ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الانتقال السياسي المصري ومسؤوليات الجيش

مايكل وحيد حنا

زميل ومسؤول عن البرامج ب"سنشري فاونديشن"

تاريخ النشر: الأحد 06 مارس 2011

الاتحاد

عندما غادرت القاهرة بعد يوم واحد من استقالة مبارك، كان لديّ شعور بأن مصر قد قطعت علاقاتها بماضيها السياسي القريب، وأن تغيراً جوهرياً قد حدث للوعي السياسي للشعب المصري. بيد أن هناك مخاطر تهدد بانطفاء هذا الحماس الثوري الذي وسم الأسابيع الأخيرة الماضية، ما لم تتم هندسة الانتقال السياسي بطريقة منظمة ومنهجية. كما أن من شأن الاندفاع نحو تسريع انتقال السلطة للمدنيين أن يؤدي إلى عرقلة إحراز أي تقدم ثوري، خرج من أجله الملايين إلى الشوارع في مختلف المدن والمحافظات المصرية. كما أن حلم إحراز تقدم سياسي قائم على الانتقال الانتخابي السريع للسلطة وحده، ليس سوى وهم لا أكثر، من شأنه إعاقة الإصلاح الحقيقي المنشود. وبدلاً من القبول بعملية انتقالية يفرضها ويتولى الجيش وحده تطبيقها، فإن على المعارضة المصرية أن تحافظ على وحدتها وسعيها إلى الإجراءات العملية الفورية التي تحول دون الانحراف إلى نظام حكم جديد يقوده الجيش مرة أخرى، في ذات الوقت الذي تسمح فيه بانتقال أكثر واقعية للسلطة.

وتبدي جماعات المعارضة المصرية حرصاً واضحاً على التأكد من أن الدور القيادي البديل الذي يقوم به الجيش حالياً ليس سوى أمر مؤقت، وليس تمهيداً لتوطيد أركان نظام سياسي جديد بقيادة عسكرية فيما بعد الثورة. ولا يصعب فهم هذه الهواجس وغيرها من احتمالات ثورة مضادة، بالنظر إلى ماضي مصر وما شهدته من تطورات سياسية قريبة. بيد أن من شأن هذه الهواجس نفسها أن تقوض الأهداف الجوهرية التي ثار من أجلها الشعب المصري، وإعاقة عملية الإصلاح الشامل. فعلى سبيل المثال، سوف يفرض الجدول الزمني الذي أعلنه الجيش لإجراء انتخابات عامة خلال ستة شهور، أن يكون الإصلاح الذي يمكن القيام به في هذه المدة القصيرة الضيقة شكلياً وسطحياً. كما أن الانتخابات الحرة النزيهة نفسها لا توفر ضمانة كافية للسياسة النيابية الحقيقية.

وعلاوة على ذلك كله، فإن على جماعات المعارضة أن تدرك أن للجيش نوايا حسنة، ولكنه قليل الصبر وضيّق الصدر إزاء استمرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية.

وسواء صح الأمر أم لم يصح، فقد نجح الجيش في تعزيز سمعته في أوساط الشارع المصري عن طريق امتناعه عن توجيه أسلحته إلى صدور المصريين مهما كان الأمر، فضلاً عن إصراره على استقالة مبارك مؤخراً. وقد بدا واضحاً أن استقرار مصر يتوقف كلياً في هذه اللحظة على خطوة كهذه. وعليه فمن المفهوم أن تعطي المعارضة الجيش دوراً قيادياً في تمهيد الطريق نحو العودة إلى نظام الحكم المدني. هذا ومن المشكوك فيه جداً أن يخاطر الجيش بإضافة أعباء تولي الحكم إلى أعبائه الدفاعية، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة حالياً.

كما اتخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة عدة خطوات ضرورية ومطمئنة على مدى حرصه والتزامه بالانتقال السلمي للسلطة، وعودة الجنود إلى ثكناتهم العسكرية. وفي هذا الاتجاه، فقد أصدر المجلس قراراً بحل أجهزة البرلمان غير الشرعي، وأمر بتعليق سريان الدستور، إضافة إلى إعلانه عن إجراء انتخابات عامة في غضون ستة شهور، فضلاً عن بدئه إعادة تشكيل المجلس الوزاري.

بيد أن هناك حدوداً لصبر الجيش على استمرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية. وقد اتضح ذلك من خلال استخدامه القوة لتفريق المتظاهرين مؤخراً، وهو ما أثار شكوكاً جديدة في نواياه. وبما أن الغاية العليا للجيش هي بسط الاستقرار الأمني، فإن من الواجب توقع اكتفائه بالحد الأدنى الممكن من الإصلاحات، وأن يكبح جماح المظاهرات والاحتجاجات، بما يؤدي إلى عودة الحياة إلى طبيعيتها. وفي المقابل فإن هناك غياباً لبنى سياسية مصرية تتسم بالمصداقية ويمكن للشعب أن يلتف حولها. وهذا ما يهدد بخطر تزايد انقسام المعارضة على نفسها، خاصة إذا ما ازدادت حدة تنافسها على السلطة. وعليه فإن تحقيق إصلاحات ملموسة ومنتظمة على المدى القريب، يطالب المعارضة بتلاحم صفوفها والحفاظ على وحدتها. كما أن على المعارضة أن تتفق على أجندة مشتركة بينها، وأن تثابر على المطالبة بتحقيق بعض الأهداف المباشرة؛ وأولها إزالة بقايا النظام السابق من مجلس الوزراء؛ ذلك أنه ليس منطقياً أن نتوقع قيادة عناصر موالية للرئيس السابق عملية انتقال سياسي حقيقي فيما بعد الثورة. ومن الواجب أن تتولى مهمة الانتقال هذه، حكومة وحدة وطنية تتسم بالمصداقية ويعول عليها.

وثانيها أنه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة إما أن يعطي سلطات الحكم التي يضطلع بها لشخصيات مدنية أعضاء في حكومة مؤقتة، أو أن يسمح بزيادة تمثيل المدنيين في جهاز حكومي يخلف المجلس الحاكم حالياً، على أن يسمح هذا الجهاز بتمثيل قادة مدنيين وعسكريين فيه.

أما الهدف المباشر الثالث والأخير، فهو ضرورة الإلغاء الفوري ل"قانون الطوارئ" الذي طالما اعتمدت عليه السلطات الدكتاتورية للنظام السابق. ويجب أن يصحب هذا الإلغاء قرارٌ بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الذين لا يزالون قابعين في غياهب السجون المصرية، إضافة لإلغاء حالة حظر التجوال التي لم تعد هناك ضرورة تبررها الآن.

ومن شأن هذه التدابير والإجراءات الانتقالية أن تعزز ثقة المواطن المصري بحسن نوايا الجيش. والأهم من ذلك أن من شأنها المساعدة على تحديد جدول زمني أكثر ملاءمة ومعقولية لإجراء الانتخابات العامة في غضون عام أو عام ونصف من الآن، وهي فترة كافية لأن تكون فيها المعارضة أفضل تنظيماً واستعداداً لدخول حلبة التنافس الانتخابي.

=================

الاستبداد والأصولية: الغرب ومتغيرات العرب

تاريخ النشر: الأحد 06 مارس 2011

رضوان السيد

الاتحاد

ما قال أحدٌ إنّ تَزَعْزُعَ الاستبداد وأنظمته في أقطار الوطن العربي، سوف يُنهي الأُصولية أو ثقافة الهوية وممارساتها المتشدّدة. لكنّ المراقبين الأجانب الذين أصرُّوا لأكثر من شهرٍ بعد اندلاع الانتفاضتين بتونس ومصر، على أنّ الأصوليين الإسلاميين هم القائمون بهذه التحركات الشعبية أو المستفيدون منها، عادوا لينعوا على "المتفائلين" من العرب والمسلمين، تسرُّعهم في اعتبار التغيير حاصلاً، ومبالغتهم في تقدير "مدنية" الشبان الثائرين، وضخامة نجاحاتهم. وهم عندما ينصحون بالتواضُع والتريُّث يذكرون الصعوبات المحيطة بالحالتين التي تجري الآن في ليبيا واليمن .

لقد أنفقْنا نحن المراقبين العرب حوالي العقدين، في جدالٍ مع الباحثين الاستراتيجيين الغربيين بشأن البراديغم الذي افترضوه لاستثنائية الإسلام واستثنائية العرب والاستعصاء السائد في دينهم وثقافتهم ووعيهم على الديمقراطية وعلى التنوير وعلى التقدم. وما بلغ بنا التجاهل والإنكار إلى حدود الذهاب إلى أنّ الظاهرة الأُصولية تسبَّب بها الغربيون أو تسبّبت بها الأنظمة الاستبدادية. وإنما الذي كنا وما نزال نذهب إليه أنّ "الظاهرة" واحدةٌ، وإن تكن متعدّدة الأوجُه. فالوعي المتشدّد والرافض، والاستبداد الأمني المستشري، والثُنائيات المتضادّة المنتشرة في أوساط الشباب، والتعامُلات الدولية مع منطقتنا وشعوبنا؛ كلُّ ذلك وجوهٌ متعددةٌ لظاهرةٍ واحدةٍ، هي ظاهرةُ التأزُّم في الفكر والسلوك والممارسة. وقد قلتُ لهنتنغتون في نقاش بهارفرد وآخر بالرياض (في مهرجان الجنادرية) إنّ نجاحاً واحداً بارزاً في قضيةٍ معيَّنةٍ دالّة بالنسبة للعرب في فلسطين أو في مصر أو في سوريا، كفيلٌ بأن يُدخل على مخاض التأزم العنيف، والمستمر لعدة عقود، عناصر إيجابية تؤثّر في الوعي وتؤدي إلى مُراجعة الحسابات لدى أوساطٍ واسعةٍ من شبابنا. وقد كان الخطِر والخطير أنّ البراديغم الغربي أو الفكرة المتجذرة بشأن عقليتنا وإنسانيتنا (أو لا إنسانيتنا!) سرعان ما تحوَّلَ منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى سياساتٍ لدى الأميركيين ولدى الأوروبيين والروس والصينيين والهنود، تجلّتْ باتجاهين: اتجاه فرض الهيمنة بالحرب أو بما يفوقُها فظاعةً لحفظ المصالح، ولتنجية العالم من شرّنا، واتّجاه إعانة المستبدّين على الاستمرار في السطوة والطغيان إن تعاونوا معهم، لأنّ الأسوأ سوف يحدث لا محالة إنْ زال هؤلاء، بسيطرة الأصولية الإرهابية في البلدان التي تغيبُ عنها أنظمةُ المستبدين! في الاتجاه الأول أعطونا درساً نموذجياً بما فعَلوهُ مع صدّام حسين ومع العراق، أو لنقل إنهم أعطَوا المستبدّين الآخَرين أيضاً ذاك الدرْس. وفي الاتجاه الثاني حدث التلاؤم والتعاوُنُ بينهم وبين حُكّامنا العسكريين في سائر النواحي لمصارعة "القاعدة" والإرهاب، وحبس الإسلاميين الذين يمكن أن يتحولوا إلى إرهابيين عنيفين، في قماقم المعتقلات وممارسات الملاحقة والاضطهاد. أمّا في ديارهم هُمْ فقد اصطنعوا قوانين لا أول لها ولا آخِر من تحريم الحجاب على الفتيات واللحى على الشبان، إلى مِنْع بناء المآذن حتّى لا تُشوِّه منظر المُدُن والدساكر. وكُلُّ ذلك وهُمْ يجترحون وُجوه تعاوُنٍ ومودّة مع القذافي وبن علي وعسكريي الجزائر و"إسلاميي" السودان: "لتجفيف منابع الهجرة إلى بلدانهم العامرة" من جانب أولئك البؤساء الذين يحاولون التملُّص مما هم فيه لدى المتحضّرين من حكّامهم الذين يحبون الغرب والغربيين، ويمنُّون على الغرب وعلينا بإجراءات التحضير والتمدين والتقدم والتي لا تستوي بدونهم!

وخيَّبَ هؤلاء الشبان الأشاوسُ يقين السادة الغربيين والشرقيين، كما فاجأوا حكّامهم الخبراءَ بهم منذ عقودٍ وعقود. لقد اتجهوا بأعدادٍ هائلةٍ إلى الشارع ليغيّروا سِلْماً، حياتَهم وحياة بلدانهم، وبالقيم ذاتها التي كان الغربيون وكان الحكّام لا يتوقّعون أن تكونَ موجودةً في أخلادهم وعزائمهم. وفي البداية، رفض الحكّام، وهذا طبيعي، لكنْ رفض الغربيون أيضاً ما شاهدوه على شاشات الفضائيات. وقالوا كما قال المتسلِّطون إنّ هذا السِلْم المُشْرق في الميادين المقفرة من قبل حيلةٌ من حِيَل الإسلاميين للاستيلاء على السلطة. وعندما تمادت تلك الظاهرةُ الهائلةُ والتي نسبتْها وسائلُ الإعلام الرسمية في مصر وتونس إلى "الإخوان"، وينسبها القذافي إلى "القاعدة"، وعلي عبدالله صالح إلى إسرائيل وأميركا... راحوا ينصحون الحكام بالتغيير، وينصحوننا نحن الذين رحّبنا بحيوية الشباب ومسؤوليتهم، بالتريُّث وانتظار النتائج وما تؤول إليه الأُمور.

إنّ الذي حصل ويحصل ما كان انفجاراً ولا تمرداً يائساً، كما توقع الكثيرون؛ بل بابٌ واسعٌ وشاسعٌ انفتح بالأمل على المستقبل. والغربيون الذين ألِفوا الاستعمارين القديم والجديد، وردات الفعل عليهما، لا يسرُّهم ذلك بل يُحيِّرهُم، لأنّ خبراءهم واستراتيجييهم لا يعرفونه ولم يتوقّعوه. لستُ أزعم أني توقعتُهُ بهذا الحجم والاتّساع. لكني كنتُ على يقين بأنّ شباننا، المتدينين وغير المتدينين، لا يختلفون عن سائر البشر في حبّهم للحرية وتَوقهم إلى الحصول عليها وممارستها. كما لا أزعُمُ أنّ هذا الباب الذي انفتح على مصراعيه سوف يُنهي ظواهر التشدُّد والانكماش. بيد أنّ عناصر جديدةً دخلت على الموقف، وتتمثل في الإقدار والتمكين الذي يحصُلُ الآن، والذي يجعلُ من "سيد قطب" و"بن لادن" أثراً من الماضي، تضاءلت أسبابُهُ أو هي في طريقها للزوال. فالذي يستطيع المشاركة في العملية السياسية الجديدة بالوسائل السلمية، لماذا يلجأ للقوة. أمّا الذين يرفضون التعلُّم؛ فإنّ زملاءهم العاملين والمشاركين هم من سيعزلهم ويضطرهم للانكفاء؛ إن لم يكن ذلك قد حصل بالفعل. ثم إني أزعُمُ أخيراً أنّ عمليات "بناء الدول" والتي هدَّمها حكّامُنا على مدى أربعة عقودٍ وأكثر، لا تتمُّ خلال سنةٍ أو سنتين، بيد أنها بدأت ولن تتوقّف، فهذه هي طبيعةُ الأمور. ولا شكّ أنّ تلك العمليات بتونس ومصر، ستكون أسهل منها بالعراق واليمن وليبيا والجزائر والسودان، لأنّ درجات التخريب بهذه البلدان أكبر وأفظع. لكنّ النضال الذي يجري الآن، يُسرّع تآلف واندماج العناصر والفئات التي ما كانت تستطيع التقارُب من قبل.

