتم بعد ذلك بتوفير خطوط الإمداد بالغذاء والدواء لمجموعة تريد تحقيق جميع المطالب دفعة واحدة.

إن سقوط الديكتاتورية في مصر أتى ليضع مكانها ديكتاتورية جديدة، استمتعت لفترة بنشر القوائم السوداء والتفتيش في الذمم والضمائر، وكادت أن تطلق عصرا للرعب كالذي أعقب الثورة الفرنسية، خاصة مع حلها الإنفرادي الذي تعجل تفكيك جهاز أمن الدولة ليسقطه على طريقته الخاصة، وتصبح مجموعة كبيرة من أسرار الدولة المصرية معروضة للبيع بالكيلو في الشارع.

المصريون بوعيهم التاريخي فضلوا أن يفلتوا هذه المرة من أسر الديكتاتورية الجديدة، وأن يضعوا الأمور في سياقها في أول فرصة لممارسة الديمقراطية الحقيقية، وأتت تحركات الإخوان المسلمين في مصر لتكون واعية بطبيعة الساحة وضرورة الخروج بنتيجة ايجابية من الاستفتاء بدلا من تمديد المرحلة الانتقالية، وبالتالي استمرار حالة عدم التيقن التي تؤثر على السير الطبيعي لمختلف جوانب الحياة.

الثمرة الأولى بعد الاستفتاء كانت عودة البورصة المصرية لممارسة أعمالها من جديد، وبعد بداية مرعبة تمكنت آليات السوق من استمداد الثقة من ال(نعم) الحرة التي قالها الاستفتاء، في المقابل كانت (لا) تعني مزيدا من الوقت الضائع والاستنزاف من الإمكانيات المحدودة التي يجب أن توجه لعملية إعادة البناء.

هذه المرة أوقفت مصر المطالب وأوصلت رسالة إلى المجلس العسكري بأن ينفض عن نفسه عقدة ميدان التحرير، فالنفس ويبدو أنها الثورة أيضا، كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.

===================

مكافحة الفساد قبل دم حوران أم بعده؟

غسان المفلح

2011-03-27

القدس العربي

 بعد أن تحولت مدينة درعا، لؤلؤة سورية الجنوبية وسهل وجبل حوران، إلى حماة ثانية ووصل عدد القتلى إلى مئات في الشوارع التي امتلأت بدماء شباب حوران، وانتقلت الجبهة من حدود الجولان إلى محاصرة الجيش الأشم لقرى ومدن حوران، أصلا هذه مهمة جيوشنا عموما في المنطقة ما عدا إسرائيل، الوحيدة جيشها لحماية حدود دولتها المفترضة والقائمة على الأرض، كنا نتوقع من جيشنا الباسل أن يرفض الأوامر بقتل أبناء بلده، لكن من قال اننا أبناء بلد واحد، هنالك في سورية بلدان، الأول للسلطة الفاسدة والثاني للشعب المغلوب على أمره، والذي حاول شباب درعا أن يردوا فيه الروح، من خلال نزولهم إلى الشارع ومطالبتهم بإصلاح النظام ومكافحة الفساد، لكن النظام يدرك أنه بالفساد باق، وبالفساد على كل المستويات سيبقى. في حوار سابق أجرته وسيلة إعلامية مع الباحث الأمريكي جوشوا لانديس المقرب من السلطة السورية بعد ثورتي تونس ومصر، سألوه عن سورية، باعتبار ان ميله معروف للنظام في دمشق، وعن توقعاته بعد الثورتين، فأجاب الرجل كأكاديمي وبحيادية مفرطة 'في سورية لا يمكن أن يحدث ما حدث في مصر وتونس، لأن الجيش السوري اصبح جيشا طائفيا أي انه متماسك طائفيا' على حد تعبيره. نحن لا نجرؤ كسوريين على هذا القول، لأننا سنتهم بأننا طائفيون، فهل نحن كذلك؟

وهل حقا جيشنا الباسل هو كما قال عنه جوشوا لانديس؟ بالمناسبة جوشوا لانديس من أشد المدافعين عن النظام في المحافل الأمريكية، لأنه يخاف في حال سقوط هذا النظام أن يأتي الإسلاميون إلى السلطة، وعداؤه واضح لهم.

لكن يبدو أن الأمور وصلت إلى هذا الحد في تركيبة الجيش السوري.. والموضوع ليس هنا الآن، ما حصل قد حصل وأصبح الجيش جيش السلطة ومدافعا عن بلد السلطة وليس عن سورية، عزيزي القارئ من يرى رجال الأمن في أشرطة بثتها كل وسائل الإعلام العالمية والعربية، كيف يطلقون النار ويعتقلون شباب درعا، يعتقد اننا أعداء منذ قدم التاريخ، إنهم فرحون وأصواتهم مسموعة، إلى درجة تدعو للتساؤل هل نحن فعلا أبناء بلد واحد، هل يجمعنا انتماء لبلد واحد؟ المفارقة أن الجيوش في البلدان التي حدثت فيها الثورات انشقت أو وقفت مع الشعب، إلا جيشنا الباسل، كل ما تسرب أن عسكريا من درعا من آل المصري رفض الأوامر، وكيف يطلق النار على أبناء مدينته العزل، وقيل انه أعدم، ونتمنى ألا تكون هذه الرواية صحيحة، الشعب السوري بكل طوائفه واديانه واثنياته، أظهر تعاطفا مع سكان درعا، لكن أغلب فعاليات هذا الشعب كانت مع النظام وليذبح أهالي درعا، وليس الفعاليات الدينية والطائفية، بل حتى الأحزاب السياسية ومنها التي تدعي المعارضة!

