ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 06/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الإخوان بين مرحلتين

م. محمد كمال

اخوان اون لاين

1-3-2011

قامت جماعة الإخوان المسلمين- واستمرت- باعتبارها "جماعة رسالة"، وأصحاب الرسالات لا تنتهي أدوارهم ببلوغهم انتصارًا في معركة، أو امتلاكهم قوةً ماديةً أو معنويةً تدافع عن وجودهم.. لا يأملون في نهاية درامية سعيدة كنهاية الأفلام "الهوليوودية"، تعلن انتصار الخير على الشر.. ذلك لأن سنن الكون تحتم استمرار معارك الفرقاء على الأرض.. ومعركة "المناهج" بكل أشكالها مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. لذلك فإن الجماعة اليوم تخوض معركة جديدة بتحديات مختلفة.

 وأتصور أن ثلاثة تحديات كبرى تواجه الإخوان الآن:

أولاً: إثبات أن "الإسلام هو الحل"..

نجح الإخوان في أن يجمعوا قاعدةً عريضةً من أبناء الوطن على الإيمان بشعار "الإسلام هو الحل"، كمنهج بديل للمناهج الفاشلة التي أدارت الوطن.

والتحدي الذي يواجه الإخوان الآن، هو كيف يثبتون بالتطبيق العملي أن "الإسلام هو الحل".. لأن قناعة الناس بالشعار لها أسبابها، سواء من التدين الفطري للمصريين أو الثقافة العامة للجمهور, والتي اقتنعت بشمولية الإسلام.. أو من بروز الإخوان كمقاوم شجاع للاستبداد، وبالتالي فإن هذا الشجاع الذي صنع ما لم يستطع أغلب الشعب أن يصنعه، جعل هذا الشعب يشملهم بالتأييد، بالإضافة إلى انسحاب الأفكار الأخرى- رغبًا أو رهبًا- من الساحة، كما أن من الناس من وقف مع الإخوان؛ لأنهم بديل وحيد مطروح على الساحة لهذا النظام الفاشل أو حتى نكاية فيه.

كل هذه أسباب وجيهة، وهناك- لا شك- أسباب غيرها.. لكن هذه المرحلة بكل تأكيد قد انتهت، وهؤلاء الناس الذين أحاطوا الإخوان بتأييدهم ينتظرون منهم "رؤى" تفصيلية محترفة تساهم في إنقاذ الوطن وحماية مكتسبات ثروته في أوجه الحياة المختلفة.. بمعنى آخر فإن خطاب "مقاومة الاستبداد" قد انتهى، وأتى الدور لأن يتقدَّم خطاب "البناء"، وبرامج الإصلاح ومناهج التغيير، ويأتي معهم دور مفكري الجماعة وصفها في نشر رؤى الجماعة.

ثانيًا: الجماعة والعمل السياسي..

تمسكت الجماعة بمنهج "شمولية الإسلام"، وصارعت في أجواء غير مواتية لتثبت هذه المنهجية.. و"شاركت" بإيجابية مشهودة في العمل السياسي رغم تجريمه من النظام البائد، وقد كنت أخالف بعض إخواني الذين يرون أن الجماعة قد بالغت في الانشغال بالعمل السياسي عن غيره.. وكان ردي دائمًا: الإخوان لم يدخلوا المعترك السياسي بعد..!.

ستعاني الجماعة نظرة ارتباك وتوجس من المنافسين السياسيين.. لأن ميزتها الكبرى التي حافظت عليها رغم الأنواء والشدائد.. وهي التنظيم القوي المنضبط والمنتشر في ربوع مصر.. هذه الميزة ستحدث ارتباكًا لفرقاء الوطن.. فليس هناك تنظيم سياسي حزبي أو أهلي قد اختبر نفسه وحمل منهجه وجمع أنصاره وصمد في مواجهة الشدائد.. سيسيطر الخوف على الجميع من التهام الإخوان مكاسب الثورة، ولو كان غير الإخوان في موقف الإخوان الآن.. لقالوا: هذا حقنا وهذه ثمرة جهادنا، والديمقراطية في الأصل "مغالبة" سياسية للفوز برضا الشعب.. ولو كان غير الإخوان لفرضوا شروطهم على فضاء الملعب السياسي والشعبي كله.. ولو كان غير الإخوان لامتدت أياديهم في الخفاء لكل من يريد عقد صفقة مع "النظام الجديد" لتثبيت أنفسهم في الحكم.. وسيجدون ألف مبرر يدافعون به عن صفقاتهم,

هذه طبيعة التفكير السياسي, لذلك تتحسب القوى السياسية من الإخوان اعتقادًا منهم أننا نفكر بذات الطريقة.

لذا فالجماعة الآن مطالبة بأن تؤكد رؤيتها في ضرورة قيام "الجميع" بمسئوليته تجاه الوطن وعدم "انفراد" أي فريق مهما كانت قوته بصياغة الواقع الجديد.

ولقد كانت البداية مبشرة، بإعلان مبدأ "مشاركة لا مغالبة"، وعدم ترشيح رئيس جمهورية من الإخوان, وعدم المشاركة في الوزارات الانتقالية, والمشاركة في حدود الثلث بمجلس الشعب.. بما يؤكد توازي نبض القرار السياسي الإخواني مع نبض الثورة.. وكان قرار إنشاء "حزب" خطوة على الطريق الصحيح؛ ليتأكد الناس أن الإخوان لا يخلطون الدين بالسياسة، وإنما لديهم منهج إسلامي للممارسة السياسية.

كل هذه الخطوات جيدة.. لكننا ما زلنا في بداية الطريق، إذ ينبغي أن نعلن منهجنا السياسي في ضمان حماية شركاء الوطن، وتمتعهم بالحقوق كافة, وأن ينطلق الصف الإخواني بنشر المبادئ السياسية للحزب الوليد حتى لا تتحكم الأبواق الهوجاء في صياغة العلاقة بين أبناء الوطن الواحد.

ثالثًا: الدور الإقليمي والعالمي..

لا شك أن الثورة على الأنظمة البائدة في وطننا العربي والإسلامي ستمتد.. والشعوب قد تحركت.. ومثلما كانت مصر محضنًا للثورة على الاستعمار أيام حكم "عبد الناصر" فعلى الإخوان- مع القوى السياسية- أن يؤكدوا احتضان مصر للشعوب الثائرة على أنظمتها المستبدة.. ومهما كانت صعوبة المرحلة الانتقالية التي نعيشها الآن.. فإن الإخوان مطالبون بالتأكيد على موقفهم المبدأي الراسخ في مناصرة القضايا العادلة للشعوب، لا سيما الشعوب العربية والإسلامية، وذلك تمهيدًا لوقفة حكيمة وشجاعة من قضية "فلسطين".. وهذا ما يجرنا إلى الدور العالمي للإخوان.. ذلك أن الإخوان- أيضًا- ينفردون- دون كل جماعات وأحزاب مصر- بامتداد عالمي في عشرات الدول.. ومن هنا فإن ضبط إيقاع العمل الدولي السياسي أصبح مسألة ملحة الآن، وأصبح الوجود الدولي للإخوان يلزمهم بالدفاع عن أجندة مصالح الأمة، والنزول إلى الملعب الدولي للحفاظ على حقوق الأقليات المسلمة, بالإضافة إلى نقل هذه الخبرات للاستعانة بها في نهضة الوطن.

كما أن الإخوان مطالبون لأن يثبتوا للعالم أن فعاليتهم السياسية في المنطقة العربية، ليست تهديدًا لمصالح أية دولة ما دامت مصالح هذه الدول "مشروعة" وتحميها مبادئ العدالة.. أما اغتصاب أرض أو ثروات أو مقدسات أوطاننا، فهذه مسائل لا تقبلها إلا أنظمة فاسدة.. وعلى الدول المرتبطة مع بلادنا بمصالح أن تحترم إرادتنا في الحفاظ على أراضينا وثرواتنا وقرارنا الحر.. ونختلف تمامًا مع الذين يضغطون على الإخوان لتبني خطاب يطمئن- من طرفهم فقط- أمريكا والغرب، ذلك لأن هؤلاء يعلمون "الإخوان" جيدًا كما يعلمون غيرهم، ولذلك فعلى المجتمع الدولي ما دمنا نحترمه أن يُسمعنا خطابًا جديدًا "ليطمئننا"- هو الآخر-بأنه لن يسهم في إرباك مجتمعاتنا أو التآمر عليها، باعتبار أن الأوضاع الجديدة لم يصنعها- كسابقتها- على عينه وبيديه.

إن الندية وتساوي القامات والعمل السياسي الحكيم هي رسالتنا إلى العالم.. والعالم لن يحترم من يهرول إلى طمأنته خوفًا منه؛ لكنه سيحترم من يتعامل "بعدالة" تقدِّر مصالح الآخر و"بإصرار" يؤكد تمسكه بحقوقه.

===================

حظر" الطيران الليبي ...ورطة عسكرية

دويل مكمانوس

كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة"إم.سي.تي إنترناشيونال"

تاريخ النشر: السبت 05 مارس 2011

الاتحاد

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلًا من أعضاء الكونجرس حسني النية، كي يتقدموا هذا الأسبوع باقتراح مدوٍ لمساعدة المعارضة الليبية على الإطاحة بالقذافي وهو ببساطة: فرض منطقة حظر طيران.

في لقاء له مع صحيفة "واشنطن بوست" قال السيناتور"جون ماكين"( جمهوري – من ولاية أريزونا): "إننا ننفق ما قيمته 500 مليار دولار على الدفاع سنوياً، ولا أصدق أننا غير قادرين على إسكات وسائل الدفاع الجوي الليبية... فكل ما علينا في رأيي هو أن نقول للطيارين الليبيين إنه ستكون هناك منطقة لحظر الطيران... وعندها لن يطيروا ".

وما قاله "ماكين" وافق عليه السيناتور" جون إف. كيري"( ديمقراطي من ولاية ماساشوسيتس) ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الذي قال:"إن الاقتراح الخاص بفرض منطقة حظر طيران ليس اقتراحاً يحتاج إلى وقت طويل حتى يتم الأخذ به... ويجب أن نكون جاهزين لتنفيذه إذا ما لزم الأمر".

هناك شيء واحد تقلل منه هذه التقييمات المتفائلة لحد كبير، وهو أن فرض منطقة حظر طيران، معناه أعلان الحرب على ليبيا في حين أن الولايات المتحدة ما تزال متورطة في حربين في العراق وأفغانستان.

ومن الناحية العسكرية فإن إرسال طائرة للقيام بأعمال الدورية في ليبيا سوف يتطلب منا - كخطوة أولى - أن نقوم بضرب بطاريات الدفاع الجوي الليبية وتدميرها، وهذا أيضا عمل من أعمال الحرب.

في كل مرة تنخرط فيها الولايات المتحدة في حرب، حتى لو كان ذلك الانخراط على مستوى فرض منطقة حظر طيران، فإن السؤال الذي يثار دائما هو: هل هناك احتمال لمزيد من التورط، أم أن الأمر سوف يتوقف على ذلك المستوى من التدخل فقط؟

وهذا المأزق قد يفسر السبب الذي دفع مسؤولي إدارة أوباما إلى عدم إبداء حماس كبير لفكرة فرض منطقة لحظر الطيران في ليبيا.

من هؤلاء الأدميرال "مولين" رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الذي قال:"إن فرض منطقة حظر طيران عملية في غاية التعقيد".

وقال وزير الدفاع "روبرت جيتس" عند سؤاله عن احتمال فرض منطقة حظر طيران في ليبيا" بصراحة علينا أن نفكر كثيراً قبل أن نستخدم قوتنا العسكرية في بلد آخر في الشرق الأوسط".

وتوافق وزيرة الخارجية الأميركية على رأي وزير الدفاع ورئيس هيئة الإركان المشتركة وتقول ملمحةً إلى حقيقة أن الدول الأخرى في المنطقة لا تحبذ خيار التدخل العسكري من قبل الغرب: "ما زلنا بعيدين جدا عن اتخاذ قرار مثل هذا".

من الناحية العسكرية البحتة يمكن تنفيذ عملية فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا بسرعة نسبية. فالولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، لديها بالفعل طائرات، وسفن حربية، وقواعد رادار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كما أن الولايات المتحدة تمتلك قاعدة عسكرية في جزيرة صقلية التي تبعد 350 ميلاً فقط عن العاصمة الليبية طرابلس.

ولكن السبب الحقيقي الذي يدعو للتحوط والحذر، والذي ألمح إليه "جيتس" هو أن الولايات المتحدة لا تريد التورط في حرب جديدة في المنطقة، في نفس الوقت الذي ما تزال فيه غير قادرة على الخروج من مأزق أفغانستان والعراق.

علاوة على ذلك تدرك الولايات المتحدة إنه حتى إذا ما تغلبت على كل المحاذير، وفرضت بالفعل منطقة حظر طيران فوق ليبيا هي وحلفاؤها، فإنه ليس هناك ما يضمن أن تظل العملية سريعة ومحدودة كما خُطط لها، إذ ليس هناك ما يمنع من تطورها وتفاقمها.

فهناك سوابق اعتقدت فيها الولايات المتحدة أن تدخلها سوف يكون قصيراً ومحدوداً، ولكنها وجدت نفسها في النهاية متورطة في عمليات ومهام عسكرية لمدة طويلة.

ففي عام 1991، وفي حرب الخليج الثانية، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر طيران فوق العراق، على أمل أن يؤدي هذا الإجراء إلى المساعدة  ضمن إجراءات أخرى بالطبع  على إسقاط نظام صدام حسين. ولكن هذا لم يحدث، وظلت الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير الطيارين والطائرات التي تنفذ هذه العملية لعقد كامل من الزمان، كما فقدت في سياق ذلك طائرة مروحية من نوع "بلاك هوك" وطاقمها في حادث قامت فيه طائرة أميركية من طراز إف 15 بإطلاق صواريخها بالخطأ على تلك الطائرة. دون أن يؤدي هذا الجهد من جانبها لتحقيق الهدف المرجو، وهو إسقاط نظام صدام حسين، ذلك الهدف الذي لم يتحقق إلا بعد غزو العراق عام 2003.