والذي أراه أنّ الصعوبات الأكبر والأفظع أمام العمليات الديمقراطية والوحدوية الجارية، سوف تأتي من الخارج الأميركي والأوروبي والصيني والهندي.. إلخ. فقد بنى هذا الخارج العالمي، في العقود الماضية، أسواراً ثقافيةً واستراتيجيةً عاليةً بيننا وبينه. وهي أسوارٌ قائمةٌ على مصالح، تعوَّدَ ذلك الخارجُ على قضائها مع كلّ مستبدٍ على حدَةٍ وبمنتهى السهولة، وبالعنف أو بالتواطؤ. ثم إنّ هناك "ثقافةً" غربية كاملة نشأت حول الإسلام والعرب خلال العقود الماضية أيضاً، وسيحتاج الغربيون إلى عقودٍ لتجاوُزها، هذا إذا عملوا عليها بجديةٍ لا أجدُها متوافرةً لدى اليمين الأوروبي الحاكم الآن. فقد نعى كلٌّ من ساركوزي وميركل وكاميرون في الشهور الماضية ما أَسموهُ تجربة التعددية الثقافية. وهم يقصدون أنّ العيش مع المسلمين (حوالَي الثلاثين مليوناً بأوروبا) صعبٌ إن لم يكن مستحيلاً! لقد قال لهم أردوغان قبل أيام: أيها الأوروبيون، أنتم ترفضَون الاندماج، وترفضون التعددية، فلا أقلّ من أن تُعاملونا معاملة الأقليات الإثنية، والتي حقوقها أكبر من الحقوق التي تعرضونها علينا بمقتضى المواطنة!

================

أربكان الثابت أبداً     

آخر تحديث:الأحد ,06/03/2011

محمد نور الدين

الخليج

طوت تركيا صفحة خالدة برحيل واحد من أبرز سياسييها الذين شكّلوا تاريخها في السنوات الخمسين الأخيرة .

لم يكن نجم الدين أربكان مرحلة عابرة في التاريخ التركي الحديث، وكما شكّلت أوروبا هويتها القومية في القرن التاسع عشر وما قبله بقليل، كاستجابة للتحدي الذي شكّله الأتراك العثمانيون منذ فتح القسطنطينية إلى حصار فيينا الشهير عام ،1683 فإن الخط الذي رسمه نجم الدين أربكان كان تحدياً مزدوجاً، ومن أبرز العوامل لإعادة رسم السياسات في الداخل من طرف النظام، وفي الخارج في ما يتعلق بالحركات الإسلامية .

جاءت تركيا بعد انهيار الدولة العثمانية لتضع نظاماً بديلاً عن النظام الذي ساد 600 عام من التاريخ العثماني الذي كانت سمته الأساسية الدين الإسلامي، بمعزل عن الخروقات الواسعة له من قبل السلاطين .

وإذ توغل مصطفى كمال في تطبيقاته المتطرفة لمفهومه عن العلمنة والتغريب، فقدت تركيا توازنها وغيّبت ركيزتها الأخرى أي الهوية الإسلامية للمجتمع .

ومع أن الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس كانت له اتجاهات إسلامية وفي عهده في الخمسينيات استعاد الإسلام بعض أنفاسه، لكن الفارق بينه وبين أربكان كان في أن الإسلام واحد في الداخل والخارج . ومن كان يحمل هوية إسلامية حقيقية لا بد أن يكون ضد الظلم أينما كان .

كان مندريس إسلامياً في الداخل وتابعاً مخلصاً للسياسات الأمريكية في الخارج . حالف مندريس “إسرائيل”، ودخل في حلف بغداد، وهدّد سوريا بحروب، وتحالف مع كميل شمعون اليميني في لبنان، وشارك الأمريكيين في أقاصي الأرض في الحرب الكورية، فحمل تركيا إلى المنظمة الأكثر عداء للإسلام والحركات التحررية حتى اليوم أي حلف شمال الأطلسي .

وهنا كان الفارق مع أربكان . أربكان أخذ كرة الإسلام التي سرقها عدنان مندريس ومن بعده سليمان ديميريل في الداخل، ليقدم الإسلام الذي لا يتناقض مع نفسه أي المقاومة ضد الذين يريدون استئصاله في الداخل، والنضال ضد القوى الاستعمارية التي كانت تريد ولاتزال الهيمنة على العالم الإسلامي ومنه تركيا .

وبهذا الموقف المنسجم مع نفسه ومع روح الإسلام في الداخل والخارج، أمكن لنجم الدين أربكان أن يطلق حركة إسلامية سليمة ونقية لا تتوسل الدين مطية لمآرب سياسية . وهو كان دأب أربكان على امتداد مسيرته السياسية التي لم تتغير مواقفه حتى عندما كان في السلطة شريكاً في حكومات أو رئيساً لحكومة في العامين 1996 و1997 . وقد دفع من حياته السياسية أثماناً باهظمة ثباتاً على مواقفه وأهمها الانقلاب المقنّع الذي نفّذه الجيش ضده عبر قرارات مجلس الأمن القومي في 28 شباط 1997 .

الخاصية الثانية لنجم الدين أربكان أنه مع دفاعه حتى الرمق الأخير عن تجربته الإسلامية، فإنه كان واقعياً ولم يتردد لحظة في أن يكون إسلامياً منفتحاً ومرناً لا يتخلى عن الثوابت لكنه يراعي التكتيكات والظروف .

وفي هذه النقطة يسجل لأربكان أنه أول زعيم إسلامي في العالم الإسلامي انخرط في اللعبة الديمقراطية على الطريقة الغربية في تركيا، وكان منخرطاً بفعالية في كل الانتخابات البلدية والنيابية منذ أن أسس أول حزب له في العام ،1960 ولم يسعَ أربكان ولا في أي مرحلة إلى استخدام العنف أو التهديد باستخدامه رغم تأويل البعض خطأ لبعض تصريحاته في هذا الصدد، ولكن التجربة الحية تشير إلى أن أربكان التزم قواعد اللعبة الديمقراطية بحذافيرها . فجاء إلى السطة عندما كان فائزاً وتخلى عنها عندما فقد الدعم، وتحمل مسؤولية قيادة البلديات، ودخل إلى السجون، ولم يلجأ إلى العمل السري عندما كان النظام يحل أحزابه، بل كان يلجأ إلى الطرق الشرعية بتأسيس حزب جديد رغم أن العملية الديمقراطية في النهاية في تركيا وإلى أمس قريب، كان يمسك بخيوطها من وراء الستار، وأحياناً مباشرة، خليط من القوى التي يهيمن عليها العسكر في ما يعرف بالدولة العميقة .

وفي هذه النقطة كان أربكان يضيف إلى الحركة الإسلامية في تركيا خاصية لا توجد في العالم الإسلامي، وهي اعتماد الطرق الشرعية والسلمية للوصول إلى السلطة واحترام الآخر .

وهذا لا شك شكّل تحدياً كبيراً للحركات والتيارات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي التي انتهج بعضها طرق العنف وبعضها الآخر عدم الإقرار بوجود الآخر .

ومن هذا النهج الأربكاني خرج “النموذج التركي” الحالي الذي يحمل لواءه حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان .

إنه الثابت أبداً في مواقفه في الداخل والخارج، وهو الواقعي أبداً في التعامل مع الظروف .

رحم الله أربكان، كان نموذجاً وسيعرف الجميع قدره أكثر بعد رحيله . لكنّ، المهم أن يتعلموا من سيرة استثنائية في تركيا والعالم الإسلامي اسمها: نجم الدين أربكان .

================

الثورة والتغيير والمحصلة    

آخر تحديث:الأحد ,06/03/2011

عبد الزهرة الركابي

الخليج

إذا كانت هزيمة 67 شكلت انطفاء وهج الثورات التي جاءت بآلية الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية، فإن الوقت الحاضر يدون لمرحلة تجسد استعادة هذه الثورات لوهجها، ولكن في هذه المرحلة تندلع بآلية شعبية على النحو الذي حصل في أكثر من بلد عربي، الأمر الذي يعني أن الثورة من هذا النوع ستعمد إلى إحداث تغيير جذري في النظام، على عكس ثورة الانقلاب العسكري التي أخفقت في القيام بعملية الإصلاح المتدرج والبطيء، بعدما تركت الفساد يستشري في مفاصل نظامها، وكان هذا العامل يقف وراء اضطلاع الشعب بمهمة الثورة .

ولو افترضنا، أن النظم وريثة ثورات الانقلاب العسكري أو غير ذلك، جادة بعملية الإصلاح، فإن هذا الإصلاح هو في حقيقته لا يستقيم مع الثورة لاعتبارات عدة، ومنها أن الإصلاح عملية ذات نفس بطيء وتتخللها معيقات من الروتين والبيروقراطية، قد لا تكتمل على النحو المطلوب، وربما تتحقق في جانب وتخفق في جانب آخر، واعتماداً على أداء وجدية هذا النظام أو ذاك .

بينما الثورة في مفهومها، تعني إحداث التغيير الجذري والشامل على شكل قفزة وانقلاب، أي هي هيكلة تأسيسية لنظام جديد، وقد يأتي كل من مفهومي الإصلاح والثورة بناء على نظريات فلاسفة الاجتماع الذين رأوا أن هناك تعارضاً بين الإصلاح والثورة في معالجة شؤون المجتمع، وقد انبرى منظرو الإصلاح إلى تبني عملية إصلاح المجتمع من خلال استراتيجية تعتمد على عملية التغيير البطيء والمتدرج، وكان أميل دوركايم الفرنسي وماكس فيبر الألماني وباريتو الإيطالي على رأس منظري الإصلاح، في حين ان منظري الثورة مثل كارل ماركس وفريدرك أنجلز يطالبان بعملية انقلاب على الأوضاع القائمة بهدف إحداث التغيير الشامل .

لا شك أن عملية الإصلاح في المنطقة قد تعثرت واضمحلت على الرغم من إعلاناتها في أكثر من بلد، حيث أدى ذلك إلى حدوث جمود في العملية السياسية في البلدان التي روجت في إعلاناتها عملية الإصلاح، وتحوّل هذا الجمود إلى ما يشبه حالة متراكمة من اليأس والإحباط لدى الشرائح المتضررة من النهج السلطوي السائد، والذي انحصر في منافعه الاقتصادية على نخبة غنية، باتت تفيد هذا النهج وتستفيد منه، خصوصاً أن هذه النخبة هي من نتاج وإفرازات هذا النهج السلطوي بحكم عوامل وظروف، تتعلق بالمصلحة الاقتصادية المتبادلة والحصرية، وعلى حساب الشريحة الأكبر التي تتمثل بطبقة الفقراء .

إن الثورة بآليتها الشعبية وعلى النحو الذي جرى، إنما قامت بفعل أسباب طبقية، هي من استيلاد النهج السلطوي المزمن، والذي ما كان له أن يمعن في أدائه هذا، لو كان ذا نهج ديمقراطي تداولي للسلطة، بيد أن النظم التي انتفضت عليها الشعوب مؤخراً، إنما كانت نظماً ديكتاتورية وشمولية، وهي لم تكن على تماس بالشريحة الأكبر (الفقراء) في بلدانها، وبالتالي فقد واجهت انتفاضة شعبية ديناميكية ذات بعد طبقي اقتصادي . صحيح أنها طالبت ودعت إلى هدف سياسي عبر تغيير النظام، لكنها كانت بدافع طبقي اقتصادي، والدليل أن قوى المعارضة السياسية في البلدان التي ثارت فيها الشعوب، لم تستطع تجيير هذه الثورة إليها أو حتى الادعاء بالوقوف وراءها .

وإذا كانت منطقتنا مشهودة بالنظم الشمولية المعمرة، فإن مثل هذه النظم في العالم قد تغيرت وأصبحت من مخلفات الماضي، ويعود لحقبة التسعينيات المد الجارف في سقوط الكثير من النظم الشمولية، مثلما حدث في بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية، كما ان الاتحاد السوفييتي قد انفصلت عنه خمسة عشر جمهورية، ارتأت أن تتبنى نظاماً بعيداً عن الشمولية وقريباً من الديمقراطية، وهذا الأمر يشمل نظماً شمولية أخرى في أمريكا اللاتينية وفي آسيا وإفريقيا، ويبدو أن منطقتنا العربية تلمست طريقها في هذا المضمار .

من الواضح أن الثورات الشعبية على النحو الذي جرى ويجري، تواجهها تحديات كبيرة، خصوصاً أن متصدري ومنظمي هذه الثورات، هم من غير محترفي السياسة، وهؤلاء يمثلون فئات عمرية شابة، مشحونة بالنقمة والغضب، جراء تهميشها وتعطيل دورها، لا سيما في الجانب المعيشي والاقتصادي، الذي مثلما أسلفنا كان الدافع المهم في اندلاع الثورة .

وعليه، فإن مفهوم الثورة بعنوانها التغييري في منطقتنا على نحو خاص، قد لا يتحقق على نحو شامل وجذري، لأن مثل هذا التغيير لا يمكن له أن يصل إلى مطافه الأخير، وفقاً لما كان يتصوره ماركس وأنجلز، ربما يتم تغيير رأس النظام الشمولي وتغيير أشخاص يمثلون أركان النظام في موقع هنا وموقع هناك، وتتم معالجات وترقيعات، لكن في المحصلة النهائية، تظل أسس وركائز هذا النظام ثابتة بشكل أو بآخر، من واقع أن الثوار لا يحملون أي استراتيجية واضحة لنظام بديل، ثم إن منطقتنا بتنوعها الديني والمذهبي والقبلي والطائفي والسياسي، لا يُمكن لها أن تحظى بنظام ديمقراطي وفق نموذج (فيينا) أو الديمقراطية الغربية .

================

يحيّون الثورة ويحاصرون مصر

جلال عارف

التاريخ: 06 مارس 2011

البيان

كثيرة هي التحديات الداخلية التي تواجهها ثورة مصر. فالتركة ثقيلة بين فساد لا يصدقه العقل، وبين انهيار أمني تعمده النظام السابق ويحاكم من أجله الآن وزير الداخلية السابق الذي سحب كل رجال الشرطة من الشارع في لحظة فارقة من الصراع وأطلق المجرمين من السجون وترك البلاد لأيام طويلة ومريرة تحت رحمة البلطجية وقطاع الطرق.

ثم هذا الموقف الذي تختلط فيه مطالب الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة بمطالب فئوية تجتاح كل مؤسسات الدولة ومواقع الإنتاج بعضها يعبر عن مظالم حقيقية لابد من التعامل معها ولو ببرنامج على مراحل يرتبط بدوران عجلة الإنتاج واسترداد أموال الدولة المنهوبة، وبعضها الآخر يبدو أن أصابع التآمر تعمل لإشعالها من أجل تعطيل مسار الثورة ومن أجل إبعاد شبح المحاسبة الذي يؤرق كثيراً من رموز الفساد التي لم تفقد الأمل في استعادة نفوذها. التحديات الداخلية كثيرة.

وهي لن تحسم إلا بحسم التناقض الأساسي في الموقف بين ثورة انتصرت في الشارع وتم الاعتراف الرسمي بشرعيتها، ولكنها لم تمسك بعد بمقاليد السلطة، وبين نظام سابق تم الإعلان الرسمي عن سقوطه بينما مازال يسيطر علي أجهزة الدولة واقتصادها وإعلامها، ويحاول الترويج لمقولة إن الأمر انتهى بسقوط رأس النظام وبعض رموزه، حسم هذا التناقض هو مفتاح الموقف، والثورة تسير في طريق حسمه لمصلحتها، والمهم أن يتم ذلك بسرعة وبالحرص كل الحرص على عدم ترك أي فرصة لمحاولات الوقيعة بين الشعب والجيش الذي حمى الثورة وانحاز لها منذ البداية والذي يتحمل عبء العبور بالدولة من الفترة الانتقالية في ظروف بالغة الصعوبة.

هذه الظروف الصعبة لم تعد قصراً على الداخل، فما يجري حول مصر الآن شديد الخطورة ولابد من الالتفات إليه والتعامل معه بكل بجدية لأنه يعكس بعض ما سيكون علينا مواجهته (مصرياً وعربيا) في المرحلة القادمة من تحديات، ولأنه قد يعطي صورة لتصورات القوى الإقليمية والعالمية لمستقبل الأحداث في المنطقة والمسار الذي ترى أنه يحفظ مصالحها ومدى مراعاته لمصالحنا أو توافقه معها!

