ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ليبيا والخيارات الصعبة!

تاريخ النشر: الإثنين 14 مارس 2011

الاتحاد

تبقى الأنظار شاخصة إلى ليبيا التي خالفت مسيرة الثورتين في مصر وتونس، حيث يتحدى القذافي وابنه سيف الإسلام الغرب ويهددان الثوار بحرب شاملة. وفي هذا الوقت تطفو على السطح مخاوف حقيقية من تحول ثورة ليبيا إلى حرب أهلية مفتوحة على الكثير من الاحتمالات والسيناريوهات وسط تعادل القوتين المتصارعتين وعجز أي منهما عن حسم المواجهات لمصلحتها. ووضع كهذا، هو الأسوأ لمسار الحروب، وهو ما وصفه المفكر الاستراتيجي الصيني "سن تزو" بقوله: "إن أهم عامل في الحرب هو مهاجمة استراتيجية الخصم وتدميرها". وعادة لا ينتصر أي طرف يخوض حرباً طويلة ومكلفة، وهذا واقع الحال في ليبيا.

 ويبقى العجز العربي سيد الموقف. ولكن بارقة الأمل العربية أتت من دول مجلس التعاون الخليجي. وكان ملفتاً تقدم دول مجلس التعاون الخليجي بقية الدول العربية في أخذ مواقف حاسمة في الشأن الليبي. وتأكيد دول المجلس على أن النظام الليبي فقد شرعيته وتأييدها لفرض حظر جوي على ليبيا. وقد يتطور الموقف الخليجي بالاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي.

وفيما نجح الغرب في حصار النظام الليبي سياسيّاً واقتصاديّاً، ويأتي هذا التحول بعد أن قام الغرب باحتضان القذافي في السنوات الماضية بعد أن أصبح شخصاً مقبولاً يحج إليه قادة الغرب بعد تأهيله وحتى دعوته لحضور قمة الثمانية الكبار. فإذا بالغرب ينقلب عليه ويتخلى عنه في خضم لعبة المصالح والدول. وفي خطوة متقدمة، اعترف البرلمان الأوروبي، وفرنسا، بالمجلس الانتقالي الليبي ممثلاً شرعيّاً للشعب الليبي. وأوقفت روسيا التي تعارض فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، صفقات الأسلحة للنظام مع تحذير موسكو من التدخل في الشأن الليبي. ولكن الغرب يبدو منقسماً ومتردداً وخاصة الولايات المتحدة التي لا يبدو أنها في مزاج القيادة.

ويبدو أن صناع القرار في إدارة أوباما الذي اتخذ قراراً مبكراً في الأزمة الليبية بالوقوف ضد القذافي ومطالبته بالرحيل بعكس تعامله المتردد مع الثورة المصرية، والتونسية قبلها. ولكن ما هو ملفت بالنسبة للموقف الأميركي هو عدم قيادة التحرك الدولي في التعامل مع الشأن الليبي وتركه للحلفاء ومجلس الأمن. مع تأكيد الوزيرة كلينتون أن الولايات المتحدة يجب ألا تقود التحرك وأن أي قرار حول ليبيا يجب أن يكون تحت غطاء الأمم المتحدة. وتقود فرنسا وبريطانيا التحرك نحو فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا. وهناك مخاوف وتساؤلات حول ما إذا كان فرض حظر طيران فوق ليبيا كافيّاً ولن يتطور إلى حظر بري وتدخل عسكري على الأرض بما فيه عمليات عسكرية وقتال وتدمير للقدرات العسكرية الليبية ودعم الثوار وحتى تزويدهم بالسلاح بعد حظر السلاح عن لليبيا.

ولا أدل على التردد الغربي وخاصة الأميركي أكثر من النقاش الحاد عما إذا كانت ليبيا تشكل أهمية استراتيجية لواشنطن في ظل تحذير باحثين استراتيجيين من التورط في ليبيا، ودعوتهم إلى التعلم من دروس العراق وأفغانستان. ويتجلى تردد الموقف الأميركي تجاه فرض حظر طيران في داخل الإدارة الأميركية والكونغرس من خلال النقاش الحاد بين صقور وحمائم الإدارة الأميركية والمشرعين والباحثين الاستراتيجيين. وينصح وزير الدفاع الأميركي "جيتس" بانتهاج عقيدة عسكرية جديدة تتلخص في "عدم شن الولايات المتحدة حروباً مستقبلية في آسيا والشرق الأوسط"، مؤكداً أن "أي وزير دفاع في المستقبل يقدم مشورة للرئيس بشن حرب فإنه قد فقد عقله!"، كما يحذر من فرض حظر جوي نظراً للحاجة إلى القيام بعمليات عسكرية لتدمير الدفاعات الأرضية والصاروخية والمدرجات في القواعد العسكرية الليبية الثلاثة عشر. ويأتي هذا وسط مخاوف من أن تفاقم الأوضاع الأمنية والبشرية قد يدفع إلى تدخل عسكري لا يرغب فيه كثيرون.

والحال أن تاريخ الحظر الجوي لا يدعو للتفاؤل. فقد طُبق في كردستان العراق ضد قوات صدام، وفي يوغوسلافيا ضد ميلوسوفيتش الذي ارتكب مجازر في البوسنة وكوسوفو. والخطر أن الحظر الجوي سيتطلب حظراً بريّاً، وذلك سيعني وجود قوات أجنبية على الأرض، واحتلالاً والعودة لواقع الاحتلال والاستعمار.

ومن الواضح أن الخيارات صعبة ومعقدة. والغرب يبدو منقسماً وأميركا المكتوية والمتمددة في العراق وأفغانستان، والمفلسة ماليّاً والمنهكة اقتصاديّاً، لا تريد حرباً في دولة مسلمة أخرى. والعرب بقيادة خليجية يسعون لحقن دماء حرب أهلية يُخشى من تفاقمها وتداعياتها. وعلى الأرض المعارك سجال بلا حسم في المشهد الدموي الليبي، مع توقع أن يزداد المشهد دموية قبل أن ينفرج. وبالتأكيد فإن أكبر الخاسرين سيكون القذافي ونظامه حتى لو بقي في السلطة إلى حين!

====================

الثورات العربية و"المشكل الديني"

تاريخ النشر: الإثنين 14 مارس 2011

الاتحاد

من النتائج الأولى للثورتين التونسية والمصرية الترخيص لأول مرة في تاريخ البلدين لأحزاب إسلامية ، كانت مقصية من دائرة الشرعية السياسية.

وفي الوقت الذي كان يعتقد دوماً أن جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية و"حركة النهضة" التونسية تمثلان أهم طرفي معارضة في البلدين، فان الانطباع الذي ساد خلال أحداث الثورتين هو أنهما لم تقودا حركية التغيير وإنما انضمتا إليها كغيرهما من التشكيلات السياسية.

ومع أن حضور التنظيمات الإسلامية في الحراك السياسي ليس بالجديد في الساحات العربية، باعتبار وجود أحزاب ممثلة في البرلمان في بعض البلدان (الأردن والمغرب واليمن..)،إلا أن الظروف التي حدثت فيها التحولات الأخيرة وطبيعة البلدين وأهميتهما في النظام العربي من العوامل التي تقتضي إمعان النظر في تأثير المعطى السياسي الإسلامي في مستقبل التجارب الديمقراطية الناشئة.

والواقع أن النقاش الفكري احتدم بقوة في الأيام الأخيرة في الموضوع، في اتجاهين بارزين: يتعلق أولهما بقدرة التنظيمات الإسلامية على التأقلم مع الديناميكية الديمقراطية القائمة على الحرية غير المقيدة، ويتعلق ثانيهما بمدى قابلية استنبات القيم والنظم الديمقراطية في أرضية ثقافية وقيمية لا تزال تطبعها التصورات والتمثلات الدينية.

في هذا السياق، نشير إلى دراسة منشورة بالفرنسية للمفكر التونسي "عياض بن عاشور"(حفيد العلامة الطاهر بن عاشور) الذي اختير بعد نجاح الثورة رئيساً للجنة الإصلاح السياسي بعنوان "النشاط السياسي بين الديمقراطيين والثيوقراطيين" .

يرى "بن عاشور" أن معضلة الديمقراطية العربية تكمن في عدم تناسب السقف القيمي والنظري للديمقراطية مع ما يسميه "المخزون الإسلامي في المجتمع"، الذي يفرض على الفاعلين السياسيين صفقات استراتيجية هشة للتكيف من جهة مع هذا المخزون ومن جهة ثانية مع الضغوط الداخلية والخارجية للتحول الديمقراطي.

فبالنسبة له ثمة أنماط من الديمقراطيين (بالاقتناع وبالتكتيك وبالاضطرار) تقابلها أصناف ثلاثة من الثيوقراطيين (العادي السلبي والمناضل الفاعل والراديكالي العنيف).

الثيوقراطي بالنسبة لبن عاشور هو الذي يرى ضرورة إخضاع "المدينة الأرضية" لأحكام وأخلاقيات وقوانين الشريعة عن طريق الدولة الحاكمة بالنص. ومن هنا لا سبيل للمواءمة بين الثيوقراطي والديمقراطي الحقيقي المقتنع بقيم الحرية والتعددية، فالتقاؤهما لا يكون إلا تكتيكيا مؤقتا. أما خصخصة الوعي الديني فلا يزال بالنسبة لبن عاشور خياراً هامشياً في المجال الإسلامي.

لا شك أن "بن عاشور" يطرح هنا إشكالات محورية، يجب تناولها خارج السجال الإيديولوجي المحموم المتفجر في الساحات الثورية التي تشهد مصاعب وأحلام الانتقال الديمقراطي بعد عقود طويلة من الاستبداد والقمع.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بن عاشور ينطلق من مسلمتين بارزتين:

أولاهما:العلاقة العضوية بين الديمقراطية التعددية كشكل من إدارة الحقل السياسي والقيم العلمانية في فصلها بين دائرة الانتماء الديني والمجال العمومي. ومن ثم لا معنى لاختزال الديمقراطية في مسطرتها الإجرائية التنظيمية.

ثانيتهما:إن عوائق التحول الديمقراطي في المجتمعات الإسلامية لا تنحصر في العوامل السياسية، وإنما ترجع في منطقها العميق إلى المنظور القيمي، مما يلمح إليه في الاقتران الوثيق داخل الإسلام بين الجوانب العقدية والتعبدية والتشريعية. ومن ثم لا بد من خلخلة هذه البنية اللاهوتية – القانونية ثمنا للانتقال نحو العقل الديمقراطي النسبي التعددي.

ولنشر إلى أن المسلمتين حاضرتان بقوة في الأدبيات السيارة، وقد برزتا بقوة في التحليلات التي واكبت الثورات العربية الراهنة، على الرغم من أن "المشكل الإسلامي" لم يطرح لا نظرياً ولا عملياً في الانتفاضات الديمقراطية الأخيرة. وقد اعتبر الباحث الفرنسي "أوليفيه روا" في مقال بعنوان "الثورة ما بعد الإسلامية"(لوموند في 12 فبراير ) إلى أن ما نشهده حاليًا هو تشتت المرجعية الإسلامية وعجز التيارات الرافعة للشعار الإسلامي عن احتكار المشروعية الإسلامية، على الرغم من السمة الدينية الغالبة على المجتمع. وتعني هذه المؤشرات أن المجتمعات المسلمة أصبحت تعيش عملياً وواقعيا مسار الفصل بين العقدي الذاتي والعمومي المشترك، الذي هو أحد محددات الحداثة، دون الحاجة الى دفع الاستتباعات النظرية والتأويلية التي تشغل الفلاسفة ودعاة الإصلاح الديني. فالبضاعة الإسلامية نفسها أصبحت شديدة التنوع، والسلطة التأويلية للنص لم تعد قائمة، ومسارات التدين غدت كثيرة متعددة وغير محصورة في النمط السياسي.

بيد إنما يتعين التنبيه إليه بخصوص المسلمتين المذكورتين، هو أن "بن عاشور" يدخل في متاهة نظرية وأيديولوجية معقدة برفضه المقاربة الإجرائية للديمقراطية في الوقت الذي يرفض نفاذ الدين للمجال العمومي باسم النسبية القيمية، التي لا معنى لها خارج مفهوم إجرائي محايد للنظم الديمقراطية.

ففضلًا عن أوجه الاعتراض الممكنة حول قراءته للأرثوذوكسية الإسلامية بصفتها تقوم على مركزية التشريع في بنية الدين (هل يتعلق الأمر فعلًا بقوانين بالمعنى الحديث أو بموجهات قيمية وصيغ تعبيرية تأخذ شكل أحكام؟)، فإن بن عاشور لا يقف عند الفرق الجوهري بين مجرد الفصل بين دائرة الاعتقاد الديني والمجال العمومي من جهة ومن جهة أخرى الموقف الأيديولوجي المبني على هذا الفصل الذي أخذ في فرنسا شكل اللائكية المعادية للدين في حين أخذ في ساحات أخرى أشكالاً تصالحية واستيعابية متعددة ومتنوعة.

بل إن الفكر الاجتماعي الغربي بدا يراجع بقوة في السنوات الأخيرة مبدأ الفصل الجذري بين العقدي الفردي والمجال العمومي في المجتمعات التي أطلق عليها "هابرماس" عبارة "المجتمعات ما بعد العلمانية".

فهذه المجتمعات فرضت على الديانات إصلاحات جوهرية في مقوماتها اللاهوتية والقيمية، وأصبح من حقها في المقابل أن تعود للمجال العمومي من أجل الإسهام في مناقشة التصورات الجوهرية للخير الجماعي، التي غدت فقيرة نحيلة بعد نضوب عصر الأيديولوجيات. فلا معنى للفصل بين وعي المواطن الفردي وانتمائه للدائرة الجماعية المشتركة، ولا خطر من الوصل بين المجالين ما دامت التعددية العقدية والقيمية أصبحت واقعاً لا سبيل لتجاوزه. وذلك هو الدرس الذي أثبتته الثورات العربية الأخيرة.

====================

حظر طيران ليبيا... ضروري وغير كافٍ

جون كيري*

تاريخ النشر: الإثنين 14 مارس 2011

الاتحاد

تدور في الوقت الراهن مناقشات محتدمة بين زعماء العالم بشأن فرض منطقة حظر طيران في ليبيا لإيقاف عجلة العنف الدامي هناك. وخلال تلك المناقشات يتم الاستشهاد بما حدث في البوسنة عندما تأخر "الناتو" قبل التدخل لحماية السكان المدنيين في منتصف التسعينيات. ويتذكر زعماء آخرون رواندا، حينما عبر كلينتون عن أسفه لعدم اتخاذه إجراءً في الوقت المناسب من أجل إنقاذ الأرواح البريئة هناك. لكن الوضع في ليبيا اليوم أقرب إلى المأساة التي حدثت في جنوب العراق في الأيام الأخيرة من حرب الخليج الثانية. فبعد أن نجحت قوات التحالف في طرد الجيش العراقي من الكويت، شجع بوش الأب الشعب العراقي على إمساك زمام أموره بيده، والإطاحة بصدام حسين. وعندما ثار الشيعة والأكراد وعرب الأهوار، كانوا يضعون في اعتبارهم أن الأميركيين سوف يحمونهم من القوة النيرانية المتفوقة لصدام. وعندما بدأت المروحيات وقوات الصفوة العراقية في حصد شعبها، صدرت الأوامر لقوات التحالف بالتوقف عن القتال، بينما وقف العالم يشاهد آلاف العراقيين وهم يذبحون.