وفي عام 1993 فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران فوق البوسنة والهرسك، وأسقطت في إطار تلك العملية، أربع طائرات صربية. ولكن الحرب البوسنية ذاتها انتهت باتفاقية سلام (مشروخ في الحقيقة) . وعلى الرغم من أن تلك الاتفاقية على الرغم من عيوبها قد مثلت قصة نجاح للدبلوماسية الأميركية، إلى أنه أدت أيضاً إلى نشر قوات حفظ سلام تابعة للولايات المتحدة في البوسنة لمدة ثماني سنوات بعد ذلك.

في الوقت الراهن، يقول مسؤولو إدارة أوباما أنهم يفاضلون، بين طائفة واسعة من الخيارات المتعلقة بكيفية التعامل مع ليبيا، ومنع طيرانها من استهداف المدنيين. ويتوقع بعض الخبراء أن يكون من بين تلك الخيارات توجيه ضربات من مدى بعيد لقواعد الطيران الليبية، وكذلك تقديم وسائل دفاع جوي للقوى المناهضة للقذافي.

وإذا ما نجحت تلك القوى، في تشكيل وزارة وتقدمت بطلب للمساعدة من الخارج فإن ذلك سوف يشكل ضغطا على إدارة أوباما، وعلى الحكومات الغربية، قد يدفعها للعمل.

والبديل هو أن تقف الإدارة والحكومات الغربية متفرجة، دون أن تفعل شيئا إزاء ما يحث في ليبيا وهو موقف لن يكون قابلا للاستمرار لوقت طويل.

فلن يكون من قبيل السياسات الجيدة أن تضيع الولايات المتحدة وحلفاؤها فرصة لتقديم المساعدة لحكومة جديدة صديقة جاءت إلى السلطة.

ولكن الموقف يستدعي منا الحذر، وأن نعد حتى الرقم 10، قبل أن نفكر في البدء في أي حرب.

===================

الثورات العربية وأميركا وإسرائيل

تاريخ النشر: السبت 05 مارس 2011

الاتحاد

غازي العريضي

العقيد معمّر القذافي "قائد الثورة الليبية"، انتقد قادة الغرب أوبعضهم على الأقل، لأنهم خذلوه وخانوه! ولم يقل كيف ولماذا؟

أخانوه، لأنهم ديمقراطيون، وهو أصبح ديموقراطيا وأنضم إلى أنديتهم بعد قبوله بشروطهم وتفكيك أسلحته النووية وتسليمه كل المعلومات عنها وعن زعماء وأركان "محور الشر" و"العصابات الإرهابية" في نظر الأميركيين، الذين كانوا يتلقون الدعم من نظام القذافي؟

كيف يمكن لقائد ثورة أن يصّر على مقاومة الاستعمار الإيطالي، والإمبريالية الأميركية التي قصفت ملجأه الحالي في الثمانينات، ويهاجمها، لتعبئة شعبه "الذي يحبه حتى التضحية بنفسه من أجله"؟ وفي الوقت ذاته يلوم هذه القوى ويعتب عليها ويتحدث عن فنزويلا وأميركا اللاتينية عموماً ويتعاطف معه تشافيز ونظام المناضل الكبير فيديل كاسترو؟

هل كان العقيد ينتظر الدعم من الغرب ومن الذين فتح لهم أبواب الاستثمارات النفطية والسياسية والأمنية، في وجه المواطنين الذين يريدون التحرر من القهر والظلم الاجتماعي الذين عاشوهما منذ أربعين عاماً ونيف ولم يروا من الثورة إلا الخطابات الخضراء والكتب الخضراء والساحات الخضراء، ويحصدون اليوم الدم الأحمر، وجثث الأبرياء فيها؟

وما نفع المساعدات والإعانات المالية والعينية في اللحظة الأخيرة بعد سنوات من المكابرة والغرور، وفي ظل الحديث عن ثروات خيالية جنتها عائلة النظام الحاكمة؟ أين الوحدة الوطنية الليبية؟ أين إنماء المناطق، وكرامة الإنسان فيها؟ وما نفع الاعتراف في اللحظة الأخيرة بالأخطاء وبضرورة الحوار بعد أن أضرموا النار في كل مكان، وبعد التهديد بتوزيع السلاح "وتنظيم" حرب أهلية بين القبائل من أجل التمسك بما يمكن أو ينبغي من السلطة؟

لقد كان القائد الكبير الشهيد كمال جنبلاط يقول: "إن السياسة هي فَن قيادة الرجال"، "وهي شرف قيادة الرجال"، وكان مؤمناً بأن المرء يعيش حياته باحثاً عن الحقيقة وليس ثمة نصاعة أكثر من حالة التلازم بين اكتشاف الحقيقة وراحة الضمير. وفي كل الحالات، كانت قناعته الراسخة بأن الإنسان هو غاية كل نضال وعمل وحركة وجهاد... ولطالما ناقش هذا الرجل القادة العرب ومنهم القذافي بهذه المسألة، وبضرورة الانفتاح على الناس، والعمل على رفع شأنهم وتوزيع الثروة بشكل عادل ومحو الأمية وتوفير الحياة الكريمة اللائقة لهم. فأين فن القيادة؟ وأين شرفها؟

اليوم، نتطلع إلى الشاشات فلا نسمع ولا نشاهد إلاّ أصواتاً وتحركات تطالب بالتغيير، بالحقوق، بالحرية وبالديمقراطية، بمكافحة الفساد وبإعادة النظر بآليات الحكم لضمان المشاركة الشعبية الحقيقية.

أنا ضد السياسة الأميركية ولا أثق بها، وأعتبر دائماً أنها المسؤولة عن كوارث كثيرة في العالم وخصوصاً في منطقتنا. وأعرف تماماً، أن كل المظاهرات "المليونية" التي شاهدناها لم نرَ فيها شعاراً قومياً وكلاماً عن إسرائيل وأميركا.

ولم نسمع هتافات اعتدنا على سماعها مثل "الموت لأميركا" "الموت لإسرائيل".. ومع ذلك لا يمكنني القبول بما خرج به بعض القادة العرب المطالبين بالرحيل وفي لحظات البؤس واليأس الأخير. وفي مواجهة ضعيفة للحقيقة، عندما اتهموا أميركا وإسرائيل بالوقوف وراء هذه التحركات...

نعم إسرائيل هي المستفيد الأول. وأميركا مستفيدة وتحاول أن تعوّض فشلها في احتلال العراق وبناء "شرق أوسط جديد" على قياس برنامجها وأهدافها وتطلعاتها فتسعى إلى تحقيق المكاسب مما يجري اليوم في هذا الاتجاه. لكن هذه الحقيقة لا تسقط الحقيقة المرّة والأخطر والأهم وهي أن هذه الأنظمة ارتكبت من الأخطاء ما لا يحصى ولا يعدّ بحق شعوبها وهي اليوم ترتكب الخطايا في مواجهتها...

إذا كان المطلوب مقاومة إسرائيل ومنع أميركا من تحقيق أهدافها في المنطقة، فإن ذلك لا يتحقق بالقمع والردع وسفك الدماء والعنتريات وتوزيع السلاح وتفتيت الدول وهذا هو المشروع الإسرائيلي الأميركي. نعم الخطر اليوم لم يعد في صراع طائفي في دولة من دولنا بل انتقل في مرحلة إلى خطر الصراع المذهبي، ونحن نراه اليوم صراعاً قبلياً مناطقياً عشائرياً سيفتت كل شيء، ولا نرى بين القادة المعنيين من يعمل فعلاً على مواجهته، بل لا تدّل مواقفهم وممارساتهم إلا على سلوك طريق هذا المشروع والبعض منهم بملء إرادته. المهم البقاء في السلطة ولو على "كرسي" عزيز في "العزيزية", أو غيرها، حتى ولو انقسمت الدول والسلطات.

إنها الفوضى التي سنعيش في ظلها لوقت طويل حتى تستقيم الأمور. وهذه تشكل فرصة استثنائية لإسرائيل وأميركا وكل الذين يريدون ثروات وخيرات وإمكانات وطاقات و"ثورات" هذه الأمة!

===================

المسؤولية عن حماية الشعب الليبي 

آخر تحديث:السبت ,05/03/2011

جاريث إيفانز

الخليج

إن السيادة ليست رخصة للقتل، ولا ينبغي لأي دولة أن تتخلى عن مسؤوليتها في حماية شعبها من الجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن تبرير ارتكاب مثل هذه الجرائم نفسها . فعندما تفشل دولة ما بشكل واضح في توفير هذه الحماية، فإن المجتمع الدولي يصبح مسؤولاً عن توفيرها عن طريق اتخاذ تدابير “جماعية وحاسمة وفي وقتها المناسب”، من خلال مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

هذه هو مبدأ “المسؤولية عن توفير الحماية” الذي تم تبنيه بالإجماع في إطار القمة العالمية لرؤساء الدول والحكومات الذي انعقد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ،2005 والذي تعزز في وقت لاحق بتأييد من مجلس الأمن، وليس هناك حالة أكثر وضوحاً لتطبيقه مما يحدث في ليبيا اليوم .

لقد أقدمت قوات العقيد معمر القذافي من على الأرض ومن السماء على قتل المئات وربما أكثر من ألف من الليبيين المحتجين، بطرق سلمية في البداية، ضد تجاوزات نظامه . ويبدو أن الأمر لن يسلم من حمام دم أعظم إذا لم يتنح العقيد القذافي . لقد أصبحت الحاجة إلى عمل “جماعي وحاسم وفي وقته المناسب” ساحقة .

ولقد بدأ مجلس الأمن، بعد التحرك بحَذَر مؤلم في الأيام القليلة الأولى من الأزمة، في استحضار مبدأ المسؤولية عن الحماية، بل وللمرة الأولى في التاريخ، وافق المجلس على حزمة كبيرة من التدابير لتنفيذ ذلك المبدأ: حظر توريد الأسلحة، وتجميد الأصول، وحظر السفر، والأهم من ذلك إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية .

إن مثل هذه التدابير، مثلها كمثل الخطوات التي تتخذ الآن في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيره من الجهات، ضرورية للتأكيد أن القذافي لم يعد يتمتع بأي قدر من الدعم الدولي . وهي تدابير قسرية ولكنها لم تتطرق إلى استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها . ولكن هل تكون هذه التدابير كافية لوقف عمليات القتل؟ وهل حان الوقت لتطبيق وفرض منطقة حظر طيران؟ أو الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وإرسال قوات برية مفوضة باتخاذ كل ما يلزم؟

إنه في واقع الأمر قرار صعب، ولا يستطيع حتى أشد المدافعين عن المسؤولية عن الحماية تعاطفاً أن يتظاهروا بعكس ذلك، لأن إعلان منطقة حظر الطيران ليس بالخيار “الناعم”: فهو يستلزم ضمناً الاستعداد لإسقاط أي طائرة مقاتلة أو قاذفة أو مروحية تخرق هذا الحظر . وهذا من شأنه أن يفرض خطراً عظيماً يتمثل في احتمالات احتجاز رهائن أو تنفيذ عمليات انتقامية ضد الرعايا المتبقين في ليبيا لأي دولة قد تتدخل . أما اتخاذ القرار بإرسال قوة غزو، إذا ما افترضنا أن حشدها وتجهيزها أمر ممكن في غضون فترة وجيزة، فمن شأنه أن يزيد المخاطر إلى حد كبير .

ومن الأهمية بمكان أن نضع مبدأ المسؤولية عن الحماية في المنظور المناسب، وأن نضع الأهداف التي تم تصميم هذا المبدأ لتحقيقها في الحسبان . إن الخلفية التي تم عليها طرح هذا المبدأ كانت عقداً من الزمان من الانقسام الدولي المؤلم في تسعينات القرن العشرين حول كيفية الرد على الجرائم الوحشية الجماعية، حيث أيدت أغلب بلدان الشمال “التدخل الإنساني”، في حين احتشد الجنوب حول النداء القديم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأصبح الإجماع بعيد المنال . وكانت النتيجة إما تحركات بتفويض من الأمم المتحدة، وهي التحركات التي كانت منقوصة أو هدّامة كما حدث في كارثة الصومال في عام ،1993 والإبادة الجماعية في رواندا في عام ،1994 والمذبحة في سريبرينتسا في عام 1995 وإما التحرك الذي كان فعّالاً في النهاية ولكنه لم يتم بتفويض من الأمم المتحدة وبالتالي لم يكن قانونياً كما حدث في كوسوفو عام 1999 . كان المقصود من مبدأ “المسؤولية عن الحماية” أن يعيد صياغة القضية من حيث المسؤوليات وليس الحقوق، والحماية وليس التدخل، وفي الوقت نفسه تحديد مجموعة واسعة من الاستجابات الوقائية التفاعلية المناسبة، مع اعتبار التدخل العسكري القسري ملاذاً أخيراً . وكان الأمل ألا يُعَد بعد ذلك فشل الدولة في حماية سكانها أمراً لا يخص أي جهة خارجية، كما كانت الحال لعدة قرون من الزمان، بل يُنظَر إليه باعتباره أمراً يهم العالم بأسره .

ولقد تم إنجاز هذا الجزء من المهمة بشكل معقول إلى حد كبير، فقد كانت الاستجابة الدولية للفظائع التي ارتكبت في كينيا في عام 2008 مختلفة تمام الاختلاف عن اللامبالاة التي قوبلت بها المذابح في رواندا . والواقع أن الإدانة الدولية للفظائع التي يرتكبها القذافي اليوم كانت سريعة، وجازمة، وبالإجماع، ولا أحد يستطيع الآن أن يزعم أن السيادة تمنح الحصانة؛ ولا شك أن التحول في الإجماع المعياري قد اكتمل على نحو أو آخر .

والعبرة هنا ليست أن هذا المبدأ غير ذي صلة، بل العبرة أننا لابد أن نفعل ما هو أفضل في تطبيق هذا المبدأ في المستقبل، وأن هذا المستقبل في ما يرتبط بليبيا هو الآن . والواقع أن العقوبات، والحظر، والعزلة الدبلوماسية، كل ذلك يشكل الحد الأدنى المطلق من المطلوب، وإذا لم تسفر هذه التدابير عن نتيجة إيجابية على الفور، واستمرت المجزرة، فلن يكون هناك بديل عن بذل المزيد من الجهود .