مرة أخرى أجد نفسي أذكر بالكاتب الصديق والرفيق السابق، حزبا وسجنا، لؤي حسين الذي عبر فقط تعبيرا صريحا أن ما يحدث في حوران هو مجزرة، وحذر وسائل الإعلام من أن تتحدث بغير ذلك فاقتيد إلى السجن، في هذه الفترة تم اعتقال المئات لا بل أكثر من ذلك، لأنه كما هو معروف لدينا في سورية عندما تصلك أرقام مئات عبر وسائل الإعلام هذا يعني أن ألوفا قد اعتقلت..

النظام السوري هذه المرة رغم مسرحيته الباهتة التي عرضها تلفزيونه، من أنه وجد أسلحة وأموالا في الجامع العمري في درعا، إلا أنه لعب الأمر دمويا على المكشوف، وقيل انه طمأن إسرائيل بان تحركات الجيش ليست موجهة ضدها، والقول هنا يمكن أن نورده على سبيل الطرفة السوداء، لأنني أعتقد انه غير صحيح... لكن ما حدث في درعا يجعل الكوميديا السوداء آخر أسلحة المقاومة لكل هذا العسف.

لم يعد الأمر يحتاج منا بعد درعا الى أن نحلل طبيعة النظام، وهل هو دولة سلطانية محدثة أم سلطة غاشمة؟

الأمر أبسط من ذلك بكثير 'إننا أمام لوثيان فردي عائلي وطائفي وما فوق طائفي منضد ولائيا بطريقة استخباراتية متمرسة حقا، خلقه الفساد على مدار أربعة عقود. لوثيان لديه كامل الاستعداد لأي دم مقابل نهمه نحو السلطة.

مع كل هذا خرجت علينا السيدة بثينة شعبان وزيرة إعلام القصر الجمهوري، لتقول ان قيادة البعث، واستجابة لمطالب المواطنين، قررت تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، وتشكيل لجنة لوضع مسودة قانون أحزاب... أليست هذه كوميديا أكثر من سوداء؟ الآن بعد كل هذا الدم؟ رغم ذلك إن هذه المسرحية التي قدمتها بثينة شعبان في تصريحها هذا، تدل على 'أن النظام اقترف في درعا مجزرة تحتاج سورية إلى عقود أخرى لكي تنساها، وليس كما فهمها بعضنا ان النظام تنازل لمطالب الناس والشباب'.

من يرى دماء الشباب في الشوارع، ومن يرى كيف اقتحموا الجامع الأموي وما فعلوه مع المحتجين السلميين في داخله، يعرف جيدا ماذا اقترف النظام في درعا، ولهذا هو أقدم على هذه التمثيلية، كعادته. كيف يمكن لنظام فرداني أن يكافح نفسه؟

هذا السؤال يطرح فقط في سورية والسبب بسيط أيضا: أن النظام السوري الحالي بوصفه وريثا، فهو حاز ارثه هذا من الفساد، الفساد هو من ورث هذا النظام السلطة.. فكيف له أن يكافح نفسه؟

أيضا مع ذلك لنضحك على عقولنا قليلا ونقول التالي: كيف يمكن أن تدلل السلطة على نيتها بالقرائن والأدلة؟ أطرف ما في الحكاية هو أن قيادة البعث هي من قررت هذه القرارات؟

أي بعث هذا؟ ومن لا يعرف درعا أقول له شبه جازم، أن أكثرية من خرجوا من الشباب في التظاهرات السلمية وبمطالبهم غير التعجيزية، لمن لا يحمل سوء طوية وطنية، هم من منتسبي حزب البعث الحاكم.

أعتقد المطلوب الآن هو أن تأتي لجنة محايدة، لترى ماذا فعل النظام في درعا؟ وحتى لو كان فيها مندوبون عن إيران وحزب الله وقطر وساركوزي. وفيما بعد ليكافح النظام الفساد ولينظم قانونا للأحزاب.

==================

طريق الساحل السوري

صبحي حديدي

2011-03-27

القدس العربي

 انضمت اللاذقية إلى حوران في تعميد الإنتفاضة السورية بدم الشهداء، ولاح على الفور أنّ الفاجعة هنا تتجاوز خسران الدم الزكيّ الغالي، إلى اتضاح ما يُحاك لهذه المحافظة من شدائد، إذ قرّرت السلطة الإنتقال إلى خطّ دفاع جديد يلوّح، بعد الإنهيار السريع لسيناريو 'المندسّين'، ب'مخطط فتنة طائفية'، بدأت أبواق النظام تُنذر به فور شيوع الأنباء عن سقوط شهداء في المدينة. المجتمع السوري، اللاذقيّ، في شرائحه المتديّنة خاصة، قدّم ردّاً سريعاً، قاطعاً وبليغاً: مسجد بساتين الريحان، الذي يستقبل المصلّين السنّة غالباً، أمّ الصلاة فيه إمام من الطائفة العلوية؛ ومسجد الحسن العسكري، وأغلبية مصلّيه من أبناء الطائفة العلوية، استقبل إمام المسجد السنّي ليؤمّ الصلاة.

