ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

رغم القبضة الحديدية.. سوريا لن تعود للوراء

رضا عبدالودود | 21/4/1432 ه

المسلم

الاحتجاجات مستمرة في سوريا

إصرار النظام السوري على السير في نفس طريق النظم الساقطة في مصر وتونس يؤشر على اقتراب تغيير معتبر في سوريا ، رغم التكهنات بضعف تجربة المعارضة السورية التي تتواجه بالنظام الأكثر استبدادا عربيا وعالميا..

ففيما تقلل المراكز البحثية العالمية من قدرة التظاهرات التي تشهدها مدن سورية في إحداث نقلة نوعية في النظام السوري، أو تغيير وجه النظام ...تتوسع التظاهرات الشعبية -القليلة في عدد المشاركين نسبيا مقارنة مع ما تشهده اليمن أو ليبيا ومن قبل مصر وتونس- بصورة متسارعة بفعل الدماء التي أزهقتها قوات الأمن السورية في داخل المساجد وبالأسواق، بعدما تفاجأت بشجاعة نوعية من الشعب الأعزل الذي ظنت أجهزة المخابرات أنه لن يتجرأ على فعلته بفعل عقود من القهر والقسر البشع..

 انطلاقة الثورة من دمشق ثم تغيير مسارها إلى المناطق البعيدة عن العاصمة في محافظة درعا، لا يمكن ان يقلل من جذوة الثورة التي بدأت ولن تتوقف، كما فعلت الثورة التونسية التي انطلقت بعيدا عن العاصمة وغيرت وجه تونس. ففي ظل حالة الانسداد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يطال جميع المناطق السورية لن تستثني أحد بدليل انتقالها إلى شوارع بانياس وحمص ودير الزو والمزة وعودة التظاهرات بقوة إلى دمشق تضامنا مع شهداء درعا، حيث تلقى دعما من قيادات القبائل..وتبقى بقية المناطق مرشحة للانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية في ظل العدالة السورية في توزيع المظالم والمحسوبية والفساد.

ارتباك في تعاطي النظام مع الحدث

وعلى نفس النهج الخاطئ يسير النظام السياسي السوري في معالجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والاصلاحات السياسية والاقتصادية، التي قابلها النظام بقوة مفرطة أوقعت الشهداء والجرحى ( حتى مساء الخميس نحو 200 شهيد وآلاف الجرحى والجثث غير المعلوم مكانها في ظل تعتيم إعلامي منقطع النظير) ، مما رفع مطالب المتظاهرين من إسقاط الفساد وإصلاح النظام إلى إسقاط النظام, وإلغاء قانون الطوارئ المطبق في البلاد منذ مارس عام 1963, وإطلاق الحريات العامة, والتوقف عن ملاحقة الناس بسبب آرائهم السياسية وانتماءاتهم, وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية, ومكافحة الفساد بشكل فعلي وجاد.

وكعادة النظم العربية التي سقطت تصدرت الاتهامات بالعمالة والخيانة والتبعية لجهات معادية تحركهم (إسرائيل – جهات غربية) المعالجة الاعلامية من قبل النظام السوري، الذي ظن لوقت طويل أن سوريا محصنة ضد الاحتجاجات الشعبية ، اعتمادا على اصلاحات لم يشعر بها الشعب اساسا بفعل ثلة رجالات الأعمال الموالية للنظام التي ابتلعت ثروات الشعب كرامي مخلوف –القريب من دوائر السلطة- الذي تتهمه المعارضة السورية بنهب أموال الشعب.

ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية وبدء العمليات القتالية للحلف الدولي ضد نظام القذافي حليف لنظام الأسد، لجأ النظام السوري لممارسة ضغوط مكثفة لخفض مطالب المحتجين، من خلال حشرهم في دائرة ضيقة وتصوير احتجاجاتهم بالطائفية لارتباطها بالمناطق السنية وفقط.

 ثم لجأ بعد ذلك إلى المزاوجة في تعاطيه مع الاحتجاجات بين التصريحات الاعلامية التي تدعي اصدار أوامر بعدم اطلاق الرصاص أو استخدام السلاح ضد المتظاهرين، فيما يسقط القتلى والجرحى في المساجد وحتى اثناء تشييع الجنائز من خلال عناصر أمنية بلباس مدني وبعض القتلة المأجورين – الذين استجلبهم النظام من لبنان وتقدر المعارضة أعدادهم بنحو 3000 من عناصر حزب الله اللبناني – كما يمارس ضغوط سياسية واجتماعية على زعماء العشائر والقبائل السنية للتصالح في درعا واطلاق سراح بعض المعتقلين من أبناء المدارس الذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران المدارس.

واستكمالا لنهج النظم المستبدة التي لا تأخذ مطالب شعوبها بجدية إلا وقت الأزمات أعلنت مستشارة الرئيس السوري مساء الخميس أن الرئيس قرر زيادة مرتبات الموظفين وخلق فرص عمل للعاطلين واطلاق الحريات الاعلامية والصحافية... وعلى الفور جاء التطبيق العكسي لتلك القرارات بمنع أطقم القنوات الفضائية العربية والأجنبية من تغطية تظاهرة الكرامة في درعا يوم الجمعة 25 مارس !!

إلا أن كل ذلك لم يعد كافيا لشعب عاش نحو نصف قرن تحت ضغط قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية بذرائع سمجة أحيانا بشعار مقاومة العدوان الصهيوني في وقت شهد الكيان نفسه بسلمية نظام الأسد في الجولان التي لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان....وقد أثبتت التجارب أن الخطوات التي تتخذها الحكومات المضطربة وهي تحت ضغط المظاهرات تكون عادة متأخرة وقليلة الأثر.

 موازين القوى بين النظام والشعب

يعتمد النظام السوري على أوراق سياسية متنوعة في تعاطيه مع احتجاجات الشعب ، يسوق من خلالها مبررات لتسويق سياساته الضاغطة بشكل عام ولمواجهة استحقاقات سياسية شعبية ...منها؛ استمرار فتح ملف الصراع مع اسرائيل حول الجولان، تأزم الأوضاع اللبنانية والدور التاريخي السوري، دعم حركات المقاومة الإسلامية، الأزمة الكردية....

ولكن على ما يبدو أن كل تلك الأدوات التسويقية لم تعد تقنع الشعب السوري، في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية. فالذين قادوا الاحتجاجات في الشارع السوري من فئة الشباب لم يعايشوا توحش القبضة الأمنية التي تخيف من عاشوا مجازر النظام السوري في منتصف الثمانينيات وإبادة نحو 40 ألف بالطيران في مجزرة حماة.

كما أن الفقر والعوز الاقتصادي والبطالة التي تضرب الشعب السوري طالت جميع الفئات والطوائف علاوة على التهميش السياسي والاقتصادي التي تكابده الأغلبية السنية بجانب الفساد الإداري.

ولا يمكن تجاوز أحداث المنطقة العربية والثورات الشعبية التي حتما ستصل مآلاتها سوريا، حتى وان كانت التركيبة الطائفية للنظام السوري أو أن النظام الحاكم هو نظام الطائفة العلوية، حيث تشي تفاصيل الواقع إلى أن أبناء الطائفة العلوية تضرروا أيضا بسياسات نظام الأسد الأب والابن، والتاريخ السوري يؤكد أن الطائفة العلوية ليست موحدة بل إن تبوء الرئيس بشار الأسد الرئاسة خلفا لوالده قوبل بالرفض والممانعة حتى من قبل عمه رفعت الأسد الذي اضطر إلى المغادرة والمعارضة من الخارج، كما أن هناك تيارات سياسية مختلفة في الطائفة العلوية واختلافات حول هذا النظام.

ومن تلك الاختلافات الحادة سكوت اللواء صلاح جديد -الذي كان الرقم الرئيسي في معادلة الحكم والحزب بعد حركة 23 فبراير (شباط) عام 1966 إلى حين انقلاب حافظ الأسد عليه وعلى الحزب في عام 1970 - على اغتيال شقيقه غسان جديد الذي كان قوميا سوريا، والذي اعتبر المسؤول عن اغتيال الضابط البعثي الصاعد عدنان المالكي، الذي - بعد اغتيال هذا الضابط - أقام له رفاقه تمثالا لا يزال منتصبا في قلب دمشق، اضطر إلى الفرار إلى بيروت؛ حيث اغتيل هناك على أيدي مجموعة بعثية من رفاق شقيقه صلاح، الذي توفي في سجن المزة بعد «الحركة التصحيحية» التي قادها حافظ الأسد وبعد أن قضى في هذا السجن أكثر من ربع قرن.

وكما يقول الكاتب الأردني صالح القلاب بالشرق الأوسط : "لا يمكن النظر إلى موجة «تسونامي» السياسية هذه التي بدأت تغشى سورية من زاوية أن هناك طائفة علوية متماسكة تحرس النظام؛ فهذه الطائفة جزء من الشعب السوري وقد لحقها في عهد هذا النظام ما لحق هذا الشعب من خير ومن شر، والدليل هو أن الضابط المميز محمد عمران، الذي كان أحد أركانها الأساسيين، قد تم اغتياله في طرابلس في الشمال اللبناني في بدايات سبعينات القرن الماضي من قبل مجموعة فلسطينية محسوبة على دمشق، وأن القائد البعثي الطليعي الدكتور إبراهيم ماخوس لا يزال يعيش لاجئا ومنفيا في الجزائر منذ عام 1970 وأن آخر ضحايا هذا النظام من أبناء هذه الطائفة، حسب بعض الأوساط، هو الجنرال غازي كنعان الذي كان المندوب السامي السوري في لبنان لسنوات طويلة".

سياسة التعتيم الإعلامي

ويعتمد النظام السوري بدرجة كبيرة على سياسة التعتيم الإعلامي، ومنع وسائل الاعلام المحلية والعالمية من تغطية الاحداث التي لا ترضى عن نقلها، ولجأ التلفزيون الرسمي لبث مواد تلفزيونية على قنواته الرسمية تظهر اكتشاف الأجهزة الأمنية أسلحة وقنابل وأموال بالمسجد العمري في صورة ممجوجة لتشوية صورة الشباب المتظاهرين.

وأدت حالة التعتيم الإعلامي التي فرضتها السلطات السورية إلى ضعف تغطية القنوات العربية للاضطرابات التي وقعت في سوريا، مقارنة بتغطيتها لأحداث مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن, بجانب اعتقال عدد من الصحفيين والإعلاميين، مما أدى إلى نقص المعلومات التي تصل من سوريا، حيث بدا واضحًا أن معظم المواد الإخبارية التي تصل من هناك، مصدرها وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أو مقاطع فيديو يقوم المتظاهرون بنشرها على اليوتيوب، أو معلومات عبر فيسبوك، أو شهود عيان من داخل سوريا.

وعلى سبيل المثال اعتمدت تغطية قناة "بي بي سي، والعربية، وفرانس 24" لأحداث سوريا، على روايات شهود عيان وحقوقيين سوريين، وأيضًا مقاطع فيديو لأحداث التظاهرات، وصفحات الفيسبوك والتويتر، ووضع شريط أخبار لما يرد من وكالات الأنباء، كما قامت هذه القنوات الإخبارية بنقل المقابلات الصحفية مع المسؤولين السوريين التي تقدمها القناة الفضائية السورية الرسمية، كما لوحظ عدم وجود أي مراسلين صحفيين للقنوات الإخبارية الشهيرة داخل دمشق، أو في أي محافظات سورية، وهو ما يفسر اكتفاء قناة الجزيرة بشريط أخبار من وكالات الأنباء، ولم تقدم أي تغطية موسعة للأحداث.

ويبقى الإعلام البديل ضامنا أساسيا لثورة الشباب السوري ، وتلعب مواقع يوتيوب وتويتر وفيسبوك وغيرها دورا هاما في كشف ممارسات القمع للعالم.

المعارضة من الصالونات إلى الشارع

ومن خلال قراءة الواقع السوري وتجليات التفاعل الشعبي يبقى الدور المرتقب للمعارضة السياسية في الداخل والخارج عاملا أساسيا في حسم خيارات الشارع السوري الذي لن يقدر على انجاز مسار الثورة الشعبية حتى النهاية.

ومن ضمن تلك القوى المعارضة في المنفى والتي يراهن عليها الشارع؛ جماعة الإخوان المسلمين وهي وأقوى الفصائل السورية المعارضة في الخارج، وتتواجد في عدة دول عربية، وفي أوربا وأمريكا وكندا، وتتواصل عبر الشبكة الدولية (الإنترنت)، كما تتواصل من خلال لقاءات ومؤتمرات دورية، وتتحرك سياسياً وإعلامياً، لإسقاط النظام السوري المستبد، وتغييره بالطرق السلمية، وبأيد سورية فقط، دون الاستعانة بالأجنبي...

 ولعل امتدادات الجماعة بالداخل (دون تنظيم واضح) ستلعب دورا بارزا في المرحلة المقبلة إن حسمت خياراتها ، وقد تقدمت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا خلال ربع القرن الأخير تقدماً كبيراً جداً، واستفادت من تجربتها المرة مع النظام الاستبدادي الأسدي، ووصلت إلى قناعة أعلنتها ومنها: نبذ العنف في العمل السياسي، نهج العمل السياسي والإعلامي للتغيير بالإضافة إلى التربية والتزكية.

 وبنت الحركة تحالفات واسعة وكثيرة مع الفصائل السورية الأخرى التي تعمل من أجل تغيير النظام السوري، وقد قطعت الجماعة شوطاً بعيداً وناجحاً في هذه التحالفات، وآخرها تحالفها مع عبد الحليم خدام.

ومن ضمن الفصائل الإسلامية التي تمثل رقما معتبرا في الساحة السورية ، بعض الحركات الإسلامية التربوية كثيرة منها جماعة التبليغ، والجماعات السلفية التي تركز السلطة حربها وقمعها عليها الآن بشدة، وتسميهم (جند الشام)... ومنهم الجماعات الصوفية المتعلمة والتي تدعو وتعمل على تهذيب السلوك عند المسلمين...وفي سوريا الآن صحوة إسلامية كبيرة جداً،في اوساط الشباب السوري والفتيات..

تلي القوى الإسلامية، الأحزاب الكردية وهي كثيرة العدد، جيدة التنظيم والحركة، ويناضلون من أجل رفع الاستبداد والطغيان عليهم خاصة وعلى الشعب السوري عامة، ويتواصلون مع حركة الإخوان المسلمين بشكل جيد، ولهم صلة بالداخل، ومقدرة على تحريك الشارع السوري في المحافظات الشمالية (الحسكة والقامشلي وما جاورهما)...كما توجد أحزاب أخرى صغيرة العدد، يحركها أفراد ناشطون وأقوياء في أمريكا وأوربا. ومنهما على سبيل المثال، لا الحصر، المجلس الوطني السوري، الذي شكله عدة سوريين يحملون الجنسية الأمريكية، وبعضهم أساتذة في الجامعات الأمريكية مثل الدكتور نجيب الغضبان، وبعضهم من رجال الأعمال مثل حسام الديري.. وغيرهم، ومثل تكتل سوري في كندا يقوده المهندس محمد زهير الخطيب ، وحزب الإصلاح السوري بقيادة فريد نهاد الغادري، وهو رجل أعمال سوري أمريكي، ناشط من أجل تغيير النظام السوري، ويعلن منذ نشأته أنه على صلة قوية بالإدارة الأمريكية الحالية.. وحزب العدالة والتنمية الذي شكل أخيراً من قبل أنس العبده، وله مسحة إسلامية واضحة..

هل تسمح "إسرائيل" والغرب بوصول الثورة في سوريا إلى نهايتها؟!

