ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الدور الأميركي في عالم متأزم

ديفيد جي. روثكوبف

باحث زائر بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، ومؤلف كتاب "إدارة العالم"

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"

تاريخ النشر: الإثنين 21 مارس 2011

الاتحاد

في وسع الأزمات إعادة تشكيل الرئاسة الأميركية، تماماً مثلما تفعل الهزات الأرضية بالأمكنة والمشاهد الطبيعية. وفي حالة أوباما، أظهرت استجابته للأزمات التي حدثت مؤخراً في تونس ومصر وليبيا والبحرين وغيرها قدرته على تجاوز الجانب المتحفظ من شخصيته، إلى تأكيد إحدى أكثر المفاهيم رسوخاً عن الدور المتوقع من الولايات المتحدة، والقائد الأعلى لجيشها في مثل هذه الظروف: قيادة العالم.

وفي معظم الجزء المبكر من التاريخ الأميركي، اكتفى الرؤساء الأميركيون الأوائل بمجرد تقديم الدعم اللازم في مجال الشؤون الدولية. وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق روزفلت، لم يغادر أي من الرؤساء أميركا في زيارة لأي دولة من دول العالم. وكان ويلسون أو من كسر هذه القاعدة بزيارته إلى أوروبا. وكانت تلك الزيارة بمثابة مقدمة تولى بعدها روزفلت ذلك الدور القيادي العالمي الذي أصبح سمة مميزة لجميع الرؤساء الأميركيين منذ سنوات الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحرب الباردة. ومنذ ذلك الوقت عرفت أميركا بأنها دولة قائدة للعالم الحر.

وخلال العقدين الماضيين، اجترح الرؤساء الأميركيون نهجهم الخاص. فاعتماداً على النصر العسكري الذي حققته الولايات المتحدة في الحرب الباردة، مدعوماً بقوة النمو الاقتصادي، تمكن كلينتون من تقديم نفسه على أنه "رئيس العالم" بأسره، مستغلاً في ذلك بروز أميركا من فترة الحرب الباردة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة. وبذلك صعد نجم كلينتون الذي كان يسعى لإيجاد الأرضيات المشتركة مع بقية دول العالم بغية تحقيق الأهداف التي تبنتها إدارته مثل العولمة الاقتصادية وغيرها. وعقب هجمات 11 سبتمبر، نصّب الرئيس السابق جورج نفسه "مقرراً" للعالم وقائداً أوحد له. فهو الرئيس الذي سجل اسمه في تاريخ السياسات الأحادية بتبنيه لشعار: "إما معنا أو ضدنا".

وفي ظل الإدارة الحالية يشهد العالم رئيساً لا يبدي حماساً لتقديم نفسه أو أمته باعتبارها أمة مهيمنة على الشؤون الدولية. فهو أكثر تواضعاً وأشد بعداً عن سياسة رفع العصا الغليظة، فضلاً عن ارتياحه للتعاون والعمل الجماعي المشترك مع الحلفاء. ويصل به هذا التواضع إلى حد سماحه للأمم الأخرى باتخاذ الموقع القيادي أحياناً، وهو الموقع الذي لم تكن واشنطن تتنازل عنه لأي أحد كان سابقاً.

غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت خطابيته البليغة هذه تفيد، وتواضع سلوكه في حفز الأهداف والمصالح الأميركية، سواء تمثلت في نشر الديمقراطية، أم في احتواء الانتشار النووي. بل الواضح أن الرئيس -وبسبب تواضعه الشخصي، والظروف الداخلية المحيطة به- لا يبدي تلك الشكيمة القيادية التي قدّم بها الرؤساء الأميركيون السابقون أنفسهم على أنهم قادة للعالم. وفي المقابل يبدو أوباما كما لو كان قائداً للمراسم العالمية، ذلك أنه يكثر طقوس حسن الضيافة والمجاملة والمرافقة أكثر مما يبدي عضلات الدولة العظمى الضاربة التي يقودها.

وعادة ما تصحب الصعوبات والأزمات الوظيفة الرئاسية بحد ذاتها، غير أنه لا ريب أن أوباما قد واجه ظروفاً وتحديات استثنائية. وعليه فإن أي تفكير سابق في أن يكون في وسع أوباما رسم وتحديد الأجندة العالمية، إما أن تكون قد اختطفته الأحداث والأزمات المتتالية التي واجهها الرئيس، أو أن تكون قد طغت على ذلك التفكير. فمن تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية، إلى حالة الضيق التي مرت بها منطقة "اليورو"، ومن حربي العراق وأفغانستان، ومن سلسلة انتفاضات الربيع العربي إلى سفك الدماء المستمر في الحدود الأميركية-المكسيكية، وصولاً إلى تهديدات الخطر النووي في كل من إيران وكوريا الشمالية، تمطر كل هذه الأزمات على رأس أوباما يومياً في بيته الأبيض!

وكان الأسبوع الماضي بمثابة ملخص للأزمات التي تواجهها إدارته. فبينما تعينت عليه الاستجابة للأزمة اليابانية، كان عليه أن يكون له صوت عالٍ في الحوار الدولي الدائر بشأن ممارسات العقيد معمر القذافي في ليبيا، وكذلك في خطط التدخل العسكري في البحرين. كما أنه كان مطالباً بأن يكون له موقف من القرار الذي اتخذته إسرائيل مؤخراً بتوسيع مستوطناتها، عقب اغتيال إحدى العائلات المستوطنة. ووسط ذلك كله، كان على أوباما الاستعداد لجولة رئاسية في أميركا اللاتينية، والاستمرار في خوض معركته مع الكونجرس فيما يتعلق بمصير ميزانيته. ليس ذلك فحسب، بل إن عليه الإلقاء بثقله الرئاسي في قبة الكونجرس دعماً لخطة الإصلاح التعليمي التي تبنتها إدارته. ولك أن تضيف إلى ذلك العبء الثقيل، ظهوره أمام أجهزة الإعلام لأربع مرات على الأقل.

وقد شهد الأسبوع الماضي مبادرة عدد من أفراد الإدارة الجدد، من بينهم ويليام ديلي، قائد أركان الحرب الجديد، وتوم دونيلون، مستشار الأمن القومي الجديد، وسعيهم إلى تحسين أداء المجلس الوزاري للإدارة، وحفز تفاعله واستجابته للأحداث الدولية المتسارعة. وكما تابعنا وشاهدنا، فقد كان هناك حضور كثيف لعدد من الوزراء ولنائب الرئيس في مختلف أنحاء العالم الأسبوع الماضي. غير أن حمى هذا النشاط الدبلوماسي ليست دليلاً على أن أميركا تؤدي الدور القيادي العالمي التقليدي المنوط بها في وقت الأزمات.

فحتى عندما طالب السيناتور جون كيري -رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ- بضرورة التحرك السريع لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، يلاحظ أن أوباما قد أحال اتخاذ القرار في هذا الأمر إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتأخر اتخاذ هذا القرار إلى أن صدر يوم الخميس الماضي. وبذلك توفرت مهلة كبيرة للقذافي، مكنته من تعزيز موقفه ضد معارضيه.

ومهما يكن، فسوف يكشف فشل أو نجاح خطة الحظر الجوي هذه، ما إذا كان أسلوب سياسات أوباما الخارجية المتبع حالياً سوف يخدم مصالح واشن

====================

الثورات العربية: الحرية أو الهوية؟

تاريخ النشر: الإثنين 21 مارس 2011

الاتحاد

كتب المؤرخ البريطاني المعروف"نيال فيرجسون" معلقا ًعلى الثورات العربية الراهنة في مقالة أخيرة بعنوان "ثورات غير أميركية" في أسبوعية "نيوزويك"، معتبراً أنها غير مهيأة لأن تفضي إلى تحولات ديمقراطية حقيقية.

وانتقد الكاتب حماس الإدارة الأميركية لهذه الثورات، معتبراً أن الأميركيين مولعون بالثورات، لأن أمتهم تولدت عن ثورة ونشأت عبر حرب ثورية، ولذا انحازوا دوماً للثورات خارج بلادهم.

فالآباء المؤسسون للولايات المتحدة تغنوا بالثورة الفرنسية واتخذوها نموذجاً لهم ودافعوا عن العنف الدموي الذي انتهت إليه. بل إنهم تحمسوا بالوتيرة نفسها للثورتين البلشفية والصينية في بدايتيهما. إنه "الوهم" ذاته الذي ولدته حسب "فيرجسون" الانتفاضات العربية الأخيرة، في حين أنها تستجيب لمنطق الثورات غير الأميركية الأخرى في سماتها الأساسية: المرور بفترات اضطراب طويلة، الطابع العنيف الراديكالي، والعدوانية إزاء الخارج.

ويخلص الكاتب إلى أن المأزق الذي يواجه الآن الثورات العربية هو غياب قوى ديمقراطية حقيقية، مما سيفسح المجال "للتنظيمات الإسلامية المتطرفة" لكي تستأثر بالحكم وتشن العدوان على البلدان الأخرى (يشير هنا بوضوح لإسرائيل)، كما وقع من قبل للثورات الفرنسية والسوفييتية والصينية.

ليس هذا الموقف بالنشاز داخل الدوائر الفكرية والاستراتيجية الغربية، التي تكرس في أيامنا اهتماماً واسعاً بالثورات العربية المفاجئة. ومن الجلي أن الإشكالية التي تؤطر هذا الجدل حول آفاق التحول الديمقراطي في الساحات الثورية العربية، هي قدرة المجتمعات العربية على الانتقال من الحالة الاستبدادية بتخطي العوائق "القيمية" و"الثقافية" المكرسة للعقلية التسلطية والتصورات الأحادية الاطلاقية للنظام السياسي.

وقد أصدر "فيرجسون" نفسه مؤخراً كتاباً مثيراً بعنوان "الحضارة:الغرب والبقية"، قدم فيه فرضية تفسيرية مثيرة للجدل حول مسببات نجاح الغرب (أميركا الشمالية وأوروبا الشرقية) في التحديث السياسي والتنموي في مقابل فشل بقية العالم (آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية).

وتتمحور هذه المسببات حسب الكاتب في عوامل ستة هي:

أولاً: الفاعلية التنافسية داخل المجتمع الغربي الواحد وما بين الأمم الغربية، مما أفضى إلى بلورة مؤسسات قوية ومستقرة لحفظ التوازن وتنظيم الديناميكية الاجتماعية، كما دفع عقلية الإبداع والاكتشاف التقني، في الوقت الذي عجزت الإمبراطوريات الآسيوية القوية (العثمانية والمنغولية والصينية) عن إبداع مثل هذه المؤسسات فانهارت أمام التفوق الغربي.

ثانيا:الطابع الأوروبي المميز للثورة العلمية الحديثة (من كوبرنيك ألى نيوتن)، على الرغم من استفادتها من إسهامات المسلمين في مجالات الجغرافيا والطب والفلسفة والرياضيات. إلا أن المؤلف يرى أن المسيحيين الغربيين وظفوا معارفهم العلمية لتغيير العالم، في حين أن المسلمين اعتبروا من المحرم "بث الأسرار السماوية".

ثالثاً: أهمية الملكية الخاصة بصفتها دعامة الدولة وسبب وجودها، مما يؤدي إلى سيادة القانون الذي سيشكل قادة النظام التمثيلي الديمقراطي.

رابعاً: أهمية الطب في تنمية الرفاهية الإنسانية والاجتماعية.

خامساً: تطور ونمو المجتمع الاستهلاكي الذي لا بد منه من أجل دفع الحركية الصناعية والتقنية.

سادساً: الأخلاق البروتستانتية للشغل التي تشجع التوفير والجهد وتفضي إلى تراكم الرأسمال. لا تهدف هذه الإشارة إلى كتاب "فيرجسون" عرض هذه الأطروحة الهشة علمياً، وإنما تبيان دلالتها في استكناه واستشراف الوضع العربي الراهن.

فما يتبين بوضوح هنا هو الزعم أن الثورات العربية، وإن قوضت أنظمة استبدادية قمعية وولدت ديناميكية تحول جذري، إلا أنها تفتقد للمرتكزات الموضوعية للتغيير الديمقراطي التي ترتبط عضوياً بالقيم الحداثية "العصية" على الاستنبات في الأرضية العربية الإسلامية.

ليس هذا الرأي بالجديد، بل هو مألوف في الدراسات الغربية السيارة، بيد أن الكثيرين قد راجعوه مؤخراً بعد نجاح الثورات العربية.

صحيح أن مسار التحول الديمقراطي ما زال في بدايته، ومؤشرات الخوف والشك عديدة، بيد أن الثورات العربية الأخيرة، قد نجحت بوضوح في تحقيق ثلاثة مكاسب تاريخية لا غبار عليها، تسمح بالرهان عليها في إنجاز التطلعات الباقية. وهذه المكاسب: إبداع آليات الاحتجاج السلمي الفعالة وقبول التضحيات المترتبة عليها، وتبني خطاب تنويري حداثي يكرس أولوية مقتضيات الحرية على محددات الهوية وخصوصيات الانتماء، والنزعة الانفتاحية على العالم بدل الانكفاء على الخصوصية الذاتية، التي طبعت ما سمي بالثورات الوطنية والقومية في العقود الأولى من منتصف القرن العشرين.

وحتى في الساحات التي عرفت بطغيان المعادلة القبلية (كما هو شأن اليمن وليبيا)، برز خطاب وطني متماسك متشبث بالهوية السياسية الجامعة وبالأفق الديمقراطي مسلكاً أوحد للخروج من العهود الاستثنائية.

ومن الواضح من رصد المشهد السياسي العربي الحالي أنه لا يمكن لأي قوة سياسية أو أيديولوجية بعينها أن تستأثر بالأمر والسلطة عبر القنوات المفتوحة للتغيير داخل الحقل التعددي المتولد عن انهيار النظم الاستبدادية، كما أن المؤسسة العسكرية توجد لأول مرة في تاريخ الجمهوريات العربية مرغمة على الخروج من الحلبة السياسية التي كانت تتحكم فيها.

فما يخشى منه في الديمقراطيات الوليدة ليس عودة الديكتاتورية والاستبداد عبر أنظمة شعبوية ثورية (بحسب النموذج السوفييتي – الصيني)، وإنما الدخول في فترة اضطراب سياسي طويل ناتجة عن مصاعب الانتقال الديمقراطي وشدة تنوع وتفكك الحقل السياسي، مما عرفته كل الديمقراطيات الناشئة في أوروبا وأميركا الجنوبية.

فمن البديهي أن مفهوم الثورة كتغيير جذري وإعادة بناء للإنسان والمجتمع لم يعد قائماً، بل يعود للأنساق الإيديولوجية المنحسرة. فالثورات العربية الجديدة هي أقرب لديناميكيات التحول الديمقراطي التي عرفتها مناطق شتى من العالم منذ سبعينيات القرن الماضي إلى انهيار جدار برلين وما تلاه من نتائج نوعية معروفة، ولا يمكن اختزالها في تلوينات أو شعارات إيديولوجية أو خيارات دينية أو ثقافية بعينها.

وما تحدث عنه "فيرجسون" من فوارق حضارية جذرية بين السياقين الغربي والإسلامي تفنده الوقائع الموضوعية التي أبرزت للعيان زيف "أسطورة الاستثناء الإسلامي"، وأكدت مركزية وحضور قيم الحداثة والفردية والعقلنة في الحركات الاحتجاجية الراهنة دون إحساس بتصادمها مع المرجعيات العقدية والحضارية العميقة للأمة.