وفي وقائع التاريخ المعاصر، وعلى امتداد العقود الأربعة من نظام 'الحركة التصحيحية'، بين الأسد الأب والأسد الوريث، ثمة حقيقة ذات مغزى وطني كبير، ظلّت تترسخ سنة بعد أخرى، وتتأكد أكثر فأكثر كلما نفّذت السلطة حملة اعتقالات جديدة: أنّ المعارضين من بنات وأبناء الطائفة العلوية لم يكونوا في صدارة معتقلي، وشهداء، مختلف التيارات اليسارية والقومية التي طوّرت الحراك الديمقراطي السوري، فحسب؛ بل كانت السلطة توفّر لهم عقاباً إضافياً، أو مضاعفاً أحياناً، جرّاء خيار سياسي تعتبره 'خيانة'... عظمى، أحياناً! وأمّا تاريخ سورية الحديث، خلال سنوات الإنتداب الفرنسي تحديداً، فقد سجّل صفحات وطنية لجبال الساحل السوري، تحت قيادة المناضل الوطني الكبير الشيخ صالح العلي؛ وأسقط، في المهد، مؤامرة سلطات الإنتداب في إنشاء دولة للعلويين، سنة 1920، إسوة بدول دمشق وحلب والدروز، قبيل التمهيد لسلخ لواء الإسكندرون، وتلك إجراءات استهدفت تفتيت الوحدة الوطنية السورية مرّة وإلى الأبد، كما توهّم الفرنسيون.

وهكذا، في تحية جبال الساحل السوري ومدنه وبلداته وضِيَعه، الفاتنة المنفتحة الكريمة، أجدني أفتقد صديقاً عزيزاً، وأخاً كبيراً، وأستاذاً لامعاً من أبناء محافظة اللاذقية، هو الروائي الكبير هاني الراهب (1939 2000)، كان إسوة بالعشرات من أبناء المحافظة الكبار، الغائبين في طليعة مستحقّي الوقوف على مشهد الساحل إذْ ينتفض أبناؤه اليوم، على اختلاف انتماءاتهم، في سبيل الحرّية والحقّ والكرامة والديمقراطية. أستعيده، وأعود بذكراه إلى العام 1985، حين شارك في مؤتمر إتحاد الكتّاب، فاعتبر المكتب التنفيذي 'مجرّد عناصر شرطة عند الحكومة'؛ وأطلق على علي عقلة عرسان، رئيس الإتحاد آنذاك، صفة 'الرقيب علي، رئيس مخفر إتحاد الكتّاب'، وفقاً للرواية التي يعرفها معظم المثقفين السوريين، وأعاد تفصيلها 'المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية'، ضمن تقرير موسع حول بنية السلطة.

وبالطبع، بعد أيّام معدودات اعتُقل الراهب في مطار دمشق وهو في طريقه إلى اليمن، حيث كان يعمل مدرّساً بالإعارة، وسُحب جواز سفره، وظلّ طيلة سنتين ممنوعاً من السفر. المحرّض على هذه الإجراءات الزجرية كان أحمد درغام، عميد كلية الآداب آنذاك، إلى جانب موقعه القيادي في حزب البعث، والذي استحقّ لقب 'جدانوف البعث' بسبب هوسه بممارسة الرقابة الثقافية والفكرية. الأسد الوريث، للمقارنة، استكثر هذه الصلاحية الجدانوفية على أكاديميين أو أعضاء قياديين في الحزب، فنقلها إلى اللواء علي مملوك، مدير إدارة المخابرات العامة، الذي منع سفر العشرات من المثقفين والناشطين، وصار إلغاء المنع يتطلّب إرسال 'واسطة ثقيلة' إلى سيادته، من عيار... دريد لحام!

وليس مفاجئاً أنّ تكون الهزيمة الشاملة هي الموضوعة المركزية الطاغية على نتاج الراهب، خصوصاً في روايته الأولى 'المهزومون'، التي نالت جائزة مجلة 'الآداب' مطلع الستينيات، وكان مؤلفها في الثانية والعشرين من العمر. كذلك تلمّس الراهب، مبكّراً، معنى ارتباط الإحتجاج بالحرّية، ومدى الحاجة إلى الديمقراطية على صعيد المجتمع العريض بأسره أوّلاً؛ ثم على صعيد المبدع بعدئذ، واستطراداً. وليس من المبالغة التذكير بأنّ الحديث عن الديمقراطية بدون صفات لاحقة (مثل 'الديمقراطية الشعبية'، على سبيل المثال) كان، في مطلع الستينيات، أقرب إلى السُبّة؛ لأنّ التبشير العقائدي صنّف المفردة في المعجم الإمبريالي وحده، وبالتالي كان القائل بها يُزجّ في عداد الطابور الخامس.