الوضع في ليبيا ليس مشابهاً تماماً. فما يحدث هذه المرة هو أن الشعب الليبي، وتأثراً بما حدث في تونس ومصر، هبّ من أجل التخلص من حكم القذافي. ومع ذلك، فنفس الهاجس تقريباً ينتابني ويذكرني بما حدث في العراق. فهنا أيضاً نرى أفراداً عاديين يخوضون حرباً ضد القوة الجوية والجيش حسن التسليح لحاكم مستبد، متوقعين أن يأتي العالم الحر لحمايتهم من المذبحة التي يتعرضون لها بسبب شجاعتهم في الثورة ضد الطغيان، والتي صفقنا لها وأيدناها بالكلمات.

حتى الآن، اعتمد القذافي على القوة الجوية أساساً، لكن ما أخشاه أن يكون ذكاؤه قد هداه إلى خيارين: الأول استنزاف المعارضة الليبية حتى الموت، بدلاً من استفزاز العالم من خلال مذبحة واسعة النطاق، أو الانتظار حتى يتأكد من أن العالم ليس لديه الرغبة للتدخل وبعد ذلك يبدأ في قتل المدنيين بأعداد كبيرة.

نحن لا نستطيع الانتظار حتى يحدث ذلك. فنحن بحاجة لاتخاذ خطوات ملموسة، بحيث نكون مستعدين لفرض منطقة حظر طيران على الفور إذا ما بدأ القذافي في استخدم قواته الجوية من أجل قتل أعداد كبيرة من المدنيين، ولذلك يتطلب الأمر البدء فوراً بجهد دبلوماسي من أجل بناء دعم واسع النطاق لمنطقة حظر الطيران.

وأهم تفويض بإنشاء هذه المنطقة يجب أن يأتي من الأمم المتحدة التي يتعين أن تبدأ على الفور مناقشةً من أجل إصدار القرار الخاص بمنح هذا التفويض. وهناك عقبة تتمثل في التحفظات التي أبدتها كل من روسيا والصين، بيد أن الجميع ينبغي أن يعلم بأنه في حال فشل مجلس الأمن في منح التفويض المطلوب، فإننا معشر الراغبين في توفير الحماية للمدنيين الليبيين سوف نواجه خياراً أصعب كثيراً إذا ما تصاعدت وتيرة العنف ضدهم.

ولهذا السبب يجب علينا مد نطاق جهودنا كي تتجاوز الأمم المتحدة.

في هذا السياق يعد الحصول على دعم من "الناتو" والاتحاد الإفريقي أمراً مهماً. ولكي نتجنب التصور الخاص بأن "الناتو" والولايات المتحدة ينتهزان الفرصة لمهاجمة دولة إسلامية أخرى، فسنحتاج أيضاً إلى دعم من العالم العربي.

وهناك علامات مشجعة على هذا الصعيد، منها أن دول مجلس التعاون الخليجي قد دعت لفرض منطقة حظر طيران في ليبيا، وأن مجلس وزراء الخارجية العرب طالب مجلس الأمن بنفس الشيء في اجتماعه أول أمس السبت.

بيد أنه يجب أن يكون معروفاً للكافة، أن فرض منطقة حظر للطيران لا يمثل علاجاً لكل شيء، فهو لن يرجح كفة الميزان لصالح المعارضة، إذا ما تدهورت الأوضاع إلى حرب أهلية شاملة... غير أن الشيء المؤكد أنه سيؤدي إلى تحييد الضربات الجوية، وحماية حياة المدنيين، كما سيظل أداة في أيدينا نستخدمها إذا ما تدهور الموقف، وسيرسل إشارة للمعارضة الليبية بأنها لا تقف وحيدة.

وقبل أن نصل إلى هذا القرار، يجب على المجتمع الدولي تقديم مساعدات إنسانية وإمدادات طبية للثوار في شرق ليبيا، ويجب علينا ألا نسمح بتجويعهم حتى يجدوا أنفسهم مجبرين على الاستسلام.

الخيار الذي يجب استبعاده من الطاولة هو تدخل القوات البرية الأميركية، إذ ليس هناك أحد يرغب في رؤية الولايات المتحدة وهي تتورط في حرب جديدة، خصوصاً في دولة إسلامية أخرى. وكما قال أوباما، يجب ألا نحرم الشعب الليبي من ملكية نضاله من أجل الحرية، أو نمنح القذافي أداة مفيدة يتحجج بها.

وربما يكون التهديد المتمثل في فرض منطقة حظر طيران كافياً في حد ذاته لمنع طياري القذافي من استخدام مروحياتهم أو طائراتهم المقاتلة لقتل شعبهم. لكن إذا لم يحدث هذا فيجب أن نكون واضحين في التعبير عن الاستعداد لقيادة العالم الحر من أجل إيقاف الذبح العبثي لليبيين من قبل رجل مصمم على الاحتفاظ بالسلطة. كما يجب أن نوضح بأن الولايات المتحدة، كما فعلت في البوسنة وكوسوفو، تتخذ موقفاً حاسماً ضد بلطجي يقتل المسلمين.

*رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة" واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

===================

ماذا يمكن أن تقدم لمصر؟    

آخر تحديث:الاثنين ,14/03/2011

الخليج

ناجي صادق شراب

أذكر هنا فقط بالعبارة نفسها التي قالها الرئيس الأمريكي كيندي لشعبه “ماذا يمكن أن تقدموا للولايات المتحدة، ولا تقولوا ماذا نريد؟” هذه العبارة هي التي تقف وراء قوة الولايات المتحده اليوم كقوة أولى في كل مجالات القوة البشرية المتنوعة . ونفس هذا السؤال ينبغي أن يسأله كل مواطن وكل شاب مصري بعد هذه الثورة الكبيرة التي تعيشها مصر اليوم .

والسؤال ليس قاصراً على كل مصري بل على كل عربي من منطلق أن في قوة مصر قوة للعرب جميعاً، وفي استعادة مصر لدورها استعادة لدور النظام الإقليمى العربى في زمن التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية . والسؤال في عمومه موجه لكل مواطن عربى ماذا يمكن إن يقدم لبلده ولأمته؟ أما ماذا يمكن إن يقدم المواطن المصرى، فلا يقف عند حدود معينة، بل ينبغى أن يكون عطاء ممتداً بامتداد تاريخ وحضارة مصر . ومصر اليوم قد تمر بمرحلة مصيرية ومهمة من تاريخها، مرحلة تحول يتوقف عليها مستقبلها، ومستقبل الأمة العربية كلها . ولا يكفى في هذه المرحلة أن يقول المواطن أنه يحب مصر فقط، وأن الثورة من أجل مصر فقط، والسؤال كيف نحول هذه الثورة وهى أكبر تحدٍ يواجه شباب الثورة إلى رؤية سياسية وبرنامج عمل محدد الأهداف، والمراحل من أجل الوصول بمصر إلى مصاف الدول الكبيرة والمؤثرة، والأساس في عملية أي بناء وتنمية هي الداخل، لا يمكن أن تتحق التنمية والبناء بالاعتماد على الخارج فقط، ومصر دولة كبيرة وشامله في مصادر القوة المتاحة والممكنة لديها، فلديها أكثر من ثمانين مليون نسمة والعامل السكاني أحد أهم عناصر القوة، وخصوصاً إذا ما تم توظيفه بشكل عقلاني وعلمي، ويكفي أن نعرف أن مصر لديها أكثر من مئة ألف عالم يعملون ويسهمون في بناء قوة دول كبرى مثل الولايات المتحدة، والأسماء هنا كثيرة مثل العالم الدكتور زويل وفاروق الباز وغيرهما . ومصر لديها مساحة كبيرة توفرلها عمقاً استراتيجياً واسعاً، وتتيح لها خيارات تنموية متعددة، ويتوافر لمصر رصيد حضاري كبير، وموارد طبيعية متعددة ومتنوعة، ولقد وهبها الله نهر النيل، وبمصادر ومواقع للسياحة تشكل مصدراً مهماً للدخل القومي، من السياحة العلمية والحضارية بتراثها الآثاري الضخم، وبالمواقع والمنتجعات السياحية، ولديها قناة السويس التي تعتبر شرياناً للنقل العالمي . إذن المسألة ليست في توفر عناصر القوة من عدمها، بقدر الحاجة إلى رؤية سياسية، ونظام حكم على قدر من الديمقراطية والشفافية والنزاهة، وبقدر محاربة الفساد، وبتحقيق درجة أعلى من العدالة التوزيعية، وهي نفس المطالب والدوافع التي قامت من أجلها الثورة .

لا شك أن شباب الثورة وهم مكون مهم من مكوّنات هذا الشعب وقوة الدفع الذاتية فيه قدموا نموذجاً راقياً في الثورة السلمية، وقدموا درساً للجميع في كيفية الحب والانتماء لمصر ورفع اسمها عالياً . لكن هذه هي الخطوة الأولى، هذا، ولقد فرضت الثورة تحديات ومشكلات كثيرة: فهناك التحديات الداخلية من إعادة بناء الاقتصاد المصري بما يسمح باستعادة دور مصر، وقدرتها على تلبية مطالب المواطنين من وظائف وعمل وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير الأمن والأمان الاجتماعي، وإعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والحضارية والتكنولوجية، وهو تحدٍ ليس بالهين والسهل، ولا يمكن أن يتم في يوم وليلة، بل يحتاج إلى خطة بعيدة الأهداف، ورؤية تنموية شاملة . وإلى جانب هذه التحديات هناك التحديات الخارجية، فمصر وبحكم موقعها ومركزية ومحورية دورها كانت على مدار التاريخ دولة مستهدفة في دورها ومكانتها، وهذا التحدي يحتاج إلى دولة قوية في الداخل .

المطلوب في هذه المرحلة المحافظة على روح الثورة، وليس الاستمرار في الاعتصامات والاحتجاجات والمسيرات المليونية التي يمكن استحضارها في أي وقت، وإنما بعودة الحياة الطبيعية إلى مساراتها العادية، والمقصود بعودة الحياة، العودة إلى الإنتاج والعمل والدراسة والبحث، وقيام كل مؤسسات الدولة والمجتمع بدورها في مسيرة بناء مستقبل مصر من خلال تجاوز تحديات الحاضر . فلا يمكن الوصول بمصر إلى المستقبل من دون التغلب على كل المشكلات والتحديات الحاضرة . ومصر كما أشرنا غنية بكل مواطنيها: بمزارعيها وفلاحيها، فلا يعقل أن تستورد مصر غذاءها وهي أرض غنية في تربتها الزراعية، وبقدرة فلاحيها على الزراعة والإنتاج . ومصر غنية بعلمائها وباحثيها، وبجيشها الذي وفر كل مقومات النجاح للثورة . ولو عرف كل واحد ما المطلوب منه في هذه المرحلة، وعرف ماذا تعني الثورة من قدرة على التغيير والبناء، لأمكن مواجهة كل التحديات الحاضرة، وأمكن تقليل الاعتماد على الخارج . ولعل من أعظم نتائج الثورة المصرية التي لم نجدها في أي ثورة أخرى التغير الكبير في منظومة القيم التي كانت سائدة في المرحلة السابقة إلى منظومة جديدة من القيم قوامها حب مصر، وركيزتها نبذ كل السلبيات السابقة وأهمها ثقافة الخوف والسلبية، وهي قيم لم تعد قائمة . وبناء مصر قد يكون مهمة ومسؤولية مصرية في المقام الأول، لكنها أيضاً مسؤولية عربية، فقدتها قوة مصر من قوة العرب جميعاً، وعليه، مطلوب في هذه المرحلة دعم اقتصاد مصر، وتشجيع الاستثمار العربي فيها، وزيادة الاستعانة بالقوة العاملة المصرية، وإنشاء صندوق عربي قومي لدعم مصر، لإخراجها من أزمتها الاقتصادية في هذه المرحلة .

===================

الغائب الكبير في الشرق الأوسط

جويل برينكلي

التاريخ: 14 مارس 2011

البيان

ربما يتعاطى زعماء تنظيم القاعدة القابعون داخل كهوفهم الفاليوم الآن، إن لم يكن شيئاً أقوى تأثيراً، ويبدون، وهم يتابعون الثورات المنتشرة في الشرق الأوسط، مثل الحمقى.

وتعد نقطة المفارقة الأكثر وضوحاً هي ما حدث في مصر، حيث أنجز ألوف الشباب هناك في غضون بضعة أسابيع، ملحمة فذة لطالما سعى تنظيم القاعدة عبثاً إلى إنجازها على مدار 20 عاماً، إلا وهي الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. غير أن الأسوأ من ذلك هو أن العالم العربي، الذي تزعم القاعدة أنه بمثابة المضمار الرئيسي لها، يرفض بشكل قاطع مجمل الأفكار التي تتبناها المجموعة وحاولت أن تفرضها منذ تأسيسها في عام 1988.

يراقب هؤلاء الإرهابيون المتقهقرون حتى الآن، أبناء الجيل الصاعد، وهم الناس أنفسهم الذين كانوا يتمنون الانقضاض عليهم يوما ما بسترات أحزمة ناسفة، يرفعون قبضاتهم عالياً ويطالبون بالحرية والديمقراطية. ومنذ زمن ليس ببعيد، أفصح أيمن الظواهري، وهو القيادي الثاني البارز في تنظيم القاعدة، عن وجهة نظره بأن البديل الوحيد الممكن لنظام مبارك كان إقامة «دولة إسلامية».

من المؤكد أن الظواهري وأسامة بن لادن كانا يتابعان قناة الجزيرة، كأي شخص آخر في المنطقة وخارجها. وبالتأكيد لاحظا المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية فقط، ولكن أيضاً أن من بينهم من كانت تتعالى صيحاتهن وهتافاتهن تماما مثل كل شخص آخر، وهن الألوف والألوف المؤلفة من النساء!

تشكل تنظيم القاعدة في خضم الركود الثقافي والاقتصادي في العالم العربي، وهي الحالة التي تغذى التنظيم عليها. فقد سقط فتية صغار السن لا يحدوهم أمل في المستقبل، فريسة سهلة لذوي الألسن المعسولة من المتحدثين، الذين غرروا بهؤلاء الفتية لقبول العنف والقتل أداتين للحركة السياسية.

الآن، فإننا نرى أن هذا ليس ما يعتمده هؤلاء الشباب. فهم يريدون العدالة الاجتماعية، ويأملون في الازدهار. ويبقى أن ننتظر لكي نرى ما إذا كان المواطنون في كل من مصر وليبيا وتونس ودول أخرى، يخوضون تجربة حقيقية للديمقراطية.

في جميع هذه الدول، تظل الأوضاع غير مستقرة على نحو خطير. لكن وسط المتظاهرين، هل سمعتم أحداً يهتف لأسامة بن لادن أو أي من أتباعه؟ في خضم كل هذا، ظلوا مختفين عن الأنظار.

في بلد واحد فقط، وهو اليمن، تردد بعض الهتافات التي تعكس التطرف. وتعد اليمن شديدة التشبع بالمتطرفين لدرجة أنها، أكثر من أي دولة أخرى تتم منافستها في الوقت الراهن، يبدو من المرجح أنها قد تسقط في أيد شريرة.