====================

مشاكل التدخل ضد القذافي

المصدر: صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية

التاريخ: 21 مارس 2011

البيان

الديمقراطية لا تحب الحرب، لكن في بعض الأحيان تذهب الحرب للدفاع عن الديمقراطية. ف«القوة الناعمة»، هذا المفهوم الملائكي الذي فرض نفسه على جورج بوش في إستراتيجيته في حربه ضد العراق، كان عبارة عن ضمانة مثالية لاستخدام القوة حينها، ولو أن الملايين وقفوا ضده. ولكن بوش لم يعر اهتماماً إلى ديمقراطية الجمهور، مبرراً ذلك بأنه مضطر لاستخدام القوة. «القوة الناعمة» لم تثبت فاعليتها مع الدكتاتور الليبي معمر القذافي، فقد استعاد الدكتاتور قوته العسكرية، ومارس اللعب على اللامبالاة والتخاذل من الغرب.

الربيع العربي له كل المبررات في السخرية من العالم الحر وحتى احتقاره، لأنه عجز منذ بدء الثورة الليبية عن أن يمد يد العون لأولئك الثوار الذين خرجوا من أعماق المجتمع الليبي لكي يعلنوا الثورة، شاهرين علم النظام الملكي القديم، ليعبروا به عن المحرومين والدعوة إلى الحرية. قبل إعلان قرار مجلس الأمن باستخدام القوة، كان القذافي على وشك الفوز، وخاصة في تقدمه نحو معقل الثورة في بنغازي، وهذا الانتصار العسكري كان من شأنه أن يضع حداً للآمال التي تراود الشارع العربي. حدث كثيرا في التاريخ المعاصر أن الديمقراطيات الضعيفة تركت المجال مفتوحا أمام الدكتاتوريات، ولم يفت الأوان لتكذيب هذه القاعدة، على حد قول وزير الخارجية الفرنسي الآن جوبيه، الذي كشف أن «العديد من الدول العربية» ستكون مستعدة ل»المشاركة الفعالة» في عملية عسكرية في ليبيا. وأضاف: «إن التهديد باستخدام القوة يمكن أن يوقف القذافي». وقد استطاع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن ينقذ شرف أوروبا في كونه أول رئيس دولة اعترف بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، ومقره في بنغازي. وانتصار القذافي يشكل أكبر إذلال لأوروبا.

كان الرأي السائد قبل أيام، أنه لا شيء جاد يمكن توقعه من الاتحاد الأوروبي ولا من الأمم المتحدة ولا من باراك أوباما، لأنهم تخلوا عن مبدأ التحفيز على الحريات الديمقراطية التي يطالب بها المسلمون. لم إذا لم تأخذ فرنسا وبريطانيا زمام المبادرة بقصف عدد من النقاط الإستراتجية في ليبيا، من أجل كسر زخم الدكتاتور ودعم المقاومة الحقيقية؟

الخشية كل الخشية أن يتكرر سيناريو حرب العراق، من بلد هدمت كل البني التحتية فيه، وهناك الآلاف من الليبيين الذين قد يضطرون إلى الفرار من الدكتاتورية، بعد اقدام الغرب والولايات المتحدة على قصف المواقع الليبية. وهذا بحد ذاته، وإن كان سيقلع كرسي الدكتاتورية، إلا أنه سيسبب إشكالات جديدة على الواقع الليبي، خاصة أن المعارضة الليبية لا تحبذ التدخل العسكري الأجنبي، على عكس المعارضة العراقية التي تحول قادتها إلى جواسيس للقوات الأميركية. وكانت النتيجة أن العراق فقد كل شيء، وخاصة استقلاله عن الإدارة الأميركية، التي سارعت إلى زرع أكثر من مائة قاعدة عسكرية في طول البلاد وعرضها.

والمشكلة الآتية هي: هل أن أوروبا مستعدة لأن تستقبل مئات آلاف اللاجئين الليبيين المحتملين، وتتحمل هذا العبء الكبير الذي لا يمكن تحمله في ظروفها الاقتصادية المعروفة؟ ولكن، هناك استعداد لدى المعارضة الليبية لكل احتمالات التدخل، لأنها لا يمكن أن تتحمل هذا القصف الوحشي الذي تقوده كتائب القذافي وجيشه على المدن التي يحكم فيها الثوار. وهذه نقطة تحول قد تغيّر من موازين القوى العسكرية. وكان لا بد من تقبل المعارضة لهذا التدخل العسكري الذي توجه مجلس الأمن بغطاء شرعي، يعطي الضوء الأخضر لدك مواقع القذافي، وخاصة منطقة باب العزيزية التي يتمترس فيها مع أولاده وقادته ومستشاريه ووزرائه.

الأيام المقبلة ستكشف عن عمق المأساة التي حفرها القذافي بيديه في الأرض الليبية.

====================

أوباما والاستراتيجية الثلاثية لعلاج الاقتصاد الأميركي

روبرت رايش

التاريخ: 21 مارس 2011

البيان

يتحول صراع واشنطن العملاق، بشكل خطير إلى منعطف شديد الجدية في غضون بضعة أسابيع، عندما يتعين رفع سقف الدين الأميركي. وإذا لم يتم ذلك، فلن يتم إصدار شيكات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وسوف تدخل أميركا دائرة التخلف عن سداد ديونها.

سوف يجعل هذا من شلل الحكومة شيئاً هيناً كلعبة أطفال، مقارنة بما يمكن أن يحدث في هذه الحالة.

يتعهد الجمهوريون بأنهم لن يصوتوا لرفع سقف الدين دون إجراء تخفيضات أكبر بكثير في الميزانية الفيدرالية بالنسبة لباقي العام، لكن مثل هذه التخفيضات سوف تعرض الانتعاش الهش للخطر.

يجب على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يبذل كل ما في وسعه لتوفير فرص عمل الآن، بدلاً من خفض ميزانية هذا العام. لكن هل سيخوض المعركة؟ لا تعولوا على ذلك، فمن المرجح بشكل أكبر أنه سوف يقوم «بالتثليث»، مثل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

يعتقد مساعدو الرئيس أوباما الحاليون، الذين كان يعمل الكثير منهم في إدارة بيل كلينتون ويتذكرون بوضوح التجديد النصفي لكلينتون في عام 1994 وإعادة انتخابه بعد عامين، أن الرئيس يتعين عليه أن يتبع طريقة كلينتون. ينبغي على أوباما أن ينأى بنفسه عن الديمقراطيين في الكونغرس، ويتبنى تخفيض العجز، ويسعى إلى الحصول على الإرشاد من الشركات التجارية الكبرى، فهم يفترضون أنه بما أن سياسة التثليث أفلحت مع كلينتون، فسوف تفلح مع أوباما.

إنهم مخطئون، فتحول كلينتون إلى اليمين لم يكن سببا في فوزه بإعادة الانتخاب في 1996، وإنما أعيد انتخابه بسبب قوة الانتعاش الاقتصادي. فبحلول ربيع 1995، كان الاقتصاد الأميركي قد ارتد بالفعل، موفراً فرص عمل بمتوسط مئتي ألف وظيفة جديدة في الشهر. وفي مطلع عام 1996، بلغ الأمر حداً مدوياً، حيث توفرت 434 ألف وظيفة جديدة في شهر فبراير وحده.

كان الركود الاقتصادي عامي 1991 و1992 محدوداً نسبياً، ذلك أن فترات الركود انتهت. وكما هي بالنسبة لمعظم فترات الركود الاقتصادي، بادر مجلس الاحتياط الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى مستويات عالية جداً، استجابة للمخاوف من التضخم، وقد سهل هذا من الترتيب للانتعاش اللاحق، فقام المجلس بعكس المسار وتخفيض أسعار الفائدة قصيرة الأجل.

لم يحالف الرئيس أوباما الحظ بهذا القدر، وجاء الكساد العظيم عقب انفجار فقاعة الديون العملاقة. فالإقراض والمضاربة غير المسؤولين من جانب وول ستريت، إلى جانب الرقابة غير الحكيمة من جانب الجهات التنظيمية الفيدرالية، أوجدت مزيجاً فاسداً انفجر في نهاية 2007، وما زلنا نشعر بهزات الانفجار الناجمة عن ذلك حتى الآن. وأبقى مجلس الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة قريبة من الصفر لأكثر من عام، وفتح سدادات نافذة الخصم، دون نتيجة أكبر، بينما يواصل معدل البطالة التحليق حول 9؟، وحالة النمو الاقتصادي مثيرة للشفقة.

نعم، ترتفع أرباح الشركات، لكن القليل منها يتقاطر إلى القطاعات الاقتصادية الرئيسية في أميركا. دائماً ما تأتي الوظائف بعد الأرباح، ولكن الشركات توظف الآن ببطء شديد، ذلك أن أرباحها تأتي أساسا من رواج مبيعاتها من عملياتها الخارجية، خصوصا في الصين والهند، جنبا إلى جنب مع تخفيضات في الأجور والوظائف والفوائد هنا في الولايات المتحدة. نعم، يرتفع مؤشر سوق الأوراق المالية، لكن هذا لم تتم ترجمته إلى نمو كبير.

تعاود فئة أغنى 10٪ من الأميركيين، وهم الذين يمتلكون نحو 90٪ من جميع الأصول المالية، الشراء مجدداً (شركتا نيمان ماركوس وتيفاني وشركاه اللتان تحققان نتائج جيدة)، لكن معظم الأميركيين لا يزالون يحصلون على القليل من القوة الشرائية، وما زالوا قلقين بشأن وظائفهم وأجورهم، وتواصل أصولهم الرئيسية وأسعار منازلهم الانخفاض في القيمة، وتمضي أسعار الوقود في اتجاه الصعود، وثقة المستهلك بلغت أدنى مستوياتها في خمسة أشهر.

لا يمكن الحفاظ على انتعاش قوي، من خلال ال10 الأكثر ثراء في أميركا. قبل فترة الركود الكبير، تلقت هذه الفئة نحو نصف إجمالي الدخل، لكنهم شكّلوا حوالي 40٪ فقط من إجمالي الإنفاق. لا تكفي نسبة 40٪ من الإنفاق لإقناع الشركات بالاستثمار في قدرات وفرص عمل جديدة، وهذا هو السبب في أن الشركات ما زالت تجمد ما يقرب من تريليوني دولار من النقد. لذا فقدت العديد من الوظائف منذ انتخاب أوباما، وانضم الكثير للغاية من الناس إلى قوة العمل التي تحتاج إلى وظائف. وحتى لو كان نمو الوظائف يتناسب مع السرعة غير العادية في أواخر التسعينات من القرن الماضي، عاما بعد عام، فإن معدل البطالة لن يقل عن 6٪ حتى عام 2016. وهذه الوتيرة في نمو الوظائف غير محتملة الحدوث، على أقل تقدير.

لو تمكن الجمهوريون من خفض الإنفاق الفيدرالي بشكل كبير من الآن وحتى يوم الانتخابات، بينما تواصل النفقات الحكومية الانكماش وترتفع أسعار الوقود، فلن يكون هناك ما يكفي من الطلب على السلع والخدمات التي يستطيع الاقتصاد إنتاجها، وسوف يعني هذا ارتفاعاً متواصلاً في معدل البطالة ونمواً هزيلاً.

إن التحدي الذي سيواجهه الرئيس أوباما في عام 2012، ليست له علاقة بالتحدي الذي واجه بيل كلينتون في 1996. وإذا كان أوباما يريد أن يشعر الأميركيون بالتفاؤل بشأن الاقتصاد بحلول موعد الانتخابات، فعليه محاربة خطط الجمهوريين لخفض العجز في الموازنة بين الحين والآخر.. ولن تكون لاستراتيجية التثليث جدوى.

====================

الجيش الإسرائيلي يزيّف الواقع

بقلم: ألون عيدان‏

هآرتس

ترجمة

الأثنين 21-3-2011م

ترجمة : ريما الرفاعي

الثورة

اذا حاولت التجول سيراً على الأقدام في مدينة الخليل، فسوف تصاب بدرجة كبيرة من اليأس. وسوف ترى في منطقة الحرم الابراهيمي، عند طرف الباحة المحاطة بجدار منخفض، الدمار والخراب،

وخاصة عملية الفصل غير المنطقية بين السكان العرب واليهود. سوف تلاحظ بضعة أطفال عرب في وضع مزرٍ، يشتمونك في البداية، ولكن اذا تبسمت لهم سوف يطلبون منك المال. وسوف يزداد يأسك عندما تدخل الى الشارع الرئيسي الذي يبدو كأنه مقتطع من مشهد نهاية فيلم آخر الزمان. فالمحال التجارية في السوق مغلقة، ونوافذ البيوت مسدودة بشبك وقضبان، وثمة كتابات يهودية عنصرية تحارب على الجدران كتابات اسلامية وقومية، فنجمة داود تُمحى ليحل محلها الصليب المعقوف، والصليب المعقوف يُمحى ليصبح شعار حركة «اكهانا حي». وإمعاناً في هذا الوضع الشاذ والمأساوي، سوف تلاحظ كل بضعة أمتار موقعاً عسكرياً محصناً يقف عنده جندي مع سلاح جاهز للإطلاق، بينما عين الجندي ونظراته تتحرك على المحور مترنحة بين الملل والتأهب .‏

 إن الخليل هي مثال حي ، أو بالأحرى ميت ، لما يمكن أن يبدو عليه مكان يائس، وللشكل الذي قد يتحول فيه اليأس الى موت. وبالنسبة للزائر الى المدينة، فإن هذه المشاهد تضرب العينين. كل مشهد يثير فيك تداعيات ينبغي محاربتها، ولكن قد لا ينجح ذلك دائما.‏

ويبدو أنهم في الجيش الاسرائيلي أيضاً لديهم هذا الشعور بالاختناق الذي تثيره أي زيارة للخليل. وقد اتخذ الجيش قراراً بضرورة تغيير «منظر» المدينة. وبحلول منتصف هذا العام، ستكون هناك محاولة لنزع الصبغة العسكرية عن عدة مواقع تشتمل من جملة ما تشتمل عليه على تركيب شبكات ساترة من الحديد، على نحو يجعلها تندمج في جمالية المباني المحلية في المدينة. وبحسب مصدر عسكري، فإن المقصود هو اعادة بناء المواقع بحيث يكون لها منظر طبيعي مندمج مع معالم المدينة. وعلى سبيل المثال، سيكون للمواقع بدل المواقف الحديدية ساتر من الحجارة، ما يجعلها تندمج في المشهد المحلي، وبحيث لا يشعر الناس أنهم يعيشون داخل قاعدة عسكرية، وهو اجراء يستهدف استدعاء الحياة الطبيعية وخفض الصورة العسكرية‏

وقرار الجيش هو في الأساس اسرائيلي جدا، يشتمل على عدد من الفروض والاستنتاجات التقليدية للمكان والعصرنة. الفرضية الاولى هي أن الواقع لا يمكن تغييره جذرياً، والفرضية الثانية هي أن الواقع يتسبب في ضرر بشأن العلاقات العامة، والثالثة أن هذا الضرر يتعلق بجمالية المكان. وبناء على ذلك، فإن الاستنتاج الرئيسي من كل ذلك هو ان ثمة حاجة الى تغيير شكل رؤية الناس للواقع، وطبعا دون أدنى تفكير بتغيير الواقع نفسه.‏

اليوم، وقد تم تقييم الوضع بناء على منطق العلاقات العامة، فإنه سيتم استخدام الطاقة والوسائل كلها في العملية الجراحية التجميلية، رغم أن المريض يعاني ورما خبيثا. سيكون من الممكن في نهاية العملية التجول في المدينة من غير أن نعثر على كثير من المشاهد المؤذية للعين . وعندما يأتي طلاب اسرائيل لجولة تراث في مدينة الآباء، سوف يشاهدون مواقع صغيرة غريبة على طول الشارع الرئيسي لكن الساتر الحجري سيثير فيهم رائحة محلية فيتابعون طريقهم من غير أن يقفوا عند المنطقة المظلمة أكثر من اللازم.‏

وهذه الطريقة في التفكير تشير الى معنى مصطلح «الدفاع» عند «جيش الدفاع الاسرائيلي». فالدفاع، بحسب المعجم الاسرائيلي، هو في الأساس إخفاء الواقع. والقوة المسيطرة تدفع المشكلة الى مكان لا يمكن مشاهدته. ومن إجل نجاح هذه العملية، تصبغ القوة المسيطرة نفسها بألوان المكان وتختفي تحت جنح الظلام، بينما يبقى الواقع كما كان، مجنوناً ويهدد بالانفجار. ‏

====================

الأخبار... أية أخبار؟!