وهكذا، بعد أن وضعه أمثال درغام وعرسان في صفّ 'عملاء كامب دافيد'، مُنع الراهب من الكتابة في الصحف السورية (مراراً، بقرارات رسمية كانت تصدر عن وزراء الإعلام المتعاقبين)؛ ثم فُصل من جامعة دمشق، وخُيّر بين التقاعد المبكّر، أو تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الثانوية (وهو الحائز على الدكتوراة في الأدب الإنكليزي، عن أطروحة متميّزة تناولت الشخصية الصهيونية في الرواية الإنكليزية). ولقد اضطرّ الراحل إلى الإستقالة، ومغادرة سورية للتدريس في جامعة الكويت، ثمّ صنعاء.

استذكار هاني الراهب اليوم هو مسير على طريق الشطر الساحلي من انتفاضة سورية، حيث يلحّ محمود درويش على البال: 'أنا ابن الساحل السوري/ أسكنه رحيلاً أو مقاما/ بين أهل البحر/ لكنّ السراب يشدّني شرقاً/ إلى البدو القدامى/ أورد الخيل الجميلة ماءها/ وأجس نبض الأبجدية في الصدى/ وأعود نافذة على جهتين/ أنسى مَنْ أكون لكي أكون/ جماعة في واحدٍ...'. والاستذكار، كذلك، مسير على واحد من دروب سورية المستقبل، حيث الجهات لا تنغلق على صفة أحادية أو متفردة، ولا تتعدد الصفات إلا لكي تغتني، ولكي تتحد.

=====================

سورية الإصلاح.. أم القوة؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

28-3-2011

يتردد أن هناك توجهين في دمشق يصارع كلاهما الآخر، حول كيفية التعامل مع الأحداث السورية الراهنة، بعد خروج موجة المظاهرات في عدة مدن؛ فطرف يرى أن ساعة الإصلاح قد حانت ولا مفر منها، بينما يرى الطرف الآخر أن استخدام مزيد من القوة لقمع المظاهرات هو الأجدى، فأيهما سينجح في الحالة السورية؟

المؤكد أن القمع قد يشتري للنظام، أي نظام، مزيدا من الوقت، لكنه لن يؤدي به للنجاة. وأبسط مثال، بل قل أمثلة، عراق صدام حسين، ومعمر القذافي، حيث استنفدا الحيل، وكل الأساليب القمعية، لكن لحظة التغيير قد حانت، وبقسوة توازي قسوتهما. فهل يمكن لدمشق أن تستمر في محاكمة كاتب صحافي، مثلا، بتهمة «وهن نفسية الأمة»، كما فعلت قبل فترة قصيرة، أو أن تقوم بسجن طفلة عمرها 15 عاما، كما حدث قبل أسابيع بتهمة تهديد الأمن القومي؟ أمر لا يستقيم في ظل متغيرات حقيقية حدثت في المنطقة، وأيا كانت نتائجها، سواء سلبا أو إيجابا، فالتغيير قد وقع في منطقتنا فعليا.

ففي حال أصبحت مصر ديمقراطية حقيقية، أو لا، وإن كان النجاح المصري الأولي سيتحقق في حال نجحت التجربة المصرية في ضمان تحديد فترة ولاية الرئيس فعليا، والأمر نفسه في ليبيا، وتونس، ودول أخرى، فهل يستطيع النظام السوري بعد كل ذلك البقاء وحيدا في مرحلة اللاتحرك، أو الجمود؟ بالطبع لا.. فما حدث في سورية يقول الكثير، حيث أسقط السوريون شعارات طال ترديدها.. أسقط السوريون شعار أن البلد مشغولة بالمقاومة، وعلقوا الجرس حول خطورة التلاعب بملفات الأقلية والأكثرية والطائفية، وذكر السوريون العالم بأنهم مثل المصريين ملوا من قانون الطوارئ الأقدم في المنطقة، وأشياء أخرى.

ولذا، فإن سير الأحداث اليوم بمنطقتنا، وسورية ليست بمعزل عنها، يقول إنه ليس أمام دمشق إلا المزيد من الإصلاحات، وفي التوقيت المناسب، لكي لا تأتي بعد فوات الأوان، ويرتفع سقف مطالب المعارضة لما هو أصعب وأقسى، فقد آن الأوان لتلتفت دمشق لشأنها الداخلي أكثر وتعمل جديا على توفير حلول حاسمة لقضايا الأحزاب، وتداول السلطة؛ فالجمهورية تظل جمهورية، ولا حل سحريا لهذا المأزق.

وبكل تأكيد، فإن ما أعلن عنه من قرارات في سورية ستتخذ، أو اتخذت، من إلغاء قانون الطوارئ، وقانون جديد للإعلام، وإقالة للحكومة، وخلافه، كلها تعد قرارات مهمة، وحيوية، بالمقاييس السورية. لكن السؤال هو: هل هذا يكفي؟ أم لا بد من مواصلة الإصلاح، واتخاذ خطوات جذرية؟ أعتقد أن سير الأحداث يقول إنه لا حل إلا بالإصلاح، فالجمود يؤدي إلى الموت. وعليه، فإن دمشق اليوم أمام لحظة حاسمة تتطلب التفكير جديا في نهجها الداخلي والخارجي.. فاليوم غير الأمس، وغدا قد يكون أصعب بكثير، خصوصا أن حاجز الخوف لم ينكسر في سورية وحدها، لنكون منصفين، بل في كل المنطقة العربية. وكلنا يعلم أن العنف يؤدي إلى مزيد من العنف، وبالتالي فلا حلول سحرية غير الإصلاح الحقيقي.