إن النهج الفظ الذي يتبعه تنظيم القاعدة حيال الانتفاضات، يساعد الآن على التأكيد على أنه لا توجد دول أخرى ستسقط في قبضتها. هل سمعتم كلمة واحدة من بن لادن بشأن الاحتجاجات، التي تعتبر الحدث التاريخي الأبرز في هذه المنطقة من العالم على امتداد الأجيال؟ ثم إن هناك الظواهري، الذي لم يكن لديه سوى القليل كي يقوله. إن الوصف الأكثر تسامحا لوضعهما، هو أنه وضع مثير للإحراج.

في أواخر الشهر الماضي، ألقى الظواهري خطبة مدتها نصف ساعة، انتقد فيها جمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق، الذي وصفه بأنه «الزعيم المرتقب»، وذلك بعد أسبوعين من مغادرة مبارك وابنه القاهرة. ولكي يتضح قدر ابتعاده عن الواقع العملي، اشتكى الظواهري بشدة من نابليون بونابرت، الذي وصفه بأنه أكبر شرير شهدته مصر. بطبيعة الحال، كان ذلك منذ أكثر من مئتي عام مضت.

كما اتهم الظواهري بعض الأقباط في مصر ببذر بذور الخلاف، غير مدرك على ما يبدو أن المتظاهرين من المسيحيين والمسلمين قد ضربوا نموذجاً شديد التميز للعمل المشترك. فهل استطاع تنظيم القاعدة تنفير المزيد من قادة المنطقة المستقبليين؟ حسنا، الجواب هو نعم.

كذلك انتقد الظواهري بشدة الديمقراطية، التي تعتبر هدف هؤلاء الشباب في جميع أنحاء المنطقة. أصدر تنظيم القاعدة في العراق بياناً يحذر فيه العرب، ويدعوهم إلى أن يكونوا «يقظين إزاء حيل الأيديولوجيات من قبيل العلمانية القذرة والشريرة، والديمقراطية الملحدة، والوطنية والقومية الوثنيتين». ويقيناً أن جميع الشباب العربي ممن سمعوا هذا الكلام، قد شعروا بغيض من مشاعر الرفض لهذا كله.

وكما لو أن كل ذلك ليس محرجاً بما يكفي، فعندما وصل المتظاهرون في ليبيا في البداية إلى أبواب طرابلس، مهددين على نحو خطير سلطة معمر القذافي، فمن الذي وجه القذافي إليه اللوم؟ لم يصف الثورة بأنها مؤامرة صهيونية كبرى، كما أنه لم ينتقد الأميركيين الغادرين.. لم يفعل أي شيء من هذا، بل وجه القذافي اتهامه إلى تنظيم القاعدة، قائلاً إن أتباع بن لادن قاموا بتخدير شعبه وأطلقوهم ليطاردونه.

لقد كان هذا، بطبيعة الحال، أمراً سخيفاً. ومع ذلك، فإن لجوء القذافي إلى اختيار كبش الفداء جاء في وقته، وكاشفاً للعديد من الناس الحقائق والمؤشرات.

===================

ليبيا والدعم الدولي

المصدر: صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية

التاريخ: 14 مارس 2011

البيان

يريد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتنحى الرئيس الليبي معمر القذافي عن الحكم، لكن فرض منطقة حظر الطيران فوق ليبيا، ربما لا تكون قابلة للتنفيذ أو كافية، كما أن اندلاع أزمة إنسانية ربما يتطلب رداً أقوى.

بدا الرئيس أوباما، أخيراً، يقدم التزاماً أقوى، حيث أعلن أنه «يتعين تحقيق تطلعات الشعب الليبي من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة». وطالب بأن يتخلى القذافي عن السلطة ويرحل من ليبيا، بالطريقة نفسها لرحيل رئيسي تونس ومصر بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية. يحاول الرئيس أوباما والعديد من القادة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، تحقيق تقدم على صعيد هذه الأهداف. ونجاحهم لن ينقذ أرواح المدنيين فحسب، بل سيؤثر أيضاً على الثورات المؤيدة للديمقراطية في غيرها من البلدان العربية الأخرى.

ينفد الوقت بشأن التوصل إلى قرار حول ما إذا كانت هناك حاجة لتدخل خارجي. ويفضل إلا يكون هناك تدخل، لكن الجيش المسلح بشكل جيد التابع للقذافي، يتمتع بميزة قوية باستخدام الطائرات المقاتلة، ويبدو أنه يجبر القوات البرية لجماعات الثوار على المضي إلى طريق مسدود، من أجل السيطرة على المدن الرئيسية على طول ساحل البحر المتوسط. تقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص يفرون من مناطق القتال، وهم بحاجة ماسة إلى المساعدات. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن هناك ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص لقوا حتفهم. وحتى الآن، لا يزال القذافي يتحدى تحركات الأمم المتحدة لتجميد أمواله، ومحاكمته عن أي جرائم حرب، وفرض حظر الأسلحة على ليبيا.

كان أوباما ذكياً عندما أرسل سفنا حربية أميركية إلى سواحل العاصمة الليبية طرابلس، تحسباً للجوء القذافي إلى تنفيذ عمليات قتل جماعية ضد المدنيين. وتقوم طائرات «الناتو» أيضاً بعمليات مراقبة جوية في الأجواء الليبية على مدار 24 ساعة. لكن هناك المزيد الذي يجري التباحث بشأنه، ليس من جانب الكونغرس فحسب، بل إن الجامعة العربية وشخصيات ليبية بارزة، تطالب الأمم المتحدة بفرض منطقة حظر طيران أملاً في مساعدة الثوّار. ويعد البريطانيون والفرنسيون لقرار من الأمم المتحدة يدعم منطقة حظر الطيران، فيما يجتمع زعماء من كل من «ناتو» والاتحاد الأوروبي خلال الأيام القليلة المقبلة، لتشكيل إجماع في الآراء حول الخطوات الممكن اتخاذها في هذا الصدد. إن السماح للقذافي بالانتصار، أو حتى بفرض حالة من الجمود في الصراع، من شأنه أن يفضي إلى تداعيات وخيمة، ليس فقط بالنسبة لليبيين الذين ثاروا، لكن في جميع أنحاء المنطقة، وما كان التزام أوباما بالإطاحة بالقذافي سوف يعني شيئاً، بل سيلحق أضراراً بمصداقية الولايات المتحدة وقدرتها على التأثير في أحداث المنطقة.

في الوقت نفسه، فإن فرض منطقة لحظر الطيران ربما يكون من الصعب تنفيذه دون التعرض لخطر اندلاع حرب على نطاق أكبر. وما لم يقدم العديد من القادة العرب والأفارقة دعماً لمثل هذا الإجراء، فإن الليبيين، فضلا عن غيرهم في الشرق الأوسط، سوف ينظرون إلى مثل هذا التدخل على أنه تورط من جانب الغرب. وربما يؤدي تحويل القوة العسكرية في اتجاه ليبيا، إلى الإضرار بقدرة الغرب على التعامل مع أي ثورة عربية أخرى في حال تحولت إلى العنف. أما المسار الأكثر سهولة، فربما يكون تسليح الثوّار الليبيين وتزويدهم بالدعم التقني، رغم أن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة بحاجة إلى تغيير.

يبدو أن اتخاذ إجراء من جانب المجتمع الدولي، حتى الآن على الأقل، بات مؤكداً من خلال التزام أوباما بالتغيير في ليبيا. وبعدما حفز زعماء العالم آمال الليبيين والشباب العربي في بلدان متفرقة، فإنه لا يمكنهم أن يخيبوا هذه الآمال.

===================

شرق أوسط جديد... تركيا أنموذجاً

د. بثينة شعبان

الرأي العام

14-3-2011

في خضّم تسونامي التغيير الجماهيري الذي يجتاح الشواطئ العربية جاءت زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي لتركيا، لتكون ذات مغزى، فهو الذي رفض دوماً القيام بزيارة تركيا، وهو الذي أعلن أكثر من مرة معارضته لانضمام تركيا «المسلمة» إلى أوروبا «المسيحية» كما يراهما هو، ولكنه زارها هذه المرة فقط كرئيس لمجموعة العشرين، ولم يتجاوز مكوثه في تركيا ست ساعات وحسب. وقد وصلها وهو يمضغ اللبان، واجتمع مع رئيس الوزراء أردوغان وهو يلف ساقاً على ساق؟!

الطابع غير العادي لهذا الخبر هو ردود فعل الأتراك المحسوبة والموزونة والهادفة إلى الردّ السريع على الصلف والتعالي الغربي المعهود بما يحفظ كرامة ومكانة تركيا التي أصبحت بنظامها الديموقراطي، والتزامها الاسلامي، وشموخ قادتها مصدر إلهام للشعوب العربية، إن كان لجهة امكانية قيام حكومة ديموقراطية تمارس التعددية، وتداول السلطة، وسيادة القانون في مجتمع إسلامي، أو لجهة شموخ قادتها بعيداً عن مظاهر الخنوع والتبعية والعطالة.

ظهر في صورة الخبر أردوغان يقف في أعلى الدرج وهو يصافح ساركوزي الذي كان يمد يده مصافحاً من تحت، بينما وقف أردوغان، كما عرفناه، شامخاً بعزة وطنه وكبرياء شعبه كأبي الهول، وليس كالعديد من الحكّام الذين نراهم وهم يصافحون أيدي قتلة ملطّخة بدماء أشقائهم في فلسطين والعراق ولبنان، ويطبعون صاغرين القبلات على وجنات وأيدي وزيرات خارجية بلدان تهدد بلداناً عربية، وتفرض الحصار على أشقائهم في غزة وتمول استيطان واحتلال فلسطين. ويضع أردوغان هذه المرة، ولأول مرة، ساقاً على ساق»، وهو في اجتماع رسمي، في رد واضح على ساركوزي الذي اختار تلك الطريقة للجلوس!

ولكي يؤكد الرسالة قدّم أردوغان هدية تذكارية لساركوزي، كانت عبارة عن رسالة كتبها السلطان العثماني «المسلم» سليمان القانوني عام 1526، مستجيباً لرسالة استغاثة بعث بها له ملك فرنسا آنذاك، فرنسيس الأول «المسيحي»، عندما وقع أسيراً في يد «المسيحيين» الإسبان يطلب فيها العون من الدولة العثمانية، يطمئنه فيها بأنه سيخلّصه من الأسر، وبالفعل أرسل السلطان إليه قوة عسكرية حررته من الأسر.

ولا شك أن ساركوزي الذي يكرّر رفضه لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، كان بحاجة إلى من يذكّره بسلوك حضاري يليق بتاريخ تركيا ومكانتها وبقيمها الاسلامية المتفوقة مقارنة بالانغلاق داخل غياهب الاسلامفوبيا المخزية. ومن منّا ينسى موقف أردوغان المماثل دفاعاً عن كرامة شعبه عندما قام الجنود الاسرائيليون باعدام الناشطين الأتراك العزّل بدم بارد على سطح سفينة مرمرة وهي في طريقها لكسر الحصار عن أشقائهم في غزة، ومن منّا ينسى انتفاضته في دافوس وانسحابه الغاضب من الجلسة، حين رفض رئيس الجلسة دافيد اغناتيوس إعطاءه الكلام، وأعطى الكلام لشمعون بيريز بدلاً منه.

هذا الخبر، التركي الفرنسي، وما يتضمن من الإشارات الصغيرة ذات المواقف الكبيرة، يهمنا نحن العرب في هذا المفصل التاريخي بالذات، لأن مؤشراته ومواقفه هي جزء من منظومة قيم مفعمة بالكرامة الوطنية، وبالاعتزاز بتاريخ الأمة ومقدّراتها، ما حضر منها وما مضى، لأن هذه المواقف والإشارات هي تعبير أيضاً عن نضج المؤسسة السياسية العاملة، وتعبير عن حيوية القائمين عليها بفعل التصاقهم بنبض جماهيرهم وثقتهم بدعم هذه الجماهير المؤكد بالعملية الديموقراطية، هذه الحيوية فاعلة الى حد أنها تفرز من تاريخها، وتاريخ أوطانها، نقاط القوة حتى وإن مضى عليها قرون، وتضعها في سياق الزمن الحاضر والمستقبل، لتعلي من شأن الأمّة والشعب، وتشكّل ردّاً حضارياً متسماً بتفوق القيم والأخلاق على المتهاونين.

مقارنة الأداء الرسمي العربي بما يقوم به قادة تركيا، وبمقارنة المكانة التي نحتتها تركيا الديموقراطية لنفسها، مقارنة بالهدر الذي يعاني منه العرب، تُري الهدر في المقدرات، الهدر في الطاقات، وفي المؤسسات، وفي الموارد، وفي الإرث الثقافي والحضاري للعرب. فكم يمتلك العرب من أفضال على بلدان، ومجموعات دينية وعرقية، وكم ساهموا بإيقاظ العالم ونقله من الظلمات إلى النور، وكم رفدوا العالم بأبهى وأجمل ما تعرفه البشرية اليوم. فهل ركّز حكّامنا، والمثقفون، والإعلاميون، أو السياسيون على نقاط القوة هذه؟ وهل استفادوا منها في أي زمان ومكان؟ وهل استحضروا ماضيهم الأغرّ ليعالجوا نقاط ضعف حاضرهم، ويتطلعوا إلى مستقبل أكثر إشراقاً؟

لا شك أن التقدم في تاريخ الأمم، يشمل مختلف مناحي العمل والمعرفة، وكذلك التخلّف أيضاً عن ركب الأمم، فإنه هو أيضاً يشمل كافة المناحي حين تبتلي به أي أمة أو شعب. وإذا أخذنا مثالاً على ذلك عالمنا العربي، نرى أن زمن نهوض العرب قديماً، وحديثاً في بداية القرن العشرين شهد انتعاش الإعلام الحرّ، وتعدد الأحزاب اللذين ارتبطا بالكفاح التحرري من الاستعمار والاستبداد، وترافق ذلك مع انتشار المدارس والجامعات، وتحرّر المرأة من مظاهر الجاهلية الأولى، المتسمة بالوأد والظلم والجهل، وانتعاش الثقافة والعلوم والفنون العربية أيما انتعاش.

علّمتنا أزمان النهوض تلك أن الدّين، والأخلاق، والتنمية، والسياسة تنتعش معاً، وتنتكس معاً إذا تسرب الجمود والاستبداد الى أي منها، فالكل جسد واحد، ومكونات النهوض، والجمود متداخلة، ومترابطة.

واليوم نرى أيضاً أن التقدم، أو الجمود لا يلتقيان داخل الوطن الواحد. فعندما يعمّ أحدهما فإنه يشمل المجالات كافة، ولا يمكن أن يلتقيا، إلاّ ويزيح الجمود في السياسة التقدم في المجالات الأخرى كافة، وإن بعد زمن. فقد رأينا في هذه اللحظة التاريخية الزاحفة أوجه التشابه في معظم الدول العربية، وأهمها الضعف القاتل للمؤسسات الرسمية السياسية، المتمثل في ضعف حضور الأجيال الشابة في هذه المؤسسات، بل وانعدام حتى نوافذ التعبير عن طموحاتها وآرائها، ولم يبق أمامها سوى الشوارع تخرج اليها لاسماع صوتها، وللتظاهر تحقيقاً لارادتها.