ورغم المطالبات الحقوقية من المنظمات الغربية بوقف الانتهاكات الحقوقية ضد المتظاهرين في سوريا، إلا أن الأوضاع الاقليمية ستجبر إسرائيل وأمريكا كفاعلين مهمين في المعادلة السورية على عدم وصول الثورة السورية إلى منتهاها، حيث يمثل الأسد ضمانة استقرار ل"إسرائيل" التي تخشى تغيير النظام في ضوء خريطة القوى السياسية التي ستكون فاعلة في المستقبل ، سواء كانوا اسلاميين أو قوميين. ومما يدلل على ذلك الموقف الأمريكي من النظام السوري حتى في ذروة التوتر الشديد في العلاقات الأمريكية السورية عامي 2004 ، 2005 أوضح الأمريكيون بجلاء أنهم يريدون تغييرا في السلوك السوري وليس النظام السوري.

جانب آخر قد يقف مستقبلا في وجه الحراك الشعبي، وهو أن قرب الجوار الجغرافي ل"إسرائيل" واستمرار الموقف السوري المناهض ل"إسرائيل" (اعلاميا) سيجعل من أي تدخل أجنبي في الشأن السوري أمرا مستهجنا وغير مقبول في العالم العربي أو حتى ممارسة الضغوط على النظام أو المطالبة بتغييره.

جانب آخر سيتصاعد مستقبلا وربما ستعزف عليه الحكومة السورية إذا اتسعت دائرة السخط وبدأ الزمام يفلت من قبضة الرئيس بشار الأسد، فإن التهديد باحتمالات نشوب انقسامات طائفية داخل سوريا سوف تزداد بدرجة كبيرة . مما يمثل تحديا آخر امام حراك الشعب السوري

هل ما زال الإصلاح ممكنا؟

هذا التساؤل بات مطروحا على الساحة السورية التي تناثرت في أرجائها دعوات بالإصلاح الشامل لتهدئة ثورة الشباب التي بدت في الاتساع في الشارع السوري.

فرغم أن نظام الرئيس بشار أضاع 8 سنوات من إجمالي 11 سنة فترة حكمه في الحديث عن إصلاح لم يتم... حيث افتقد نهج السلطة الإصلاحي منذ البداية إلى النظرة الشمولية، وجاء بالتالي بلا فلسفة محددة، ركز في البداية على الإصلاح الاقتصادي وفشل، لينتقل بعد ذلك للتركيز على الإصلاح الإداري وفشل أيضا ، متجاهلا ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي. وأكثر من ذلك جاء نخبويا عاكسا وجهة نظر السلطة وليس وجهة نظر المجتمع ممثلا بقواه الحية المجتمعية والاقتصادية والسياسية. وحتى عندما حسم المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث الحاكم خياره الاستراتيجي باتجاه ما يسمى" باقتصاد السوق الاجتماعي" استمر التركيز فقط على الجوانب الاقتصادية والإدارية للإصلاح وتلك الجوانب القريبة منها من الناحية التقنية مثل إصلاح المنظومة التشريعية والقانونية، وتم تجاهل الإصلاح السياسي.

وتؤكد حالة التردد في إقرار الاصلاحات مؤشرات تقارير التنافسية الدولية، والعربية، بل وفي مؤشرات التقرير السوري للتنافسية حيث تراجعت أغلبية مؤشرات الاقتصاد والمؤسسات والمجتمع، وبقيت سوريا ضمن المجموعة الأخيرة من البلدان التي شملتها هذه التقارير(128 دولة). فحسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2007 وتقرير التنافسية العربي لعام 2007 أيضاً تراجعت سورية استنادا إلى أداء الاقتصاد الكلي خلال سنتين فقط ( 2006-2007) من المرتبة 61 إلى المرتبة 98، وتراجعت استنادا إلى مؤشر هدر الأموال العامة من المرتبة 43 إلى المرتبة 114، وتراجعت أيضا استنادا إلى مؤشر الصحة والتعليم من المرتبة44 إلى المرتبة 69. ومن حيث مؤشر قوة أنظمة المحاسبة والرقابة كنا في المرتبة 124 أصبحنا في المرتبة 120 وبالطبع من أصل 128 دولة!!!.

ولعل الحديث عن الاصلاحات كمسكنات مرحلية لا يمكن تصديقه أو القبول به طالما بقي الاستبداد السياسي، لأن إصلاح الإنسان لا يكون إلا بإعطائه حريته الذي حرم منها لعقود وأجيال...وسواء نجح النظام في تجاوز الاحتجاجات الشبابية التي أربكت حساباته وهزت أركانه أم فشل فلن تعود عجلة الزمن للوراء في ظل ربيع الديمقراطية الذي دشنه البوعزيزي في تونس...

===================

بصراحة ..المراسيم.. وإجراءات أخرى

دمشق

رأي

السبت 26 آذار 2011

رنا حج ابراهيم

تشرين

كثيرة هي المكرمات والعطاءات من السيد الرئيس التي صدرت أول أمس الخميس وتلقاها المواطنون بفرح وتفاؤل وخاصة أنها تساهم بشكل فعال في تحسين الوضع المعيشي لذوي الدخل المحدود وفي تعويضهم عن موجات الغلاء..

فقد كان مرسوم زيادة الرواتب بنسبة 30% لمن رواتبهم دون عشرة آلاف ليرة بعد زيادة ألف وخمسمئة ليرة عليها وزيادة 20% لمن رواتبهم أكثر من عشرة آلاف ليرة يتخطى التوقعات التي كانت تتحدث عن زيادة لا تزيد على 17%.. مع العلم أن هذه الزيادة رفعت الحد الأدنى للرواتب من 6010 ليرات إلى 9760 ليرة كما فتحت سقف الرواتب من 30 ألف ليرة إلى38 ألف ليرة. ‏

ولم تكن السعادة في زيادة الرواتب أقل منها في إلغاء ضريبة الدخل على العشرة آلاف ليرة الأولى من الدخل، وكان هذا مطلباً للكثير من العمال الذين عبروا عنه في الكثير من المناسبات, وكذلك الحديث عن مشروع لتثبيت العمال المؤقتين وإيجاد التمويل اللازم لتأمين الضمان الصحي للعاملين في الدولة وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لزيادة فرص العمل.. ‏

وما نتمناه هو أن تترافق هذه المراسيم الكريمة بإجراءات مشددة تجاه منع رفع الأسعار لكي يستفيد المواطن بشكل كامل من هذه الزيادات لا أن يستفيد منها التجار.. فقد أشار السيد وزير المالية في تصريح له أنه تم الاتفاق بين الوزارات المعنية للعمل على أن تذهب الزيادة إلى جيوب المواطنين وليس إلى جيوب التجار، مضيفاً أن جهوداً ستبذل لمنع رفع الأسعار.. ونتمنى تطبيق ذلك.. ‏

كما نتمنى أن تصرف الزيادة لجميع العاملين بداية شهر نيسان بمن فيهم المؤقتون الذين يعاملون في الرواتب على أساس دوام الشهر السابق, وأن تطول بعض العاملين في القطاع الخاص ممن لا تزال رواتبهم بسيطة.. ‏

ولكي تأتي ثمار هذه المراسيم والإجراءات أُكلها نأمل أيضاً أن يتم تطبيق وبأقرب ما يمكن ما خلصت إليه القيادة القطرية للحزب من إجراء تقويم واسع للأداء الحكومي والقيادات الإدارية والمحلية واتخاذ القرارات بشأنها بصورة عاجلة.. وما نرجوه أن تتم محاسبة المقصرين والمفسدين ومعطلي أعمال وخدمات المواطنين لغايات في أنفسهم وضخّ دماء جديدة وكفوءة في الإدارات والمؤسسات.. ‏

===================

خطة التخريب لعرقلة إصلاحات الرئيس الأسد

وكالة أخبار الشرق الجديد

شام برس

26-3-2011

توقيت خطة نقل العدوى إلى سورية و استثارة الاضطرابات فيها بدفع أموال و تسخير آلة ضخمة لبنانية و عربية و أجنبية في خدمتها ، يشير إلى محاولة سافرة لقطع الطريق على مشروع الرئيس بشار الأسد الإصلاحي ، و الدليل هو استمرار تلك الحملات بعد الإعلان عن مقررات القيادة القطرية يوم الخميس ، فالمطلوب بالذات هو إثارة القلاقل و تسخير قسم من الشباب السوري في مشروع الفوضى الذي تحول إلى فصل من العنف الإرهابي الذي مارسه خارجون عن القانون و مندسون بعضهم تكشفت مصادر تمويلهم و تسليحهم بعد تورطهم في أحداث درعا .

أولا : يسترجع العارفون على سبيل التشبيه وقائع مرحلة بعد انتصار المقاومة في لبنان ودحرها للاحتلال الإسرائيلي عن أرض الجنوب في 25 أيار 2000 ، حين أبلغ الرئيس بشار الأسد عددا ممن التقاهم اعتزامه مباشرة تنفيذ خطة سحب القوات العربية السورية من لبنان وبالفعل أصدر أوامره ببدء عمليات إعادة انتشار الجيش السوري على الأرض .

يومها أوعز الأميركيون بحملات هدفت إلى محاولة قطع الطريق على هذه الخطة وإلى إظهار خطوات الأسد على أنها تأتي تحت الضغط الذي يمارسه خصوم السياسة السورية من الأطراف اللبنانية المرتبطة بالغرب وبأطراف عربية رجعية تدور في الفلك الغربي، و في حينه انطلقت الحملات العدائية ضد الوجود السوري في لبنان بإشارة أميركية صريحة كما ظهرت تجمعات وبيانات ومواقف تصعيدية عمل أصحابها لقطع الطريق على فتح خطوط الحوار بين الرئيس الأسد وأوساط لبنانية كانت تقف ضد اتفاق الطائف و ضد الدور السوري في لبنان.

لم تفلح الحملات في ثني الأسد عن تصميمه على تصحيح العلاقات بين البلدين واتخذ في هذا السبيل سلسلة إجراءات كان منها كف يد ثنائي عبد الحليم خدام وغازي كنعان عما سمي بالملف اللبناني بينما أدار ظهره كليا للصفقات التي عرضها عليه جاك شيراك وموفدون غربيون كلفتهم إدارة بوش بمقايضة الأسد على تغطية الوجود العسكري في لبنان مقابل التعهد بتجريد المقاومة من سلاحها.

ثانيا : عندما استعصت على الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب وفي المنطقة عملية إغراء الرئيس السوري انتقلوا إلى التهديد وجرى في توقيت مدروس ترتيب اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أتاح كما قال فيلتمان بوضوح خروج القوات السورية من لبنان ، الذي أعلن الأسد قراره بشأنه في 5 آذار 2005 لأنه كان يعرف بأن حملة أميركية غربية تدبر لاستهداف سورية انطلاقا من لبنان منذ صدور القرار 1559، وبعدما بدا واضحا أن الأسد مصمم على تنفيذ تصوره حول مستقبل العلاقات بين البلدين أراد الغرب بقتل الحريري وما تبعه أن يواصل خطته من لبنان لإخضاع سورية.

طيلة السنوات الماضية وضع الرئيس الأسد والقيادة السورية التصدي للمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة في مقدمة الأولويات وانصبت الجهود السورية على إعادة رسم خريطة الشرق خارج دائرة الهيمنة الاستعمارية وعقدت سورية الشراكات العابرة للحدود فتعزز التحالف مع إيران وتحقق التناغم مع تركيا وبلورت إستراتيجية الأسد معالم الكتلة المشرقية المستقلة والمتعاونة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وترسخ بذلك نهج احتضان المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق على أسس ثابتة خاضت اختبارات قاسية جدا في حربي لبنان وغزة وأثبتت فاعليتها.

ثالثا : خطة نقل عدوى الاحتجاجات إلى سورية وتحريك التظاهرات تهدف واقعيا إلى قطع الطريق على المشروع الإصلاحي للرئيس الأسد الذي أعلن اعتزامه على وضعه قيد التنفيذ في أول تعقيب له على الثورات الشعبية العربية.

الخطة التي يجري تحريكها من قبل الإدارة الأميركية عبر قوى 14 آذار في لبنان ومجموعات المرتبطين بالمخطط الغربي من المعارضين المقيمين في أوروبا ، التي يتزعمها عبد الحليم خدام ورفعت الأسد والبيانوني وبعض المجموعات اليسارية السابقة التي نظمها الأميركيون ومولوها تحت غطاء جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، هذه الخطة تهدف إلى قطع الطريق على الإصلاحات من قلب مشروع الاستقلال و الصمود القومي ، والى إضعاف قوة النموذج السوري الذي يلهم الشباب العربي المتمرد على الأنظمة التابعة للغرب والتي تبدي إعجابها بالرئيس الأسد، الشاب والمثقف والمفعم بالحماسة لمجابهة تحديات العصر وتحديث الدولة والمجتمع في سورية.

رابعا : الإصلاحات التي أصدر الرئيس الأسد قرارات بشأنها يوم الخميس تجسد مضمون التغييرات التي تحاكي طموحات الشعب السوري، وهي تأتي تنفيذا لأجندة الأسد المتصلة بمشروعه للتحديث والتطوير، المشروع الذي أعلنه منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة وحيث صرفته عن المباشرة به أولوية التصدي للتحديات الخارجية والزلازل الكبيرة في المنطقة نتيجة الحروب الأميركية الإسرائيلية، ويرى العارفون يعتبر الانتصار والانجازات التي تحققت في المجابهة الصعبة مع الاستهداف الخارجي ثمرة لوقوف الشعب السوري خلف قيادته وان الطبيعي هو أن تكون التغييرات هي الثمرة التي يحصدها هذا الشعب كحصيلة للصمود، هذا مع العلم أن سورية شهدت على الصعيد الاقتصادي نموا كبيرا وهي دون سواها من دول المنطقة الدولة الوحيدة التي لا يدون خارجية على خزينتها ولديها فائض كبير من العملات الصعبة على الرغم من أنها دولة غير نفطية في حساب تركيبة الناتج الوطني العام.

التنكر للهدوء في درعا ومحاولة الإيحاء بوجود تظاهرات عبر أخبار ملفقة يعممها المنشقون السوريون في الخارج وتتبناها وسائل الإعلام الغربية والعربية المشاركة في خطة تخريب سورية تهدف إلى الإيحاء بان الوضع في سورية غير مستقر وبأن الإصلاحات لا ينظر إليها بجدية هذا مع العلم أن مسيرات شعبية انطلقت ليل الخميس وصباح الجمعة في أكثر من مكان في العاصمة والمحافظات السورية تأييدا للرئيس الأسد وللقرارات التي اتخذها ووعد بتنفيذها.

سورية ستثبت مرة أخرى أنها قلعة عصية على الإخضاع.

==================

التغيير الديمقراطي والموجة الثالثة

تاريخ النشر: السبت 26 مارس 2011

الاتحاد

تحمل معطيات التغير الديمقراطي في المنطقة العربية دلالات عديدة، فبعض هذه التغيرات خاصة في مصر وتونس كانت ذات طابع سلمي، وحافظ الجيش والمؤسسة العسكرية فيها على طابع الحياد، بل دفع في بعض الأحيان بعجلة التغيير إلى الأمام، لكنه لم يتدخل في السلطة إلا لماماً، أو كأخ أكبر يحاول الحفاظ على مؤسسات الدولة وكياناتها، حتى يتم تسليمها إلى قيادات مدنية جديدة.