=====================

الثورة السورية.. الأمور مرهونة بأوقاتها!

عطاء الله المهاجرني

الشرق الاوسط

28-3-2011

كان قصف حماة - وهي مدينة جميلة جدا فيها مواطنون متدينون - أمرا لا يصدق وغير مقبول، ومما زاد الطين بلة أن المدينة تعرضت للقصف من جانب حكومتها ذاتها، وليس من جانب قوات أجنبية!

لا، لست أتحدث عن ليبيا، لقد وقع حادث حماة في سورية خلال شهر فبراير (شباط) 1982.

كنتُ في سورية خلال هذه الأيام، وشهدت حالة الطوارئ داخل البلاد، ورأيت السماء تزخر بطائرات «ميغ». سألت حينها سفيرنا هناك عما يحدث في سورية. قال إن جماعة الإخوان المسلمين داخل حماة قامت بتشكيل بعض المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة. وقال إن هناك تقريرا رسميا! ودائما ما نسمع روايتين عن مثل هذه الأحداث، تكون إحداهما رواية رسمية، فيما تكون الأخرى رواية غير رسمية.

كانت هذه صفحة مظلمة جدا ودموية في تاريخ سورية. لكن كما تعرف، فإن هناك من لا يقرأ التاريخ، وإذا قام بذلك، فإنه لا يصدقه، حيث يبدو أنه لا يأخذ درسا من التاريخ. والآن نعرف تفاصيل مذبحة حماة. ويعني ذلك أنه يمكننا سماع أصوات الضحايا.

خلال عامي 1980 و1981، شهدت مدينة حماة الكثير من الهجمات التي أودت بحياة المئات من علماء الدين والشخصيات البارزة والمواطنين العاديين. لكن وفقا لما أفاد به شاهد عيان، وما جاء في تقارير متواترة، فإن ما حدث خلال مذبحة فبراير يمكن تسميته بعملية «قتل جماعي»، فقد قتلت السلطات السورية آلاف الأشخاص، بعد أن قامت باستدعاء القوات الخاصة وألوية الدفاع وألوية نخبة من الجيش (اللواء 47 واللواء 21)، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك دعم قوي من القوات الجوية. ولذا أصبحت المدينة منطقة عمل عسكرية كبرى، وقامت المدافع ومنصات الصواريخ بقصف المدينة بصورة عشوائية خلال أربعة أسابيع بلا توقف، جرى خلالها إغلاق المدينة ولم يسمح لأي مواطن بالخروج. ويمكن لك أن تتخيل ما حدث حينها.

وفي هذه الأيام، تعد مدينة درعا هي نقطة المواجهة في الثورة الجديدة داخل سورية. وبعد مرور 30 عاما على مذبحة حماة، نجد أن العالم قد تغير. فهذا وقت الوجبات السريعة! ويبدو أن الوقت الحالي قد أصبح وقت الثورات السريعة أيضا، فمن كان يتخيل أن مصر ستتحول خلال 18 يوما؟ والآن يبدو لي وكأن مبارك من أيام الفراعنة!

يقول الخيام:

غدا سنترك هذا المعبد القديم

وسننضم إلى تلك التي بنيت قبل سبعة آلاف عام

حقا إنه شيء مدهش، فما حدث قبل سبع ثوان يبدو وكأنه قبل سبعة آلاف عام. ويعد ذلك نوعا من الغموض المرتبط بالوقت والبشر. لكن على الجانب الآخر، يبدو التاريخ مثل سلسلة طويلة.

وعلى سبيل المثال فإنه في ذاكرة السوريين التاريخية يوجد رابط بين ضحايا درعا وضحايا حماة، فهاتان المدينتان والأحداث ذات الصلة مرتبط بعضها ببعض.

وفي الوقت الحالي أمامك سؤال مهم جدا: هل يستطيع بشار الأسد أن يسيطر على الأزمة والثورة المحتملة مثلما فعل أبوه حافظ الأسد؟ واضح جدا أن حالة الطوارئ لا تزال قائمة داخل سورية، بعد أن بدأت في عام 1963. ولد بشار في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1965، ويعني ذلك أنه عاش حياته حتى الآن في ظل حالة الطوارئ داخل سورية!

وأود التأكيد على الأخبار الواردة بشأن درعا كما نشرت في «سنا»، وهي وكالة أنباء رسمية، و«تشرين» وهي صحيفة حكومية داخل سورية، وكيف يتم التعامل مع الأخبار الواردة بشأن درعا.

