ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 09/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

العرب وشبح الاستبداد

المصدر: د. حيدر إبراهيم علي

التاريخ: 08 مارس 2011

البيان

يغمرني الفرح، خاصة بعد نشرات الأخبار التي تحتل أنباء المظاهرات العربية فيها، كل النشرة دون أن يتخللها خبر آخر، وليس مجرد الفرح بل الفخر وأحيانا الزهو، لأن المرء ينتمي لهذا الشعب الذي لا يرضى بغير الحرية بديلا. ولكن لقد تعودنا على إثارة الأسئلة القلقة، بقصد ضمان المستقبل الأفضل، لأننا نخشى لعنة التاريخ التي تتابعنا وتهددنا.

يلاحظ المتابع لتطور العالم العربي، أنه رغم انحسار الاستبداد في العالم لصالح نظم حكم ديمقراطية، ما زال الاستبداد هو النموذج السائد لمعظم نظم الحكم في الدول العربية، مهما اختلفت أشكالها وتعددت مسمياتها. فمن أين جاءت هذه الخصوصية العربية وهذا الاستثناء الذي استعصى على موجة الديمقراطية التي اجتاحت دول العالم بالذات خلال السنوات؟

لقد تحررت أميركا اللاتينية رغم ديكتاتورياتها الشرسة، وآسيا بكل ذلك التنوع الديني والإثني والثقافي، ودول إفريقيا التي نتهم نظمها بالبدائية والتوغل في التقليدية. وظلت الدول العربية مقاومة لأي تأثير، وقد تلجأ للمداورة، والمناورة، والانحناء مؤقتا، وتلوّن التغيير القادم دون الولوج إلى مضمونه. وفي أحيانٍ كثيرة تخرج ترسانة من الأسلحة الدينية والثقافية والقومية، لتمنع التغيير من الاقتراب من أسوارها التي لم تعد حصينة، ولكنها قد تشوش وتربك من لا يعرفها حقيقة من الداخل. وقد نجحت الدول العربية حتى الآن في تجنب البدء في إصلاح ديمقراطي حقيقي، وعن قناعة. فنحن الذين نتحدث عن أزمة النظم العربية، ولكن أصحاب السلطة أنفسهم لم يفطنوا إلى أخطائهم وقصورهم، وهذا شرط التحول أو التغيير والإدراك أو الوعي بوجود مشكلة ثم يُشرع في حلها.

تراودني فكرة باب الاستعصاء العربي أو الممانعة العربية، ومن أين تكتسب قوتها التي جعلت الدول العربية بعيدة عن هذا التاريخ الجديد الذي غمر كل العالم؟ يخطئ من يعتبر الدول العربية ذات طبيعة ثابتة مقاومة للتغيير، فهذه نظرة حتمية قد تقود إلى العنصرية، إذ ترى بعض المجتمعات لا تاريخية وأقرب إلى الغزيرة والجوهر، أكثر من اعتبارها ثقافة بشرية تتأثر وتؤثر في المكان والزمان. فالقضية تنطلق من ركود هذه المجتمعات، مما عرضها لفوات تاريخي ولم تحاول أن تلحق سريعاً ببقية العالم. فالمجتمعات العربية تفتقد دينامية حركة الفكر وحركة المجتمع وما بينهما من علاقة جدلية، لأن الدول العربية الإسلامية لم تتفاعل منذ قرون مع الأفكار والفلسفات القادمة من خارج المنطقة جغرافياً، أو من خارج افهم السائد للإسلام عقلياً، لذلك وجدت نفسها في عزلة، أخذت في السنوات الأخيرة ملمحاً انتقائياً واضحاً؛ فهي تقبل هجرة السلع والأموال والتكنولوجيا والسلاح، بينما ترفض المعرفة والعلم والنظريات والآراء، أو تتعامل معها بحذر واضح قد ينتهي أخيراً بالرفض.

يفترض المرء أنه بسبب الاختيار التاريخي والواقع الذي يشهد تناقضات تفصمه وتقسمه بين شكلين وتطورين: التخلف أو التقدم، حيث التساكن العجيب. ويسمي البعض هذا الوضع مرحلة انتقالية أو لا معيارية (دوركايم)، حين يتغير القديم ولم يتمكن الجديد من أن يحل محله بعد. وقد يوحي هذا الحديث خطأ بأن المجتمعات العربية ثابتة وسرمدية، ولكن طريق التطور العربي سيظل بطيئاً وأحياناً متراجعاً أو متكرراً، وسيبحث العرب عن نماذج تكفيهم شر المطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقي. ستشهد المنطقة تغييرات، ولكنها في كل الأحوال لن تكون إضافة للديمقراطية وخصماً من الاستبدادية. لم تكن الحرية، في الثقافة (الثقافات) العربية الإسلامية حسب السائد من الأولويات في سلم القيم العربية، ولا المتقدمة في اهتمامات العقل والفكر العربيين. ففي التاريخ كان أقصى سقف هو «المستبد العادل».

ساهمت البيئة الطبيعية، مع طريقة الاستجابة البشرية، في نوعية البحث عن شكل التنظيم وإدارة شؤون الناس في هذه المنطقة، لأن غلبة عدم الاستقرار والترحال البدوي، وغياب التوطن الجماعي بأعداد كبيرة كما يحدث في التجمعات الفيضية، كل هذا جعل الاهتمام بالحكم والسياسة أقل عربياً، مقارنة بحضارات أخرى مثل الإغريق والرومان والهند والصين وفارس. ومن ناحية أخرى، كان الشعر ديوان العرب، وليس الفلسفة كما هو الأمر في أثينا. لذلك قادت الفلسفة تلك المجتمعات إلى التساؤل في موضوعات مثل السياسة (أرسطو) أو الجمهورية (أفلاطون)، وصارت هذه الموضوعات اهتماماً فكرياً وثقافياً. فالسلطة السياسية أو علاقة الحاكم والمحكوم ضرورة من ضرورات الحياة البشرية، ولكن اختلفت درجة طريقة ومستوى الاهتمام، حسب قوة الحاجة إلى ذلك وإدراك الناس المعنيين لتلك الحقيقة. وبالنسبة للعرب جاءت نهضتهم مع الإسلام، وفتح العرب المسلمون العالم وتفاعلوا مع كل الحضارات القديمة، ولكنهم جاءوا للعالم برسالة جديدة تحمل رؤية مختلفة للكون والإنسان والمجتمع، وهذا يعني ضمناً السياسة والحكم.

قدم الإسلام نظاماً شاملاً لمكارم الأخلاق، ولكن بالتأكيد لم يكن من الممكن إعطاء تفاصيل كل شيء، بالذات الحكم والإدارة، لذلك ترك الكثير لاستشارة العقل البشري ضمن المبادئ العامة للدين. كانت مهمة النبي (ص) الأولى، تأسيس المجتمع الجديد والإنسان الجديد، وهذه هي وظيفة الشريعة المحمدية. وكان النبي الكريم يوحى إليه في كل أمور الدين والدنيا، وهو لا ينطق عن الهوى، فهو الحاكم والرسول الذي يختلف عن الأباطرة والملوك: ؟لست عليهم بمسيطر؟. وهنا تغيب العلاقة العادية بين الحاكم والمحكوم، بالمعنى المألوف والسائد في السياسة. فالخلفاء الراشدون كانوا حديثي عهد بالسنن النبوية، وحاولوا السير في نفس الطريق القويم. ولكن بعد ذلك كان يفترض أن توجد العلاقة التعاقدية القائمة على الحقوق والواجبات، التي ارتكزت عليها نظم الحكم الديمقراطية لاحقاً. وكان اجتهاد المسلمين اللاحقين في مجال فقه السياسة والحكم، قليلا وضعيفا كما لاحظ الشيخان محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، مقارنة بفقه العبادات مثلا.

بعيدا عن التاريخ، وقع الفكر السياسي العربي، خاصة الذي يدعي الثورية والتقدمية، في خطأ قاتل حين فصل بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فالديمقراطية شرط ومقدمة اجتماعية اقتصادية لنجاح أي تجربة اشتراكية. ولكن أغلب الاشتراكيين في الحكم أو على مستوى التنظير، قللوا من قيمة الديمقراطية، وأصبحت المعادلة الخاطئة هي الخبز أو الحرية. وفي حالات كثيرة قبل الشعب بالمقايضة، وقبلوا بالنظم الدكتاتورية أو على الأصح صبروا عليها، آملين الظفر بالاثنين في النهاية. ولكنهم في الآخر فقدوا الحرية والخبز والكرامة معا. وتراجعت تلك القوى بخطى غير منتظمة، عن مواقفها وأفكارها الاستبدادية المقصودة وغير المقصودة ولكنهم وقعوا في ليبرالية خالية من المواقف الاقتصادية والاجتماعية، وصاروا يخجلون من الاشتراكية، وكأنهم يؤكدون مرة أخرى تناقضها مع الديمقراطية!

=================

من أين هذه الطاقة التغييرية؟

آخر تحديث:الثلاثاء ,08/03/2011

نسيم الخوري

الخليج

فعلاً من أين تأتي يقظة هذه الطاقات التغييرية في مصر وتونس واليمن وليبيا وفي الأذهان الشبابية؟ وبشكل آخر ما هو مستقبل الثورات العربية بين التغيير والغير؟

منذ أن قدّم ماكنتوش، مخترع أوّل كمبيوتر للاستعمال الشخصي، نصوصه الإلكترونية المزيّنة بالتفاحة المقضومة، كان يؤسس لمحطّة ثانية في تاريخ العلاقات البشرية على مستويات الأفراد والجماعات والدول . إنّها المحطة المشوبة بالفكر الخرافي والأساطير تأتي في أعقاب “قضمة” آدم الأولى للتفاحة الأسطورية في حقول الجنّة الشهيّة أمام لحظ حواء وغوايتها . تلك الغواية التي لم تتمكن حوّاء من تغطيتها بأوراق التين فاستنفدتها كلّها مترددة، ولم تحظ بورقة واحدة تنال إعجابها فوقعت في “علّيقة” الموضة منذ ملايين السنين .

لسنا بحاجة، هنا بالطبع، إلى الاستطراد في التذكير بالمكانة التي شغلتها التفاحة في الثقافة الأمريكية، وعمّمتها دولة العولمة على ثقافات العالم .

أليست دولة العولمة متخفية كالعنكبوت في تمرير الأفكار والثقافات والعادات والموضة والأحلام والميول والحاجات، وكلّ الدول الصغيرة (في الذهن الأمريكي القابض على السلطة وممارسها) مثل الحشرات تعلق في الشبكات وهي تطير أو تتهادى فوق ماض ما، أو تزهو في لحظات من التاريخ ما . إن لم تؤكل عند وقوعها في الشباك من صغار الدول الأخرى، تقدّم إليها هدايا في أعياد الميلاد حيث يملأ “بابا نويل” أمريكا، وإلا فإنها قد تيبس تحت الشمس وتذريها الرياح مع أوّل عاصفة؟

تقضم الدول الصغيرة المصفوفة بعضها بعضاً في الشرق ببطء، وتؤسس المستقبل على فكر التغيير والخلاص الفردي من أعباء القرن الراهن والأنظمة القمعية، لكنها وهي تتجه إلى رفض العولمة ومنتوجاتها التي “تسحق” العالم وتولّد الرغبات الجديدة في نائي القرى فوق الكرة الأرضية، فإنها تبدو كأنها تقاتل المطر أو تحصد الرياح أو أنها تحاول سدّ فم الرعود في كبد السماء المكفهرة .

يلعب الصغار لعبة الكبار، ويلعب الكبار بدورهم حروبهم الفعلية كأنهم مثل أطفالهم عادوا صغاراً . فاللعبة تربط في ما بين الأجيال، لكنها تفرغ الصغار من مفاهيم مثل الموت والقتل والعنف وهي أفكار كبرى طالما كانت، مع غيرها من الأفكار، منهلاً للأدب والفلسفة والشعر والمآثر الراقية الإبداعية . يسقط الموت كمعنى من اهتمامات الصغار، وتسقط مع هذا المعنى بالضبط أمور تاريخية أخرى مثل نظرية القرابة الدموية والنظرية العرقية ومعها تسقط أمور تربوية تحكم علاقات الأولاد بأهاليهم . ويعزز هذا السقوط في الفكر والمفاهيم مسائل أخرى شديدة الخطورة مثل بنوك الدم والحيوانات المنوية مثلاً . إنها اللعبة ذاتها التي تفرغ الكبار من أي إحساس بالذنب لشدّة القتل الفعلي الذي يمارسونه في عصر الفضاء والصور الخيالية الضوئية المرسومة أوامر فوق شاشاتهم . ويكاد القارىء يهضم بعسر التأفف الأمريكي والتقاعس والتبرّم قائلاً: اطردوا هذا الذباب المقتول عن بصري . وتتكامل حلقة الانهيار والتدمير للعالم والقتل الجماعي نستعرضه عند الأمسيات في الشاشات بين الواقع والخيال، وننسحب من خصوصياتنا في الفرح والبكاء والذكاء والغباء إلى أناس رقميين حسب النموذج “الماكدونالدي” لكنن مفتولو الشوارب .

وهنا أسئلة مشروعة مروعة:

 لماذا،أولاً، في عصر اقتصاد المعرفة يفترض أن ننقر رأس الفأرة (التي شغلت الخيال وصارت لها مدن وتعامل كالملوك وتغزو بيوت الناس تحتكرها في عالم الألعاب، ربّما كشحاً لعقدة البشر حيال هذا المخلوق الصغير الذي انبعثت من جسده ودمائه المهدورة في المختبرات الطبية أكثر أصناف الأدوية في العالم) بعدما نقرع الباب ثلاث مرّات www وليس مرّتين أو مرّة واحدة أو أربع؟

 لماذا هذا الطلاق بين الأجيال وانقلاب الخبرة على المعرفة بمعناها الأرسطي الذي ساد منذ أربعة آلاف سنة؟

 أليست في هذه الترجمات أو الاستطالات بين الجسد والتقنية تجليات تجعل من الأذن (مفتاح الأنثى) واللمس، والذوق، والشم (وهي حواس فجة لم تتمدد إلا في عصر الطبيعة أو العطور)، والعين (مفتاح الذكورة) لا قيمة كبرى لها قبل تفجر الطاقة الاتصالية مع الإنترنت؟ ما هي الطاقة الاتصالية؟

 أليست الشاشة كهفاً أمريكياً متجدداً يقوم مكان كهف أفلاطون في اليونان؟

لقد أسمى المؤمنون الطاقة الاتصالية بالطاقة الإلهية أو طاقة الروح أو المنتظرة، وأطلق عليها البيولوجيون اسم الطاقة الطبيعية والفطرة والغريزة، وأسماها ليبنز “الشهية”، وبرغسون منحها اسم “الطاقة الحيوية”، وكان ديكارت قد أسماها “الحيوية الباحثة”، وأعطاها فرويد اسم “الليبيدو”، ويونغ اسم “الطاقة النفسية”، وعرّفها رايش ب”الأرغون” ومات في السجن من أجلها . وأميل إلى تسميتها بالطاقة التواصلية أو الاتصالية العنفية، وخصوصاً في قرن سلطات وسائل الإعلام، حيث تلتقي عوالم البيولوجيا والغريزة (المتفجرة كثيراً اليوم مع الإعلام وبعدما ساد العقل زمناً طويلاً جداً، وكبتت الغرائز) والقوة والحياة، وتعمل على إيقاظ التغيير الذي لن يرسو أو يركد قبل عقود، بل هل يبدو العرب منبعاً مجانياً لطاقات لم تتفجر بعد؟

كاتب لبناني وأستاذ الإعلام السياسي في المعهد العالي للدكتوراه

=================

"الأقصى" و"الأوسط"... مقارنة بين شرقين

بول كنيدي

أستاذ التاريخ بجامعة "يل"

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"

تاريخ النشر: الثلاثاء 08 مارس 2011

الاتحاد

كتبت هذا المقال، وأنا في طريقي إلى تلك المنطقة من آسيا، التي اعتاد الأوروبيون أن يطلقوا عليها "الشرق الأقصى". عند زيارتي الأولى لسيؤول، عاصمة كوريا الجنوبية، منذ سنوات عديدة، لم يُسمح لي وزملائي من أعضاء الوفد الأميركي المشارك في مؤتمر كان مزمعاً عقده هناك، بمغادرة الفندق، بسبب مظاهرات الطلاب في الشوارع. وعند زيارتي الأولى لطوكيو، لم يُسمح لنا أيضاً بمغادرة الفندق بسبب مظاهرات المزارعين في الشوارع، احتجاجاً على عملية جارية لتوسيع مطار"ناريتا" - تبين فيما بعد أنهم كانوا على حق.