مع اندلاع الثورة وعودة مصر لموقعها العربي، انطلقت الآمال في إنهاء سنوات التراجع العربية التي بدأت مع إجهاض نتائج حرب أكتوبر وزرع بذور الانقسام العربي واستغلال غياب مصر لكي تتحول المنطقة العربية إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية لاكتساب مواقع نفوذ.

ورغم الترحيب الكبير الذي جاء بعد تردد من جانب أميركا والدول الغربية بالثورة وانجازها الرائع، وتأثيراتها المرتقبة في المنطقة، فقد كان هناك الحرص على ربط ذلك بالتأكيد الأميركي والأوروبي علي ضرورة استمرار التزام مصر باتفاقاتها مع إسرائيل. ولم يكن الأمر هنا يتعلق بتصريحات رسمية تؤكد على ذلك، بل بخلق الظروف التي تجعل الخروج من نفق كامب ديفيد أمراً مستحيلاً.

والتي تضمن أن القوى القادمة للحكم ستلتزم تماماً بالمسار القديم. أمر آخر كان في وعي هذه القوى الخارجية (وفي مقدمتها أميركا) وهي تبحث في تأمين مصالحها، ثم وهي تراقب مسار رياح الثورة في أنحاء العالم العربي بعد الشرارة التي انطلقت في تونس وأينعت في مصر. كان هناك ترحيب (بدرجات تختلف باختلاف العواصم العربية والمصالح الأجنبية) بأي خطوات نحو الديمقراطية. ولكن كان هناك حرص مبالغ فيه على التأكيد على محلية المطالب الشعبية واختفاء الشعارات القومية، والتهليل لذلك باعتباره دليلاً على نضج الشعوب العربية.

وتجاهل المسار المشترك لهذه الشعوب طلباً للحرية والعدل وهو مسار يؤكد أن «العروبة» التي احتفلوا بدفنها قبل سنوات مازالت هي الأبقى وستظل العنوان الوحيد لهذه الأمة وهي تبحث عن مستقبلها رغم كل التحديات! على هذه الخلفية ينبغي النظر إلى تطورين هامين بالنسبة لمصر الثورة، أولهما هذا الذي يتعلق بأخطر ملف يمكن تفجيره في هذا الوقت بالذات، وهو ملف مياه النيل.

حيث تمت ممارسة الضغوط الهائلة على دولة بوروندي لكي توقع على اتفاقية الإطار التي أعدتها دول حوض النيل والتي تستهدف حرمان مصر والسودان من حقهما التاريخي في الحصة التي يحصلان عليها من مياه النيل.وقد خضعت بوروندي في النهاية للضغوط التي مارستها أساساً أثيوبيا (!!) ومطلوب منا إلا نسأل لم إذا الآن ؟

وأين دور الذين ملأوا الدنيا بالحديث عن ضرورة مساعدة مصر بعد الثورة ؟ وأي خيوط امتدت في هذا القرار بين العاصمة الأثيوبية وبين واشنطون من ناحية وتل أبيب من ناحية أخرى ؟ أما الحدث الثاني فهو اندلاع ثورة الشعب الليبي وتعرضه للقتل والإبادة من جانب نظام حكم مازال يتشبث بالسلطة. وهو نظام كان يتمتع في السنوات الأخيرة بتدليل الغرب (لأسباب تتعلق بالديمقراطية وليس بالبترول بالتأكيد) .

وظل يتمتع في الأيام الأولى للثورة ليس فقط بالدعم السياسي بل بالدعم اللوجستي من جانب العديد من الدول الأوروبية. والآن نجد أنفسنا أمام أسطول سادس يقترب من السواحل الليبية مع أحاديث عن تدخل عسكري محتمل، وفي نفس الوقت تبشرنا وزيرة الخارجية الأميركية بأننا في مواجهة أزمة ستطول .

وربما تنتهي بصومال جديد، أي أن الخيارات أمامنا هي: صومال جديد أو عراق آخر، وهي تريد الوقت لتحقيق ذلك، ولضمان أن يكون النظام الجديد في ليبيا (وربما النظامان أو الثلاثة إذا تم التقسيم) لاعباً في فريقها، وأن يكون الفصل تاماً بين ثورة ليبيا والثورة في مصر، وأن تنكفئ كل منهما على الداخل ومشاكله التي زادت بالنسبة لمصر بفتح ملف النيل وبمليون مصري عائد من جحيم القذافي وتحريضه عليهم.

والتحرك العربي لابد أن يكون سريعاً وحاسماً لنصرة الشعب الليبي وحمايته من إرهاب السلطة المتهاوية ومن مخاطر التدخل الأجنبي، وأيضاً لمساندة الثورة في مصر لإكمال مسيرتها انطلاقاً من إدراك واضح بأبعاد الصراع الدائر بين أمة عربية تدرك قيمة استعادة مصر لوجهها الحقيقي لتنهي ثلاثين عاماً من الغياب الكارثي عليها وعلى العرب، وبين من يحاولون حصار الثورة بالمشاكل.

================

مخاطر تحيط بالإصلاح في مصر

المصدر: صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية

التاريخ: 06 مارس 2011

البيان

يعد التقدم المعتمد على التحول السريع وحده ضرباً من الوهم، الأمر الذي ربما يقوض جهود الملايين من المصريين ممن خرجوا إلى الشوارع يطالبون بالتغيير. وبدلاً من ذلك، يتعين على جماعات المعارضة في مصر اتخاذ خطوات من شأنها ضمان الإصلاحات المجدية في إطار جدول زمني معقول.

تعيش مصر حالياً قطيعة ملموسة مع ماضيها القريب وتحولاً جوهرياً في الوعي السياسي في البلاد، بعد تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة. ومع ذلك، فإن هناك مخاطر حقيقية من شأنها أن تؤدي إلى تقلص الحماسة والتفاني اللذين اتسمت بهما البلاد في الأسابيع الأخيرة، إلا إذا تم وضع منهجية للفترة الانتقالية الحالية. فالجهود المبذولة لضمان انتقال سريع لسلطة مدنية يمكن أن تنتهي إلى إحباط للتقدم نحو التغيير الثوري سعى إليه ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجله.

إن السعي إلى تحقيق تقدم يستند على الانتقال الانتخابي المتسرع للسلطة سوف يكون ضرباً من الوهم، الأمر الذي قد يقوض الجهود الرامية إلى تحقيق إصلاح حقيقي. وبدلاً من قبول عملية انتقال يتم تطبيقها وإملاؤها من جانب القوات المسلحة فقط، ينبغي على قوى المعارضة المصرية الحفاظ على توحدها في مسعاها لاتخاذ إجراءات فورية من شأنها الحيلولة دون التحول إلى حكم يقوده العسكريون، مع السماح بفترة انتقالية أكثر واقعية.

تحرص جماعات المعارضة في مصر على ضمان أن تكون وصاية القوات المسلحة، في الواقع، مؤقتة، وليست تمهيداً لتوطيد أركان نظام أعيد تشكيله بقيادة العسكريين. هذا القلق وغيره من المخاوف الأوسع نطاقاً والتي لها ما يبررها، مفهوم على أساس تاريخ مصر والتطورات الأخيرة. إلا أن هذه المخاوف ذاتها يمكن أن تؤدي إلى تقديم الدعم لعملية انتقال من شأنها أن تقوض بالفعل الأهداف الأساسية للثورة المصرية وتخريب الإصلاح الشامل. والجدول الزمني ذي الستة أشهر لإجراء انتخابات شعبية، حسبما أعلن المجلس العسكري المصري، سيملي أن يكون الإصلاح في الفترة الانتقالية سطحياً، وأنه حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة لن يمثل فرصة للسياسة التمثيلية الحقيقية.

سواء كان الجيش المصري على صواب أو خطأ، فقد عزز سمعته بين الشعب المصري بعدما رفض توجيه أسلحته ضد مواطنيه، وإصراره على تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، بعدما بات واضحاً أن استقرار البلاد يعتمد على اتخاذ مثل هذه الخطوة. وقد أفسحت جماعات المعارضة المصرية، لأسباب مفهومة، للجيش في وضع مسار من أجل العودة إلى السلطة المدنية. الأمر المثير للريبة أن الجيش سيسعى لإضافة عبء الحكم إلى مسؤولياته في وقت الأزمات الاقتصادية الحادة.

اتخذ المجلس العسكري أيضاً العديد من الخطوات اللازمة والمطمئنة التي تشير إلى التزامه بتحول سلمي للسلطة، وإعادة القوات المسلحة إلى ثكناتها. وفي هذا السياق، فقد بادر الجيش بحلّ مجلسي البرلمان غير الشرعيين، وعلق العمل بالدستور الذي عفا عليه الزمن، وأعلن أن الانتخابات سوف تجرى في غضون ستة أشهر، وأعاد تشكيل الحكومة المؤقتة.

ومع ذلك، فإن حدود صبر القوات المسلحة على استمرار الاحتجاجات أصبحت أكثر وضوحاً، ووضعت مسألة استخدام القوة القسرية لتفريق المظاهرات نوايا الجيش مرة أخرى موضع التشكك. ومع وضع الاستقرار كأولوية قصوى له، ينبغي أن يكون واضحاً الآن أن الجيش سيسعى على الأرجح إلى الحد الأدنى من الإصلاحات الضرورية لاحتواء روح الاحتجاج واستعادة الحياة الطبيعية.

=================

تغيير قواعد «اللعبة» في الشرق الأوسط

بقلم: جيفري كامب‏

موقع quif.news

ترجمة

الأحد 6-3-2011م

ترجمة :حكمت فاكه

الثورة

بلاشك سيكون للأحداث التي وقعت مؤخراً في كل من تونس ومصر وحالياً ليبيا، آثار بعيدة المدى على المنطقة وماخلفها مما يتعين على أميركا إعادة التفكير من جديد في استراتيجيتها تجاه العالم العربي والقيام بإجراء التغييرات الضرورية عليها وفقاً لما يتطلبه الواقع الجديد.

تعرف الإدارة الأميركية جيداً أن الثورة السلمية التي أطاحت بالرئيسين التونسي والمصري بن علي ومبارك قد أحدثت مفاجأة كبرى لإدارة المخابرات الأميركية السي-آي-أيه وهذا يمثل صفقة قوية لأميركا وأجهزتها الاستخباراتية ذات الأذرع الطويلة والمتحكمة بالعالم.‏

ويعود الفضل الأكبر في إطلاق الشرارتين في كل من تونس ومصر إلى شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام التلفزيوني وعلى وجه التحديد«الفيس بوك» و«تويتر»، وتكتسب ثورة مصر أهمية خاصة وكبرى حالياً، وإن كان من المبكر التنبؤ بالنتائج النهائية لها.لقد كانت الفرحة كبيرة بعد تنحي مبارك عن الحكم، وكان لهذه الفرحة مايبررها بالطبع، لكنها لم تستغرق سوى بضع ساعات حتى بدأ المحللون والخبراء والمختصون بتشريح تداعيات اليوم التالي وبيان ضخامة المهمة التي ستواجهها مصر في إعادة هيكلة حكومة تعددية جديدة تعكس رغبة الملايين العديدة الذين تظاهروا في الشوارع خلال الأسابيع الماضية مطالبين بالتغيير.‏

فعندما غزا بوش الابن العراق في عام 2003، ووعد بجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط، بدأ المحللون يفكرون لإيجاد طرق عملية أكثر لتحقيق الإصلاح في هذه المنطقة الهامة بالنسبة لأميركا.‏

لكن من خلال ماحصل بعد ذلك تكون إجماع مفاده أن تنظيم الانتخابات كخطوة أولى على طريق الديمقراطية كما حصل في العراق وأفغانستان وفلسطين، لم يحقق النجاح المطلوب في بناء المؤسسات الراسخة التي يحتاجها الحكم الرشيد بصورة عاجلة.‏

إن الفكرة السائدة في الوقت الراهن هي أنه يتعين على البلدان امتلاك مؤسسات ديمقراطية قوية قبل إجراء انتخابات ، تشمل مثل هذه المؤسسات القضاء المستقل والأحزاب السياسية المنظمة والاتحادات المهنية والدستور الذي يحدد الحقوق، والصحافة الحرة، وكل ذلك يجب أن يكون جاهزاً قبل التوجه إلى صناديق الانتخابات.‏

وكما أظهرت بجلاء تجربتا العراق وأفغانستان فإن الاكتفاء بإعطاء كل فرد من الشعب صوتاً سيعني أن هذا الفرد سيقدم صوته في الانتخابات وفقاً لولاءاته الإثنية والدينية والعشائرية وهو مايؤدي في التحليل الأخير إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع، عوضاً عن أن يحقق التماسك في نسيج ذلك المجتمع وتحقيق التعاون بين مكوناته جميعاً.‏

ولحسن الحظ فإن لمصر تقاليد حكومية طويلة وقديمة يمكن وصفها بأنها معقولة لدرجة ما، لكنها غير ديمقراطية في الوقت نفسه، وبخصوص نظام مصر القضائي فإن هذا النظام لم يتمتع بالاستقلالية خلال عهد مبارك.‏

إن مصر تواجه حالياً تحديين سريعين يتمثل التحدي الأول في السؤال التالي: هل سيكون الجيش المصري قادراً على العمل مع الزعماء المدنيين الممثلين في صياغة دستور جديد والإشراف على تكوين حكومة انتقالية مع القيام في الوقت نفسه بالإعداد للانتخابات العامة؟‏

والسؤال الثاني هو: هل سيكون للشباب الشجعان في ساحة التحرير بوسط القاهرة صبر كافٍ يسمح بنجاح عملية الانتقال؟‏

فيما يتعلق بالإدارة الأميركية فإن المهمة التي ستواجهها هذه الإدارة لاتقل عن المهة المصرية من حيث ضخامتها، فقد أصبح معروفاً للجميع أن إدارة أوباما قد انقسمت بخصوص الكيفية التي كان يجب أن تدار بها عملية التعامل مع الاحتجاجات التي انفجرت في القاهرة والاسكندرية والسويس والعديد من المدن المصرية الأخرى، وتفاصيل ذلك أن الدبلوماسيين والخبراء العاملين في وزارة الخارجية طالبوا بتوخي الحذر، في التعامل مع التطورات الحاصلة وأوصوا الرئيس بعدم التسرع في تقويض وضع الرئيس المصري الذي كان حليفاً مخلصاً لأميركا ولمدة ثلاثين عاماً.‏

إن هذا لم يكن هو موقف مسؤولي البيت الأبيض المشرفين على أجندتي الإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان، والذين دعوا إلى تقديم المساندة المباشرة للمظاهرات وكانت حجتهم في ذلك أن فشل مبارك في إصلاح حكومته يمثل خطأً كبيراً من جانبه،وأن الوقت قد حان بالتالي لدعم معارضيه..‏

وفي نهاية المطاف فعلت إدارة أوباما الشيء الصحيح من خلال عدم القبول بموقف مبارك الرافض للتنازل عندما خاطب شعبه يوم العاشر من شباط وذلك رغم المطالبة التي لم تتوقف للمتظاهرين بإسقاط النظام وتنازله هو عن الحكم، ولعله ليس من قبيل المبالغة القول هنا إن هذا الموقف الحازم من جانب أميركا كان على الأرجح هو الذي شجع الجيش المصري كي يقول لمبارك إن وقت الرحيل عن المنصب قد حان.‏

ستكون الأيام القادمة صعبة ولابد من النكسات لكن الشيء المؤكد هنا هو أن المنطقة لن تعود إطلاقاً إلى ماكانت عليه قبل 25 كانون الثاني.‏

والحقيقة أنه تمت الإطاحة بالرئيس المصري مبارك بطريقة سلمية نوعاً ما. وهذا يمثل في حد ذاته رسالة ستدوي أصداؤها في الكثير من الدوائر ، وتحقق نتائج غير متوقعة يمكن أن تؤدي في النهاية لتغيير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط بكاملها.‏

================

مسلسل الثورات العربيّة الذي لن يتّوقف

المستقبل - الاحد 6 آذار 2011

العدد 3931 - نوافذ - صفحة 13

غازي دحمان

يحمل الحديث عن ثورات عربية شرعية مفهومية وواقعية بيئية، ذلك أن الواقع العربي -على مختلف مستوياته - ينطوي على قدر كبير من التوافق، إن كان على مستوى النخب التي غرقت في الفساد المبتذل والمستفز، أو على مستوى المجتمعات التي وصلت شرائح كبيرة منها إلى أفق مسدود.وإذا كانت الثورة التونسية بدأت تقطف ثمار تضحيات أبنائها، فإن نظيرتها المصرية الواصلة لتوها إلى ميدان حريتها، بعد أن أصرت على بلوغ الخواتيم السعيدة، بدأت في تفكيك حزمة العقد التي وضعت في طريقها على جبهات متعددة، في حين راحت ثورات عربية أخرى تتحضر للظهور، وإن كانت حالة التحضير هذه تمتد من استطلاع طريق الثورة واستكشاف شكل ومدى ردة فعل الأنظمة إلى ثورات بدأت في تجهيز شعاراتها وملصقاتها.