وكما هي العادة فإن معظم الثورات يقودها إيمان عميق بتغيير إيجابي، ويمكن أن يكون الحال كذلك، لكن مثل هذه المقولة لا تقود بالضرورة إلى نهايات حتمية، بل هي أشبه ما تكون بنهايات محتملة، وتحتمل كذلك فرصاً متعددة للنجاح أو الفشل، فالثورة نفسها يمكن أن تكون ذات طابع سلمي قد يقود خلال فترة وجيزة إلى نظام سياسي جديد. ولكن يمكن أن يكون الحال عكس ذلك تماماً، وتقود هذه الثورات إلى حروب أهلية ضروس كما هو الحال في ليبيا اليوم.

من ناحية ثانية، فإن هذه الثورات لا تعتمد على الشعارات فقط، ولكنّها تطالب بمستوى حياة متقدم، وبمكتسبات اقتصادية للأفراد، مثل حصولهم على وظائف تؤمن لهم دخلاً كافياً يسمح لهم بتكوين عائلات جديدة، ويؤمن لهم الحد الأدنى من المستوى المعيشي. ويتطلب هذا أن تنتهي هذه الثورات، بعد نجاحها، باستقرار سياسي كافٍ يسمح لعجلة الاقتصاد أن تدور من جديد، وأن يزاول الناس بعدها أعمالهم كما كانوا يفعلون من قبل.

والحقيقة أن عملية التغير الديمقراطي الحالي في العالم العربي، ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها موجتان أخريان في التغير الديمقراطي. فبلدان أوروبا الشرقية انعتقت من ماضيها القديم عام 1989م ،وانطلقت في مسار ديمقراطي خلال فترة التسعينات، وقد استفادت تلك البلدان من علاقة زعماء المعارضة فيها بالقيادات الأوروبية في الاتحاد الأوروبي، التي رحبت بقدومها وسهلت عملية التحاقها بالنادّي الأوروبي، وساعدت في تمكين المؤسسات الديمقراطية فيها، وسعت إلى تسهيل امتصاص اليد العاملة الفائضة فيها إلى بقية الاقتصادات الأوروبية المزدهرة حينئذ.

كما أن مثل هذا التوجه السياسي تبعه كذلك توجه تجاري بأن توسعت الشركات الأوروبية في بلدان أوروبا الشرقية وانتقلت مصانع بأكملها من ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية نحو الشرق، مستفيدة من القرب المكاني، والرخص النسبي لليد العاملة في بلدان أوروبا الشرقية.

كما أن التوسع في أعمال البنوك وفي السياسات النقدية في البلدان الأوروبية وفي الولايات المتحدة، ساعد على توجه أموال هائلة، بعضها ساخن، إلى أسواق روسيا وبلدان شرق أوروبا. وهو ما ساعد تلك البلدان على النهوض من كبوتها واستعادة عافيتها الاقتصادية حتى غدت مستويات النمو الاقتصادي السنوي فيها تضاهي مثيلاتها في الاقتصادات القديمة في غرب القارة.

ومثل هذا القول، ينطبق وإلى حد أقل على الموجة الثانية من التحول الديمقراطي التي حدثت، ومن دون ضجة في بعض البلدان الأفريقية، في جنوب القارة وغربها. فقد ساهم توافر الأموال لدى البنوك وصناديق الاستثمار الغربية على تسويق هذه الأموال واستثمارها في مشاريع صناعية وتعدينية في بلدان القارة الأفريقية، وساهم في دعم مستويات النمو الاقتصادي فيها.

الوضع في البلدان العربية مثل مصر وتونس ربما يكون مختلفاًً، فكلا الثورتين أتيتا في فترة انكماش اقتصادي عالمي، وتوجه لدى الدول الصناعية للانكفاء السياسي والاقتصادي، لتحريك الاستثمارات في الداخل وإعادة عجلة النمو الاقتصادي الداخلي فيها، بعد أن تراجعت مستويات النمو فيها. وهذا يعني أن الاستثمارات الأجنبية لن تكون متوافرة للاقتصادات الجديدة في البلدان العربية، خاصة وأن الاستثمار الأجنبي سيتطلب استقراراً سياسياً موازياً كي يتحرك ويخلق وظائف جديدة داخل تلك البلدان. كما أن كلاً من تونس ومصر يعتمدان بصورة رئيسة على السياحة الأجنبية حيث تمثل لكلا البلدين مصدراً رئيساً من مصادر الدخل القومي فيهما.

لذلك فإن استعادة الحياة الاقتصادية في كلا البلدين يتطلبان رؤية ثاقبة إلى المستقبل، ونظرة إيجابية نحو جذب الاستثمارات الأجنبية، كما يتطلبان كذلك الدفع بقوانين جديدة من قبل الهيئات التشريعية المنتخبة في هذه البلدان تحد من التضخم، وتيسر شروط العمل ما يسمح للعمالة بالحصول على مستويات مقبولة من الرواتب، ولا يطرد المستثمرين الأجانب إلى بلدان وأسواق منافسة أخرى.

وربما كان حظ مصر وتونس أفضل بكثير من بقية البلدان العربية التي تعرضت لثورات مماثلة. ففي ليبيا واليمن، يعاني كلا البلدين من ضعف المؤسسات المركزية للدولة فيهما، وإلى تعميق البعد والولاءات المحلية والطائفية على حساب الولاءات الوطنية، وإلى غياب أيديولوجية وطنية أو قومية جامعة. ومثل هذه الخصائص لا قدر الله قد تقود هذه البلدان إلى حالة مشابهة للحالة الصومالية، حيث أن غياب الزعيم الأوحد في تلك البلدان، قاد إلى تفككها على أساس مناطقي وقبلي، وإلى انهيار الدولة ومؤسساتها واستفحال الحروب الأهلية فيها.

ما نرجوه وما نأمله هو أن تتحاشى البلدان التي تعيش حالة من التغير الديمقراطي في العالم العربي مثل هذا المستقبل، وأن تنظر وتعمل من أجل غد أفضل، سياسياً واقتصادياً.

==================

الثورة ومخاطر الشقاق

تاريخ النشر: السبت 26 مارس 2011

الاتحاد

في خضم الفرحة بانتصار الثورة، والزهو بالوطنية المصرية، وتحليل عناصر نجاحها، والتبصرة بتحدياتها، والتنبيه على المخاطر التي تواجهها، يبدأ التحذير من خطر الشقاق. وبعد أن نشبت في تونس الشرارة، والثورة في مصر، وتوالت الثورات الشعبية في ليبيا واليمن، والمظاهرات في الأردن والعراق والمغرب والجزائر، وبدأ الحكام يعون متطلبات الشعوب، ويقدمون برامج إصلاحية، وبعد أن أصبحت الثورات العربية الحديثة محط أنظار العالم يستلهمونها وتلقى كل الاحترام الواجب، بدأ الخوف يدب في قلب بعض المفكرين العرب الذين يودون حماية الثورة، وإنْ لم يكن قد ساهموا في صنعها بعد أن تجاوزهم الشباب وحركات الشعوب.

وبعد نجاح أول تجربة ديمقراطية في مصر منذ انتخابات 1976 بعد تشكيل الأحزاب الثلاثة، الوسط واليمين واليسار بفعل السلطة، بل وفي عمر الثورة المصرية على مدى ستين عاماً إكمالاً لها، وبما كان ينقص إنجازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبعد إقبال الناس والوقوف بالطوابير من الصباح الباكر قبل فتح اللجان الانتخابية حتى المساء المتأخر بعد غلقها لممارسة حق الانتخاب إحساسا منهم بالمواطنة لأول مرة، وأن رأيهم يُؤخذ بعين الاعتبار، وأنه لا تزوير ولا عصي ولا هراوات ولا إخراج النتيجة سلفاً قبل إجراء الاستفتاء، ومعرفة ما في الصناديق الانتخابية قبل فتحها، وبعد ما أظهره الناخبون من تحضر ونظام، وإعطاء الأولوية لكبار السن وذوي الحاجات الخاصة، وبعد الاطمئنان إلى القضاء وضمان جدية الانتخابات وإيصال أصوات الشعب بدأ الشقاق، من نجح ومن رسب؟ من اقترب من السلطة ومن أزيح عنها؟

وبعد أن كانت ثورة 25 يناير وطنية لا حزبية، تجمّع ولا تفرّق. لا فرق بين ديني وعلماني، بين سلفي وتقدمي، بين مسلم وقبطي، بين ليبرالي واشتراكي، بين رأسمالي وماركسي، الكل يدافع عن الحرية، فالحرية تسبق العدالة الاجتماعية والمطالب الفئوية، وبعد أن أصبح الإخوان جزءاً من الحركة الوطنية وليس جماعة منعزلة لها مطالبها النظرية الخاصة. فالحياة أخذ وعطاء، والاتجاه نحو النسبية في الأحكام بعيداً عن المطلقات والكليات التي تقسّم ولا تجمّع، تفرّق ولا توحّد، وبعد أن ظهرت الوحدة بين المسلمين والأقباط، بين الهلال والصليب، وعقدت الصلوات الإسلامية والمسيحية في ميدان التحرير، يحرس المسيحيون المسلمين في صلاتهم، ويحرس المسلمون المسيحيين في صلاتهم، وبعد تكشف أن ما يسمى بالحوادث الطائفية من تدبير أجهزة الأمن لتمرير قانون الطوارئ وسيطرة الأمن على الحياة العامة في البلاد، بعد هذه النجاحات كلها بدأ الشقاق بعد نتائج الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، وتقسيم المصريين إلى فصائل واتجاهات وجماعات حول نتائج الانتخابات، "الإخوان" مع فلول النظام السابق وراء الأغلبية، ثلاثة أرباع الأصوات، والثوار بكل فصائلهم مع الأحزاب التقدمية القديمة وراء الأقلية. بدأت الأقلية تهاجم الأغلبية، والأغلبية تدافع عن نفسها وكأن الحصول على الأغلبية جريمة يُعاقب عليها، والحصول على الأقلية ظلم يجب رفعه. الأغلبية تآمر وتحالف وخديعة والتفاف. والأقلية أخذت على غرة، وأزيحت عن حضورها الطاغي في قلوب الناس ظلماً وعدواناً. وكيف يتفق الإخوان مع فلول النظام السابق وهم الذين قاسوا منه أبشع أنواع الظلم والاضطهاد، والسجن والتعذيب منذ 1954 وحتى الآن؟

إن طبيعة الديمقراطية أن تكون بها أغلبية وأقلية. وكلاهما مخلصان لصالح الوطن. لا يوجد وطني وخائن، مخلص وعميل. فالأقلية اليوم أغلبية غداً. والأغلبية اليوم أقلية غداً. المهم التعلم من التجارب، ومعرفة الأسباب دون تكفير أو تخوين أو تآمر أو استبعاد. مازال منطق "الفرقة الناجية" هو الذي يحكم العمل السياسي، منطق الإقصاء والاستبعاد. فالحق في طرف واحد، ومع فصيل واحد. وهو ضد منطق التعددية السياسية والحوار الوطني. ينتهي إلى ضرب الثوار بعضهم ببعض ونسيان العدو المشترك، وهو النظام السابق، القهر والفقر والفساد والتبعية.

وإذا كان الدين هو المكون الرئيسي في الثقافة الوطنية، فمن الطبيعي أن يدخل كعامل في الدعاية لهذا الفريق أو ذاك. القضية هي سوء تفسير الدين كتبرير لاتجاه سياسي واستعمال المساجد والمنابر كأداة للدعاية الانتخابية. والتحدي هو الاكتفاء بالنقد والصراخ والبكاء على ذلك دون كشفه ودون إعطاء تفسير بديل للدين. ويكون ذلك مرحلياً حتى يتحول المجتمع كله من القديم إلى الجديد، وتنتقل الثقافة كلها من ثقافة دينية إلى ثقافة عقلية علمية واقعية، والعقل والواقع هما دعامتا الشرع.

بدلاً من الهجوم على بعض التيارات واتهامها بالتحالف مع فلول النظام السابق وبث روح الشقاق بين الفصائل الثورية في ميدان التحرير فإنه يمكن تشجيع الأجنحة الليبرالية فيها. لماذا لا يتم مساعدة "الإخوان" في التحول من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية، ومن الجماعة الدعوية إلى الحزب السياسي؟

والخلافات النظرية حول المادة الثانية من الدستور فزّاعة للعلمانيين والأقباط وعن حق. فالدولة مفهوم مجرد لا دين لها. إنما المواطنون هم الذين لهم دين. فالأصح ليس دين الدولة هو الإسلام بل دين غالبية المواطنين هو الإسلام كما أن دين الأقلية هي المسيحية. وما فائدة ذلك؟ تقسيم المواطنين طبقا للدين يمنعه الدستور الذي ينص على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات. مادة تضر أكثر مما تنفع، صورة بلا مضمون. وإذا كان الإسلام دين الدولة فهل يقبل الإسلام الفقر والقهر والفساد والتبعية والظلم والتشرد في الشوارع وثراء الحكام، والحاكم آخر من يأكل وآخر من يلبس وآخر من يسكن. "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا". "والله لو عثرت بغلة في العراق لسئلت عنها يا عمر لماذا لم تسوِ لها الطريق؟". "ليس منا من بات شبعان وجاره طاو"، "الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار"، "لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"، وهي راسخة في قلوب الشعب وفي ثقافتهم الوطنية لا تحتاج إلى تذكير، ونحن أضعنا مياه النيل، وبعنا الأراضي، وخصخصنا المصانع. المادة الثانية تعني "مبادئ الحرية والعدل في كل الأديان هي مصدر للتشريع والمبادئ التي يستنبط منها الدستور، وتقوم عليها الدولة". وقانون البناء الموحد للمدارس والمستشفيات والأندية الرياضية، يستفيد منها جميع المواطنين على قدم المساواة وليس بناء المساجد والكنائس التي يستفيد منها فريق دون فريق، والصلاة قد تكون في العراء لا تحتاج إلى أبنية أشبه بالقصور. وهو الدين الفطري الطبيعي دين قضاء مصالح الناس.

هذا ليس دفاعاً عن حزب أو جماعة أو تيار أو فريق، بل هو دفاع عن الوحدة الوطنية ونداء للحوار الوطني وليس للخصام السياسي، حفاظاً على الثورة ونجاح بداياتها والاطمئنان على نجاح نتائجها. وإن ما حدث من نتائج في الاستفتاء الأخير حول مواد الدستور ليس وراءه هذا الفصيل أو ذاك، بل هو منطق طبيعي للثورات، والاختيار بين طريقين، الإصلاح أم الثورة، التدرج أم الخطوة الواحدة، الجزء أم الكل دون تآمر أو تحالف وراء الأغلبية في مواجهة الأقلية. وهو ما يحدث في تونس أيضاً. نحن لن نشق على قلوب الناس. وقليل من إنكار الذات وكثير من النقاء الثوري يساعد على إنجاح الثورة واتقاء مخاطرها.

==================

الوهم التركي   

آخر تحديث:السبت ,26/03/2011

ف. ستيفن لارابي

الخليج

لقد عملت الثورات الكبرى التي تجتاح تونس ومصر وليبيا بمثابة العامل المحفز لصحوة عربية أوسع نطاقاً، وهي الصحوة التي هزت أركان النظام السياسي في الشرق الأوسط، الذي ظل راسخاً منذ أواخر سبعينات القرن العشرين . ولئن كان من السابق لأوانه أن نتكهن بالنتائج النهائية لهذه الثورات، فإن العديد من العواقب الضمنية الإقليمية المهمة بدأت بالظهور بالفعل .