في هذه الأيام تبدو الأمور هادئة في الشرق الأقصى. هناك بالطبع نظام كوريا الشمالية الغريب الذي لا يدري أحد كيف يتعامل معه. وهناك الصين التي تبدو مقتنعة بصيغتها السياسية القائمة على الاستقرار، والاطمئنان، والاقتصاد النامي على الدوام، والقوة العسكرية المتصاعدة. وهناك اليابان التي تخلت عن مركزها الأثير كثاني أكبر اقتصاد في العالم للصين - من دون أن تنتاب شعبها غضبة قومية- وتسعى في الوقت الراهن للمواءمة بين قاعدتها الصناعية القوية، وواقعها السكاني المخيف. أما سنغافورة، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، وهونج كونج، وتايوان، فتمضي جميعها قدماً على طريق التقدم والرخاء.. ثم المزيد من التقدم والرخاء.

وفي أثناء رحلتي ل(قوس الرخاء) هذا تحكي لي الصحف التي ترافقني دوماً في سفري وهي "الفاينانشيال تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، و"الإيكونوميست"، عن قصة أخرى: قصة الاضطرابات والقلاقل التي تنتقل من بلد إلى بلد في الشرق الأوسط. والتي بدأت بتصدع جدار الخوف قليلاً في تونس، ثم انهياره تماماً في مصر، الدولة المحورية في العالم العربي، ما أحدث موجات اهتزازية امتدت عبر منطقة شاسعة تبدأ من الجزائر غرباً إلى البحرين واليمن شرقاً. إننا نعيش الآن في عالم كان يمكن لأديب مثل شكسبير أن يصفه بأنه"عالم مفكك الأوصال".

ففي أميركا اللاتينية تشير كافة التوقعات - إذا استطاعت الحكومات، والبرلمانات، والنخب المتعلمة أن تستوعبها - إلى مستقبل من الازدهار، والرفاهية، والاستقرار. وفي قارة أفريقيا وفي بعض من أكثر بلدانها فقراً، وهي تلك الواقعة جنوب الصحراء، هناك أيضاً بعض المؤشرات على أن المستقبل سوف يكون واعداً. أما أستراليا فهي تتمرغ في الأموال التي حصلت عليها من تصدير المواد الخام، والمواد الغذائية. أما أوروبا فهي تنساب مثل مياه نهر الدانوب الأدنى، متراوحة بين مناطق الرخاء البافاري الإسكندنافي، وبين مناطق المعاناة "الكلتية" واللاتينية حيث توجد اليونان والبرتغال وأيرلندا، ومن الممكن إسبانيا وإيطاليا أيضا.

أما الولايات المتحدة فليس لديها - بصراحة - فكرة عن الوجهة التي ستأخذها؟ فهي أقوى قوة عسكرية في العالم، وصاحبة أكبر عجز موازنة في التاريخ في الوقت نفسه، وهي ودولة وضعت قواتها في المكان الخطأ والزمان الخطأ. وهي دولة لديها رئيس جيد يتم الصراخ في وجهه بغية إسكاته كلما قال شيئاً معقولًا أو شيئاً واقعياً. وصعود ما يعرف بحركة "حفل الشاي"، في أميركا، ليس مؤشراً على أمل بقدر ما هو نذير بالمزيد من الأفعال الغبية من قبل الكونجرس، الذي يبدو، على نحو متزايد، أنه يعيش في عالم منفصل من صنعه. عالم يعيش فيه متوحداً، غير مدرك أن زمن ترومان وأيزنهاور قد ولى، ولن يعود.

باختصار، يمكن القول إن العالم يدخل للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهو يترنح حاملاً على كاهله عديد المؤشرات الدالة على أن الأمور في مجملها لا تمضي بشكل جيد. فهناك احتمال كبير، لوقوع مصر في أيدي "الإخوان المسلمين"، أما الجزائر فهي تمضي مترنحة إلى حيث تقودها قدماها.

وهذه الاحتمالات ليست مؤكدة. إذ من الممكن أن تتحسن أحوال تلك الدول فجأة. فالعالم العربي- الإسلامي قد يستيقظ الأسبوع المقبل ويبدو مثل. دعنا نقول مثل الدانمرك!

في الحقيقة، ليس هناك حل سريع لكل هذه التناقضات الهائلة. فمعدل نمو الاقتصاد الصيني تزايد بنسبة مذهلة هي 10 في المئة. أما الاقتصاد المصري الذي انخفض بفعل الاضطرابات والقلاقل الداخلية فقد ترنح، ثم سقط. فالمحتجون في شوارع القاهرة اليوم لم يعودوا يركضون وراء طغمة النظام السابق ، وإنما يركضون وراء أسعار غذاء رخيصة ومستقرة، وأجور أفضل، ووظائف أكثر، وهي كلها أشياء لا يستطيع نظام مفلس مادياً أن يوفرها لهم. يستطيع قادة مصر الجدد - بالتأكيد - أن يطبعوا المزيد من أوراق البنكنوت الملونة، ولكن عليهم هنا أن يتذكروا أن ذلك هو مافعله ملوك إسبانيا الإمبراطورية، وما فعله سياسيو جمهورية "ويمار" الألمانية وكانت العواقب وخيمة في الحالتين.

أنا في الحقيقة لا أعرف ما هو الشيء الذي يمكن أن أخرج به من كل ذلك. وأي شخص يدعي أنه قادر، وبشكل لا يقبل الجدل، على التنبؤ بمستقبل هذا العالم، لابد أن يكون آفاقاً كبيراً.

فدول العالم تمضي في اتجاهات عديدة، ومختلفة، ولكن المؤكد أن أكبر فجوة موجودة في الوقت الراهن، هي تلك القائمة بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط. على أن ذلك يتطلب مني الافتراض،(وربما يكون ذلك خطأً مني) أن حكومات الصين، وروسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، ستمتلك من سلامة الحس ما يدعوها للتخفيف من حدة خلافاتها بشأن الحدود البحرية، وبشأن مبادلات الأراضي بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث تتمكن تلك الدول في النهاية من العيش فيما يمكن اعتباره - جوهرياً- منطقة من الرخاء المتبادل.

دول منطقة الشرق الأوسط، للأسف، ليس لديها هذا الحظ. فمما لا شك فيه أن هناك في الوقت الراهن مجموعة من التكنوقراط الجادين العاملين في البنك الدولي، أو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعكفون على إعداد تقرير جيد ذي عنوان جذاب مثل"الإصلاح والتعافي في العالم العربي"، يؤكد على أهمية الشفافية، والديمقراطية، وحكم القانون وما إلى ذلك من أمور، لا غنى لأي إصلاح أو تعاف حقيقي عنها.

إنه لأمر طيب في الحقيقة أن يخطر على بال المرء أن الشرق الأوسط يمكن أن يحقق من دون تقلصات شديدة مؤلمة، أو نزيف دماء ما حققه الشرق الأقصى: أي أن يتحول إلى منطقة مستقرة سياسياً، ومزدهرة لحد كبير، لا يشغلها سوى كفاحها الداخلي من أجل التحول نحو الحداثة.

ومثل هذا اليوم يمكن أن يأتي، ولكنني إذا ما كنت رجلاً مقامراً - وأنا بالفعل ذلك الرجل - فإنني سأقول إن كافة الاحتمالات تشير إلى عكس ذلك. فالمنطقة العربية أمامها فترة من الاضطرابات، التي قد لا يتمكن الغرب نفسه من النجاة من الكثير من تداعياتها غير المقصودة. وبما أن الأمر كذلك فلا تسألونني: لمن تقرع الأجراس؟ فلربما تقرع لكم أنتم.

=================

المرحلة الأصعب في ليبيا

تاريخ النشر: الثلاثاء 08 مارس 2011

الاتحاد

أواخر 2006 شاهد معمر القذافي صدّام حسين وهو يشنق فقرر استدعاء الأميركيين ليحمِّلوا كامل "برنامجه النووي" وأوعز بالإسراع في إتمام صفقة التعويضات لذوي ضحايا تفجير الطائرة الأميركية فوق لوكربي. كانت المتاعب العراقية للأميركيين قد بدأت، لكن الزعيم الليبي لم يرد المجازفة والانتظار، فهو يسعى منذ عقد ونصف العقد للخروج من "حصار لوكربي"، ثم إنه كان يعلم جيداً أن ما اعتبر برنامجاً نوويّاً ليبيّاً لم يكن سوى كومة من الخردوات.

بعد استسلامه المبرمج لواشنطن راح العقيد يقوى، تحسنت سمعته وازداد الإقبال الغربي عليه، استبدل زعامة إفريقية بتلك العربية التي ظلت تعصى عليه، حتى أنه بدا في الأعوام الأخيرة كمن يتمتع بمرحلة استقرار وثقة لم يشهدها طوال العقود الثلاثة السابقة التي أمضاها في السلطة. اعتقد أن النجاح في إطلاق عبدالباسط المقرحي من سجنه الإسكتلندي، وإدارته لقضية الممرضات البلغاريات، وصفقته مع برلسكوني لتصفية أثر الاستعمار الإيطالي، وكذلك غضبته على سويسرا وإذلاله لرئيسها، جعلت منه فعلاً نوعاً من "ملك الملوك". لكن المعاملة التي لقيها في نيويورك، حين قصدها عام 2009 لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى، أعادته إلى الواقع، إلى حجمه الحقيقي.

عمليّاً، كان قد بدأ يضعف، إذ بنى كل ما اعتقده قوة على صراعه مع أميركا والغرب، وحين راح ينفتح بدأ ينفضح. فالقوة التي امتلكها دائماً هي مال النفط، وبواسطة هذا المال صنع أوهام العظمة التي جنَّد لها أجهزة أمنية عاتية كانت لها مهمة واحدة أساسية: إدامة الصمت الداخلي. ومع الانفتاح وظَّف القذافي نجله سيف الإسلام في تمثيل خديعة الإصلاح، لعلها تبدو مفيدة في بعض الأوقات أقلَّه للرد على انتقادات خارجية كانت أحياناً تزعج بعض مسارات "البزنس"، على رغم أن أي دولة كبرى تدعي المبادئ والدفاع عن الحريات لم توقف أي صفقة مشترطة احترام حقوق الإنسان. وكل ما كان الابن سيف يوحي بأنه في صدد إنجازه كان الأب يتولى هدمه بلمحة بصر. قيل إن "الحرس القديم" للنظام وضع العراقيل أمامه ليتبين الآن، كما دائماً، أنها إرادة الأب ولا أحد سواه.

بعد أيام من اندلاع الثورة الشعبية بدا أن الولايات المتحدة ضعفت أيضاً، أو أن لديها والعديد من الدول الغربية ضعفاً تجاه نظام انخرطت معه بعقود عمل ومصالح. ولذلك فهي تقارب مسائل التدخل أو فرض حظر جوي بحساسية وحذر بالغين. لا تزال التجربة العراقية في الأذهان، ولا أحد يرغب في تكرارها. لم تكن الحرب الأهلية متوقعة في العراق، ثم إنها انتظرت شهوراً قبل أن تصبح واقعاً يوميّاً معيشاً. أما الآن فإن القذافي وأنجاله استدعوا هذه الحرب وسعوا إليها، ولم يرد في أذهانهم أبداً احتمال التفاوض والتفاهم مع الشعب. فمنذ إطلالته الأولى على التلفزيون الحكومي خلع سيف ثوبه الإصلاحي وخاطب أبناء البلد بالعجرفة والتهديد. وبعد يومين ظهر والده لينعتهم بأقذع الأوصاف. ليس لديه سوى التوبيخ والاحتقار والوعيد للتعامل معهم. وهذا في حد ذاته شكل مؤشر الخسارة والأفول. لم يعد قادراً على ترويج أوهامه، لكنه سيواصل بثها.

في الأسبوع الثاني للثورة حرصت القيادة في طرابلس على استقدام إعلاميين من الخارج "لإظهار الحقائق". ووجد الإعلاميون أنفسهم، كما هي العادة مع تغيير طفيف، محوطين بالمرافقين، ومعوّلين عليهم في تحركاتهم. لكنهم أدركوا أن الحدث، حتى الآن ليس في العاصمة حيث دعوا إلى "تغطية" التظاهرات المؤيدة ل"الأخ القائد" الذي حجز إمكان لقائه للأجانب حصريّاً، لكنه أصر خلال لقائه مع ثلاثة منهم على القول: "لا تظاهرات، فقط الذين يحبونني يتظاهرون". وماذا عن تظاهرات الشرق؟ الجواب جاهز: إنها "القاعدة". هذا ما أراد للغرب أن يعرفه ويصدقه. والجواب الآخر الجاهز هو: ليس لديّ منصب لأتنحى عنه، أنتم لا تفهمون نظامنا... لم يكن مفيداً الاستمرار في الجدل، طالما أن صاحب السلطة ينكرها وليس لديه سوى الغموض والتخيلات يصدّقها ويريد للعالم أن يصدقها.

ظنت القيادة أنها، باستقدامها الإعلاميين، تستطيع أن تبرهن ثبات سيطرتها، وبالتالي تخيير القوى الدولية بين مد اليد إلى القذافي ومدّها إلى خصومه. لكن ما استطاع الإعلاميون نقله هو نفسه ما كان معلوماً قبل وصولهم، فالقذافي ذاهب إلى حرب أهلية لتطويع الشعب واستعادة السلطة على كامل ليبيا، وليس وارداً عنده البحث في عروض الرحيل التي سربت إليه. الأزمة في ليبيا دخلت مرحلتها الأكثر صعوبة ودموية.