د. بثينة شعبان

الرأي العام

21-3-2011

إذا كان هناك من تسمية لهذا العصر يتفق عليها الجميع فهي إنه «عصر الإعلام» حيث ان المعلومة، وسرعة وصولها، وطريقة عرضها، وأساليب التمويه فيها والتركيز على بعض تفاصيلها، أو إهمالها تماماً أو التوسع في عرضها وغير ذلك من مداخل ومخارج لهذا الأمر أصبحت ليست كما يريدنا العديد من وسائل الإعلام وممولوها أن نعتقد بسذاجة، أو طيبة قلب، أنها حرة تماماً أو بأنها صوت من لا صوت له بالمطلق، بل أنها كذلك ولكن حسب الحدث، وحسب الهدف من إيصال المعلومة المعنية أو عدمها، وحسب طرق معالجتها تلك المعلومة، أو جزء منها وفق «المواصفات» المطلوبة، أو تصنيع المعلومة وفق أحدث تقنيات الإخراج الدرامي المسرحي والسينمائي. وفي الوقت الذي أخذ الإعلام الالكتروني يتقدم الصفوف الإعلامية فإن الكفاءة الحرفية، والحنكة المهنية، والسرعة التقنية، وامتلاك مهارات الإقناع المبنية على مخرجات علوم النفس، والاجتماع، والعلاقات قد أضيفت هي أيضاً على صدقية الحدث، وصدقية نقله. وقد عكس نقل الأحداث الأخيرة في منطقتي الشرق الأوسط واليابان وعياً حثيثاً بأهمية الإعلام من قبل الأطراف كافة بحيث أصبح استغلالا، بل وتشذيبا، أو تضخيما، أو تخفيفا، ما يجري يرغم المشاهد الرافض للوصاية الإعلامية، على البحث عن روايات مختلفة من مصادر عديدة ومتنوعة الاتجاهات ومن ثمّ اتخاذ قراره الصعب: أين تكمن الحقيقة، وأي جانب منها، وما الهدف من إيصالها له بالطريقة التي تعرض بها. وتدخل حسابات شتى في نقل المعلومة اليوم، المحلية منها أو الدولية، لدى وسائل الإعلام «الحرة» منها و«الرسمية» على حد سواء، الممولة من قبل الحكومات أو القطاع الخاص أو حتى هيئات المجتمع المدني بحيث تتم صياغة الخبر، السياسي منه أو حتى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وفقاً لمواقف محددة، وتبعاً للمصالح والضغوط أيضاً، ولا ننسى برامج الحوارات والمقابلات التي تبدو أنها تقدم الآراء المتنوعة، والأنداد من السياسيين والشخصيات، وبأنها «حرة» بالمطلق أيضاً، ولكن هنا أيضاً السر يكمن في السؤال، وعن أي موضوع، وفي الجواب، والمجيب أيضاً.

وقد كانت أخبار الكوارث المتلاحقة التي حلت بالمدنيين اليابانيين، والتغطيات المختلفة تماماً من مصدر إعلامي الى آخر للأحداث الدامية والأيام العصيبة التي تمرّ بها شعوبنا العربية في ليبيا و البحرين واليمن والتي بدأت بوادرها تزور المدن السورية، بعد أن شهدتها مدن الأردن، وفلسطين، والعراق، والكويت والسعودية ودول الشمال الإفريقي كلها أمثلة صارخة على ذلك. ففي الوقت الذي حاولت السلطات اليابانية معالجة آثار كوارث طبيعية متلاحقة حلت بالمدنيين اليابانيين بطريقة لا سابق لها سعت بالخروج بالمعلومة دون إثارة الرعب بين الناس عبر تصريحاتها المدروسة، ولكنها تناست أن الباحث عن الحقيقة يمكنه أن يرى قنوات أخرى ليتعرف على تقارير وتفسيرات مغايرة، تكشف حجم المعاناة، والخطر المحدق بالأحياء والناجين من الزلازل المهددين بالإشعاع النووي.

في الوقت الذي يتفهم فيه المرء حرص السلطات اليابانية على معالجة هذه الكارثة دون إثارة مزيد من الرعب والهلع بين المدنيين فإنه من غير المفهوم على الإطلاق لماذا تأخذ فضائيات عربية رسمية الدور النمطي الناكر لما يحدث تماماً لديها فيما تواصل نقل مجريات الحراك السياسي المطالب بالتغيير في بلدان عربية مجاورة، لا بل أن بعضها أخذ دور المساند لثورة الشعب في بلد عربي بعيد بينما تتجاهل ثورة شعب عربي مجاور.

ويتحول العنف في بلدان عديدة إلى مظاهر حرب شاملة بين سلطات اعتادت نمط الحكم المطلق واستساغته وبين الجماهير المطالبة بالتغيير الآن التي لا سلاح لها سوى الهتاف وحسب. هذه الأحداث لا نراها على فضائيات وصفحات جرائد البلد المعني سوى بعبارات «عناصر شغب» و«مخربين» وغير ذلك، من عبارات الهروب من الواقع، ولكن نراها بوضوح وبالتفصيل على شاشات وصحف أخرى، رسمية وخاصة، عربية أم أجنبية على حد سواء، سجلت هي الأخرى لأسبابها الخاصة الحدث، فيما أهملت هي الأخرى أحداثاً مماثلة في بلدها، أو في بلدان عربية أخرى. وهنا يبدو أن مفهوم حرية الإعلام فهم من قبل الجميع أن تكون وسيلة الإعلام «حرة» بأن «لا تنقل» الحدث أو «تنقله»، فهي حرة بذلك، وبأن «لا تسجل كل تفاصيله» أو «تنقل بعض تفاصيله» فهي حرة! وأن «تتوسع» في نقل الأخبار بتمعن وبدقة أو تعرض «موجزاً مقتضباً» عنه وحسب، فهي حرة.

وتتناقض الروايات بين نشرات الأخبار في الفضائيات الناطقة بالعربية إلى حد التشويش المقلق بين الثوار والسلطة بحيث لا تعلم بالضبط من يسيطر على أي مدينة أو أي حيّ، ولكن الدم العربي يسيل من الطرفين، وكل هذه الدبابات والطائرات والهليكوبترات والمدرعات وعناصر الأمن والجيوش المعبأة للقتال التي أريد لها أن تكون «درع الوطن» تستخدم اليوم لقمع الأخ الأعزل والشقيق المسالم دون هوادة لمجرد أنه يريد حرية التعبير، وحق المشاركة في الحكم، وحق حصته من ثروة البلد! ولا نعلم على الإطلاق حجم الخسائر بين المدنيين الأبرياء، ولاحجم حاجتهم إلى المساعدة الطبية، ولانعرف مصير القتلى، والجرحى، ووضع المشافي، والدواء، ولا نعرف الوضع الغذائي، والتمويني في أي من هذه المدن العربية ولكننا نستطيع أن نقدر حجم الدمار والمعاناة في بعضها عند مقارنتها بحجم الدمار والمعاناة في غزة والعراق ولبنان، وهي الأخرى تشهد حراكها الشعبي الهاتف سلمياً أيضاً بالمطالب. وهكذا وعلى الأغلب يتم تجاهل حاجات ومعاناة المدنيين الضرورية من قبل فضائيات، وحتى فيسبوكات، وصحف عربية، ودولية، عريقة، وطارئة، على حد سواء، كل لأسبابه ودوافعه الخاصة، وبين كلّ هذا وذاك الغرب الذي نعرفه، بمصالحه الدائرة حول إسرائيل وأمنها، وبازدواجيته التي لا يخجل منها، يسعى لاستثمار دماء العرب هذه المرة أيضاً، خاصة وأنها تسيل على «يد بعضهم البعض»، ودوره الآن المحرض أحياناً، والناصح أحياناً، والمموّل أحياناً، واللاعب الفعّال دوماً، في العلن عندما يريد ويتمكن، كما كان الوضع في العراق وفلسطين ولبنان وفي ليبيا اليوم، وفي الخفاء هنا وهناك لإجهاض الثورة هنا، وتأجيجها هناك! وليس هذا مفاجئاً على الإطلاق فالغرب له مصالح كبرى في الوطن العربي لم يكن منها يوماً نشرالديموقراطية، ولا دعم الحرية في ربوعنا إلاَّ إذا كانت تنسجم مع «أمن إسرائيل» وإلاَّ فإن مصيرها سيكون مثل مصير الديموقراطية الفلسطينية!

الغرب يتدخل في هذا الوضع أو ذاك أو يترفع عنه ولكن الحراك هذه المرة له أسبابه الداخلية المتراكمة، وفي كل الأحوال فهو يبحث عن مداخل للتدخل لتحقيق مصالحه وحسب، حتى إذا دخلت بعض البلدان العربية في حروب أهلية ترى الغرب ينتظر على جانب الحدث ليتدخل في الوقت المناسب، وبالشكل المناسب لمصالحه من أجل استيعاب الفريق المنتصر وحسب، وأي مشاهد للقنوات الغربية، حتى الدولية الناطقة منها بالعربية أو بلغاتهم، يرى أن الغرب لا يعير دماءنا ولا حرية شعوبنا أي اهتمام بل أنه منشغل بالكارثة اليابانية التي ينقلها مباشرة منذ أيام دون انقطاع، وبالرياضة، وعروض الأزياء، وغير ذلك. والهدف الأساسي بالطبع هو أن تبقى الولايات المتحدة المسيطرة على الجغرافيا العربية الاستراتيجية وأن تبقى محميتها «إسرائيل» في مأمن من ديموقراطية العرب، وحريتهم، وتوحيد كلمتهم التي سعى الغرب طوال القرن الماضي لتمزيقها، ودعم أنظمتها بأحدث أجهزة قمع الجماهير والسيطرة عليها عبر الإعلام وغيره. والخوف كل الخوف أن يدفعوا العرب وجيرانهم اليوم إلى التورط بحرب ضروس أو أن يدفعوا بلدانا عربية متجاورة إلى التورط بحروب مماثلة لتلك بين العراق والكويت أو بين العراق وإيران.

وها نحن بعد أكثر من شهرين من الحراك الشعبي المطالب بالحرية الفردية، وبالمشاركة السياسية، وبالتخلص من أنماط الحكم الاحتكارية تتأكد وقائع أن هذا هو عصر التغيير العربي، خاصة الأطر السياسية التي طال جمودها داخل قوالب أصبحت لا تلبي حاجة الجماهير وطموحاتها، وعلى الحكومات العربية جميعها الصلاح والإصلاح، الصلاح في تعاملها مع الجماهير عبر ضمان الحريات الفردية، وإصلاح علاقتها بشعوبها عبر تبني أنماط حكومية تتيح المشاركة الشعبية التعددية، وحسناً فعلت بعضها بالبدء في أخذ المبادرة بالإصلاح السياسي، والتخلي عن العديد من صلاحيات الحاكم لمؤسسات الشعب المنتخبة، لأن استعادة الجماهير العربية لكلمتها في التعبير عن طموحاتها، وفي إدارة ثرواتها هي في مصلحة الجميع. تخطّ شعوبنا العربية اليوم مستقبل أنظمتها السياسية بأيديها ومن الواضح أنها تسعى الى نظام سياسي جديد للوضع العربي يتسم بالتعددية، وحرية الرأي، وسلطة القانون، وهذا النظام مجرب عالمياً بأنه الشكل الأكثر استقرارا للحكم، والأكثر تلبية لطموحات الجماهير في حرية التعبير.

ومع اقتراب الذكرى المئوية لأبشع حدثين وأكثرهما شؤماً وشراً في تاريخنا الحديث، ألا وهما سايكس بيكو ووعد بلفور، يجب علينا جميعاً ألا نسمح مرة أخرى أن نُخدَع من قبل غربٍ أعلن عداءه لنا، نحن العرب، عبر إعلانه المتكرر الدائم عن تحالفه الاستراتيجي مع إسرائيل وتسليحه لها، ودعمه وتمويله للاستيطان وشنه الحروب بعد الحروب علينا، والعدوان بعد الآخر وبلا رحمة على شعوبنا التي راح الملايين من العرب ضحية وحشيتهم من الجزائر إلى العراق، ومن المغرب وليبيا إلى فلسطين ولبنان، واليوم يعود متربصاً للتدخل في بلداننا خدمة لأهدافه المعروفة: نهب ثرواتنا، واغتصاب فلسطين، ودعم الأنظمة القمعية.

====================

من يصنع قرار الحرب والسلم في أميركا؟

المستقبل - الاثنين 21 آذار 2011

العدد 3946 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

منذ قرابة نصف قرن حذر الرئيس الأميركي في ذلك الوقت الجنرال داويت إيزنهاور من "المجمعات الصناعية العسكرية" في الولايات المتحدة، ومن الدور الذي تمارسه في صناعة القرار الأميركي والتأثير فيه وعليه.

لم يكن ايزنهاور مجرد رئيس. كان جنرالاً. وقد اكتسب شهرته من الإنجازات العسكرية التي حققها في الحرب العالمية الثانية. وهي التي أوصلته الى البيت الأبيض. وعندما يحذر رئيس بهذه الخلفية العسكرية من مخاطر "المجمعات الصناعية العسكرية" في بلاده، فان تحذيره يحمل من المعاني ويعكس من الآثار ما لا يمكن تجاهله أو التقليل من خطورته.

وإذا كانت هذه المجمعات الصناعية لا تزال قائمة حتى الآن، وإذا كانت لا تزال فاعلة ومؤثرة في صناعة القرارات الأميركية السياسية منها والأمنية والاقتصادية، فلأنها قهرت الرئيس السابق، وتمكنت بذلك من تثبيت حضورها وفعاليتها. فقبل نحو خمسين عاماً ألقى الرئيس الجنرال ايزنهاور خطاباً وداعياً، جرى التعتيم عليه، إلا انه لمناسبة مرور الزمن الذي يسمح بالكشف عن الوثائق السرية، سلطت الأضواء عليه من جديد.

قال الرئيس ايزنهاور في خطابه "ان كل بندقية تصنع وكل سفينة حربية تدشن، وكل صاروخ يطلق هو في المحصلة الأخيرة عملية سرقة لحقوق الجياع الذين لا يتوفر لهم الطعام، وللمحرومين الذين لا يتوفر لهم الكساء". ويبدو ان الرئيس الحالي باراك أوباما أضاف شريحة ثانية الى اللائحة من خلال إقرار قانون الضمان الصحي مما بات يمكن معه القول أيضاً: انها سرقة للمرضى الذين لا يتوفر لهم الدواء.

غير أن الحزب الجمهوري المعارض للرئيس أوباما والذي فاز بالانتخابات الأخيرة وفرض سيطرته على مجلس النواب الأميركي، يعارض هذا القانون ويضغط على الرئيس للتراجع عنه.