إن الخيارات العسكرية لا بد أن تُعَد دوماً بمنزلة ملاذ أخير، ولكن لا يجوز استبعاد هذه الخيارات في الحالات القصوى، وليبيا تشكل حالة قصوى بكل تأكيد . وسوف يكون من الأسهل أن نفكر في مسألة منطقة حظر الطيران، مع مغادرة آخر المغتربين المعرضين للخطر للبلاد، والتخطيط لتنفيذها لابد أن يتقدم بسرعة . ورغم كل ما تم حتى الآن، فإن الكرة تظل في ملعب مجلس الأمن، فالآن لم تعد مصداقية مبدأ المسؤولية عن الحماية فقط على المحك، بل ومصداقية مجلس الأمن أيضاً .

وزير الخارجية الأسترالي الأسبق، والرئيس الفخري لمجموعة الأزمات الدولية، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

===================

الحرب والديون والديمقراطية 

آخر تحديث:السبت ,05/03/2011

جون فيرغون وفرانسيس روزنبلوث

الخليج

بعد القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة برفع سقف الدين الذي كانت قد فرضته على نفسها، فمن الحكمة أن نتذكر الأسباب التي جعلت الدين العام الأمريكي بهذه الضخامة، وما مدى أهمية هذا الدين . مع صعود حزب الشاي فربما يعترض الجمهوريون أشد الاعتراض على رفع سقف الديون، ولكنهم من المرجح أن يتراجعوا في نهاية المطاف، لأن الدفاع عن الحروب الممولة بالدين ولنقل في أفغانستان والعراق - من بين أمور أخرى، أمر أيسر من الدفاع عن الحروب التي يتم تمويلها أولاً بأول بالاستعانة بأموال دافعي الضرائب .

والواقع أن الجدال الذي يلوح في أفق الولايات المتحدة يؤكد نقطة أكثر تحديداً: فمنذ زمن سحيق كانت الحروب بمرتبة سيف ذي حدين، إذ كانت المجتمعات البشرية تمارس عمليات القمع والذبح الجماعي في ما بينها على نطاق أشبه بأسوأ الكوارث الطبيعية على الإطلاق . ولكن الحروب كانت أيضاً سبباً في جلب تغيرات مفيدة، لأن حشد الناس للقتال يعمل أيضاً على تعبئتهم سياسياً .

والتاريخ عامر بأمثلة للحروب التي ساعدت أيضاً على توسيع مدى انتشار أصوات هؤلاء الذين عملوا على توفير الموارد للقتال . فقد تحولت أثينا القديمة إلى “ديمقراطية” - أو حرفياً، حكومة من الشعب - عندما قام الكليثينيون بتنظيم تجمعات الصيادين والمزارعين العادية وتحويلها إلى حشود من الدهماء الذين تمكنوا من إلحاق الهزيمة بأهل النخبة المدعومين من قِبَل اسبرطة . ولقد تم تأمين حريتهم السياسية بفضل اعتماد أثينا على أعمال الحروب البحرية الكثيفة العمالة ضد الفرس وغيرهم من الأعداء .

وفي روما كان الإضراب الذي نظمه الجيش في القرن الخامس قبل الميلاد سبباً في فتح السياسة أمام الطبقات الدنيا . ولقد اشتهر المحاربون العاديون بأنهم صناع القرار بين أهل الشمال في أقاليم الألب السويسرية في القرون الوسطى المبكرة .

 وفي وقت لاحق وضع فرسان القرون الوسطى في أوروبا السلطة السياسية بين أيدي الأثرياء الذين كانوا قادرين على الإنفاق على خيولهم وبطاناتهم، ولكن عودة الجيوش الحاشدة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر قلبت الأحوال رأساً على عقب . ولقد اكتسبت المليشيات المحلية قدراً كبيراً من البروز والسلطة في هولندا، بداية من عام 1568 أثناء الكفاح الطويل ضد هابسبورغ الإسبانية، ولو أنها تراجعت إلى الهامش مرة أخرى عندما انتهى التهديد في أواخر القرن السابع عشر .

وحتى في ذلك الحين، اضطر ملوك أوروبا إلى توحيد المقاطعات عندما نشأت الحاجة إلى الأموال اللازمة للقتال، الأمر الذي فرض الحوار بشأن مقاصد الحرب وتكاليفها . كما ساعدت الحرب “الثورية” ضد بريطانيا في القرن الثامن عشر في تأمين المبادئ الديمقراطية في دستور الولايات المتحدة، وتشجيع نشوء امتيازات أوسع نطاقاً . وعملت جيوش نابليون، التي أطلقتها الصحوة السياسية الحاشدة نتيجة للثورة الفرنسية، على إطلاق نوبات من التعبئة المضادة التي غذت الثورات الأوروبية في عامي 1830 و1848 .

إن الديمقراطية الحديثة التي تستعين بمزيج من الاقتراع العام وحقوق الملكية، تبدو بشكل ملحوظ أشبه بالتسوية التي تولدت عن قرون من المنافسة العسكرية بين الدول المتطورة دستورياً، والتي بموجبها يقوم عامة الناس بتوفير القوة العاملة اللازمة للقتال ويقوم أصحاب المصالح الأثرياء بتوفير رأس المال اللازم لتدريب القوات وتجهيزها . ونتيجة لهذا فإن الأنظمة الديمقراطية أوفر حظاً من الأنظمة غير الديمقراطية في كسب الحروب، لأنها تعمل على تعبئة مجتمعاتها بشكل أكثر اكتمالاً، ولأن المواطنين الذين يتحملون التكاليف يتمتعون بالقدرة الانتخابية اللازمة لمنع الساسة من خوض الحروب المتهورة التي لا ضرورة لها .

ولكن الصراعات الموسعة التي تخوضها أمريكا في أفغانستان والعراق مختلفة، ولقد تكلفت هذه الصراعات بالفعل أكثر مما تكلفته الحرب الطويلة التي خاضتها أمريكا في فيتنام، ولكنها لم تتسبب في زيادة الوعي العام أو المساءلة السياسية في الداخل، بل إن الأجيال الشابة من الأمريكيين لم تلتفت كثيراً إلى العمليات العسكرية الأمريكية في الخارج .

 ولكن ما الأسباب وراء هذا التناقض الصارخ بين الاحتجاجات الحاشدة ضد الحرب في فيتنام، وبين ردود الأفعال الشعبية الصامتة إزاء الحرب في أفغانستان والعراق؟

 ربما تدخل عامل الخوف من الإرهاب إلى حد ما لمصلحة تجنيب قادة الولايات المتحدة الخضوع للمساءلة، ولكن ثمانية من كل عشرة أمريكيين يرون أن تنفيذ هجمات إرهابية بات غير مرجح، ويعتقد العديد من الناخبين أن التورط في أفغانستان والعراق من شأنه أن يزيد لا أن يحد من تعرض أمريكا للهجمات الإرهابية .

 والأمر الأرجح هو أن الأمريكيين يتعاملون مع هذين الحربين (أفغانستان والعراق) بقدر كبير من السلبية لأن المواطن العادي لا يعاني تكاليفها . ذلك أن الحرب التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، تستبدل الآلات بالجنود، وتسهم في الحد من الخسائر في الأرواح بين الجنود الأمريكيين . والواقع أن الاستعانة بالجنود المتطوعين - بما في ذلك عدد من غير المواطنين واستبدال وحدات المرتزقة بالقوة العاملة، من شأنها أيضاً أن تعظم من أسباب انصراف الناخبين عن الاهتمام بالأمر برمته .

فضلاً عن ذلك فإن الولايات المتحدة تتحمل تكاليف هذه الحروب بالاستدانة، فقد مولت الحكومة الحرب العالمية الثانية جزئياً بالاستعانة بسندات الحرب .

 والواقع أن الإنفاق المضاد للدورة الاقتصادية والسياسات الضريبية أصبحت مقبولة إلى حد كبير في نظر الخبراء ودافعي الضرائب على حد سواء، ولكن من المعروف عن الإنفاق بالعجز على الحروب يشكل وسيلة رديئة لتحفيز الاقتصاد . ولكن هذا يساعد الإدارات الأمريكية في شراء الوقت اللازم للاستمرار في ملاحقة الحروب غير المدروسة والباهظة التكاليف بأقل قدر من المراجعة في الداخل . وفي ظل القدرة التي تتمتع بها حكومة الولايات المتحدة على الوصول إلى أسواق الدين العالمية، والتي تعمل على الحد من الحاجة إلى زيادة الضرائب، فإن الحكومات الأجنبية الآن تستحوذ على ما يقرب من ثلث ديون الولايات المتحدة التي بلغت 14 تريليون دولار .

 لن نعرف لبعض الوقت ما إذا كان استمرار هذا الدين الأمريكي العام الضخم ممكناً . بيد أننا نعلم أن الحكومات حتى الآن كانت مضطرة لاخضاع نفسها للإشراف السياسي المتزايد كلما احتاجت إلى القوى العاملة أو الأموال اللازمة لخوض الحروب . والواقع أن الولايات المتحدة التي تفتقر إلى الضوابط الديمقراطية الأكثر فعالية في منع الحروب غير الشعبية أصبحت تتمتع بحرية نسبية في الانهماك في مغامرات خارجية غير مرحب بها .

جون فيرغون أستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة ستانفورد، والذي يدرس حالياً في كلية الحقوق بجامعة نيويورك . وفرانسيس روزنبلوث أستاذ العلوم السياسية بجامعة ييل . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

===================

الثورات العربية والتدخل الخارجي

المصدر: صحيفة «غارديان» البريطانية

التاريخ: 05 مارس 2011

البيان

تعرّض المجتمع الدولي للخطر جرّاء الثورة التي تجتاح العالم العربي. واتسم موقف الولايات المتحدة بالتذبذب من الدعوة إلى الاستقرار لحماية حليف استراتيجي هو الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى التهليل لعملية الإطاحة به. وسلكت فرنسا المسار نفسه إزاء تونس. ولحسن الحظ، استقالت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليو ماري من منصبها،أخيراً، وقد كان أول رد فعل لها حيال الانتفاضة التونسية أن تعرض على الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بمعرفة فرنسا الأكثر تفوقاً لمساعدته في مكافحة الشغب. لكن تورط عائلتها مع النظام القديم (حيث كان يمتلك والداها أسهماً في شركة عقارات امتلك رجل أعمال مقرب من نظام بن علي) قدم مسرحيته الخاصة. قلة من المراقبين اتسموا بالموضوعية. وعندما تعلق الأمر باندلاع أزمة، مثل تنظيم عمليات استجواب لجماعات مناهضة تحت التعذيب في باكستان، فقد تعاونت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وغيرها من المنظمات الأخرى، مع أكثر العناصر الظلامية في نظام مبارك. وبالنسبة لكل من روسيا والصين، اللذين تساورهما الكثير من المخاوف إزاء قيام شعبيهما بمظاهرات عفوية، فقد كان حظهما أفضل بعض الشيء.

يتواصل الصراع الكامن بين السياسة والمبدأ حتى يومنا هذا. ففي حين انصب اهتمام العالم على ترقب نهاية الرئيس الليبي معمر القذافي، فإن القوات الليبية ليست وحدها من تطلق النار على المتظاهرين العزل. بعد انطلاق تظاهرة حاشدة في «ميدان تحرير» آخر، هذه المرة في بغداد، اعتقلت قوات الأمن العراقية 300 شخص، من بينهم صحافيون بارزون وفنانون ومثقفون، وبعضهم تعرض للضرب في وقت لاحق أو للتعذيب أثناء الاحتجاز. ولقى مالا يقل عن 29 شخصاً حتفهم في «يوم الغضب» في العراق. وبدلا من التنديد بحليفها نوري المالكي، الذي صنعت واشنطن ائتلافه الحكومي بإتقان على مدار شهور من التأسيس، فقد قللت السفارة الأميركية في بغداد من شأن العنف.

ينبغي استخلاص ثلاثة دروس من الثورات التي تحدث في ليبيا ومصر وتونس وغيرها من الدول. الدرس الأول، هو أنها تنتمي إلى الناس الذين صنعوها. فقد قدم الليبيون والمصريون والتونسيون تضحيات هائلة للوصول إلى هذا الحد، وتأثر شهود العيان بإصرارهم وبطولاتهم. فهم لا يريدون، كما أنهم لم يسعوا بعد إلى التدخل الأجنبي. فملكية التغيير في منطقة الشرق الأوسط لا تجعل، رغم ذلك، التحرك الدولي بلا أهمية. فالتصويت في الأمم المتحدة من أجل فرض حظر بالسفر والعقوبات بتجميد الأصول على القذافي وحاشيته يضع أساساً جديداً للدعم الدولي الذي حشدته المنظمة الدولية، الذي تمت مساندته من جانب الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وبدعم من بعثة ليبيا في الولايات المتحدة نفسها، والتي أعلنت انشقاقها بشكل جماعي. ليس من المرجح أن يستمر هذا الدعم، لكن عملية إعادة اكتشاف الفوائد الحقيقية من حشد التحالفات الدولية والمؤسسات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان يعتبر أمراً صحياً.

أما الدرس الثاني، فهو أن هذه الثورات قد بدأت لتوها، ولا تزال مهمة التخلص من الوجوه القديمة جارية. فقد خلعت تونس زعيمها الثاني في غضون عدة أشهر عندما استقال محمد الغنوشي كرئيس للوزراء بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات الأخيرة. ومع الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة وفرنسا من أجل تشكيل نموذج من شأنه استيعاب أعضاء قياديين في الحزب الحاكم القديم، وهو حزب التجمع الدستوري، في شكل حزب ديمقراطي جديد، فإن الشارع التونسي يرفض ذلك تماماً.