=================

نظام القذافي بين إعصار الداخل وضغوط الخارج

المستقبل - الثلاثاء 8 آذار 2011

العدد 3933 - رأي و فكر - صفحة 19

توفيق المديني

مع انطلاقة الثورة الشعبية في ليبيا، وسيطرة الثوار الليبيين على المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، يعيش نظام معمر القذافي نهاية عهده في ليبيا. ولم يرحم جنون القتل الذي يسيطر على الديكتاتوريين حين يصبحون في وضع ميؤوس منه العقيد القذافي، هذا الجزار الجديد، الآكل للحم الشعب الليبي.

في مقارنة مع الثورة الليبية، وما تعرضت له من هيستيريا القمع الدموي والوحشي الذي مارسته كتائب العقيد القذافي، وأجهزته الأمنية، وجزء من جيشه الذي ظل موالياً له، تعتبر الثورات المدنية التي جرت في كل من تونس ومصر نزهة صحية في حديقة. فهنا الزعيم، لا يهرب كما فعل بن علي، ولا يتنحى عن السلطة تحت الضغط المزدوج من الثورة والجيش كما فعل أيضاً حسني مبارك، إنه يمارس هوايته في قتل شعبه .

لقد عاد العلم الليبي الذي كان معتمداً في عهد نظام الملك إدريس السنوسي (1951-1969)، يرفرف من جديد في سماء المناطق المحررة في ليبيا، حيث أصبح سكان بنغازي، وطبرق، ومصراتة، وفي باقي مناطق البلاد، يترحمون على تلك المرحلة التي كانت تعيشها ليبيا. في مطالعة للتاريخ، وللسياسة الليبية بين عهدين، يمكن للقارئ المتأني والموضوعي أن يلمس الفروقات الشاسعة بينهما.

فقد لبى العقيد القذافي مطالب الولايات المتحدة الأميركية والغرب عامة بالكامل وزيادة، حين وضع إمكانيات الخزانة الليبية تحت تصرف السياسة الأميركية في أفريقيا، ولعل آخرها كان في شهر نيسان 2006 عندما أمر العقيد القذافي بتخصيص خمسة مليارات دولار - زيدت إلى ثمانية مليارات دولار سنة 2007 - لصرفها على مشاريع استثمارية في أفريقيا دونما استشارة لل"برلمان" أو "مؤتمر الشعب العام"، وكلف القذافي كلا من بشير صالح (سكرتير قلم القائد) والخبير المصرفي محمد حسين لياس للإشراف على توزيع هذه الأموال. والقذافي لا يفعل هذا حباً في أفريقيا أو الأفريقيين وإنما إرضاءً لأميركا ونكاية في الشعب الليبي، وتوهماً منه أنه يبني قوة عظمى إسمها "الولايات المتحدة الأفريقية" سوف ينصب هو أول رئيس لها مدى حياته.

بينما لا يسعنا إلا أن نذكر هنا أحد المواقف النبيلة والمشرفة للملك إدريس والحكومة الليبية وكان ذلك أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول بالقاهرة فى كانون الثاني 1964 حين تبرعت ليبيا بمبلغ 55 مليون دولار لصالح المجهود الحربي العربي، كان الرئيس جمال عبدالناصر في غاية السرور، مما جعله يقترح أن يكون الضابط الليبي وعضو الوفد الليبي في مؤتمر القمة العقيد الركن رمضان مصطفى صلاح أحد مساعدي الفريق علي عامر القائد العام للقيادة العربية الموحدة وزميلاً للفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري في ما بعد.

وكانت المنطقة الشرقية معقل الحركة السنوسية. ومنذ وصول القذافي إلى سدة الحكم في ليبيا، ازداد عدد ضحايا القمع من تلك المنطقة، إذ تم إعدام 11 معارضاً في بنغازي في نيسان 1984، كما أن آلاف الشهداء الذين قتلوا في الجبل الأخضر، وال1270 الذين قتلوا في تمرد سجن أبوسليم في حزيران 1996، كلهم ينتمون إلى تلك المنطقة.

كانت الشرعية الملكية في عهد السنوسي وحتى القيام بالانقلاب العسكري في عام 1969، تقوم على موالاة القبائل الأكثر أهمية. غير أن ثورة "الضباط الأحرار" التي قادها العقيد القذافي وعدت الشعب بوضع حد لموالاة القبائل، باعتباره يعود إلى عصر آخر. غير أن العقيد القذافي لجأ إلى دعم القبائل من أجل التخلص من رفاق دربه الذين شاركوه في القيام بالثورة. بل إن نظام القذافي على الرغم من البرقع الأيديولوجي (القومية العربية، وسلطة الشعب، ومناهضة الإمبريالية، والصهيونية) الذي تزين به منذ العام 1969، تحول إلى نظام أوليغارشي متخلف يعتمد بصورة أساسية على عائلته، واللجان الثورية، والقبائل الموالية له، لا سيما تلك المنتشرة في المنطقة الغربية من مدينة طرابلس، حيث تعتبر هذه المنطقة مركز الثقل التي يعتمد عليها القذافي. إضافة إلى قبيلته الأصلية القذافة، وقبيلة المقارحة، اللتين تتقاسمان الثروات والمناصب. وقد نجح القذافي نتاج حصوله على الريع النفطي في اللعب على المنافسات والخصومات بين القبائل والعشائر التي يبلغ تعدادها في ليبيا نحو 140، من أجل تدعيم بقائه في الحكم لأطول وقت ممكن.

ونظراً لطبيعة النظام الليبي القمعية لأي معارضة، فإنه من الصعب جداً في الوقت الحاضر، تحديد الوزن الحقيقي للمعارضة الليبية على اختلاف انتماءاتها. وهناك خمس قوى حقيقية تشكل الآن المشهد السياسي الليبي. أولاً: القوى الملكية المنحدرة من الملك إدريس السنوسي، وهي متواجدة بقوة في منافي سويسرا وبريطانيا. ثانياً: القوى القومية العربية المتشكلة منذ السبعينات من القرن الماضي، والتي خذلها القذافي عندما صادر الثورة لمصلحة بقاء حكمه الديكتاتوري، وإثراء عائلته وقبيلته. ثالثاً: القوى الإسلامية، وهي منقسمة إلى تيارين : التيار الأول وتمثله قوى الإخوان المسلمين، والتيار الثاني، وتمثله الحركات الجهادية (المجموعة الإسلامية الليبية المقاتلة، الحركة الإسلامية للشهداء، ومجموعة أنصار الله)، وهي متمركزة بصورة أساسية في منطقة الجبل الأخضر. رابعاً، قوى التحاف الديموقراطي الذي أسسه الزعيم المعارض الليبي منصور الكيخيا الذي اختطفته المخابرات الليبية من فندق بالقاهرة سنة 1993، وأعدمه القذافي، وهو الوحيد الذي يمتلك مشروعاً ديموقراطياً حقيقياً لليبيا، ولدى التحالف الديموقراطي وجود قوي في الولايات المتحدة . أما القوة الأخيرة فتمثلها الحركة الشبابية الليبية التي قامت بتفجير الثورة، إذ يشكل الشباب في ليبيا 60 في المئة من مجموع السكان.

هل تستطيع هذه المعارضة الليبية أن تسقط نظام القذافي المحاصر في طرابلس؟

إن هذا الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على التنسيق بين قوى المعارضة الليبية، وعلى النضج السياسي الذي يجب أن تتمتع به، وعلى مدى قبول هذه القوى المعارضة التي اكتسبت شرعية خارج البلاد، من قبل الذين صنعوا الثورة في الداخل، وعلى قدرة هذه القوى جميعها على بلورة مشروع سياسي وطني وديموقراطي يكون بديلاً لنظام القذافي، ومؤسساً لدولة ديموقراطية فيدرالية في ليبيا قابلة للحياة.

يبدو أن قوى الثورة في ليبيا تتهيأ الآن لبناء جيش التحرير من أجل الزحف على العاصمة طرابلس عبر الصحراء، وتجنب الزحف نحو سرت التي لا تزال المعقل المحصن في قبضة العقيد القذافي. لكن قوى الثورة الليبية لا تزال تتهيب من الإقدام على هذه الخطوة، نظراً لما يمتلكه القذافي من قوى عسكرية برية وجوية قادرة على ممارسة سياسة الأرض المحروقة، وهو الأمر الذي تتخوف منه قوى المعارضة الليبية. وهذا ما جعل عبدالحفيظ غوقة وهو ناطق باسم الثوار في بنغازي يوجه نداء إلى المجتمع الدولي لتوجيه ضربات جوية تدعمها الأمم المتحدة "للمرتزقة الأجانب" الذين يستخدمهم العقيد معمر القذافي لقمع الثورة. وقال غوقة في مؤتمر صحافي في بنغازي إن القذافي "يستخدم مرتزقة أفارقة في المدن الليبية وهو ما يعد من قبيل غزو البلاد" ودعا إلى شن هجمات محددة على معاقل المرتزقة، معبّراً عن معارضته وجود أي قوات أجنبية في ليبيا قائلاً إن هناك فرقاً بين هذا وبين الهجمات الجوية الاستراتيجية.

لقد تزايد الضغط الدولي من أجل إجبار العقيد القذافي على الرحيل، تمثل ذلك في مجموع الإجراءات التي اتخذت أخيراً من قبل المجتمع الدولي، وتمثلت، أولاً: في تقديم القذافي للمحكمة الجنائية الدولية، وهذا يشمل تهديد شخصيات كبيرة بالملاحقة على جرائم ضد الإنسانية. فقد مرر مجلس الأمن الدولي قراراً في نهاية الأسبوع يفوض بالإحالة. وبهذا يكون أي شخص مسؤول عن جريمة دولية في ليبيا منذ 17 شباط 2011 عرضة الآن للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية. ثانياً، تجميد الأصول المالية التي يملكها العقيد القذافي وعائلته في الدول الغربية، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وهذا معناه ضرب النظام الليبي مالياً. ثالثاً: فرض العقوبات على ليبيا من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي يشمل حظر بيع الأسلحة، وتطبيق نظام تفتيش للحمولات، الأمر الذي يقود إلى ضرب تجارة ليبيا مع المجتمع الدولي. رابعاً، دراسة احتمال فرض الحظر الجوي على الأجواء الليبية، وبالتالي التدخل العسكري في ليبيا.

ففي الوقت الذي لا يزال فيه موضوع فرض الحظر الجوي على ليبيا يثيرجدلاً داخل أركان إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما والحكومات الأوروبية، تم إرسال مقاتلات وسفن حربية أميركية ونشرها في المتوسط وتعزيز المنطقة بقوات عسكرية تنتظر أوامر التدخل والتوغل في ليبيا، لا سيما أن العقيد القذافي لا يزال يسيطر عسكرياً على العاصمة طرابلس، وسرت، وسبها، وهي مدينة صحراوية جنوبية وقاعدة جوية يتمتع فيها القذافي بعلاقات عائلية قوية. وتشكل قاعدة "سبها" النقطة الرئيسية التي يستخدمها النظام لاستقدام مرتزقة أفارقة.

أخيراً، يظل التدخل العسكري الأميركي والغربي في ليبيا، سيؤدي إلى كارثة، لجهة تقسيم ليبيا إلى منطقتين، منطقة يسيطر عليها الثوار، ومنطقة تسيطر عليها قوات القذافي، وسيكون بمثابة خنجر مسموم موجه إلى قلوب الثائرين الليبيين والحاملين رايات الثورة والانتفاضة العربية في المنطقة برمتها.

لا يزال رحيل العقيد القذافي يعتمد على مدى تماسك القوى الثورية الليبية ووحدتها، وقدرتها الذاتية على الدفع بالثورة إلى الأمام من أجل التخلص من هذا الديكتاتور العفن، أما المراهنة على تدخل القوى الدولية، لا سيما الأميركية منها، للقضاء على نظام القذافي، فإنه يرهن مصير الوطن الليبي للولايات المتحدة والدول الأوروبية التي دعمت النظام الليبي الفاشيستي في السابق، وغيره من الأنظمة الديكتتورية في العالم العربي.

فما دفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية للمطالبة بفرض عقوبات دولية من أجل الإطاحة برأس الديكتاتورية، العقيد القذافي، وإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية، هو شعورها بفقدان الثقة من جانب شعوبها، وافتقادها السيطرة على قدراتها في المنطقة نتيجة تفجر الثورات العربية، ما يجعلها تفكر في طرق واستراتيجيات جديدة يمكن أن تبقي على سيطرتها على المنطقة العربية.

فالثورات العربية صنعت بأيدٍ عربية، ومن دون الاستقواء بالغرب الذي لا يزال يمارس الازدواجية في سياسته إزاء المنطقة العربية، وعليها أن تبقى هذه الثورات عربية لإنجاز مهماتها في بناء أنظمة ديموقراطية جديدة تقطع مع الماضي الديكتاتوري الذي عاشته الشعوب العربية.

=================

"سري للغاية"

امين قمورية  

النهار

8-3-2011

على ذمة صحيفة "الاندبندنت" البريطانية وكاتبها المعروف بتعمقه في شؤون الشرق الاوسط روبرت فيسك، فان واشنطن طلبت من الرياض مد الثوار الليبيين بالمال والسلاح لتمكينهم من اطاحة العقيد الليبي معمر القذافي، انطلاقا من ثلاثة اسباب: اولها حاجة المعارضة الليبية للدعم الكبير بفعل صعوبة المواجهات على الارض وعدم قدرتها على حسم الامور لمصلحتها بقدراتها الذاتية، وثانيها وجود خبرة سعودية كبيرة في هذا المجال بعدما اضطلعت الرياض بدور استراتيجي كبير بالنيابة عن واشنطن في دعم المجاهدين الأفغان اثناء حربهم على الاتحاد السوفياتي السابق في ثمانينات القرن الماضي ونجاحها الباهر في هذه المهمة، ثم نجاحها في توفير الدعم لحكومة حركة "طالبان" بعد هزيمة السوفيات بالسلاح والأموال، وثالثها تأمينا لرغبة واشنطن في تفادي التورط في حرب جديدة مباشرة في الشرق الاوسط، وهي تعيش تحت وطأة تدخلها الفاشل في العراق والغرق المتواصل في الوحول الافغانية.

الخبر ليس هنا، انما في العرض السخي الذي قدمته واشنطن للرياض في مقابل قيامها بهذه المهمة وصنّف "سري للغاية". وخلاصة هذا العرض ان الولايات المتحدة في مقابل دعم الرياض للمعارضة الليبية، تغض النظر عن اي اجراءات تتخذها المملكة ضد المعارضين والاصلاحيين لديها اذا ما وصلت عدوى الثورات الى اراضيها وقرر الشباب السعودي التمثل بأترابه العرب الآخرين. بمعنى آخر: ساعدونا ايها السعوديون في بعث المعارضة الليبية ونحن نساعدكم في وأد المعارضة السعودية!