كيف تريد سورية أن تتعامل مع المطالب داخلها؟ هذا هو الخبر في صحيفة «تشرين» في عددها الصادر يوم 24 مارس (آذار) 2011: «وذكر مصدر رسمي أن قوى الأمن القريبة من المكان قامت بالتصدي للمعتدين، واستطاعت أن تصيب عددا منهم وتعتقل بعضهم، وسقط شهيد من قوى الأمن، مضيفا أن قوى الأمن ستواصل ملاحقة العصابة المسلحة التي تروع المدنيين وتقوم بعمليات قتل وسرقة وحرق المنشآت العامة والخاصة في درعا. وكشف المصدر أن العصابة المسلحة قامت بتخزين أسلحة وذخيرة في الجامع العمري، واستخدمت أطفالا اختطفتهم من عائلاتهم كدروع بشرية، مؤكدا أن قوى الأمن تقوم بملاحقة هذه العصابة المعتدية التي قامت بترويع سكان المنازل المجاورة للجامع العمري باحتلالها هذه المنازل واستخدامها لإطلاق النار على المارة والقادمين للصلاة، وقد تصدت قوى الأمن لأفراد العصابة المسلحة وقامت بملاحقتهم لتقديمهم للعدالة. وقد عرض التلفزيون السوري صورا للأسلحة والذخائر والأموال التي خزنتها العصابة المسلحة في الجامع العمري بدرعا. وقد وصل أكثر من مليون رسالة (إس إم إس) من الخارج، مصدر أغلبها إسرائيل، تدعو السوريين إلى استخدام المساجد منطلقا للشغب».

لا يعد نشر هذا النوع من الأخبار بالشيء الجديد، حيث إنه إحدى الوسائل التقليدية التي تستخدم في مواجهة مثل هذه المواقف، حيث يقولون إن كل مظاهرة لها أصل خارج البلاد، وإن المتظاهرين يستخدمون أسلحة، وإنهم يحصلون على تمويل من الولايات المتحدة وإسرائيل.. وإن المتظاهرين يريدون أن يقتلوا المواطنين، ويستخدموا الأطفال كدروع بشرية. وكان غريبا تصريح بثينة شعبان، المستشارة البارزة للرئيس بشار (بالاعتماد على تقرير «سنا»): «ودعت شعبان كل وسائل الإعلام حول العالم أن تحاول أن تكون ذات مصداقية في نقل الأخبار والأحداث التي تحدث في سورية، لذلك فإن التلفزيون السوري هو الذي ينقل الحقيقة وليس أي شخص آخر». وأثناء مقابلة مع بثينة شعبان، ألقت القوات الأمنية القبض على مازن درويش.

داخل طهران، وفي 14 فبراير، عندما نزل مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع من أجل الاحتجاج في ميدان أزدي، قال وزير الاستخبارات إنهم وجدوا رجلا معه قنبلة مولوتوف، وإنه كان عضوا في حركة «مجاهدين خلق». ويظهر ذلك أن الوسائل والكلمات التي تستخدمها الحكومتان الإيرانية والسورية متشابهة.

وعلى الجانب الآخر، عندما ننظر إلى الصفحة التي أنشئت من أجل يوم «جمعة العزة» الموافق ليوم 25 مارس على صفحة «فيس بوك»، يمكن أن نرى الجانب الخفي من الحقيقة. وعلى سبيل المثال، فإنه بشأن ما حدث في درعا يمكن الانتباه إلى هذا التعليق الذي بعث به شخص على «فيس بوك»:

«تحية طيبة؛

نقل الإعلام الرسمي السوري أن عصابة مسلحة قامت بقتل أبرياء في المسجد العمري بمحافظة درعا، وهنا لا بد من لفتة إلى أن محافظة درعا محاصرة منذ أيام بعناصر الأمن وفرقة من الجيش السوري والحرس الجمهوري وممنوع الدخول إليها.. فكيف دخلت العصابة؟

ألا يسيطر بشار على المظاهرة؟ قالت مستشارته البارزة بثينة شعبان إن بشار لم يأمر بإطلاق النار على المواطنين. هل هذا نوع من النفاق؟ هل يريد بشار قبول ما يطلبه السوريون؟ هل يعتقد أن مطالب بلاده مطالب اقتصادية؟».

يبدو لي أن بشار يواجه أياما وليالي صعبة. وربما بحلول عيد ميلاده في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) يكون في منصب جديد!

لقد وصلت موجة تغيير قوية جدا. والآن نحن لسنا في فبراير 1982، لكن في مارس 2011. وكما قيل: الأمور مرهونة بأوقاتها.

===================

من صنع التمرّد الشعبي؟

السفير

ميشيل كيلو

28-3-2011

بمعايير زمان الجيل الثقافي/ السياسي الذي ننتمي إليه، ويكاد يطويه الزمن، كان صناع الأحداث، وخاصة الثورية منها، يتمثلان على الدوام في طرفين متناقضين/ متصارعين هما: سلطة تمثل طبقة أو تحالفاً طبقياً، تشعر قطاعات من الشعب أنها لا تمثلهم، وتبدي سخطاً متعاظماً حيالها، يحفزه وعي يقوم على القطيعة مع سياساتها. وبالمقابل: معارضة تتجسّد في أحزاب انقلابية/ إصلاحية/ ثورية (خذوا أية كلمة تحبونها من هذه الكلمات) تفيد من سلبية فئات شعبية تجاه النظام القائم، وتعد العدة للانقضاض عليه من أجل إقامة نظام بديل، بواسطة الانتخابات في الدول الحرة، والعنف في البلدان والنظم المغلقة والاستبدادية.