فأولاً، تشكل هذه الثورات سيفاً ذا حدين بالنسبة لإيران . فقد يستفيد النظام الإيراني من الإطاحة بالزعماء العرب وأنظمتهم المؤيدة للغرب أو إضعافهم، ولكن التشجيع الإيراني للثورتين الديمقراطيتين في تونس ومصر في مستهل الأمر كان مصحوباً بغُصة . فقد اضطر المسؤولون الإيرانيون إلى تحويل اتجاههم بسرعة بمجرد شروع الإيرانيين في المطالبة بنفس الحقوق الديمقراطية، على النحو الذي أشار إلى أن إيران قد تواجه ضغوطاً أقوى في المطالبة بالديمقراطية والتغيير السياسي في الأمدين المتوسط والبعيد .

وثانياً، تهدد الثورات الحالية بجعل “إسرائيل” أكثر عزلة . فبرحيل مبارك فقدت “إسرائيل” الشريك الإقليمي الأكثر أهمية في المنطقة . وفي ضوء التدهور الخطير الذي طرأ على العلاقات بين “إسرائيل” وتركيا، حُرِمَت “إسرائيل” برحيل مبارك من أوضح حليفين لها في المنطقة . ورغم تعهد النظام العسكري المؤقت في مصر بالالتزام باتفاقية السلام المبرمة بين البلدين في عام ،1979 فإن أي حكومة جديدة أكثر ديمقراطية قد تتبنى موقفاً مغايراً .

وثالثاً، أدت الضغوط المنادية بالتغيير الديمقراطي في المنطقة إلى تعزيز النفوذ التركي الإقليمي إلى حد كبير . ففي حين أحجمت الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي عن الإعراب بشكل واضح عن رهاناتها في مستهل الأمر، سارع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الانحياز المباشر للمتظاهرين من أجل الديمقراطية في ميدان التحرير، وهو التحرك الذي عزز من مكانة تركيا بين أطياف المعارضة الديمقراطية في مصر وأماكن أخرى من المنطقة .

إن العديد من العرب ينظرون إلى ذلك النوع من الإسلام المعتدل الذي تبناه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا باعتباره نموذجاً محتملاً للشرق الأوسط . كما بدأ العديد من الأتراك بالنظر إلى الأمور من المنظور نفسه . ففي مقابلة أجريت معه مؤخراً، قال أردوغان إن تركيا “من الممكن أن تعمل كمصدر للإلهام” لبلدان الشرق الأوسط، وذلك لأنها أثبتت إمكانية التعايش المنسجم بين الإسلام والديمقراطية .

فللوهلة الأولى سوف يتبين لنا أن النموذج التركي، بما يشتمل عليه من التركيز على العلمانية والديمقراطية، يحمل في طياته قدراً واضحاً من الجاذبية في منطقة تجثم على صدرها حكومات تتسم بالفساد والاستبداد وانعدام الكفاءة والفعالية . ولكن تركيا تختلف في خبرتها التاريخية وتطورها السياسي من أكثر من ناحية عن البلدان العربية . ونتيجة لهذا فإن استنساخ نموذجها لن يكون بالأمر السهل .

فالإسلام التركي أكثر اعتدالاً وتعددية مقارنة بأي مكان آخر في الشرق الأوسط، ومنذ أواخر العهد العثماني على الأقل، سعت تركيا إلى الدمج بين الإسلام والتوجه الغربي . وهذا من شأنه أن يميز تركيا عن أغلب البلدان الإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط، ولقد مكّنها من تجنب ما اتسم به التحديث السياسي في أماكن أخرى من المنطقة من انقسامات حادة وتمزقات وعنف .

والواقع أن صعود النموذج المعتدل للإسلام متمثلاً في حزب العدالة والتنمية كان إلى حد كبير بمثابة استجابة لعوامل داخلية، وخاصة التأثيرات المتراكمة لعِدة عقود من التحول الديمقراطي والاجتماعي الاقتصادي، وهو ما سمح بنشوء طبقة جديدة من أصحاب المشاريع التجارية في الأناضول، والتي اتسمت بالليبرالية على الصعيد الاقتصادي، ولكنها كانت محافظة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي . ومن الواضح أن هذه الطبقة، التي شكلت واحدة من الركائز الانتخابية الرئيسة لحزب العدالة والتنمية، لا وجود لها في أي مكان آخر من الشرق الأوسط .

فضلاً عن ذلك، فإن النموذج التركي يدين بالكثير لزعامة كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية . فقد نجح أتاتورك، المستغرب الملتزم وصاحب البصيرة السياسية، في تحويل الإمبراطورية العثمانية المتعددة الجنسيات إلى دولة حديثة قائمة على القومية التركية .

بيد أن أتاتورك لم يبدأ من الصفر في تحويل تركيا . فقد بدأت عملية التغريب والتحديث في أواخر القرن التاسع عشر في العهد العثماني أثناء فترة إعادة تنظيم الإمبراطورية العثمانية . وفي حين سعى أتباع كمال أتاتورك إلى القطيعة الجذرية مع الماضي العثماني، فإن بعض عناصر الاستمرارية المهمة بين الجهود التي بذلوها لتغريب تركيا وبين تلك التي بذلت في أواخر العهد العثماني كانت قائمة . ففي الحالتين كان القائمون على هذه الجهود من أهل النخبة الذين حركتهم الدولة .

ومن الواضح أن هذه الشروط المسبقة المهمة لا تتوافر في الشرق الأوسط العربي . ذلك لأن أغلب بلدان المنطقة تفتقر إلى المؤسسات السياسية المستقلة القوية والتقاليد التي تسمح ببناء نظام سياسي ديمقراطي قوي . وهي تفتقر أيضاً إلى المجتمع المدني النشط .

وفي النهاية، نستطيع أن نجزم بأن البلدان العربية لا تتمتع بميزة التقاليد التركية المتمثلة في الإسلام المعتدل، أو التاريخ الطويل من الدمج الناجح بين الإسلام والتغريب . ونتيجة لهذا فإن انهيار هياكل السلطة القديمة في العديد من بلدان الشرق الأوسط من المرجح أن يكون مصحوباً بقدر كبير من الاضطرابات السياسية والعنف .

الرئيس المشارك المتميز للأمن الأوروبي في مؤسسة راند

===================

غزة ورام الله تلتقيان

آخر تحديث:السبت ,26/03/2011

عبد العزيز المقالح

الخليج

من الأخبار السارة جداً التي انتظرها الإنسان العربي طويلاً وتمنّى سماعها خلال السنوات الأخيرة، ما تردد أخيراً عن عودة الصفاء والوئام إلى غزة ورام الله، وتجاوز الخلافات الحادة بين فتح وحماس والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على رأب الصدع وإزالة الآثار المترتبة على الخلافات السابقة . وإذا ما تحقق الأمل وتصالح الفريقان الرئيسان وبقية الفصائل الفلسطينية فإن عهداً جديداً يكون قد بدأ . وسيكون جانب من الفضل في هذا التحوّل عائداً إلى ثورة الشباب في مصر العربية التي اقتلعت النظام الذي كان يحول بين وحدة الفصائل الفلسطينية ويغري بعضها ببعض، خدمة للعدو الصهيوني وإطالة زمن العذاب لأبناء المأساة التي طالت أكثر من أي مأساة على وجه الأرض .

ولنا أن نتذكر أن الخلاف بين غزة ورام الله كان قد بلغ في العام الفائت ذروته وصار من المستحيل إعادة اللحمة بين أبناء القضية وضحايا المأساة، لكن الله يفعل ما يشاء، وبعدها قطعاً تدخل إرادة الناس الواعية بالمصالح الكبرى للأمة في تصحيح المسار، كما أن المتغيرات المتلاحقة في الشارع العربي تفرض على كل من غزة ورام الله أن تتلاحما حقيقياً وتعودا إلى ما كانتا عليه قبل الانشقاق الكبير، وإلى أن تعي فتح وحماس ومعهما بقية الفصائل أن أموراً كثيرة قد تغيرت وأموراً أخرى في طريقها إلى التغيير، وأن وحدتهما باتت مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني وقضيته .

وإذا ما أطلنا التبصّر في الواقع العربي الراهن وما أحاط به من تمزق وشتات، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان الدور الذي يلعبه التمزق الفلسطيني في هذا الشأن، فهو لا يترك أثره في الداخل الفلسطيني فحسب، وإنما يعكس نفسه على الأوضاع العربية والإسلامية، ويعطي أكبر المبررات لمن يحاربون القضية وينادون إلى الابتعاد عنها ورفع شعارهم المسموم “لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم”، وهي البداية العملية لتراجع وانكسار قضية حركة التحرير الفلسطينية بعدما تحوّل التناقض والصراع الصهيوني، من نزاع عربي فلسطيني صهيوني إلى نزاع فلسطيني صهيوني ثم إلى قضية مخيمات، ومفاوضات، وتسويات لكي تنتهي إلى شعار إيقاف بناء المستوطنات، وما ترتب على مجمل هذه التطورات من تخاذل في المواقف وشعور بالإحباط، ومن إعطاء الأنظمة العربية المبررات لنفض يديها من الموضوع الفلسطيني والتعامل معه بقدر من الخفّة الروتينية وعدم الجدية في اتخاذ أبسط المواقف تجاه العدو الصهيوني ورعاة أمرة .

لقد ضاق المواطنون الفلسطينيون ذرعاً بالخلافات، كما ضاق بها أشقاؤهم، وأبدى كثير من الشعوب المتعاطفة معهم حيرتها، ولم يجد كثير من العقلاء في العالم سبباً واحداً وجيهاً يبرر هذه الخلافات وتصاعدها المستمر، كما أن الاستقواء بالأطراف الخارجية مهما كان حظ هذه الأطراف من الإخلاص وصدق المواقف لن يكون مجدياً على المستويين القريب والبعيد، وذلك في زمن التغيرات والعواصف، ولا حل ثابتاً وإيجابياً سوى هذا الذي بدأنا نراه ونسمع عنه من التصالح الذي ينبغي أن يتم في أقرب وأسرع وقت، وأن يشمل مختلف الفصائل، على قاعدة الجمع الخلاق بين المقاومة والمفاوضات ويمكن القول إننا تحت الضغوط الشعبية الداخلية والضغوط التي تحدثها المتغيرت الثورية الديمقراطية العربية نستطيع أن نرى حالة جديدة من التوحد الوطني الفلسطيني، ونشهد صورة جديدة لشعب المقاومة بعيداً عن أوهام السلطة الخادعة وما ترتب عليها وعنها من تعنت ومنافسات .

===================

رومانسية الثورة المصرية

مجدي شندي

التاريخ: 26 مارس 2011

البيان

لأن من فجروها مجموعة من الشباب ومن ساندوها بحق أطهر وأنبل مناضلي مصر، فإن الثورة المصرية تعاملت بشكل مخملي مع الواقع المصري لا يتناسب مع جهامته وقسوته، تماما مثلما توكل أمر إعدام مجرم خطير إلى قائد أوركسترا تهز روحه رعشة الوتر.

دعك من السياسيين والمتسلقين الذين ذهبوا إلى الميدان مع من يحملونهم على الأعناق لالتقاط صورة، وانظر إلى قائمة المتيمين الذين كانت تفيض أعينهم بالدمع من زين العابدين فؤاد إلى شفيق أحمد علي مرورا بعزازي علي عزازي ويحيى القزاز وإبراهيم منصور وعبد العظيم مناف وإبراهيم بدراوي وسكينة فؤاد وجلال عارف وعصام شرف وعبد المنعم أبو الفتوح.. وآلاف غيرهم ممن كانوا في المشهد وممن غيبهم البعد وطوتهم المسافات، لا تتأمل كثيرا في الصور فهي تبطن مالا تظهر، كان الميدان أشبه بالبحر، الغثاء يصعد والجوهر يكمن.

شباب مصر كانوا يتصرفون بقلوبهم، وقلوبهم كقلوب اليمام يخشون على ارض مصر من وطأة أقدامهم ويعتبرونها زهرة يخشون ذبولها إذا ما قبضوا عليها بأيديهم.

حتى حينما ذهبوا هرولة إلى القصر الجمهوري يوم 10 فبراير لم يقتحموه لمجرد أن ضباط الجيش اقسموا لهم أن مبارك ليس موجودا بالداخل فاكتفوا بمحاصرة القصر دون اقتحامه ولم يكن من الجيش وقد تصرف هؤلاء على نحو رومانسي، إلا أن قدم لهم إفطاراً.

هل كان هؤلاء سيتصرفون بغلظة وهم الذين قاوموا الرصاص بالأغاني، واستعانوا بدفء الوطنية لمقاومة برودة الجو، وتوشحوا بالعلم الوطني ليكون درعهم في مواجهة آلاف؟

كان طبيعيا أن يتسامح الثوار مع بقاء مبارك وعائلته في شرم الشيخ وأن يتركوا القانون والقضاء يتصرف وفق قوانين عادية لا وفق قوانين ثورية، وكان طبيعياً أن يتسامحوا مع السلخانات التي أقيمت في المتحف المصري وشارك فيها ضباط أمن دولة، وطبيعيا أن يتسامحوا مع كتاب وصحافيين وصفوهم بالأمس القريب باعتبارهم مخربين يتلقون دعما من الخارج واليوم يعتبرونهم أبطالاً.

لم يحدث شيء في مصر، فقدر النخبة تم تقليبها فقط وتزيينها فتوشحت بما يناسب العهد الجديد خالعة رداءها القديم. ومن ثم كان طبيعيا أن تتحرك أفاعي الثورة المضادة، وأن يجد الجيش نفسه حائرا فيما يفعل. مرات يعتبر نفسه حكما بين القديم والجديد، ومرات يتذكر أن الثوار وهم بالملايين أودعوه ثقتهم ورموا بطموحاتهم وآمالهم في عبه.

اليوم نحتاج للتفريق بين ثوار اطهار لا يريدون إلا أن تعود مصر لكل أبنائها وبين محتجين فئويين أو متمردين يريدون إعادة ما كان لهم من نفوذ وسطوة غير قانونية، نحتاج لقوانين ودساتير تبني البلاد على أسس صحيحة وليس لقوانين يتم تفصيلها لتناسب حزبا بعينه أو تيارا بعينه، وعلى الأحزاب والتيارات أن تتعامل بقدر من التواضع ولا تتصور أن مصر في مرحلة انتقالية قبل تسليمها لهم.

ميدان التحرير باق والضمير الوطني في قمة وعيه وتوهجه، وكل ما ينقص هو مجموعة من الإجراءات الحاسمة تخلص مصر من الآكلين على كل الموائد، والمتواطئين الذين يريدون أن يكون غدنا مثل أمسنا، ليس اقتناعا بأن الأمس كان ملبيا لطموحات الوطن ولكن لمجرد انه كان يلبي طموح حفنة من الأشخاص.

نحتاج وقتا ليدرك الثوار ومن ساندوهم أن كثيراً ممن أودعوهم ثقتهم ليسوا أهلا لهذه الثقة وأن المناضلين الجذريين لم يكن يسمح لهم بفتح أفواههم أو الظهور على الشاشات، ووقتا ليدركوا أن التيارات التي ركبت الموجة والتحقت متأخرة بالميدان لم تكن أصيلة في مواقفها وإنما فعلت ذلك بشكل براجماتي، ومن ثم فإن ترك القيادة لها ليس إلا عملية تشبه نقل حراسة الشاه من ذئب إلى ذئب آخر.