حتى الآن تفيد المعلومات ان المملكة لا تزال مترددة ازاء العرض السخي المقدم من واشنطن على رغم قلقها الكبير مما يخبأ لها في ارض المملكة، حيث ان القضية هناك لا تقتصر على مطالب اقلية شيعية تطالب بالحد الادنى من المساواة، انما صارت مرتبطة بفئة واسعة من المجتمع السعودي باتت لا تطيق صبراً على نمط حياتها غير المعقول، وخصوصا ان عشرات الآلاف من نخبها التي تلقت العلم في الخارج تعود الى بلادها سنويا لتعيش في حالة من "الكيزوفرينيا" بين ما رأته وتعلمته في الخارج وما تعيشه في ارض الواقع، اضف الى ما يعانيه هذا البلد من انقسامات عمودية مخفية خطوطها العميقة تحت طبقة رقيقة من رمال الصحراء.

لكن ليس هذا هو المهم ايضا، المهم هو السؤال الذي يطرح نفسه بشدة: لماذا تريد واشنطن للمعارضة الليبية ما لا تريده للمعارضة السعودية؟ ولماذا يحق لهذه المعارضة ما لا يحق لتلك، علما ان مطالب الجميع متشابهة؟

انه النفط يا غبي!

الارجح ان الولايات المتحدة كانت تفضل بقاء القذافي سيداً على كل ليبيا بعد امساكها بمفاتيح سلطاته في السنوات الاخيرة، لكن مع تفجر الاوضاع على نحو غير متوقع باتت تشعر بأن الامر قد يفلت من يدها في هذا البلد الغني بالنفط والغاز والخيرات، وان القذافي حتى ولو ثبت سلطاته في "جماهيرية سرت العظمى" المتمثلة بمثلث سرت - طرابلس - سبها كما يسعى الان، فان ذلك قد يقود ليبيا الى "الصوملة" او "اللبننة"، وكلها خيارات لا تحبذها خشية ان ترتد سلبا على اسواق النفط والاقتصاد العالمي المهتز اصلا. لذا لا خيار امامها سوى مد يدها الى معارضة لا تعرفها في الاساس والعمل على دعمها والبحث عن كرزاي جديد من بينها أملا بتثبيت موطئ قدم سياسي في الارض الليبية يغنيها عن التدخل المباشر. وفي المقابل، إذا نجحت الولايات المتحدة في إقناع السعودية بهذه الصفقة، فإن واشنطن ستؤمن نجاح مهمتها الليبية وستضمن استمرار تدفق النفط اليها من شمال إفريقيا، كما أنها ستحبط أي محاولة لزعزعة استقرار حلفائها في الرياض ودول الخليج العربي وعدم تكرار اية محاولات ل"التغيير" في منطقة تتربع على 60 في المئة من نفط العالم، ولا أحد يعرف إلى أين قد تقود منزلقات انفجارها.

وهكذا فان الحماسة الاميركية للاصلاح والتغيير في الشرق مرتبط دوما بحنفية بئر النفط، فهي لا تدار الا في الاتجاه الذي يضمن وصول هذه المادة الى مصافي الشركات الاميركية.

=================

ثورة المواطنة الديمقراطية العربية مقدمة لزوال اسرائيل

راكان المجالي

الدستور

8-3-2011

في سبعينيات القرن الماضي عندما كان الاتحاد السوفيتي في عز قوته حيث كان في تلك الفترة مناط آمال العرب للوصول الى مخرج من مأزقهم التاريخي وهزيمتهم امام اسرائيل ، وكان المعسكر الاشتراكي هو المعادل للمعسكر الرأسمالي في موازين السياسة الدولية ، وبما يغطي على خلل موازين القوة اقليميا حيث تفوق اسرائيل العسكري وتعنتها السياسي.

في ذلك الوقت زرت الاتحاد السوفيتي وكان رئيس اتحاد الصحفيين السوفيتي يومها هو رئيس تحرير البرافدا وصهر الرئيس بريجنيف الذي وجه لي الدعوة اثناء زيارته لعمان لزيارة موسكو بصفتي نقيبا للصحفيين يومها ، وقد سألني اذا كان لدي مطلب بان اقابل اي مسؤول سوفيتي فقلت له فورا انني اتوق للقاء السياسي المخضرم والبارع اندريه غرومبكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي حينها ، وعندما قابلت غيروميكو وجدت انه مهيأ لان يعطيني من وقته اكثر مما توقعت وطرحت عليه اسئلة وتساؤلات عديدة واذكر منها سؤالا عن السبب الذي دفع الاتحاد السوفيتي لان يندفع في منافسة الولايات المتحدة بالاعتراف بجريمة اقامة الكيان الصهيوني في العام 1948 ، فقال لي ان الاتحاد السوفيتي تعامل مع الموضوع آنذاك من منظور اممي وكانت البلدان العربية في تلك المرحلة كلها تناصب الاتحاد السوفيتي العداء والاهم في رأيه انها بلدان متخلفة واستبدادية ورجعية ، واذكر مما قاله ان بلده كانت ترى الكيان الاسرائيلي الجديد في المنطقة متقدما على حكم امامة حميد الدين في اليمن وفساد فاروق في مصر وكان السوفييت حينها يعتقدون ان الحزب الشيوعي الاسرائيلي القومي وتجربة "الكيبوتس" والتعاونيات في اسرائيل هي اقرب للاشتراكية،،

وقد تذكرت هذا الامر وانا اقرأ قبل ايام ما كتبه مفكر امريكي هو روب شيبرد من ان الغرب نظر دوما الى اسرائيل كنموذج ديمقراطي متقدم وهو جزء من تجليات التجربة الغربية ، وهو يرى ان ثورة الشباب العربي التي طرحت بلدان المنطقة بصورة مغايرة لما كانت عليه قبل بدء التغيير الذي اذهل العالم واعتبر نموذجا ديمقراطيا شعبيا متفوقا على النموذج العربي ولذلك فهو يقول: "ان اخشى ما تخشاه اسرائيل اليوم هو ان ترسخ الديمقراطية في مصر وفي بقية البلدان العربية وهو ما بات حتميا اليوم وذلك بالضرورة سيفرض على الولايات المتحدة ويجبرها ان تتخلى عن دعمها للمشروع الاستعماري الصهيوني العنصري" وفي رأيه ان شعوب العالم والغرب في مقدمتها ستلهمها الثورة العربية تغيير منظومة قيمها لتضغط على حكوماتها او تعيد تشكيلها في الاطار الانساني الذي ولدته الثورة العربية.

وفي كثير مما يقال اليوم في عواصم الغرب تأكيد ان ثورة شباب العرب الكبرى قد بدأت تثير غيرة شباب العالم وحسدهم وتصير نموذجا لهم كما يقول زميلنا امين قموريه حيث ستكون اساس تطور كل المجتمعات هو بلوغ الحياة الكريمة في عوالم تسودها شريعة الغاب المؤكد اننا نشهد اليوم بدايات تكون عالم عربي جديد سيكون موضع احترام واهتمام واعجاب العالم فالوطن العربي الذي كان يوصف بانه آسن ومتعفن قلب كل المعادلات وغير كل الاوصاف ، وهو يتغير بسرعة وهنالك روح جديدة تسري فيه ، ثورته لا تشبهها اي ثورات سبقتها في التاريخ ، ثورة نظيفة غنية بالارادة والتضحية واعلاء المصلحة الوطنية واحترام القانون والملكيات العامة ، والاهم ثورة مستمرة تخاطب الوعي والفهم وتنقيه من الغلو والتبجح والغرائز والشعارات الجوفاء.

من كان يصدق انه سيأتي يوما نشهد فيه عملا سياسيا ، بهذا الحجم وهذه الفخامة من دون ان نعرف من هم قادته وزوجاتهم والاولاد،، ومن دون ان نسمع خطابا واحدا او مطولات انشائية تافهة،، من دون ان نسمع صراخا ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية،، ولانها ثورة شعبية تؤكد انه لا يوجد من هو عصي على التغيير ولانه لا يمكن احتواؤها بالاساليب القمعية الرائجة وبالوعود ولا بالمسكنات ولا بالمناورات السياسية المكشوفة فهي ثورة المواطنة الديمقراطية التي هي جوهر الحياة والسياسة معا ولذلك فان تداعياتها تكون قاصرة على دول متهالكة على خريطة الموازين الاستراتيجية في هذه المنطقة وعلى النظام العالمي ككل.

=================

هزيمة "إسرائيل" في مصر

عبد الحليم قنديل

صحيفة القدس العربي اللندنية

"إسرائيل" هي الخاسر الأعظم في مصر بعد ثورتها الشعبية العظمى، فقد كان الرئيس المخلوع مبارك - بتعبير بنيامين بن أليعازر - أعظم كنز استراتيجي ل"إسرائيل"، وقد فقدت "إسرائيل" كنزها الاستراتيجي.

لا نعني - بالطبع - أن مصر الجديدة سوف تحارب "إسرائيل" في المدى الأقرب، بل نعني - بالدقة - أن مصر من الآن سوف تكف عن الحرب إلى جوار "إسرائيل"، وسوف تنهي عار المشاركة المصرية في دعم المجهود الحربي "الإسرائيلي"، وسوف تدخل علاقات السلام "إياه" إلى نفق أزمة مستحكمة الحلقات.

لا نهون - بالطبع - من فداحة ما جرى عبر ثلاثين سنة مضت، ومنذ أن بدأ تنفيذ ما يسمى "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، فقد جرى نزع سلاح سيناء إلى عمق 150 كيلومتراً، ثم جاءت المعونة الأمريكية الضامنة، فنزعت سيادة قرار السياسة والاقتصاد في القاهرة، وتكون خطان للحدود المصرية، أحدهما عند خط قناة السويس بسيادة عسكرية كاملة، والآخر عند خط الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، وبسيادة منقوصة ثم منزوعة السلاح، وفي الفراغ الواسع المتدرج بين الخطين، بدت السيادة المصرية اسمية، وبدت سيناء كأنها عادت إلى مصر بطريقة مخاتلة جداً، عادت سيناء لمصر على طريقة الذي أعادوا له قدماً وأخذوا عينيه، وبدا كأن الاحتلال العسكري "الإسرائيلي" لسيناء زال، بينما الاحتلال السياسي الأمريكي للقاهرة بدأ، بدت مصر رهينة لأوامر السياسة الأمريكية في القاهرة، ورهينة لحد السلاح "الإسرائيلي" بظلاله على سيناء، وبدا الرئيس المصري السابق بإقامته غالب الوقت في شرم الشيخ، أي في المنطقة منزوعة السلاح المصري بالكامل، وكأنه لاجئ لحماية "إسرائيل"، وهارب من حساب المصريين.

وإلى الآن، وبعد مرور أسابيع على خلع مبارك رجل "إسرائيل" المفضل، لا يبدو من انقلاب جوهري قد حدث، فلا يزال القيد الموروث في معصم مصر، وربما يظل القيد ضاغطاً لمدى مفتوح، وبالتوازي مع ما يجري في القاهرة، فالسلطة الآن للمجلس العسكري، وإلى أن تنتهي فترة الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، لكن المجلس العسكري - رغم ملابسات مقلقة - لا يبدو مستعداً لخدمة "إسرائيل" كما كان مبارك، واستجاب بسرعة لنداءات إعادة فتح معبر رفح لفك حصار الفلسطينيين، وإن كان الفتح لا يزال جزئياً، وليس كاملاً ودائماً، كما يطالب الوطنيون المصريون، وفي قضية تصدير الغاز المصري ل"إسرائيل"، بدا المجلس العسكري أقل مبالاة بمخاوف "إسرائيل"، فقد هرب ملياردير تصدير الغاز حسين سالم المقرب من مبارك، وصدر قرار بضبطه وإحضاره وتقديمه للمحاكمة، وأوقف تصدير الغاز لأجل غير مسمى، ثم جرت معركة ذات طابع رمزي لا يخفى، تمثلت في دواعي قرار السماح من عدمه بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين لقناة السويس إلى ميناء طرطوس السوري، وظهرت كثافة الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" لمنع العبور، لكن المجلس العسكري قرر إعطاء الإذن بالعبور في النهاية، ووضع مبدأ السيادة الوطنية المصرية فوق اعتبارات التجاوب مع رغبات تل أبيب وواشنطن.

نعم، تبدو الخطوات صغيرة من زاوية نظر الوطنية المصرية، وربما تقبل الانتكاس والتعثر، لكن الاتجاه العام لتيار الحوادث في مصر له دلالة لا تخفى، وبالنسبة ل"إسرائيل" بالذات، فإن الخسارة تبدو مؤكدة، والسبب ظاهر، فمع انفتاح الحياة السياسية المصرية، وفسح المجال لحرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات، واسترداد حريات التظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، والاتجاه لانتخابات حرة بعد نهاية الفترة الانتقالية، فسوف يزيد الالتفات إلى تشوهات العلاقة مع "إسرائيل"، وسوف تدخل القيود المترتبة على ما يسمى معاهدة السلام إلى ساحة الجدل السياسي والانتخابي الساخن، وبصرف النظر عن وجود اتجاهات ليبرالية "مارينزية" الهوى، لا تريد فتح ملف العلاقة مع "إسرائيل"، وتريد أن تتخفى بعداوتها الظاهرة لعروبة مصر، رغم وجود هذه الاتجاهات، وأغلبها مجرد ثمرة مرة للاختراق والتمويل الأجنبي والأمريكي بالذات، ومسنودة بمليارديرات المعونة الأمريكية، رغم وجود هذه الاتجاهات والاختراقات، فإن تأثيرها الإجمالي العام يبدو محدوداً، ولا يقارن - في الوزن والتأثير - بالتيارات الإسلامية والناصرية والقومية واليسارية والليبرالية الوطنية، فثمة إجماع وطني - شبه كامل - على رفض الآثار المترتبة على كامب ديفيد، وبين المرشحين المحتملين للرئاسة، لا يوجد سوى شخص واحد - هو محمد البرادعي - تحوطه علامات استفهام بالخصوص، فقد تجنب على الدوام أي سؤال عن مصير ما يسمى معاهدة السلام، وعن علاقات التبعية لأمريكا، ويكتفي بهمهمات وطنية عامة، أو بالحديث عن سلم أولويات ديمقراطي، وصحيح أن قضية الديمقراطية ملحة وعاجلة، لكن الكسب الديمقراطي - بذاته - يفسح المجال لقضية مصر الوطنية، فمصر بلد عربي وحيد المثال، هي البلد العربي الوحيد الذي تكون قضيته الذاتية هي قضية القومية العربية بامتياز، ولو لم تكن القومية العربية موجودة فرضاً، لخلقتها الوطنية المصرية خلقاً، وفلسطين - في الضمير العام - هي قضية وطنية مصرية، ووجود "إسرائيل" في ذاته أعظم خطر على الوجود المصري في ذاته، وكلما أعادت مصر اكتشاف نفسها، نطقت بالعربية الأفصح، وبالذات مع حوادث التاريخ وقوارعه الكبرى، وقد كانت الثورة الشعبية المصرية المتصلة فصولها هي حادث التاريخ المدوي، بعد ثلاثين سنة من الانحطاط التاريخي، والاغتراب عن مشهد العالم، وعن سباق العصر، وزحام أممه.