لقد أظهرت ثورات الحرية في مصر وتونس، والمنتشرة الآن الى بلدان عربية أخرى، أن المؤسسات الحكومية السائدة حالياً تعود في بنيتها والقائمين عليها وذهنيات بعضهم إلى القرون الوسطى، وأحدثها الى منتصف القرن الماضي، وهو الأمر الذي يطرد عن قصد، أو غير قصد، كل الأجيال المتعاقبة، فيحرم أجهزة ومؤسسات الدولة من حيوية نبض الشباب، ومشاركتهم، وحماسهم في البناء والإبداع، وهذا الأمر سبّب احتقاناً شديداً لدى هذه الأجيال المتعاقبة، وترهلاً قاتلاً انتشر لحد الشلل في النظم السياسية، والإدارية، والمعرفية السائدة التي من المفترض، والمطلوب في أي مجتمع، أن تكون نشطة في استقطاب ابداعات كل جيل، وطاقات أفضل الكفاءات، والاستفادة من أفضل مخرجات الجامعات لتساهم دائماً في بناء وطن أفضل للجميع، وليس لنخبة ضيقة، ولذلك عجزت الأنظمة العربية السائدة عن ترميم نقاط الضعف في المؤسسة الحكومية، وعن مواكبة الإبداع والتقدم في علوم الادارة والاقتصاد والسياسة. كما كشفت هذه الأحداث ضعف التعليم الأساسي والجامعي في مؤسساتنا التعليمية، وضعف العلاقة، أو انعدامها بين الجامعات وسوق العمل والمجتمع، بحيث يغادر الطالب الجامعة إما إلى سوق البطالة، أو إلى الهجرة. وكشفت أيضاً غربة الثقافة والمثقفين عن بعضهم كحركة ونواة، وعن مصالح وآلام وآمال الجماهير، بحيث توقفت الثقافة أيضاً عن كونها عنصرا رافداً وممكناً ومعززاً للكرامة الوطنية. والضعف نفسه يسري في عروق الاعلام، والقضاء، والقانون... وسرى هذا الضعف ليهدم علاقة الثقة بين الأنظمة والشعوب.

إن قائمة مؤشرات الضعف العربية تطول وتطول. ولكنّ اختصارها ممكن بالقول إن الضعف الأساسي في بلداننا، هو ضعف أنظمة حكم لم تتطور منذ أن استقلت البلدان العربية من الاحتلال الأجنبي، فقد أديرت هذه البلدان بأنماط سياسية مختلفة، العنصر الجامع بينها هو غياب المؤسسة السياسية التي تجدد نفسها باستمرار من خلال تدفق الدماء الجديدة، والأفكار المتجدّدة، ونبض الشباب في أوصالها.

ما فعلته تركيا في العقدين الأخيرين، هو وضع أسس وطنية للديموقراطية، بحيث تحصد تركيا كلها، شعباً وحكاماً الألق كلّه، ويلعب الجميع دور الجنود المخلصين لهذا الدور، والبناة لهذه المكانة. وهذا مايجب أن يتعلّمه العرب كي نبعد عن بلداننا التخلف، والجمود، والقمع، والاضطراب.

===================

حوار مع شباب «الفايسبوك» وإمكانيات التغيير

محسن الامين

السفير

14-3-2011

إن ما يشهده العالم العربي من انتفاضات متكررة والتي لم يستطع أحد أن يتهمها بالإرهاب، حتى أن الكثير من دول العالم بدأت بتأييدها والاعتراف بها خوفاً من المساءلة داخل مجتمعاتها التي بنت أنظمتها على أساس الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. أما في لبنان، فإن مسالة الديموقراطية التي امتزجت بالطائفية التوافقية والحرية ذات المفاهيم المتعددة، جعلت كل الانتفاضات متطيفة أو مغلفة بمصالح متناقضة، فكيف يمكن أن تصبح إرادة التغيير موحدة؟ أو كيف نحلم حتى بالتغيير؟ فلبنان يشبه العالم كله ككيان شبه مستقل، ولا يشبه دولة من حيث جغرافيته السياسية في هذا العالم إذ تتقاذفه أمواج خارجية وتتصارع به رمال متحركة تفقد شعبه الأمل بالتوحد تحت راية المواطنة وعدم ازدواجية الولاء.

من حق شباب لبنان أن يفكر ويتساءل: هل يمكن التماثل بشباب تونس ومصر؟ وهل هناك أمل بوطن تتساوى فيه الحقوق والواجبات؟ وهل يمكن أن يحلم بالتغيير من حيث الولاء والمواطنية؟... أسئلة كثيرة حلُم بها الآباء كما الأبناء... فهل يستطيع شباب لبنان توحيد قيودهم والتلاقي عبر طرق مختلفة ومتطورة (الفايسبوك والتويتر) في إدارة حلقات حوارية شبابية تعبر عن ذاتها وفي إطار تنظيمي مختلف وتواصل فكري وثقافي متنوع حول السبل والطرق المؤدية إلى توحيد الرؤى.

فالاختلاف حول العلمانية له مبرراته وحول الطائفية له مخاوفه، وحول الفساد له متفرعاته. نقاش يؤدي إلى الاختلاف خاصة إذا تشابهت مع دول وأنظمة ديموقراطية تعتبر الأكثرية العددية سلطة والأقلية معارضة. أو حين اختلفت الديموقراطية مع التوافقية الطوائفية.

إن لبنان، ومنذ تأسيسه ككيان لم تستطع نخبه وقياداته الثقافية والسياسية وكل مكوناته الوطنية أن تحل مشكلة تطوير النظام أو تحويله إلى دولة المواطن اللبناني، فالعقدة المستعصية ولدت أزمات متكررة جعلت الاستنجاد بالخارج أمراً لا مفر منه، مما ضخّم المشكلات، فأصبحت متعددة الاتجاهات والأزمات ومما حوَّل لبنان ذا الموقع الجيواستراتيجي في المنطقة إلى موطأ لصراعات المنطقة ومدخل شرق أوسطي وأورومتوسطي حيث يصبح اللاموقف السلطوي من الأزمات الداخلية والخارجية هو السائد من خلال هدنات متكررة تستمر تارة وتنفجر عند أي استحقاق وهذا ما جعل لبنان كيانات منفصلة عن لبنان كوطن.

نعود إلى التساؤل الذي ينادي به شباب لبنان: كيف يمكن التغيير؟ هل عبر انتفاضة تجذب فئات كبيرة من المجتمع اللبناني المنقسم على نفسه والمحبط من الإصلاح السياسي والاقتصادي حيث أن السلطة السياسية الطائفية جذبته وأدخلته في أتون صراعاتها إلى حدِّ الاندماج بها مما أدى إلى انغلاقها طائفياً ومذهبياً فلا ترى إلا بعين واحدة، وإلى عدم الثقة بالشعارات والخطابات الوطنية؟ لذلك فإن القدرة على التغيير تتطلب جهداً مضاعفاً ومتراكماً من خلال حراك التواصل الاجتماعي بوسائله كافة لا سيما الإلكتروني منه، لتحقيق قفزة نوعية في العلاقة بين اللبنانية والوطنية.

إن لبنان يعاني منذ انتهاء العهد الشهابي من أزمات متكررة تتخذ أشكالاً مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، بمعطيات جديدة فحتى اتفاق الطائف الذي أعطى لبنان تسوية أو هدنة موقتة نجحت جزئياً ولكنها أهملت المواد الإصلاحية خاصة تلك المتعلقة بالقانون الانتخابي واللامركزية والهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ومجلس للشيوخ وغير ذلك من بنود شبه إصلاحية، لذلك لا بد من قراءة بعض الومضات الإصلاحية من تاريخ لبنان الاستقلالي.

في الستينيات من القرن الماضي وفي مرحلة ما سُمّي ب«العهد الشهابي» بدأت تتكون مؤسسات وطنية كمجلس الخدمة المدنية الذي ألغى تقريباً طائفية الوظيفة باعتماده على الكفاءة في اختيار المناصب والوظائف الإدارية، والضمان الاجتماعي والجامعة اللبنانية وغيرها. ولكن هذه المؤسسات تعطّلت أو تطيّفت بعد الحرب الأهلية. فهل يمكن تجديد وتبني فعالية تلك المؤسسات بهدف التأكيد على إلغاء المحاصصة في طائفية الوظيفة فهل هذا ممكن في إطار دستوري وضمن القانون من خلال إعادة تفعيل تلك المؤسسات وفصل السلطات وإيجاد سلطة قضائية مستقلة وديوان محاسبة فاعل وهيئات مراقبة مستقلة، كذلك تفعيل العمل النقابي بكل مندرجاته لاستعادة دوره الفاعل والجامع ضمن المجتمع اللبناني.

أما النقطة الثانية ألا وهي قانون فاعل للانتخابات النيابية يرتقي إلى مستوى المزج بين المناطقي والوطني وفوق مرتبة الطائفي تمهيداً لإعادة تشكيل القوى السياسية وبالتالي يصبح التنافس في السياسة والتسابق نحو المواطنة وتطوير النظام.

لذلك لا أمل في تغيير النظام اللبناني الطائفي إلا من خلال اختراقه وممارسة الضغط بواسطة الشباب وحركات المجتمع المدني لتحقيق إلغاء طائفية الوظيفة التي نخرت النظام اللبناني وأبعدت الكفاءات وبالتالي تحوَّلت سلطة الإدارة اللبنانية في جميع الوزارات وإداراتها ودوائرها المالية والعقارية، حيث الفساد الإداري والرشى والاحتماء بسلطة الطوائف وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير هذا الواقع عبر انتفاضات واعتصامات مستمرة للضغط على أطراف السلطة من أجل تحقيق تلك المطالب والتي نصّ عليها الدستور بعد الطائف لتحقيق انطلاقة أولية وقفزة نوعية نحو تغيير النظام الطائفي وتعزيز المواطنة.

فالمطلب الرئيسي ألا وهو «إلغاء النظام الطائفي».

====================

كيف استدار القذافي إلى الغرب وإسرائيل ل «تبييض الملف» ؟

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

14-3-2011

لو كان الامر يتعلق بغير ليبيا تحت زعامة القذافي، لكان الموقف الغربي وخاصة الاميركي مختلفا جدا. فواشنطن وغيرها من العواصم الغربية لديها التزامات مع القذافي في اطار صفقات متبادلة اعدت بعد احتلال العراق بفترة وجيزة، ولاتزال تثير ارتياح اسرائيل وواشنطن وبعض العواصم المشاركة في هذه الصفقات.

التزامات القذافي تجاه الغرب كانت مفهومة وواضحة من خلال السلوك الليبي المنضبط في السنوات الاخيرة. غير ان جورج تينيت مدير المخابرات الاميركية الاسبق كشف في كتابه «في قلب العاصفة « بعض اسرار هذا السلوك غير الاعتيادي، والذي يخرج عن طبيعة القذافي ونظامه الذي سعى لتقمص شخصية ثورية.

يقول تينيت ان المخابرات الاميركية كانت تعقد اجتماعات سرية مع مسؤولين ليبيين منذ عام 1999. وقد تركزت الجهود في هذه الاجتماعات التي كان يراس الوفد الليبي فيها رئيس استخبارات ليبيا انذاك موسى كوسا ( وزير الخارجية الان )، على محاولة حل القضايا المتعلقة بالارهاب، ومعرفة ما امكن من الليبيين عن المجموعات الاسلامية المختلفة. وقد امتدت هذه الاجتماعات التي عقدت في مدن اوروبية لعدة سنوات.

ويضيف: فاجأنا القذافي في اذار عام 2003، أي بعد ايام من نجاح الغزو للعراق، بقوله لمسؤولين بريطانيين بانه مستعد للتخلي عن برامجه لاسلحة الدمار الشامل مقابل صفقة شاملة. وبعد هذا العرض، جرت اجتماعات عديدة بين كوسا والمخابرات الاميركية والبريطانية، الى ان تم ترتيب عقد اجتماع لمسؤولي المخابرات مع العقيد القذافي في مكتبه في طرابلس. ويقول تينيت انه خلال الاجتماع مع القذافي والذي تلاه اجتماعات اخرى معه، اصر القذافي على نقطة واحدة لتفسير تخليه عن برامجه لاسلحة الدمار الشامل، وهو انه يريد «تبييض الملف، تبييض الملف «، أي ملفه هو. وقبل ان ينتهي عام الفين وثلاثة كانت عملية تسليم اسلحة الدمار الشامل الليبية قد تمت، كما تمت معها عملية تبييض الملف ضمن صفقة شاملة تسمى في الغرب، باعادة تأهيل نظام القذافي.

وبالطبع فان اسرائيل كانت على الخط، ونجح نظام القذافي في اختبارات عديدة بعد تاهيله. وقبل ايام اشاد وزير خارجية اسرائيل في جلسة لمجلس الوزراء، بالزعيم الليبي، ووصفه بانه رجل يلتزم بوعوده، وان اسرائيل مضطرة لاحداث تغيير استراتيجي اذا ما سقط القذافي. ومن هنا كان القذافي طوال ايام الازمة يذكر الغرب بالالتزامات المتبادلة، والخطر الذي ستواجهه اسرائيل واوروبا اذا ما سقط النظام.

ومن هنا يمكن تفسير الموقف الأميركي من الأزمة الليبية، بعد أن ظلت الإدارة الأميركية تردد طيلة الأسابيع الماضية بأنها تدرس الخيارات المناسبة إزاء الأزمة. لكنها تقوم في حقيقة الأمر بعملية استهلاك مقصودة للوقت، بانتظار أن يفوق القذافي من صدمته، ويبدأ بالعمل لإعادة السيطرة على المدن التي فقدها. وفي كل مرة تطرح عليها خيارات كالحظر الجوي مثلا، فانها تتحدث عن شروط تعجيزية تعرف انها لن تتحقق، من بينها الموافقة المسبقة لمجلس الامن والدول العربية والافريقية، اضافة الى حديثها عن التعقيدات العسكرية لتنفيذ هذا الحظر، علما بانها تعرف سلفا ان روسيا والصين لن توافق على الحظر في مجلس الامن، وان كثيرا من الدول الافريقية وبعض العربية لن توافق ايضا. حتى ان وزير الدفاع الالماني الذي ينسق سياسة بلاده مع واشنطن، ذهب الى ابعد من ذلك حين اشترط استفتاء الشعب الليبي على أي اجراء عسكري ضد ليبيا.!!

لم يكن لواشنطن ان تتصرف بهذه الصورة المكشوفة من المماطلة والتعجيزبل والتعطيل المتعمد لاي جهد دولي في أي ازمة اخرى، ففي كثير من الازمات تصرفت واشنطن بمفردها وفي وقت قياسي، وكانت خياراتها جاهزة للتطبيق غير ان «تبييض الملف « هو ما يعيق واشنطن الان، ويكشف عن تواطئها مع نظام القذافي تاركة الشعب الليبي يواحه مصيره.