وفي الوقت ذاته وضع الرئيس أوباما موازنة عسكرية جديدة تستجيب لمطالب "المجمعات الصناعية العسكرية "، ورفعها الى الكونغرس للمصادقة عليها. ويبلغ حجم هذه الموازنة 725 مليار دولار. أي ما يزيد بنسبة 6 في المئة عن الموازنة التي وضعها سلفه الرئيس جورج بوش. علماً، بأن الأخير شن الحرب على أفغانستان واجتاح العراق. وأعلن ما سماه الحرب على الارهاب. وكذلك علماًَ بأن الأول أوباما قرر الانسحاب من العراق، وانهاء الحرب خلال عامين في أفغانستان، وانه أسقط شعار الحرب على الارهاب بالعمل على احتواء هذه الظاهرة السلبية المدمرة.

من هنا يبدو ان تأثير المجمعات الصناعية العسكرية لا يزال قوياً وفاعلاً. فالأرقام الدراسية الأميركية تقول ان الانفاق على الجندي الأميركي الواحد، من القوات المنتشرة في أفغانستان، يكفي لبناء عشرين مدرسة في هذه الدولة المعدمة. غير ان نظرية المجمعات الصناعية تقول بالحل العسكري لمجابهة التطرف المتمثل بحركة طالبان، وليس بالحل التربوي والاجتماعي. مما يعني إنفاق المزيد من المال لانتاج الأسلحة، بدلاً من الانفاق على بناء المدارس والمستشفيات.

فالولايات المتحدة تحتفظ اليوم بقواعد عسكرية منتشرة في مختلف أرجاء العالم يبلغ عددها 560 قاعدة. وقد أقيمت هذه القواعد أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب فان هذه القواعد لا تزال في حالة توسع وتعزيز استجابة لنظرية "المجمعات الصناعية العسكرية".

ولكن لو ان هذه القواعد تتحول الى جامعات.. ولو أن المليارات من الدولارات التي تنفق عليها، تخصص لتمويل برامج التعليم والتحديث واعداد الادارات المدنية والتربوية وتأهيلها في الدول المنتشرة فيها، لتغيرت صورة العالم، ولتغيرت صورة أميركا في العالم.

يذكر المؤرخ الأميركي أندرو باسيفتش في كتابه "حكم واشنطن: طريق أميركا الى الحرب الدائمة"، "ان عديد القوات الأميركية يفوق عدد دبلوماسييها في العالم ". ويضيف الى ذلك ساخراً: ان للولايات المتحدة جهازاً عسكرياً مليارديراً (غنياً).. وجهازاً دبلوماسياً معدما (فقيراً). رغم ذلك، فان الحزب الجمهوري يضغط على الرئيس أوباما لإجراء تعديلات على مشروع الموازنة بحيث يخفض من الاعتمادات المالية المخصصة لوزارة الخارجية لتحويلها الى وزارة الدفاع التي هي بحاجة اليها؟. ويعكس ذلك مدى تأثير "المجمعات الصناعية العسكرية" على الحزب الجمهوري وخاصة في المرحلة التالية لفوزه بانتخابات الكونغرس.

تعارض وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون هذا التوجه. وتبرر معارضتها بجدوى العمل السياسي والدبلوماسي غير ان الرئيس أوباما الحريص على استرضاء الجمهوريين في السنتين الأخيرتين من رئاسته، أبدى تفهماً لطلبهم، وبالتالي يبدي استعداداً للخضوع لضغوط المجمعات الصناعية. فالسيدة كلنتون تقول إن اللجوء الى القوة المدنية يوفر المال والأرواح معاً. ولكن خلافاً لهذه النظرية وافق الرئيس أوباما على رفع موازنة الحروب الخارجية الى 158,7 مليار دولار!!.

في الامثال الشعبية الأميركية مثل يقول انك اذا كنت لا تحمل سوى "المطرقة"، فان كل مشكلة تواجهها تبدو لك وكأنها "مسمار". ومن خلال الموازنة العسكرية الضخمة ومن خلال موازنة الحروب الخارجية، يتضخم حجم المطرقة الاميركية بحيث تبدو المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في العديد من زوايا العالم مجرد مسامير لا تحتاج معالجتها الى أكثر من مطرقة!

ولقد خصصت من أصل هذه الموازنة هبة مالية استثنائية لاسرائيل قيمتها 205 مليون دولار لتمويل المشروع الاسرائيلي المعروف باسم "القبة الحديدية". وهو المشروع الذي تعتقد اسرائيل انه يحميها من الصواريخ المعادية التي قد تطلق عليها من ايران أو من أي دولة عربية أخرى.

ولذلك، تلتقي اسرائيل مع الولايات المتحدة على مبدأ علاقة المطرقة بالمسمار.. فالمشاكل التي تواجهها اسرائيل لا تعالج بالسياسة، ولكن بالمطرقة العسكرية. لقد اعتمدت اسرائيل هذا المبدأ منذ قيامها في عام 1948. واعتمدته الولايات المتحدة منذ ولادة "المجمع الصناعي العسكري" الذي تبدو بصماته واضحة في الحرب الاميركية المكسيكية ( 1846-1848) أو الحرب الأميركية- الاسبانية 1898. كما تبدو واضحة من خلال مشاركتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد ذلك في حرب كوريا.. ثم في حرب فيتنام.. وحديثاً في الحرب على العراق وأفغانستان.

لم يكن الرئيس الراحل ايزنهاور يقرأ في التاريخ عندما حذر في خطابه الوداعي قبل خمسين عاماً من نفوذ "المجمعات الصناعية العسكرية" الأميركية.. بل كان يقرأ في المستقبل أيضاً.. فقد قال في خطابه الذي عُتّم عليه طوال هذا الوقت ان تأثير هذه المجمعات لا يقتصر على السياسة والاقتصاد فحسب، بل انه يشمل كذلك الروحانيات. ومن المعروف ان أهم وأكبر حركة انجيلية يمينية متطرفة في الولايات المتحدة وهي حركة المسيحانية الصهيونية ترتبط باستراتيجية هذه المجمعات. وهي تدعو الى اعتماد القوة في حل المشاكل الخلافية.. حتى انها تربط عقيدة العودة الثانية للمسيح المنتظر بمعركة هرمجيدون المدمرة.

تعاني الولايات المتحدة في الوقت الحاضر الأمور الخطيرة التالية:

الاول، ارتفاع نسبة البطالة والتي وصلت الى 9,5 في المئة (علماً بأن هذا الرقم لا يشمل أولئك الذين يعملون نصف الوقت ويحصلون على نصف راتب)، والثاني هو ارتفاع العجز في الموازنة نسبة الى الدخل القومي والذي وصل الى عشرة في المئة. الثالث هو تضخم الدين الوطني والذي يتوقع أن تصل نسبته الى 97 في المئة من الدخل القومي في عام 2021، حيث إن فوائد الدين وحدها سوف تأكل نحو أربعة في المئة من الناتج القومي.

والسؤال هو كيف ستعالج الولايات المتحدة هذه المصاعب المالية والاقتصادية والاجتماعية؟

اذا كانت المعالجة على طريقة الرئيس الراحل ايزنهاور، فمن المتوقع مبادرات سياسية فعالة لمعالجة الأزمات الاقليمية وخاصة أزمة الشرق الأوسط على الطريقة التي مارسها الرئيس الأميركي الراحل بالضغط على فرنسا وبريطانيا واسرائيل للانسحاب من مصر بعد العدوان الثلاثي عليها في عام 1956.

أما اذا كانت المعالجة على طريقة "المجمعات الصناعية العسكرية"، فان معنى ذلك ان العالم قد يشهد المزيد من مثل هذه الحروب التي تجعل من العدوان الثلاثي رباعياً.. وربما أوسع!!.

====================

غباء الاستبداد

رشيد يلوح*

*صحفي مغربي مقيم في قطر

موقع لكم

الأحد، 20 مارس 2011

الغباء من الصفات الملازمة للاستبداد، كذلك كان فرعون عميد المستبدين عندما ادعى الألوهية والتفرد بالمُلك، وراح يمارس سياسة استباقية بلهاء، بقتل كل صبي يولد في بني إسرائيل كإجراء وقائي ضد ولادة نبي الله موسى، وحين بث الفرقة في شعبه فجعلهم مجموعات متضاربة ومشتتة، وعندما استخدم السحر للسيطرة على العقول والإرادات.

ولما برز عدوه نبي الله موسى عليه السلام، اتهمه فرعون بممارسة السحر واستهداف استقرار البلاد، وفي النهاية لما هرب موسى مع أتباعه وشَق الله لهم البحر ليُنْجيهم، ختم فرعون حياته بشهادة صارخة على غباءه بدخوله البحر من ورائهم..

ولاشك أن موسم التحرر الذي هبت نسائمه على العالم العربي، قد وضع أمام الناس الكثير من الأحداث التي تفضح غباء المستبدين المعاصرين، المنتسبين للمدرسة للفرعونية.

التفرد بالملك:

عندما خرجت الشعوب إلى الشوارع استنكر بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح غيرهم هذه الحركة، وعندما سمعوا المنادي يدعوهم إلى الرحيل استنكروا الدعوة واعتبروها جرأة عليهم، فجاءت خطاباتهم المتسلسلة تؤكد معنى واحدا من أولها إلى آخرها، وهو أنهم المتفردون بالملك في البلاد، وأنهم خُلِقوا لحكم الناس، وأنهم الضامنون لاستقرار البلاد وووحدتها وأمنها وسلامتها، وأن تركهم للحكم يعني خراب البلاد ودمارها والفقر والجوع والحرب الأهلية، وقد حاول المستبدون إظهار هذه التهديدات على أرض الواقع بتسخير جماعات من المخربين والبلطجية والمرتزقة لإرهاب الناس وقتلهم.

المستبد هنا يحاول اقناع الناس ضمنيا بأنه ذات غير بشرية، ذات مقدسة جاءت لتضمن لهم الأمن والوحدة والسعادة، والمَس بهذه الذات يعني عكس كل ذلك وأسوأ..والحقيقة أنه طوال فترة حكمه كانت أجهزته الاعلامية مشغولة بتغذية عقول الناس بهذه الفكرة الخبيثة، ومايفيدها ويقويها من حيل وألاعيب سمعية ومرئية.

الاستخفاف بالناس:

من الأشياء التي تقاسمها المستبدون العرب في مابينهم، استخفافهم بالناس، بن علي وصف المحتجين بأنهم أرهابيون بينما وصفهم مبارك في البداية بالصبيان ثم بالمخربين ثم عملاء أمريكا وإسرائيل وحزب الله، أما القذافي فوصفهم بالمحششين والقاعدة والجرذان والقطط، أما علي صالح فأضاف إلى كل ذلك أن غرفة العمليات التي تديرهم توجد في تل أبيب ويتحكم فيها البيت الأبيض.

بينما في إيران وصف المُحتجون بالخونة وعملاء إسرائيل وأمريكا وتعالت الدعوات لإعدام رؤوس الفتنة، ويقصدون زعماء الاصلاحيين، لأنهم خرجوا عن الولي الفقيه، الممثل الشخصي للإمام المهدي في الأرض.

وفي البحرين اتُهموا بالمخربين والطائفيين وبأن إيران ورائهم، وفي المغرب قالوا عن الشباب أنهم صبية الفايسبوك، واتهموهم بالشذوذ الجنسي والكفر والإلحاد، بعد ذلك روجت الأجهزة الأمنية ومن معها بأنهم عملاء للبوليساريو (الانفصاليين) والجزائر واسبانيا، وهكذا الأمر في السعودية وعمان والجزائر. استخفاف بالعقول..المستبد يقول لنا أن هؤلاء الذين يصرخون في الشارع مطالبين بكرامتهم وحريتهم وحقوقهم الانسانية المغتصبة هم أشرار، ابتعدوا عنهم ولاتسمعوا لكلامهم..هؤلاء يخاطرون باستقراركم وطمأنينتكم وراحة أسركم، ويعرضون مستقبلكم للهلاك !!!

وقد قال أستاذهم القديم من قبل عن موسى عليه السلام أنه ساحر سيخرج الناس من أرضهم، ويهدد الاستقرار والوحدة الوطنية للخطر !!!

السياسة الاستباقية:

عندما علم فرعون بقرب ظهور نبي سَيُسقِط نظامه، لجأ إلى استباق الحدث المرعب، وكذلك فعل بن علي ومبارك والقذافي والبقية..أحسوا بقرب الأجل، فقال كل واحد منهم: أتغذى بهم قبل أن يتعشوا بي..

وزع البعض الأموال مثل ماحدث في الكويت والسعودية وليبيا، وقام البعض بحركات سياسية واقتصادية مثل ماحدث في البحرين وعمان والأردن والجزائر والمغرب.

لكن الذي لم يتوقعه المستبدون أن نتائج سياساتهم الاستباقية كانت عكسية، وجََرَََّّت عليهم ماكانوا منه يحذرون، والسبب دائما هو الغباء، والاستكبار الذي صرفهم عن استيعاب الدروس.

المستبد يحتقر شعبه ولايحترمه، ويعتقد أن العلاقة التي يجب أن تكون بينه وبين الناس، هي أن يأمر ويطيعون، أن يتكلم ويصفقون، أن ينعم ويتفضل ويتكرم، وللناس أن يفرحوا..وإذا غضب فعليهم أن ينبطحوا مستسلمين..فكيف لهذا المستكبر أن يقبل منهم رأيا أو يتنازل لهم عن سلطة !!

العناد الغبي:

خرج الناس إلى الشوارع يرفعون مطالبهم، وبدل أن يستجيب الظالم لمطالب شعبه اختار طريقا ملتويا، يجرب فيه خدعه القديمة، فلايكاد يخرج خدعة حتى تنكشف فيعود مرة أخرى إلى كيسه القديم باحثا بين خدعه المتآكلة..

عناد وعناد، مرة يأمرون شرطتهم بحراسة المحتجين، ومرة يأمرونهم بضربهم، ومرة يقولون مطالب هؤلاء مشروعة ومرة يقولون أنهم خونة، ومرة يقولون عنهم صبية وحشاشون، ومرة يدعونهم لطاولة الحوار..

الدم والحديد:

مثل عميدهم الأول، لجأ المتفرعنون الصغار إلى إسالة الدماء وتعذيب كل من لم ينحن أمامهم، وهي شهادة أخرى على غباء مستحكم، إذ لو نظروا في التاريخ لوجدوا أن الدماء والسجون لاتزيد الشعوب إلا اشتياقا للحرية والكرامة، ولو كان الضرب والقتل ينفع في إخماد صوت الحق لما قام لهم من يصرخ في وجوههم، بعدما استخدموا هذا الأسلوب مع شعوبهم لعقود طويلة..فعذبوا من عذبوا وقتلوا من قتلوا..لكنه غباء الاستبداد.