لقد كان للثورة التونسية تأثيرات مهمة في البيئة العربية، فهي وإن بدت في الشكل ثورة عفوية، فإنها ألهبت المشاعر وولدت مزاجاً عربياً متفائلاً، كما أنها في المقابل طرحت تحديات خطيرة على المجتمعات العربية ستؤدي تفاعلاتها إلى خلق واقع عربي أياً تكن توصيفاته فإنه مختلف تماماً عما كان قبل حدوث الثورة التونسية.

- التحدي الأول: إدراك أن أوضاع المجتمعات العربية لم تكن سليمة، بل يجب أن تشكل المرحلة السابقة حالة استثنائية، لا بد من أن تنتهي، لينتهي معها ذلك الإحساس بالخديعة الذي مارسته النخب الحاكمة تحت شعارات زائفة ومضللة.

- التحدي الثاني: إدراك المجتمعات العربية لمستوى هشاشة الأنظمة التي حكمتها على مدار عقود. فبالرغم من هول ماكينة القمع التي وظفتها السلطات العربية في مواجهة مواطنيها، فإن سر نجاح تلك الماكينة اعتمد بالدرجة الأولى على تقنية استغلال الخوف بدرجة كبيرة، لذا فإن الظاهرة "البوعزيزية" قد أسهمت في تعطيل تلك الماكينة وتفكيك لغزها.

- التحدي الثالث: تأكد المواطن العربي من أن وسائل الأنظمة العربية في التعاطي مع التحديات الكبيرة التي يفرضها الواقع العولمي، ليست مجدية وفاعلة في إيجاد حلول للمشاكل الكبيرة التي بات يغرق فيها العالم العربي، الأمر الذي تولد عنه الإحساس بأن العبور إلى المستقبل بات مستحيلاً في ظل وجود هذه الأنظمة.

لم تكن ثورة الشباب المصري بعيدة عن منطق مواجهة هذه التحديات، بل بدت معنية بها أكثر من أي ساحة عربية أخرى، وذلك بحكم درجة التطور التي توفرت للمجتمع السياسي المصري، إما نتيجة للخبرة التاريخية المديدة في الشأن السياسي، أو بالنظر لديناميكية النخب في مصر وفاعليتها، وكل ذلك في موازاة نظام اجتماعي اقتصادي انطوى على خلل كبير في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وطبقاته، أدت إليه اللوحة الاقتصادية/ الاجتماعية الجديدة التي تشكلت في عهدي أنور السادات وحسني مبارك (مرحلة الانفتاح)، والتي كان من نتيجتها إفراز طبقات وفئات اجتماعية ثرية جديدة من البرجوازية الجديدة مرتبطة على نحو وثيق بالسلطة.

وقد ساهم خلل النمو وطبيعة البرجوازية الجديدة ذات الطابع الخدماتي والوسيط في عدم قدرتها على استيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمالة، وهو ما استفحل منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها القوية على غير بلد عربي، هنا اجتمع الاحتجاج الاقتصادي والاجتماعي ليتوجه ضد سلطة سياسية شكلت الخيمة والإطار لولادة هذا النمط الاقتصادي والاجتماعي، والذي أتت من خلاله أو في ظله ثروات الأغنياء البرجوازيين الجدد، ما أدى إلى أن يكون الانطلاق من الاقتصاد ليس محصوراً أو محدداً بمطالب اقتصادية واجتماعية محضة، وإنما وصل إلى النظام السياسي الذي كان الخيمة والقوة الدافعة للخريطة الاقتصادية والاجتماعية خلال العقود الماضية.

حركياً، بدأت ملامح المشهد المصري الرافض لهذا الواقع في التشكل في بواكير هذا القرن، وقد شكلت "حركة 20 مارس من أجل التغيير" في بداية عام 2003 أول نذر الصدام بين السلطة والمجتمع المدني، وكان بيان تأسيس هذه الحركة قد حمل خطاب التغيير الجذري، حيث أكد أنه "أصبح من الصعب أن يستمر الوضع على ما هو عليه"، ودعا إلى بناء "حركة مفتوحة أمام الجميع تعبر عن أوسع تحالف يقوم على مبدأ التغيير مع الناس ومن أجل الناس".

وبموازاة الطابع الجذري الذي ميّز خطاب هذه الحركة، فقد مثّل ظهورها ولادة نمط جديد من العمل العام في مصر يختلف عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شكله وطابعه واتجاهاته، وهو نمط الاحتجاج المنظم على الأوضاع القائمة، والعمل من أجل التغيير الديموقراطي عبر البيانات والمؤتمرات، ثم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وسيظهر هذا النمط بشكل أكثر تنظيماً مع ظهور حركة "كفاية" أواخر عام 2004، وكذلك حركة "الجمعية المصرية من أجل التغيير".

غير أن الواقع الحركي المصري سيشهد قفزة نوعية مهمة مع ظهور حركة "6 أبريل" التي يعتبر الكثير من خبراء الشأن المصري أنها ساهمت في خلق الأجواء التي مهدت لحالة جديدة في مصر بعد أقل من خمسة أعوام. وكان قد ظهر خلال هذه الفترة أيضاً العديد من الحركات ذات الطابع التغييري مثل "الحركة المصرية من أجل الديموقراطية شركاء"، التي ركزت على التداعيات السلبية للتعديلات الدستورية عام 2007، وحركة "تضامن" التي اختارت طريق "التحرك الجماعي المنظم: ابدأ في شركتك، في مدرستك، في مصنعك... نظموا أنفسكم ووحدوا صفوفكم"، وقد اعتمدت هذه الحركات على شبكة الإنترنت وبراعة أعضائها في امتلاك تقنيات التواصل الإلكتروني.

والواقع، أنه إذا كانت الثورة التونسية بحماسها وعفويتها قد ألهبت الوجدان العربي، فإنها تبدو من الناحية العملية صعبة التكرار، لأنها من نمط الثورات الخاصة جداً، في حين تبدو الثورة المصرية أكثر قابلية للاستنساخ في الواقع العربي، وذلك لمنهجيتها الحركية وتطبيقاتها العملية التي امتدت على مدار 18 يوماً، وفق برنامج ثوري ابتدأ من الاحتجاج إلى التظاهر، وصولاً إلى حالة العصيان المدني في يوميها الأخيرين.

ولعل القاسم المشترك بين الحالة المصرية والعديد من البلدان العربية التي أخذت تتهيأ للثورة هو ظاهرة نهوض الطبقة الوسطى التي كانت قد انسحبت من التأثير السياسي على مدار عقود مضت، وإن كان نهوضها قد تمظهر بشكل عفوي عبر محاولتها تأهيل أبنائها بمتطلبات العصر تعليماً وتدريباً، وقد ساهم ذلك في رفع منسوب الوعي لدى هذه الطبقة التي غالباً ما تربط أوضاعها الاقتصادية بمتطلبات سياسية أكثر اتساعاً وتأثيراً في الوقت نفسه، لارتباط متطلباتها بالمزاج المجتمعي العام.

إضافة لذلك، ثمة تشابه كبير قائم بين النظام المصري الراحل وبقية الأنظمة العربية، ويكاد هذا التشابه يصل إلى درجة التماثل والانطباق الذي يصل إلى حد تكرار النسخة بحد ذاتها، وهو ما يشجع على الاعتقاد بأن هذه الأنظمة مقبلة على مواجهة مصير واحد يبدو شبيهاً بمصير النظام المصري.

لقد أثبتت الثورتان التونسية والمصرية أن القدرة التي تمتعت بها الأجهزة الرسمية على امتداد العالم العربي بدأت في التداعي. يشهد على ذلك خروج الآلاف من الشباب العربي مطالبين بالتغيير والحرية، كما أن الأنظمة ذاتها بدأت تشعر في قرارة نفسها بعدم قابليتها للاستدامة لقناعتها بأن مطالب الجماهير قد تجاوزتها، وكذلك لعدم قدرتها على القيام بالإصلاحات المطلوبة التي ستؤدي حتماً إلى تفكيك بنى الدولة السلطوية التي بنوا عليها أنظمة الخوف المديدة.

لقد تجرأ الكثير من العرب على التفكير في ما لا يمكن تصوره وباتوا يشعرون بالقدرة، وقد تخلصوا من حالة اللامبالاة السياسية التي عاشوا في ظلها عقوداً طويلة، وها هم ينضمون إلى المجال السياسي بانتظار الفجر الديموقراطي.

================

ليبيا.. جذور الثورة ضد القذافي

المستقبل - الاحد 6 آذار 2011

العدد 3931 - نوافذ - صفحة 16

الباحث في مركز البحوث الوطنية، الفرنسي لويس مارتنيز، متخصص بليبيا والجزائر. وقد اصدر مؤخرا كتابا عنوانه "عنف الريع النفطي: الجزائر، ليبيا، العراق". صحيفة "ليبراسيون" (22 شباط 2011) التقته وأجرت معه حوارا حول ليبيا، هنا مقتطفات منه:

- هل فاجأك عنف ردة فعل النظام الليبي، الذي هدد ب"حمام دم"؟

- ان سجل المجزرة المعلنة يأتي في سياق المنطق المعتمد لدى هذا النظام. نظام يدّعي بأنه "دولة الجماهير" ، أو "الجماهيرية"، ولكنه منذ 40 سنة، تاريخ قيام قائده بانقلابه العسكري، فرض نفسه بالخوف وبالقمع المنهجي ضد كافة معارضيه. طوال السبعينات كان القذافي ينعت رافضي نظامه بال"الكلاب الضالة"، فيموّل عمليات اغتيال من كان منهم في الخارج، في مالطا أو مصر. وفي التسعينات، لم يتردّد النظام في الاعتماد على مرتزقة، كما يفعل اليوم، من أجل ملاحقة مجموعة من الاسلاميين الليبيين، كما انه لا يتردّد في قصف بنغازي. ويقدر المراقبون بأن عدد المرتزقة كان آنذاك 10000 رجل، آتون من الاتحاد السوفياتي السابق، أو يوغسلافيا السابقة. دام هذا الصراع من العام 1993 وحتى العام 1998، انتهى باعتقالات جماعية وتعذيب منهجي في سجن أبو سالم السيّء الذكر.

واليوم، من أجل سحق الانتفاضة في شرق البلاد، يلجأ الى مرتزقة كان افرادها اعضاء في ميليشيات افريقية، السودانية منها على وجه الخصوص. فالنظام لا يثق بالجيش وهو يفضل استخدام قوى القهر والقمع التي بحوزته، اي "الحرس الثوري"، أو الشرطة، و"اللجان الثورية" والشرطة السياسية والحرس الأمني، والقوات الخاصة؛ أي ما يضاهي 70 الى 90 ألف رجل. وكل غرضه الإمساك بالأمكنة الاستراتيجية، سيما البنى التحتية المنتجة للغاز والنفط في جنوب البلاد.

- لماذا تحتل شرق البلاد مجددا موقع قلب الثورة؟

- خلال الحرب العالمية الثانية استخدم البريطانيون جماعة السنوسية الأقوياء، القاطنين في الشرق، بهدف مقارعة القوات الايطالية الالمانية. وليبيا التي كانت مستعمرة ايطالية وضعت آنذاك تحت انتداب الامم المتحدة حتى العام 1951. بعد ذلك شجعت بريطانيا على إقامة مملكة مستقلة مع إدريس السنوسي، المنتمي الى الجماعة السنوسية. والسنوسي اقام عاصمة البلاد في البيضاء حتى الانقلاب العسكري ضده عام 1969. قبائل الشرق بقيت ملكية ولم تقر يوما بسلطة القذافي الذي ينتمي الى قبيلة القذاذقة الصغيرة، المقيمة في سرت. ان سلطة القذافي تستند، بالاضافة الى قبيلته، الى قبيلتين أخريين: الورافلة، الذين تجدهم في الجهاز الأمني، والمقارحة المتواجدين في الادارة والعاملين في التجارة. وقد استبعد القذافي قبائل الشرق من جهاز الدولة وحرمهم من أرباح النفط. وهو حوّل مركز السلطة الى طرابلس الغرب، كما في عهد الاستعمار الايطالي. المعارضون الديموقراطيون للنظام والملكيون عملوا كلهم من الخارج، من مصر والسودان والتشاد. وسياسة النظام الافريقية في الثمانينات رمت الى خلق أنظمة "صديقة" كان المطلوب منها طرد المعارضين الليبيين من اراضيها، فلجأ هؤلاء الى الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا.

- المعارضة التي تتحدّى الآن القذافي، هل هي مختلفة؟

- المجتمع الليبي تغير كثيرا. انتقل عدد الليبيين من 1،3 مليون نسمة عام 1960 الى 7 ملايين اليوم. كذلك، 90% من السكان يعيشون الآن في المدن بعدما كان ربعهم فقط يقيم فيها قبل عهد القذافي. ثم ان 50% من السكان هم من الشباب، دون العشرين من العمر. هذه الوقائع الجديدة، أراد سيف الاسلام القذافي أخذها بالاعتبار عندما حاول بين العامين 2005 و2008 إدخال بعض الاصلاحات في النظام؛ وكانت الاشارات التي ارسلها آنذاك، انه هدم سجن ابو سالم وأطلق سراح السجناء السياسيين، سيما الاسلاميين منهم. ولكن الثوار الانقياء كانت لهم الكلمة الاخيرة. من هنا حجم الاحتجاجات، المستوحاة من الثورتين التونسية والمصرية. ففيها تجد اولا الشباب، ومعظمهم يحمل الشهادات وعاطل عن العمل، في اقتصاد قليل التنوع، يعتمد على النفط في 90% من مداخيله. واذا كان هؤلاء الشباب يمثلون القوة الحية للثورة، الا اننا نجد بينهم اسلاميين، موجودين في كافة انحاء البلاد وناشطين في شرقها خصوصا. هناك ايضا المعارضون والمدافعون عن حقوق الانسان. هؤلاء جميعهم حاربهم القذافي، فاستغلوا الانفتاح الذي حصل بين العامين 2006 و2007 ليعرّفوا الخارج على حقيقة النظام (..)

================

لويس مورينو أوكامبو : اللغز المحيًّر..!