===================

لا تتركوا شعب ليبيا وحيداً

أ. د. بسام العموش

الرأي الاردنية

14-3-2011

ما يجري من ذبح لشعب ليبيا على يد جزار العصر نيرون العرب والافارقة هو جريمة كبرى ومذبحة مشهودة يراها العالم بأسره، لقد مارس إرهاب الدولة طيلة أربعين سنة لكن تلك الجرائم القديمة لم يعلم عنها أكثر الناس، أما اليوم فنحن في عصر الفضائيات والإنترنت وكون العالم قرية، ولهذا تشاهد كل الشعوب وكل الدول جرائم القذافي وأولاده. فقد القذافي أعصابه ومعه سيف الشيطان لأن الشعب بهذه الانتفاضة سيسترد أمواله المنهوبة وحقوقه المغتصبة وأولها الحرية التي سلبها النظام الدكتاتوري عبرأربعة عقود.

غضب القذافي وأبناؤه لأن الامتيازات ستذهب والمليارات ستطير والضحك على الناس لم يعد ممكناً. ظن القذافي أن المليارات التي أعطاها للغرب ومعها مشروع السلاح النووي ستمد في حكمه، فالمهم رضى الغرب أما الشعب المنكوب فلا حول له بل هو في نظره جثة هامدة. لكن المفاجأة كانت له بالمرصاد.

جن جنونه فأخرج الطائرات وقذف بالصواريخ وقصف بالمدفعية وليس مهماً أن تموت الأمهات والأطفال والشيوخ، ليس مهماً هدم المساجد وإحراق المصاحف، لا كرامة ولا حرمة للأموات والقبور، ليس مهماً بترول ليبيا فليحترق ما دام قد أفلت من يد الزمرة القذافية، لم يعد مهماً خطابات معاداة إسرائيل بل الأهم خطب ود إسرائيل حيث أن أمنها سيكون في خطر إذا زال حامي إسرائيل وأوروبا والغرب.

العالم كله يعلم أن الشعب الليبي هو الثائر ولا مكان لأكاذيب القذافي من أنه يقاتل القاعدة، والغرب يعلم أن الشعب يتطلع لحكم مدني عنوانه الحرية التي فقدها عبر أربعين سنة، والغرب يعلم أن لا تغيير على علاقاته مع الشعب الليبي وأن النفط سيبقى متدفقاً لأن ذلك عنوان لمصلحة ليبيا وليس الغرب فقط فماذا سيفعل الليبيون بالنفط إن لم يصدروه ؟!!.

مطلوب من الدول العربية أن تقف لحظة صدق وقوة تجاه القذافي الذي شتمنا اكثر من مرة وكان آخرها شتائم ابنه سيف أمس حيث قال (طز في العرب وجامعة الدول العربية)، ومطلوب من الغرب أن يقف ضد القذافي بامداد الثوار بالسلاح وحظر الطيران كي لا يبقى الشعب تحت رحمة هذا المستبد، وليتذكر الغرب ان القذافي هو الوحيد الذي مارس قتل المدنيين الغربيين وانه هو الذي تدخل في مشاكلهم الداخلية، وأنه ذو صفحة سوداء في مجال حقوق الإنسان.

===================

ساعة امتحان لليابان

اهود هراري

(بروفيسور من الجامعة العبرية

مختص بسياسة اليابان الداخلية والخارجية)

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

14-3-2011

كان الزلزال يوم الجمعة هو أقوى ما يتم تذكره من زلازل في اليابان، الكثيرة الزلازل. إن مجابهة كوارث بهذا الحجم هي امتحان صعب وتحدٍّ عظيم لكل ادارة فضلا عن ادارة اليابان. زمن الزلزال في كوبا وفي أواجي في كانون الثاني 1995 الذي جبى أكثر من خمسة آلاف قتيل وزرع دمارا كبيرا، بدت الادارة في اليابان مكشوفة العورة. فبخلاف صورة جهاز مزيت ناجع، تميز أداء الادارة الرسمية والمحلية في المرحلة التي تلت الزلزال فورا بتأليف مقلق بين أنواع الفشل. كان أبرز تعبير عن ذلك ان المساعدة المنظمة الاولى التي دُفع بها الى ميدان الزلزال كانت من هياكوزا.

بلغ صوت الزلزال آنذاك أذني رئيس الحكومة متأخرا، ولم تكن المعلومات التي تلقاها كاملة. كان التنسيق بين وزارات الحكومة مُختلا؛ ولم ترتفع الوزارات فوق تراث طويل من الخصومة والتنافس، وحافظت في تشدد على مجالات صلاحيتها. وأسهمت مؤسسات الادارة المحلية بنصيبها في تأخير المساعدة: فقد حافظت في حرص على السلطة القانونية في مناطق حكمها، في الاعطاء أو المنع من وصول قوات الدفاع (الجيش) لليابان وقوى انقاذ اخرى محلية واجنبية والسماح بدخولها مناطقها. منذ انقضاء الحرب العالمية الثانية، امتلك الجيش الياباني تجربته العملية الكبرى بأن وهب المساعدة لمناطق أُصيبت بكوارث طبيعية بل تفوق في ذلك، لكنه برغم ذلك، كان أحد أبرز الاخفاقات في 1995 تأخر وصول سلاح الهندسة وسفن المشافي الى منطقة الزلزال.

في مقابلة ذلك، كانت تلك الساعة الجميلة ل «الجمهور الياباني». فقد سلك السكان في منطقة الزلزال في ضبط للنفس وكان عدد حالات السلب ضئيلا جدا. تدفق متطوعون من جميع أنحاء اليابان على منطقة الكارثة بأعداد لم يسبق لها مثيل في الدولة.

إن كبر الكارثة وعجز الادارة دفعا الى استخلاص عبر استعدادا للزلزال التالي الذي كان واضحا انه سيأتي حتما، بل كان من تنبأوا بأن يكون بقوة أكبر من الزلزال في كوبا وأواجي. أُنشئت في مكتب مقر القيادة وحدة جديدة لحالات الطواريء، وجرى تطوير جهاز نقل المعلومات الى رئيس الحكومة واعضائها، وسُنت قوانين لساعة الطواريء تُمكّن الجيش وقوى الانقاذ من مناطق اخرى من وصول سريع الى مناطق الكوارث الطبيعية؛ ووزعت في جميع أنحاء اليابان لافتات توجه الجمهور الى اماكن آمنة نسبيا بعد الزلزال خوفا من زلازل ثانوية؛ وأُجريت تدريبات متقاربة لجهات انقاذ ومؤسسات جماهيرية تشتمل على مدارس، وبدأت الحكومة حملة لتشجيع التطوع وسُن لاول مرة قانون دعم لاتحادات المتطوعين.

الامتحان الأكبر الآن هو تطبيق جميع هذه التجديدات: تحسين جدوى الاتصال، وأداء رئيس الحكومة والوزراء، والتنسيق والتعاون بين الأذرع ومستويات الادارة، وقدرات ومبلغ استعداد منظمات الانقاذ، والتأليف الصحيح بين جمعيات المتطوعين.

ليس الامتحان هو امتحان الادارة وحدها بل المعارضة ايضا. إن حكومة اليابان الحالية تحكم بفضل سيطرتها على المجلس الأدنى من المجلس النيابي منذ آب 2009، في حين ان المجلس الأعلى تسيطر عليه المعارضة منذ تموز 2010. استغلت المعارضة حتى الآن مكانتها للتشويش على برامج الحكومة لسن القوانين ولا سيما اجازة الميزانية والقوانين المشتقة منها.

هذه المرة كما كانت الحال في 1995 سيُحتاج الى الموافقة على ميزانية اخرى. إن امتحان المعارضة الآن هو مبلغ تعاونها مع الحكومة – في المرحلة الفورية وفي مرحلة اعادة البناء.

في الصعيد التصريحي على الأقل عبرت المعارضة عن استعدادها للعمل بشكل رسمي والتعاون. يمكن افتراض ان يُمتحن الجمهور الياباني هذه المرة ايضا. نأمل ان تمضي الادارة والمعارضة ايضا على أثره.

===================

جدل في الاتجاه الغلط

فهمي هويدي

الإثنين, 14 آذار 2011

السبيل

العسكر يريدون اختصار الزمن وتسليم السلطة للمدنيين، لكن المدنيين يدعونهم إلى التريث ويطالبونهم بإطالة مدة بقائهم في السلطة.

هذه خلاصة لما يجرى في مصر هذه الأيام، كما عبرت عنه الأصوات العالية في الصحافة والحوارات التليفزيونية على الأقل. وهو ما يضعنا بإزاء موقف غير مألوف. إذ في حين أن الشعب هو الذي تقدم وصنع ثورة 25 يناير، ثم تدخل الجيش ولعب دورا حاسما في إنجاحها، فإن بعض عناصر النخبة انحازت إلى فكرة إبطاء حركة الجيش، حين أدركت أنه يركض باتجاه تحقيق أهداف الثورة! وهو ما عبر عنه العنوان الذي نشر صبيحة الاثنين الماضى 7/3 وتحدث عن أن رؤساء 25 حزبا طالبوا المجلس العسكرى بمد الفترة الانتقالية.

ليس رؤساء الأحزاب وحدهم الذين دعوا إلى هذه الفكرة، لأن مصر تعج هذه الأيام بمناقشات محورها التعديلات الدستورية التي أنجزتها اللجنة المشكلة برئاسة المستشار طارق البشري. وهناك ضغوط قوية من أطراف عدة تبنت ذات المطلب. والمتابع لأصداء تلك الخطوة يلاحظ أولا أن الإعلام الرسمي تجاهلها، فلم يقدمها للناس ولم يشرحها لهم. كما يلاحظ ثانيا أن المواقف تباينت إزاءها. فالبعض قالوا إنها غير كافية، وإن مصر بحاجة إلى دستور جديد تماما. أما الأغلبية فلم تنتقد التعديلات المقترحة، وإنما ذكرت أن مهلة الأشهر الستة التي يفترض أن تجري في نهايتها الانتخابات التشريعية ليست كافية، لأن الأحزاب تحتاج إلى وقت أطول لكي تتواصل مع المجتمع وتقدم برامجها إلى جماهيره، وهؤلاء اعتبروا أن الانتخابات إذا أجريت في هذه الحالة فإنها ستدور بين الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما وبين فلول الحزب الوطنى الأوفر حظا من المال.

الذين يرفضون التعديلات ويتطلعون إلى إصدار دستور يناسب النظام الجديد، فإن وجهة نظرهم لا تخلو من وجاهة، لأننا فعلا بحاجة إلى دستور جديد، وما أفهمه أن التعديلات التي تمت تقود إلى ذلك، لأنها تغطي المرحلة الانتقالية فقط، وتوفر مناخا صحيا للتقدم صوب الوضع الدائم. وأهم ما فيها أنها تزيح العقبات التي تحول دون نزاهة الانتخابات وصدقية تعبيرها عن ضمير المجتمع وأشواقه.

بكلام آخر، فإن الدعوة إلى إعداد دستور جديد تنشد الأكمل والحد الأقصى، أما التعديلات التي أدخلت على الدستور القائم والتي جعلته أقرب ما يكون إلى الإعلان الدستوري المؤقت فهي تتعامل مع الممكن الذي يفتح الطريق لبلوغ الأكمل.

بقي السؤال حول المهلة الزمنية والمخاوف المثارة بخصوصها. إذ قيل إن مهلة الأشهر الستة تلك لن تسمح للقوى السياسية بأن تتواصل مع المجتمع وتقدم برامجها إلى جماهيره ونحن إذا دققنا في الساحة السياسية فسنجد أن بها أربع قوى هي الأحزاب التقليدية التي اكتسبت الشرعية قبل 25 يناير -الإخوان المسلمون- جماهير الثورة والقوى التي يمكن أن تخرج من رحمها أو في أجوائها وهم المستقلون. ولا أظن أن الأحزاب التقليدية تحتاج إلى مهلة خصوصا أن بعضها له وجوده منذ ثلاثين عاما أو أكثر، كما أنني لا أظن أن ثمة قلقا من فلول الحزب الوطني، لأن أحدا لا يستطيع أن يترشح ممثلا له، ولذلك فإنني أزعم أن المنافسة الحقيقية ستكون بين الإخوان وبين القوى التي تستلهم روح الثورة، والأولون ليسوا بحاجة إلى مهلة، والآخرون يملكون رصيدا كافيا من الشعبية يمكن أن يتفوق على الإخوان. وهذا الرصيد قد يتراجع إذا تم تمديد المهلة. أما المستقلون فإنهم يستندون إلى رصيدهم المحلي في دوائرهم، خدميا كان أم عائليا وتاريخيا، وهم أيضا ليسوا بحاجة إلى مهلة.

أخشى أن تكون "فزاعة الإخوان" هي التي تكمن وراء الإلحاح على تمديد المهلة، رغم أن وقائع الثورة أثبتت أن حضورهم ليس بالقدر المفزع الذي صورته الدعايات الأمنية، وهو ما أدركته الدوائر الغربية التي راقبت المشهد. وهي مفارقة أن يتوجس البعض من شبح مشكوك في وجوده يتمثل في تقدم الإخوان، في حين يتجاهلون مخاطر حقيقية يمكن أن تترتب على بقاء العسكر في السلطة لمدة أطول. وتلك ليست المفارقة الوحيدة، لأن أولئك النفر من المثقفين أصبحوا يفضلون استمرار المجلس العسكري أو تشكيل مجلس رئاسي يختاره العسكر على قيام المجتمع باختيار ممثليه في المجلس التشريعي، حتى بدا أن ثقتهم في العسكر أكبر من ثقتهم في أنفسهم.

===================

الثورة العربية الجديدة وتألق تيار المواطنة

د. عبدالله تركماني

2011-03-13

القدس العربي

منذ ثلاثة عقود كتبنا أنّ مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة للعودة إلى ينابيعه الأولى لدى المفكرين العرب والمسلمين في القرن التاسع عشر، أي إلى فكر الأنوار والحداثة، ودعونا إلى مقولات جديدة بديلة لشعارات أنظمة الاستبداد: المجتمع المدني، الديمقراطية، الدولة الحديثة، المواطنة.

ولعل ما يحدث في العالم العربي من ثورات شعبية، وتحطيم لجدار الخوف، والمطالبة برحيل رؤساء دول وحكومات، يشير بوضوح إلى تألق تيار المواطنة، حيث تتمثل المطالب ب: إلغاء حال الطوارئ، إطلاق الحريات العامة، تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، محاسبة الفاسدين، رفض أساليب القمع والتمسك بسلطة القانون، تأمين المشاركة الواسعة في السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة يشرف عليها القضاء، الإفراج عن جميع سجناء الرأي والضمير، تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وإقامة الدولة المدنية التي تحافظ على كرامة مواطنيها وتكفل المساواة بينهم.

ولا غرابة في أن تضع الثورة العربية الجديدة المنطقة في أتون مرحلة انتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية، وقد أصبح واضحاً أنّ المحصلة النهائية لهذه المرحلة باتت أقرب إلى إرادة الشعوب منها إلى إرادة أنظمة الاستبداد، ولعل ذلك يعود إلى فقدان هذه الأنظمة معنى وجودها، أي زيف الوظائف التي تدعيها أو الشعارات التي ترفعها.