بمعايير زماننا ووعيه، كانت الحكومة تمثل طبقة والمعارضة الثورية تمثل طبقة نقيضاً، مناهضة لها. وكان للحكومة أيديولوجيا يسمونها سائدة، وللثوار أيديولوجية معاكسة، ثورية لأنها تقدم نظرة مختلفة إلى العالم تؤسس وعياً مغايراً للوعي السائد، يقود إلى موقف مختلف، نظريا وعمليا، حيال معظم، إن لم يكن جميع، مسائل الحياة، بما في ذلك مسائل الوجود اليومي الخاص والعام، الجزئي والعمومي، المباشر وغير المباشر.

بمعايير الزمن الراهن، زمن الجيل الجديد الذي بالكاد نعرفه، يصنع الثورة طرفان: نظام من نمط جديد، غير طبقي وغير حزبي، ومواطن من نمط جديد بدوره، لا ينضوي غالباً في حزب أو جماعة أو فئة سياسية معينة، لأسباب منها أنه لم يبق أي حزب في النظام غير حزب وحيد ليس الانتساب الطوعي إليه متاحاً للعامة، هو أخوية سرية لا يعلن أحد عن وجودها هي: حزب الأمن، وأن المواطن الجديد لا يملك غالباً أيديولوجية نهائية، ثورية كانت أم غير ثورية، وإنما يمارس معظم وجوده في طور أول داخل ذاته، قبل أن يمارسه في الساحة المجتمعية، حين يتم تواصله الفردي الواضح التخوم مع الواقع حساً شديداً بالظلم لديه، ويدرك أنه مبعد عن الفسحة العامة، التي يتقرر مصيره فيها، وأنه محروم من حق المشاركة في الشأن العام، لأنه لا يملك أصلاً أية حقوق. هذا المواطن، المنطوي على ذاته، يضع نفسه أول الأمر خارج قبضة أية جهة خارجه، ثم يشكل «مجتمعات صغيرة، مغلقة نحو الخارج، لكنها تواصلية ومفتوحة على داخل يتكون من أعضائها»، يتمتع بفضل انتمائه إليها بأنماط طليقة من الحرية تتيح له تبادل معارف لا حدود لها، يستخدمها لتفكيك الواقع «الموضوعي»، الخارجي، وواقعه الخاص، ولقراءة حالته الشخصية بما هي حالة عامة، مجتمعية. عندئذ، يبدأ وعي تناقضه مع الواقع القائم، الذي يصطدم بجدرانه وأسواره الضيقة ويختنق فيه، بما أنه يضعه خارج أي سياق سياسي أو إنساني، ويقتل قدراته ومواهبه: بحرمانه من وسائل العيش وتخويفه من الآخر ونفسه.

تبدأ مشكلة الفرد من النقطة التي فرضتها عليه جماعة سائدة، شمولية الطابع والتنظيم والأيديولوجية على الأغلب، ثم تنتقل إلى حيزه الخاص، لتخرج في طور ثالث منه وقد اتسعت، بعون وسائل الاتصال الحديثة وثورة المعلوماتية وأدواتها، حدوده الشخصية وغدت عابرة لحدود وطنه وذاته، فتخترق عن هذا المجال العام بقوة الحرية الذاتية والمعرفة والقدرة على التواصل التي اكتسبها، حيث تأخذ شكل تناقض عام معه يكفي لتفجيره حدث كاشف، يفصح بضربة واحدة عن مضمون وحقيقة واقع لا يحتمل (حرق البوعزيزي نفسه في تونس مثلاً!) من الضروري التمرّد ضده.

بإخراجه من الواقع القائم، أو بخروجه منه، يعود الفرد، الذي ليس مواطناً، إليه وقد صار شخصاً مختلفاً، لديه مطالب عامة. بما أن النظام السائد يواصل التعامل معه بطرق عنيفة منها الإقصاء والتخويف والحرمان، فإن جسور اللقاء بينهما تنهار أو تنقطع تماماً، لتبدأ علاقة تتمحور من جانب المواطن على الحرية، ومن جانب النظام على العنف، المادي والرمزي. لكن الحرية ليست مجرد مطلب هنا، بل هي ضرب من هوية، ما دام الفرد قد بدأ يسترد ذاتيته ويعلن عن وجودها من خلالها، ولأنها هي التي أتاحت له آفاقاً مفتوحة على المعرفة والتواصل، علماً بأن الحرية والمعرفة والتواصل هي هنا مقومات الديموقراطية المنشودة باعتبارها فضاء الذات وليست شأناً عاماً وحسب، وركيزة مجتمع كوني، افتراضي، مليء ببشر أحرار من مختلف الجنسيات والعروق والألوان، يعيش الفرد فيه واقعاً يقوم على المساواة والندية، فمن الطبيعي أن تكون عودته إلى الواقع مفعمة بالرغبة في حرية لا قيد عليها يمنحها له مجتمع بديل، حميم وحر وتواصلي خال من العنف، تتسم عموميته بخصوصيتها المفتوحة، وخصوصيته بعموميتها غير المقيدة، التي تتسع لكل إنسان، حيث تجري إعادة إنتاج رمزية لعالم يقابل وينقض عالم الواقع الظالم والإقصائي، المحسوس العنف والجلافة إلى أقصى حد، يستعيد الفرد مواطنته انطلاقاً منه، ويريد أن يقلب واقعه المادي كي يتماثل معه، حتى يصير بدوره حراً ونقياً، لا هوة ولا فارق بين من ينتمون إليه أينما كانوا منه، ومهما كانت خياراتهم وتواريخهم الخاصة، ذلك أنهم يتساوون في حريتهم وأمامها، من دون أن تواجه أية قيود.