والمحصلة تبدو على النحو التالي، فقد افتتحت ثورة مصر عصراً جديداً، أخذت قبساً من الشرارة التونسية، لكن النيران حين سرت في مصر، فقد تحولت إلى زلزال استراتيجي، وتوالت ثورات عربية على "الموديل" المصري، بشعاره العبقري العفوي "الشعب يريد إسقاط النظام"، جرى الزلزال في مصر، وتوالت توابعه وأصداؤه مشرقاً ومغرباً، من اليمن إلى ليبيا، ومن العراق إلى الجزائر، ومن الأردن إلى سلطنة عمان، ومن البحرين إلى المغرب، بدت الثورات ديمقراطية في شعاراتها المباشرة، لكنها - تحت السطح المباشر - ثورات لاستعادة الكرامة للأوطان، وعلى حساب تفكيك الأوثان، وصحيح أن المخاطر واردة، ومساعي الالتفاف جارية، والمحاولات الأمريكية متصلة للاحتواء بعد المفاجأة الصاعقة، وفي مصر تبذل الإدارة الأمريكية جهوداً مضاعفة للاحتواء، وتحاول التخفي بوجهها القبيح، وتمزج إغراءات المعونات مع ادعاءات التعاطف، لكن المجرى الرئيسي لحركة التاريخ يتفهم الحقائق بتلقائية مدهشة، ويدرك أن "ثورة الكرامة" تتناقض في الجوهر مع الاحتلال الأمريكي للقرار السياسي المصري، وقد تحاول أمريكا أن تخفف من حساب الخسائر، لكنها - على الأغلب - لن تبلغ المراد بالضبط، فالشعور الشعبي المصري جارف في قضية العداء ل"إسرائيل"، واندماج أمريكا الاستراتيجي مع "إسرائيل" يرشحها إلى مزيد من الخسارة، وصحيح أن المجلس العسكري أعلن احترامه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقصد إرسال إشارة اطمئنان بصدد مصير ما يسمى "معاهدة السلام" وهو ما يفعله في العادة أي نظام يعقب ثورة، لكن المجلس العسكري مجرد وكيل مؤقت، ونائب مؤقت عن الأصيل الذي هو ثورة الشعب المصري، وحين تنفك مصر من قيودها، وهي تنزعها الآن، فسوف يكون مصير معاهدة السلام على المحك، وبواحد من طريقتين في ما نرجح، إما أن تطرح القيود المترتبة على المعاهدة لاستفتاء شعبي عام، كما يطالب الناصريون والإسلاميون، وإما أن يجري القفز على المعاهدة نفسها، وبناء نسق جديد من التفاعلات في السياسة المصرية، يسقط أولوية "إسرائيل" في الحساب، ويعيد فلسطين إلى الصدارة كقضية مركزية للأمة، وقضية مركزية للوجود المصري في ذاته.

يبقى أننا لا نغفل خطورة اختراقات أمريكية و"إسرائيلية" واسعة في مصر عبر ثلاثين سنة، ربما الجديد أن اكتساح الاختراق وارد جداً، وبقوة دفع ثورة شعبية عظمى، تعيد النجوم لمداراتها، وتعيد مصر للمصريين، وتستعيد مصرية مصر التي هي ذاتها عروبة مصر.

===============

هذه ثورات شعبية علمانية...

روبرت فيسك - «الاندبندنت»

 الدستور

8-3-2011

مبارك ادعى أن الإسلاميين هم من يقف خلف الثورة المصرية. بن علي قال الشيء ذاته في تونس. السلطات البحرينية اكتشفت أن يد حزب الله الملطخة بالدماء هي المسؤولة عن انتفاضة الشيعة هناك ، حزب الله يعني إيران. كيف يخطئ رجال مثقفون في فهم الأمر إلى هذا الحد؟ بعد مواجهة سلسلة من الانتفاضات المدنية - البحرين لا تندرج كثيرا ضمن هذا السياق - يلقون باللوم على الإسلام الراديكالي. الشاه ارتكب خطأ مماثلا بصورة معكوسة. بعد أن واجه انتفاضة إسلامية واضحة ، ألقى باللائمة على الشيوعيين.

أوباما وكلينتون نجحا في القيام بتغيير أكثر غرابة. بعد أن دعموا الديكتاتوريات "المستقرة" في الشرق الأوسط في البداية - في الوقت الذي كان عليهم فيه أن يقفوا إلى جانب الديمقراطية - قرروا دعم المطالبات المدنية بالديمقراطية في العالم العربي في وقت تحرر فيه العرب بشكل واضح جدا من وهم نفاق الغرب ، لدرجة أنهم لا يرغبون بأن تكون أميركا في صفهم. قال لي طالب مصري في ميدان التحرير الأسبوع الماضي: "تدخل الأميركيون في بلادنا لمدة ثلاثين عاما في ظل حكم مبارك ، دعموا نظامه وسلحوا جنوده. الآن ، سنكون شاكرين لهم اذا توقفوا عن التدخل بشؤوننا". نهاية الأسبوع ، سمعت آراءا مماثلة في البحرين. قال لي أحد الممرضين: "نحن نتعرض لإطلاق نار من أسلحة أميركية على أيدي جنود بحرينيين دربتهم أميركا ، وهم يعتلون دبابات أميركية الصنع. والآن يريد أوباما أن يكون الى جانبنا؟".

أحداث الشهرين الماضيين وروح التمرد العربية المعادية للأنظمة الحاكمة - من أجل الكرامة والعدالة ، وليس لإقامة إمارة إسلامية - ستبقى في كتب التاريخ خاصتنا لمئات السنين. وستتم مناقشة فشل معتنقي الإسلام الأكثر تعصبا لمدة عقود. كانت هناك حدة في الفيديو الأخير للقاعدة ، الذي تم تسجيله قبل الإطاحة بمبارك ، والذي أكد على الحاجة الى الإسلام للانتصار في مصر: ومع ذلك ، تمكنت قوى مصر المدنية والوطنية والشريفة ، الرجال والنساء المسلمين والمسيحيين ، من التخلص من الرجل الهرم دون أي مساعدة من "شركة" بن لادن. بل إن الأغرب كان رد فعل إيران ، والتي أقنع قائدها الأعلى نفسه بأن نجاح الشعب المصري كان نصرا للإسلام. إنها فكرة خطيرة أن تعتقد القاعدة وإيران وأبغض أعدائهما ، الديكتاتوريون العرب المناهضون للإسلاميين ، بأن الدين هو السبب خلف الثورة الضخمة للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية.

المفارقة الأكثر دموية في كل هذا - وهو ما اتضح لأوباما بصورة بطيئة - هو أن الجمهورية الإسلامية في إيران كانت تمتدح ديمقراطيي مصر بينما تهدد بإعدام قادة المعارضة الديمقراطيين.

إذن فهو ليس أسبوعا عظيما بالنسبة "للإسلاموية". هناك مشكلة خفية بالطبع. تقريبا ، ملايين المتظاهرين العرب الذين يتمنون التخلص من عباءة الاستبداد التي ملأت حياتهم - بمساعدتنا من الغرب - بالذل والخوف ، هم مسلمون في الواقع. والمسلمون - بعكس الغرب "المسيحي" - لم يفقدوا إيمانهم. لقد قاموا بعمل هجوم مضاد تحت وطأة حجارة وعصي شرطة مبارك القتلة ، صارخين "الله أكبر" لأن ذلك في الواقع كان "جهادا" بالنسبة لهم - ليست حربا دينية وإنما كفاح من أجل العدالة. عبارة "الله أكبر" والمطالبة بالعدالة منسجمتان تماما. وذلك لأن الكفاح ضد الظلم هو الجوهر الحقيقي للقرآن.

لدينا حالة خاصة في البحرين. الأغلبية الشيعية هنا تحكمها أقلية سنية مسلمة تؤيد الملك. حسنا ، يمكن للغرب - في دعمه المتراجع لملك البحرين - أن يشير على الأقل الى حقيقة أن البحرين تمتلك برلمانا كما هي الحال في الكويت. إنه برلمان قديم كئيب ، استمر من 1973 الى 1975 حين تم حله بصورة غير دستورية ، ثم تم إحياؤه في 2011 كجزء من مجموعة "إصلاحات". ولكن اتضح أن البرلمان الجديد يفتقر للتمثيل أكثر من الأول. سياسيو المعارضة تعرضوا للمضايقة على أيدي قوات أمن الدولة ، جرى تقسيم الحدود البرلمانية لضمان سيطرة الأقلية السنية عليه. في 2006 2010و ، على سبيل المثال ، فاز الحزب الشيعي الرئيسي في البحرين ب 18 مقعدا فقط من أصل ,40 في الواقع ، من الواضح أن هناك شبه بما حدث في أيرلندا الشمالية من المنظور السني في البحرين. أخبرني العديد بأنهم يخافون على حياتهم وبأن العصابات الشيعية ستقتلهم وتحرق منازلهم.

كل هذا خاضع للتغيير. سيطرة سلطة الدولة يجب أن تحظى بالشرعية لتصبح فاعلة ، واستخدام الرصاص الحي لقمع مظاهرة سلمية في البحرين سينتهي إلى سلسلة من الأيام الدموية. حالما يتعلم العرب التحرر من خوفهم ، يمكنهم أن يطالبوا بالحقوق المدنية التي طالب بها الكاثوليك في أيرلندا الشمالية في مواجهة وحشية الشرطة. في النهاية ، اضطر البريطانيون الى الإطاحة بحكم الاتحاديين وجلب الجيش الجمهوري الأيرلندي لينضم الى الحكم المشترك مع البروتستانت. المقارنة ليست صحيحة تماما والشيعة لا يملكون ميليشيا (حتى الآن) ، رغم أن الحكومة البحرينية قد عرضت صور مسدسات وسيوف - وهي نادرا ما كانت أسلحة هامة بالنسبة للجيش الجمهوري الأيرلندي - كي تدعم رأيها القائل بوجود "إرهابيين" في صفوف خصومها.

لا حاجة للقول بأن هناك معركة طائفية في البحرين بقدر وجود معركة مدنية ، وهو أمر اعترف به ولي العهد عفويا عندما قال في البداية أن من الواجب على قوات الأمن قمع المتظاهرين لمنع العنف الطائفي. اذا نجح الشيعة بالتغلب على الدولة في البحرين يمكن أن يصاب الشيعة في السعودية بالغرور. حينذاك ، سوف نسمع حقا صوت قادة الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران.

ولكن يجب ألا يُنظر الى هذه الانتفاضات المرتبطة ببعضها في إطار هيجان بسيط في الشرق الأوسط. الانتفاضة اليمنية ضد الرئيس صالح (الذي يحتكر السلطة منذ 32 عاما) ديمقراطية ، لكنها أيضا قبلية ، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تقوم المعارضة باستخدام الأسلحة. اليمن عبارة عن مجتمع مسلح بشدة ، فيه قبائل تحمل الرايات وينتشر فيه الوطنيون بكثرة. علاوة على ذلك ، هناك ليبيا.

القذافي غريب الأطوار للغاية ، نظريات كتابه الأخضر منافية للعقل ، كما أن حكمه وحشي للغاية (يحكم البلاد منذ 42 عاما) وهو أشبه بفرعون على وشك السقوط. مغازلته لبيرلسكوني ، - وعلاقته الحميمة مع توني بلير ، وامتداح جاك سترو "الحنكة السياسية" للمختل الليبي - لن تنقذه أبدا. هذا الرجل البائس المزدان بميداليات تفوق ميداليات الجنرال أيزنهاور يهدد شعبه بعقاب "رهيب" بسبب معارضتهم لحكمه. هناك أمران يجب تذكرهما عند الحديث عن ليبيا: أنها دولة قبلية كاليمن ، وبأنها شنت ، خلال ثورتها ضد حكامها الإيطاليين الفاشيين ، حرب تحرير شعواء واجه خلالها قادتها البواسل حبل المشنقة بشجاعة لا تصدق. القذافي أحمق ، لكن هذا لا يعني أن شعبه أحمق.

اذن ، فهو تغير هائل في عالم الشرق الأوسط ، سياسيا واجتماعيا وثقافيا. سوف يخلق الكثير من المآسي وينعش الكثير من الآمال ، ويريق الكثير الكثير من الدماء. ربما الأفضل هو تجاهل جميع المحللين والباحثين الذين يهيمن "خبراؤهم" الحمقى على القنوات الفضائية. اذا كان ممكنا الإطاحة بالديكتاتوريين في أوروبا - أولا الفاشيون ، ثم الشيوعيون - فلم لا يكون الأمر كذلك في العالم العربي الإسلامي الكبير؟ وللحظة فقط ، أبقوا الدين بعيدا عن هذه المسألة.

=================

نساء الأردن شفاء

بقلم : جلالة الملكة رانيا العبدالله

الجمعية الاردنية للعلوم والثقافة 8/3/2011

نظرت إلى يدها وقالت "ما بندم إنو تعبنا, ولا إني بعت دبلتي, بيكفيني إنو حياتنا تغيرت".

 "أم مجد" استبدلت دبلتها بوعدٍ قطعته لزوجها بأن يسيرا جنبا الى جنب. اكمل "ابو مجد" تعليمه الجامعي ليوفر حياة فضلى لعائلتهما. لم تشعر يوماً أن يدها عارية, لأن ساعديها دائما الحراك; في الحقل, وفي دكانها الصغير .. وفي المساء, تتشابك أصابعها مع أصابع صغارها وهي تراجع لهم دروسهم.

اسمها "شفاء".. وهي كذلك.. بلسم لزوجها وأولادها. وكل من يجلس معها - ولو لوهلة- لا يستطيع إلا أن ينصت إليها, ويستلهم من عزيمتها وهمتها.

اليوم, يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي. المرأة التي لا تلد للأردن بناتا وأولاداً فحسب .. بل تهدي الوطن نساء ورجالا يشار إليهم بالبنان, متميزين بعلمهم وهمتهم وقدرتهم على تحسين حياة من حولهم.

نحتفل بأردنيات جدّات وعمّات وخالات وأمهات .. نساء يجمعن بين منزلهن وعملهن دون أن ترجح كفة على الأخرى... وفي هذا اليوم الذي يتحدث فيه العالم عن إنجازات وتحديات المرأة, أتوقف لحظة لأقول لجميع الأردنيات "شكراً".

شكراً على كل لحظة قوة منحنني إياها.. نساء توجهت للاستماع لاحتياجاتهن بأمل مساعدتهن, وإذ بي استلهم منهن الصبر والعزيمة. نساء عندما أتردد أمام التحديات, استذكر قصصهن كنماذج نجاح كي لا أتعثر. نساء في حديثي عن الأردن, أردد إنجازاتهن بفخر.

كثيرة هي قصص النساء اللواتي ألتقيهن في وطننا الغالي, في مدننا وقرانا .. من إمرأة تحيك الأثواب بيديها إلى قاضية تحكم بميزان العدل .. من استاذة تحاضر في صفوف جامعاتنا إلى معلمة في صفوف محو الأمية. كل واحدة بطريقتها وعطائها تعبِّد الطريق لغيرها. نساء لا ينظرن إلى طول الطريق الذي يقطعن ولا يثني عزيمتهن, لكن من يتتبَّع خطاهن يرى وعورة الطريق وحجم الإيثار, وأنا أراهما أيضاً.

أرى العطاء مرسوماً برقة على شفاههن المبتسمة, والإنجاز منقوشاً بكبرياء على جباههن العالية.