إنّ ما حدث هو ثورة على الاستبداد السياسي الذي كان منتشراً في عقود مضت، وإذا كان الإبداع الثوري الذي أظهرته الثورتان في تونس ومصر مازالت تجلياته في تصاعد، فإنّ رياح التغيير تعصف في الأقطار العربية كلها، بحيث يمكن أن نقول، إننا دخلنا الموجة الرابعة من موجات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

إنّ موجة ثورات التغيير لن تتوقف في العالم العربي، رغم شراسة المقاومة الدموية التي تبديها أنظمة الاستبداد، ذلك لأنّ الشعوب ثابتة على مطالبها، ومتمسكة باستكمال عملية التغيير لبناء نظام ديمقراطي جديد.

لقد جاءت الثورة العربية الجديدة لتدفع إلى الواجهة بفعاليات شبابية، لم يُعرف عنها الميل إلى السياسة في ما سبق، ولكنها كانت تبحث عن خيارات أفضل لأوطانها: العدالة والديمقراطية والمساواة، وحل أزمة البطالة المتفشية، ورفع مستوى معيشة المواطنين والقضاء على الفساد والرشوة.

وبقدر ما أنّ انخراط الشباب العربي في قيادة التغيير يعتبر مكسباً كبيراً للثورة العربية الجديدة، فإنه يدفعنا إلى التحذير من تمكّن بعض النخب التقليدية من السطو على الثورة أو فرض الوصاية عليها، أو أن يتحول الجيش من الضامن الرئيسي للمطالب العادلة للمواطنين ولعملية التحول الديمقراطي إلى الضامن لبقاء بعض رموز أنظمة الاستبداد في المراكز السياسية والأمنية الرئيسة.

وفي كل الأحوال بات من شبه المؤكد أنّ الخارطة السياسية للعالم العربي مقبلة على متغيّرات كبيرة من شأنها إعادة ترتيب أولويات الشعوب العربية، وطبيعة اهتماماتها. وأنّ هذه المتغيّرات ستحتاج إلى فترة زمنية حتى تكتسب هوية مستقرة، من خلال دساتير جديدة تصوغها مجالس تأسيسية منتخبة، بما يعني أنّ هناك مخاطر من حصول قلاقل وتوترات واضطرابات في المرحلة الانتقالية، كما هو حال كل الدول التي انتقلت من الاستبداد إلى الديمقراطية، مما يستوجب الحذر من تدفق المتربصين بالتغيير، الذين يحاولون ركوب موجته وامتطاء شعاراته، وفي رأس كل منهم أهداف وأحلام شتى من وحي ما قبل التغيير.

وإذا كان من المبكر أن نجري حساباً للوقائع والتطورات، لأن فيها الكثير من التعرجات والتعقيدات، فإنّ ما يميّز اللحظة العربية الراهنة هو الحراك الشعبي والسياسي غير المسبوق الذي يمكن أن يبلور البديل الممكن والضروري. فالثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً يجري بحجم كبير وتضحيات كبيرة، يتجه نحو مواطن عربي جديد، ووعي عربي جديد، وعالم عربي جديد ناضج، عصري وحر.

إنّ الذي جرى ويجري يندرج في سياق الاستحقاقات التاريخية، التي تقتضي الانتقال بالأمة العربية من عصر التخلف والجمود وقمع الحريات واحتجاز التطور، إلى عصر النور والالتحاق بركب الحضارة الحديثة، والعودة إلى الانخراط في سياق حركة التاريخ بعد عقود من التهميش. وهكذا نجد أنّ الشعوب العربية الآن، من خلال دروس ثورتها الجديدة، لم تعد تقبل بترقيع واقع الاستبداد أو تجميله، فترد الاعتبار للمصطلحات السياسية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومجتمع المواطنين الأحرار إلى معناها الجوهري، أي نحن أمام حالة صافية من إرادة رد الاعتبار للغة ولمدلولاتها السياسية. فالحرية تعني أنّ الشعوب تتطلع إلى نظام حكم ديمقراطي يقوم على الدستور والقانون، واستقلال السلطات، وتعني التوزيع العادل للثروة، والاعتراف بالتعددية السياسية وبحقوق الناس في التفكير والتعبير والتجمع والتظاهر، وتعني في الأساس التداول السلمي على السلطة، بحيث يعيش الإنسان حراً في بلده. أما الكرامة فهي تعني صيانة الكرامة الوطنية، وتعزيز المواطنة بعيداً عن اللون أو العرق أو الطائفة أو المذهب أو النوع.

لقد اختفت بهذه الثورة الكثير من الادعاءات التي عوّل عليها الطغاة لتدعيم سلطاتهم، مثل الصراعات الطائفية والمذهبية، وكذلك تكريس الخوف من تيار الإسلام السياسي، كل ذلك اختفى مع الانصهار في الثورة، وتألق المواطنة. لقد سقط بعبع البديل الإسلامي، الذي طالما روجته أنظمة القتل العربية، التي راحت تصور للداخل وللخارج أنّ بديل استبدادها وتسلطها هو استبداد وتسلط الإسلام السياسي.

إنّ الثورة العربية الجديدة أنهت حقبة سلطات الحكم المطلق، ودشنت بداية عصر المواطنة والمواطنين، ناقلة السلطة من الدول الاستبدادية إلى المجتمعات المدنية العربية للمرة الأولى في التاريخ. فيا لها من صحوة عربية تجتاح هذا الوطن الكبير، كأن الأمة صارت رجلاً واحداً استفاق من سباته، واكتشف حكامها فجأة أنّ لديهم شعوباً حقاً لا رعايا يحكمونهم بالخوف، تريد بهذه الثورة الشاملة تقويم تاريخها وتغيير مسارها بسلاح إرادتها.

إنّ الكثير من الأنظمة العربية تواجه تحديات كبرى وتجد نفسها أمام مآزق حقيقية، في ظل الإكراهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة، تفرض عليها اعتماد مبادرات حقيقية تزرع الثقة في أوساط شعبها، الذي تخلص من عقدة الخوف والإذعان، في محيط إقليمي يغلي بالاحتجاجات والثورات الشعبية التي تواكبها وسائل الإعلام المختلفة لحظة بلحظة.

إنّ ساعة الحقيقة، التي طال أمد سكوتها في المنطقة العربية، دقت، فها هي شعوب منطقتنا تنطلق لبناء مجتمعات مدنية متوثبة نحو المستقبل في ظل أوطان ديمقراطية حرة.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

===================

أمثولة القامشلي

صبحي حديدي

2011-03-13

القدس العربي

أقام المواطنون السوريون الكرد مظاهر شتى لإحياء ذكرى شهداء الإنتفاضة الشعبية التي شهدتها مدينة القامشلي في 12 آذار، 2004، فجرى إشعال الشموع على شرفات المنازل والأسطح والشوارع، ونُفّذت اعتصامات ودقائق صمت جماعية في مختلف المدن السورية، بما في ذلك وقفة للطلاب أمام كلية الحقوق ومقرّ وكالة أنباء 'سانا'، تدخّلت قوّات الأمن لتفريقها بالقوّة. المظهر الأبرز كان التجمّع المركزي في مقبرة 'قدور بك'، في القامشلي، حيث احتشد قرابة عشرة آلاف من جماهير محافظة الحسكة، وألقت الناشطة السورية فهيمة صالح أوسي (هرفين) خطبة أخرى شجاعة. (كانت هرفين قد تعرّضت، قبل ثلاث سنوات، لاعتقال مباشر في شارع عام، سبقه اعتداء بالضرب الوحشي، وتمزيق الثياب، والسحل، والجرجرة من الشعر، تحت إشراف ضابط شرطة برتبة عميد، ليس أقلّ؛ وذلك بسبب خطبة جسورة طالبت فيها بإنهاء الأحكام العرفية، وسلطة الإستبداد والحزب الواحد، والكفّ عن اعتقال المعارضين واختطافهم).

والحال أنّ انتفاضة القامشلي كانت النذير الأهمّ، والأبكر نسبياً في عهد بشار الأسد، على احتمالات التحرّك الجماهيري المناهض للسلطة، وديناميات الإحتجاج السياسي الاجتماعي في الجوهر، حتى إذا كان مضمونه المباشر يخصّ حقوق شريحة محددة من المواطنين، الكرد؛ في منطقة من سورية، محافظات الشمال الشرقي عموماً، و'الجزيرة' بصفة خاصة. وهذه، كما تقتضي الإشارة، مناطق تعرّضت على الدوام للإهمال والحرمان ومعاملة الدرجة الثالثة، رغم أنها 'أهراء سورية' على نحو أو آخر، وفيها تتمركز ثروات البلاد ومواردها الأساسية: في محافظة الحسكة، النفط، وزراعة الحبوب، والأقطان، التي تعدّ محاصيل ستراتيجية؛ وفي دير الزور، النفط؛ وفي الرقّة، الكهرباء وسدّ الفرات.

وإذا كان التمييز البيّن يقع على مواطني هذه المحافظات الشمالية، بالمقارنة مع سواهم في محافظات أخرى، فإنّ التمييز الذي يعاني منه المواطنون الكرد أشدّ وأبعد أثراً، وهو بلغ ويبلغ مستوى التجريد من الجنسية والحرمان تالياً من حقوق التعليم وتسجيل الولادات الجديدة والسفر، إلى جانب التحريم شبه التامّ المفروض على الحقوق الثقافية والسياسية الأساسية. وعلى سبيل المثال، والمقارتة، هنالك في مدينة القامشلي مدارس خاصة تدرّس اللغة السريانية، وأخرى تدرّس اللغة الأرمنية؛ ولكنّ المواطن الكردي ليس ممنوعاً من هذا الحقّ الطبيعي فحسب، بل إنّ احتفال الكرد بأبرز أعيادهم، النيروز، يحتاج دائماً إلى إذن خاص من السلطات الأمنية، وينتهي غالباً بصدامات مع السلطات الأمنية.

من جانب السلطة، كان كسر انتفاضة القامشلي بمثابة التمرين الأوّل للأجهزة الأمنية وكتائب القمع العسكرية الخاصة، في عهد الأسد الابن، وفي أطوار ما بعد المواجهات الدامية مع جماعة 'الإخوان المسلمين'، وما بعد مجزرة حماة، 1982. ولهذا لم تلجأ السلطة إلى خيار الهراوة الغليظة وحدها، بل استخدمت الرصاص الحيّ، وحصار مدن وبلدات القامشلي والحسكة وعامودا وديريك والدرباسية وعين العرب وعفرين، بإشراف مباشر من ماهر الأسد، قائد الحرس الجمهوري... وكأنه يعيد إنتاج مرابطة أمثال رفعت الأسد وعلي حيدر وشفيق فياض، على تخوم تدمر وحماة وحلب، مطلع ثمانينيات القرن الماضي!

وأجدني، كما في كلّ مناسبة تخصّ القامشلي، مسقط رأسي، أستعيد صورة للمدينة لا أظنها تشبه أياً من المدن السورية: موطن كريم لأقوام من العرب والكرد واليزيديين والأرمن والسريان والآشوريين، فضلاً عن البدو الرحّل والعشائر المستوطنة؛ الأمر الذي استدعى تعدّدية أخرى كريمة، ثقافية وأنثروبولوجية، على صعيد اللغات والأديان والمذاهب والتراثات والأساطير. وكانت علاقة البشر مع المواسم الزراعية قد جعلت منطقة 'الجزيرة'، وبالتالي مدينة القامشلي بوجه خاصّ، تنفرد عن بقية المناطق السورية في أنّ معظم سكانها خليط ثنائي التركيب: إمّا من الوافدين الذين قَدِموا من مناطق الداخل السوري بحثاً عن العمل الموسمي ثم استقرّوا، أو من المهاجرين الذين توافدوا من تركيا والعراق وأرمينيا هرباً من الإضطهاد العرقي أو السياسي.

شخصياً، ومعذرة على هذه النقلة الذاتية، كنت أتكلم الكردية مع أصدقائي في المدرسة والشارع، رغم أنني لست كرديا؛ وأرطن ببعض السريانية، وبعض الآشورية، وأفهم الكثير ممّا يُقال أمامي باللغة الأرمنية. وفي سنوات الصبا كنّا، نحن المسلمين، نستضيف أصدقاءنا المسيحيين (على اختلاف طوائفهم وإثنياتهم) في مسجد المدينة الكبير، حيث يجري الإحتفال بعيد المولد النبوي، وتُوزّع صُرَر السكاكر والملبّس والنوغا. وكانوا يستضيفوننا في احتفالات عيد الميلاد، فندخل كنائسهم لا كالغرباء أبداً، ويحدث أن نشارك في بعض شعائرهم، ونأكل ممّا يأكلون، ونشرب أيضاً!

لكنّ مختلف حكومات حزب البعث، منذ استلامه السلطة سنة 1963، تكفّلت بالإجهاز على الكثير من أخلاقيات التعدّد الراقية هذه، أو رسّخت نقائضها عن سابق قصد معتمَد وتخطيط منهجي، ضمن سياستَين متكاملتين: ممارسة العديد، والمزيد، من أشكال التمييز ضدّ الكرد؛ واللعب على حساسيات طائفية ومذهبية بين المسلم والمسيحي، أو حتى بين المسلم والمسلم، وإيقاظ ما كان منها خاملاً نائماً، وإحياء ما اندثر وانطوى. وكما كانت انتفاضة القامشلي تمريناً مبكراً، في ضمير شعب متعطش إلى الحرّية، وفي حسابات سلطة لا ترتكز إلا على الإستبداد والفساد؛ فإنّ أمثولة تكوين المدينة الفريدة يمكن أن تصبح، اليوم، تمريناً يستعيد، مثلما يستشرف، صورة سورية الأجمل: حيث التعدّد قوّة، والاختلاف اغتناء، والوطن للجميع.

===================

هل الشعوب العربية هي البديل؟

الإثنين, 14 مارس 2011

بصيرة الداود *

الحياة

هل الشعوب العربية ستكون حقاً هي البديل والحليف الجديد للولايات المتحدة الأميركية والدول العظمى معها؟!

معروف في قانون السياسة الخارجية الأميركية أنه لا صداقة لأميركا مع أي كان إلا ما يتوافق مع مصالحها. ما أصعب تلك المعادلة التي حسبتها أميركا مع الأنظمة السياسية العربية، فهي وفرت الحماية لهذه الأنظمة منذ عقود طويلة وساعدتها في البقاء على رأس السلطة من طريق تشجيعها على قمع حريات شعوبها، وانتهاكها لحقوق الإنسان، ونشرها الفساد بكل صوره وألوانه! وهي اليوم تستخدم نفس تلك الفزاعة التي رفعتها الأنظمة السياسية العربية ضد شعوبها لتقف مع الشعوب العربية، وهي تحاول إسقاط أنظمتها باسم الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمطالبة بالحريات العامة والخاصة والقضاء على الفساد بكل صوره وأشكاله وألوانه! لكن ما فات السياسات الغربية والأميركية تحديداً هو أن لهذه المعادلة الصعبة حلاً ناجحاً يتمثل في وضع الأنظمة العربية يدها بأيدي أبناء شعوبها والعمل على الإصلاحات الضرورية المطلوبة للتغيير نحو الأفضل، وتوفير حياة كريمة لكل المواطنين، والاتجاه نحو العمل الجدي والمخلص في الداخل بدلاً من العمل خارجاً واستجداء طلب البقاء في السلطة عند من لا وفاء عنده لأحد.