===================

مرحلة انتقال عربية: لماذا لا تسمع الأنظمة؟

ميشيل كيلو

السفير

5-3-2011

من الواضح لجميع من يتابعون الوضع العربي الراهن أنه يمر في طور انتقال. ويجمع من يعرفون الأحوال على أنها لن تدوم، بسبب طابع المرحلة الانتقالي، وأن النظم العربية جميعها تجد نفسها في مواجهة الحاجة إلى إصلاح جدي، كثيرا ما قال المطالبون بتحقيقه إنه رهن بموافقة السلطة عليه، ما دام إجراؤه من دون موافقتها أو إرادتها ضرباً من المستحيل. بالمقابل، اعتقد كل من كان يتابع تطورات ويعرف وقائع العقد الأخير أن التنكر للإصلاح ليس حلا، وأنه لن يؤدي إلى خفوت المطالبة العامة به، بل سيزيد الهوة بين الحاكمين والمحكومين، وسيدخل النظم جميعها في نفق لا مخرج منه، وقد يدفع بالمحكومين إلى ممارسة العنف الفردي أو التمرد الجماعي، وهو ما وقع بالفعل، في كل مكان من أرض العرب، حيث تعاقب الشعوب منذ قرابة أربعة أشهر نظمها التي رفضت الإصلاح، أو هي تتحين الفرص للانقضاض عليها، خاصة منها تلك التي لا تزال سادرة في غيها، وتزعم أن أوضاع شعبها طبيعية وجيدة، وأنه يمكن تجاوز المطالبة بالإصلاح هذه المرة أيضاً، مثلما تجاوزتها بالأمس القريب، عن طريق الوعود المعسولة، وتخويف الناس من الأخطار الخارجية، وتزييف الوقائع، والأخذ بحلول جزئية وتخديرية، واستغلال وعي الشعب الوطني وحبه لبلاده من أجل صرف أنظاره عن مطالبه وتوجيهها نحو معارك وهمية مع «خارج» يريد فرض الإصلاح علينا، أو يضلل من يطلبونه من مواطنينا، فالامتناع عنه ليس، إذن، رفضا للإصلاح وإنما هو حماية لإرادتنا الوطنية واستقلالنا  أو بكلماتنا نحن العربية الواضحة: إدامة لبؤس شعوبنا!

بسبب رفض الإصلاح، كان مراقبون كثيرون يعتقدون أن مرحلة الانتقال ستفضي إلى أحد خيارين: واحد راجح وقوي هو ذهاب بلداننا العربية إلى نظم دينية أو مذهبية الطابع، وآخر ضعيف لكنه إنقاذي هو قيام نظم تعيد إنتاج الدولة والسلطة والمجتمع في حاضنة المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والدولة المدنية، التي تكفل حريات المواطنين بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم الطبقي أو أصلهم، وتعاملهم كذوات قانونية حرة متساوية في الحقوق والواجبات، وفي فرص العمل والتعليم والتقدم. بما أن الخيار الأول كان هو الأرجح، فإن النظم وجدت في نفسها الجرأة على اتهام أنصار التيار الثاني، الديموقراطي، بزعزعة الأمر القائم، ومقاومة السلطة التي تحميهم، بالانحياز الفعلي وبلا وعي إلى الإسلاميين: الخصم المشترك، الذي يجب أن تتضافر الجهود لمقاتلته، دفاعاً عن الأمر القائم، بما أنه قادر وحده على مواجهة الخطر، بإبقاء الحال الراهنة على ما هي عليه، وإن بكثير من القمع، الذي يحول بنجاح دون البديل الإسلامي!

هذا الحل عنى أولا: احتجاز الأمر القائم والواقع الراهن والدفاع عنهما ضد أي تغيير أو إصلاح، بحجة أن أي إصلاح يطاول النظام قد يفضي إلى انهياره، على غرار ما وقع في بلدان شرق ووسط أوروبا وروسيا. وبالنظر أن مطالبة الشعب بالإصلاح كانت تتصاعد، فإن احتجاز الأمر القائم وكبح طابعه الانتقالي كان مستحيلا من دون تشديد قبضة من يمسك بمفاصله: الأمن. وشيئاً فشيئاً، دخل النظام في طور فقد معه الرغبة في - والقدرة على - التحرك إلى الأمام، والانتقال إلى مسارات يمكن أن تخرجه وتخرج المجتمع من مآزق كثيرة ومشكلات مزمنة بقيت من دون حلول رغم تفاقمها المطرد والتذمر العام المتصاعد منها. وعنى ثانيا: تهافت شرعية نظام يحتاج بشدة إلى إصلاح عام يطالبه به مجتمعه أو قطاعاته الكبرى، لكنه يمتنع عن تحقيقه ويحكم بالمقابل قبضته على المواطنات والمواطنين ويغرق في فساد لا قاع له، بينما تغطي أجهزته القمعية الرقعة المجتمعية بحضورها الآني، فحضورها فيها استفزاز يومي ومباشر للمواطن، الذي وجد أيدي المنتمين إلى الأجهزة داخل جيبه، تشفط منه جزءا رئيسا من عوائد عمله وعرق جبينه ولقمة أحبائه.

لم يتحقق ما كان يقال حول الإسلام السياسي كبديل وحيد للنظم العربية القائمة. ولم تكن واقعية أو صحيحة نظرتها إلى المعارضة، التي رأت فيها شراذم وبقايا أحزاب صغيرة، متلاشية وعاجزة عن الحركة والفعل والخروج من الدوائر المغلقة التي رسمتها السلطة لها. لم يكن بديل النظم إسلاميا، بل كان ديموقراطيا في حالتي تونس ومصر، ويرجح أن يكون كذلك في حالة ليبيا أيضا، وكذلك اليمن والعراق والجزائر والمغرب وعمان والكويت والأردن: إنه بديل موجه ضد طابع نظام الاستبداد القمعي، وضد فساد قادته وأسرهم وزبانيتهم من رافضي الإصلاح ومنتسبي الأجهزة التي على تماس مباشر ويومي مع الشعب. أما المعارضة فهي لم تقتصر على بقايا أحزاب، اطمأنت النظم إلى إفلاسها وفوات وعيها، فاستخلصت من ذلك خطأ أنها صارت بمأمن من الخطر الداخلي، وأنها في أيد أجهزتها الأمنية الأمينة والضاربة. ولم يخطر ببالها أن الشعب بقضه وقضيضه هو المعارضة، وركنت إلى خداع الذات وتوهمت أن ما يعيشه الشباب من عزوف عن السياسة وانغماس في الاستهلاك، وما يعانيه المواطن من انكفاء على النفس وتقوقع على الذات، يوفران لها الاستقرار المديد، إلى أن هبت عاصفة تونس وتلاها إعصار مصر، ثم معركة ليبيا ذات الخصوصيات المحلية والدولية الفائقة الدلالة بالنسبة إلى واقع ومستقبل النظم العربية جميعها، وبدأ الزلزال العربي المخيف يهز أركان الأمر القائم، بل والنظام الدولي بأسره، ويفرض على الحكام رؤية أنفسهم بدلالته أساسا، ويجبرهم على إعادة إنتاج الأسس التي قامت عليها نظمهم منذ عقود، في حاضنة جديدة ليس فيها ما هو مناسب لهم أو في صالحهم؛ حاضنة تفرض عليهم خياراتها، وترغمهم على التخلي عن الحل الذي ابتدعوه لمقاومة الإصلاح: ألا وهو احتجاز حقلي السياسة والمجتمع بقوة الأمن والإفساد والتهويش الأيديولوجي، علما بأن هذا التخلي لم يعد مسألة كيفية يقررها الحاكم، بل غدا أمرا حتميا، إن كان يريد إنقاذ نظامه، وأنه لن يأخذ شكل نمط جديد من الاحتجاز، بل سيكون المدخل إما إلى إصلاح يشبه كثيرا ما طالب الناس بتحقيقه طيلة العقد المنصرم، أو إلى تمرد شعبي عارم، يفرض ما يريد شعب يثق اليوم بقدرته على إنزال الهزيمة بنظمه، مهما كانت قمعية، سبق أن تصدى بنجاح لثلاثة من أسوئها وأسقطها في فترات قياسية، ولم يتردد عن تقديم التضحيات التي تطلبها التخلص منها!

إنها، إذن، مرحلة انتقال جديدة، لا تشبه إطلاقا المرحلة القديمة، لأن خيارات النظم فيها محدودة إن لم تكن معدومة، ولأنها لا تسمح بالالتفاف على مطلب التغيير، سواء بالإصلاح أم بالثورة، ولأن التغيير لن يتم بدلالة النظام وأمنه بل بدلالة الشعب وحريته، ولأن البديل سيكون بصورة تكاد تكون حتمية نظاما ديموقراطيا أو خطوات ملموسة نحوه، وأخيرا لأن المشكلة لم تعد مشكلة عدد محدود من المعارضين المطالبين بالإصلاح والتغيير، بل هي معركة مع شعب بلغ من اليأس حدا صار يفضل معه الموت على الحياة في ظل السوط والجوع والفساد، يدفعه الأمل بالخلاص إلى معركة تبدو مضمونة النتائج، هو فيها الفاعل المباشر وحامل مشروع حريته وكرامته، العائد إلى الواقع والتاريخ ليصحح ما اعوج على يد النظم منهما.

كان ماركس يقول: إن من علامات سقوط طبقة عجزها عن فهم الواقع. هل هناك عجز عن فهم الواقع يفوق عجز الطبقة الحاكمة العربية عن رؤية شعبها وهو يخرج من نظمها، ويعد نفسه لمعركة ناجحة ضدها، من دون أن تشعر بشيء من هذا أو ترى أية علامة من علاماته، رغم رقابتها الأمنية اللحظية على مواطناتها ومواطنيها؟. وهل هناك إفلاس يفوق إفلاس أجهزة تسمع أية همسة اعتراض أو تحفظ يطلقها مواطن مسحوق في أقاصي البلاد، ولا تسمع هدير البركان الشعبي وهو يتكور على ذاته استعدادا لإطلاق حممه والإطاحة بقمة جبل سلطة، كان القابعون فوقها يظنون أنفسهم بمنأى عن أيدي شعبهم، فوجدوا أنفسهم خلال أيام قليلة تحت أقدامه؟

صار التخلي عن الأمر الراهن قدرا لا هرب منه، فماذا سيختار من يلاعبون الشعب ويتلاعبون بالعقل والواقع، ويتوهمون، في غفلتهم القاتلة، أن عجلة التاريخ لن تطوي راياتهم وتكسر عظامهم؟

===================

الصراع الأميركي - الإيراني على الثورات

سميح صعب

النهار

5-3-2011

تشكل التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية مجالاً آخر للتنافس بين الولايات المتحدة وايران. وينطلق التنافس من مقاربتين مختلفتين لهذه التغييرات والانتفاضات. فإيران تعتبرها امتداداً لثورتها عام 1979، في حين تصنفها الولايات المتحدة في خانة توق شعوب الشرق الاوسط الى الديموقراطية بعد عقود من الاستبداد، وهي ترى ان نذر التغيير بدأت عام 2009 مع الاحتجاجات التي شهدتها ايران عقب انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية.

لكن لو صحت القراءة الاميركية للأحداث، فإن السؤال البديهي هو: لماذا بدت واشنطن وكأنها قد أُخذت على حين غرة بثورتي تونس ومصر. فطالما انها تعتبر ان بدايات التغيير أطلت من تجرّؤ مير حسين موسوي ومهدي كروبي على الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية في ايران واللجوء الى التظاهر للتعبير عن هذا الاعتراض، فلماذا لم تتوقع واشنطن ان تحرك الانتخابات التشريعية المزيفة في مصر الشارع في هذا البلد، او ان تشكل الرئاسة "الأبدية" لزين العابدين بن علي حافزاً للشارع التونسي كي ينتفض، وكذلك يصح الامر على اليمن.

وهذا يقود الى تساؤل آخر: هل كانت واشنطن تعتقد ان المطالبة بالتغيير يجب ان تظل محصورة في ايران، وان لا تصل في يوم من الايام الى وضع ترى فيه الانظمة الحليفة لها في المنطقة تتساقط؟ ربما كان هذا هو سبب الشعور بالمفاجأة لدى الاميركيين.

فأميركا لا شك كانت تتمنى ان يحصل التغيير في انظمة الشرق الاوسط غير الحليفة لها. إلا انها فوجئت بأن الثورات تندلع في الدول المتحالفة معها. وعلى رغم ان الولايات المتحدة ركبت موجة التغيير الجارية، فإن الشكوك لا تزال تساورها وتساور اسرائيل من أن تصب الاحداث في مصلحة ايران، كما حصل عقب حربي افغانستان والعراق. وهذا ما يفسر كلام وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون من ان ايران تحاول مباشرة او عبر وسطاء الاتصال مع المحتجين في مصر والبحرين واليمن في محاولة للتأثير على الاحداث في هذه البلدان.

وطبعاً لم تستسغ واشنطن القراءة الايرانية لما يجري وتوقُّع طهران ظهور شرق اوسط اسلامي نواته ايران وتركيا التي يحكمها حزب ذو جذور اسلامية ومصر التي يتوقع ان يكون لجماعة "الاخوان المسلمين" فيها دور في الحكومة المقبلة.

ومن هنا تحاول واشنطن التأثير من ناحيتها بأكبر قدر ممكن في المتغيرات الجارية. وكان لافتاً ذلك الاسراع الى الحشد العسكري حول ليبيا وطرح الكثير من الخيارات للتعامل مع الانتفاضات التي تدق ابواب الانظمة في دول أخرى.

فالولايات المتحدة تسعى الآن الى توظيف زخم الثورات في المنطقة في إحداث تغيير في ايران ايضاً حتى لا يبقى التغيير محصوراً في الجهة المتحالفة مع اميركا اصلاً، وحتى لا يستفيد النظام الايراني الحالي من التطورات. وكانت الرسالة التي بعثت بها الحكومة الايرانية لا لبس فيها من خلال ارسال بارجتين عبر قناة السويس بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك وذلك للمرة الاولى منذ انتصار الثورة الايرانية عام 1979.

وأميركا التي تحاول ان تظهر الآن بمظهر الراعي للتغيير في الشرق الاوسط وبمظهر المستعد للتضحية حتى بأقرب حلفائها من أجل تحقيق التغيير، تسعى من دون شك الى إنجاز المرحلة الانتقالية في المنطقة بشكل لا يؤثر بالدرجة الاولى على اسرائيل.

وفي المقابل لا تخفي ايران سرورها بسقوط حلفاء اميركا، أملاً في ان يفضي ذلك الى واقع جديد يعزز الجبهة المناهضة لاسرائيل.

واذا كانت واشنطن وطهران تلتقيان على دعم التغيير في المنطقة العربية، فإنهما لا تلتقيان في الهدف.

===================

كلهم القذافي ؟!

راجح الخوري

النهار

5-3-2011

الى متى يمكن ان يتفرج العالم على نيرون ليبيا وعائلته المجنونة وهما يمضيان في إحراق البلاد وأهلها؟

سيف الاسلام القذافي يتجاوز جنون والده العقيد، عندما يقول إن قيام المقاتلات بإلقاء القنابل على البريقة هو للتخويف وليس للقتل، الذي أوقع 17 من المتظاهرين الثوار الذين يرى أيضا أنه يريد أن يضربهم بحذائه.