نواف أبو الهيجاء

الدستور

6-3-2011

تابعت كغيري المؤتمر الصحفي الذي عقده أوكامبو ، مدعي عام محكمة الجنايات الدولية ، فما استطعت أن أفهم حقيقة موقفه مما يعرض يوميا على شاشات التلفزة العالمية من جرائم ضد الإنسانية يقوم نظام معمر القذافي باقترافها - جهارا نهارا ، وحتى استخدام الطيران الحربي والطائرات المروحية . ولقد علمنا أن عدد البلاغات المرسلة للهيئات الدولية ، ومنها محكمة الجنايات بالذات ، حتى اليوم ، من الشعب الليبي قد جاوزت العشرين ألفا . لست أنكر وجود ايجابيات في حركة المحكمة ومدعيها العام ولكن :

ما حيرني حقا هو أن هذا الرجل الذي ما كان يخفي مثلا حقده ، وكأنه حقد شخصي ، حين كان يتحدث عن الرئيس السوداني ، لكنه تحدث بمنتهى البرود وبما يعني أن الزمن كله ملك له وللمحكمة الجنائية حتى تتبين الخيط الأبيض من الأسود من الجرائم في ليبيا .. ويخيّل إلي انه يريد أن يضيع الوقت - وهو يتحدث عن ضرورة وجود بينات تؤكد اقتراف جرائم ضد الإنسانية . كأن المطلوب أن يقضي القذافي وقواته ومرتزقته على عشرات الألوف من أبناء شعبنا في ليبيا ، ويحرق مدنا بالكامل حتى يمكن للرجل أن يتأكد من وجود ما يستدعي إصدار مذكرات توقيف - وان تطلب الأمر سفرا شخصيا له أو لبعض أعضاء محكمته الدولية .

ومع انه اصدر مذكرات بحق ستة عشر ليبيا من اعوان القذافي والقذافي نفسه فالمذكرة لم تكن للتوقيف او القاء القبض بل ( للتحذير ) . كأنه ضحك على اللحى .

لماذا حاول اوكامبو أن يقول علانية انه مستعد لملاحقة ( كل ) من اقترف جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في ليبيا ، أكان من أعوان القذافي ، أم من ( الآخرين) ممن يحملون السلاح . فمن هم هؤلاء الآخرون الذين يحملون السلاح يا ترى ؟

تجرأ الرجل هذه المرة فعمد إلى مساواة الضحية بالقاتل والجلاد. لماذا ؟ ماذا في ليبيا بالضبط ؟ ألا تشهد ليبيا منذ أكثر من أسبوعين ثورة شعبية ضد النظام ، وان هذه الثورة الشعبية بدأت سلمية ، وان القذافي قابل الصدور الشابة العارية إلا من الإيمان ، بكل ما في الجعبة من أسباب الموت - من قذائف مضادة للطائرات إلى القذائف والصواريخ الجوية إلى رشاشات أوتوماتيكية من طائرات مروحية ، وأبسط الأسلحة كان ( الكلاشنكوف ) . فما كان على الشعب الأعزل إلا ان ينهض للدفاع على النفس وبالسلاح إن توفر .أليس الدفاع عن النفس حقا مشروعا ؟

والأعجب انه ماطل حين قال : القضية تعود إلى القضاة ، وهم الذين يملكون القرار. ولكنه لم يقل إن القضية اليوم على مرحلتين توجبان عليه سرعة التحرك : المرحلة الأولى هو القرار 1970 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وبموجب الفصل السابع من الميثاق - ما يعني انه مرغم على متابعة فورية للقضية وحتى انه قد يكون أو قد يصبح مسئولا عن المزيد من الدماء إن هو تلكأ في إصدار أو طلب إصدار مذكرات توقيف دولية ( للإنتربول ) بحق القتلة وفي رأسهم القذافي . والمرحلة الثانية هي طلب مقدم من المحكمة ومنه شخصيا وبصفته ( مدعيا عاما للمحكمة ) إلى مجلس الأمن لوقف نزيف الدم ومن ذلك اقتراح محدد بتكبيل يدي القاتل بوسيلة يراها المجتمع الدولي كافية لوقفه عند حده وفورا .على ان لايكون طلبه هو احتلال ليبيا او ارسال قوات اجنبية الى هناك .

ما أكده أوكامبو هو انه يدعو إلى فتح تحقيق في الجرائم التي ترتكب أو ارتكبت في ليبيا : وهات زمنا ، وهات قدرة توقف نزيف الدم ، وهات ما يرغم القذافي فعلا على وقف إراقة الدماء ، ويتوقف عن المذابح اليومية بحق آلاف الليبيين من أبناء شعبه : وهو الذي قال انه سيقاتل حتى آخر رجل وآخر امرأة ؟

هل ينتظر اوكامبو أن يقدم للمحاكمة أخر رجل وآخر امرأة على قيد الحياة في ليبيا متهما إياهما باقتراف جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ؟

هذا الرجل لغزمحير فعلا : انك لا تدري إن كان يبحث عن العدالة أم عن أشياء وأمور أخرى ليست( العدالة )على رأس أولوياته على أي حال .

================

ستكون فرصة لتلقين"إسرائيل"درساً حد الخراب

محمد شريف الجيوسي

 الدستور

6-3-2011

تمر الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ومعهما الأطراف الأوروبية المتماهية فيهما ، حالة من القلق السياسي الاستراتيجي ، مع توالي التطورات في المنطقة العربية ، رغم كل الاحتياطات والحسابات الآلية والبشرية (الدقيقة) التي تعمل عليها ماكنة استراتيجيتها متعددة الإمكانات والخبرات ، المتصلة بشبكة عالمية من الجواسيس والعملاء والمتعاونين وأجهزة الدول التابعة ومنظمات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلاً أجنبياً .

وتسرّب واشنطن ومن معها أو تمنع من المعلومات ما يخدمها ، عبر كل الوسائل الظاهر منها والخفي ، وعبر مبعوثين مباشرين ومندّسين ، بأمل إحداث حالة من الخلخلة في الصف المواجه لإرادتها ولمصالحها القريبة والبعيدة في المنطقة العربية من مقاومة وممانعة ، بخاصة أن كل ما حدث ، في السنوات الأخيرة ، رغم محاولات تطويق سورية فلسطينياً ولبنانياً وعراقياً وإضعافها داخلياً وخارجياً ، ورغم حربين ضروسين همجيتين شنتهما ( إسرائيل) ضد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ، لكن النتائج كلها كانت معاكسة لما هو مطلوب من وجهة أمريكا ، وزاد من وضعها تعقيداً تتالي الثورات العربية الشعبية ، التي صبّت كلها في صالح سورية وحلفائها.

لقد أصبح طوفان التغيير العربي هو القاعدة ، وأصبح من يقف في مواجهته هو الخاسر حتماً ، ومن لم يكن قد أعدّ للتغيير مسبقاً ووضع أجندته ، لن يكون رابحاً سواء تجاهل التغيير وعاند واستخدم االعنف أو ركب موجته حيث عليه أن يقدم تنازلات قاسية ليحتفظ بما هو دون الحد الأدنى من الامتيازات والسلطة القامعة .

وحال أمريكا لا يختلف كثيراً عن حال أنظمة القمع التي ساندتها لمجرد أنها موالية لها أو متعاونة مع تل ابيب ، وهي تدرك أن الشوارع العربية طامحة وعاملة على التغيير وأن أمريكا والصهيونية معاً هما عدوها الأول ، فالتغيير الحقيقي لن يأت بما هو صديق لهما ، ومجانبة التغيير أو محاولات تعطيله يحمل مجازفة قصوى لا يمكن تحمّل نتائجه ويعرض مصالحهما وأمنهما الإقليمي للخطر.

ومن هنا فإنهما يعملان على 3 خطوط .. أولهما الترهيب والترغيب والتضليل عبر المبعوثين والتسريبات تجاه سورية وحلفائها . وثانيها خلق المشكلات الداخلية والخارجية من قلاقل وضغوط اقتصادية وسياسية واغتيالات وثالثها المغامرة بحرب مجنونة بزعم تغيير معادلة السنوات أل 10 الأخيرة ، التي لم يقدر على تغييرها احتلال العراق (رغم كل الآلام) وكانت فتنة اغتيال الحريري وشن حربي تموز 2006 وكانون أول 2008 .. وما رافقها من قرارات وحصارات ضد سورية. حيث حمت المقاومة العراقية سورية ابتداءً من أن يمتد الاحتلال إليها ، وكانت سورية سنداً للعراق بطريقتها حائلاً دون أن يكون في مقدور الاحتلال استيطان العقول والنفوس ، وسط مناخ صعب من الألغام والأشواك ومحاولات عزلها.

إن الكيان الصهيوني إذ تضيق الدائرة عليه ، إقليمياً وعالمياً بما ذهب بعيداً من الغطرسة والقتل وحصار المدنيين ورفض دعوات السلم باهظة الكلفة على العرب وبخاصة الفلسطينيين ، فضلاً عن كونها غير عادلة ، جعل تعلق الشارع العربي بما قدّم قادة عرباً من تفريط وانتظار طويل دون جدوى ، أمراً غير ممكن بحال ، بل أصبح رفض هذا الخنوع إلى جانب تدني هامش الحريات والأوضاع المعيشية من دوافع ثوراته وطموحاته.

أقول ، إذ ذاك ، فإن خيارات الكيان الصهيوني لم تعد سهلة ولا سلسة البتة ، فإن أحداً لم يعد لتنطلي عليه التهديدات أو لتثير قلقه ، ولم تعد الحروب والفتن والمؤامرات والحصارات إلا لتزيد سورية والمقاومة والشارع العربي إلا تماسكا وتجذراً وإدراكاً وتصميماً على النصروقدرة على تحقيقه.

من هنا فإن حرباً خاطفة جديدة قد يشنها الكيان الصهيوني ضد سورية ، ستكون فرصة ذهبية لتلقينه درساً جديداً مكلفاً حدّ الخراب ، وإفهام الأكثر عنجهية ودموية من قادته ، والغرب بعامة أن زمن الهزائم العربية قد إنتهى وحان أن يدفع الصهاينة الثمن ، بما صنعت أيديهم ، وان تعلم أوروبا وأمريكا أن مشرقنا ومغربنا وواد نيلنا وقرننا الإفريقي لن يكون إلا لنا حراً عربياً خالصاً مثلما كان ويكون.

=================

بالروح بالدم!

السبت, 05 آذار 2011 19:25

فيصل القاسم

السبيل

متى يتوقف البعض عن استهبال الشعوب بتصرفاتهم الصبيانية السخيفة التي لم تعد تنطلي حتى على تلاميذ المدارس؟ إن الزمن الأول تحول. وكما ترون العيال كبرت، وغدت واعية جداً. لم يعد بإمكانكم أن تضحكوا على ذقون الشعوب كما كنتم تفعلون في الماضي، مع العلم أن بعض الشعوب كانت حتى في ماضي الأيام تعرف ألاعيبكم، وتسخر منها في سرها خوفاً على رقابها.

كلنا يتذكر كيف كان البعض يوعز إلى أحزابه وأجهزته كي تخرج الناس في مسيرات تأييد للنظام بالقوة، والويل كل الويل لمن لا يخرج في تلك المسيرات الكوميدية السخيفة المسيّرة. لطالما شاهدنا الألوف من تلاميذ وطلاب المدارس وهم يخرجون عنوة من مدارسهم لرفع الصور وإطلاق هتافات جعلوهم يحفظونها عن ظهر قلب بشكل ببغائي. ولطالما شاهدنا مئات الحافلات وهي تنقل الجماهير إلى الساحات والميادين العامة كما لو كانت مجرد قطعان من الماشية لتأييد النظام غصباً عنها والتغني بأمجاده الفارغة.

وتذكر إحدى النكات الشعبية أن حاكماً أراد ذات يوم أن يتعرف على مدى شعبيته في الشارع، فدخل قاعة محاضرات متخفياً، فلما ذكر المحاضر اسم الزعيم صفق الجميع باستثناء الرئيس المتخفي، فما كان من أحد رجال الأمن إلا أن ضرب الزعيم على رأسه بقوة قائلاً له: "صفق يا...". فعرف الزعيم وقتها أن شعبيته المزعومة مفروضة بالحديد والنار.

لكن على الرغم من أن الزمان تغير، وأصبحنا نعيش في العصر الإلكتروني الرهيب والسموات المفتوحة والفضائيات المتكاثرة على الدوام، إلا أن بعض ما زالوا يعتقدون أنه باستطاعتهم أن يخدعوا الناس، ويلعبوا بعقولهم بالأساليب والحيل السخيفة القديمة الممجوجة.

لقد جاءت الثورات العربية الجارية لتفضح أولئك السخفاء الذين ظنوا أن الجماهير ما زالت تصدق أكاذيبهم وألاعيبهم. لقد حاول الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أثناء التظاهرات المليونية ضد نظام حكمه أن يُظهر للناس أنه يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الشعب، فأوعز لوزير إعلامه المسجون حالياً بتهمة الفساد ذي العيار الثقيل أن يُخرج المذيعين والمذيعات وبعض البلطجية إلى الشوارع ليصرخوا تأييداً للرئيس المحاصر. ولما وجد الرئيس صعوبة في إيجاد "الهتيفة" المحترفين، لجأ إلى استئجار بعض المرتزقة والمتسكعين، فخرجوا يصرخون بأعلى صوتهم، مهللين لمبارك مقابل بضعة جنيهات. طبعاً كل الذين خرجوا تأييداً لمبارك أثاروا ضحكاً مجلجلاً لدى المشاهدين الذين رأوا في ذلك المشهد أسخف أنواع الكوميديا السوداء التي تثير مختلف مشاعر السخرية والتهكم والقرف.

ولما رأى ملك الملوك معمر القذافي أن الجماهير هجرته، وراحت ترميه بأحذيتها، وتمزق صوره العملاقة التي ألصقها أزلامه على جدران البنايات، شعر "الملك" بأن عليه تسوية وضعه بأسرع وقت ممكن، فكانت كتائبه الأمنية بالمرصاد لتلبية الأوامر، فشنت غارات سريعة وخاطفة على دور الرعاية وبيوت الأيتام لتقوم بشحن ألوف الشباب والأطفال من تلك البيوت إلى الساحة الخضراء كي يخطب فيهم سيادة عقيد العقداء، وكي يهتفوا له: "الله، معمر، ليبيا وبس". لاحظوا أن معمر يأتي قبل الشعب في الهتاف. ناهيك عن أن مئات رجال الأمن والشرطة والجيش الليبيين قاموا على الفور بتغيير ملابسهم من عسكرية إلى مدنية، وهرعوا إلى تلك الساحة الشهيرة ليهتفوا للقائد المهجور بكليشيهات أكل عليها الدهر وشرب، كما أفصح ممثل ليبيا في الأمم المتحدة. وقد لاحظنا كيف جاء العقيد بثلة من النساء كي يهتفن له أثناء خطابه الأخير، لا بل راح يكذب على الحاضرين بأن كل الليبيين خارج الخيمة ينشدون نفس الهتافات المؤيدة له، مع العلم أن أحد الشبان الليبيين قال لوسائل الإعلام إنه تعرض ورفاقه لضغوط أمنية كي يخرجوا في الشوارع وينشدوا شعرات مؤيدة للقذافي تحت تهديد السلاح.

والأسخف من ذلك أن القذافي قال في مقابلته الأخيرة مع قناة أمريكية: "إن الشعب الليبي يعشقني ومستعد للموت من أجلي"، يبدو أنه كذب الكذبة وصدقها.

وكم ضحكت قبل فترة عندما استأجرت إحدى السلطات أناساً من بلد آخر للخروج في مسيرة تأييداً لأحدهم بعد أن شكّت في ولاء السواد الأعظم من شعوبها، وقد حاولت تلك السلطات أن تظهر بأن المسيرة كانت عفوية، مع العلم أن كل المؤشرات كانت تدل على أنهم خططوا لها قبل أسابيع، كيف مثلاً عرفت تلك الحشود أن الزعيم سيكون في المكان الفلاني في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية؟ من المستحيل أن يتجمع الألوف خلال دقائق. ناهيك عن أن كاميرات التلفزيون كانت بالعشرات تغطي المسيرة "العفوية". يا سلام! ومما فضح تلك اللعبة السخيفة أن إحدى الدوائر ألبست منسوبيها زياً مدنياً موحداً ظناً منها أنهم سيمتزجون ببقية الناس في المسيرة، ولن يلتفت لزيهم أحد. لكن اللعبة كانت ساذجة جداً، فقد لاحظ المشاهدون على شاشات التلفزيون أن هناك مئات الأشخاص الذين يلبسون جاكيتات جلدية من نوع واحد يطلقون هتافات تأييد للنظام.