اليوم مئوية يوم المرأة, وهو أيضا يوم الرجل المؤمن بأن النساء لسن نصف المجتمع بتعدادهن فحسب, بل لأن نضج المجتمع لا يكتمل إلا بهن وبعطائهن.

كل عام ونساء أردننا بخير وفي عزيمتهن وطموحهن وعطائهن "شفاء" وكل عام وبلدنا بهن وبرجاله عامر.

================

مخاطر السكوت على ما يجري في ليبيا

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

8-3-2011

معجز، هذا الزعيم، عميد الزعماء العرب والافارقة ملازم الاشارة، الذي صار عقيدا، في يوم وليلة واصبح فرعونا، يقول لشعبه، يمكنكم ان تغادروا جميعا البلاد، وانا الباقي الى الابد، ويأخذه الوهم، انه كلما سفك من دماء شعبه وازهق من ارواح الليبيين، كلما ذاب الليبيون في حبه، لانه بحسب رأيه المجد والعزة والكرامة، لانه لا يرى ان شعبه مصدر المجد والعزة والكرامة.

لقد استنفد القذافي صبر شعبه على مدى اربعين عاما، واستنزف ثروات ليبيا النفطية، وعمم الفقر والبطالة على شعبها وشبابها، وأقام نظاما فوضويا قام على خليط من الافكار الخارجة عن المألوف والصادمة في كثير من الاحيان كما تبنى جملة من المواقف والاهداف التي جعلت نظامه مدانا بالارهاب والاطوار الغريبة، ولم يستغل ثروة النفط الا في تدعيم منظومة الاستبداد وحماية نظامه.

ويأبى نيرون العرب، الا ان يضيف كل يوم سوأة جديدة الى سجله الدامي، الذي ازهق فيه، آلاف الارواح البريئة، تارة في تفجيرات دامية بالطائرات واخرى لجرائم جماعية في السجون، واخرى لتصفيات دموية للمعارضة الى ان اوصله الجنون، الى تهديد شعبه بمواجهتهم، بملايين المرتزقة يشتري خدماتهم من شتى بقاع العالم، وتهديد الليبيين بأن يطاردهم من بيت الى بيت ومن مدينة الى مدينة ومن شارع الى شارع، بالطائرات والمدافع الحربية، والجيش الأمني الذي يقوده ابناؤه ولم يبقَ حوله سواه، وبالجرائم البشعة التي تأتي على شكل غارات بالدبابات والاسلحة الثقيلة، يفاجئ بها شعبه كل صباح من مدينة الى اخرى، ومع ذلك يدعي انه لم يطلق النار على شعبه، وان القتلى ماتوا من تعلقهم وحبهم له.

وينادي الزعيم الاعجوبة، ثورة ثورة والى الأمام ضد من، ضد المواطنين العزل، الذين رضخوا لحكمه اربعين عاماً، وتحملوا غرابة اطواره، وما ألحقه بهم لسنوات طويلة، من الارهاق والحصار والبطالة وتبديد امكانات البلاد.

وها هي؛ احداث ليبيا، تستفز المجتمع الدولي وتدفع باتجاه رأي عام دولي، وقرارات دولية لمحاصرة نظامه، وادانته بجرائم ضد الانسانية، وتحركات عسكرية، قد تنتهي بتدخل دولي يدمر آلته العسكرية، ويتركه عارياً امام شعبه، ليلقى المصير الذي يستحقه امثاله من قتلة الشعوب والمستبدين بأقدارها، ومصيرها.

الا ان المحزن، عجز النظام العربي، وتردده وقلقه وعدم قدرته على التعامل بما يجب مع جرائم القذافي، او اتخاذ قرار صريح يدين قصف المدن والقرى، والمظاهرات السلمية، بالطائرات والمدافع.

يستحق الشعب الليبي وقفة عربية واضحة تنتصر لشهدائه، ولآمال المواطنين بالتحرر والصبر وتضحية ابنائه.

وبدون ذلك، يكون السكوت العربي، موقفا لصالح مرتكبي الجرائم بحق الشعب الليبي، وتجاهلاً لاستغاثة الليبيين المقهورين بالظلم والاستبداد.

نخشى ان يدفع القذافي ليبيا الى احدى الحالتين وكلاهما اسوأ من الاخرى، اما الانقسام والحرب الاهلية او التدخل الاجنبي، الذي قد يصادر حرية الشعب الليبي، ويعرض ثرواته للخطر، فإلى متى يبقى النظام العربي غائباً، وماذا ينتظر؟

=================

الشباب الفلسطيني و«الفيس بوك»

ابراهيم العبسي

IBRAHIM.ABSI@YAHOO.COM

الرأي الاردنية

8-3-2011

تداعى عدد غير قليل من الشباب والناشطين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية عبر «الفيس بوك» للاتفاق على دعوة الشعب الفلسطيني لمشاركتهم في الشعار الذي اطلقوه في الثامن والعشرين من فبراير الماضي» الشعب يريد انهاء الانقسام» في الضفة والقطاع وتحقيق الوحدة الفلسطينية. وسرعان ما اخذ هذا الشعار طريقه في اوساط الشعب الفلسطيني وانضمت اليه اعداد غفيرة من الشباب الذين راحوا يتناقلون ويتواصلون تحت هذا الشعار» الشعب يريد انهاء الانقسام». واذ تعاظمت هذه الدعوات، دخلت على الخط مجموعات جديدة راحت ترفع شعارات مختلفة مثل « الشعب يريد انهاء الاحتلال و» تصور شعبي شبابي» و «مؤتمر الشباب الفلسطيني» في محاولة لتمييع هذا المطلب الذي دخلت عليه بعض الفصائل الفلسطينية من اجل اجندتها الخاصة، الامر الذي ترتب عليه ظهور الانقسامات والاختلافات في الصف الفلسطيني، الى ان تدخلت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين واقترحت شعار «الشعب يريد انهاء الانقسام والاحتلال» فاطمأن الجميع الى ذلك وان ظلوا يتجادلون في ان «انهاء الانقسام اولا ثم انهاء الاحتلال» وهكذا راح الشباب يتواصلون تحت هذا الشعار « الشعب يريد انهاء الانقسام والاحتلال» الذي يبدو انه ما زال مصرا على المراوغة والمماطلة في الانسحاب من الضفة والقطاع، كما يرفض وقف الاستيطان ويواصل تهويد القدس، ويستمر في نهب وسرقة الاراضي الفلسطينية واقامة المستوطنات فوقها، اضافة الى الاضاليل والكاذيب التي يحاول المحتلون

وفي مقدمتهم نتنياهو خداع وايهام العالم، بان اسرائيل ترغب في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وانها مستعدة للموافقة على اقامة دولة فلسطينيية ذات حدود مؤقتة، ما يعني بقاء الاراضي الفلسطينية عرضة للنهب والسرقة والاقتطاع لحساب عمليات الاستيطان الصهيونية وما يعني تحكم الاحتلال الصهيوني بهذه الدولة وفقا للاطماع والمخططات الصهيونية التي خبرها الشعب الفلسطيني.

مثل هذا الوضع يستوجب انهاء الانقسام الفلسطيني والعودة الى الوحدة الفلسطينية التي ستكون المدخل الاكيد للانسحاب الصهيوني من الاراضي الفلسطينية المحتلة التي توافق المجتمع الدولي على ضرورة انسحاب الاحتلال الصهيوني منها الى خط الرابع من حزيران 67 و اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس.

اما شعار «الشعب يريد انهاء الانقسام وانهاء الاحتلال» فمن المقرر ان ينزل من صفحات «الفيس بوك» الى الشارع الفلسطيني في ذكرى يوم النكبة الخامس عشر من ايار / مايو القادم، والذي سيندفع فيه الشعب الفلسطيني الى الشوارع والساحات والميادين مطالبين بانهاء الاحتلال

وانهاء الانقسام الفلسطيني الذي لا ذنب لهم فيه واعادة اللحمة الى الوحدة الوطنية الفلسطينية التي من شأنها ارغام الصهاينة على اعادة النظر في احتلالهم بعد كل هذه المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وانهاء هذا الاحتلال، خصوصا اذا ما انضم المجتمع الدولي واللجنة الرباعية والدول العربية الى هذا المطلب العادل الذي لم يعد السكوت عليه مقبولا لدى الشعوب العربية في زمن الثورات والمتغيرات التى تواصل الانفجار في المنطقة العربية من اجل الاصلاح والعدالة والحرية والتحرير. فقد تغيرت شروط اللعبة في المنطقة العربية ،ومن المؤكد ان يرضخ الكيان الصهيوني لهذه الشروط التي لم يعد الخوف واردا فيها.

=================

أين أنتم يا شباب سورية من كل ما جرى ويجري في الساحات العربية ؟

محمد فاروق الإمام

2011-03-07

القدس العربي

في منظر مهيب وسط اكتظاظ ميدان التحرير بالقاهرة بمئات الألوف من شباب مصر وقف رئيس الوزراء المصري المكلف عصام شرف على منصة وسط أمواج من الشباب الهادر بشعارات الثورة التي أطاحت بطاغية مصر حسني مبارك، مخاطباً جماهير ثورة 25 كانون الثاني أنه (قدم إلى الميدان لأنّه كُلِّف بمهمة تحتاج إلى إرادة وصبر، ولا يوجد مكان أكثر من ميادين التحرير في كل مصر ليُستمد منها الصبر والعزم).

وقال شرف: (لذلك المهام الملقاة على عاتقي، والتي أحاول أن أحققها، هي طلباتكم، وأبذل كل جهدي في سبيل ذلك، وفي الوقت الذي لا أستطيع أن أحقق فيه طلباتكم فسأكون معكم وليس هنا).

وتابع شرف قائلاً: (أنتم أنهيتم الجهاد الأصغر وأمامكم الجهاد الأكبر وهو أن تستعيدوا مصر، فأنتم قمتم بشيء عظيم جداً والشيء الأعظم أن نعيد بناء مصر إنشاء الله)، مشدداً على (ضرورة بناء مصر الحرية، حيث الرأي خارج السجون، وأن يكون أمن المواطن في القمة، وأن تكون أجهزة الأمن في خدمة الوطن والمواطن). وختم شرف متوجهاً إلى المعتصمين في ميدان التحرير: (هناك طلبات كثيرة سنعمل عليها، وأدعو الله أن ييسّر أمري وأن أستحق ما أكرمني به، وارفعوا رؤوسكم فأنتم مصريون).

نعم آن لشباب مصر بعد سنوات عجاف من العبودية والذل والمهانة والفقر والبطالة أن يفخروا بمعجزة حققوها بصبرهم وجلدهم وثباتهم وتضحياتهم معجزة ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني التي نقلت مصر من بلد مستعبد إلى بلد حر ترفرف في سمائها رايات العزة والكرامة، ويفخر أهلها بأنهم مصريون.

شباب العرب يتطلعون بعيون تصبو لفعل ما فعله شباب مصر ولفعل ما فعله شباب تونس.. شباب العرب الذين لا يزالون يرزحون تحت نير ظلم الطغاة والمتجبرين والفاسدين في بلادهم، حيث يذوقون مر العذاب والقمع والإرهاب يتطلعون لاقتباس وهج ثورة شباب تونس وشباب مصر وينقلوا بلدانهم إلى مصافي الدول التي تنعم شعوبها بالحرية والكرامة والعزة وإنسانية الإنسان.. فهبت جماهير الشباب في ليبيا، وهبت جماهير الشباب في اليمن، وهبت جماهير الشباب في العراق، مقدمين أرواحهم وقوداً للتغيير والإطاحة بأنظمتها الشمولية المستبدة المستأسدة على شعوبها والخانعة لأعداء الأمة، ولا تزال ساحات مدن هذه البلدان تدور فيها المجابهات بين أنظمة متهالكة على كرسي الحكم ومتشبثة بصولجان السلطان، وبين شباب متطلع إلى الحرية والانعتاق من زنازين القهر وأقبية التخلف.

وأمام هذا المشهد الرائع الذي شهدناه في ميدان التحرير بالقاهرة يوم الجمعة الماضية، وقد حقق شباب مصر انتصارهم على مافيا النظام الاستبدادي وبلطجيته.. لابد من أن نستذكر سورية ونستنهض شبابها ونستنهض فيهم العزة والكبرياء والكرامة (الشعب السوري ما بينداس) وآن له أن ينفض عن كاهله غبار السنين العجاف (48 سنة).. سنين القهر والذل والتفقير والتجهيل والتخلف، فالأمم تحيا بشبابها وتتقدم بسواعد فتيانها، وشباب سورية هم الأجدر في قيادة مسيرة التغيير وكسر حاجز الخوف لطالما أن دمشق الفيحاء كانت على الدوام قلب العروبة النابض وشريان حياة الأمة الذي كان ينبض بدماء الشباب على مر العصور والأحقاب، وإذا ما تعثر كل هذه السنين فلابد له من النهوض ليجلي ظلمة هذا الليل الطويل ويعيد لغوطة دمشق ربيعها ولسماء دمشق صفاءها، ويتقدم المسيرة مسيرة التغيير في الوطن العربي ليعود هذا الوطن أمة واحدة إذا ما اشتكى عضو من علة في تطوان راح صداها يهز بغداد.

فإذا ما تمكن النظام السوري لفترات من التلاعب بعواطف الناس والشارع العربي بوهم مواجهة الاحتلال الأمريكي والتضامن مع المقاومة الفلسطينية ودعم المقاومة الوطنية في لبنان، ورفع شعار خيار المواجهة والصمود والتصدي والتحدي والتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، عبر إعلام كاذب رخيص يردد اسطوانة مشروخة ممجوجة على مدار الساعة باتت لا تجد عند الجميع آذاناً صاغية وقد سقطت كل أوراق التوت عن عورات هذا النظام، فالسكون الذي يعيشه الجولان المحتل منذ العام 1974 بعد اتفاق فك الاشتباك عند الكيلو (54)، واستباحة الطيران الإسرائيلي لسماء سورية من عين الصحاب والقصور الرئاسية إلى العمق السوري (دير الزور)، ولهاث النظام بمناسبة وغير مناسبة في استجداء الوسطاء للتوسط لدى العدو الصهيوني وأمريكا في البدء بمفاوضات دون شروط مسبقة مع الكيان الإسرائيلي لعقد اتفاقية شبيهة باتفاقية (كامب ديفيد) التي باتت على كف عفريت بعد انتصار الشباب في ساحة التحرير وطرد حسني مبارك.

وقنع النظام بما حقق من خلال هذه السياسة البالية من مكاسب لا تسمن ولا تغني من جوع، بدلاً من أن يقوم بالإصلاح والتغيير والسير نحو تطلعات الشعب السوري نحو الديمقراطية وأمانيه في الانعتاق من قمقم القهر والإذلال والفقر والفساد والتخلف، ووقف تغول الأجهزة الأمنية في قمع الشباب وسوق قادة الوطن وعلمائه ومثقفيه ونشطائه إلى المحاكم العسكرية وإيداعها خلف القضبان في السجون والمعتقلات، وإذا ما بقي النظام السوري باتباع هذه السياسة الظالمة العقيمة فإنه سيجد نفسه أمام انتفاضة جماهيرية كتلك التي حدثت في تونس والقاهرة لم تعد تكتفي بالمطالبة بالإصلاح والتغيير بل ستطالبه بالسقوط والرحيل، وإذا ما حدث ذلك فإن النظام سيظل هو المسؤول عن جر سورية إلى نفق المجهول وتداعياته.