أثبت التاريخ المعاصر أن سياسة الولايات المتحدة الخارجية لا تمنح أية مكافآت نهاية خدمة لحليف أو صديق أفنى عمره في خدمة مصالحها على حساب خدمة مصالح شعبه، فهي تستنفد قدرات هؤلاء الحلفاء والأصدقاء في خدمة مصالحها الخاصة ثم تتخلى عنهم من دون شفقة، وتحرق كل أوراقهم في لحظة واحدة لتبحث عن بديل مخدوع بها بحيث يبدأ معها اللعبة من جديد. واليوم تقول الثورات الشعبية العربية لأميركا وأوروبا «نحن البديل الجديد»، فهل ستوافق أميركا على هذا البديل؟! أشك كثيراً في ذلك! وأخشى على هذه الشعوب العربية المنتفضة التي يصر الثوار على ترشيح قياداتها بأنفسهم أن تلاقي في المستقبل مصيراً كمصير شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، أو مصير الرئيس الباكستاني برويز مشرف، أو الرئيس العراقي صدام حسين - رحمه الله -، أو مصير رئيس جورجيا إدوارد شيفاردنادزه، أو ديكتاتور تشيلي بينوشيه، أو زين العابدين بن علي، أو محمد حسني مبارك وغيرهم الكثير ممن كانوا يعتقدون أن القوى العظمى هي التي تحمي مصالحهم وبقاءهم في السلطة، وتناسوا أن ظلمهم لشعوبهم لا بد من أن تكون له نهاية، وأن الشعوب إذا انتفضت وثارت فسيصبح مصيرهم كأعواد الكبريت التي إن انطفأت فلا يمكن إعادة استخدامها من جديد.

الدروس المستفادة من الثورات العربية المعاصرة تدعو أولاً وأخيراً إلى ضرورة التعجيل في الإصلاحات التي تقود إلى التغيير الكلي نحو الأمام والمستقبل، فلا عودة الى الوراء والماضي، وتبدأ تلك الإصلاحات بالقضاء على الفساد في كل دولة عربية وبكل أنواعه وألوانه المعروفة بالفساد الأسود، والفساد الأبيض، والفساد الرمادي، فلا يسمح بإساءة استخدام السلطة أو استغلالها لحساب المصلحة الخاصة، أو اتخاذ القرارات وحرية التقدير في غياب المسألة، أو انحراف المسؤولين في سلوكياتهم وتصرفاتهم عن متطلبات الواجبات المكلفة لهم رسمياً والمقررة لهم في القانون، أو يساء في السر استخدام السلطة في شكل غير قانوني، أو الانحراف عن معايير السلوك الاجتماعي. فالمطلوب للقضاء على الفساد أن يضرب بيد من حديد على كل مفسد ومفسدة من البشر ويشهّر بهم إذا ما ثبت إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع على حساب مصالحهم الخاصة.

الثورات الشعبية التي قامت في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والعراق والجزائر رغم تباين بعضها عن البعض الآخر إلا أن ما كان يجمع بينها وبوضوح هو الثورة ضد الفساد المتفشي بأنواعه الأربعة، السياسية والإدارية والمالية والأخلاقية، الذي انتشر في كل البلاد العربية خلال العقود الأربعة الماضية واستمر بوضوح مع بداية هذا القرن حتى بات أمراً مألوفاً في الدول العربية كافة، بحيث أصبحت للفساد سلطة تكسب صاحبها مظهراً من الوجاهة المادية والاجتماعية التي وفرها له فساده، ليس ذلك فحسب، وإنما أصبح الفساد يغطى بمظاهر التدين وطقوسه، حتى إن بعض المثقفين العرب بدأ يتنافس للوصول إلى مواقع اتخاذ القرار، لا لرفع مستوى الأداء وتحقيق التقدم، وإنما للحصول على نصيب من الكعكات أو الغنائم أو الامتيازات التي جاءت في عقود التنمية البليونية، وأصبح أمثال هؤلاء قدوة لموظفيهم الصغار الذين بدأوا بدورهم يتلقفون كل ما يتساقط من فتات عن موائد رؤسائهم، ويدورون في حلقة راقصة حول العازفين على أنغامهم. أما من كان ولا يزال مستقيماً في سلوكه وعمله فهو في نظر أمثال مثقفي البيئات الفاسدة سياسياً وإدارياً ومالياً وأخلاقياً مجرد إنسان شاذ ومعتوه ومغفل يغرد خارج سربه.

بعد كل تلك الثورات العربية والفوضى الخلاقة التي تحدث في المنطقة الآن لا بد من ولادة شرق أوسط جديد بعد مرحلة المخاض العربية الأمر الذي يستوجب معه ضرورة العمل أولاً على إيجاد أرضية صالحة لبدء الإصلاحات الجادة في الأنظمة القضائية والإعلامية المستقلة والنزيهة تمهيداً للإصلاحات السياسية التي لا بد لها من إعادة تأسيس نظام جديد يسمح بفتح الأبواب التي كانت مغلقة ويُحرم الاقتراب منها نحو قيام الدولة المدنية الديموقراطية التي يسمح من خلالها لأي نظام سياسي أن يستمر بإرادة شعبه في حكمه، ويقبل بسلطته العادلة، كما يسهل عليه ذلك التعايش مع نظام تاريخي شرق أوسطي جديد ومعاصر من دون مراهنات ومزايدات على المستقبل من خلال العودة بنا مرة أخرى الى الماضي وتخلفه.

* أكاديمية سعودية

====================

الثورة والثروة... والمحظورة والمحظور

الإثنين, 14 مارس 2011

محمد صلاح

الحياة

أكثر التعبيرات المتداولة في مصر الآن تتعلق ب «ذيول النظام» و «فلول الحزب الوطني» و «أذناب حسني مبارك»، خصوصاً عند الحديث عن ثورة مضادة تستهدف الإساءة الى ثورة 25 يناير والانتقاص من مكاسبها وتشويه أصحابها، وكذلك كلما تفجرت التظاهرات الفئوية أو انتشرت أعمال البلطجة أو هُددت الوحدة الوطنية. وستظل تعبيرات كتلك متداولة طالما وجد الناس أن إفساد الحياة السياسية في عهد مبارك تم التعامل معه بمنطق «عفا الله عما سلف»، وأن التحقيقات التي تجريها النيابات المختلفة وتتعلق بوقائع فساد لم تشمل سوى أربعة وزراء فقط وعدد قليل جداً من المسؤولين بالمقارنة بما كان كل المصريين يعرفونه من سرطان للفساد خرب البلاد بطولها وعرضها لأكثر من ثلاثين سنة، وطالما بقيت القضية ذات العلاقة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وأعمال القتل والبلطجة التي وقعت ضد المحتشدين في ميدان التحرير يوم الأربعاء الدامي 2 شباط (فبراير) الماضي تضم فقط وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وعدداً قليلاً من مساعديه ونائبين سابقين من دون الرؤوس الكبيرة في الحزب الوطني ونظام مبارك الذين يعتقد المصريون أنهم أفسدوا الحياة السياسية وتربحوا من المال العام وارتكبوا جرائم السرقة والنهب المنظم ونشروا الفساد بين طبقات الشعب ثم حاولوا وأد الثورة بالاعتداء على المتظاهرين في التحرير واستعانوا بالبلطجية الذين كانوا يستعينون بهم في كل انتخابات وفي كل تظاهرة صغيرة أو كبيرة.

والمؤكد أن كل من ضُربت مصالحه بفعل الثورة وتغيير النظام وفشل في «ركوب» موجة الثورة أو كُشف وهو يبدل مواقفه ويغير كلامه ويتحول من النقيض الى النقيض، وكذلك كل من ظل يرتكب جرائم الفساد بمختلف صورها طوال عهد مبارك ووجد نفسه فجأة وقد فقد أسلحته، وكل من مارس التزوير والتدليس واغتصب إرادة الشعب، كل هؤلاء يحاولون الآن الاستعانة بأسلحة جديدة ليتفادوا الحساب والعقاب. ويبدو الأمر واضحاً وجلياً ولا ينطلي على الثوار وأفراد الشعب في الإعلام الرسمي، الذي ما زال القائمون عليه هم أنفسهم الذين ظلوا يخدعون نظام مبارك وينافقونه ويستفيدون منه، ويروجون لرموز الحزب الوطني وحكوماته، ويُفرضون على الناس ويمارسون الأكاذيب وينطقون بما لا يعتقدون ليبقوا في مواقعهم، ومعهم الذين إن هدأت الأمور وعاد قطار الحياة الطبيعية الى مساره فإن فضائحهم ستملأ الأجواء، ويدركون أن أماكنهم ستتبدل من القصور والفيلات الى الزنزانات والسجون. كل هؤلاء يقاومون ويصارعون ويعاندون وليس أمامهم إلا نشر الفوضى لينشغل عنهم الناس ويتغافل عنهم القانون.

وسط زخم الثورة التي لا تهدأ يخشى أصحاب الثروة أن يتحولوا الى محظورين في العهد الجديد بعدما ملأوا الدنيا صياحاً وضجيجاً وتخويفاً وترويعاً ليرعبوا الناس من «الجماعة المحظورة» حتى وصل الأمر الى أن أدوات النظام السابق لبوا من دون وعي أو إرادة التعليمات بإطلاق اسم «المحظورة» على جماعة «الإخوان المسلمين» التي اكتشف الشعب أنها ليست بهذه الخطورة، وكان الأمر مضحكاً حين كان صاحبنا «المذيع» و «الصحافي» أو السياسي يحلل ويُنظّر ويحذر من «المحظورة» فيعرف الناس أنه يقصد جماعة «الإخوان». الآن يستضيفون في برامج التلفزيون المصري أقطاب ورموز «الإخوان» ويستقبلونهم بالابتسامات والترحيب وربما بالإعجاب!. أما الحزب الوطني فإن الدعوى لحله تسري كالنار في الهشيم ليتحول الى حزب محظور، رغم التحذيرات من تحول رموزه الى العمل السري والخشية من أن يقدم أفراده على ارتكاب الجرائم ضد رموز الثورة والثوار وربما الشعب الذي ثار انتقاماً من الجميع. والمؤكد أن الفاسدين من قادة وكوادر ورموز الحزب لا يهمهم بقاء الحزب أو زواله وحتى إذا استمر فإنهم سيتركونه لأن الغطاء عنه زال والرئيس الذي يرعاه رحل والنظام الذي كان يحميه ويحميهم سقط. هكذا يدرك أصحاب الثروة من الفاسدين في عهد مبارك أنهم في كل الأحوال «محظورون»، ومقابل فرحة المصريين يسعون الى إشاعة العنف والبلطجة، ومقابل ارتياح الشعب لتوقف الفساد يسعون الى وقف كل عمل منتج، ومقابل الأمل في حياة أفضل يحذرون من انتشار أكثر للفقر. بعدما صار المحظور مسموحاً بفعل الثورة ودماء شهدائها، فإن الأذناب والذيول والفلول يقاومون من دون أن يدركوا أن الزمن تغير وأن قوة الثورة تفوق ما لديهم من... ثروة.

====================

هل حدد المجتمع الدولي «العدد المقبول» لضحايا ليبيا قبل التدخل؟

اياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

14-3-2011

قتل امرئ في غابة - جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن - مسألة فيها نظر (أديب إسحق)

متى كان تدمير مدينة على رؤوس أهلها جريمة يعاقب عليها القانون؟

يبدو أن هذا السؤال بات من السخف لدرجة أنه ما عاد يستحق الرد.

فأين أهمية أن يقدم ديكتاتور يتمتع بسجل حافل في قتل الأبرياء برا وجوا وبحرا، على امتداد أكثر من 40 سنة، على أن يضيف إلى مآثره مأثرة أخرى؟

وأين الخطورة في احترام «سيادة» بلد ألغى ديكتاتوره فيه - بالتمادي - كل مقومات «السيادة» ومؤسسات السلطة، بما فيها الجيش، كي يسهل عليه تطبيق نظرياته السلطوية الخاصة في تحكيم الغوغاء بأبناء جلدتهم... تارة باسم «الثورة» و«الزحف الأممي» وطورا باسم «العصبية القبلية» التي نهى عنها الإسلام منذ أكثر من 1400 سنة؟

كلمة «تردد» المهذبة جدا سمعها كثيرون مثلي خلال الأيام القليلة الماضية وهي تطلق لوصف المواقف الدولية، لا سيما الغربية، مما يجري في ليبيا. أيضا سمعنا كثيرا كلمات مثل «سيادة»، و«توافق» و«إجماع»، وعبارات تعفف مصطنع ومقزز، حول الخشية من رد فعل سلبي في العالمين العربي والإسلامي من وقف «المجازر» التي كان قد بشر بها علانية رأس اللانظام في طرابلس وولي عهده.

قد يكون بعض الساسة الغربيين، حقا، مترددين. وربما كان درسا العراق وأفغانستان الموجعان قد أثرا على قناعات البعض منه، إن لتشككهم المزمن بنيات واشنطن النفطية بالنظر لسوابقها العديدة حتى في موضوع ليبيا، أو لتخوفهم من تصاعد المد الإسلامي الأصولي الذين يرون أنه أخذ بالفعل يقرع أبواب أوروبا. وفي هذا السياق، من الواجب تسجيل الجدلين المحتدمين راهنا في كل من فرنسا وألمانيا حول موقع الإسلام والمسلمين من الواقعين السياسي والاجتماعي - الثقافي للبلدين.

أيضا، ربما كان من حق الساسة الأوروبيين أن يطالبوا العواصم العربية والإسلامية، وحتى الأفريقية، بتأمين «الغطاء السياسي» لأي تحرك عسكري يستهدف ليبيا، لا سيما أن غزو العراق - مثلا - كان في حقيقة الأمر «مشروعا» أنجلو - أميركيا بدعم إسباني، وقد وقفت باقي دول أوروبا ضده بحجج متعددة، وبالتالي، عطلت مع غيرها كل مسعى لإكسابه أي غطاء من الشرعية الدولية.

هذا كله مفهوم ومقدر. غير أن ما يستعصي على الفهم، بل ويدعو إلى الشك، هو مستوى الاحترام الجدي الذي تحظى به مسألة حقوق الإنسان في العواصم الغربية المتحضرة، التي يثرثر عنها كل ساستها ومعظم إعلامها بكرة وأصيلا. وهنا، لا حاجة لمساءلة هذه العواصم عن حقيقة مواقفها من طرابلس على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، على الأقل لتحاشي الإحراج، ولكن ألا يستوقف المحاضرين بالديمقراطية وحقوق الإنسان ما سمعوه من اللانظام الليبي، في إعلامه والمقابلات الصحافية التي أجريت مع رموزه، على امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية؟

الموقف الأميركي - كبداية - كان صارما وواضحا في الحالتين التونسية والمصرية. وكانت قضية تصدي القوى الأمنية للتظاهرات الشعبية بقوة السلاح «الخط الأحمر» الذي أسقط تجاوزه في نظر واشنطن والعواصم الغربية الأخرى شرعية كل من النظامين السابقين في تونس ومصر.

غير أن التعامل مع الحالة الليبية، أميركيا وأوروبيا، كان مخجلا وملتبسا إلى حد التآمر على المواطنين الأبرياء الذين انتفضوا على ديكتاتورية الفوضى والقبلية المتحكمة بمقدراتهم لأكثر من أربعة عقود.