المثير ان هذا الكلام الاجرامي جاء في سياق حديث مع شبكة "سكاي نيوز" الاميركية ومتقدما على تصريح الرئيس باراك أوباما، الذي طلب من العقيد معمر القذافي التنحي، في حين تفيد الانباء ان أميركا والدول الاوروبية لم تصل بعد الى اقتناع بضرورة التدخل لوقف انزلاق ليبيا الى حرب أهلية، إنْ من خلال اقامة مظلة جوية تمنع قصف الثوار بالطائرات وبمدافع الميدان، أو عبر سلسلة من الاجراءات العسكرية التي تشل حركية الآلة العسكرية للنظام ولا تصل بالضرورة الى حدود التدخل الميداني العسكري الذي يرفضه الليبيون والعرب.

لا ندري ماذا تنتظر واشنطن، وهل هي تعرف فعلا ماذا يجري في ليبيا والدول العربية الاخرى، التي تشهد ثورات وانتفاضات؟ وخصوصا ان هناك من يقول إن لها أصابع في كل ما جرى وسيجري، أم أنها لا تدري ولهذا تعلن أنها بعد ثلاثة أيام من الاتصالات التي قام بها ديبلوماسيون، بينهم السفير الاميركي في ليبيا غلين كيرتز، عجزت عن معرفة القادة الجدد الذين يحركون الثورة، و"أن معرفة المسؤول الاول عن هذه الثورة هي في صعوبة معرفة المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري سنة 2012"!

صدّق أو لا تصدّق. لكن المهم ان تتوقف عمليات القتل والقصف التي ينفذها القذافي ومرتزقته ضد الشعب، وخصوصا بعد ارتفاع اقتراحات النشاز التي قدمها هوغو تشافيز صديق القذافي، والتي تدعو الى حوار بين الاخير والثوار، الذين رفضوا هذا في المطلق، بينما انكبت الجامعة العربية، من غير شرّ، على دراسة هذه الافكار السيئة طبعا!

أيضا وأيضا لا ندري ما هي "المهمات الانسانية" التي عبرت السفن الاميركية من أجلها الى السواحل الليبية، ولماذا ينقسم الاوروبيون في حلف شمال الاطلسي حول إمكان التدخل العسكري المدروس، الذي يوقف المذبحة التي ستقود حتما الى حرب أهلية والى تقسيم قد يشكل دومينو يصيب دولا كثيرة في المنطقة العربية.

لكن ليس هناك من لا يدري فعلا ان الاهتمام الغربي منصبّ على النفط الليبي قبل دماء الليبيين. واذا كان الواقع الراهن غير واضح المعالم كما يقول الاميركيون، الذين يحاولون استشراف المستقبل الليبي لمعرفة كيف سيتصرفون في النهاية للقبض على الكعكة النفطية الليبية وهي طبعا موضع شهية الاوروبيين، فان ذلك يؤكد مرة أخرى ان حسابات النفط تتقدم على حسابات الدم.

ولا داعي هنا الى الحديث عن الحياء والديموقراطية وحقوق الانسان، فالذين سبق لهم أن شاهدوا رئيس وزراء ايطاليا "المهرج الآخر" سيلفيو برلوسكوني منحنيا يقبّل يد القذافي ولم يصدقوا عيونهم، كان عليهم طبعا ان يصدقوا آذانهم بعدما سمعوا القذافي يفاخر في مؤتمره الصحافي بأن برلوسكوني قبّل يد "حفيد عمر المختار" واضعا نفسه في مصاف عظماء التاريخ!

رغم هذا، يبتلع برلوسكوني لسانه، بينما العيب لا يصيبه وحده بل كل ايطاليا وأهلها، ومن أجل ماذا؟ من أجل حفنة من الدولارات او من براميل النفط؟

أول من أمس جاء درس الحياء من بريطانيا عندما أعلن مدير جامعة "لندن سكول أوف ايكونوميكس" المشهورة، هاورد ديفيس استقالته بسبب العلاقة التي تربط الجامعة بعائلة القذافي، معلنا أن الضرر الذي لحق بسمعة الجامعة دفعه الى الاستقالة، وأن قرار القبول بهبة قدمها سيف الاسلام القذافي الى الجامعة وقيمتها 350 ألف أورو كان خطأ. قرار الاستقالة يصيب الحكومة البريطانية ايضا، التي عرضت عليه كما قال ان يصبح موفدا اقتصاديا يقدم المشورة الى القذافي.

كل هذا في وقت قررت الجامعة قبل أيام فتح تحقيق لمعرفة ما اذا كان سيف الاسلام قد زوّر أطروحة نال على أساسها شهادة الدكتوراه حول "دور المجتمع في دمقرطة مؤسسات الحكم الدولية".

وتأملوا سيف القذافي قاصف الناس بالقنابل "للتخويف فقط" وضاربهم بالاحذية، دكتوراً في "دور المجتمع في الدمقرطة"!

ولكن أوليسوا كلهم، من طرابلس الى واشنطن، قذافي في شكل أو آخر؟!

===================

للتاريخ أقول : تحية للإخوان المسلمين

محمد عبد الفتاح عليوة

ostaz_75@yahoo.com

زمان الوصل

2011-02-24

الكل الآن يتحدث عن ثورة الشباب، ويرجعون الفضل فيها إلى الشباب الواعي المثقف الذي بدأ الثورة في يوم 25 يناير.. الشباب الذي استطاع أن يحول الأحداث من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، بعزمه وإرادته وذكائه وتخطيطه..

وهذا أمر لا ننكره، فتحية عظيمة لهذا الشباب العظيم، لكن من الوفاء ألا نغفل الدور العظيم الذي قام به الإخوان المسلمون قيادة وشبابا، الإخوان الذين نسبت إليهم كل نقيصة، واتهموا بالخيانة والعمالة لكل قوى الأرض، من وسائل الإعلام القذرة التابعة للنظام البائد، والتي كانت بوقا غير أمين في نقل الأخبار، وتصوير الأحداث، ومثلا واضحا على النفاق القذر الذي لا يراعى أمانة ولا أخلاقا، وصفت هذه الوسائل الإخوان بالعمالة لأمريكا تارة، ولإسرائيل تارة أخرى، ولإيران تارة ولحماس تارة أخرى، لقد صار الإخوان بفعل هذا السحر الاعلامى وهذا العفن النفاقى عملاء للمتناقضات بين شرق وغرب، حتى نبذ الإخوان من ذويهم، وعاشوا أياما مرة لا يعلم مرارتها إلا الله عز وجل في مجتمعاتهم؛ حتى كاد الناس يعتدون عليهم بالضرب في ذهابهم إلى المسيرات والمظاهرات وعودتهم منها

وعندما نجحت الثورة وحققت أول أهدافها وهو إسقاط النظام، نسى الإخوان، واتهموا بأنهم يريدون القفز على الثورة وسرقتها، وأن هذه الثورة لم تكن لها قيادة أيديولوجية.. مع أن الإخوان لم ينسبوا لأنفسهم هذه الثورة، كما أنهم يعلنون في كل مناسبة أنها ثورة مصرية خالصة لا تنتمي لحزب ولا لجماعة ولا لطائفة، فهي ثورة الشعب المصري بكل أطيافه ..صحيح أن الشباب هو الذي بدأ هذه الثورة، لكن قل لي بالله عليك ماذا سيكون حالها لو لم يتدخل الإخوان بقوة الدفع لدفعها للأمام؛ بما يملكون من قدرة تنظيمية، وخبرة الوقوف في الشارع، وحماسة وقوة وعزيمة وإصرار..

أقولها للتاريخ.. لقد كنت شاهد عيان على الثورة، ومشارك في أحداثها، ورأيت بأم عيني كيف كان الإخوان شبابا وشيبة يدفعون البلطجية عن الثوار في ميدان التحرير في يوم الأربعاء المشؤم فيما يسمونه بموقعة الجمل، لقد طفت الميدان، ونظرت في الجرحى فوجدت جلهم من شباب الإخوان، فإذا ذهبت للمداخل وجدت المئات منهم يقفون كالصقور، يحرسون الميدان من معاودة المعتدين، وإذا ذهبت للمستشفى الميداني وجدت الأغلبية من الأطباء والطبيبات من شباب الإخوان، وإذا ذهبت لقضاء الحاجة وجدت شباب الإخوان هم الذين ينظمون الثوار ليتم الأمر بنظام وسلام ..هم الذين يحملون البطاطين هنا.. والطعام والماء هناك.. وينصبون الخيام هنا وهناك..

لا أقول ذلك منا على أحد، لكنى وجدت الكل بما فيهم الإخوان يحرصون على نفى الدور العظيم الذي قاموا به؛ وكأن ذلك سبة يجب التخلص منها والحرص على البراءة من آثارها..

من الذي كان يحشد الناس في عواصم المحافظات ليشدوا من أزر إخوانهم في التحرير؟.. إنهم الإخوان المسلمون، يتجمعون أولا، ويتحملون ضربات البلطجية المأجورين من الحزب اللاوطنى ثانيا، حتى إذا استقرت المظاهرة، واستولى الإخوان على الميادين العامة، وانكشف عنها البلطجية لعدم قدرتهم على الصمود، ظهر الشباب من كل الاتجاهات والقوى ليتحدثوا عن الثورة والثوار، ويصدعون الأدمغة بالحناجر القوية، ولا غضاضة في ذلك فالكل من حقه أن يعبر عن رأيه، ويشارك في تشكيل مستقبل وطنه، لكن الغنم بالغرم كما تقول القاعدة..

لا يعقل بعد كل هذا ألا يشار إلى دور هؤلاء الأبطال، الذين لا يحرصون على إظهار هذا الأمر أو التحدث به، لكنها الشهادة التي لابد منها.. فتحية لأبطال الثورة من الإخوان المسلمين..

===================

ليس هذيانا بل خطة شريرة

العين د. نبيل الشريف

الدستور

5-3-2011

لا اميل الى تصديق نظرية الهلوسة والانفصام عن الواقع لتفسير مايقترفه العقيد بحق شعبه من جرائم قتل و ابادة وتنكيل وترويع وخطف للجرحى من المستشفيات وغيرها من الفظائع التي يندى لها الجبين .

فلم يسجل التاريخ البشري الا حالات نادرة تطاول فيها زعيم على شعبه ووصفهم بالجرذان والمساطيل لا لشيء الا لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة في الحياة والحرية والكرامة .

ومن غير المعقول أنه لا يرى ما يحدث في كل ارجاء ليبيا العزيزة من مظاهر الرفض لحكمه والتمرد عليه ليخرج متبجحا على شاشات التلفزة العالمية و بضحكة صفراء مقززة قائلا أن الشعب كله يحبه وأنه مستعد للموت دفاعا عنه.

التفسير الوحيد الذي اراه مقبولا ومنطقيا هو ان العقيد يعمل بشكل واع ومدروس على استدراج تدخل عسكري أجنبي في شؤون ليبيا . وهو يهدف الى معاقبة الشعب الليبي على "تنكره" له ولما قدمه لليبيا من "خدمات"عبر السنوات الماضية (وهو لم يقدم لها - في الحقيقة - سوى الإفقار والمعاناة وتبديد الثروات والشعارات الزائفة الممجوجة ) .

فهو يقول بشكل لايحتمل اللبس أن الجهة التي سيطرت على معظم بقاع ليبيا هي القاعدة (وليس ابناء الشعب الغيارى على وطنهم والذين انتفضوا ضد ظلم العقيد وبطشه) . وكلنا يعرف الموقف الغربي من القاعدة وأشكالها .وهو بذلك يدعو القوى الغربية بكل وضوح لاحتلال ليبيا وملاحقة اتباع القاعدة على أراضيها . فقد تسلل هؤلاء - حسب زعمه - الى الاراضي الليبية من أفغانستان والعراق وقاموا بتجنيد الشباب المغرر بهم للسيطرة على مقاليد الامور هناك .فهل هناك اوضح من هذه الدعوة المفتوحة التي قدمها العقيد للقوى الغربية لاحتلال ليبيا والسيطرة عليها ؟

كما أن العالم لايمكن ان يقف مكتوف الايدى إزاء الجرائم التي يرتكبها مرتزقة العقيد وطائراته التي تصب حممها فوق رؤوس الابرياء . وكأن العقيد يقول بذلك ايضا ان الطريقة الوحيدة لانقاذ الناس من حمامات الدم التي يعدها لهم تتمثل في قيام قوات اجنبية بفرض وصايتها على الامور هناك . وبغير ذلك فإن الألاف سيقتلون .وهذه ايضا دعوة مفتوحة أخرى لعودة الاحتلال الاجنبي للاراضي الليبية .

إن ما يفعله العقيد ومايقوله ليس هذيانا بل هو خطاب شرير ومدروس يهدف الى معاقبة الشعب الليبي لأنه قرر كسر جدار الصمت وخرج على طاعة العقيد الذي بدد ثروات ليبيا بمغامراته المتهورة و سعيه المحموم لتحقيق امجاده الزائفة والرعناء .

ولايزال الغرب يقدم رجلا ويؤخر اخرى في موضوع التدخل العسكري في ليبيا فهو يدرك بعد تجاربه في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان وغيرها أن احتلال الدول ليس نزهة ، وأن ليبيا ليست القذافي فهناك شعب حر لايقبل الظلم والمهانة تحت اي ظرف وان شعبها سيثور ضد المحتل كما فعل اجدادهم ضد الاحتلال الايطالي حيث لا تزال ملاحم صمودهم وبطولاتهم مسجلة بأحرف من نور في تاريخ النضال الانساني ضد الظلم .

اما الطرف الوحيد الذي ما زال صامتا صمت القبور فهو الطرف العربي ، فهو يرى الابرياء في ليبيا يقتلون ويسمع القوى الاجنبية تلوح بالتدخل دون ان يحرك ساكنا سوى إطلاق التصريحات الانشائية البالية .ولا يغيب عن بال أحد بالطبع ان احتلال بلد عربي يشكل تهديدا لمجمل منظومة الامن القومي العربي.