==================

سنة أولى ديمقراطية في الجمهورية المصرية الخامسة

ممدوح طه

التاريخ: 26 مارس 2011

البيان

رغم الجدل السابق والسجال اللاحق، جاء تصويت الشعب المصري ب «نعم» بنسبة 77٪ في أول استفتاء جماهيري بعد ثورة 25 يناير الشعبية على التعديلات الدستورية للمواد الثماني التي ستكون أساس الإعلان الدستوري الذي سيصدر لاحقا في هذه المرحلة الثورية، لتفتح الطريق في سنة أولى ديمقراطية نحو استكمال بناء المؤسسات الرئاسية المدنية والتشريعية البرلمانية في انتخابات لاحقة، في أجواء جديدة في مصر الجديدة، تتسم بالحرية السياسية والنزاهة الانتخابية، وهو الأمر غير المسبوق في الانتخابات والاستفتاءات السابقة على الإطلاق.

وبينما رأته الأغلبية الشعبية التي عبرت عن نفسها بالتصويت الإيجابي في الاستفتاء بحرية وشفافية «عيدا للديمقراطية»، توقاً للانتقال السريع إلى الحكم المدني والاستقرار السياسي ولوقف نزيف الاقتصاد المصري، وتفريغا للقوات المسلحة المصرية لدورها الأساسي لحماية الحدود المصرية خصوصاً الشرقية والغربية بعد أن أدت واجبها كأحسن ما يكون الأداء لضمان المطالب المشروعة للشعب المصري التي رفعها في ثورة يناير الديمقراطية، وخروجا من الدائرة المفرغة للجدال الطويل المتوقع حول دستور جديد، بما يطيل الفترة الانتقالية للحكم العسكري الاضطراري، رأته الأقلية الشعبية التي عبرت عن نفسها بالتصويت السلبي بحرية وشفافية «مأتماً للديمقراطية» انطلاقا من أن التصويت بنعم يعتبر إحياء لدستور 1971 الذي سقط بمنطق «الشرعية الثورية»، وخوفا من أن التصويت المتسرع في الاستفتاء قد لا يمكن التيارات والأحزاب السياسية الجديدة من طرح أفكارها على عموم الجماهير المصرية.

وبما يمكن بقايا الحزب الوطني والتيارات الإسلامية من التأثير الأكبر على رأي الجماهير بما لها من تنظيم أقوى في الشارع السياسي، وطلبا لصياغة دستور جديد يحمل القيم الجديدة لمصر الجديدة ويعكس إرادة الجماهير الشعبية التي جمعت كل ألوان الطيف السياسي والديني المصرية في ميدان التحرير وكل ميادين التحرير في المحافظات المصرية. وربما كانت فكرة التعديلات حسنة، وأسبابهم في ذلك كانت لها وجاهتها ومنطقيتها في رأي نحو 14 مليون ناخب، مثلوا الغالبية الشعبية التي زادت عن أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي المصوتين، والذين بلغ عددهم في الاستفتاء الأخير أكثر من 18 مليون من بين 45 مليون ناخب، بنسبة إقبال على التصويت تزيد عن الأربعين في المئة، وذلك لأول مرة في تاريخ الاستفتاءات المصرية، حيث لم تصل نسبة الإقبال على التصويت في إي انتخابات أو استفتاءات سابقة في أغلب الأحوال عن 15٪، وهو ما يظهر الفارق الكبير بين استفتاءات الماضي الدستوري واستفتاءات الحاضر الثوري. استفتاءات وانتخابات الماضي بنسبة الإقبال الضئيلة عليها، وبغياب الضمانات الواقعية، كانت مشوبة بالتزوير والبلطجة والقمع الأمني والإرهاب الإعلامي والسياسي للمرشحين المعارضين، بحيث لم تعكس النتائج فيها أبدا حقائق التصويت الانتخابي، بما يسرق الإرادة الشعبية ويختطف السلطة التشريعية والتنفيذية لصالح الأقلية المتسلطة على حساب الإرادة الشعبية الحقيقية.

بينما رأينا في استفتاء الحاضر الثوري بما توفر له من الضمانات القضائية واعتماد التصويت ببطاقة الرقم القومي لأول مرة، وبوجود الإشراف القضائي، وغياب الإرهاب السياسي والقمع الأمني والترهيب الإعلامي، وفي ظل أجواء الحرية والنزاهة والشفافية والثقة، بما جعله أول استفتاء مصري حر لا تعرف نتائجه مسبقا لأي من المراقبين كما كان يحدث من قبل في العهد السابق.. إلا أن ذلك لا ينفي وجاهة ومنطقية الأسباب التي دفعت المصوتين الذين بلغ عددهم أكثر قليلا عن ثلاثة ملايين ناخب مثلوا الأقلية النخبوية التي قلت بكثير عن ربع عدد المصوتين بالتصويت ب «لا»، وهي النخبة السياسية الليبرالية واليسارية والعلمانية، وعموم أحزاب المعارضة والتي ضمت معها النخبة القبطية المطالبة بدستور جديد تعيد فيه النظر خصوصا في المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، وربما كان ذلك الجدل العبثي في الوقت غير المناسب وبالأسلوب غير المناسب حول تلك المادة بالذات هو ما أثار نفور الغالبية الشعبية والتصويت بنعم، حيث كانت تلك الأغلبية تضم الأكثرية السياسية من التيارات الشعبية العادية والوطنية والقومية والتي ضمت معها غالبية التنظيمات الإسلامية.

لقد بشرت ثورة 25 يناير الشعبية بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وطالبت بها، ووعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بضمان تحقيقها ديمقراطيا عن طريق تلك التعديلات الدستورية في استفتاء حر لم يشكك في نزاهته أحد من الذين قالوا لا أو الذين قالوا نعم، لتفتح الطريق للتغيير الثوري، والانتقال الديمقراطي وصولا إلى «الحكم المدني « أي غير العسكري وفي ظل الشرعية الدستورية عبر النص على تشكيل جمعية تأسيسية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتأسيس دستور جديد في أجواء الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فالحرية في تصور سهل هي حرية التعبير والحريات الأساسية، والديمقراطية هي حرية الاختيار والمشاركة في صنع القرار، والعدالة الاجتماعية هي حق المساواة الاجتماعية والمشاركة في الثروة الوطنية وعوائد التنمية بعدالة بلا أي امتيازات طبقية.

ولهذا فلعلي لا أرى فيما جرى حتى الآن من تغييرات وتعديلات سياسية ودستورية وتحقيقات قضائية في الجرائم السياسية والاقتصادية وقضايا الفساد بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن، إلا خطوات تدريجية انتقالية في اتجاهات مرغوب فيها لدى الغالبية الشعبية المصرية التي جعلت من الثورة حقيقة واقعية وليس مجرد مظاهرات شبابية أو فئوية أو سياسية من لون واحد، في اتجاه إعلاء صوت الحرية وعرس للديمقراطية التي تعني بكل وضوح وبعيدا عن الصراخ غير المبرر، أو المهاترات الإعلامية الملونة ممن يرون في العرس مأتما، أن رأي الغالبية الشعبية لابد أن يحترم بعد ظهور النتيجة، وإن كان الجدال والسجال مبررا قبلها، ففي الديمقراطية لابد أن تحترم الأقلية إرادة الأغلبية، وإلا فعن أي حرية أو ليبرالية أو ديمقراطية تتحدثون؟!

==================

الإرادة...

الافتتاحية

الجمعة 25-3-2011م

بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

الثورة

تفتح الاجراءات والقرارات والمراسيم التي صدرت الباب واسعاً نحو آفاق جديدة ، وتحقق استجابة فعلية للكثير من الاحتياجات، خصوصاً أنها شاملة لقطاعات واسعة من الحياة اليومية للمواطنين.

واذ تمثل في جوهرها ترجمة لرؤية واقعية تحاكي ما كانت تنتظره العديد من شرائح المجتمع، فإنها في الوقت ذاته، تحدث حراكاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ستكون له نتائجه المباشرة.‏

لكن، ربما الأهم أنها تعيد رسم الصورة التي توهم البعض وهو يوغل في غيه أن يعيد ترتيب تموضعها، وأن يستغل ما حدث ليشكل اطاره الخاص، وأن يحقق مادفعته نحوه أجندة لم تغب يوماً عن أذهاننا، ولا عن حساباتنا، خصوصاً في هذه المرحلة، وما شهدته من تطاير غير مسبوق للكثير من المحاولات المحمومة لتعويض ما خسرته.‏

تعويض كان يمكن أن نقرأ مؤشراته في مواقف وأحاديث بدت متحمسة ومندفعة لتحريك الأحداث والتطورات نحو اتجاهات تعيد تركيب المشهد، ليكون منسجماً مع ما حاكته على مدى العقود الماضية.‏

لكن الأجندة تلك.. تتبعثر والأدوات ترتبك، وهي تتفاجأ بجرأة القرار وإرادة العمل.‏

ليس جديداً القول إن سورية المثال في التعايش، في الاستقرار.. وفي شهادات الكثيرين، هي أيضاً ذاتها القادرة دائما على قلب المعادلات، وتغيير الحسابات، وتبديل المراهنات.. وفي كل لحظة تاريخية ومفصلية تكون على مستوى الحدث بكل تفاعلاته.. ولا تزال هي أيضاً القادرة على إعادة ترتيبها وفق الاحتياجات وأولوياتها.‏

وليس جديداً أيضاً النظر بهذه الثقة إلى وحدة أبنائها والى تلاحمهم، وليس ما جرى في الايام الماضية سوى حدث.. كانت له أجندته التي تحركه، وبواباته الخاصة ونوافذه المشرعة.‏

لكن سورية التي خاضت في الماضي الكثير من التحديات وخرجت منها أقوى مما كانت .. تعيد اليوم الموقف ذاته، وهي على يقين بأن الطريق لم ينته هنا ولم يتوقف هنا.. ولن يبقى حيث هو... يحرك تفاصيله ومعطياته فقط، بل يعيد انسجامه مع الواقع الذي رسخته في عقودها الماضية.‏لم يَرُق للأبواق الكثيرة المفتوحة أن تكون إرادة الفعل في سورية على هذا المستوى من الجرأة سواء في القرار، أم في التنفيذ، أم في المتابعة، ولا أن تمتلك القدرة على المبادرة لأن أدواتها في الحضور والتفاعل تعيد الى الذهن حقائق الجغرافيا والتاريخ والوجدان.‏

كما لم يَرُق لهم أن تكون دائماً حاضرة للبدائل، وجاهزة لرمي الكرة بعيداً خارج التداول، وأبعد بكثير مما كانوا يعتقدون.‏

هي لوحة أخرى تضيف الى المشهد المتميز والفريد الكثير من توضعاته... وتبني بالقدر ذاته خطوات مهمة نحو مشروع الاصلاح الذي بدأته وأطلقته وقربته إجراءات الأمس مسافات أخرى نحو التحقق، ونحو التطلع المشروع لتكون الطموحات دائماً معياراً للفعل والإرادة والتصميم.‏

==================

ليبيا دولة لا وجود لها؟

جاستن ريموندو

السفير

26-3-2011

الفكرة القائلة بأن ثمة أمة تدعى «ليبيا»، هي التي تشكل المعضلة المركزية لفهمنا لما يجري حالياً في تلك «الدولة» المزوّرة، وللغموض الذي يكتنف تصوراتنا بشأن ما سيحصل، أو يمكن ان يحصل هناك.

إن البلد المعروف اليوم باسم «ليبيا» لم يكن موجوداً إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان نتاج زواج قسري للمقاطعات الثلاث: «تريبوليتانا»، في الغرب و«سيرينايكا» في الشرق، و«فزّان» في الجنوب. وقد أُنشئت ليبيا، للمرة الأولى، على أيدي الإيطاليين عام 1933، الذين أرادوا دمج المناطق الثلاث المختلفة، في مستعمرة واحدة وموحدة. تحت حكم «مفوّض سام» فاشستي واحد. وبعد هزيمة دول المحور، سيطر البريطانيون على هذه المستعمرة، ونصّبوا «أميراً» على سيرينايكا.

وفي لمحة تأريخية، وضعها «ديدريك فانديغال» أستاذ التاريخ في جامعة «دارتموث»، يقول: «التاريخ لم يكن منصفاً بالنسبة إلى هذه الأمة. فمقاطعاتها الثلاث سيرينايكا وتريبوليتانا وفزّان تم توحيدها لأهداف استراتيجية خاصة بالقوى العظمى بعد الحرب العالمية الثانية. ومقاطعة سيرينايكا في الشرق، وتريبوليتانا في الغرب وهما المقاطعتان الأكثر أهمية. وكانت الواحدة ترهب الأخرى وتشكك في نواياها. والملك إدريس السنوسي، سليل حركة صوفية إسلامية، كان مقرها في سيرينايكا، تذمر مرات عدة، أمام السفير الأميركي، مشددا على أنه يريد ان يحكم كأمير على سيرينايكا فقط، وليس كملك، على ليبيا.

ويستطرد فانديفال قائلا: «في حالات عدة، لا تزال ليبيا المجتمع القبلي عينه الذي كان موجوداً عام 1951، عندما نالت استقلالها. وليبيا، ككيان سياسي، لا تزال، بالنسبة للعديد من مواطنيها، محصورة بالعشيرة او العائلة او المنطقة. وصورة نظام موحد من التوازنات السياسية تبقى «أمرا مجهولا». وخطر الحكومات المستقبلية، أياً كانت، هو أنها قد تواصل بسهولة، البقاء أكثر بقليل من مجرد قناة توصيل لموارد البلاد الطبيعية الهائلة. والتحدي الحقيقي لليبيا لن يكون إعادة الإعمار فحسب، بل خلق دولة فعلية ذات هوية وطنية مشتركة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1951».

لقد أوضح القذافي، في مناسبات متعددة، نيته في إلغاء الحكومة الليبية، وتحويل السلطة افتراضيا إلى «اللجان الثورية المحلية». لكن الحقيقة، التي يستطيع الجميع مشاهدتها بشكل واضح، هي ان كل من كان يتحدى دكتاتورية القذافي، كان يجازف بحياته.

فالقذافي، والضباط الصغار الذين قادوا الانقلاب ضد الملك إدريس عام 1967، بادروا إلى الاقتداء بالنموذج الغربي لناحية قيام دولة مركزية موحدة. لكن مسارعة معمّر القذافي إلى إخفاء هذه المركزية وراء قناع «جماهيريته» الاشتراكية التي تزعم ان ليبيا هي ديموقراطية مباشرة، تكون السلطة فيها منوطة «بمؤتمرات شعبية محلية» تؤشر بالتأكيد، إلى صعوبة فرض أي نوع من أنواع الحكم المركزي، على مجتمع يرفضه بطبيعته. وهذه هي القاعدة التي ينطلق منها القذافي عندما يزعم انه لا يستطيع التنحي من منصبه لأنه لا يتسلّم أي منصب في الدولة الليبية، غير الموجودة رسمياً. ومن أجل الحفاظ على حكمه، أقام القذافي نظاماً ثبّت بموجبه الوضع الذي كان قائماً، والذي يصفه فانديفال بأنه «المجتمع القبلي الذي كان قائماً عام 1951». لكن المفهوم الايديولوجي لكلمة «الجماهيرية» أزيح القناع عنه بسرعة، من خلال رد الدكتاتور الوحشي، على حركة التمرد في بنغازي.

والسؤال هو: هل يمكن ان تشهد ليبيا في يوم من الأيام، بروز «دولة حقيقية» والوصول إلى «هوية وطنية جامعة ومشتركة»؟

إن تجربة الليبيين مع الدولة الموحدة ابتداء من التفاهات الواردة في «الكتاب الأخضر»، وصولا إلى قرارات الإدارات الاستعمارية كانت بكاملها سلبية. والفترة الوحيدة من السلم النسبي، والازدهار والاستقرار، كانت عندما سُمح لشعوب المنطقة بالعودة إلى انتماءاتهم القبلية، المحلية.