لا شك أن القراء الكرام يعرفون مهنة "الهتيفة"، فهم يكونون عادة مجموعة من المدربين على إنشاد شعارات معينة وكليشيهات مختارة بعناية أثناء المهرجانات ومسيرات التأييد وخطابات الزعماء.

ولطالما سمعنا مجموعات من الأشخاص تقاطع الزعيم وهو يخطب لتثني عليه، وتمجده وسط تصفيق الحاضرين وابتسامات الخطيب السخيفة. ربما كان يظن البعض أن أولئك "الهتيفة" أناس عفويون. لا أبداً، فهم غالباً مدربون لذلك الغرض، وفي أحيان كثيرة مستأجرون مقابل أجر مادي لتحميس الجماهير أثناء مسيرات التأييد والمهرجانات الخطابية.

لا أحد أحسن من أحد، فكما أن الزعماء يستأجرون أشخاصاً مدربين للتهليل لهم أثناء الخطابات والمسيرات، يقوم المطربون والمطربات عادة بدفع مبالغ مالية لبعض الشبان والشابات كي يصرخوا، ويبكوا بشكل هستيري، ويصابوا بالإغماء المزيف أثناء غناء المطرب أو المطربة كي يؤثرا على بقية الحضور ودفعهم لتشجيع المغنين والمغنيات أثناء الغناء والإعجاب بهم.

متى تعلمون يا جماعة الخير أن الشعوب الغربية تحب حكوماتها وأوطانها ربما أكثر منا، مع هذا لم تنظم مسيرة تأييد واحدة لحكوماتها، ولم نسمعها يوماً تفديها لا بالروح ولا حتى بالكتشاب؟

================

مرأة المنافقين والكذابين

السبت, 05 آذار 2011 19:23

السبيل

فهمي هويدي

لو توافر لمصر ربع عدد المنافقين من المثقفين والإعلاميين الذين تقرأ لهم وعنهم هذه الأيام لانصلح حالها، ولما كنا بحاجة إلى ثورة.

أقول ذلك بعد متابعة ادعاءات بعضهم أنهم لم يغادروا ميدان التحرير طول الوقت، وحديث البعض الآخر أنهم كانوا ممن تنبأوا بالثورة، وظلوا يرصدون مؤشراتها (سرا طبعا) منذ سنين طويلة. في حين تباهى آخرون أنهم كانوا بين الآباء الذين تعبوا وأجهدوا أنفسهم كثيرا لكي يتحقق الحلم الذي غاب طويلا وراء الحجب.

هذه الظاهرة سجلها بعض الزملاء، وانتقدها في كتابات عدة. ظللت متفرجا على المشهد، الذي أثار انتباهي فيه أمران، أولهما سرعة التحول لدى البعض من النقيض إلى النقيض، وثانيها مراهنة زملائنا هؤلاء على ضعف ذاكرة القارئ أو المشاهد المصري، وافتراض البلاهة والغباء فيه؟ مع ذلك، فقد آثرت أن أبقى متفرجا ومتعجبا مما يحدث، لكنني لاحظت أخيرا أن المسألة زادت عن حدها، وأن المنافقين ازدادوا جرأة، فلم يكتفوا بهجاء ولي نعمتهم، وزايدوا على الجميع في إهانته وتجريحه، ولم يكتفوا بادعاء الشجاعة والبطولة، وإنما أيضا اعتلوا المنصات وراحوا يوجهون إلينا النصائح لكي يبصرونا بما علينا أن نفعله.

إذ بدلا من أن يعتذروا إلينا، ثم يختفوا من المشهد مؤثرين الصمت، وشاكرين لله أن أحدا لم يحاسبهم على ما اقترفوه بحق الشعب من تضليل ومناصرة للطغيان وترويج للكذب والبهتان، بدلا من ذلك، فإنهم تقدموا الصفوف بكل جرأة وصفاقة، مرتدين مسوح الثوار والمناضلين، وشرعوا في وعظنا وتوجيهنا.

في عام 2004، اكتشف المسئولون عن صحيفة نيويورك تايمز أن التعليقات والأخبار التي نشروها عن العراق دست عليهم ولم تكن صحيحة، واعتبروا أن جريدتهم ساهمت في تضليل القراء وتبرير الغزو، حينذاك نشرت الصحيفة اعتذارا مطولا لقرائها سجلت فيه الخطأ الذي تورطت فيه، ثم قدمت إلى قرائها اعتذارا أكدت فيه أنها ما كانت لتقدم عليه إلا لأنها حريصة على أمرين؛ شرف المهنة وثقة القارئ.

في مصر، ظل الإعلام الرسمي الذي يمارس الكذب والتضليل والخداع طوال ثلاثين عاما على الأقل، وحين انفجر غضب الشعب وأطار بالنظام الذي لأجله مورست كل تلك الخطايا، فإن كل الأبواق التي استخدمت في الكذب والتضليل قلبت موجة الإرسال واتجهت إلى الحفاوة بالثورة.

لقد احترمت اثنين من المحافظين قدما استقالتهما بعد الثورة، لأن المحافظ هو ممثل رئيس الجمهورية في محافظته. وأي إنسان لديه قدر من الكرامة أو النزاهة لا يستطيع أن يمثل رئيسا ثبت فساد عهده، ثم يمثل رئاسة النظام الذي انقلب على ذلك الفساد وأطاح به.

الكذابون الكبار في وسائل الإعلام لم يفعلوا شيئا من هذا القبيل، وقيل لنا إن اثنين منهما قدما استقالتيهما على استحياء، لكنهما لا يزالان يؤديان عملهما إلى الآن. أما أقرانهما من جنود فرعون فإنهم لا يكفون عن إقناعنا بأنهم كانوا مضطهدين، ومنهم من كتب قائلا إنه قال كلمة الحق، لكن أحدا لم يستمع إليه، واستشهد ثالث بفقرات من كتابات سابقة تضمنت عبارات مبهمة وفضفاضة أراد إقناعنا بأنه كان ثائرا ومتمردا طوال الوقت، ولكن بصورة سرية لم يلحظها أحد.

قرأنا أيضا لمن خلع ثياب أمن الدولة، وارتدى زي واعظ الثورة، فراح يحذرنا ليس من الضغوط الأمريكية أو الإرهاب الإسرائيلي الذي يتربص بالثورة، ولكن من الإرهاب "المتأسلم"، ومن أنفاق سيناء، ومن التشيع الذي يهدد الأمن المصري، ويفتح الباب لنفوذ المراجع والملالي (!!)

إن المنافقين الذين صار بعضهم يحذر من اختطاف الثورة لا يستحون، ولديهم قدرة هائلة على التلون، ولكن لأن أبصارهم معلقة دائما بالسلطان، فإنهم لا يعرفون أن الناس ليسوا بالبلاهة والغباء الذي يظنون. وإذا تابعت انهيار أرقام توزيع الصحف القومية بعد الثورة، فستدرك أن الجماهير صبرت عليهم حقا، ولكنها لم تنس ولم تغفر لهم ضلوعهم في الكذب والتضليل.

================

الثورة العربية والزمن العالمي

الأحد, 06 مارس 2011

السيد يسين *

الحياة

ليس من قبيل المبالغة القول إننا منذ وقوع الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية نعيش عصر الثورة العربية الحقيقية. ونقصد ثورات الشعوب التي تقوم بها الجماهير، وليس الانقلابات التي يقوم بها بعض العسكريين، كما حدث في مصر والعراق وسورية وليبيا من قبل.

صحيح أن بعض هذه الانقلابات وأهمها على الإطلاق الانقلاب العسكري الذي قام به الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر في تموز (يوليو) 1952 وتحول إلى ثورة، غير أن هذا استثناء على القاعدة. لأن هذا الانقلاب تبنى البرنامج الإصلاحي الذي حددت ملامحه الحركة الوطنية المصرية بكل قياداتها السياسية وطلائعها الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وهذه الحركة وخصوصاً في الفترة بين عام 1945 تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية وعام 1952 يوم وقوع الانقلاب، أحست أن النظام الملكي الليبرالي القديم وصل إلى منتهاه. وذلك لأنه فشل فشلاً ذريعاً في حل المشكلتين الرئيستين اللتين واجهتا المجتمع المصري، وهما المشكلة الوطنية التي تتمثل في إجلاء قوات الاحتلال البريطاني، والمشكلة الاجتماعية التي ظهرت في الفجوة العميقة بين الأغنياء والفقراء في مصر.

غير أن انقلاب الضباط الأحرار الذي تحول بصورة ما إلى ثورة بحكم برنامج العدالة الاجتماعية الذي خططته ونفذته، وباعتبار أن الجماهير الحاشدة أيدته وأعطت تفويضاً مفتوحاً لجمال عبدالناصر الذي أصبح زعيماً عربياً له كاريزما بسطت رواقها على العالم العربي، كان في الواقع استثناء في التاريخ العربي المعاصر. وذلك لأن الانقلابات العسكرية في كل من سورية والعراق وليبيا تحولت إلى نظم ديكتاتورية، مارست الحكم من خلال قمع الجماهير من ناحية، ومن طريق نخب سياسية مارست الفساد ونهبت موارد الدول.

ولذلك، يمكن القول بكل يقين إن الثورة التونسية كانت إشارة إلى بداية عصر الثورة العربية الحقيقية، ونعني ثورة الشعوب التي خرجت إلى الشارع وعرّض من فجروها من الشباب صدورهم للرصاص، وسقط منهم عشرات القتلى والجرحى.

وحين قامت الثورة المصرية في 25 كانون الثاني (يناير)، بعد قيام الثورة التونسية بأسابيع قليلة، أحسسنا كباحثين أن الثورة اشتعلت أخيراً في العالم العربي. ولم يلبث ميدان التحرير في القاهرة أن انتقلت عدواه إلى اليمن والبحرين والجزائر وعمان والأردن.

وربما كانت احتجاجات اليمن هي الأشد عنفاً حتى الآن، حيث رفعت المطالب بتغيير النظام وإسقاط رئيس الجمهورية، الذي قدم للجماهير الثائرة تنازلات متعددة، ومع ذلك ما زالت التظاهرات المحتجة محتدمة بين خصوم النظام وأنصاره.

وفي البحرين حل ميدان «اللؤلؤة» محل ميدان التحرير القاهري، وسلكت الجماهير البحرينية سلوك الجماهير المصرية نفسه فنصبت فيه الخيام وقررت ألا تبرح المكان قبل تنفيذ مطالبها.

أما في الجزائر فيتم التحضير الآن لثورة عارمة على النظام، وبدأت بوادر الثورة في عمان. وإذا أضفنا إلى ذلك التظاهرات الاحتجاجية في الأردن، وبداية الدعوة لثورة في سورية، لأدركنا أننا فعلاً نعيش عصر الثورة العربية التي تشعلها الجماهير، ولا تقوم بها نخب عسكرية أو حزبية، لا تستطيع سوى القيام بانقلابات محدودة غالباً ما تتحول إلى نظم حكم مستبدة!

وظاهرة الثورة العربية غيرت تغييراً جوهرياً من طبيعة الزمن العربي، الذي اتسم بكونه سكونياً جامداً، في مقابل الزمن العالمي الذي يتسم بالحيوية والتدفق والإيقاع السريع. وقد سبق لي أن أثرت سؤالاً مهماً في كتابي «الزمن العربي والمستقبل العالمي» (القاهرة - دار المستقبل 1993) مبناه هل الزمن العربي يتشابه مع الزمن العالمي؟ وأجبت أن الزمن العربي الذي يتسم بسيادة النظم السلطوية وحيث تغيب الديموقراطية، ويسوده التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لا علاقة له بالزمن العالمي.

ويمكن القول إن ثورة يناير المصرية قد أحدثت قطيعة تاريخية مع الزمن العربي، الذي ظل جاثماً على نفوس ملايين العرب وعقولهم عقوداً طويلة من الزمن، لأنها دفعت بالعالم العربي إلى مجال الزمن العالمي بكل تدفقاته وحيويته.

ولو طرحنا السؤال الذي سبق للمفكر الإيراني الشهير علي شريعتي أن طرحه «في أي زمن نعيش؟» لقلنا بعبارة واحدة: يبدو أننا نعيش في عصر «المابعديات»! فنحن أولاً نعيش زمن «ما بعد الحداثة» الذي سبق لعالم الاجتماع الأميركي دانيل بل أن بشّر به في كتابه الشهير «ما بعد المجتمع الصناعي»، إضافة إلى رواد الفكر ما بعد الحداثي مثل فينتوري في العمارة وإيهاب حسن في النقد الأدبي والإنسانيات عموماً. وما بعد الحداثة تيار فلسفي ينقد فكر الحداثة الذي هيمن على العالم الغربي، ويبشر بسقوط النظريات الكبرى، ويفتح الباب أمام الأنساق الفكرية المفتوحة، ويركز على الهوامش الاجتماعية والسياسية، ولا يقنع بالتركيز على المتون. وهو تيار فلسفي أصبحت له آثار سياسية بالغة العمق.

ونحن نعيش أيضاًَ زمن «ما بعد الشيوعية»، وخصوصاً بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية ونهاية الحرب الباردة والتحولات الكبرى إلى الديموقراطية، ما يعني نهاية الشمولية إلى الأبد.

ومن ناحية أخرى نحن نحيا في عصر «ما بعد الماركسية» على المستوى الفكري، بمعنى نهاية زمن التعصب الأيديولوجي لنظرية ما باعتبارها تمتلك الحقيقة المطلقة. وبالطريقة نفسها نعيش «عصر ما بعد الرأسمالية»، وخصوصاً بعد سقوط نموذج الرأسمالية المعولمة بعد الأزمة المالية الأميركية الكبرى.

وهذه التطورات البالغة الأهمية ستفتح الباب إلى إبداع الأنساق الفكرية المفتوحة، والتي لا يرى مبدعوها من المفكرين أو الساسة حرجاً في التأليف الخلاق بين مفردات فكرية مأخوذة من أيديولوجيات متعارضة كالماركسية والرأسمالية.

غير أنه يمكن القول إن أهم ملمح من ملامح تغير بنية المجتمع العالمي، هو التحول من نموذج المجتمع الصناعي إلى نموذج مجتمع المعلومات العالمي.

المجتمع الصناعي كان يقوم على فكرة «السوق» التي تعتمد على آلية العرض والطلب، أما مجتمع المعلومات العالمي فيقوم على أساس نشوء «الفضاء المعلوماتي» Cyber Space. وهو فضاء عام جديد غير مسبوق في تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث نشأت في رحابه شبكة الإنترنت التي سمحت بآليات اتصال مستحدثة مثل المدونات و ال «فايسبوك» و «التويتر»، والتي كانت الأدوات الأساسية التي قامت على أساسها ثورة يناير المصرية، حيث استخدمت الطلائع الشبابية ال «فايسبوك» في مجال حشد مئات الآلاف من الأنصار، وذلك للنزول إلى ميدان التحرير، حيث ارتفع الشعار الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، والذي أصبح من بعد شعار الجماهير العربية في كل بلد من البلاد التي قامت بالثورة.

ومن هنا يمكن القول إن الثورة العربية الشاملة التي بدأت في تونس وتبلورت في مصر، وقامت في ليبيا، وبسطت شعاراتها الثورية في اليمن والبحرين وعمان، قد قطعت مع الزمن العربي التقليدي بكل جموده، والتحمت مع الزمان العالمي.