بدءاً من هنا يجد الفرد نفسه أمام حال تطرح عليه مسألة عملية لا مهرب منها، هي: توفيق العالمين: جعل العالم الخارجي، عالم النظام، مطابقاً لعالمه الداخلي وممتلئاً بمفرداته ومضمونه. وهذا فعل ثوري يكمن في نقل العالم الافتراضي، الحر والمفعم بالمعرفة والتواصل، إلى العالم الواقعي، المليء بالظلم والقيود، بإزاحته من الواقع الإنساني والسياسي بقوة جديدة هي الحرية الداخلية، الذاتية، التي تريد أن تتظاهر بشجاعة تبلغ حد التهور في الواقع وتطبعه بطابعها، في معركة هي صراع حياة وموت بالنسبة إلى طرفيها.

في مواجهة هذا الفرد/ المواطن الجديد، هناك نظام هو السبب الرئيس للثورات التي نعيشها اليوم: إنه نظام يدفع تناقضه مع الفرد، وتالياً مع الشعب، إلى حدود تجعل أي تعايش بينهما مستحيلاً. إلى هذا، لا يتوقف هذا النظام عن توسيع حدود تناقضه مع الخاضعين له، والإمعان في التضييق عليهم، مع ما يتطلبه ذلك من حرمان يتحوّل تدريجياً إلى اغتيال حقيقي لوجودهم في جوانبه ومظاهره كافة, وتقويض لأية فسحة قد تعينهم على التقاط الأنفاس أو الإفلات من قبضته الخانقة، ولأية هوامش وأشكال حركة قد تعينهم على الاستقلال عنه أو امتلاك أي شكل من أشكال الخصوصية المنفتحة على العمومية. لا حاجة إلى القول: إن نظاماً كهذا هو الذي يجسّر الهوة بين شباب امتلكوا الحرية والمعرفة والقدرات التواصلية وبين بقية الشعب، وأن سياساته هي التي عمّمت المقاومة التي عرفتها تونس ومصر وليبيا واليمن، وجعلتها على القدر الذي أظهرته خلال مواجهاتها مع نظم هذه البلدان.

في ظل علاقة تعني بالنسبة إلى الفرد قدراً من الذل والمهانة يتناقض مع عالمه الخاص، الذي تحرّر بعيداً عن أعين نظام أخرج منه إلى درجة انعدم معها وجوده فيه وتأثيره عليه، مع أنه ما زال يحتل مجمل فسحة الدولة والمجتمع، تكون الثورة تحويل العالم لذاتي إلى بديل فعلي، عملي وملموس، للعالم القائم، الواقعي، عالم النظام، الذي يتم التمرد عليه، وإسقاطه. هنا أيضاً، يلعب الإحجام عن القيام بأي إصلاح دوراً مهماً في تأجيج التناقض بين ذات المواطن الحرة وعالم النظام المغلق، الذي يدفعه دفعاً إلى التمرد، ويخيره بين الموت صمتاً وذلاً أو الثورة على كل شكل من أشكال الصمت والذل. هذه ثورة لا تنتجها المعلوماتية ويصنعها الأنترنت، كما يقال. إنها قبل هذا وذاك ثورة تنتجها الشمولية ويصنعها الاستبداد. لو كانت المعلوماتية بحدّ ذاتها تنتج ثورة، لوقعت أول الأمر في البلدان المتقدّمة وليس عندنا. لا يوجد حاكم عربي إلا وزعم أن بلاده ليست تونس، وأنها لن تشهد ما وقع فيها. كم يكون حكامنا مساكين، إذا كانوا لم يدركوا بعد أن سياساتهم وخياراتهم، وليس تونس، هي التي تضعهم أمام واقع لا مهرب منه: القيام بإصلاح يلغي تناقض نظمهم مع شعوبهم عبر إصلاحها واستعادة الشعوب قوامها الحر والفاعل، أو مواجهة تمرد ثوري من نمط جديد، تؤكد تجربة الأشهر الأخيرة أن القمع لم ينجح ضده، لأنه تمرد يتجاوز أية طبقة أو فئة أو نخبة، تمرد شعب بأسره يريد الإصلاح والتغيير، لم يصمد في وجهه من يرفضهما، حتى إن دام حكمه لبعض الوقت هنا أو هناك. من تونس فصاعداً: تغيرت مجمل ظروف البلدان العربية، وصار من العقل والواجب تغيير حسابات نظمها، التي يجب أن ترى نفسها من الآن فصاعداً بدلالة شعوبها التي تريد حريتها، إن كانت تريد أن تنجو بنفسها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