فالتمرد الذي حصل في بنغازي هل هو أساساً حركة انفصالية تهدف للانفصال عن دولة «تريبوليتانا» التي كانت دائماً دولة قائمة بذاتها، والتي هي اليوم مقر الحكومة المركزية، والمعقل الرئيسي للقذافي؟

لمقاطعة «سيرينايكا» تاريخ طويل ككيان شبه مستقل، يعود تاريخها إلى زمن الإغريق القدماء، واستمر حتى العصور الحديثة. وهذا التاريخ يعود اليوم لتأكيد نفسه من جديد. فمقاطعة «سيرينايكا» كانت مركز المقاومة ضد الإيطاليين. وهي أيضا مركز نفوذ طائفة السنوسي وهي مذهب إسلامي، تأسس عام 1837. والسنوسيون الذين يتواجدون بين صفوف القبائل البدوية في الشرق، كانوا دائماً، الأشد عداء وخطراً على المستعمرين. فهم قاوموا حكم الطليان تماماً كما حاربوا العثمانيين، وهم يحاربون اليوم معمّر القذافي.

الملك إدريس الأول، الذي اعتلى العرش بعد الحرب العالمية الثانية كان سليل الأمير السنوسي الأول، وتبين انه كان على حق في تردده بتوسيع حكمه وسلطته إلى طرابلس. ولو أن القوى الغربية، المختبئة وراء الأمم المتحدة، أخذت بنصيحة الملك، وسمحت لمقاطعة «سيرينايكا» بالسير في طريقها، لكان بالإمكان تفادي المأساة الجارية حالياً.

ومما لا شك فيه، ان التمرد الانفصالي ليس مقبولا من القوى الغربية، التي تريد ان تتعامل مع دولة واحدة لاستغلال ثرواتها. وهو أيضا غير مقبول من جامعة الدول العربية، لأنه يفتح الباب أمام بروز مجموعة من الدويلات، الأمر الذي يهدد بتغيير حدود الدول التي نشأت عقب انهيار الامبراطورية العثمانية. فإذا كانت «سيرينايكا» قادرة على الانفصال عن طرابلس، فلماذا لا يستطيع الكرد الانفصال عن العراق، ولا يستطيع شيعة المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، تخليص أنفسهم من ظلم حكامهم السنّة؟

في كل الأحوال، يبدو أن وهم «ليبيا» الموحدة، يتلاشى. وما سيلي ذلك يبقى سؤالا مفتوحاً.

ان اليقظة العربية العظيمة التي تجتاح اليوم شمال افريقيا والشرق الأوسط، لا تطيح بالنظام القديم للسلالات المدعومة من الغرب فحسب، بل تمحو أيضاً الحدود الاعتباطية التي رسمها المستعمرون الغربيون، والخلفاء العثمانيون، وتعيد ترسيمها بشكل يعكس الحقائق والواقع بصورة أكثر واقعية ودقّة. وأية محاولة يقوم بها الغرب لكي يتدخل، وليفرض مخرجاً بدلاً من آخر، لا بد لها من ان تثير غضب السكان الأصليين، وتوجيه هذا الغضب بعيداً عن الطغاة في الداخل.

===================

قواسم مشتركة ... !!

رشيد حسن

الدستور

26-3-2011

باستعراض سريع لمشاهد من الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا واليمن, نجد قواسم مشتركة تجمع بين الحكام الاربعة, من سقط ، او من هو على طريق السقوط, فعلاوة على استخدامهم «الاسلاميين والقاعدة» كفزاعة لحث الغرب، وخاصة واشنطن للتدخل ومساعدة هذه الانظمة, قبل ان يجرفها « تسونامي» الثورة, نجد انهم يحاولون ان يستدروا عواطف الجماهير بالتذكير» بانجازاتهم وبطولاتهم وخدماتهم الطويلة ..!» على مدى عقود لشعوب هذه الدول.

الرد الشافي، على هؤلاء في تقديرنا ،لخصها الشباب المعتصمون وهم يرددون : «ارحل» بعد كل خطاب يلقيه اي من الاربعة ، بعد أن فقدوا ثقة شعوبهم ، ولم تعد تنطلي على اي من المواطنين الوعود الكاذبة، فما قام به هؤلاء الحكام حقيقة لم يكن يصب في صالح هذه الشعوب, فلم يحققوا التنمية الشاملة, ولم يقيموا الحكم الرشيد.. القائم على الديمقراطية والتعددية, وتداول الحكم، والنزاهة والشفافية ، ولم يبنوا دولة القانون والمؤسسات, بل حولوا الاوطان، بعد أن زرعوا فيها الفساد والمفسدين، الى مزارع لهم، ولابنائهم وانسبائهم ومن لف لفهم, الى أرض مستباحة لقوى الظلام ، واعداء الامة الصهاينة، للغربان تسرح بها وتمرح، وحولوا الشعوب الى خدم ، والكيانات الى ارض مستباحة، لكل من هب ودب.

الم يكفهم ما سرقوا، وما نهبوا من مليارات, ابن علي سرق اكثر من 28 مليارا, ومبارك 70 مليارا, القذافي 130 مليارا،والحبل على الجرار.

الم يكفهم النهايات الفاجعة المفجعة, التي ختم بها هؤلاء الطغاة حكمهم، بقتل مئات الضحايا الابرياء، على يد عصاباتهم.

الحكام الاربعة اشتركوا ايضا في العزف على وتر الشرعية, وغاب عنهم انهم اول من تنكر لهذه الشرعية.

فالحاكم عندما يطلق النار على شعبه تسقط شرعيته، ويصبح قاتلا, وهؤلاء الاربعة اطلقوا النار على شعوبهم, فقتلوا الابرياء وروعوا الامنين, ورفضوا الاستماع او الاصغاء لارادة هذه الشعوب, ونسوا أو تناسوا، ان العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب مشروط بموافقة الاخير, وحينما يقول الشعب «لا» تسقط شرعية الحاكم.

ديغول، الزعيم الفرنسي الابرز، رفض الاستمرار في الحكم ، بعد مظاهرات الطلبة المعروفة عام 1968 واعتزل السياسة.

« ارحل» يقولها اليوم الشعبان الليبي واليمني، فهل يستجيب العقيدان,» القذافي وصالح» ، بعد ان اغرقا الشعبين والبلدين الشقيقين بالدماء والخوف.

باختصار..ان جمع الغضب، التي اصبحت تجمع شعوب الامة من الماء الى الماء, حيث يدوي صوتها ، مزلزلا الارض من تحت اقدام الطغاة, يجعلنا نردد بكل تفاؤل وأمل وثقة، ما قاله شاعر فلسطين الخالد «على هذه الارض ما يستحق الحياة».

===================

أميركا والأزمة الليبية.. نتائج متأخرة

مايكل جيرسون (محلل سياسي أميركي)

 «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

26-3-2011

يمثل قرار أوباما القاضي بالمشاركة في الحملة الجوية ضد نظام معمر القذافي تحسناً كبيراً مقارنة مع السياسة السابقة، وانتصاراً للمثاليين المدافعين عن حقوق الإنسان داخل الإدارة، وتطبيقاً لمعيار مهم من المعايير الدولية يعرف ب»مسؤولية توفير الحماية».

ففي 2005 – ومع ترسخ الدروس البشعة والمخيفة لكمبوديا ورواندا والبوسنة في الأذهان - صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة والولايات المتحدة، متبوعتين في 2006 بمجلس الأمن الدولي، على المبدأ القائل بأن الوقاية من الفظاعات الجماعية تجبُّ ادعاءَ السيادة الوطنية؛ بمعنى أنه عندما تنخرط حكومة ما في الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو جرائم ضد الإنسانية – عندما تخوض حرباً فعلية ضد مواطنيها – فإن لدى دول أخرى حق واجب التدخل.

 وقد أصبحت هذه القاعدة المجردة هي أساس التحرك في ليبيا؛ وإدارةُ أوباما تستحق الإشادة لدورها في التأسيس لهذه السابقة.

غير أن أوباما ذهب بتهنئة الذات هذه خطوة أبعد. ذلك أن هذا التدخل، في رأيه، ليس رداً طارئاً فحسب (وإن كان متأخراً)؛ وإنما «هو بالضبط الطريقة التي يتعين على المجتمع الدولي أن يشتغل بها». ويقدم أوباما مقاربته الليبية كنموذج للقيادة الأميركية؛ والحال أنها ليست كذلك.

فبخصوص ليبيا، لم تكن أميركا هي القائدة، بل المقتادة. ذلك أنه على مدى أسابيع، كان الشلل قد أصاب الإدارة جراء انقسامات داخلية قوية لم تُحل.

 وفي الأثناء، توعد القذافي «بتطهير ليبيا داراً داراً»، فدعت فرنسا وبريطانيا إلى تحرك مبكر، ودعمت الجامعة العربية رداً عسكرياً.

 والأسبوع الماضي فقط (بعد اجتماع للبيت الأبيض وُصف بأنه كان خلافياً للغاية) استقر أخيراً رأي الرئيس على مسار.

أميركا لم تقد الرد الدولي، بل دُفعت إلى المسؤولية جراء وضوح وإلحاح بريطانيا وفرنسا. وحتى بعد أن تأتى ذلك، فإن الخوف من أن تصبح بنغازي سريبرينيتشا أخرى هو الذي ضغط على الإدارة وحملها على تغيير موقفها. وبالتالي، فإن رد أوباما على الثورة الليبية ينسجم ويتماشى مع نسق سياسته الخارجية التي أُسست خلال الانتفاضة المصرية الأخيرة: رد فعل متردد، وعملية تتسم بالفوضى، ونتيجة متأخرة.

للرد على أزمة دولية ما، يواجه كل رئيس مقايضة متعددة الأطراف لأن التحرك بتنسيق مع مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية يكفل شكلًا من أشكال الشرعية التي تأتي من الإجماع. كما أن ذلك يضمن توزيع الأعباء العالمية على نحو أوسع. غير أن الخطر الذي ينطوي عليه كل جهد متعدد الأطراف هو أن التحرك يتعرض للإضعاف ويؤخَّر بسبب العضو الأكثر تردداً في الائتلاف.

وبالأمس القريب، كان هذا المتردد هو فرنسا. أما بخصوص ليبيا، فإن الدور لعبته هذه المرة – وعلى نحو مذهل – الولايات المتحدة. وقد تغير ذلك في نهاية المطاف، وهو أمر يستحق عليه الرئيس الدعم والتأييد؛ إلا أنه لا يمكن وصفه بأنه نموذج للزعامة العالمية.

ومما لا شك فيه أنه من الصعب الرد على الأحداث الجسام، وبخاصة عندما لا يتوفر المرء سوى على قدر محدود من الوقت ومن المعلومات؛ بيد أن المشكلة الأكبر هي أن رد فعل الإدارة على الأحداث في إيران ومصر وليبيا، لا يبدو أنه ينبع من رؤية منسجمة للعالم ومترابطة منطقياً. فالإدارة تتعاطف مع المحتجين، ولكنها تجد أن القيام بتحرك في الوقت المناسب ينطوي على مخاطر كبيرة.

وبدلاً من الاعتراف بفرصة تاريخية للمساعدة في جلب إصلاح إلى الشرق الأوسط الأوسع، فإنها تنظر إلى كل تطور باعتباره تهديداً تنبغي إدارته.

 وهكذا، فإنها قد تبدو اليوم، وكأنها تتبنى واقعية مفرطة وتوثر الاستقرار على الحرية، بينما تقوم في اليوم التالي بتوظيف خطاب «وودرو ويلسون». وفي أثناء ذلك، يمكن القول إن الإدارة تمشي على الخط الرفيع بين المرونة والارتباك.

إن جوهر سياسة أوباما الخارجية هو افتقارها إلى الجوهر؛ فعقيدتها هي غياب عقيدة. إنها بالنسبة للحلفاء غير قابلة للتنبؤ؛ وللإصلاحيين، لا يمكن الاعتماد عليها. ولنقارن هذا مع السيناتور جون كيري (الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس)، الذي ألقى كلمة مؤخراً بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

 فبينما اعترف بأخطار تغير سريع، أكد «كيري» على أنه «مثلما أنه لم يكن ممكناً إعادة بناء جدار برلين، فإننا نعلم أن النظام القديم في الشرق الأوسط لا يمكن أن يعود».

ويقترح «كيري»، إلى جانب السيناتور ماكين (الجمهوري عن ولاية أريزونا)، والسيناتور المستقل «ليبرمان» عن ولاية كونتيكيت، حزمة من المقترحات لتعزيز الإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، شبيهة بالجهود الأميركية في أوروبا الشرقية قبل عقدين من الزمن.

ويرى أن الأميركيين يعتقدون أن «الديمقراطية تتيح التعبير الأكمل عن الروح الإنسانية وأن الحرية الاقتصادية هي محرك التجديد والابتكار البشري.

 إننا نعتقد أنه عندما يستطيع الناس الوثوق في حكومتهم والاعتماد على عدالتها، فإن المجتمع الذي يزدهر هو مجتمع مستقر.

كما نعتقد أن الاستقرار والرخاء يمثلان مصلاً قوياً وفعالًا ضد الميول العنيفة إلى العدمية والتطرف».

وفي هذا الوقت، لا يسعنا إلا أن نأمل في نجاح الحلفاء، وحماية المدنيين الليبيين، وسقوط ديكتاتور؛ ولكن رؤية «كيري» هي التي ينبغي أن توجِّه الرئيس إلى الأمام.

==================

سورية امام اهم تحديات التغيير في تاريخها الحديث

محمود زعرور

2011-03-25

القدس العربي

 يبدو أن الحلم بالتغيير الذي راود الشعوب العربية طويلا، وعبر عقود ممتدة، ومر بمراحل انكسارات مختلفة، في أكثر من بلد عربي، ها هو الآن يبدأ مرحلة جديدة، تتسم بالتماهي مع منطق التاريخ، ليعيد الاعتبار إلى قيمه وضروراته.

لقد مثل الواقع العربي، سياسياً، حركة شاذة، واستثنائية، في صورة عالمنا المعاصر، تجسدت بغياب الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.

فسادت أنظمة حكم تسلطية، من نمط نظام الحزب الواحد، حيث تم تعليق العمل بالدساتير، وأعلنت حالة الطوارئ وقانون الأحكام العرفية، وأصبحت المحاكم العسكرية والاستثنائية المؤقنة بديلاً دائماً للقضاء العادي، وهيمنت فئات اجتماعية متحالفة مع الحكومات على مصالح وثروات الشعب وأموال البلاد العامة، بتواطؤ تام علني فاضح وبدون رقابة أو مساءلة، من (مجالس نيابية) أتت بتزوير مكشوف في انتخابات شكلية لا قيمة لها. إن التغيير الذي أنجزته ثورتا الشعب التونسي والمصري، وبدأ به الشعب الليبي واليمني

هو شكل من أشكال إزاحة نظام الاستثناء، الذي دام بفضل سلطات القهر ودشن، بالتالي مرحلة بنائية جديدة تعيد صياغة واقع سياسي بديل ومختلف، من أجل الدخول في عصر الحداثة، حيث نظام الحريات والديمقراطية والعمل بمبادئ حقوق الإنسان.

ولأن الحلم بالتغيير، كما قلت أولاً، يبدأ مرحلة جديدة تعيد الانسجام لمنطق العصر، وتعيد الواقع مجدداً إلى الامتثال إلى ضرورات التاريخ، كان لا بد لسورية، كذلك، أن تدخل مرحلة البدء بالتغيير، من أجل استعادة مغامرتها الديمقراطية التي تم كسرها والقطع معها في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.