ولكن ماذا نعني بالزمان العالمي على وجه الدقة؟

نعتمد في هذا المجال على المفهوم الذي صاغه أستاذ العلاقات الدولية الفرنسي المغربي الأصل زكي العيدي. وقد صاغ هذا المفهوم اللافت للنظر لأهميته في كتاب صدر له باللغة الفرنسية بعنوان «الزمن العالمي» (باريس، دار كومبلكس، 1997) ويقول هذا المفكر اللامع في مقدمة كتابه التي وضع لها عنواناً هو «الزمن العالمي باعتباره حادثاً كونياً»:

«هناك لحظات تحس فيها المجتمعات الإنسانية بحاجتها الجماعية لإعادة التفاوض حول طريقة التسارع وعن علاقتها بكل من الزمن والفضاء. وهذه هي اللحظة التي نسميها الزمن العالمي».

ومن الطبيعي أن اختيار اللحظة المؤسسة للحدث الحاسم تكشف عن تعسف فيما يتعلق بالتركيز على نوع القطيعة التي يراها الباحث أجدر بالاهتمام، لأنها تكشف عن بزوغ حقبة تاريخية جديدة.

وأهم فكرة هنا هي ظهور الكونية في مجال دراستنا الأحداث الكبرى سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. بعبارة أخرى أدى ظهور «العولمة» إلى مقاربة المشكلات على المستوى الكوني وليس الإقليمي أو المحلي، ما أدى إلى عولمة المشكلات الإنسانية.

وهكذا يمكن القول إن الزمن العالمي هو محاولة للسيطرة على المشكلات والتساؤلات والإشكاليات اعتباراً من الأحداث الأساسية في سياقها الزمني المحدد. وفي ضوء هذا كله يمكن تعريف الزمن العالمي بكونه «اللحظة التي ظهرت فيها آثار المشكلات الجيوبوليتيكية والثقافية لحقبة ما بعد الحرب الباردة، وضعاً في الاعتبار تسارع عملية العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

ولما كانت الديموقراطية أحد شعارات العولمة الأساسية إضافة إلى احترام حقوق الإنسان، فمعنى ذلك أن الثورة العربية الشاملة التي اشتعلت في كل البلاد العربية تقريباً، قد نحّت الزمن العربي جانباً والتحقت بالزمن العالمي!

* كاتب مصري

=================

مسؤولية الغرب عن الفساد العالمي

خالد القطشني

الشرق الاوسط

6-3-2011

العالم مدين للغرب بالكثير الكثير. القائمة طويلة. لا يمضي يوم إلا ويمنون علينا بشيء جديد. كان من آخر أفضالهم الإنترنت التي مكنت مصر وتونس من الانتفاض وإصلاح أوضاعهما. وفتح الأبواب لنشر الديمقراطية والشفافية وحرية الفكر بشكل لم تشهده البشرية من قبل. وكل ذلك دون أن ننسى الجانب السيئ منها كنشر الخلاعة وترويج الزنى والشذوذ، وكذلك نشر المعلومات المختلقة والمضللة.

ولا ننسى ما للغرب من مسؤولياته عن الكثير من المآزق السياسية في العالم الثالث كمشكلة فلسطين. ولكنني أود أن أضيف إليها أيضا المسؤولية عن نشر الفساد المالي على نطاق عالمي. اعتاد الغربيون على انتقادنا وتعييرنا بقبض الرشاوى والسرقات من بيت المال.. يقولون ذلك وينسون دورهم فيه. إن معظم ما يجري من ذلك يجري في بلدان كانت أو ما زالت تحت إدارتهم ونفوذهم وتوجيههم. وبالتالي يعرفون به جيدا. تضج الصحف الغربية بتفاصيله، كما لاحظنا مؤخرا عما جرى في هذين البلدين، مصر وتونس. لماذا لم يحاولوا ردع الحكام المحليين عن هذه الممارسات؟ بل لماذا تستروا عليهم؟ كل ما كان على الأميركان أن يفعلوه بالنسبة لنظام حسني مبارك مثلا هو تهديد المسؤولين بقطع هذه المساعدات أو استقطاع ما سرق منها.

حب الفلوس وجمع الثروة (كما عكسه آدم سميث في إنجيله للرأسمالية «ثروة الأمم») هو المحرك الذي مكن الغربيين من تحقيق هذا الرفاه والغنى والنهوض الحضاري. ولكن هذا الهوس بالكسب وجمع الثروة في الوقت عينه أدى إلى اقتراف شتى الجرائم كاستعباد الشعوب الفقيرة والأمم الضعيفة وخوض الحروب الدامية ونشر الرذيلة وتفسيخ العائلة وأخيرا عولمة الفساد المالي. شجعت ومكنت الحرامية من إخفاء ثرواتهم في حسابات سرية في بنوكها ثم استثمارها لهم وشراء ممتلكات بها. من أبسط القواعد القانونية المعترف بها عالميا أن قبول مال مسروق وحيازته يعتبر مشاركة في الجريمة. لا تقبل البنوك الغربية الآن فتح حساب لأي أحد مهما كان المبلغ صغيرا من دون محاسبة المودع عن وديعته وإثبات شرعيتها بالوثائق والمستندات. كما تعمل مؤسسات الضريبة على محاسبة أي مودع عن أصل وديعته ومن أين جاء بها لفرض الضريبة على أصولها وأرباحها. بيد أن هذه القاعدة التي يلتزمون بها تختفي كليا عندما يكون المودع من كبار رجالات العالم الثالث وجاءهم بالملايين. لا يسألونه من أين جاء بها. وكما قلت قبول مال مسروق وحيازته مشاركة في الجريمة.

وطبعا مشاركة في إشاعة الفساد والسرقات على حساب شعوب فقيرة وجائعة يتباكون عليها. أنا واثق لو أنهم حاسبوا ساسة العالم الثالث ومواطنيه من مهربين وحرامية عن ودائعهم ورفضوا قبول السرقات غير المدعومة بوثائق الشرعية لانخفض الفساد العالمي إلى درجة كبيرة. وبقيت الأصول في عالمها الأصلي واضطر أصحابها عندئذ إلى استثمارها محليا لمنفعة شعوبهم وتنمية بلدهم بدلا من استثمارها عند الغربيين وتنمية الاقتصاد الغربي وحل أزمتهم المالية في أوروبا وأميركا.

==========================

وثائق ويكيليكس : المعتقلون العراقيون تعرضوا لأسوأ معاملة على أيدي الشرطة والجيش العراقي

المصدر: خدمة «نيويورك تايمز» للشرق الاوسط

27-1-2011

نقلاً عن مركز صقر للدراسات

  الجنود استخدموا الرصاص والتيار الكهربائي والحرق والجلد.. والسلطات ترفض التدخل

واشنطن: سابرينا تافيرنزي وأندروا دبليو ليهرن *

الصور العالقة في الأذهان عن المعتقلين العراقيين هي تلك الصور التي تظهر معتقلين عراقيين يتعرضون للاعتداء وسوء المعاملة على أيدي عناصر القوات الأميركية في معتقل أبو غريب، مثل السجين الذي ألبس قناعا، والسجين الذي ترك لكلاب الحراسة لتقوم بالهجوم عليه، لكن الوثائق التي كشفها موقع «ويكيليكس» تعطي لمحة عما كان يحدث داخل مراكز الاعتقال الأميركية وتحتوي هذه الوثائق على تفاصيل لا يمكن محوها لعمليات اعتداء على معتقلين قامت بها عناصر الشرطة والجيش العراقي.

 

وتتضمن التقارير التي تغطي ست سنوات، إشارات إلى مقتل ما لا يقل عن ستة معتقلين في مراكز الاعتقال العراقية، وقد وقعت معظم هذا الحوادث في السنوات الأخيرة. وأشارت مئات التقارير إلى تعرض اثنين من المعتقلين للضرب والحرق والجلد، مما يعطي انطباعا بأن هذه المعاملة كانت العادة وليست الاستثناء. وفي إحدى الحالات اشتبهت القوات الأميركية في قيام ضباط بالجيش العراقي بقطع أصابع أحد المعتقلين وحرقها باستخدام مادة حمضية. كما كشف الإفادات عن تعرض معتقلين للتصفية في أحد المعتقلات وهما مقيدي الأيدي.

 

وعلى الرغم من أن القوات الأميركية قامت بالتحقيق في بعض حالات الاعتداء هذه، فقد لوحظ أن معظم حالات الاعتداء التي تم الإشارة إليها في هذه الوثائق تم تجاهلها، بصورة توشي بتغاض مؤسسي، حيث أخبر الجنود ضباطهم بحالات الاعتداء، وطلب من العراقيين التحقيق في هذه القضايا.

 

وقال متحدث باسم البنتاغون: إن السياسة الأميركية تجاه الاعتداء على المعتقلين «كانت ولا تزال تتفق مع القانون والممارسات الدولية في هذا الإطار». وأضاف أن القواعد الحالية: تفرض على القوات الأميركية الكشف فورا عن حالات الاعتداء، وإذا ارتكبت من قبل العراقيين، فإن السلطات العراقية هي المسؤولة عن إجراء التحقيق.

 

وقد تم الكشف رسميا عن هذه السياسة في تقرير صدر بتاريخ 16 مايو (أيار) 2005. ونص هذا التقرير على أنه «إذا لم تكن عناصر القوات الأميركية متورطة في عمليات الاعتداء على المعتقلين، فإنه لا يتم إجراء مزيد من التحقيقات إلا بناء على أمر من القيادة العليا». وفي كثير من الأحيان، كان يأتي الأمر للجنود الأميركيين بغض الطرف عن حالات اعتداء العراقيين، طالما أن المتورطين فيها عراقيون.

 

وحتى عندما كشفت القوت الأميركية عن بعض حالات الاعتداء وقامت بالإبلاغ عنها، فإن السلطات العراقية كانت لا تتحرك في كثير من الأحيان. وأشار أحد التقارير إلى أن أحد قادة الشرطة رفض توجيه الاتهام لأي جندي أو ضابط «طالما أن الاعتداء لم يترك أثرا على جسد المعتقل». وقال قائد آخر في جهاز الشرطة للمفتشين العسكريين: «إن الضباط العاملين معه يقومون بالاعتداء على المعتقلين، وإنهم يؤيدون استخدام هذا الأسلوب كأداة من أدوات التحقيق».

 

إنها صورة مخيفة للعنف بكل المقاييس، كما أنها أيضا مثيرة للقلق بشكل خاص، لأن عناصر الجيش والشرطة العراقيين يحتلون موقعا مركزيا في خطة الرئيس أوباما لسحب القوات الأميركية من العراق. والقوات العراقية تمثل بالفعل الدعامة الأساسية للأمن في العراق، خاصة بعد سحب القوات الأميركية المقاتلة رسميا، وتوليها مسؤولية إدارة السجون ومراكز الاعتقال في العراق.

 

وتحتوي الوثائق على الكثير من الإفادات الفضفاضة حول تعرض سجناء عراقيين للاعتداء على أيدي عناصر من القوات الأميركية، لكن القليل منها مرفق بأدلة. وأخطر حالات الاعتداء هذه كانت تقع خلال عمليات الاعتقالات، التي كانت تتحول إلى العنف في كثير من الأحيان إذا قاوم المستهدفون بالاعتقال. وقد تم فتح تحقيقات في تلك الحوادث. وفي حالة شبيهة بما حدث في سجن أبو غريب، قام الحراس الأميركيون بالتقاط صور لأنفسهم وهم يقفون بجانب عراقيين تم وضعهم بصورة مذلة، ووجه اللوم إلى جندي أميركي لقيامه بكتابة عبارة استهزاء على جبين أحد المعتقلين العراقيين الذي كان يبكي.

 

وقد اتخذت الولايات المتحدة عددا من الخطوات لتحسين سياسة الاعتقال بعد فضيحة سجن أبو غريب في عام 2004، وشددت القواعد التي تنظم معاملة السجناء من خلال الفصل بين المتطرفين الذين ينتمون لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وبين السجناء الآخرين. لكن الوثائق تظهر أن الأميركيين استخدموا في بعض الأحيان التهديد للمعتقلين بتسليمهم إلى السلطات العراقية التي ستقوم بالاعتداء عليهم، وذلك بهدف الحصول على معلومات من المعتقلين. وذكر تقرير أن أحد أفراد القوات الأميركية هدد بإرسال أحد المعتقلين إلى لواء الذئب، وهي وحدة شرطة عراقية سيئة السمعة، إذا لم يقم بالإدلاء بما لديه من معلومات.

 

وقد وقعت أسوأ حالات الاعتداء على العراقيين في وقت لاحق من الحرب، ففي أغسطس (آب) 2009، أعلنت وحدة مغاوير الشرطة العراقية، أن أحد المعتقلين وجد منتحرا في زنزانته، ولكن علمية تشريح الجثة، في وجود ممثلين عن القوات الأميركية، أثبتت «وجود كدمات وحروق على جسد المعتقل، فضلا عن إصابات واضحة على الذراع والرأس والجذع والساقين، والرقبة»، وذكر التقرير «أن الشرطة يبدو أنها بدأت في إجراء تحقيق حول الحادث».

 

وفي ديسمبر (كانون الأول)، تم ضبط 12 جنديا عراقيا، بينهم ضابط استخبارات، تم تصويرهم وهم يقومون بإطلاق النار على أحد المعتقلين الذي كان مقيد اليدين في مدينة تلعفر. والوثيقة التي تتحدث عن هذه الحادثة تقول إن التقارير لا تزال أولية؛ ومن غير الواضح ما إذا كانت قد تمت متابعة لها أم لا؟

 

وقد أنتجت سنوات من حالات الاعتداء وسوء المعاملة في ظل حكم صدام حسين، مجتمعا عنيفا بصورة استثنائية، حيث استخدم العراقيون الكابلات والقضبان المعدنية والأعمدة الخشبية والكهرباء في الاعتداء على السجناء. وأشار أحد التقارير إلى أن أحد المعتقلين كانت به «كدمات على شكل الحذاء في منطقة الظهر». وأشار تقرير آخر، إلى وجود جروح على جسد معتقل آخر ناتجة عن تعرضه للضرب بلوح خشبي. كما تعرض معتقل آخر للإصابة في عينيه وأصيبت أذناه وأنفه بنزيف، وشوهدت كدمات على ذراعيه وظهره وساقيه. وقد قام الأميركيون بإبلاغ قائد الجيش العراقي في المنطقة، لكنه لم يفتح تحقيقا بسبب عدم تورط أميركيين في الاعتداء.

 

لكن الجنود الأميركيين، مع ذلك، كانوا يتدخلون في كثير من الأحيان لوقف حالات الاعتداء وسوء المعاملة ضد المعتقلين. وخلال زيارة إلى وحدة للشرطة في الرمادي، دخل جندي أميركي الزنزانة بعد سماعه صراخا، ليجد معتقلين في حالة إعياء شديدة، وتنتشر في مختلف أجزاء من جسدهم جروح وكدمات. وقام الجندي العراقي بأخذ المعتقلين ونقلهم خارج هذا المعتقل العراقي.

 

وفي أغسطس (آب) 2006، سمع رقيب في الجيش الأميركي في الرمادي ضجيجا في مركز يخضع للجيش العراقي، وعندما دخل وجد ضابطا عراقيا برتبة لفتنانت يقوم بضرب أحد المعتقلين باستخدام كابل كهربائي أسفل قدمه، وقام الرقيب الأميركي بوقفه، لكنه شاهد الضابط نفسه يقوم في وقت لاحق بضرب محتجز آخر على مؤخرته بالأداة نفسها. وقال أحد المعتقلين الذي تعرض لضرب عام 2005: إنه «عندما أخذه أفراد مشاة البحرية الأميركية، تلقى معاملة جيدة جدا، وأنه كان ممتنا وسعيدا لرؤيتهم».