===================

حقوق الإنسان العربي

د. رفقة محمد دودين

الرأي الاردنية

21-3-2011

السادس عشر من آذار هو يوم لحقوق الإنسان العربي، إذ أنّ ثمة أياماً أخر لحقوق الإنسان يحتفل بها العالم أجمع،حيث يعاد ترنيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م،وتأكيد أن الحاجة ما زالت ماسه للحديث عن منظومة حقوق الإنسان في الدنيا بأسرها بوصفها مثلاً أعلى مشتركاً، ينبغي إن تبلغه كافه الشعوب وكافة الأمم.بوسائل وتدابير مضطردة، وطنية ودولية، ذلك أنه المعيار الأسمى لتقدم الشعوب ووحدة المصير الإنساني، وعليه فان يوم حقوق الإنسان العربي في خضم التغيرات والمخاضات الإصلاحية التي يشهدها العالم العربي يبدد لافتاً، ويستحق أن يتحدث فيه كما يستحق المواطن العربي من المحيط إلى الخليج إن يكون جديراً بحقوق الإنسان التي تتزيا في الحالة العربية بزي التقدم والنهضة، والعدالة الاجتماعية، وكرامة الأجيال، وتؤشر بل وتبشر بأن المجتمعات العربية قابلة وقادرة على تجاوز حالات الطائفية، والجهويات والانتماءات الأولية الضيقة، وراغبة في الاندراج في الصف العالمي المناهض لكل ممارسة من شاًنها المسّ بالإنسان، وحقوقه، وحرياته، وكرامته، وراغبة كذلك بقواعد عمل سياسي ملزمة للجميع، ضامنة للتشاركية ومدركه لأبعاد منظومة حقوق الإنسان الأخلاقية والحقوقية كذلك.ودورها في تشكيل مجموع قيم العمل العام، ومعاييرها القانونية والسياسية وممارساتها الاجتماعية التي تمكن الفرد من الانخراط في تدبير الشأن العام.

انّ أهم تمثلات انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي لا تكمن في البعد السياسي فقط، وهو المشكل للسطح في حين أن العمق الاجتماعي ما زال بحاجه إلى الكثير من نفض الغبار عن بناه القارة، والمرسمة بهندسة اجتماعية أبوية تراتب الحقوق والواجبات، وتسيرها برموز مخفضة غير رسمية، وبقواعد عمل داخل النظم الاجتماعية توجه العمل بالمصالح والمكتسبات المتوارثة غير راغبة في مأسسة قواعد اللعبة لتنطبق عليها معايير حقوق الإنسان على سبيل المثال :عدالة ومشاركة،وإجراءات.

في مثل مجتمعاتنا العربية الناهضة فان النوع الاجتماعي، والعرق، والطبقة على سبيل المثال يلعب دوراً مهما في تحديد الأدوار المجتمعية الأخرى، فثمة إشكالية في بناء التقدم الاجتماعي وبالاستناد إلى القاعدة الإنتاجية المؤدية إلى إنتاج الوجود الاجتماعي لعامة الناس، فالمجتمعات المحلية، وخلال تعايشها التاريخي قد أنتجت قواعد وقوانين تنظم حياتها ومعتاشها اليومي، وأنتجت كذلك بنى فوقية تخدم هذه المعرفة على شكل قصص وسير وأمثال شعبية وأهازيج وأناشيد متعددة حملّتها توافقاتها وإذعاناتها، وصورها النمطية ذهاباً واياباً في البنى الاجتماعية القارة، مهندسة حياتها: اجتماعياً، ومكانياً بهويات عديدة تنمط الأب، والمرأة والأبناء عبر تراكم أدوار مرسمة تفرض في كثير من الأحيان على الفرد التخلي عن ذاته الحقيقية، والذوبان في الذات المجتمعية، بمعرفة تلعب فيها الأفكار التقليدية والتاريخية والماضوية دوراً حاسماً: تبريراً وتكريساً، وإعادة إنتاج جاعلة من العلاقات العائلية، وروابط الدم على سبيل المثال نواميس لايمكن للفرد أن يبرز إلا من خلال تمثيلاتها الاجتماعية وعقدها الرمزي، فالتفرد في مثل هذا الترابط الاجتماعي المحصن انفصال، وتجربة الانفصال دوماً تجربة كارثية ومؤلمة.

وهنا تطلع ثقافة الوصاية والقسر، والإكراه، وتمثيل الأخر،بل والتفكير نيابة عنه يستسلم الفرد لقوة هذه المركزيات التي تعني أحادية التفكير، والتفرد، والوعي المراوغ الذي يكرس الشيء ونقيضه، منتجاً معرفة غير متماسكة تتسم بالنرجسية والانفعالية، والتحيز، وانعدام المساواة، وارتفاع مصدات الوعي الكابحة للتحديث والتطوير، مغيبة الوعي، والإرادة بتصورات تبدو أصيلة ولكنها تتعارض مع حاجات الإنسان العصرية، كما أن تأثيرها في القضايا المصيرية والهامة منعدم تقريباً دافعة الفرد لان ينساق بتأثير هذه البنى المجتمعية نحو مواقف لا تمثله بالضرورة ولا تدعه أن يكون نفسه بأي حال من الأحوال، فمثل هذه البنى القارة افقارية وبآفاق مسدودة بالضرورة، ما يعني إحقاق حقوق الذات الفردية أولا وعدم إهدار كفاءتها، وإبداعها الفردي بالضرورة في أصغر البنى الاجتماعية.

====================

بشائر حوران

صبحي حديدي

2011-03-20

القدس العربي

 أكتب هذه السطور وأخبار مدينة درعا السورية، عاصمة المحافظة ودرّة منطقة حوران العريقة، تخضع لحصار أمني عسكري شديد، يُخضع الداخلين إليها، مثل الخارجين منها، لعمليات تفتيش وتدقيق لا ينقصها، كما يتندّر بعض أهلنا الحوارنة، إلا إبراز جواز السفر و... تأشيرة الدخول! وكما بات معروفاً الآن، شاءت أقدار درعا، وشرف بناتها وأبنائها، أن يسقط من بين صفوفهم أوائل شهداء الإنتفاضة السورية؛ وأن يختار لهم بغاة النظام وأبواقه تسمية كنّا نظنّ أنها صارت في مزبلة التاريخ، إلى غير رجعة: 'المندسّون'... على مَن؟ من أين؟ كيف؟ ولصالح مَن؟

كذلك تشرّفت حوران (وليس في استخدام هذا الفعل أيّ ميل للتفاخر المجاني، بصرف النظر عن المفارقة المحزنة) بأنها كانت أولى المدن السورية التي أُذيقت الغاز المسيل للدموع، بعد الرصاص الحيّ، بأيدي وحوش السلطة الكواسر. ذلك لأنّ حوران، بادىء ذي بدء، سيّرت أكبر مظاهرات الإنتفاضة السورية حتى الساعة، واستحقت بالفعل لقب 'سيدي بوزيد سورية'؛ كما أنها، من جانب ثانٍ، ردّدت تلك الشعارات، الفصيحة البليغة الشجاعة، التي توجع النظام أكثر: بعد الهتاف ضدّ رامي مخلوف، ابن خال الرئاسة وتمساح النهب والفساد، ذكّر المتظاهرون بأنّ الخائن هو ذاك الذي يقتل شعبه.

وإذا كان مفهوماً أن يتأثر تلامذة حوران الصغار بمشاهد ساحة التحرير في القاهرة، فيردد بعضهم شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'، ويكتبه البعض الآخر على الجدران (فتعتقلهم السلطة لهذا السبب، وهم في الاحتجاز منذ قرابة شهر!)؛ فهل يحتاج شباب حوران وشيبها إلى 'مندسّين' يحرّضونهم على طلب الحرّية والهتاف ضدّ الفساد والفاسدين؟ يحزّ في النفس على نحو مضاعف، وهنا بعض المفارقة المأساوية أيضاً، أنّ 'بطولات' كواسر النظام ضدّ المواطنين العزّل، واستخدام الرصاص الحيّ، كانت تجري على مبعدة كيلومترات قليلة من أرض الجولان المحتلة، حيث لا يتجاسر فرسان بشار الأسد على استخدام بندقية صيد.

ذلك لأنّ حوران صنو الجولان، وليست الجيرة وحدها صانعة أواصر القربى والتواصل، بل التاريخ القريب مثل ذاك السحيق، على مرّ العصور، وفي مستويات إنسانية وثقافية وأنثروبولوجية بالغة العمق وضاربة الجذور. ولا يُلام الواحد منهم، في حوران إسوة بالجولان، حين يحلو له اقتباس هذين البيتين من النابغة الذبياني، على سبيل المفاخرة:

بكى حارثُ الجولان من فَقدِ ربِّهِ/ وحَورانُ منهُ موحشٌ متضائِلُ

فآبَ مضلّوه بعينٍ جليّةٍ/ وغُودر بالجولان حزمٌ ونائلُ

إذْ لعلّ هذه القصيدة البديعة التي ترثي أحد أمراء الغساسنة العرب، ويقول مطلعها: 'دعاكَ الهوى واستجهلتكَ المنازل/ وكيف تَصابى المرء والشيب شامل' هي الأجمل في الإشارة إلى الجولان وحوران معاً، وذلك رغم وجود العديد من الأبيات الأخرى الجميلة التي قالها امرؤ القيس، وحسان بن ثابت، وأبو تمام، والفرزدق، والراعي النميري وسواهم. والحوارنة الجولانيون، مثل الجولانيين الحوارنة، على حقّ في ترجيح كفّة النابغة، لأنه يتحدّث عن حارث الجولان (إحدى القمم فيه)، وحوران (المنطقة الجارة)، وحزم ونائل (من قبائل العرب التي كانت تسكن الجولان)، فيمزج المكان بالزمان والتاريخ بالجغرافيا، ويشدّد تلقائياً على عراقة تلك الهضاب والبطاح والذرى.

من جانب آخر، حين يرفع متظاهرو حوران شعارات تخصّ مطالبهم المحلية، إلى جانب المطالب الوطنية التي تشمل سورية بأسرها، فلأنّ هذه المحافظة الأصيلة ظُلمت مراراً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً أيضاً، رغم أنها خيّرة معطاءة؛ ليس في إنتاج الحنطة الحورانية المميّزة فحسب، بل أيضاً في إنتاج الشعير والزيتون والعنب والخضراوات واللوزيات. وكان الشاعر الأردني عرار قد امتدح خبزها القمحيّ في بيت شهير: 'فلا عليكَ إذا أقريتني لبناً/ وقلتَ خبزتنا من قمح حوران'.

أتيتُ على هذه الأسباب حين سألني صحافي فرنسي صديق: لماذا درعا، بالذات؟ وكان من باب الإنصاف أن أضيف عامل جيرتها مع السويداء، المحافظة التي لا تقلّ عراقة، وكانت مقرّ أركان المجاهد سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، 1925، ضدّ الإنتداب الفرنسي. وأضفتُ بأنّ المنطقة خضعت لقوى إقليمية كبرى قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع، وقلعة بصرى شاهدة: بناها الأنباط، ثم هدمها الرومان، وأعاد الأنباط بناء مسرحها الكبير، حتى اتخذ الأمويون من مدرجها نواة لبناء القلعة. كذلك احتضنت سهول حوران معركة اليرموك الشهيرة، سنة 636 م، بين المسلمين والروم، وانتهت إلى هزيمة أقوى جيوش العالم آنذاك، ومنها سوف يطلق هرقل كلمته الجريحة الشهيرة، حين غادر إلى غير رجعة: 'السلام عليك يا سورية، سلاماً لا لقاء بعده، ونِعْمَ البلد أنت للعدوّ وليس للصديق، ولا يدخلك روميٌ بعد الآن إلا خائفاً'.

فكيف للنظام أن لا يحاصرها، خائفاً ومستشرساً في آن معاً؟ وكيف لا تتخذ درعا، وقفة كرامة بعد أخرى، يوماً بعد يوم، صفة 'سيدي بوزيد سورية'؟ وكيف لا نغبط أهلها، الفرسان الأصلاء بحقّ، حين يهتفون: من حوران هلّت البشاير؟

بدأتُ هذه السطور بأخبار حصار درعا، وأجدني أختمها برسالة إلكترونية عاجلة، وردتني للتوّ، تفيد بأنّ مآذن المساجد في المدينة تطلق نداءات لإسعاف المصابين، بعد اندلاع تظاهرات جديدة.

ما أبعدَ ما فات، وما أقربَ ما يأتي!

====================

دولة القانون العربية ليست حلما

مطاع صفدي

2011-03-20

القدس العربي

لماذا البحث طويلاً عن أسباب الثورة العربية الجديدة فهي الأوضح والأكثر والأغزر بالكم والكيف. إنها الواقع المعيشي والمجتمعي بجملته، يحوي كلّ الأسباب الباعثة على زلزلة الجبال الراسخة.

فالسؤال الأصح إذن ليس في اجترار الأسباب المفضوحة للقاصي والداني، لكنه السؤال الأصعب: لماذا لم تحدث الثورة. وتأخرت هكذا سنين طويلة حتى انفجرت طلائعها أخيراً. هذا السؤال ينبغي أن يتبعه استفهام لا يقل أهمية وخطراً، عمّا إذا كانت هذه الثورة سوف تبلغ هدف التغيير الشامل، هو مطمحُ الجماهير والنُخب المتحركة جميعها هذه الأيام. فالقلق على مسيرة الثورة ومستقبلها القريب قبل البعيد يصاحب تحركاتها منذ بداياتها.

كلّما حققت فوزاً في ساحة، تعاظم القلق والتطلع معاً إلى النصر الأكبر القادم. لكن الانقطاعات والانتكاسات هي الوجه الآخر من إيقاع كل مسيرة ثورية مهما عظم شأنها، بشرط ألا تأتيها النكسة الحاسمة التي تقمع جذورها في عمق التربة الجماهيرية.

ولا شك أن القمع البوليسي والعسكري هو العدو المادي المباشر للثورة. هما معاً، القمع والثورة، يتقاسمان يتنازعان السيطرة على الشارع. فلم يتأخر انفجار الغضب إلا بسبب حرمانه من الشارع. فلقد أحكمت أنظمة القمع السلطوي سيطرتها على كل ماهو شأن عام، مادي أو معنوي. أي أنها عطّلت الوظيفة الجمعية للكتل البشرية. كل ما هو مجال جمعي سَكَنَتْه أشباحُ السلطة. يحدث انقطاع التواصل بين الأفراد، كذرات الرمال تتلامس ولا تتداخل.

حين تنتقل الثورة من النفوس إلى الشوارع يولد مجتمع إنساني مختلف؛ ساحة التحرير في القاهرة أعادت تكوين المجتمع العربي المصري، ومازالت تعيد تكوينه من إنجاز ثوري إلى آخر. وربما لم تكن عمليةَ إعادة تكوين، بقدر ما أعادت مصر إلى تكوينها الأصلي المسروق منها طيلة الثورة المضادة من السادات إلى مبارك.

نحن نقول لشعب ميدان التحرير ألا يتخلى ليلا أو نهاراً عن الالتصاق أكثر بأحجار هذا الميدان المقدسة؛ الشارع القاهري يبعث الروح في أحجار الشوارع العربية كلها. أطاح بفرعون الهرم، ويطيح بأعلى صخوره النخرة. تقويض (المباحث العامة)، ينبغي أن يكون تدميراً في الشكل والمضمون كيما يمكن التصريح بالفم الملآن أن عصر العبودية دقَّت ساعته، وأن دولة القمع فقدت زبانيتها، أمست مكشوفة الصدر والرأس، مجردة من حراسها وأنيابها معاً. إنهيار دولة القمع يعني إبطال قوانينها، الذي يمنع الفضيلة باسم الرذيلة وحدها.

هل هو مجرد حلم أن يغدو الإنسان العربي سيّدَ نفسه. أن يولد مجتمع الناس الأحرار حقاً. ماذا لو أصبح الوطن العربي ملكاً لمواطنيه الأربعمائة مليون، أين هم زُمَرُ اللصوص، القتلة ومجانين السلطة وسماسرة الخيانات والبغاء السياسي.. عندما تزول دولة القمع لن تبقى ذاكرة بريئة تستدعي وجهاً أو إسماً أو موقفاً لأحد من هؤلاء، صنَّاع الإنحطاط العربي المعاصر.