إن الانتفاضات المختلفة التي عمت المدن السورية كدرعا ودمشق وحمص وبانياس وغيرها، ما هي إلا بدايات الثورة الشاملة، من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية.

إن الشعب السوري، وهو ماض على طريق المطالبة بحريته، سيواجه تحديات مختلفة، لكنها لن تكون خارجة عن المزاعم المكررة، والذرائع القسرية، من أجل تشويه نضاله، والحد من نجاحاته. ولقد بدأت تلك المزاعم، بالفعل، ولم تتأخر عن الصدور نوبات التشويه الإعلامي، فتم التحدث عن (جماعة من المندسين)، وكذلك هبت بعض الأصوات منددة بما سمته

(أجندات خارجية) أو مهاجمة الناشطين ومقاضاتهم بذريعة (النيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتعكير العلاقة بين عناصر الأمة) من أجل إضفاء الشرعية على مزيد من القمع، حيث التكرار الممل والمفضوح لما تم سماعه في كل من مصر وتونس، وكذلك تالياً، في ليبيا واليمن، مما يدل على تجاهل الدروس الحية رغم بساطتها ووضوحها.

لكن التحدي الأكبر، والذي سيمثل الرد الصحيح على تلك المزاعم هو العمل على التحرك الشامل، الذي لا يستثني أحداً، ويضم كل مكونات الشعب السوري القومية والدينية، التي تحمل الطموحات والأهداف نفسها، والمتجسدة بالدولة المدنية، دولة المواطنة الحديثة والعصرية، فسورية لكل أبنائها.

إن الأنظمة العربية الديكتاتورية التي أنتجت الاضطرابات الاجتماعية والاثنية، وشجعت على التفرقة الطائفية، وشرعنت الفساد والجريمة، وتخلق كل أسباب الهجرة وتفاقمها،

تنتج، كذلك، وفي الوقت نفسه، الظرف المناسب للثورة عليها، وتهيئ كل المناخات لبدء حركات التغيير الشاملة.

إن ثورات الشعوب العربية، وجدت، وستجد الدعم الدولي الكفيل بمساندتها، لأن الاستقرار الكاذب الذي رفعته الأنظمة وتباهت به أمام العالم، لم يكن إلا استقراراً قائماً على القهر وإدامة عالم الصمت.

==================

سورية: وعود ومجازر

عبد الباري عطوان

2011-03-25

القدس العربي

 جرت العادة، عندما يواجه 'بلد ما' ازمة خطرة، داخلية او خارجية، تهدد وجوده واستقراره، يخرج رأس النظام فيه لمخاطبة مواطنيه، مباشرة او عبر شاشات التلفزة، لاطلاعهم على مخططات حكومته لمعالجتها، وشرح الخطوات التي سيتخذها في هذا المضمار.

سورية تواجه حالياً انتفاضة شعبية، انطلقت شرارتها الاقوى من مدينة درعا الجنوبية، وامتدت ألسنة لهبها الى مدن وبلدات اخرى في الوسط والشمال، طالب المحتجون خلالها بالاصلاحات السياسية، واعلاء سقف الحريات، فجاء رد الحكومة فورياً باطلاق النار بهدف القتل، فسقط اكثر من اربعين شهيداً في يوم واحد فقط.

الشعب السوري الوطني الشهم، صاحب التاريخ الحضاري العريق لا يستحق هذه المعاملة من حكامه، فقد صبر اكثر من اربعين عاماً على امل ان يأتيه الفرج، ويرى بلاده واحة من الازدهار والتآخي والعدالة والعيش الكريم، ولكن نفد صبره في نهاية المطاف ولم يجد وسيلة اخرى يعبر فيها عن مظالمه المتراكمة غير النزول الى الشوارع ومواجهة رصاص الطغاة بشجاعة واباء.

ناشدنا الرئيس بشار الاسد من هذا المنبر اكثر من مرة، ومنذ عدة سنوات، بان يستمع الى نصائح الشرفاء من ابناء شعبه، وان ينفذ وعوده بالاصلاح الشامل، خاصة ان الشعب يحبه ويثق بحسن طويته، ولكنه لم يفعل للأسف الشديد، ربما لعدم القدرة، او اعتقاداً بان هذا الشعب لن يقدم على الثورة، وسيستمر في قبول اهانات الاجهزة الامنية واذلالها.

بالأمس خرجت علينا الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس في مؤتمر صحافي، تحدثت فيه عن العديد من الخطوات الجديدة التي سيقدم عليها النظام تلبية لمطالب الشعب السوري 'المشروعة' في الاصلاح السياسي. حيث بشرتنا بان النظام 'يدرس' الغاء حالة الطوارئ، و'يدرس' وضع قانون جديد للاعلام، و'يدرس' قانوناً للاحزاب.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اولاً: هو عن عدم مخاطبة الرئيس بشار الاسد للشعب السوري بنفسه، وترك هذه المهمة الى الدكتورة بثينة، وليس رئيس الوزراء او وزير الداخلية او حتى الخارجية، وثانياً: هل هذا الوقت هو وقت دراسة قوانين، ام هو وقت التنفيذ الفوري لامتصاص غضبة الشعب، وتهدئة الاوضاع، وتجنب الانفجار الكبير الذي قد يغرق سورية في حمامات دماء لا يعلم إلا الله متى تتوقف؟

الشعب السوري سمع كثيراً مثل هذه الوعود بالاصلاح من الرئيس نفسه، طوال السنوات العشر الماضية، خاصة اثناء المؤتمرات الحزبية، او في دورات افتتاح مجلس الشعب، ولكن ايا من هذه الوعود لم ينفذ، ربما لانها مازالت قيد الدراسة. ولذلك لا نعتقد ان وعود الدكتورة بثينة سيكون لها اي اثر ايجابي في اوساط الشعب، فاذا كانت وعود الرئيس لم تر النور عملياً، فهل سيكون حال وعود السيدة بثينة مختلفة؟

' ' '

المسؤولون السوريون يقولون انهم يرفضون الاقدام على اي خطوات اصلاحية تحت ضغوط الشارع، وعبر مظاهراته الاحتجاجية، وهذا منطق يعكس 'مكابرة' ستودي بأهلها الى الهلاك حتماً، لان الحاكم الذكي هو الذي يلتقط اللحظة المناسبة، ويتحرك فوراً لاطلاق مسيرة الاصلاح، ويتجاوب مع مطالب المحتجين دفعة واحدة، هكذا فعل العاهل المغربي في خطابه الذي وجهه الى شعبه متعهداً فيه باصلاحات دستورية كاملة، وهكذا فعل السلطان قابوس بن سعيد عندما حل الوزارة وطرد المستشارين، وقرر وضع دستور جديد للبلاد.

كان جميلاً ان نسمع السيدة بثينة شعبان تقول ان مطالب الشعب بالاصلاح 'مشروعة' فاذا كان الحال كذلك، فلماذا اعتقال المئات من السوريين والزج بهم في السجون لسنوات دون محاكمات لانهم طالبوا بأقل كثيراً مما

طالب به المحتجون المنتفضون في درعا والمسجد الاموي بدمشق وباقي المدن السورية الاخرى؟

واذا كان تحسين معاملة المواطنين السوريين في المطارات والمنافذ الحدودية السورية هو من بين القرارات التي اعلنت السيدة شعبان عن البدء في تنفيذها فورا، فان السؤال هو عن اسباب اهدار كرامة هؤلاء طوال السنوات الاربعين الماضية، واذلالهم من قبل اجهزة امن قمعية تتلذذ في تعذيبهم نفسيا وجسديا، وتبتزهم ماليا؟

رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قال انه نصح الرئيس السوري بضرورة اجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية بسرعة، والافراج عن المعتقلين السياسيين، ولكن نصيحة هذا الرجل الحليف والصديق لسورية لم تجد آذانا صاغية اسوة بنصائح الكثيرين مثله من محبي هذا البلد.

نخشى على سورية من عناد اهل الحكم فيها، مثلما نخشى عليها من اجهزة قمعية امنية ما زالت تتبع عقيدة جهاز المخابرات السري السوفييتي البالية التي لم تحم النظام بل ساهمت في اسقاطه وتفتيت الامبراطورية السوفييتية.

هذه الاجهزة الامنية المتغولة التي ترتكب المجازر في حق شعبها الطيب ستجر البلاد الى هاوية الفتنة الطائفية، وربما الى حرب اهلية تستمر لسنوات، تزهق فيها عشرات ان لم يكن مئات الآلاف، من الارواح البريئة الطاهرة.

النظام في سورية لن يرحل بسهولة ويسر مثل نظيريه المصري والتونسي، رغم ان القمع هو القاسم المشترك بين الانظمة الثلاثة، فهذا نظام بوليسي لا يضاهيه الا النظامان الليبي واليمني. فلا توجد طبقة وسطى في سورية، ومنظمات المجتمع المدني جرى سحقها، ووسائل الاعلام مرتبطة بالدولة وتحكمها عقلية الحرب الباردة، ولكن الشيء الوحيد المؤكد ان الشعب السوري، مثل كل الشعوب العربية الاخرى، لا يمكن ان يتراجع بعد ان انطلقت مسيرته المعمدة بالشهداء نحو التغيير الديمقراطي.

الذين يطالبون بالاصلاح في سورية ليسوا عملاء امريكا والصهيونية، مثلما يطلق عليهم النظام وابواقه الاعلامية في محاولة متعمدة لتشويههم، فشهداء مدينة درعا، واطفالها الذين اعتقلهم رجال النظام، لا يعرفون اين تقع الولايات المتحدة، بل ان معظمهم لم يغادروا مدينتهم الى العاصمة نفسها مطلقا.

' ' '

الوقوف في خندق المقاومة اللبنانية، واستضافة امناء الفصائل الفلسطينية في دمشق بعد ان اغلقت في وجوههم العواصم العربية الاخرى كلها مواقف مشرفة، نعترف للنظام السوري بتبنيها، بل ودفع ثمن باهظ نتيجة لها، ولكننا لا نرى اي تناقض بين اتخاذ هذه المواقف، وتلبية مطالب الشعب السوري بالاصلاح، واذا كان هناك اي تناقض، فاننا نفضل ان يؤجل النظام السوري دعمه للشعب الفلسطيني وقضيته من اجل تلبية مطالب شعبه في اطلاق الحريات ومحاربة الفساد، واقامة المؤسسات التشريعية المنتخبة، وتكريس دعائم الحكم الرشيد. فالشعوب المقهورة لا يمكن ان تحرر ارضا مغتصبة، وجيوش الديكتاتوريات لم تنتصر في اي حرب خاضتها.

الاسابيع والاشهر المقبلة ستكون خطيرة جدا على سورية، لان النظام فيها يقف حاليا امام خيارين، فاما النموذج الليبي حيث التدخل العسكري الاجنبي الذي قد يقود الى دولة فاشلة او التقسيم بل احتمال التفتيت ايضا، او النموذج العراقي، اي الاحتلال الاجنبي، وربما يمكن تبلور نموذج ثالث وسط بين النموذجين المذكورين.

اعداء النظام السوري كثر، في الداخل والخارج، واصدقاؤه قلائل للأسف الشديد، وخاصة في داخل سورية نفسها، والحصانة الوحيدة لتجاوز كل سيناريوهات الرعب المرسومة التي من الصعب تصورها هي الدعم والالتفاف الشعبي.

السؤال الاخير هو: هل هناك فرصة للانقاذ من خلال تطبيق سريع وفوري للاصلاحات؟ الاجابة بالايجاب صعبة، والامر يتطلب معجزة، وممارسات امن النظام الدموية تدفع في الاتجاهات الاخرى، نقولها بمرارة شديدة.

==================

تنظيم التنافس الدولي

الجمعة, 25 مارس 2011

وليد شقير

الحياة

باتت التحولات العربية المتدحرجة وثورات الشعوب شأناً دولياً بامتياز توجب على الدول الكبرى والطواقم الحاكمة في الدول الغربية أن تتابع بدقة وتفعيل كل ما يجري في هذه الدول أو تلك والعمل على استلحاق التطورات الجارية في العالم العربي، الى درجة أن الموقف مما يجري في بعض هذه الدول أصبح مادة نقاش داخلي ومتواصل حول التدخل الدولي أو عدمه وحدوده وأهدافه وأبعاده، كما يحصل في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين وفي روسيا بين هذه الجهة أو تلك في قلب السلطة، وغيرهما من الدول.

وبينما كان التحول الأقل كلفة الذي حصل في كل من تونس ومصر مدعاة تفكير في إعادة النظر في السياسات الخارجية في واشنطن ودول الغرب، بسبب المخاوف من تأثير هذا التغيير في إضعاف إسرائيل، فإن دومينو التحولات أخذ يفرض على المجتمع الدولي والدول الرائدة فيه التفكير في ما هو أبعد من القلق على إسرائيل، ومن قلق إسرائيل على نفسها جراء هذه التحولات.

سرعان ما تراجعت الحجج الإسرائيلية السخيفة القائلة بأن هذه التحولات تدل الى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستقرة والتي تحتكر الديموقراطية لشعب الله المختار وحده، وكل ما يحيط بها معرّض للاضطراب، أو القول إن الولايات المتحدة والغرب يخطئان بالتخلي عن حلفائهما في سرعة لمجرد أن نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي من نوع الأنظمة التي تطمئن إليها الدولة العبرية في سعيها الى إنهاء القضية الفلسطينية.

لقد تخطى تدويل التعاطي مع التحولات في الشرق الأوسط كل هذه القراءات السطحية الى ما هو أعمق من ذلك بكثير، وأثبت تدحرج الثورات أنه يشكل مدعاة للتغيير في العالم كله: في سياساته الخارجية والاقتصادية وفي نظرته الدونية الى منطقة الشرق الأوسط، لأن مخزون حركة الشعوب أطلق قدرات هائلة غير قابلة للضبط من البنى السياسية البالية القائمة التي قبل الغرب بالتعايش معها تحت عنوان حفظ الاستقرار لعقود من الزمن.

وإذا كان القرار الدولي 1973 بفرض حظر جوي فوق ليبيا وحماية المدنيين الليبيين الذين يتعامل معمر القذافي عسكرياً معهم على أنهم جرذان، هو قمة تدويل التعاطي مع الثورات العربية، فإن لهذا التدويل مظاهر سبقته في التعامل مع الحراك العربي في دول أخرى. وليس صدفة أن يتهافت مسؤولون ورؤساء من سائر الدول الى مصر وتونس ويتابعوا عن كثب ما يجري في غيرهما.

ومع أن القلق من التدخل الدولي في أزمات الأنظمة التي تشهد ثورات لتغييرها، مشروع وواجب، فإن انطلاق هذه الثورات من داخل كل دولة نتيجة تراكم القهر والظلم والفساد والقمع والديكتاتورية، يحمل في طياته عناصر ضبط ويضع حدوداً لهذا التدخل يصعب معه تصور تكرار السيناريو العراقي.

ثمة عناصر موضوعية تحكم التدويل الذي نشهده تشكل ليبيا نموذجاً لاستخلاصها. فالغرب لم يعد قادراً على تكرار التجربة العراقية بسبب ما تكبده من خسائر وإخفاقات. وهو ما يفسر، بين عوامل أخرى، التردد الذي تحكّم بقرار الإدارة الأميركية في الإقدام على التورط العسكري، وهو تردد ناجم عن عقدة العراق.