أنظمة الاستبداد التي لا تزال سادرة في غيها ومتجاهلة كل ما حدث ويحدث في الساحة العربية تصر على أنها محصنة وفي منآى عما حدث ويحدث، ولم نسمع ولو لمرة واحدة أن أحد هذه الأنظمة استبق وصول هذا الطوفان إلى بلده، وجنبه الخراب والدمار والدماء، وأقر بالواقع واعترف بحق شعبه بالحرية ونزل على إرادة الجماهير واكتفى هو وعصابته وحاشيته ما حقق كل هذه السنين من مكاسب وما نهب من أموال.. لم نسمع منهم إلا الصلف والغرور والإصرار فحاكم مصر كان يصر على القول: إن مصر ليست تونس حتى سقط شر سقوط، وكذلك كان حال القذافي المتهالك الذي كان يقول: ليبيا ليست تونس ولا مصر، حتى انتفضالشباب وأعلنوا ثورتهم، وهاهم على قاب قوسين أو أدنى من النصر ودحر طاغيتها الجبان، وكذلك الحال بالنسبة لليمن والعراق التي تشهد ساحات مدنها عصيانات مليونية تتحدى صلف الحكومات ورصاص بنادق أمنها. ولم نلحظ حتى الساعة أي بوادر تلوح في الأفق تشير إلى أن حاكم دمشق وعى الحقيقة وأنه سيعمل على تجنيب سورية من الدخول في أتون العاصفة، ويبادل السوريين حباً بحب كما يقول وكما دون على صوره المعلقة في كل مكان (منحبك)، ونرجو أن لا يكون حبه لسورية كحب القذافي لليبيا، لأنه إذا ما أصر على إدارة ظهره لكل ما يجري في الساحة العربية، فإنه سيفيق في يوم قريب ويشاهد قد كتب على صوره الموزعة في كل الساحات والميادين والمؤسسات العامة والخاصة (منكرهك.. منكرهك.. ارحل.. ارحل).

كاتب سوري

=================

من أجل عقد جديد بين الحكومات والمجتمعات العربية

الثلاثاء, 08 مارس 2011

ماجد كيالي *

الحياة

ما هي الرسالة التي بعثتها الثورات الشعبية في تونس ومصر وفي ليبيا واليمن (وربما في غيرها لاحقاً)؟ هذه الثورات تقول إن الشعب، في هذه المنطقة من العالم، اكتشف ذاته، وأكد حضوره بقوة على مسرح التاريخ، ليأخذ مصيره بيده. وهذه الرسالة تقول، أيضاً، بأن ما حدث في هذه البلدان يمكن أن يحدث في غيرها، بهذه الطريقة أو تلك، وأن المسألة هي مسألة وقت.

إزاء ذلك ينبغي أن تدرك الحكومات (وبالأحرى السلطات) المعنية جيداً أن الشعب ليس فقط ما عاد يطيق العيش وفق الطريقة السابقة، وإنما هو بات، أيضاً، مستعداً لدفع الثمن، من حياته، لتغيير هذه الطريقة، وأن لا عودة إلى الوراء.

وفوق كل ما تقدم فإن هذه الحكومات معنية، أيضاً، بإدراك حقيقة أساسية، مفادها أنها هي بالذات من دفع الشعب نحو الثورة، فمنذ عقود من الزمن ثمة أسباب مختلفة ومتنوعة، تدفع الناس نحو هذا المسار. ومثلاً، ثمة واقع الإفقار والتهميش، وهدر الثروات، ونهب الموارد، والحرمان من الحقوق والحريات الأساسية، وضمنها حرية الرأي والتعبير والحق في الاختلاف. وثمة تغوّل السلطات على المؤسسات والقانون والدستور، والحطّ من كرامات الناس، وامتهان مفهوم دولة المواطنين. أيضاً، ثمة عجز عن حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن مواجهة التحديات الخارجية، كما ثمة عجز عن الانخراط في التاريخ العالمي، كأن العالم العربي كتب عليه البقاء خارج التاريخ، في حين أن دولاً كالصين والهند وتركيا وماليزيا والبرازيل تصعد في هذا العالم.

وما يجب أن تدركه هذه الحكومات أنها هي، أيضاً، المسؤولة عن الطريقة التي يعبر بها الشعب عن نفسه، وبالضبط عن لجوئه إلى خيار الثورة، بعد أن طال صبره، وفقد أمله بالإصلاح (من فوق)، وبعد أن سدّت أمامه فرص التغيير بالطرق العادية والديموقراطية، وحتى من خلال الحوارات والبرلمانات والمناشدات. والثابت أن الذهاب الى التغيير عبر الثورة، بالذات، حصل لأن الحكام سدّوا آذانهم عن المطالبات بالإصلاح (خذ مثلاً دعوات الإصلاح التي تضمنتها تقارير التنمية الإنسانية العربية التي توالى صدورها منذ مطلع العقد الماضي)، ولأنهم أشاحوا بعيونهم عن معاناة الناس، وعن رغبتهم بالتغيير ومحاكاة العالم، ولأنهم فقدوا صلتهم بمحيطهم، وبواقع مجتمعاتهم، في ظل توهّم العظمة الذي يتملّك معظمهم.

ومثلاً، فما الذي يفسّر سكوت معظم الحكام عما يجري في الشوارع المحاذية لشوارعهم؟ وما الذي يفسّر ادعاء كل منهم بأن الوضع عنده يختلف عن الوضع في «الشارع» القريب منه؟ وما الذي يفسّر ادعاء القذافي بأنه ليس ثمة تظاهرات، وأنه مجرد نوع من حسد، وأن الشعب الليبي مستعد للموت، حتى آخر رجل وامرأة (من أجله!)، وأن ما يجري مجرد هجمة من تنظيم «القاعدة» و «المهلوسين» و «الجراثيم» و «الجرذان»، في حين أن «نظامه» يتفكّك يوماً بعد يوم! ثم ما الذي يفسر ادعاء الرئيس اليمني (الذي كان ينوي الترشّح رئيساً مدى الحياة، وتوريث الحكم لابنه) بأن ما يجري في بلاده هو غريب عنها، وأنها مجرد عدوى من تونس ومصر، وادعائه بعد ذلك بأن ما يحرك هذه الكتل الشعبية في اليمن إنما هو غرفة عمليات في تل أبيب تشارك فيها إدارة البيت الأبيض!

هكذا لم يعد ثمة مجال، ولا وقت، أمام أولي الأمر لإنكار الواقع البائس الذي آلت إليه أحوال شعوبهم ودولهم، بدلاً من فتح عيونهم على حقيقة أن شعوبهم سئمت التهميش والتغييب، وأنهم كغيرهم من شعوب العالم يتوقون الى الحرية والكرامة والعدالة والعيش في نطاق دولة مواطنين، أي في دولة مؤسسات وقانون، وأنه لم يعد من المقبول منهم إحالة هذا التدهور في أحوال بلدانهم، أو هذا الثوران في مجتمعاتهم، إلى مجرد تدخّلات أو مؤامرات خارجية.

الآن، وبدلاً من كل ما تقدم، فإن جميع الحكومات معنية بإدراك حقيقة واحدة مفادها أن لحظة التغيير آتية حتماً، وأن الأجدى لها بدل إنكار هذا المسار أن تعمل على إدراكه، وتالياً مواكبته، ورعايته، بدل العمل على صدّه أو حجزه، أو الوقوف في مواجهته، لأن معاندة التغيير لن تؤدي إلا إلى مزيد من الشحن الداخلي، ومزيد من التمزقات والمعاناة. وبديهي أن هذا الأمر يتطلب منها إعمال العقل، والاحتكام الى المسؤولية الوطنية والأخلاقية، في التعامل مع هذه الرغبة بالتغيير، عن طريق الاعتراف بها واحترامها، وفتح المجالات أمام تمكينها، بالطرق الديموقراطية، لأن هذا الطريق هو الذي يحفظ كرامة الحكومات والمجتمعات معاً.

ولعل ما ينبغي أن يدركه، أيضا المعنيون بهذا الأمر، أن أجهزتهم الأمنية والإعلامية والحزبية والمليشياوية لن تفيد شيئاً حين تدقّ ساعة الحقيقة، أي ساعة التغيير، بدليل تجربتي تونس ومصر. فالأجهزة الأمنية اختفت، أما الأجهزة الإعلامية والحزبية فإما ذابت أو سكتت أو «كوّعت» بالتعبير الدارج. ومعلوم أن معظم هذه الأجهزة بات مستهلكاً ومتآكلاً، والأهم أنها باتت تفتقر الى قضية تدافع عنها، فضلاً عن أنها أجهزة تتعيّش على واقع الفساد، ولا تلوي شيئاً سوى تعظيم موارد الثروة والنفوذ للقائمين عليها، وبثّ صورة وردية مخادعة لأولياء الأمور.

وبالنسبة الى إسكات المطالب الداخلية بدعوى التصدي للأعداء الخارجيين، فهي ما عادت تكفي لتغطية واقع الفساد والتسلط، لا سيما إذا لم ترتبط بسياسة داخلية تكفل كرامة الشعوب وحرياتها وحقوقها، فالكرامة الخارجية ليست بديلاً عن الكرامة الداخلية، التي تؤمنها المواطنة الحقة، بما في هذه الكلمة من معنى.

أما في شأن تخويف الولايات المتحدة (والغرب عموماً) من التغيير، بدعوى أن البديل هو الإسلاميون أو الفوضى، فهي لم تعد عملة تصرف في الخارج، ناهيك عن أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الشعوب عندما تكتشف ذاتها، وتأخذ قرارها بتغيير واقعها، لا سيما إنها لم تعد قادرة على فرض ما تريد في أي مكان. وإلى جانب هذا وذاك فإن الولايات المتحدة (والدول الغربية عموماً) باتت ترى في معظم النظم السائدة نظماً مستهلكة، وبمثابة عبء أمني وأخلاقي عليها.

وفي هذا المجال، تحديداً، فقد آن للحكومات المعنية أن تدرك أن الولايات المتحدة (والغرب) لا يهمها من يحكم العالم العربي، فهي لا تخاف «بعبع» الإسلاميين ولا القوميين ولا اليساريين. وفي الواقع فإن أميركا (والدول الغربية) جد براغماتية، وتتكيف مع كل جديد ومغاير، وتهمها مصالحها فقط، وفي المقدمة منها عندنا النفط، وعداه فإن كل شيء خاضع للمساومة والمقايضة. هكذا تعاملت أميركا مع نظام صدام في العراق، ومع نظام القذافي (على رغم شبهة تورطه بعمليات خارجية!)، وهي تتعامل مع النظام الإسلامي في تركيا، وتعاملت حتى مع النظام الإسلامي في إيران (خذ توافقاتها مع إيران في شأن أفغانستان والعراق مثلاً). وهي تتعامل، أيضاً، مع الأنظمة اليسارية في ساحتها الخلفية (أميركا اللاتينية)، كما أن أكبر تعاملاتها التجارية والاقتصادية تتم مع منافستها الصاعدة الصين.

حتى الآن، تدلّ التجارب في تونس ومصر وليبيا واليمن أن المعنيين لم تصلهم الرسالة بعد، أو لم يستنتجوا العبر المتضمنة فيها، لذلك عاند بن علي في تونس ومبارك في مصر إرادة الشعب بالتغيير، والنتيجة كانت الثورة، والتغيير ب «الخلع». أما في ليبيا فإن القذافي ذهب الى حد التلويح بالدفاع عن سلطته إلى آخر نقطة دم، (من الصحرا للصحرا من بيت لبيت ودار لدار وزنقة لزنقة حتى آخر رجل وامرأة!)، داعيا الى حرب أهلية مدمرة، من دون أية مسؤولية وطنية أو أخلاقية. وفي اليمن فإن النظام ما زال يناور ويتردد بين التهديد والوعيد، بين الدفاع عن الوضع، بدعوى الحفاظ على الدولة، وبين الاستجابة لبعض مطالب المعارضة. وثمة أنظمة ذهبت حد طرح جرعة تقديمات لا تحل مشكلاً، ولا تشكل بديلاً عن الإصلاح الجذري الشامل، استجابة لإرادة الشعب والقانون الطبيعي للتطور.

واضح، أنه بدلاً من كل ذلك، ثمة أمام الحكام والحكومات طريق آخر، عدا طريق الخلع بالثورة (والتي تتضمن مصادرة الثروة والتعرض لمحاكمات جنائية)، وعدا الحرب الأهلية المدمرة للبلاد والعباد (التي تتضمن مخاطر استدعاء التدخلات الأجنبية الكارثية والمريبة)، وهذا الطريق هو السير في ركاب الإصلاح والتغيير، عبر احترام إرادة الشعب، وإعادة الاعتبار لمقولة أن الشعب هو مصدر السلطات.

لذلك على من يهمهم الأمر أن يدركوا تماماً معنى شعار: «الشعب يريد تغيير النظام»، أو «الشعب يريد بناء النظام»، وأن يتعاملوا مع هذا الأمر، لا بالطريقة الصعبة والإجبارية، وإنما بالطريقة السهلة الكريمة لهم ولشعوبهم، فقد آن الأوان لعقد جديد في هذا العالم العربي بين الحكومات والمجتمعات.

* كاتب فلسطيني

=================

أنظمة العرب وثوراتهم

الثلاثاء, 08 مارس 2011

الياس حرفوش

الحياة

لم تعد هناك حاجة إلى قدر عميق من التحليل لاستنتاج أن مسار الانتفاضة الليبية يسير في الاتجاه المعاكس لما سارت إليه الانتفاضتان المصرية والتونسية. لا علاقة لذلك طبعاً بما إذا كان معمر القذافي يستحق السقوط أم لا. فالجواب على هذا مفروغ منه، ليس الآن بل منذ سنوات طويلة من تسلط العقيد على الحكم في ليبيا. الأمر له علاقة بطبيعة الأنظمة في البلدان الثلاثة، وهو ما يمكن أن ينطبق أيضاً، وأن يكون درساً، لانتفاضات قد يحلم بها آخرون في المنطقة.