 

وفي وقت سابق، تم تقليص المساحة المخصصة لكل محتجز في السجون العراقية، وقامت السلطات العراقية بوضعهم في سجون مؤقتة، مما زاد فرص حدوث عمليات اعتداء. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005، وجد الجنود الأميركيون 95 محتجزا معصوبي الأعين بهم جروح وكسور في العظام، مكدسين فوق بعضهم البعض في أحد مراكز الاعتقال المؤقتة التابعة للشرطة العراقية.

=======================

مقرر مجلس الأمن القومي السوداني اللواء حسب الله عمر الأمين:

الغرب صنع أزمة الجنوب.. وبعد الانفصال السحر ينقلب على الساحر

حوار: أحمد سبيع - الخرطوم

الأمان 28/1/2011

أصابع عديدة حركت استفتاء جنوب السودان نحو خيار الانفصال. هكذا وصف اللواء الركن حسب الله عمر الأمين، رئيس المخابرات العامة السودانية السابق والأمين العام لاستشارية ونائب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم للشؤون السياسية، الاستفتاء الذي جرى منذ أيام بدعوى تقرير المصير في جنوب السودان. وأكد في حوار ل (إخوان أون لاين) أن هناك العديد من الأطراف التي يهمُّها انفصال الجنوب, لما يمثله ذلك لهم من مكاسب اقتصادية وسياسية وإقليمية، وأبدى تخوُّفه من فشل الحركة الشعبية في إدارة الجنوب حال الانفصال, محذِّراً من ألا يكون الجنوب هو نهاية الأطماع الغربية في السودان أكبر بلد عربي، الذي يمثل موقعاً استراتيجيّاً في ربط إفريقيا بالعالمين العربي والإسلامي. وحول تأثيرات الانفصال والدور الذي لعبته أطراف أجنبية وإقليمية عديدة لدفع الشعب الجنوبي إلى التصويت لصالح دولة جديدة، وتأثير ذلك في الوضع في الشمال.. كان هذا الحديث مع اللواء حسب الله عمر الأمين، في مكتبه بالخرطوم:

- بدايةً كيف تقوّم الوضع الحالي وتأثير نتيجة الاستفتاء في السودان؟

* السودان الآن أصبح محطَّ اهتمام الكثير من الدوائر الإعلامية والسياسية، وصحيح أن الحدث الذي هو «الاستفتاء» يستحق ذلك, باعتبار أن بقيام دولة جديدة أضحى من المؤكد حدوثه، وهذا في حدِّ ذاته حدثٌ يجذب الإعلام، لكن كثيراً من الاهتمامات السياسية والإعلامية الدولية ليس هذا وحده منطلقها، فهناك أسئلة كثيرة يبحث الجميع عن إجابات لها عن مستقبل وضع السودان والجنوب، وما العلاقة بين الجنوب والشمال؟ وما أثر الانفصال عندما يحدث على الوضعين الإقليمي والعالمي؟ فهذه التساؤلات تُطرح ولكن في إطار انطباعي ليس دقيقاً بالضرورة.

- وهل سيكون الجنوب حال الانفصال رأس حربة ضدَّ الشمال يستخدمها الغرب لتحقيق مصالحه؟

* هذا أمر وارد، ولكنه يرتبط بشكلٍ كبيرٍ بقوة كلٍّ من النظامين الجنوبي والشمالي وقدرتهما على تطوير علاقاتهما، خاصةً أن الانفصال سوف يفرز واقعاً مختلفاً، وسوف يعيد ترتيب الأجندة السياسية في الشمال، وكذلك إعادة ترتيب المعادلات الإقليمية, باعتبار أن هناك لاعباً جديداً في الساحة.

ويكفي أنه في قمة الصراع والحرب في الجنوب كان الشمال هو الحاضن لكلِّ المواطنين الهاربين والنازحين من عدم الاستقرار في الجنوب، ولذلك لم يكن هناك أي سمة لصراع حضاري في الجنوب، وإنما كان هناك تباين اجتماعي وثقافي وعرقي يرقى إلى درجة الاختلاف، وهذا التباين ليس بالضرورة أن يكون سبباً للانفصال.

ولكنَّ الغرب جعل من التباين اختلافاً حتى يقرَّ مبدأ أنه يصعب معه التجانس، رغم إصرار الشمال على أن هناك أملاً أو إمكانية لإيجاد صيغة للتعايش بين الثقافتين، ولكن هذا لم يعد ممكناً في ظلّ إصرار الغرب على استغلال الجنوب، ولذلك ومن رؤية مختلفة قد تكون صادمة للبعض فإنني أرى أن الانفصال سيكون في مصلحة الشمال, شرط أن يتجاوز الجنوب بعض التحديات التي تواجه دولته القادمة.

- ما أبرز التحديات التي سيواجهها السودان حال الانفصال؟

* هذه التحديات أو الأزمات إن صح التعبير ليست من صنعنا، وإنما هي من صنع الغرب طيلة 50 عاماً, حيث أراد الغرب أن يصوِّر الجنوب على أنه شعب يستحق الانفصال، ولكن الحقيقة تؤكد أن الجنوب ليس شعباً واحداً، وإنما الجنوب مجموعة شعوب تتباين في أعرافها وقيمها وعاداتها وتقاليدها، وتكاد تكون الاتصالات بينهم شبه مقطوعة، وهذا يفرض تحدياً صعباً جدّاً.

وما أريد توضيحه هو أن هذه الأزمات كانت تقع على كاهل الشمال وعاتقه منفرداً، أما الآن فإن المسؤولية سوف يتحمَّلها المجتمع الدولي، وخاصةً الذين يتبنون خيار الانفصال، وعليهم من الآن فصاعداً أن يتحمَّلوا تكلفة الانفصال، وتوفير المناخ الذي يساعد الجنوب على الاستقرار.

والجميع يدرك أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وعلى مستوى الشارع الشمالي، ظلَّ يدعو إلى الوحدة حتى آخر رمق، وهذا الموقف ليس موقفاً مصلحيّاً, فالبعض كان يقول إن الشمال حريص على موارد الجنوب، ولكن الحقيقة أن الدعوة إلى الوحدة موقف مبدئي لأهل الشمال.

- الرئيس البشير تحدَّث عن مؤامرة يتعرَّض لها السودان لوقف المشروع الإسلامي، فكيف تقوّم هذه المؤامرة؟ ومَن أطرافها؟

* لا شك في أن هناك دولاً عديدةً لديها أجندات في السودان تخدم مصالحها، وهم يريدون الحصول على مصالحهم بإضعاف الآخرين، وهذه نظرية استعمارية قديمة، وهذا ما يحدث الآن في السودان الذي تتكالب عليه الأطماع الغربية والإقليمية. وقد تحدَّث الرئيس البشير عن مؤامرة تتمثَّل في أطروحة الحركة الشعبية التي قامت على فكرة السودان الجديد، وتبديل تركيبة الحكم في السودان, من حيث مقوماته الثقافية والدينية والحضارية، وحتى الاسمية، وهذه هي المؤامرة التي كانت تريد تحويل المشروع الإسلامي في السودان إلى مشروع علماني.

وكما أشرت فثمَّة مصالح دولية وإقليمية، والصهاينة موجودون في الجنوب، وهم يريدون بسط نفوذهم في المنطقة، ومن أجل ذلك فإن لهم معادلات سياسية وقوى محلية وتحالفات قائمة لبسط هذا النفوذ، ولكنَّ الصهاينة ليسوا سوى لاعب ضمن لاعبين آخرين لهم مصالح في هذه المنطقة، مثل أمريكا والصين، وهناك جنوب إفريقيا ونيجيريا وأوغندا، ولذلك ليس من المنطق أن نحصر المؤامرة في الصهاينة، خاصةً أن مصالح القوى الدولية والإقليمة تتقاطع وتتضاد مع بعضها بعضاً في منطقة بها مقومات وموارد وفرص كبيرة.

- وماذا تتوقع للجنوب في ظل عدم وجود بنية سياسية تدير دولة؟ وهل يصدِّر مشكلاته للشمال؟

* إن كنت تقصد حرباً بين الشمال والجنوب فإن ما يحدث لا يبرر عودة الحرب مرةً أخرى، ولكن الجنوب لا توجد به أي أحزاب، ولم يعهد أبداً أية تجربة للتعايش المشترك، فالجنوب مجموعة شعوب غير متناغمة، وفي حال الانفصال فإنه سيكون دولة مغلقة ليس لها منفذ مباشر على العالم الخارجي، والجيش الشعبي ليس جيشاً منظماً، وإنما مجموعة ميليشيا قبلية غير مدرَّبة، والأمية في الجنوب تفوق ال 85%، فهذه حقائق معروفة. وهذا الواقع ليس جديداً، وإنما هو قائم قبل الانفصال وسيظل بعده، ولكن الجديد أن هذا الواقع يريد أن يكون مجموعة مستقلة تدير دولة. صحيح أن الجنوب به من الموارد ما يكفيه، لكن كيف تدار هذه الموارد؟ وكيف يمكن تحقيق الاستقرار الذي هو شرط لاستغلال الموارد؟

وفي النهاية أعتقد أن الجنوب وهو غير مستقر أفضل من جنوب يحمِّل الشمال مسؤولية عدم استقراره، وجنوب مستقل غير متطور أفضل من جنوب يحمِّل الشمال مسؤولية عدم تطوره، وجنوب مستقل معاق في عدة نواحٍ أفضل من أن يحمِّل المجتمع الدولي والشمال مسؤولية إعاقته، وحتى إن قامت صراعات داخلية في الجنوب فهي أفضل من أن تكون مع الشمال، خاصةً أن المجتمع الدولي سوف يتحمَّل مسؤوليته في الجنوب بدلاً من أن يتحمَّلها الشمال وحده، ونحن مستعدون للتعاون معه. أما الأزمات المتوقعة فهي كثيرة وندعو الله ألا تحدث.

- ما هذه الأزمات على وجه التحديد؟

* هناك توقعات أمنية وسياسية بحدوث حروب داخلية على أكثر تقدير بعد عام أو أقل من الانفصال، وكما قال الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر وسبقه في ذلك العديد من الدراسات الدولية المختصة فإن هذه الحروب قادمة لا محالة بعد أن يفيق الجنوبيون مما يعتبرونه استقلالاً، وهناك صراع متوقَّع بين القبائل الكبرى وقبيلة الدينكا التي تحتكر معظم المناصب في الجنوب، وفي حال حدوث ذلك فإن الحرب لن تقف داخل حدود الجنوب المترامي الأطراف، وإنما سوف تمتد إلى منطقة البحيرات العظمى والقرن الإفريقي، وشمالاً نحو السودان ومصر، فهذه كلها أمور متوقَّعة في حال تخلِّي المجتمع الغربي عن الجنوب، أما إذا لم يتخلَّ عنه فإنني أعتقد أن الأمور سوف تسير نحو محاولة التعايش السلمي.

- تحدثت عن اللاعبين الدوليين والإقليميين، ولكن لم تتحدث عن الأطماع الأوغندية في الجنوب ومخطط السيطرة عليه لإقامة دولة البحيرات العظمى على أرض أوغندا والجنوب.. فهل ذلك يمثل تهديداً للشمال في المستقبل؟

* أنت تعلم أن سكان أوغندا حوالي 33 مليوناً في مساحة أرض وإمكانيات محدودة، بينما سكان الجنوب لا يتعدون عشرة ملايين، إلى جانب الأرض والموارد الطبيعية الكبيرة، ولذلك فإن أوغندا تريد الجنوب ليكون متنفساً لها، وهذا التفكير ليس قاصراً على أوغندا، بل تريد ذلك أيضاً كينيا، رغم أنها لا تشكو من مشكلة مساحة ولا موارد، ولكنها تريد الحصول على جنوب السودان كهدف استعماري.

ولذلك فإنني أؤكد أنه أيّاً كان النظام الذي سيقوم في الجنوب فإنه سيكتشف بعد فترة وجيزة جدّاً أنه لا قبلة له ولا وجهة له غير الشمال، وحتى مع المحاولات التي نشهدها الآن لعمل تجمعات إقليمية وإدراج الجنوب فيها فإن الواقع سيثبت أن الشمال هو المنفذ الوحيد للجنوب، وارتباطه المصطنع بأوغندا وكينيا لا يضاهي حقيقة ارتباطه بالشمال.

- الرئيس البشير أكد أكثر من مرة أن الإدارة الأمريكية أطلقت وعوداً كثيرة قبل توقيع معاهدة السلام ولكن لم تنفذها، والآن هناك وعود أخرى بعد الاستفتاء وقبول نتيجة الانفصال، منها رفع السودان من قائمة الإرهاب، واعتبار ما يحدث في دارفور شأناً داخليّاً، وغلق ملف محاكمة الرئيس البشير أمام المحاكمة الجنائية الدولية.. وبوصفك أحد مسؤولي الاتصال مع الإدارة الأمريكية هل تعتقد أن هذه الوعود سيتم تنفيذها؟

* هناك حقيقتان، الأولى أن الإدارة الأمريكية وأوروبا ظلَّتا تكيلان علينا العقوبات، وجرَّبتا الحصار الاقتصادي والحصار العسكري وأخيراً وليس آخر المحكمة الجنائية، وكانت كلّ هذه الوسائل لإضرام الصراع داخل السودان، بل إن أمريكا احتضنت الحركة الشعبية وكلّ المعارضين، ومارست نفوذها على اللاعبين الإقليميين لمحاصرة النظام في السودان والإطاحة به، ولكنها فشلت في ذلك كله. والحقيقة الثانية هي أن الإدارة الأمريكية وأوروبا ادركوا أنهم سيكونون مسؤولين عن استقرار دولة الجنوب التي ستُقام، بينما تأتي مسؤولية الجنوبيين في الدرجة الثانية ومسؤولية الشمال في الدرجة الأخيرة، ولذا فإن هاتين الحقيقتين تقتضيان إعادة النظر في قضية معاقبة الشمال لأنه سوف يكون مثل غيره من اللاعبين يمكن أن يسهم سلباً وإيجاباً في موضوع استقرار الجنوب.

- لكن هذه نظرة متفائلة جدّاً، نحن نريد نظرة موضوعية.. انطلاقاً من كلام الرئيس البشير؟

* لا ليست هذه ليست نظرة متفائلة، فالغرب يحتاج ذلك، هو يحتاج لتصحيح موقفه من الخرطوم، ويحتاج إلى مساعدة الشمال لتحقيق الاستقرار في الجنوب، أما أن يختار هذا أو لا يختار فهذا متروك له.

- هناك تصريحات متبادلة بين الشمال والجنوب بأن أبيي سوف تكون شرارة الحرب بين الجانبين في حال الانفصال، وكذلك مياه النيل التي يمكن أن تجر مصر إلى نفس المصير؟

* موضوع أبيي كذبة كبرى، ولعهد قريب ظلَّت وسائل الإعلام تزيِّف كذبّاً عن أبيي أنها المنطقة الغنية بالنفط وهذا يخالف الواقع. صحيح أن أبيي بها آبار للنفط لكنه سينضب خلال ثلاث أو أربع سنوات، فهذه المنطقة يمكن أن تنشب بها صراعات ولكنها ستكون صراعات محلية فقط ولن تكون سبباً في حرب بين الشمال والجنوب إطلاقاً, لانه لا أحد له مصلحة في ذلك. أما قضية المياه فلا أعتقد أن تظهر بسببها أية أزمة في القريب ولا البعيد، خاصة أن 45% من الأمطار التي تشكل نهر النيل تسقط في الجنوب، وهي تمضي في مسارها الطبيعي داخل نهر النيل, لذلك فمن غير المتوقع حدوث أزمة مياه قريباً، ولكن عندما تنشأ حاجات حقيقية للمياه فالاتفاقات وحدها لن تعصم من ذلك، والآن لا توجد حاجة ملحة ولا في القريب، ولكن عندما تبرز حاجة ملحة إليها فإن هذا هو الذي سيحدد طريقة توزيع المياه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