وإضافة الى اتكاء التدخل الدولي في ليبيا على طلب الجامعة العربية، وليس المعارضة الليبية فقط، فإن المنحى الذي أخذته الحملة العسكرية التي يشنها القذافي أخذت تنذر بتحميل المجتمع الدولي مسؤولية المجازر التي يرتكبها وقد يقوم بها لتفوق قواته العسكرية، وهو لم يُشفَ بعد من مسؤوليته عن مجازر الحروب الداخلية في رواندا والبوسنة والهرسك نهاية القرن الماضي. ومن الطبيعي أن تقلق الدول إذا نجح القذافي في منع الانتفاضة الشعبية من تسلم زمام السلطة من أن يحوّل ليبيا ملاذاً آمناً لتنظيم «القاعدة» والإرهاب، المتمرس في ممارسة أصنافه كافة ضد الدول التي أيدت تنحيه.

ولا يمكن هذه الدول أن تتفرج على القذافي يعيد الإمساك بخيرات ثروة هائلة، مع عائلته، ليتحكم بجنونه، باستثمارات ببلايين الدولارات وظفتها في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية ليبتزها ويستخدم أموالها في أفريقيا المرشحة لأن تشمل عدوى الانتفاضة بعض دولها، أو في العلاقة مع دول أخرى تخوض مواجهة مع المجتمع الدولي.

ولا يستطيع المجتمع الدولي أن يدير ظهره لاحتمالات غير مأمونة بعد التغيير في ليبيا، كما سبق أن أخطأ في أفغانستان حين ساعد على تحريرها من الاحتلال السوفياتي عام 1989، فترك لحركة «طالبان» والتطرف أن يسيطرا عليها.

خلافاً للعراق، ينظم تدخل المجتمع الدولي عبر أدوات متعددة الجنسية التنافس الدولي على استيعاب ثورة ليبيا، بدلاً من الأحادية الأميركية، ويقود الى تسويات بين الدول الكبرى (روسيا وأميركا) والمحورية (تركيا وألمانيا) في رعاية التحولات العربية.

===================

السوريون والشكوى من الإعلام

طارق الحميد

الشرق الاوسط

26-3-2011

تشكو دمشق مما تسميه التهييج الإعلامي، وذلك على أثر تغطية الإعلام لأحداث المظاهرات في قرابة سبع مدن سورية، ناهيك بالطبع عن أحداث العنف والقتل بحق المتظاهرين في مدينة درعا جنوب سورية.

والحقيقة أن الإعلام الدولي تحديدا، وجل الإعلام العربي عموما، لم يلتفتا لما يحدث في درعا إلا مؤخرا، رغم وفرة الصور على موقع «يوتيوب». لكن الوضع بالطبع تغير بعد ارتفاع نسبة القتلى، وطريقة القمع العنيفة التي اتبعتها السلطات السورية مع أهل درعا، ومع المتظاهرين في مناطق مختلفة، وهذا أمر طبيعي، فعندما يكون هناك قتلى فلن يكون بوسع النظام، أي نظام، أن يتذمر من الإعلام، أو يعتبر ما يحدث في بلاده شأنا داخليا، كما أن الإعلام لا يمكن أن يسكت، أو يصرف النظر عما يحدث.

ولذا قلنا في مقال يوم الخميس الماضي إن نصيحة الجمعة الذهبية هي: لا تطلق النار.. لا تقتل، فالقتل يفجر الأوضاع ويؤزمها، والطريقة الأنجع هي أن ترفع المظالم، ويتم التجاوب مع مطالب الناس باحترام، خصوصا أن ما يحدث في سورية ليس أمرا خارجيا أبدا، بل هي مطالب حقيقية. والدليل أن تصريحات دمشق الأخيرة تعترف بذلك، حيث وعدت الحكومة بحريات إعلامية، وقوانين أحزاب، ودراسة لرفع حالة الطوارئ التي تجاوزت الأربعة عقود دون وجه حق، فكيف يقال بعد كل ذلك أن أيادي خارجية تحرك الأمور، أو أن إرهابيين يقفون خلف ما يحدث في سورية؟ فما نراه اليوم هو أن القتلى كلهم من صفوف المتظاهرين وليس رجال الشرطة.

الإعلام ليس القصة.. وإن كان هناك من يريد معرفة حجم التحريض الإعلامي ليتأكد أن الإعلام، وتحديدا الغربي، لا يزال رحيما مع السوريين، فلينظر لما فعله الإعلام الغربي بحق البحرين، ليرى الفرق، حيث التحريض، والتلاعب بنسب الطوائف، ومحاولة تصوير الحكومة البحرينية بأنها ديكتاتورية، علما أنها من أول يوم قالت للمعارضة: حسنا تعالوا نتحاور لنلبي مطالبكم، لكن المعارضة قفزت إلى حد المطالبة بالجمهورية البحرينية!

ولذا، فإن أسلم طريقة للتعامل مع ما يحدث في سورية اليوم، وقف العنف والقتل، وليس لوم الإعلام، وتخوين هذا وذاك. فالمظاهرات باتت في تصاعد، ولم تعد محصورة بدرعا، حيث وصلت لحد الآن سبع مدن، وخطورة ما يحدث في سورية أن المظاهرات لم تبدأ من العاصمة بل من الأطراف، وتصل إلى العاصمة، والمدن المهمة. ولهذا دلالات كبيرة، وأهمها أن حاجز الخوف قد كسر، والسبب القتل. فاليوم غير الأمس، حيث الإعلام والتكنولوجيا، ناهيك عن أن ما يدور في منطقتنا، منذ فرار بن علي، وتنحي مبارك، والحرب في ليبيا، وفوق هذا وذاك قرب إسدال الستار على المشهد الحالي في اليمن، وإن كان غير واضح إن كانت النهاية عنيفة، على غرار ليبيا، أم هادئة على غرار مصر، كل ذلك يجعل الأمور أكثر تعقيدا دون شك.

المهم، والأهم، هو عدم استخدام العنف ضد العزل، هذه هي الرسالة، ويجب أن يكون هذا هو الهم الأكبر، وليس انتقاد الإعلام.

=========================

سوريا على طريق ثورة الكرامة والحرّية.. فهل يبادر المسؤولون إلى الإصلاح؟

بقلم: برهان غليون

الأمان 25/3/2011

لفت صمت الشعب السوري أمام اندلاع ثورة الكرامة والحرية في تونس ومصر وانتقالها المدوي إلى جميع الأقطار العربية، بما فيها دول الخليج النفطية الغنية، والملكيات الأكثر رسوخاً في بعض الأقطار، نظر جميع المراقبين في العالم. وتبارى كثير من هؤلاء في تحليل الأسباب التي منعت رياح الحرية المنعشة التي هبت على المنطقة العربية، وألهبت حماسة شعوبها، ووحدت فكرهم ومشاعرهم وإرادتهم، كما لم يحصل في أي زمن سابق، من التأثير في مجرى الحياة السورية.

ولعل النظام السوري اقتنع أيضاً بالأطروحة التي روجتها الصحافة هنا وهناك، واعتبر أن التفاف الشعب السوري حول قيادته بسبب مواقفها الحميدة من القضايا القومية، أمر مفروغ منه يجنبه المساءلة في قضايا الحكم والسياسة الداخلية والحريات، ويوفر عليه الإصلاحات التي ما كف عن الوعد بها منذ بداية العقد الماضي، من دون إظهار أي رغبة، مهما كانت محدودة، في تحقيقها.

ورغم مرور ثلاثة أشهر على ثورة شعبية عربية عارمة أدهشت العالم وأصبحت محور اهتمام المنظومة الدولية بأكملها، من سياسيين ومثقفين وفلاسفة وخبراء في السياسة والإستراتيجية، ومن مشاهد الشعوب التي حررت نفسها بقوة إرادتها وعزيمتها وتصميمها، في مواجهة أعتى النظم القمعية، فقد ظل النظام السوري صامتاً تماماً كما لو أن ما يجري من حوله لا يعنيه بتاتاً، أو أن سوريا منيعة كلياً على أي تأثيرات عربية أو عالمية.

وبينما لم يبق نظام عربي واحد لم يبادر إلى تقديم تنازلات سياسية والوعد ببرامج إصلاح أو الدعوة إلى حوارات وطنية، لم يجد المسؤولون السوريون ضرورة حتى للتوجه بخطاب أو بكلمة أو ببيان للشعب، واكتفوا بما تنشره أو تبثه وسائل الإعلام السورية عن إنجازات النظام الاستثنائية، الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.

وبينما بادرت نظمٌ لا تقل ثقة بقوة الردع التي تتمتع بها أجهزتها الأمنية، إلى إطلاق سراح معتقلين واتخاذ إجراءات فورية لتبريد الأجواء والتخفيف من الضغوط والتوترات التي تعيشها الجماهير المتفجرة توقاً إلى الانعتاق، وأعلن بعض الزعماء فيها عدم رغبتهم في إعادة ترشيحهم لولاية أخرى، وبادر بعضهم الآخر إلى كفّ يد الأجهزة الأمنية عن الملاحقات التعسفية واستخدام القوة والعنف مع المتظاهرين، وأقر بعض ثالث بضرورة تنظيم انتخابات نزيهة وحرة، ضاعفت أجهزة الأمن السورية من تشددها تجاه النشطاء السياسيين، وزجت المزيد منهم في السجون لأدنى الأسباب، وها هي تتورّط في مواجهة المظاهرات بالرصاص بعدما كالت لهم تهماً تساوي الخيانة الوطنية.

وحتى في الملكيات الراسخة والغنية، لم يجد القادة بداً من اتخاذ إجراءات سياسية جديدة بالإضافة إلى الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية، وشعر قسم منهم، لم يعتد مخاطبة الجمهور ولا مغازلته، بضرورة أن يتحدث لشعبه ويخاطبه، كتعبير عن الاعتراف بوجوده أو التظاهر باحترام رأيه. وأعلن ملك المغرب الذي لا يشك أحد بما يتمتع به في بلاده من شعبية، نظراً لما شهدته بداية حكمه من انفتاحات ديمقراطية مهمة، عن مشروعه الجديد لتقليص كبير في صلاحيته السياسية وربما التمهيد لإقامة ملكية دستورية.

بالمقابل، لم يتردد الرئيس السوري في أن يؤكد خلال مقابلات حديثة مع الصحافة الأجنبية، أن الإصلاح السياسي في سوريا مسألة طويلة وصعبة، ولن يكون من الممكن تحقيقه قبل مرور جيل جديد.

لعل القادة السوريين ارتأوْا أن من الأفضل أن لا يتحدثوا في السياسة حتى لا يفتحوا على أنفسهم باب التفكير في الإصلاح السياسي، أو لعل بعضهم اعتقد أن تجهيزاتهم وجاهزيتهم الأمنية قوية بما يكفي لردع السوريين عن القيام بأي عمل لا يرضى عنه النظام، أو بأن شعبهم قد فقد الشعور، وأصبح جثة سياسية، أو أنه تحوّل إلى سائبة لا تعني لها الكرامة شيئاً ولا تثيرها رياح الحرية.

الإشارة اليتيمة التي قبل النظام أن يقدمها في هذه الظروف التاريخية التي تلهب مشاعر العرب جميعا وتدفعهم لركوب كل المخاطر بما فيها حمل السلاح لمقاتلة أعداء الحرية، كما حصل في ليبيا، هي إطلاق سراح هيثم المالح الناشط الحقوقي المسن، بعد سنوات من المحاكمات والاعتقالات.

وحتى في هذه الحالة، استكثر النظام أن يطلق المالح بعفو خاص، فجمله في عفوه العام الدوري عن الجرائم والجنح المدنية، وأكد أن الأصل فيه هو السن المتقدمة، حتى لا يضفي على هذا العفو طابعاً سياسياً يغذي أوهام الناشطين الحقوقيين والسياسيين بأن من الممكن تعميمه في المستقبل أو توسيع دائرته.

ليس ما حدث ويحدث في دمشق وبانياس ودرعا وحمص والقامشلي سوى الإرهاصات الأولى لثورة الكرامة والحرية التي حلمت بها سوريا منذ وقت طويل، دون أن تجد وسيلة لإخراجها.

ليس السوريون وحدهم الذين لفت جمود النظام وصمته أنظارهم، ولم تقتصر المقالات والتعليقات النقدية على السوريين، وإنما أصبحت شاغلاً رئيسياً لكتّاب ومثقفين ومفكرين كانوا ولا يزالون يعتبرون أنفسهم حلفاء أو أصدقاء للنظام.

كما أنهم لم يدركوا أن العالم نفسه قد تغير بفضل الثورة العربية ذاتها، وتغيرت معه الجامعة العربية، كما أبرز ذلك المثال الليبي. ولم يعد أحد يقبل اليوم مشاهد الحرب التي يشنها مسؤول أو زعيم سياسي على شعبه لمجرد طموحه في البقاء في السلطة أو حماية بعض الامتيازات.

ولم يعد من الممكن للرأي العام العالمي، في نظام العولمة الراهن والتواصل المباشر عبر وسائل الإعلام، أن تتنكر حكوماته لواجب التضامن مع الجماعات والشعوب المعرضة لمخاطر الإبادة والاستعباد، أو أن تستهتر بمصادرة إرادتها من قبل جماعات خارجة على العرف الدولي والقانون، سواء اعتمدت في إخضاع شعوبها على القوة العسكرية النظامية أو الأجهزة الأمنية، ومن باب أولى على عصابات المرتزقة وأمثالهم.

والسوريون ليسوا أقل جدارة من الشعوب الأخرى، وليسوا أشباه رجال، أو نمطاً خاصاً من الشعوب التي لا تعنيها الكرامة ولا تعرف معنى الحرية، ولن يقبلوا أن يكونوا أنصاف مواطنين. وما ينشدونه هو ما تتمتع به جميع شعوب العالم اليوم وتنشده أيضاً: حكم قائم على المشاركة والاعتراف بأهلية الشعوب وحقوقها وحرياتها الأساسية، والتخلص من عسف المخابرات وتسلطها على حياة الناس ومصادرة أحلامهم وآمالهم. وليس في هذا أي مطلب استثنائي أو تعجيزي.. بالعكس إنه العودة إلى الحالة الطبيعية، أي السليمة.

لكن إذا لم يكن من الممكن المحافظة على نظام يرجع في نموذجه إلى عصر الحرب الباردة، فليس هناك ما يمنع أصحابه أو الذين آمنوا به من أن يجنبوا أنفسهم مصيراً شبيها بمصير الخارج على القانون الذي تحول إليه القذافي بعدما غامر بشن الحرب على شعبه وأراد أن يفرض نفسه عليه بالقوة، ولا حتى بمصير بن علي ومبارك اللذين اضطرا إلى الانسلال أو التسلل خوفاً من الغضبة الشعبية.

والسبيل إلى ذلك ليس بالأمر الصعب والخطير.. إنه ببساطة ملاقاة مطامح شعوبهم وتطلعاتها الإنسانية الطبيعية، والتجرؤ على إعلانها شعوباً حرة، والاعتراف بأهليتها في حكم نفسها واختيار ممثليها بحرية، وتسهيل انتقالها الحتمي نحو الديمقراطية، والمساهمة في خفض تكاليف هذا الانتقال المادية والمعنوية.

ولا أعتقد أن كثيراً من القادة السياسيين بمن فيهم مسؤولون كبار في أجهزة الأمن من الذين أتيح لي مقابلتهم بمناسبة العديد من التحقيقات التي يشاركني فيها أغلب عناصر النخبة الثقافية، غير قادرين على مثل هذا الخيار، أو غير آبهين بمستقبل شعوبهم وراغبين في تجنيب بلادهم مخاطر العنف والحروب الداخلية، ومن ورائهما احتمال الانزلاق نحو التدخلات الأجنبية القابعة وراء الباب.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