غير أن صراع الثورة مع دولة الطغيان لن يضع أسلحته جانباً بين عشية وضحاها. وإلا فسوف تكون الثورة الناقصة أخطر على ذاتها ومجتمعها من الثورة المضادة. إذ سوف تبعث اليأس سريعاً من مفاعيلها غير الفاعلة، غير المنتجة إلا شعارات التغيير وحدها. فالخوف هو من ضجر الترداد لذات الأقوال والنوايا الطيبة من دون المبادرة المنظمة، لإعادة تجهيز دولة القانون بمؤسساتها الشرعية الرئيسية.

فالبديل البنيوي عن الأعضاء الفاسدة في الجسم الاجتماعي ليس صناعة إرادية فحسب، لكنه حصيلة جهد طليعي وحضاري معاً. لن تكون دولة القانون تقليداً مستعاداً من تجارب ماضية، أو نسخة مستوردة من تجارب الديمقراطيات المتقدمة. فالعقل النهضوي العربي لم يتفكر القانون الوضعي، ولا كانت له تجارب مؤسسية مع تحققاته العملية. كما أنه ليس من الممكن أو المجدي استعارة نماذج غربية قد تكون شائخة بمزاياها ونواقصها معاً. يبقى السؤال إذن: كيف، على الثورة وحدها أن تتقبل هذا التحدي التاريخي حقاً، أن تبني دولة القانون العربية لأول مرة في وقائع الحدث الاستقلالي الوطني المتعثر دائماً منذ نشأته المتواضعة والمجتزأة والمحرفة. ولعلّ أفدح ما أصاب ذلك الاستقلال هو الحيلولة بينه وبين قدرته في إنتاج سلطة القانون ما فوق كل السيطرات المختلفة لقوى الأمر الواقع سواء المتوارثة أو المفروضة. هذا لا يعني أن وزارات العدل ليست متخمة مكتباتها بتصانيف القوانين، كما هي متخمة بقاعات المحاكم ومنابر القضاة والمحامين والمتقاضنين. كل هذه (الأشياء) أشباهٌ فاقدة لأشيائها الحقيقية.

ما تنادي به الثورة العربية الجديدة عبْر شعار استرداد الكرامة لمواطنيها، هو أنه ليس له من سبيل نحو المستقبل الغريب مادامت وزارة العدل هي شاهدة زور فحسب على وقائع الحياة اليومية للظالمين والمظلومين من أغلبية الشعب المغلوب على أمره، ما قبل (ميدان التحرير) وخلاله وبعده وإن كان مشاركاً في الثورة معظمُه أو بعضه، فإنه لم يعرف بعْدُ كيف يصكَّ عملة الحريات الجديدة النظيفة ويوزعها على أعضائه بالعدل والقسطاس. ذلك هو اللغز الأخفى لمصطلح (مَكرُ التاريخ). فالديمقراطية الفرنسية، على سبيل المثال، احتاجت إلى عشرات الثورات الفرعية، ونكساتها وراءها وفيما بينها، حتى تمكنت من قطع الرحلة الشاقة بين تدمير سجن الباستيل وتشريع الحقوق الاجتماعية بعده بقرنين تقريباً. لكن ثورات العصر الافتراضي الراهن مطالبة بحرق المراحل، بقطع مسافات العقود والقرون، خلال أسابيع وأشهر فقط. ذلك أن انتصارات الشعوب في هذا العصر، تعتمد تراكم النضج الثقافي لمدنية الإنسان الشاملة، الطافحة بدروس الحرية لها ولأعدائها.

الثورة العربية الجديدة هي قديمة كذلك. لم تنبت هكذا من أرض بوارٍ، من فُجاءة التاريخ وحدها. كان لها ماضٍ عريق، وسلالة ثورات مجيدة سبقتها، ومهدت لها. إنها الثمرة الناضجة التي يكتشفها جيل الشباب المتعلم، وتلبيه الطبقات الأعمق من كافة الشعوب العربية الرافضة لمصير الذل والهوان. فهي إذن الثورة التي لن تتوقف عند الإطاحة بالرأس السياسي الفاسد مع الإبقاء على جسم النظام الذي سوف ينبت رؤوساً فاسدة أخرى سواه. ما تعنيه مطالب دولة القانون أن الثورة ترفض خديعة نفسها إذ تقبل خديعة اعدائها. فالقانون هو وحدَه المسؤول عن مأسسة الثورة وإلا أمست الثورة موجة غضب تُبدّدها موجة مضادة أخرى. ذلك ان القانون يُمَوْضع الغضب الإنساني، يمنحه عقلانية المعايير الحاسمة، الفاصلة بين البشر الأخيار وأعدائهم الأشرار. فالأساس الثابت والمؤصل في ثورات الشعوب هو الانحياز التلقائي لحاكمية العدل، بما يشكل أو يغذي نوعاً من آمرية موحدة لضمائر الأفراد والجماعة. وعلى هذا فإن أسوأ ما ينتجه جدل النهضة مع الانحطاط في حال الجولة الفاشلة بينهما، هو انهزام هذا الآمر الإنساني واختفاء هويته، ولو مؤقتاً، في صدور الخاصة قبل العامة من الغالبية المجتمعية. أما في حال صمود جدلية النهضة ضداً على جولات الانحطاط المداهم، وتعثراتها المتوالية. فالثورة الكلية هي التي تبطل الحلول الجزئية. بمعنى أن فكرة العدالة ليست مجدية في حد ذاتها، إن لم تتحول إلى أفعال الإنصاف. تلك هي دولة القانون المؤمنة بأحقية العدالة، لكنها المشرَّعة لمعايير الإنصاف، والحامية لأفعاله وإنجازاته، على مستوى التغيير المادي والمعنوي لحياة الناس.

تظلّ الثورة بعد التخلص من الحاكم الفاسد، مجرد ثقافة شعبوية، إن لم تنتج نظام عدالتها. إن لم تشرّع معه أيديولوجيا قائدة لعلاقات الإنصاف بين قوى المجتمع. إن لم يصبح القانون هو مشرّع السياسة وليس العكس، دائماً. هذه الفكرة هي بمثابة المبدأ الجوهري لكل دستور أمين على منطلقات الثورة ومسيرتها الراهنة والمستقبلية. فالثورة تتحدى ذاتها برهان القدرة على ترجمة العدالة إلى أحكام الإنصاف في كلّ شأنٍ سياسي، اقتصادي، ثقافي واجتماعي شامل؛ ذلك ليس مثلاً طوباوياً، إنه رهان التاريخ المطروح على حضارات الإنسان ومدنياته منذ بداية المعمورة. ولن تُغير الأزمنة والأحوال شيئاً، من أعراضه أو جوهره. نحن العرب محتاجون ربما أكثر من أية أمة أخرى اليوم، إلى طقسنة هذا المبدأ وجعله مصدر التشريع المركزي لدولة الحرية ما بعد التغيير السلطوي. فالمثالية أمست قابلة للبرهان الواقعي مع إنجازات ثورة العرب الشابة. لكن المهم هو تنمية المعادلة الصعبة، بل الخلاقة، بين قيادة الثورة المستوطنة 'ميادين التحرير' في عواصمنا المتحركة، وبين أدمغة الحكام الجُدد في المكاتب العليا للسلطة. والتجربة المصرية تستعيد دور الريادة لذاتها ولعالم عربي فاقد لثقافة الحرية والعدالة معاً؛ لا يدري حتى اليوم أية ديمقراطية لما بعد عصر الاستبداد سوف يختار؛ فما حققته ثورة القاهرة هو انها حطمت (باستيل) العرب. لكن إقامة دولة الثورة تحت عنوان القانون وحدها، ذلك هو الجهد الأعظم الذي يتطلب أوسع حضور فاعل لقوى الشعب العامل والمثقف والسياسي والاقتصادي، بمعنى أن المدخل إلى كل هذا، هو ابتكار النظام الأفضل للتمثيل الشعبي.

من هنا يمكن فهم العمق الحقيقي لهذا النقاش الدائر بين أنصار دستور قديم معدل، وآخر جديد كلياً، عاكس لدوافع الثورة وأهدافها. ذلك أن أية مؤسسات تشريعية سيبنيها دستور النظام البائد، وإن كان معدلاً، لا بدَّ أن تترجم الخارطة الانتخابية لمجتمع ما قبل الثورة خلال فترة زمنية محدودة.

وبالتالي سوف يظل الهرم الإداري للدولة الفرعونية قادراً على امتصاص متغيرات وليدة، لم يتح لها الوقت الكافي لإنتاج المنظمات الحزبية الجديدة لشبيبة ميدان التحرير. فالخارطة الانتخابية الراهنة موزعة بين بقايا حزب السلطة الفرعونية، وجماعة الإخوان المسلمين. بكلمة أخرى ليس ثمة موعد قريب لقيام دولة القانون لكن الطريق المؤدية إلى (جنتها) قد شَقَّت مسارها، وإن لم يتم تعبيدُها بعد؛ تلك هي المهمة الأعمق والأبعد مدى لطلائع المرحلة الراهنة والمستديمة، المنخرطة في تشريع الثورة الاجتماعية ومعادلها السياسي اليومي.

دولة القانون لن تنهض إلا على أكتاف مجتمع الناس الأحرار صحيح، لكن متى وكيف.. لن يجازف أحد بأجوبة قَبْلية. إنها الثقة بالعربي الإنسان الذي لن تستبعده بعد اليوم سوى حريته وحدها.

====================

الثورات العربية ومستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة

د. حسين مجدوبي

2011-03-20

القدس العربي

 تراقب الولايات المتحدة الأمريكية تطورات العالم العربي بذهول حقيقي، نظرا 'للصدمة السياسية' غير المرتقبة، بعدما بدأت الجماهير العربية كتابة صفحة جديدة من تاريخها، من خلال طرد الديكتاتوريين من سدة الحكم وتهديد آخرين؛ إما بالإصلاح أو مصير رئيسي النظامين السابقين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي. وهذه التطورات التي تصب في إرساء الديمقراطية تحمل معها تأثيرات حقيقية على مصالح واشنطن، التي أصبحت مطالبة بالبحث عن صيغة توافقية للحفاظ على هذه المصالح والتصالح مع الرأي العام العربي الجديد، وكل هذا يمر أساسا عبر إجبار إسرائيل على إقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان لسورية وتفادي تأييد أنظمة سلطوية مستقبلا.

فقد اعتادت الولايات المتحدة وضع مخططات استراتيجية للتحرك دوليا على المدى القريب والمتوسط والبعيد، لتفادي المفاجآت السياسية من عيار ما يصطلح عليه 'الصدمة السياسية'، أي التغييرات غير المرتقبة نهائيا. ويعتبر التكهن ومحاولة صناعة القرار المستقبلي من أبرز سمات الفكر السياسي الأمريكي المرتكز على الدراسات الاستراتيجية.

لكن ما يجري في العالم العربي شكل المفاجأة الكبرى لواشنطن خلال العقدين الأخيرين.. فقد فشلت الإدارة الأمريكية وحتى مراكز الدراسات الإستراتيجية المرتبطة بها في التكهن بالانتفاضات التي تهز العالم العربي، حيث أثبتت هذه الانتفاضات مجددا صعوبة فهم الغرب لنفسية الإنسان العربي وانفعالاته. فقد حاولت واشنطن إبان عهد الرئيس جورج بوش الابن فرض الديمقراطية على العالم العربي عبر المدافع والرصاص، كحالة العراق، أو عبر مشاريع سياسية مثل 'الشرق الكبير'، ولكنها فشلت. وبينما كانت بداية سنة 2001 روتينية، اندلعت شرارة الثورات العربية نحو إرساء الديمقراطية. ثورات ستجعل من هذا العالم العربي منطقة مختلفة جذريا، في ظرف سنتين على الأكثر، لأن مسلسل التغييرات سيتطلب فترة زمنية قد تستغرق خمس سنوات، كل مسلسل لن يتوقف مهما كانت طبيعة أي الدولة العربية.

فرغم التساؤلات المتعددة حاليا في الغرب حول الوضع المستقبلي في العالم العربي في أعقاب هذه الثورات، فالخلاصة أو النتيجة الواضحة هي بداية مرحلة جديدة في تاريخ العرب، سيكون لشعوبه ورأيه العام كلمة الفصل في الحياة السياسية الداخلية وكذلك الخارجية.

وأغلبية الرأي العام العربي من المغرب حتى الخليج العربي غير راض نهائيا على دور الولايات المتحدة في هذه الثورات، وينضاف هذا الى الرؤية السلبية نحو الولايات المتحدة بسبب سياساتها في الماضي، وتجاه قضايا مركزية مثل العراق وفلسطين، فالبيت الأبيض يندد وينتقد الأنظمة أياما قليلة قبل سقوطها أو بعد سقوطها، كما حدث مع زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، وإن كان الموقف الأمريكي أكثر وضوحا في حالة معمر القذافي في ليبيا، حيث جاء التنديد في الأيام الأولى. وتبقى جميع الأنظمة العربية مستبدة وغير ديمقراطية وإن كان البعض منها يشهد هامشا ديمقراطيا ضيقا، والتساؤل، لماذا لم يندد البيت الأبيض بهذه الأنظمة في الماضي؟ ولماذا لا يندد ويوجه إلى الكثير منها في الوقت الحاضر خطابات ورسائل واضحة بضرورة بدء مسلسل إصلاحات سياسية تقود إلى إرساء الديمقراطية وتبني الشفافية واحترام حقوق الإنسان؟ فطالما ترفع واشنطن شعارات وقيما مثل احترام حرية التعبير وحقوق الإنسان، فالمنطق يتطلب منها الحديث وعدم التردد في انتقاد الدول العربية التي لديها سجل أسود مثل بعض دول الخليج العربي، وعلى رأسها العربية السعودية. ونطرح سؤالا في هذا الصدد، ما موقف واشنطن من الوضع السياسي والخروقات المنهجية لحقوق الإنسان في العربية السعودية؟ الصمت أو التصريحات المحتشمة جدا.

وفي الوقت ذاته، لماذا لم تبادر واشنطن منذ اليوم الأول بالتدخل العسكري في حده الأدنى في ليبيا، مثل فرض حظر الطيران على سلاح الجو الليبي، حتى لا يفتك نظام القذافي بالمدنيين والمنادين بالحرية، لاسيما أن الرأي العام العربي يحبذ تدخلا جويا؟ شريطة أن يكون سريعا وبدون البقاء في الأراضي الليبية.

تاريخيا، تميزت دبلوماسية واشنطن بنهج البراغماتية المتجلية في الانحياز للطرف الذي تعتبره مفيدا للمصالح الأمريكية أو الطرف المنتصر، وتدرك واشنطن أن الشعوب العربية هي الطرف المنتصر في الثورات الحالية، عبر تغيير أنظمة سلطوية أو دفع أخرى للإصلاح، فالخريطة السياسة العربية ستكون مختلفة في نهاية العقد الجاري اختلافا حقيقيا. ورغم هذه المعطيات، فواشنطن تتردد، ولأسباب مبهمة وغير معروفة، في الانحياز لهذه الشعوب ودعم مطالبها. وهذا التردد ستكون نتائجه سلبية على الحوار الأمريكي -العربي مستقبلا.