ما حافظ عليه حسني مبارك وزين العابدين بن علي، أو لنقل ما لم ينجحا في تدميره، هو تماسك الطبقة الحاكمة المستفيدة، وقدرة الأجهزة العسكرية والأمنية على الإمساك بالوضع الداخلي وتسهيل عمل النظامين الأوتوقراطيين في البلدين. وهكذا فعندما سقط الرئيسان، ظلّ معظم الأشخاص في أمكنتهم واستمرت المؤسسات الحاكمة تعمل، وكانت النتيجة أن البلدين لم يتفككا ولم يتعرضا لانهيارات. لهذا ترددنا سابقاً ولا نزال في وصف ما حصل في تونس ومصر بالثورة، لأنه لم يؤد إلى بروز طبقة حاكمة جديدة ولا إلى نظام حكم مختلف ولا إلى التغييرات العميقة الاجتماعية والاقتصادية التي ترافق ما هو متعارف عليه في الثورات. طبعاً هناك عمليات تجميل جرت وما تزال تجري. آخرها تغيير وجهَي رئيسَي الحكومة في البلدين. ولكن لنجلس ونفكر قليلاً في هوية القوة الضاربة التي تمسك اليوم بخيوط اللعبة الداخلية في كل من تونس ومصر! هل يمكن الشك في أن هذه القوة هي نفسها التي كانت تحمي نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي بما لهما وما عليهما؟

في ليبيا الأمر مختلف تماماً. لو كان سقوط القذافي سيعني انهيار نظامه فقط وقيام نظام ديموقراطي مكانه، لكان ممكناً توجيه التهاني إلى الشعب الليبي على إنجازه العظيم، لأنه استطاع القضاء على النظام القديم من غير مواجهة تبعات ذلك وعواقبه. لكن سقوط نظام القذافي وعائلته في ليبيا لن يؤدي، مع الأسف، إلى هذا فقط، بل هو يهدد بتدمير الدولة الليبية بالكامل. فلعل «افضل» ما فعله القذافي كان القضاء على كل المؤسسات القادرة على تأمين استمرار الدولة وبقائها بعد تغيير النظام. لا يوجد في ليبيا جهاز بيروقراطي لضمان استمرار العمل الإداري في الدولة. كما أن القذافي قام عمداً بضرب كل الأجهزة العسكرية والأمنية، التي تلجأ إليها الدول كملاذ أخير للدفاع عن بقائها، وحوّلها إلى مجموعة من الميليشيات وما يسمى باللجان الثورية.

وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما يحصل في المناطق الشرقية من ليبيا، التي قيل إنها «تحررت» بالكامل من سلطة القذافي. في هذه المناطق تشير التقارير الإخبارية إلى محاولة الثوار هناك تنظيم لجان لسد الفراغ الأمني والإداري وتوفير ابسط الخدمات اليومية، كتسهيل حركة المرور وحماية المنشآت العامة. وقد ظهرت الفوضى في هذه المناطق بأجلى صورها من خلال اختطاف أفراد الوفد الأمني البريطاني، الذي كان مؤلفاً من أفراد من القوات الخاصة وجهاز الاستخبارات الخارجية، عندما كانوا في مهمة في بنغازي لإجراء اتصالات مع المجموعة الحاكمة في شرقي ليبيا، والتي ينتمي معظم رجالها إلى الفريق الذي كان إلى الأمس القريب يحيط بالقذافي ويتولى مسؤوليات في نظامه.

من الصعب قيام نظام ديموقراطي في دولة ما إذا لم تكن هناك دولة في الأساس. فالديموقراطية لا تولد من الفوضى بل من مؤسسات قادرة على العمل. من هنا إن الفرصة متوافرة في تونس ومصر لمثل هذا الانتقال. لكن السؤال يبقى حول قناعة الجهاز الذي يمسك بالمرحلة الانتقالية، وهو الجيش في الحالتين، بتوفير الشروط الضرورية للعمل الديموقراطي، فضلاً عن قناعة الأحزاب والهيئات المشاركة بعملية من هذا النوع واستعدادها للقبول بنتائجها، خصوصاً إذا لم تكن هذه النتائج في مصلحتها.

هل هناك في التجارب العربية أو الإقليمية التي من حولنا ما يبشّر باستعدادات من هذا النوع؟

=================

أهو تغيير لنظام سياسي راكد؟ نهاية عهد بن علي في تونس

ج. سكوت كاربنتر وديفيد شينكر

المصدر معهد واشنطن

12-2-2011

نقلاً عن مركز صقر

في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011، تنحى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من منصبه بعد أيام من تفاقم الشغب الذي صادف وقوعه بعد يوم من قيام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بانتقاد زعماء الشرق الأوسط بحدة أثناء خطاب لها في قطر، حيث اتهمتهم بالتسامح مع "المؤسسات الفاسدة والنظام السياسي الراكد." وفي تونس، أُعلن أن رئيس الوزراء محمد الغنوشي قد تسلم السلطة كرئيس مؤقت. وقال الغنوشي إن بن علي كان "عاجزاً بصفة مؤقتة عن ممارسة مهامه." (وأفادت محطات التلفزيون العربية أنه قد استقل طائرة إلى الخارج.) وقبل ذلك، كان بن علي -- الذي حكم فترة دامت ثلاثة وعشرين عاماً -- قد وعد بالتنحي عندما تنتهي فترة ولايته في عام 2014 وإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر. والآن يراقب العالم العربي ليرى أي نظام آخر سيكون عرضة [لوقوع مثل هذه التطورات]، وما الذي سيكون رد فعل الولايات المتحدة.

الأسباب الجذرية

تزايدت التوترات داخل المجتمع التونسي بشكل ثابت على مدى العقد الماضي. ووفقاً لبرقية لوزارة الخارجية الأمريكية من عام 2009 سربها موقع "ويكيليكس" ونشرتها صحيفة بريطانية أن: "الرئيس بن علي طاعن في السن، ونظامه متصلب، وليس هناك خليفة واضح." ولم تنبع الإحباطات من الضيق الاقتصادي فحسب بل أيضاً من القمع الخانق وشيوع الفساد بصورة واضحة ومتزايدة داخل الأسرة الحاكمة. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية عدداً من الهزات التي لا بد وأنها قد أعطت الحكومة تحذيراً كافياً يتنبأ بالزلزال السياسي الحالي. وكانت مبادرات عمالية منسقة حدثت في عام 2008 قد جمدت صناعة التعدين في الرديف لمدة ستة أشهر. كما أن الاحتجاجات قد أجبرت الحكومة في العام الماضي على التراجع عن قرار بدا أنه يُحابي فقط التونسيين القريبين من عائلة بن علي.

وكانت هذه الاحتجاجات وغيرها كبيرة ومنظمة جيداً لكنها وقعت في محيط البلاد الجغرافي والسياسي، ولم تلاحظها الصحافة الدولية إلا بصورة قليلة. وعلاوة على ذلك، فإنها لم ترتبط كلية بالضيق المتجذر في المجتمع التونسي. ومع ذلك، ضحى شاب تونسي بنفسه في كانون الأول/ديسمبر الماضي بعد إحباط واضح أصابه عندما تم منعه من بيع خضروات في شوارع مدينته. وبموته لخص محمد بوعزيزي الذل وقلة الحيلة التي يشعر بها كثيرون من التونسيين يومياً. والآن فإن الشباب التونسي -- الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان -- لديهم رمزاً يلتفون حوله، ويخلقون ما أصبح بسرعة يمثل تمزقاً أساسياً للدولة.

وقد اشتعلت المظاهرات بسبب العديد من العوامل، أهمها المزيج الفعال بين البطالة والبطالة المقنعة. فالبطالة التونسية كانت ومنذ زمن طويل مرتفعة بوضوح -- أكثر من 13 بالمائة في 2009 -- لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب تركزها في صفوف الشباب المزدهر من بين مجموع السكان. ووفقاً ل "البنك الدولي" فإن ما يقرب من 30 بالمائة من التونسيين ممن تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 24 عاماً هم عاطلون، بينما يواجه خريجي الجامعات الشباب نسبة بطالة تقارب 25 بالمائة. وعلى الرغم من أنه يتم تعليم الشباب بمعدلات أعلى، إلا أن هذه الدراسة لم تترجم إلى فرص اقتصادية مُحسَّنة.

وقد كانت السنوات الأخيرة صعبة بشكل خاص على الاقتصاد التونسي. ونتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي واجهت الدولة تقلصات اقتصادية بين عامي 2007 و 2009. وقد كان هذا يعني وظائف أقل وخاصة في السياحة وهي القطاع الرئيسي الذي يتوافق مع رغبات الأوروبيين الذين ينشدون مكاناً أرخص تحت شمس البحر المتوسط. وفي هذه الأثناء تزامن الهبوط في عائدات الدولة مع الجهود الجارية لتطبيق إصلاحات اقتصادية منها برنامج غير شعبي لتقليل الدعم بصورة تدريجية على بعض السلع من بينها الطعام. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، التقت المحاولات المبكرة لتقليل الدعم مع أعمال الشغب ومن ثم تم إلغاؤها. وقد طُبقت ارتفاعات الأسعار الأخيرة في الصيف الماضي.

وقد تفاقم السخط الشعبي بصورة مفرطة فقط بسبب تجاوزات حكم النظام الاستبدادي، حيث كان التونسيون منذ فترة طويلة على بينة من القمع الذي تمارسه الدولة. لكن في الآونة الأخيرة -- وبمساعدة الشبكة العنكبوتية -- أصبحوا مطلعين بصورة جيدة على الفساد الجشع لبن علي وزمرته الحاكمة. ووفقاً لبرقية وزارة الخارجية الأمريكية من عام 2009 الآنفة الذكر فإن: "الفساد في الدائرة القريبة من السلطة يتنامى بل حتى عامة الشعب التونسي أصبحوا الآن يدركون ذلك، بينما يتصاعد صوت الشكوى." وقد وضحت البرقية بالتفصيل كيف أن أسرة ابنة بن علي قد احتفظت ب "نمر كبير" أطلقت عليه اسم باشا يعيش في قفص ويلتهم أربع دجاجات يومياً" مما يذكرنا ب "قفص الأسد الخاص بعدي صدام حسين في بغداد."

احتمالات عدوى إقليمية

تزامن الشغب التونسي مع اضطرابات مدنية وقعت في الجزائر والأردن حيث واجهت الدولتان تحديات متشابهة ضد البطالة والبطالة المقنعة. ومع تمتع الجزائر بعوائد كبيرة من احتياطيات تصدير النفط والغاز، والدين الخارجي المنخفض فإنها في وضع مالي أفضل من تونس. لكن انخفاض أسعار النفط العالمية في عام 2009 قد ضغطت على خزائن الدولة بينما تأثر الجزائريون بأسعار السلع العالمية الأعلى. ومثل تونس فإن الجزائر هي دولة شمولية حيث أن نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد حصل على نقاط أفضل قليلاً فقط من تونس، وفقاً لتقييمات مؤسسة "فريدوم هاوس". ومع ذلك فربما أهم وجه شبه بين الدولتين هو أن لدى الجزائر أيضاً شباب صغار العمر يعانون من فرص اقتصادية بائسة. وعلى الرغم من أن معدل البطالة في تلك البلاد قد انخفض من أكثر من 15 بالمائة في عام 1995 إلى 10 بالمائة اليوم إلا أنه ما يزال مصدراً رئيسياً للاستياء.

وقد شهد الأردن أيضاً اضطرابات مدنية في الأسابيع الأخيرة. ورغم أن الكثيرين قد شبَّهوا هذه الاضطرابات بتلك التي وقعت في تونس والجزائر إلا أنها كانت قد أثيرت أكثر بسبب التوترات القبَلية حتى وإن كانت متصلة بالفرص الاقتصادية. وتتعامل المملكة مع الشغب ضد الحكومة في معان -- وهي مدينة قفراء لها تاريخ طويل من الاحتجاجات -- بأقصى درجات الجدية. فعلى سبيل المثال، أعلن الملك عبد الله أنه سيعيد مؤقتاً دعم الدولة لبعض السلع الأساسية عن طريق تخفيض الأسعار. ويبدو أن واشنطن تشعر أيضاً بالقلق لدرجة أنها زادت حزمة مساعداتها للأردن بمائة مليون دولار هذا العام -- ضامنة بذلك بالفعل دعم عمَّان -- للمساعدة على تفادي السخط الشعبي.

ورغم أن هذه هي الدول الوحيدة التي شهدت حتى الآن سخطاً شعبياً إلا أن العديد من الأنظمة العربية الأخرى قلقة من الأعراض الجانبية لهذه التطورات، وبالتالي أتخذت خطوات لعزل نفسها. فقد خفضت ليبيا والمغرب -- مثل الأردن-- الأسعار على سلعها الرئيسية. كما أن مصر -- التي كانت أزمة القمح لديها عام 2008 حادة جداً لدرجة أنه تم استدعاء الجيش لصنع الخبز للسكان -- تراقب بلا شك هذه التطورات عن كثب.

ما الذي في استطاعة واشنطن وأوروبا عمله؟

إن الجانب الأكثر لفتاً للنظر في الاحتجاجات التي شملت جميع أنحاء تونس هو أنها ذات صبغة شعبية كاملة. فتأكيدات الرئيس بن علي بأنه تم التحريض للاضطرابات من قبل عناصر خارجية كما أن متطرفين هم الذي كانوا يقودونها، لم تؤدي سوى إلى تعزيز الشكوك العامة حول الدرجة التي كان فيها الرئيس التونسي غير ملماً بالأحداث ومنفصلاً عنها.

ويكمن التحدي الذي تواجهه الآن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ضمان انتقال سلس لحكومة جديدة. ولدى الولايات المتحدة نفوذ في تونس هو أقل بكثير مما للاتحاد الأوروبي وفرنسا. (وكما عبَّرت عن ذلك البرقية المُسرَّبة لوزارة الخارجية الأمريكية: "وفقاً لعدة مقاييس، ينبغي أن تكون تونس حليفاً وثيقاً، لكنها ليست كذلك.") فالولايات المتحدة لا تقدم أية مساعدات اقتصادية لتونس، كما أن برنامجها التمويلي العسكري زهيد وهو ما تؤكده شكوى تونس. ورغم ذلك، تقدم تونس تعاوناً مهماً لمكافحة الإرهاب، وقد اعتُبرت نموذجاً إقليمياً يُحتذى به أثناء إدارة الرئيس الأمريكي بوش. ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو من يدعم الاقتصاد التونسي من خلال ضخ نقدي ضخم، فضلاً عن علاقته التجارية القوية مع هذه البلاد.

الخلاصة

إن الأحداث التي وقعت في تونس تُظهر للعرب في جميع أنحاء المنطقة مدى الهشاشة التي وصلت إليها حتى الدولة البوليسية الأكثر تقدماً عندما يواجهها مواطنوها بعزم. ومن غير المحتمل أن يغفل المصريون والأردنيون والجزائريون وغيرهم عن هذا الدرس. ووفقاً لجميع المؤشرات تقريباً، من التعليم إلى الاقتصاد، تتبوأ تونس درجة أعلى بكثير من دول عربية أخرى في المنطقة. غير أن فشل الحكومة في تحسين قاعدة شرعيتها، وضمان تعميم المنافع الآتية من الإصلاحات الاقتصادية، وخلق طريق لمشاركة سياسية ذات هدف، قد دفع الدولة إلى حافة الثورة. كما أنها قدمت أيضاً رسالة تذكير مبكرة ومثيرة إلى إدارة أوباما في عام 2011 مفادها أن المقايضة المتصوَّرة بين الاستقرار والإصلاح الديمقراطي هي مقايضة زائفة، وأنه علاوة على ذلك، فإن ما يتصوره المرء مستقراً يمكن أن يتغير في غضون أيام.

______________

ج. سكوت كاربنتر هو زميل كيستون فاميلي في معهد واشنطن ومدير مشروع فكرة: هزيمة التطرف من خلال قوة الأفكار. وديفيد شينكر هو زميل أوفزين في المعهد ومدير برنامج السياسات العربية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