الارجح ان العرب سيبقون متفرجين وسيعضون اصابعهم - كالعادة - ندما بعد خراب مالطا ، وستواصل الامور إرتهانها الى الوضع الذي لخصه قديما شاعرنا بقوله :

لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي

===================

على من يتلو نتنياهو.. «مزاميره»؟

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

5-3-2011

يأمل رئيس الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل، بنيامين نتنياهو الاستفادة من الأجواء الإقليمية الراهنة، بعد فشل أركان الدولة العبرية ودبلوماسيتها واللوبي اليهودي وحليفه المتصهين في الولايات المتحدة وأوروبا، في تسويق المقولة المتهافتة التي ارادوا ابرازها مقدمة المشهد، بعد اندلاع ثورات الغضب العربية ونجاح الجماهير العربية باسقاط النظامين البوليسيين في تونس ومصر والاحتمالات المفتوحة والقوية لاسقاط نظامي العقيدين الحاكمين في ليبيا واليمن، ناهيك عما تشي به أحداث عاصفة أخرى تجري على أكثر من ساحة عربية فيما تعيش ما تبقى منها حالاً غير مسبوقة من القلق والتوجس.

المقولة التي تحاول إسرائيل دفعها إلى الأمام، هي أن ما يحدث في العالم العربي يثبت عدم صحة النظرية التي تُحمّل مسؤولية التوترات والاحتقانات إلى الصراع العربي الإسرائيلي وأنه سبب عدم الاستقرار في المنطقة وأن السبيل لاحتواء هذه المنطقة المضطربة التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وأوروبا هو ايجاد حل لهذا الصراع عبر تأييد «حل الدولتين».

وبصرف النظر عن جدية تلك الآراء أو رغبتها في الإبقاء على الأمور تحت السيطرة وعدم وصولها إلى نقطة اللاعودة ومواصلة دبلوماسية الكلام الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئاً في واقع الحال، على النحو الذي رأيناه في «جهود» إدارة أوباما التي شمّرت عن ساعديها وانخرطت في ادارة الصراع بحماسة لافتة، ثم ما لبثت ان «فترت» بعد أن تم صدّها (اقرأ اهانتها) من قبل حكومة نتنياهو وأنصارها الأقوياء داخل الإدارة الأميركية وخصوصاً في الكونغرس بعد الانتخابات النصفية التي جاءت للجمهوريين بالأكثرية في مجلس النواب وقلّصت الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، ما انتهى لاحقاً بالرئيس الأميركي صاحب خطابي جامعة القاهرة وأنقرة (أمام مجلس النواب التركي) إلى غسل يديه من الوساطة وإعلان انسحابه من «الجهود» المبذولة لذلك.

أين من هنا؟.

نتنياهو وجد نفسه في عزلة سياسية ودبلوماسية بعد أن بدأت الأصوات تعلو في الغرب (وأيضاً داخل إسرائيل) بضرورة قيامه (نتنياهو) بطرح مقاربة جديدة، حتى لا تجد الدولة العبرية نفسها أمام ثورة غضب فلسطينية سواء من قِبل أهالي الضفة الغربية المحتلة أم فلسطينيي 1948 الذين يتعرضون منذ قدوم الحكومة الفاشية الحالية إلى شتى أنواع التمييز والسلوك العنصري الذي يأخذ «شرعيته» من خلال رزمة مشاريع القرارات التي تجيزها لجان الكنيست وتصبح نافذة بعد التصويت عليها في الكنيست مثل قانون عزمي بشارة و»لجان القبول» في الأحياء اليهودية التي ترفض قبول أي ساكن عربي بذريعة عدم الانسجام ناهيك عن هدم المنازل بحجة البناء غير المرخص كما حدث في مدينة اللد مؤخراً، إضافة إلى حملات التهويد ومصادرة الأراضي التي تتم وفق مخططات جاهزة في الجليل.

نتنياهو تعرض لتوبيخ غير مسبوق من قبل المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل وهي أحد أكثر السياسيين الغربيين نفاقاً ودعماً أعمى لإسرائيل، حيث ردت عليه في مكالمة هاتفية سعى إليها رئيس حكومة اليمين الفاشي معاتباً إياها على التصويت في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار يدين الاستيطان (سقط المشروع كما هو معروف بالفيتو الأميركي) فردت عليه ميركل بغضب قائلة له: كيف تجرؤ ؟ أنت خيّبت آمالنا.. لم تفعل شيئاً واحداً لتقديم السلام. ختمت المستشارة الألمانية.

يبدو أن الأجواء هذه والتخوف الذي لم يعد بمقدور زعماء إسرائيل إخفاءه في إمكانية حدوث تغيير دراماتيكي على الحلف الاستراتيجي الذي جمعهم بنظام حسني مبارك البائد، تدفع نتنياهو لإحياء مشاريع ميتة، سبق لحكومات إسرائيل المتعاقبة طرحها، شارك فيها مرات عديدة شمعون بيرس وشاؤول موفاز كذلك افيغدور ليبرمان وموشيه يعلون ايضاً ولم تكن ادارة بوش الأبن بعيدة عنها كذلك المح اليها ذات يوم مسؤولون اميركيون في الادارة الحالية.

دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، اخذت الآن طابع «البازار»، يبدو ان طرح نتنياهو (رئيس الليكود) يلتقي مع مقترح ليبرمان (زعيم اسرائيل بيتنا)، دولة تقوم في حدود مؤقتة على 50-45% من مساحة الضفة الغربية امام موفاز الرجل الثاني في كاديما، فيبدو «اكثر كرماً» حيث يرفع النسبة الى 60% من اراضي الضفة.

المثير في المشهد الاخير رغم ان اقتراحاً كهذا، سيجد رفضاً فلسطينياً حيث يتخوف عباس واهل السلطة من ان تكون الحدود نهائية (والاّ لكانوا قبلوا)، هو ان ثمة اجتماعاً وشيكاً للجنة الرباعية سيعقد الاربعاء المقبل في بروكسل، سلطة رام الله سارعت بالقبول واوفدت كبير (حتى لا تنسوا) المفاوضين «المستقيل» صائب عريقات،فيما رفض نتنياهو ارسال مستشاره المحامي اسحق مولكو..لأنه رآى في الأمر خطوة دولية «فُرضت عليه».

ماذا كان رد الرباعية؟

لا تغضب سيد نتنياهو.. نحن - الرباعية - نأتي اليك،وهذا ما سيحدث، حيث سيلتقون الاسبوع المقبل مستشار نتنياهو.. (فقط)..

على من يتلون مزاميرهم.. اذاً؟

===================

نجم الدين أربكان...تركيا لن تنساك

موقع : الإسلام اليوم

فقدت الأمة الإسلامية هذه الأيام أحد نجوم عالم السياسة، وقطبا من أقطاب الحركة الإسلامية في العالم عامة وفي تركيا خاصة.. إنه "نجم الدين" أربكان, الذي صنع للإسلام السياسي في تركيا تاريخا لا يمكن نسيانه, بل يجب التعرف عليه هذا من أجل المستقبل.

ارتقى نجم الدين أربكان، مؤسس الحركة الإسلامية السياسية في تركيا ورئيس الوزراء السابق، أول أمس الأحد، عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع طويل مع المرض, ليفقد العالم أحد أعظم قادته, كما قال ياسين خطيب أوغلو للصحفيين في مستشفى جوفين الخاصة, حيث كان يتلقى أربكان علاجه منذ أوائل يناير. وفور تسريب خبر وفاته تدفق الآلاف من مؤيدي الرجل الذي يعرف ب "المعلم أربكان" إلى المستشفى ومقر حزب السعادة, وهو آخر حزب رأسه قبل وفاته.

اسمه نجم الدين أربكان, ولد عام 1926 في مدينة تركية على ساحل البحر الأسود, وأنهى دراسته الثانوية عام 1943م والتحق بكلية الهندسة قسم الميكانيكا في استانبول وتخرج منها في سنة 1948م وكان ترتيبه الأول على دفعته, لذلك تم تعيينه معيدا.

بعد ذلك, أرسلته الجامعة في بعثة علمية إلى جامعة ألمانية، التي ابتكر فيها عدة ابتكارات أثناء دراسته مثل تطوير محركات الدبابات, بعدها عاد إلى وطنه تركيا وقد أصبح بروفيسور ( أعلى درجة علمية لأستاذ الجامعة) وعمره لم يتجاوز 29 عاما.

حياته السياسية

والتحق أربكان بالحياة السياسية فور تخرجه من كلية الهندسة، وقام بتأسيس عدة أحزاب إسلامية في تركيا، كان أولها "حزب النظام الوطني" عام 1970، لكن بعد صدور حكم بحله، قام بتأسيس آخر باسم "حزب السلامة الوطني" في عام 1972, والذي شارك به في الانتخابات العامة وفاز بخمسين مقعدا وانضم إلى حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري.

وفي هذه الحكومة تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء, وكانت مشاركته رئيس الحكومة وقتئذ بولنت أجاويد اتخاذ القرار بشأن التدخل في قبرص بمثابة تحقيق مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي؛ من أهمها الاعتراف بهذا التيار وأهميته في الساحة السياسية. وخلال وجوده بالحكومة قام بتقديم مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل.

قام أربكان في عام 1984 بتأسيس حزب الرفاه الوطني, عقب خروجه من السجن بعد الانقلاب العسكري الذي قام به قائد الجيش التركي على الحكومة الائتلافية, والذي شارك في الانتخابات ولم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات. لكن لأنه لا يعرف اليأس، واصل جهوده السياسية حتى حصد الفوز بالأغلبية في عام 1996, وقام بتشكيل حكومة ائتلافية.

وخلال هذه الفترة التي أمضاها أربكان في رئاسة الوزراء, واجهت الحكومة الائتلافية التي يقودها الإسلاميون توترات كبيرة مع الجيش التركي والأوساط العلمانية في البلاد, حيث استخدم الجيش خطابا مناهضا للعلمانية خلال احتفالات "يوم القدس" التي أقيمت في إحدى ضواحي أنقرة كذريعة لإرسال الدبابات في استعراض للترهيب وقاموا بتقديم مجموعة طلبات بغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم عباديا، الأمر الذي أجبر أربكان على الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري في اليوم الذي عرف ب"انقلاب ما بعد الحداثة".

شهادات تلامذته

"نحن في حزن كبير على فقدان رجل الدولة ورجل السياسة والعلم" هكذا رثى الرئيس عبد الله جول في بيان مكتوب أربكان عقب إعلان وفاته. ولا غروَ ف جول ورئيس وزراءه إردوجان، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج وعشرات من السياسيين الحاليين، كانوا تلامذة أربكان، وإليه يعود الفضل في تقديمهم إلى الساحة السياسية.

وخلال اتصال هاتفي قال فاتح أربكان, نجل الفقيد: "إن نجم الدين أربكان، الذي سعدت بالعمل معه لفترة طويلة وكان لي شرف معرفته عن كثب، ترك بصماته على صفحات التاريخ", أما إردوجان فقال, في خطاب ألقاه باسطنبول: "أود أن أعرب عن أننا سنظل دوما نتحدث بامتنان عنه وعن تعاليمه وشخصيته المقاتلة, لأنه قدم مثالا جيدا للغاية للأجيال الشابة التالية فيما يتعلق بمبادئه كإنسان، وكما كان معلما وزعيما أرجوا أن تكون كذلك مكانته في الجنة".

يُذكَر أن إردوجان قام باختصار زيارته لألمانيا للمشاركة في تشييع جنازة أربكان اليوم الثلاثاء بمشاركة عدد من قادة الحركة الإسلامية، مثل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بحسب مسئول في حزب السعادة.

شهادات زملائه

من جانبه قال رئيس الوزراء والرئيس التركي السابق سليمان ديميريل، والذي كان زميلا لأربكان في جامعة اسطنبول: إنه يشعر بالأسف العميق لفقدان زميل دراسة وصديق، ويرى أن البلاد فقدت رجل دولة من طراز خاص. تأتي هذه الشهادة رغم انتقاد أربكان الشديد لديميريل في 1997، بعدما لعب الأخير دورا حاسما في الضغط العسكري على أربكان لمغادرة الحكومة عندما كان رئيسا للبلاد.

كما أعربت تانسو تشيلر، التي شاركت في حكومة ائتلاف أربكان، عن استيائها الشديد لفقدان أربكان, قائلة: "كان شخصية سياسية هامة للغاية, وكان رجل النضال والإيمان باستمرار، كما كان رجلا نبيلا في الوقت ذاته" مشيرة إلى أنها شهدت مقاومته وقوة إيمانه خلال فترة الانقلاب عليه عام 1997.

كذلك أعرب كمال قليجدار اوغلو، زعيم المعارضة الرئيسي ورئيس حزب الشعب الجمهوري شعوره بالحزن والأسى لوفاة أربكان، قائلا: "لقد كان أحد الشخصيات الرئيسية في السياسة التركية, أشعر ببالغ الأسف لفقدانه ", كما قطع دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية حملته الانتخابية في منطقة بحر إيجة، وعاد إلى أنقرة للتعبير عن تعازيه لأسرة أربكان.

أما نعمان كورتولموش، زعيم حزب صوت الشعب والذي انشق عن حزب السعادة بعدما فشل في منافسة أربكان على زعامة الحزب، فعبر هو الآخر عن أسفه الشديد لوفاة منافسه السياسي, قائلا "لقد تعلمنا منه الكثير, فقد ترك بصمته على التاريخ السياسي في تركيا".

العمل للوطن

يأتي ذلك بعدما ظن الجميع أن حياة أربكان السياسية انتهت بعد حظر حزب الرفاة عام 1998 والحكم عليه بعدم مزاولة السياسة لخمس سنوات, لكنه قام بتأسيس حزب آخر (حزب الفضيلة) بزعامة أحد معاونيه, ورغم تعرضه للحظر كذلك, قام بعد انتهاء الخمس سنوات بتأسيس حزب السعادة عام 2003 والذي فارق الحياة وهو رئيسا له.

ويوارى جثمان الفقيد في ثرى اسطنبول اليوم الثلاثاء بعد إقامة مراسم الجنازة في مسجد الفاتح, حسب ما قاله مسئولو حزب السعادة وأفراد عائلة أربكان. فيما رفضت عائلته المقترحات التي تشير بإقامة احتفال رسمي في البرلمان, وهو ما ينطبق على جميع النواب والوزراء السابقين, حيث شغل أربكان منصب رئيس الوزراء بين عامي 1996و 1997، لأن الفقيد كان دوما ضد الاحتفالات المبهرجة، وكان دوما ينشد التواضع، بحسب ما أكده أوجزان اسيلتورك, المسئول في حزب السعادة, مضيفا: "لقد كانت آخر نصائحه: "عليكم بالعمل الجاد, فإن لم تعملوا بجد فلن يمكنكم مطلقا الارتفاع والحفاظ على هذا البلد".