ويبدو أن واشنطن لا تستفيد من تجارب الماضي، فخلال الثمانينات والتسعينات، بل وحتى بداية العقد الماضي، كانت شعوب أمريكا اللاتينية تسقط نظاما ديكتاتوريا تلو الآخر، ولم تتخذ واشنطن موقفا واضحا في دعم المطالب الديمقراطية لهذه الشعوب، بل يكشف لنا التاريخ تورط واشنطن في دعم عدد من الدكتاتوريات، بل والمساهمة في انقلابات. وبعد حدوث الثورات، وصلت حركات سياسية منبثقة عن الشعوب إلى سدة الحكم وتبنت سياسة متشددة، وحتى عدائية أحيانا ضد الولايات المتحدة ومصالحها في أغلب دول أمريكا اللاتينية، وهي سياسة تعكس موقف الرأي العام لهذه الشعوب تجاه واشنطن، الذي تكشفه الكثير من استطلاعات الرأي.

فسيناريو أمريكا اللاتينية بدأ يتكرر في العالم العربي، فهذه الثورات ستحمل قوى سياسية جديدة للحكم، ستحل محل تلك التي هيمنت لمدة عقود، وستتولى سواء رئاسة الحكومة أو اعضاء في الائتلافات الحكومية، والكثير من الحركات الإسلامية واليسارية ستكون حاضرة في هذه الحكومات. وتاريخ العلاقة بين الحركات الإسلامية واليسارية بالولايات المتحدة ليست ودية بالمرة، فالحوار المستقبلي بين الولايات المتحدة وبعض الحكومات العربية المقبلة أقل ما يقال عنه انه سيكون متوترا بسبب اختلاف الرؤى في الكثير من الملفات الثنائية والدولية. وعلى رأس هذه الملفات التعاطي التاريخي لواشنطن مع قضايا الشرق الأوسط وأساسا القضية الفلسطينية وملف الجولان السوري.

فرغم أن الولايات المتحدة ليست قوة استعمارية في العالم العربي، فصورتها لدى المواطن العربي سلبية للغاية، أكثر بكثير من الدول الاستعمارية التي احتلت العالم العربي، فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واسبانيا، وذلك بسبب الفكرة السائدة لدى الرأي العام العربي بأن واشنطن عمدت تاريخيا إلى عرقلة التطور الاقتصادي والسياسي للشعوب العربية خلال العقود الأخيرة بسبب دعمها لأنظمة فاسدة ودعمها لإسرائيل في الشرق الأوسط.

لقد نتج عن الثورة الإيرانية عداء مطلق للولايات المتحدة، بل وتهديد نفوذها في الشرق الأوسط، وهو عداء ليس قائما على ما هو ديني بل على تقييم لسياسات واشنطن الخارجية تجاه المنطقة، وترتب عن التغيير السياسي في تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة طيب رجب أردوغان مزيدا من تقليص للنفوذ الأمريكي. وها هي الثورات العربية ستزيد من عزلة واشنطن في الشرق الأوسط، فحتى الدول التي تعد حليفة لواشنطن، مثل العربية السعودية والأردن بدأت تبتعد عن السياسة الأمريكية مخافة من ردود فعل شعوبها التي لا تثق في البيت الأبيض، رغم محاولات الرئيس باراك أوباما مد جسور الثقة، لا سيما من خلال خطابه الشهير في القاهرة منذ قرابة سنتين والموجه للعالم الإسلامي والعربي.

وأمام كل هذه التطورات، ما زالت هناك فرصة للولايات المتحدة، وقد تكون الأخيرة والوحيدة، لإنقاذ صورتها لدى الرأي العام تتجلى في إيجاد حل للنزاع العربي - الإسرائيلي عبر تسوية تاريخية تشمل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإعادة الجولان لسورية والتوقيع على حدود قارة مع لبنان. مبادرة سياسية من هذا النوع ستجعل الولايات المتحدة شريكا سياسيا مقبولا من طرف الأنظمة العربية الآخذة في التبلور نتيجة الثورات، والتردد في هذه المبادرة سيشكل بداية تكرار سيناريو مواقف دول وشعوب أمريكا اللاتينية تجاه واشنطن، أي الرفض والعداء ليس انطلاقا من القاعدة الشعبية فقط، بل كذلك من دفة الحكم، لأن الحكومات العربية المقبلة ستعكس مواقف شعوبها.

ولعل مثال رفض شباب ائتلاف الثورة المصرية خلال الأسبوع الجاري لقاء وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون كفيل بأن يجعل البيت الأبيض يفكر كثيرا في العلاقات المستقبلية مع العالم العربي، فشباب اليوم هو من سيسير دفة العلاقات الخارجية غدا، وشباب اليوم في العالم العربي غير راض نهائيا عن دور الولايات المتحدة التي ترفع دائما شعار حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما واقع وتاريخ علاقاتها مع الدول العربية شيء آخر، أي دعم أنظمة سلطوية ودموية.

' كاتب مغربي

====================

التغيير يتقدم... وإن تعددت التجارب

الإثنين, 21 مارس 2011

جورج سمعان

الحياة

نظرة إلى خريطة العالم العربي، «من المحيط إلى الخليج»، تدل بوضوح إلى أن عاصفة التغيير لم توفر أحداً، وإن تعددت الأشكال والصور. المصريون كانوا يتوجهون يوم السبت إلى صناديق الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وكانت كتائب العقيد معمر القذافي تتوجه نحو ضواحي بنغازي في سباق مع التحرك العسكري الدولي لوقف الهجوم على المدنيين. فيما يصارع اليمنيون بلا جدوى حتى الآن. وتعلو وتيرة التشنج الإقليمي حول البحرين وتطغى على الحراك الداخلي. والحراك الشعبي يستيقظ ويخبو هنا وهناك. الصورة ليست واحدة. تتشابه وتلتقي وتتناقض. والنهايات كذلك. كلها في عين العاصفة.

الصورة ليست واحدة. وكذلك التغيير ليس واحداً. يتفاوت بين بلد وآخر. في مصر تجربة ديموقراطية لم يعرفها الشعب من قبل. يقترعون على الخطوات الأولى لتعديلات في الدستور. يقترعون على تعديلات لا ترقى في نظر بعضهم إلى حد تغيير النظام برمته. قد تطول المسيرة إلى مثل هذا التغيير الجذري. وتواصل تونس بوتيرة اسرع تصفية تركة النظام في كل المواقع. إنها محاولة لقطيعة نهائية مع الماضي، ماضي بن علي وماضي بورقيبة أيضاً.

انطلاقاً من هاتين التجربتين قطار التغيير يتقدم في أمكنة أخرى. لم يتوقف وقد لا يتوقف. ثمة دول في المشرق والمغرب وما بينهما استعجلت وتستعجل إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تبدو في سباق مع الزمن لإخماد النار تحت الرماد. تحاول صد الأبواب والنوافذ أمام العاصفة. تجاوز بعضها امتحان العمليات القيصرية والعذابات والضحايا. إنها إصلاحات تقدم تجربة أخرى وصورة مختلفة عن إمكان التغيير بأقل الأثمان وأسهلها. بينما تظل الأوضاع في بعض «الشوارع» الأخرى ضبابية ورهن ظروف ومعطيات... ورهن موازين قوى تتعلق بقدرة الأجهزة الأمنية الرسمية وقدرة الناس ومكوناتهم ومدى تماسك هذه المكونات وانسجامها، ورهن شبكة المصالح الخارجية. فالحراك الداخلي لم يعد يقتصر على أهل الداخل، وعلى عوامل داخلية. كل العالم بات منخرطاً بأشكال شتى في التغيير وسبله وحدوده. لم تعد موازين القوى الداخلية هي العامل الحاسم، ما دام أن الصراع لم يعد محلياً. لذلك لن تكون نتائج هذا الإعصار واحدة. النهايات التي نشاهدها تختلف بين بلد وآخر.

ولأن خريطة التغيير تعيد رسم خريطة النظام الإقليمي، لم يتأخر رعاة النظام الدولي عن أداء دورهم. وهو دور تختلف أشكاله وصوره أيضاً تبعاً للمصالح والظروف المحيطة بهذه المصالح. سمحت التجربتان التونسية والمصرية بالحفاظ على النسيج الداخلي ووحدته بالاتكاء على تاريخ طويل متصل ببناء الدولة ومؤسساتها، وأولها العسكرية. وبالاتكاء على مجتمع لا يزال يحتفظ بالحد الأدنى من الحياة الحزبية والنقابية وهيئات مدنية أخرى. ولم تهددا مباشرة المصالح الإقليمية والدولية، وإن دفعتا وتدفعان كل الأطراف المعنية إلى إعادة النظر في شبكة مصالحها وعلاقاتها. علماً أن المجتمع الدولي ليس غائباً عما يجري في كل من تونس والقاهرة، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

في مقابل هاتين الصورتين، ثمة صور أخرى للتغيير في بلدان أخرى أكثر تعقيداً وأشد إيلاماً. ثمة مواقف مختلفة، محلية وإقليمية ودولية، لأن خريطة المصالح، محلياً وإقليمياً ودولياً مختلفة. ففي ليبيا تردد المجتمع الدولي وتباينت مواقفه مما يجري في هذا البلد. ولا يزال على رغم التوافق الأخير على القرار الدولي الرقم 1973. لذلك كان القذافي في اليومين الماضيين يستعجل القضاء على آخر معاقل المطالبين بالتغيير، لعله يفرض أمراً واقعاً قد يعرقل تنفيذ القرار. يقف النظام في طرابلس في مواجهة أهل الشرق الليبي. يقف في مواجهة «توافق» عربي ودولي قطع آخر خيوطه معه. لم يعد مجال للحديث أو التعامل معه. في ضوء هذا الطلاق الكامل كيف يمكن التعاطي مع الوضع القائم إذا التزم القذافي وقف النار واكتفى بما حقق على الأرض؟ هل تتولى الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني المعارض مهمة الإجهاز عسكرياً على كتائبه وتمكين المعارضين من النهوض مجدداً في طرابلس وغيرها من مدن الغرب والوسط والجنوب؟ الخوف أن ينتهي الصراع إلى تكريس الوضع القائم ما لم يلجأ أصحاب القرار 1973 إلى ضربات قاصمة للنظام حتى قيام التغيير المطلوب وإن بأيدي الخارج... غير ذلك يعني أن يطول هذا الوضع بلا حسم فيفضي إلى تقسيم موقت أو دائم تنضم فيه ليبيا إلى السودان! في اليمن يختلف الموقف المحلي عما هو في ليبيا. وكذلك الموقف العربي والدولي. حتى الآن لم يعلن النظام في صنعاء حرباً منظمة على معارضيه كما هي حال القذافي، وإن مارس بعض أجهزته العنف والقتل. هو يعاند ويزاحم الغاضبين على الساحات. يحاورهم ويعلن ضحاياهم برصاص أمنه «شهداء»! يجاهد للبقاء في لعبة تعزز السير نحو صراع قبلي لن تقتصر شظاياه على الداخل، بل قد تهدد بالاتساع نحو بعض الجيران... إلا إذا نجحت الضغوط في ترحيل الرئيس علي عبدالله صالح الذي لم يطالبه المجتمع الدولي بالرحيل بعد. يطالبه بوقف العنف والاستماع إلى مطالب المتظاهرين. موقع اليمن الجغرافي دقيق وحساس. وتشظيه دويلات جهوية و «سلطنات» كما كانت الحال في جنوبه عشية خروج المستعمر البريطاني، يعرّض شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي لرياح لا يمكن التحكم بمساراتها ومقاومتها، ويزيد من فرص «القاعدة» والحركات الأصولية الأخرى... مثلما يفتح شهية الكثير من الجيران على التدخل والانخراط في صراع إقليمي مفتوح، ينفتح الوضع على «صومال» كبير قد لا يكون جنوب السودان بمنأى عنه. فمن يضمن أمن طرق النفط من بحر العرب إلى باب المندب؟ يجب إذاً الاتفاق على البديل في صنعاء قبل الدفع نحو تغيير جذري. وهو أمر يبدو صعباً في ظل التوازنات القبلية والجهوية أيضاً.

وإذا كان بعض دول شبه الجزيرة العربية واكب رياح التغيير مستجيباً بحزمات من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تفاوتت بين بلد وآخر، فإن حظ البحرين لم يكن كذلك. لو عرف بعض أقطاب الصراع المتشددين كيف يدوّرون الزوايا، وكيف يراعون حساسية العامل المذهبي والعامل الإقليمي المتوتر أصلاً، لما نحا الصراع في الداخل منحى يهدد النسيج الوطني، ولما اندفع الحراك الداخلي إلى حراك إقليمي أشد خطورة. يكاد التوتر المذهبي في الداخل ينفجر صراعاً مذهبياً طالما حاذر العالم العربي السقوط فيه منذ سقوط نظام صدام حسين، وانتقال السلطة من مكون إلى مكون آخر يجهد بكل الوسائل للاستئثار بالحكم في عملية لم تخل في السنوات الماضية من عنف طائفي ومذهبي منظم. ضاع الاصلاح، أو يكاد، في حمأة التوتر الإقليمي الذي لا يقتصر على دول مجلس التعاون وإيران بل يحرك النزوات في العراق والكويت ولبنان وأماكن أخرى. ولا ندري كيف ستستقبل بغداد القمة العربية المؤجلة التي قد تكون أولى الضحايا لهذه «الهبة المذهبية» العاتية.

رياح التغيير لم تتوقف ولن تتوقف. يبقى أن تعرف الكويت كيف توفق بين موجبات عضويتها في مجلس التعاون الخليجي من جهة ومستلزمات الحفظ على وحدتها الوطنية، وأن يعرف طرفا الصراع الفلسطيني كيف يخرجان من الاصطفاف الإقليمي والدولي ويستجيبان رغبة الشباب المنادين في ساحات قطاع غزة والضفة العربية بإنهاء الانقسام... لئلا يضيع ما بقي من القضية، وأن يعرف اللبنانيون حدود الصراع على المحكمة الدولية وعلى سلاح المقاومة لئلا يقع لبنان في محظور الصراع المذهبي، وأن يتعظ السوريون من التجارب الماثلة أمامهم، من ليبيا إلى اليمن فالبحرين. ويبقى أخيراً أن تعرف الشعوب العربية كيف تحافظ على خريطة بلدانها، فلا تقع فريسة التناحر الطائفي والمذهبي والجهوي، لتكون قادرة على أداء دور راجح في رسم صورة النظام الإقليمي الجديد، فلا يكون مرة ثانية صنيعة الدول الكبرى شرقاً وغرباً وصنيعة دول الجوار.

====================

اجتماع باريس.. فرصة للسلام في شمال أفريقيا؟

كارتن اتشون

الشرق الاوسط

21-3-2011

في بعض الأحيان، يصبح أكثر التساؤلات على الصعيد السياسي العالمي صعوبة: وماذا بعد؟ وهذا هو التساؤل الذي سأطرحه - وأشرع في تقديم إجابة عنه - أثناء القمة المنعقدة في باريس السبت، لمناقشة الأوضاع في ليبيا (كتب المقال قبل انعقاد القمة). ويعج التاريخ بأمثلة على حروب تم إحراز النصر فيها، لكن سرعان ما وقعت الهزيمة الحقيقية وقت السلام. في أوروبا، ارتُكبت أخطاء بشعة بعد الحرب العالمية الأولى مهدت الطريق أمام الحرب العالمية الثانية. لكننا أحرزنا نجاحا أكبر بعد عام 1945، رغم الحرب الباردة، وذلك لأننا أدركنا أن ما نحتاجه يتجاوز مجرد إنزال الهزيمة بهتلر، وإنما كان علينا إعادة بناء قارة محطمة.

في حالة ليبيا، يعني النجاح أكثر من حماية المدنيين خلال الأيام المقبلة، أو حتى ضمان وضع نهاية لنظام العقيد القذافي. وإنما يستلزم النجاح وضع استراتيجية لما سنفعله بعد ذلك. وأنوي تركيز مناقشاتي على كيفية الارتقاء لمستوى هذا التحدي.