أصلا، واشنطن وبرلين وباريس وغيرها من العواصم الغربية، تدرك جيدا أن لا وجود في ليبيا لجيش وطني ذي قيادة تتفهم مسؤولياتها إزاء شعبها، كحال كل من تونس ومصر، حيث حسمت الوضع وقفة الجيش بجانب الشعب، وأقنعت الحاكم بأن عليه التنحي. ففي ليبيا، تمكنت ما كانت قبل 40 سنة «ثورة اشتراكية قومية عربية» من تحطيم مهنية الجيش وهويته الوطنية الجامعة، وحولته إلى «كتائب» قبلية يقودها أبناء عائلة «ملك ملوك أفريقيا» ويعززها مرتزقة مستأجرون من دول أفريقية وعربية وأوروبية لقمع أهل البلاد بالقوة.

ثم إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تعلم علم اليقين أن لا فرق بين ميزانية ليبيا وميزانية أصحاب اللانظام الذي يحكمها. وأن في متناول هؤلاء إمكانيات مادية أكثر من كافية لمواصلتهم استئجار المرتزقة وشراء الضمائر إلى ما لا نهاية. ولئن كان رأس السلطة قد قال من دون أن يرف له جفن إنه لا يحتل أي منصب لكي يستقيل منه، فالمجتمع الدولي يعرف جيدا مع من كانت تُعقَد الصفقات النفطية والاستثمارية، وإلى جيوب من ذهبت وتذهب مليارات الدولارات المدفوعة ثمنا للنفط الليبي.

أخيرا، وليس آخرا، إذا كانت الذريعة ل«الخيانة» - وهي كذلك حقا - إصرار واشنطن و«ناتو» على تلقي طلبات مسبقة من الليبيين والعرب والمسلمين والأفارقة قبل أي تدخل لمنع المجازر الموعودة، فقد كانت مواقف المجلس الوطني الليبي وجامعة الدول العربية وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي وقادة دول مجلس التعاون الخليجي... وحتى ديزموند توتو، كبير أساقفة جنوب أفريقيا الأنجليكاني السابق حامل جائزة نوبل للسلام، ... واضحة وصريحة.

مع هذا، لا تخجل أصوات في أوروبا، بينها وزير خارجية ألمانيا ورئيس المجلس الأوروبي، من تجاهل ما يحصل... واعتبار المأساة الليبية مجرد خلاف عائلي!

============================

فضائل الثورة والفقه السياسي المرهَق

محمد بن المختار الشنقيطي

المصدر: الجزيرة نت 13/3/2011

في كتابه "خريف العصور الوسطى" بيّن الفيلسوف والمؤرخ الهولندي جوهان هويزينغا أن أوروبا في نهاية عصرها الوسيط كانت تتغذى على رصيد من الأفكار المرهَقة التي لم تعد تلهم العقل الأوروبي، بل أصبحت عبئا ثقيلا عليه.وحينما تصبح الأفكار الموجِّهة لحياة الناس مرهقَة، فإنها تتحول إلى أطلال دارسة، تغلق مسالك المستقبل، وتُعشِي الأنظار في تطلعها نحو الأفق البعيد.

ولم تتخلص أوروبا من هذه الأطلال المعيقة إلا بعد ثورة في الأفكار أعادت تعريف إنسانية الإنسان أخلاقيا وقانونيا، وقلبت العلاقة بين الحكام والمحكومين رأسا على عقب.

وتبدو نظرية هويزينغا مفيدة لفهم المخاض الذي تعيشه شعوبنا اليوم خلال هذه الثورات العربية المجيدة، فمن الواضح أن فقهنا السياسي في مجال الثورة على الظلم فقه مرهَق، وقد أصبح هذا الفقه عبئا علينا، لا مصدرا لإلهامنا.

لقد زرعت مذابح الأمويين في القرن الأول الهجري ضد معارضيهم من خيار أهل الإسلام روح تشاؤم دفين في الثقافة الإسلامية حول أي جهد للإصلاح السياسي مهما يكن متعينا.

وضاعف من هذا التشاؤم سوء صنيع بعض المعارضين السياسيين مثل الخوارج الذين استباحوا المجتمع كله بحجة تخليصه من الجور السياسي.

وهكذا أصبح "الخوف من الفتنة" هاجسا دائما وكابحا عقليا ونفسيا يستبطنه العقل المسلم في كل الأحوال. لقد ضحى العقل الفقهي الإسلامي بالشرعية حفاظا على وحدة موهومة تتأسس على القهر، ويا لها من صفقة خاسرة!!

والحق أن لا فتنة أعظم من الاستبداد على المدى البعيد، وهو ما تشهد به عبرةُ 14 قرنا من تاريخ الإسلام، وقد أدرك ذلك الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما حينما كتب إلى معاوية مرة: "وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك، ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة" (ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 14/206).

ولو أن فقهاءنا السياسيين تعاملوا مع سلطة الأمر الواقع بصياغة عملية، فوضعوا القبول بالاستبداد ضمن فقه الضرورات المؤقتة، وميزوا بين "الطاعة بالواجب" و"الطاعة بالضرورة" -كما فعل جان جاك روسو- لما كان عليهم من حرج، فللضرورة أحكامها ولا ريب.

 

لكنهم أوغلوا في طريق الكبح، وأضفوا شرعية دائمة على الاستبداد والقهر، ومنحوا السلطة غير الشرعية حقوق السلطة الشرعية من طاعة ونصح ونصرة، ولم يجرؤوا على مطالبتها بالتزام قيم الإسلام في الحكم والقسم، وهذا باب واسع من أبواب التدليس والتلبيس.

ومصدر هذا الانحراف الخطير في فقهنا السياسي، هو اختلال في الذاكرة التاريخية. لقد رفعت دولة النبوة والخلافة الراشدة عن الشعوب ظلم الأكاسرة والقياصرة، فلما رجع الظلم إلى ديار الإسلام مع تحويل الخلافة إلى ملك عضوض، قاومه خيرة الصحابة وبذلوا أرواحهم في سبيل تغييره، كما حدث في ثورة الحسين بن علي، وثورة عبد الله بن الزبير، وثورة أهل المدينة ضد يزيد، وثورة التوابين بالعراق التي قادها الصحابي الجليل سليمان بن صرد، ثم ثورة الفقهاء بعد ذلك بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث.

لكن فقهاءنا السياسيين الذين دونوا كتبهم بعد استقرار الملك العضوض قرؤوا تلك الثورات العظيمة بعيون الملك وهواجس الخوف من الفتنة، فطعنوا في شرعيتها الأخلاقية بناء على عدم نجاحها العملي، وبنوا ذاكرة تاريخية تشرِّع الظلم والقهر، وتزيِّن الخنوع والاستسلام.

وهذا اختلال كبير في التوصيف الفقهي والميزان الأخلاقي، فعدم نجاح تلك الثورات العظيمة في صدر الإسلام في استرداد الخلافة الراشدة لا يطعن في سلامة منطلقها وشرعية فعلها، وإنما يقول ذلك من اعتادوا التكيف مع الواقع وتبرير الظلم.

إن من أعظم أسباب اللبس في دراسة ثورات القرن الأول الهجري الخلط السائد بين الخطأ والخطيئة، والحكم على الأفعال بنتائجها لا بصورتها ومراميها.

ومن المعلوم أن الخالق سبحانه لم يضمن النصر الدنيوي لكل من جاهدوا في سبيله، وإنما ضمن لهم إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. فالمعيار الصحيح في الحكم على الثورات السياسية هو السعي إلى إقامة الحق والعدل، والتزام قواعد الشرع في ذلك المسعى، وليس النتيجة الدنيوية المترتبة على الفعل.

وكم من طالب حق أخطأ التقدير السياسي أو العسكري، لكن فعله يظل فعلا حميدا بموازين الشرع. فالأحكام الشرعية تنبني على سلامة المنطلق وشرعية الفعل، أما الثمرات الدنيوية لمقاومة الظلم فليست مضمونة دائما، والأيام دول والنصر بيد الله. ولو كانت الأحكام الشرعية مبنية على النتائج لاعتبرنا غزوة أحد إثما، وغزوة مؤتة انتحارا، وما يقول بذلك مسلم عامي، فضلا عن حامل فقه.

- لقد وقع الحسين بن علي في بعض الأخطاء، بمبالغته في تقدير قوة أنصاره في العراق، وعدم استيعابه للمعادلة السياسية والعسكرية القائمة هناك، وللتغيير الأخلاقي والنفسي الذي دخل على المجتمع مع اتساع الفتوح، مما جعل قلوب بعض الناس معه وسيوفهم عليه.

- وأساء أهل المدينة التقدير السياسي والعسكري في ثورتهم على يزيد بن معاوية، مع ميزان قوة مختل اختلالا واضحا، فانتهت الثورة بفاجعة "الحرَّة"، واتخذها يزيد ذريعة ليعيث فسادا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستأصل بقية الصحابة.

- وعوَّل عبد الله بن الزبير على قوة قوم سرعان ما انسحبوا من المعمعة، وتركوه في ثلة من أصحابه الأبطال، يواجه بطش الحجاج بن يوسف ودمويته، وهو يترنم:

أسماء يا أسماء لا تبكيني   لم يبق إلا حسبي وديني

وكان من أسباب هذه الأخطاء أن أهل المدينة والحجاز اعتادوا على جيوش الجهاد، وهي جيوش تطوعٍ يدفعها الإيمان للقتال، وفي ظروف كانت الراية واضحة لا لبس فيها.

وكان جيش الشام قد تحول مع الزمن إلى جيش نظامي، يقاتل مهنةً لا رسالةً، بعدما أدخل معاوية النظام الإداري والعسكري الموروث عن الدولة البيزنطية في الشام.

ثم أصبحت الراية أقل وضوحا بعد حربيْ الجمل وصِفِّين. ولم يكن جيشٌ من المتطوعة في هذه الظروف ليستطيع هزيمة جيش نظامي، ولا كانت النفوس تجود بالقتل والقتال كما كانت أيام الفتوح والغزوات. ولعل أولئك السادة الثوار لم يستوعبوا تلك الحقيقة الجديدة، ابتداء من الحسين وأهل المدينة، وانتهاء بابن الزبير وابن الأشعث.

لكن الخلط المنهجي دخل على بعض الفقهاء هنا، حين ساووا بين الخطأ السياسي والعسكري الذي اجتهد صاحبه في طلب الحق، والتزم قواعد الشرع في مسعاه، وبين الخطيئة الشرعية والمبدئية التي لم يبذل صاحبها جهدا في طلب الحق، ولا التزم مبادئ الشرع في مسعاه، بل اتخذ إلهه هواه.

فكون الحسين وأهل المدينة وابن الزبير وابن الأشعث أخطؤوا التقدير السياسي أو العسكري لا يجعلهم مذنبين، بل هم مجاهدون اجتهدوا في طلب الحق، وبذلوا النفس والنفيس في نصرته، فخطؤهم من النوع المرفوع، بل هو من الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه سواء أصاب أم أخطأ.

لقد قاتل أولئك الأخيار من أجل الحق والعدل، وقاتل خصومهم من أجل السلطة والثروة. فمن التبلد الأخلاقي وضع الطرفين في سياق واحد، وتسوية خطأ أحدهما بخطيئة الآخر، وتسمية ذلك كله "فتنة" بحياد لا يميز بين ظالم ومظلوم، وبين محق ومبطل. وما أبعد الشقة بين يزيد بن معاوية الذي حركته شهوة الملك وبين الحسين الذي ثار "غضبا للدين وقياما بالحق" حسب تعبير ابن العربي (العواصم، ص 237)، وأهل المدينة الذين "قاموا لله" حسب تعبير الحافظ الذهبي (سير أعلام النبلاء، 4/37).

وقد برهن عبد الرحمن بن خلدون على بصيرته الشرعية وحسه السياسي حينما تجنب هذا المنزلق الذي وقع فيه بعض الفقهاء الذين خلطوا بين الخطأ والخطيئة. فحينما تحدث ابن خلدون عن مقتل الشهيد الحسين رضي الله عنه في كربلاء، بيَّن أن الحسين ارتكب خطأ في تقديره لاستعداد أتباعه في العراق وقوتهم، لكن ابن خلدون لم يغفل التنبيه على أن ذلك "خطأ دنيوي، وليس دينيا" حسب تعبيره (مقدمة ابن خلدون، ص 217)، أي أنه قصور في الخطة والأداء، وليس تقصيرا في الشرع والمبدأ، فهو خطأ لا خطيئة، بخلاف ما فعله أعداؤه، فهو جريمة وخطيئة منكرة.

وما قاله ابن خلدون عن الحسين يصدق على أهل المدينة وابن الزبير وابن الأشعث، وكل من بذل دمه من أجل تثبيت أو استرداد الخلافة الراشدة في القرن الأول الهجري، ثم أخفق في ذلك أمام كثافة القوة وبطشها.

كما يصدق على كل من يثور ضد الظلم السياسي اليوم، ويستخدم الوسائل الشرعية في ذلك، سواء نجح في إزاحة الظلم وتحرير الأمة من الاستبداد أم مات على هذا الدرب المضيء.

 

وهذه المعادلة التي تميز بين القصور والتقصير وبين الخطأ والخطيئة هي التي تعوز الجامدين من فقهائنا اليوم الذين استأسروا لصور تاريخية، فبنوا عليها خلاصات فقهية تناقض مبادئ الإسلام في العدل والحرية والديمقراطية.

ومهما يكن فإن أولئك الصحابة الذين حملوا السيف ضد الاستبداد أفقه في الإسلام من أي فقيه متحذلق يأتي بعدهم، ولذلك قال ابن حجر إن مذهب السيف "مذهب للسلف قديم، ولكن استقر الأمر على ترك ذلك" (تهذيب التهذيب، 2/250)، ومقصوده بمذهب السيف مقاتلة الحاكم الجائر. فحريٌّ بمن يريدون اتباع السلف أن يأخذوا بمذهب السلف القديم، ويرفعوا ظلم المستبدين عن أمتهم، ولا تستعبدُهم مقولات المتأخرة من الفقهاء.

على أن ما ندعو إليه اليوم ليس الخروج المسلح على الحكام، وإنما الثورة السلمية والعصيان المدني، وغير ذلك من وسائل لم يكن فقيه العصر القديم يدري عنها، ولا أخذها في الاعتبار في صياغاته الفقهية. وليس من حاجة إلى القتال اليوم مع توفر هذه الوسائل السلمية للشعوب، إلا إن فَرضَ عليها القتالَ طاغيةٌ متعطشٌ للدماء، مثل القذافي.

ويكفي استدلالا على فضائل الثورة السلمية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (رواه الحاكم وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، الحديث رقم 2803).

وهذا القيام بالحق في وجه أئمة الجور هو ما يفعله المتظاهرون الثوار في شوارع الدول العربية اليوم، كما يفعله الصحفيون الأحرار من أمثال الشهيد علي حسن الجابر تقبله الله تعالى، وهم يعلموننا اليوم أن أرحام الأمهات المؤمنات لم تنضَبْ، وأنها لن تتوقف عن إنجاب أحرار يتوقون إلى اللحاق بسيد الشهداء حمزة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