==================

الثورات العربية.. والواقعية الأميركية

ويليام فاف (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

 «تريبيون ميديا سيرفيس»

الرأي الاردنية

5-3-2011

تصادف الاجتماع السنوي لهذا العام الذي ينظمه معهد موناكو للدراسات السياسية المتوسطية مع اندلاع الثورات العربية التي طال انتظارها، ولا يبدو من خلال المداخلات أن الأعضاء الإسرائيليين في المعهد قد تلقوا هذه الانتفاضات بعين راضية، ولكن مع ذلك حظيت التحولات التي تشهدها الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط باهتمام بالغ من قبل الباحثين الذين انبروا لبحث تداعيات التطورات في المنطقة وتأثيراتها على جوارها الأوروبي.

 والحقيقة أن المتدخلين أجمعوا على انبثاق شرق أوسط جديد، ولكن ليس على الطراز الذي كان يريده الأميركيون عندما أطلق بوش حملته الكونية ضد الإرهاب ردّاً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي تحولت في الأيام الأخيرة بعد الثورات الكاسحة في الشرق الأوسط إلى حملة عديمة الجدوى، فلم تكن الجماعات الإسلامية الراديكالية التي يتخوف منها الغرب هي من وقف وراء الانتفاضات الشعبية، كما أنها أيضاً ليست قادرة بعد انطلاق شرارتها على وقفها أو تعطيل مسيرتها. ومع أن الثورات في المنطقة قد تنحرف عن طابعها السلمي وتنزلق نحو العنف كما يهدد الوضع في ليبيا بذلك، وعلى رغم أن حجم توقعات الثوار أكبر مما استطاعت الأنظمة الانتقالية تحقيقه سواء في مصر أو في تونس واحتمال تصاعد المطالب الشعبية واتخاذها طابعاً راديكاليّاً إذا لم تواكب السلطات الحالية التحركات الشعبية، إلا أنه لا يمكن أبداً توقع رجوع الوضع في البلدان العربية إلى سابق عهده حيث الجمود السياسي وانسداد الأفق، بل إن المد الشعبي بدأ يجتاح أماكن أخرى لغياب الإصلاح وتكلس بعض الأنظمة بعدما رأينا الاضطرابات تواصل التمدد على خريطة المنطقة شرقاً وغرباً.

والأمر لن ينحصر في البلدان العربية، بل سيمتد التغيير أيضاً إلى إسرائيل نفسها إذا لم تغير أسلوبها الحالي، وإذا ما أصرت على مواصلة سياستها الاستعمارية في المنطقة.

وقد اندهشتُ حقاً من الثقة المبالغ فيها التي أبداها بعض المسؤولين الإسرائيليين خلال اللقاء على رغم توجس البعض الآخر من تداعيات ما يجري في الشرق الأوسط، حيث رد أحد المشاركين الإسرائيليين في الاجتماع بعدما حذرته من احتمال تغير السياسة الأميركية تجاه إسرائيل على ضوء التطورات الأخيرة في البلدان المجاورة، إذ تنطع قائلاً: «لقد تدبرنا أمرنا في السابق قبل أميركا وبدونها، ونحن قادرون على تدبر أمورنا في المستقبل في غيابها»!

والحال أن رأياً مثل هذا يتخوف منه العديد من الإسرائيليين أنفسهم الذين ما زالوا يعولون كثيراً على الدعم الأميركي غير المشروط. وإلى حد الآن استطاعت الثورات في الشرق الأوسط شق طريقها دون تدخل غربي ومن الأفضل في المرحلة المقبلة لو يظل الغرب بعيداً عما يجري. وإن كان من المتوقع أن تأتي الاستجابة الأميركية مشروطة بالاعتبارات السياسية والأيديولوجية لتسعى في الأخير، كما هي العادة، إلى البحث عن شركاء جدد وسط ما يجري ودعهم تحسباً لبروزهم كقادة جدد للبلدان المعنية.

وفي هذه المرحلة ستركز الدول الأوروبية أكثر من غيرها على المساعدات الإنسانية، لاسيما إغاثة اللاجئين الذين بدأوا يتدفقون بالآلاف على الحدود الليبية، هذا فضلاً عن المعرفة التقليدية التي تحتفظ بها أوروبا عن مستعمراتها السابقة، والعلاقات المستمرة التي تؤهلها أكثر من أميركا للتواصل مع المنطقة.

وقد عبرت عن هذا الرأي «عبير امنينة»، المحللة السياسية من بنغازي مؤكدة في الصحافة الفرنسية رفضها القاطع ومعها رفض الشعب الليبي كله لأي تدخل أجنبي عدا تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين، معتبرة أن اللجان الشعبية التي شُكلت غداة السيطرة على المدن الليبية التي تتشكل من شخصيات عامة -وتضم محامين وقضاة ورجالاً عسكريين- قادرة على إدارة شؤون مناطقها في المرحلة الانتقالية، وأن ما يجري في المدن التي سقطت في أيدي الثوار مثل بنغازي هو مثال على تعاون بين السكان وتلك اللجان لمنع حصول أي فراغ في السلطة بسبب ضعف الهياكل المدنية التي أفرغها القذافي من مضمونها طيلة سنوات حكمه.

 وقد كان لافتاً تحذير المحللة الليبية من إغراء التدخل الأميركي في ليبيا لأن البلاد ستتحول بذلك إلى عراق جديد.

والحقيقة أن هذه المواطنة الليبية لم تصلها على ما يبدو حقيقة أخبار الولايات المتحدة في هذه اللحظة من تاريخها التي تفيد بأنها ملت الدخول في حروب عالمية، بل إن إدارة أوباما تتهيأ لإنهاء السياسة الهوجاء التي اتسمت بها التدخلات الأميركية في عهد الإدارة السابقة من خلال سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان معاً. ولعل ما يؤكد هذا الطرح تصريح وزير الدفاع «جيتس» الذي سيغادر منصبه قريباً أمام طلبة متدربين في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الذي قال فيه إنه لا يتوقع أن يخوض جيلهم أي حرب برية كبرى على شاكلة ما جرى في العراق وأفغانستان في إشارة واضحة إلى أن البلدين سيكونان آخر الحروب.

وإلى جانب هذا التأكيد بعدم خوض حروب جديدة وإنهاء عصر التدخلات الأميركية الكبرى في العالم كان «جيتس» يجيب أيضاً وبشكل ضمني على تساؤل لم يجرؤ أحد في إدارتي بوش وأوباما على الإجابة عنه، أو ربما عرف الإجابة وأبقاها طي الكتمان، وهو: لماذا هاجمنا العراق؟ وما الذي نفعله في أفغانستان؟ والإجابة هي أننا فعلنا ذلك إرضاء للأنا المتضخمة عند بوش ولتعزيز المشوار المهني للعسكريين، ولذا فحتى لو غفر الله لنا ما قمنا به فلن يسامحنا العراقيون ولا الأفغان.

===================

الى متى الكيل بمكيالين يا سيدة كلينتون ؟!

الخميس, 03 مارس 2011 21:42

القس لوسيان جميل . تلكيف . نينوى /العراق

موقع كتاب من أجل الحرية

المقدمة :

في هذه الكلمة، لن اخاطب السيدة كلينتون، وزيرة خارجية اقوى دولة في العالم وأكثرها اعتداءا على ضعفاء هذا العالم، لا بل أكثرها شهرة في صنع الأزمات في العالم، وأكثرها توظيفا لتلك الأزمات، لكنني سأخاطبها بشكل غير مباشر، وأنا اوجه كلامي بشكل خاص الى شعبي العراقي والى الشعوب في امتي العربية والى شعوب العالم المنكوبة بصلف وعدوانية اقوياء العالم بشكل عام، ومبتلين بتعسف وانتهازية وعدوانية الادارات الأمريكية المتعاقبة، بشكل خاص، هذه الادارات المتربصة بضعفاء العالم لكي تفترسها وتنهب خيراتها، بدلا من ان تترك ثروات الشعوب لأهلها المحتاجين لهذه الثروات لبناء اوطانها.

 

مناسبة وضع هذا العنوان:

أما مناسبة وضعي لعنواني هذا، فتعود الى عبارة سمعتها من السيدة كلينتون في هذه الأيام، وهي تتكلم عن ليبيا، مهددة رئيسها القذافي، ومن خلاله كل رؤساء الدول العربية بالعقاب الصارم، في حالة اعتداء هؤلاء الحكام على شعوبهم، على حد قول هذه الوزيرة العدوانية.

 وبما ان كلام السيدة كلينتون كلام مخادع، يعتمد على الالتباس كثيرا وعلى ما نسميه بأنصاف الحقائق، فان الحكام المحسوبين على ملاك أمريكا، يفهمون جيدا، بأن كلام التهديد هذا ليس موجها اليهم، لأن مثل هذا الكلام، وبحسب اللهجة التي جاء بها على لسان السيدة كلينتون، لا يعني غير اعداء امريكا، او من كانوا اعداءها يوما، او من يحتمل ان يتحول الى عدو لها في يوم من الأيام، او حتى من صار عاجزا عن خدمة امريكا الباغية هذه، لأي سبب من الأسباب، في حين يوجد للأصدقاء كلام آخر، وان كان هؤلاء الأصدقاء جزارين لشعوبهم.

 

بعض الأمثلة والشواهد:

وهنا نحاول ان نأتي ببعض الأمثلة والشواهد على صحة ما نقول، بعد ان نقصرها على مثال واحد او مثالين، لأننا في الحقيقة لا نعرف بلدا صديقا لأمريكا يشذ عن القاعدة التي ذكرناها، الأمر الذي يمكننا من استنتاجات كثيرة، وعلى اصعدة كثيرة، نتركها لمناسبة أخرى.

اما شاهدنا المثالي على براغماتية الأمريكان وميكيافليتهم وحرصهم على الكيل بمكيالين، فهو تعامل الأمريكان مع العراقيين ومع اتباعها الذين نصبتهم، بطريقة مشبوهة وتعسفية حكاما على العراق، ليحكموه بالنيابة عنها. فقد كانت امريكا قاسية مع العراق، بشكل لا يصدق، في حين كانت تغض النظر عن جرائم اصدقائها وأتباعها المعروفين، هذه الجرائم التي فاقت بشاعتها ما ارتكبه هتلر في زمانه. علما بأن الجيش الأمريكي كان ولا زال يقتل الشعب العراقي كل يوم جنبا الى جنب مع الجيش الذي شكل من ميليشيات متعددة الانتماءات.

 

من هنا يحق لنا ان نتساءل ونقول:

ترى هل يكون قتل العراقيين على يد حكوماته غير الشرعية حلالا ويكون قتل الليبيين الثائرين على نظامهم ورئيسهم حراما يستحق العقاب الذي تهدد به السيدة كلينتون، وهل ان القواعد الأخلاقية الانسانية تختلف من حالة الى اخرى، ومن زمان الى آخر، ام ان السيدة كلينتون تذرف دموع التماسيح على ضحايا ليبيا تمهيدا لاحتلال هذا البلد الغني بنفطه، مثلما حدث مع العراق تماما؟ تلك هي كل المسألة.

 

المعنى الحقيقي لخطاب كلينتون:

غير ان براعة السيدة كلينتون في الكلام، وأسلوبها الملتبس والمبطن، وقدرتها على اخفاء نيات حكومتها وأهدافها البعيدة، فضلا عن اخفاء حجم العقاب الذي تضمره حكومتها بحق الشعوب ورؤسائهم، وكذلك اخفاء امتدادات extensions هذا العقاب، لم يمنع الكثيرين من التنبه الى مخاطر ذلك الخطاب الارهابي على الدول العربية والإسلامية.

 

 ففي الحقيقة قد شعرت هذا الدول، ومنها العراق، من خلال تجاربها المريرة مع الأشرار المحتلين او الساعين الى الهيمنة، بأن ما يريده المعتدون ليس عقابا انسانيا لبعض الحكام الذين يستبيحون حقوق شعوبهم ويضطهدونهم، لكنه احتلال او هيمنة على هذه الشعوب، وهو سلب ونهب للبلد المستهدف، بحجة تحرير الشعب من رئيسه، سواء كان هذا الرئيس قد ارتكب جرائم حقيقية، ام انه قد دفع قسرا الى اعمال مؤسفة، ام انه، وبكل بساطة، تعرض الى شيطنة خبيثة وكاذبة من قبل اناس عدوانيين يسكن الشيطان نفوسهم، بحكم تربيتهم السياسية الشيطانية، حتى ان التطبع عندهم قد انقلب الى ما يشبه طبعا ثانيا فمسخ عندهم الصورة النقية الطاهرة التي كان الله قد طبعها في نفوسهم، مثلما يطبعها في نفوس جميع البشر.

 

الشجرة تعرف من ثمارها:

ولكن كيف نميز الخطاب الصالح من الخطاب الطالح، يا ترى؟ اما الجواب على هذا التساؤل فيقول، بكل بساطة، اننا نعرف حقيقة هذا الخطاب من ثماره، مثلما نعرف الشجرة من ثمارها، ونعرف الثمرة من شجرتها ايضا. فالشجرة الصالحة تثمر ثمرا صالحا، والشجرة الخبيثة تثمر ثمرا خبيثا ورديئا، كما يقول يسوع الأناجيل. وهنا يكون التاريخ وما يجري فيه من افعال خير من يحدد لنا سيرة البشر وطبيعتهم، كما ينبئنا بنوع الثمار التي تحملها الأشجار المختلفة. وهكذا يكون علينا ان لا نقع في فخاخ التضليل، كالتضليل الذي حاولت السيدة كلينتون ان توقعنا فيه، لكي نستطيع ان نتصرف بحكمة وضمير صاف ونظيف تجاه ما يحدث في عالمنا وفي مناطقنا، في هذه الأيام.