إننا ندرك، من حيث المبدأ، ما نحتاج فعله لإرساء أسس الديمقراطية المتأصلة - الديمقراطية التي تدوم ولا تتلاشى بمرور الوقت. إننا بحاجة لإقرار حكم القانون على يد قوات أمن أمينة وقضاة مستقلين. ونحتاج لأن تتسم الحكومة الوطنية والمحلية بالفعالية والشفافية، ونحتاج لفرض حقوق الملكية وحرية التعبير وحرية تكوين النقابات. وقبل كل ذلك، نحتاج لنشر الرخاء بسرعة كافية عبر جميع أرجاء المجتمع بحيث يشعر كل فرد أن له مصلحة مباشرة في الإصلاح الديمقراطي.

وما سبق ليس مجرد أفكار غربية ليبرالية. لقد عاينت شخصيا، خلال الأسابيع الأخيرة، أنها تلهم الإصلاحيين في تونس والقاهرة، ووجد فريق العمل المعاون لي أن هناك شهية كبيرة تجاهها في شوارع بنغازي، بل وحتى طرابلس.

وسوف أعمل على تحديد ما يمكن للاتحاد الأوروبي فعله، والكيفية التي نرغب في العمل من خلالها مع باقي العالم الغربي - وأيضا جامعة الدول العربية، وهو أمر بالغ الأهمية - لتحقيق المرجو. لقد دعا البعض لإقرار «خطة مارشال» جديدة. وقطعا هذه المشاعر تسير في الاتجاه الصائب، لكن شمال أفريقيا في القرن ال21 يختلف عن أوروبا في أربعينات القرن الماضي. إننا بحاجة لصياغة استراتيجية جديدة مستهدفة للتعامل مع المهمة القائمة أمامنا الآن، وهذا تحديدا ما عكفنا عليه داخل الاتحاد الأوروبي. في قلب الاستراتيجية الجديدة تكمن ثلاثة عناصر: المال والقدرة على الوصول للسوق والقدرة على الحركة.

فيما يخص المال، أود من أوروبا التبرع بمليارات اليورو لتطوير اقتصاديات ليبيا ومصر وتونس. وسيأتي جزء من هذه الأموال من أموال الاتحاد الأوروبي. وآمل أن تنضم إلينا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمانيون الأوروبيون في مساعينا لتوفير باقي الأموال اللازمة من «مصرف الاستثمار الأوروبي» و«المصرف الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية».

في وقت سابق من هذا الأسبوع، التقيت بوزيرة التخطيط والتعاون الدولية المصرية فايزة أبو النجا التي أخبرتني أن الحاجة الأكثر إلحاحا أمامها الآن هي بناء مليون مسكن جديد. وأود أن تساعدها أوروبا، بالتعاون مع جهات أخرى، على تحقيق ذلك، وكذلك المساعدة في تمويل مشروعات بنية تحتية بمختلف أرجاء تونس وليبيا خلال مرحلة ما بعد القذافي. كما أننا نملك الموارد والخبرة والعزيمة اللازمة للمساعدة في بناء مؤسسات مجتمع مدني صحي، وقد شرعنا بالفعل في مناقشة مشروعات مفصلة مع الحكومتين الجديدتين في تونس ومصر. كما أن بإمكاننا المعاونة في تنظيم ومراقبة انتخابات حرة بالبلدين.

إلا أننا نعي أنه في النهاية لن تضطلع المساعدات الا بدور محدود، ويجب على الدول المعنية ذاتها العمل وشق طريقها نحو الرخاء. ومن هنا تنبع الأهمية الكبيرة للقدرة على الوصول إلى الأسواق، بمعنى القدرة على بيع السلع بدول ذات أوضاع اقتصادية جيدة.

وباعتبارها أقرب جيران أفريقيا الأثرياء، أمام أوروبا دور محوري عليها الاضطلاع به. من الناحية الرسمية، هناك القليل من العوائق التجارية، لكن هناك عقبات أخرى تتمثل في إصرارنا، عن حق، في أن تكون الواردات القادمة إلينا، والمتنوعة ما بين مواد غذائية ومنتجات مصنعة، متوافقة مع أعلى المعايير. وعليه، فإننا بحاجة للعمل على إزالة العوائق التعريفية المتبقية بمرور الوقت، وأيضا التعاون مع الديمقراطيات الجديدة بشمال أفريقيا لمساعدتها عمليا على بيع سلعها وخدماتها داخل أوروبا.

من بين الإجراءات المحددة، التي أطلب من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إقرارها، صياغة برنامج لدعم التنمية الريفية في شمال أفريقيا، بحيث تتمكن مصر وتونس، وفي الوقت المناسب ليبيا من زراعة منتجات غذائية على مستوى الجودة المطلوب داخل أوروبا. ومن المتوقع أن تساعد مثل هذه الإجراءات في اجتذاب الاستثمارات الخاصة الحيوية لتحقيق الرخاء في هذه الدول.

إضافة إلى ذلك، فإن ضمان القدرة على التحرك بحاجة إلى عدد من الإجراءات. يذكر أن الاتحاد الأوروبي يملك بالفعل عددا من برامج المنح مثل «إراسموس موندوس» و«يوروميد يوث» و«تمبوس». ومن الممكن تعزيز هذه البرامج لجلب مزيد من الطلاب إلى أوروبا، وبالتالي المعاونة في تعزيز قاعدة المهارات بالديمقراطيات الجديدة. كما يتعين علينا مراجعة إجراءات الفيزا الخاصة بنا، بحيث يتمكن رجال وسيدات الأعمال، أصحاب المهارات المهنية، من التنقل بين أوروبا وشمال أفريقيا بسهولة أكبر.

أعترف أن هذه الأجندة تفتقر إلى مظهر براق، لكنها لا تفتقد الطموح. في الأسابيع الأخيرة، قال الكثيرون إن الأحداث الجارية في شمال أفريقيا تحمل تحديا من نوع خاص على الاتحاد الأوروبي النهوض لمستواه، وأتفق مع هذا الرأي. ومن المهم بالنسبة للعالم أن تصبح ليبيا ومصر وتونس ودول أخرى ديمقراطيات مستقرة. ويحمل هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة لأوروبا بالنظر إلى أن هذه الدول جيران لنا. إن الفشل سيترك تداعيات سيئة على مواطنينا، وليس على مواطني هذه الدول فحسب.

إن الاختبار القائم أمامنا ليس فقط ما ستحمله الأيام المقبلة، وإنما أيضا الشهور والسنوات التي ستعقب عودة السلام وتحول تركيز وسائل الإعلام إلى أزمات جديدة بمناطق أخرى. اجتماع باريس يمنحنا الفرصة للتخطيط للسلام، وعلينا اقتناصها.

* الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي

* خدمة «نيويورك تايمز»

====================

عن التغيير أو الإصلاح في سوريا

ابراهيم الأمين -

التيار

21-3-2011

يرغب كثيرون في سوريا، وفي العالم العربي، وفي العالم أيضاً، في حصول تغيير في سوريا. ونقطة التقاطع بين هؤلاء جميعاً، هي التخلّص من النظام في سوريا، وإطاحة حكم حزب البعث. البعض لديه مطالب مشروعة داخل سوريا، من محاربة الفساد إلى الحد من سطوة السلطات الأمنية، إلى تجاوز حزب البعث كممرّ إلزامي الى السلطة، ومزيد من حريات الصحافة والتعبير والتجمّع، وانتخابات تسمح بتداول السلطة على المستويات كلها.

قسم آخر، خارج سوريا، يريد التخلّص من النظام الحاكم، لأسباب أخرى. بعض الحكومات تريد مدّ نفوذها الى قلب سوريا، وبعض الأحزاب ترى في سوريا عدواً مانعاً لتحقيق برامجها، وفئة تكره سوريا لأنها وقفت الى جانب خصومها في دول المنطقة، من لبنان وفلسطين الى العراق ومصر. أما القسم الثالث، فيهتمّ لأمر آخر، إذ حال النظام الحالي في دمشق دون تحقيق مشاريعه السياسية والاستعمارية، من الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي، وصولاً الى إسرائيل التي ترى في النظام السوري عدواً مباشراً وراعياً لكل أعداء إسرائيل، ولا سيما حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.

منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية في تونس، ثم انتقالها، ونجاح ثورة مصر، وما يجري الآن في اليمن وليبيا والبحرين، تدور مناقشات حول ما يمكن توقع حصوله في سوريا، علماً بأنه يجري أيضاً الخلط بين التقديرات الواقعية والتمنيات، ولا سيما عند خصوم النظام الذين يريدون فقط سقوط بشار الأسد ونظامه. وفي هذه الحالة، يجب التوقف بقوة عند مصلحة الولايات المتحدة الأميركية والغرب وحلفائهما بين العرب، الذين يهتمون بأمور لا تتعلق البتة بمصالح الشعوب المنتفضة.

في حالة سوريا الراهنة، ثمة غالبية كبيرة تريد تغيير الواقع القائم، وهي غالبية تأخذ في الاعتبار الواقع السياسي الإقليمي والتنوّع السياسي والطائفي في سوريا، كما تأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن مقارنة بشار الأسد بحسني مبارك أو معمّر القذافي أو زين العابدين بن علي، وإن كان في سوريا من يرفض مبدأ المقارنة باعتبار أنه آلية لتقليص طموحات التغييريين، علماً بأن الشعار الغائب عن التحركات، التي جرت في أكثر من منطقة سورية منذ أسبوع، هو شعار إسقاط النظام، مع تركيز على رغبة في إصلاح كبير، وهو أمر يتعارض مع هواجس مَن هُم خارج سوريا الذين يريدون أمراً مختلفاً، تماماً كما ترغب قوى مثل 14 آذار في لبنان، وسلطة رام الله في فلسطين، وأنصار الاحتلال الأميركي في العراق، وفريق الانتهازيين في السعودية ودول عربية أخرى، وبقايا نظام حسني مبارك في مصر.

هؤلاء يقتربون في مواقفهم، وفي رغباتهم حيال سوريا، من الموقف الأميركي والغربي الأوروبي، والإسرائيلي. وهم يرفضون تقدّم المشروع الذي تؤدي فيه سوريا دوراً مركزياً. ولم يكترث هؤلاء يوماً لواقع سوريا الداخلي، أو لحاجات شعبها، لكنهم استفاقوا عندما صاروا في نزاع وجودي مع النظام في سوريا.

لذلك، فإنّ المرء هنا لا يمكنه مجاراة هؤلاء، بحجة أنهم يدعمون الديموقراطية، بل إن المراقبة الموضوعية النزيهة تحتّم الاستنتاج بأن ذرائع هؤلاء هي تماماً من نوع: كلام حق يراد به باطل. ومعنى ذلك أنه لا يمكن مجاراة هؤلاء في كل ما يقولونه، ولا يمكن تبنّي أي موقف يتّخذونه، أو يعملون على فرضه كأمر واقع، بل بالعكس، يمكن السير في مواجهة هذا المنطق، لا بقصد الدفاع عن النظام في سوريا، بل لفضح هؤلاء الراغبين فقط في وصول حكم الى سوريا، يكون جزءاً من معسكر الاستسلام.

وللمناسبة، فإنّ بعض هؤلاء يساهمون اليوم في دعم «أعمال مدفوعة الأجر» في بعض المناطق السورية. وقد تبيّن لجهات عليمة تورّط شخصيات من فريق الرئيس سعد الحريري في الشمال والبقاع بتمويل أنشطة تركز على حصول تحركات تستهدف حزب الله في سوريا، ولا سيما بعدما تردّد أن ثلاثة شبان سوريين قالوا إنّهم تلقوا أموالاً من ناشطين في تيار «المستقبل» مع كمية من صور للسيد حسن نصر الله وطُلب إليهم إحراقها خلال تجمع كان مقرراً في منطقة سورية قريبة من الحدود مع لبنان.

لكنّ هناك قسماً آخر من المعنيين بالتحرك داخل سوريا، يجب التعامل معهم بطريقة مختلفة. وعلى النظام هناك، قبل أي أحد آخر، النظر الى المطالب المشروعة لهؤلاء ووجوب تلبيتها، من خلال توسيع دائرة المشاركة في الحكم، ومكافحة الفساد والترهل، وإلغاء منطق المحسوبية وإزالة القمع الأمني، وجعل الحريات شرطاً للحياة الحرة الكريمة.ويمكن النظام في سوريا الاستفادة من نقطة مهمة، وهي أن المطلوب تحقيق نقلة تطويرية نوعية، وخصوصاً أن الرئيس بشار الأسد ليس موضع كراهية من شعبه، وأن موقف الحكم من الصراع مع إسرائيل يلبي الحاجات الوطنية السورية لكل الشعب السوري. كذلك، فإن عدم خضوعه للسياسات الأميركية والغربية، وتحمّله كلفة المقاومة لها، يحاكيان الوطنية السورية، ولطالما شعر المواطن السوري بفخر أكثر من غيره من أبناء شعوب المنطقة.

لكنّ زائر دمشق أو المتعرف إليها يسمع باطّراد مطالب عديدة، بعضها يشمل تغيير النظام برمّته، أو الدعوة الى دستور جديد يفرض تداول السلطة على المستويات كلها، وبعضها الآخر ربما يكون سقفه أقل ارتفاعاً، إذ يكفي طلب فصل إدارة الدولة عن حزب البعث وإسقاطه كممر إلزامي للعبور الى المواقع الأمامية في السلطات كلها، وضرورة إلغاء الاقتصاد الموازي المتفلت من الضوابط والمتناقض تماماً وطبيعة دولة الرعاية في سوريا، حتى بات هو المسيطر فعلياً على قطاعات الإنتاج الرئيسية في الاتصالات والطاقة وفي التجارة الحرة، حيث انتهت عملية خصخصة هذه القطاعات لمصلحة أفراد قريبين من النظام، فيما حرم أبناء الشعب السوري من حق التملك. أما في مجال الحريات، فيمكن أي مواطن سوري التحدث طويلاً عن الصحافة الرسمية، التي تعكس صورة لا علاقة لها كثيراً بحقيقة البلاد وهموم الناس، حتى النظام نفسه لم يعد يستفيد منها، بينما يقود تطور آليات التواصل بين الناس الى مرتبة جديدة، يبرعون فيها كأفراد، لكنها تظل مخالفة للقانون. ولا أحد يفهم سبب عدم إنتاج قانون جديد للإعلام، يتيح للناس التفاعل، إلا إذا كانت هناك خشية من تحوله الى سلطة رقابة فعلية على الإدارة العامة، وخصوصاً أن المشكلة أصابت قطاعات حساسة، مثل قطاعي التعليم والصحة، إذ دخلت سوريا مرحلة الترهل في هذه القطاعات الحكومية، لما يقدم للمواطنين من صورة كاذبة تصوّر الحل جاهزاً عبر القطاع الخاص.

ثمة فارق كبير بين ما تريده أميركا وإسرائيل من سوريا، وما يريده شعبها من نظامه، والفارق الأساسي بين النظام السوري وبقية الأنظمة في المنطقة هو انتسابه إلى الممانعة. لكن الاعتقاد بأن هذا الموقف قد يحول دون انتفاضات الكرامة والخبز والحرية هو اعتقاد خاطئ، لأن ما حصل ويحصل في الدول العربية يؤكّد استحالة بقاء الأمور كما هي في سوريا أو في أي بلد عربي آخر على صعيد الحريات والسياسات الاقتصادية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