 

ما يقوله تاريخ الأشرار:

اذا كان التاريخ مهما لمعرفة حقائق بعض الناس، فان ما يقوله تاريخ الأشرار، لمن يدرسه بتعمق، هو ان قدرنا، نحن ابناء هذا الجيل، هو ان نعيش في عالم يتحكم فيه سياسيون هم بشر في الظاهر، لكنهم شياطين وأفاعي سامة في الباطن، بحكم ثقافتهم السياسية. اما هؤلاء السياسيون فهم لا ينطلقون في اعمالهم السياسية من طبعهم الأول الحسن، لكنهم ينطلقون من تطبعهم الشيطاني العدواني، الذي يتحول عندهم الى طبيعة ثانية. ذلك ان هؤلاء الشياطين، ما ان تسنح لهم الفرصة الحقيقية او المصطنعة، حتى يطغى شرهم على بلدان الآخرين، على شكل هزة ارضية عنيفة ومدمرة، او على شكل تسونامي يسحق كل شيء يأتي امامه. فالشياطين في الحقيقة، لا يتحلون بدين ولا بأخلاق انسانية ولا بضمير يشعر بالدمار الذي يخلفونه وراءهم، ولا بالمآسي التي ينشرونها في كل مكان.

 

كيف نعرف حقيقة اعداءنا:

وعليه، اذا كنا نريد ان نعرف حقيقة اعدائنا، علينا ان لا نبالي بخطاب هؤلاء الأعداء المضللين، لأن مثل هذا الكلام المبطن والملتبس لا يقودنا الى حقيقة ما يضمره لنا هؤلاء الأعداء الأشرار، بل يجب ان نعود الى تاريخهم المخزون في ذاكرتنا، لكي نتمكن من معرفة حقيقتهم الشريرة وطبعهم الذي لا يتقيد بنظام ولا بقواعد اخلاق، لأن هذا الطبع، هو اصلا طبع القراصنة السفاحين، ولاسيما في سياستهم الخارجية التي يمثلها اليوم بيننا السيد اوباما ووزيرة خارجيته السيدة كلينتون، مع تأكيدنا على نصيحة سبق لنا ان اعطيناها في مقال سابق تقول لضعفاء العالم ان يكذبوا دائما ما تقول به امريكا، ويعملوا دائما عكس ما تريده، مع تمنياتنا لعالم اوربا الغربي بأن يفهم بأن التحركات الأمريكية هي بالضد من مصلحة شعوب اوربا بقدر ما هي ضد حقوق شعوب العالم الثالث، حيث لا صداقة حقيقية بين ومع اشرار العالم.

 

مزيدا من معلومات بأشرار العالم:

من المؤكد اننا قلنا الكثير عن طبع اقوياء العالم، وعلى رأسهم جميعا الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بقي ان نضع في حسابنا بأن اي تهديد بالعقاب يأتي من هؤلاء الأقوياء، بأية صيغة جاء هذا التهديد، غالبا ما يتجاوز بما لا حد له، العقاب الذي يلوح به ذلك التهديد، كما حصل في العراق الذي عوقب بالحصار وفق البند السابع من قبل مجلس الأمن، بكونه دخل الكويت. لكن المعتدين اضافوا، في غفلة من الزمن الى ذلك المبرر مبررا آخر، هو مبرر وجود اسلحة دمار شامل عند العراق، لكي يصل العقاب الى نزع اسلحة العراق التقليدية التي لم تكن لها علاقة بأسلحة الدمار الشامل، ولكي يصبح احتلال العراق ميسورا للمحتلين. اما نوع العقاب الذي فرض على العراق، والذي قال عنه البابا يوحنا بولس، انه حصار غير مشروع وغير اخلاقي، فقد تحول من عقاب رادع الى عقاب مدمر للشعب والدولة معا، وأصبح ذلك العقاب الهمجي سلاحا متعدد الغايات بيد المعتدين.

 

كلينتون تعلن حربا مكشوفة على العرب والمسلمين:

بعد ان فقدت السيدة كلينتون، مثل رئيسها اوباما، ذاكرتها، ونسيت ما فعلت بهم الشعوب في فيتنام وفي افغانستان وفي الصومال، وكذلك، وعلى وجه الخصوص في العراق، وبعد ان غلب عندهم الطبع الشيطاني، يبدو ان الأحداث في تونس ومصر وليبيا، وكذلك في العراق ارجعت للشياطين نفسهم القديم، والذي كان نفس استخدام القوة المتاحة من اجل الاستحواذ على العالم، على الرغم من ان استخدام القوة ضد الشعوب اوصل مستخدميها الى حالة لا يحسدون عليها ماديا ومعنويا، وعلى الرغم من ان النتائج النهائية لم تظهر بعد في الدول التي شهدت انتفاضات وتظاهرات ثورية، ومن ان امريكا لا تعرف، على وجه التحديد اذا كانت هذه المظاهرات معها ام ضدها، ولا تملك في هذا المجال غير التمنيات.

 

بعض ثمار العدوان الأمريكي المرة:

اما ما يزيد كلام السيدة كلينتون وتهديدها بشاعة فيعود الى كون هذا الكلام وهذا التهديد، لا يعودان لشخص كلينتون وحدها، ولا يعودان فقط لدولتها الباغية المضطهدة للشعوب الضعيفة والمسببة لكل صعوباتها، بشكل مباشر او غير مباشر، من خلال تحريضها جهة معينة على اخرى، ودعمها جهة معينة ضد أخرى، وإنما يعودان ايضا الى كون هذه الدولة العدوانية المتسلطة على رقاب الشعوب دولة قوية مدججة بالسلاح حتى اسنانها، كما يقول الفرنسيون، الأمر الذي يتيح لها ان تعتدي على الدول الضعيفة بشكل مفزع ومناف للقيم الانسانية النبيلة التي اصبحت عملة نادرة عند اقوياء العالم، وعند الادارات الأمريكية تحديدا.

 

القوة لا تعطي الشرعية لأحد:

غير ان نجاحات أمريكا، سواء كانت في حالة قوتها، ام كانت في حالة ضعفها ووهنا، كما هي في ايامنا، لم تعد تضفي على هذه الدولة سمات القوة والنبل التي كانت عندها، قبل ان تتحول الى دولة عدوانية وإرهابية، بل صارت بعض نجاحاتها وبالا عليها، كما حدث في العراق، وربما كما سيحدث في ليبيا ايضا، لأن هذه النجاحات التي كلفت المعتدي والمعتدى عليها ابهظ الأثمان لا يمكن ان توصف إلا بالخسة والجبن والنذالة، لزمن طويل، وذلك بسبب عدم تكافؤ القوة بين المعتدي والمعتدى عليه، وأيضا بسبب حرمان العدوان من اية مشروعية، حتى تحول المعتدون على الشعوب، الى ما يشبه الجيفة التي تنشر رائحتها الى مسافات بعيدة فيكرهها الناس ويتقززون منها.

 

خسارة المعتدين النهائية:

وهكذا نلاحظ كيف اوصل عدوان الأقوياء اصحابه الى الحالة المنفرة والمقززة التي تكلمنا عنها اعلاه، بعد ان اعتقد المعتدون على الشعوب بأنهم قد اصبحوا بمنأى عن الردع والعقاب. اما ما يزيد الطين بللا، ويزيد من خسارة المتعسفين الأكيدة فهو تجاهلهم لحقيقة خروج شمشون آخر من صلب الشعوب الضعيفة يكون قادرا على دحر المعتدين، بعد ان يصمم على تقويض البيت على رأسه وعلى رأس المعتدين، قائلا: يا رب علي وعلى اعدائي، سواء كان شمشون هذا شخصا قياديا جبارا، او كان حزبا مخلصا عظيما، او كان جماعة ثائرة هادرة كالجماعات التي نشاهدها في ايامنا هذه في ساحات المدن العامة يصرخون بأعلى صوتهم مطالبين برحيل الطغاة المغتصبين للحكم. وهكذا سيفقد المعتدون كل ما جنوه من عدوانهم على شعوب العالم. ومن يدري! فقد يكون العرب، بعد ان يتوحدوا في دولة حديثة واحدة قوية هي شمشون العصر الذي لن يقهر ابدا، ان شاء الله.

==================

سورية والوضع الثوري العربي

هيثم مناع

2011-03-04

القدس العربي

 تلقيت من شخص عزيز هذه الرسالة، بعد مقالتي على الجزيرة نت 'هل بدأت حقبة الثورة العربية' وإعلان تأييدي لحركة شباب 17 نيسان للتغيير الديمقراطي في سورية:

'بمنتهى الحرية والديمقراطية وحرية الفكر، أخالفك الرأي بطرحك لمجرد فكرة الثورة في بلدي الحبيب سورية. لأنني أؤمن بالنهضة البناءه التي ينطلق بها المرء من نفسه، من كينونته، ولا أؤمن أبدا بسياسة الهدم الكلي من أجل تصدع جزئي في البنية والبنيان.. أحب بلدي وكل صغيرة وكبيرة في بلدي هي محراب لصلاتي.. لا يمكن أن أؤيد ولا عمالقة الفكر، في كفاح ذوي القربى، ما أشده من كفر سفاح ذوي القربى.. ليتكم جيشتم الشعوب لاستعادة فلسطين.. لكن الذي تبغونه من تلك القيامة بعيد كل البعد عن الوطنيه وقدس الانتماء.. أرجوك لا تستاء من كلماتي أنت من أطلق العنان للفكر وكان على مدار الوقت رئة للكل على اختلاف مواقعهم وأطيافهم... من خلالكم أنتم الشخص الأكثر تميزا وتفوقا في نظري... أعتذر من فلسطين وما أدراك ما فلسطين بلد لكل حر.. صادق.. أمين.. أعتذر من دير ياسين وما أدراك ما دير ياسين مذبحة في الوجدان يأخذني اليها الحنين.. أعتذر من بشارة سرحان وما أدراك من بشارة سرحان وطن بجسد إنسان.. أعتذر من الجنوب ومن نائحات الجنوب.. أعتذر من الجولان ومن طيب وحزن الجولان.. أعتذر من كل المظلومين والمسحوقين تحت نعال اسرائيل وأمريكا.. على امتداد الوطن العربي.. أعتذر منهم لأن الياسمين والفل لم يزرع لنصرتهم، بل زرع على قبور الاحتلال ليحيي موتى سايكس بيكو.. فيعيدوا الأمة ألف عام للوراء وقد يسلموها باليد لانتداب جديد بقبضة من حديد.. أدعو الله أن يجنب سوريتي الحبيبة زحفا غضوبا ملؤه الشغب والدمار ومخترقا حتى العظم.. الحر لا يسمح للعدو أن يمتطي مظلمته ليجتاح بها برعونة ضغائنه وجه بلده الحبيب.. دمتم ودام الخير والسلام في بلدي.. إن لم يكن من أجلنا فمن أجل أبنائنا.. وأحفادنا. تحيا سورية.. المجد لسورية.. النهضة تكون من الأنا وبالبناء والعمار.. لا يمكن لثورة ولا لشارع أن ينهضا ببلد... مع حبي الكبير لك رغم معاندتي القطعية لطرحك هذا'.

لقد استوقفتني هذه الرسالة كثيرا وأعدت قراءتها مرات عديدة، فمنذ 14/1/2011، ورحيل الدكتاتور بن علي عن تونس، تسلمت آلاف الرسائل من أبناء سورية في الداخل والمنفى، كلها حول موضوع التغيير في سورية. ولا شك أن نجاح الشعب التونسي في ثورة سلمية مدنية غير حزبية وبدون أصنام، قد حرك وجدان كل إنسان يصبو للحرية والكرامة في المنطقة بل والعالم. اكتشف الشياب أن الشباب أكثر نضجا وحكمة. وأن الدكتاتورية لم تنجح في استئصال الحلم والحق في الأمل. بعض المعارضين السوريين حمل بضاعته الطائفية البغيضة يظنها السلاح الأجدى للتعبير عن الغضب، والبعض الآخر بدأ يتحدث عن خلافة وإمارة وهمية رأينا بعضا من خرابها الداخلي والخارجي في أكثر من مكان، وآخر بدأ الحركات البهلوانية بحكومات سميت قبل التحركات. قفز مجرم ضد الإنسانية يتحدث في الثورة السورية، ولحقه أحد رموز الفساد والاستبداد ليعطي دروسا في الديمقراطية، وقد تسلمت أكثر من عشر فيديوهات لأشخاص يعلنون ثورتهم الفيسبوكية بشكل مرعب ومخيف لكل مواطن حريص على أن يكون التغيير في سورية للأمام لا للخلف. وقد خلق خطاب الانتقام والثأر والحقد في العديد من المواقع وعند عدد من المسعورين حالة خوف عامة. واتصل بي الأستاذ الكبير عصام العطار ليعبر لي عن قلقه العميق من خطاب غير مسؤول ينتشر بقدرة قادر، يحاول أن يختصر الحالة الجديدة بصور قاتمة وغير بناءة للمجتمع السوري. كذلك تواصل معي عدد كبير من الشباب من مختلف المدن السورية ليقولوا ليس هذا ما نطمح إليه ونأمل به لسورية، فطالبتهم بأن يكتبوا تصورهم الخاص وكيف يبصرون برنامج التغيير وعملية التغيير. فوصلتني رسائل في غاية النضج والوعي لتلك العلاقة الحميمية بين فكرة الوطن، بالمعنى السامي للكلمة، وفكرة المواطن، بالمفهوم الحقوقي والسياسي الحديث. فأبصرت ذاك البون الشاسع بين طموحات شباب سورية ولغة المتسكعين على أبواب السفارات وأغنياء السرقات. لهذا تحدثت بكل ثقة، عن أن نيات التغيير الشابة في سورية فرصة تاريخية للشعب السوري بكل مكوناته، من أجل الخروج من حالة الانسداد والاستعصاء المستنقعية الراهنة.

تحاول أنظمة الدكتاتورية العربية كافة، أن تصور التغيير الحاصل في بعض البلدان العربية اليوم، باعتباره بأحسن الأحوال غير ذي جدوى، وبأسوأ الأحوال فتنة لتمزيق العباد والبلاد وبث الشر والخراب. فمن الذي يعطينا في هذا الدروس؟ أليسوا من مارس الاستبداد وسرق المال العام أو تواطأ معهم وآزرهم بالقلم وعلى المنابر، إعلامية كانت أو دينية. لنستعرض مع هؤلاء مواصفات النظام العربي السائد منذ نصف قرن:

على خلاف طبيعة السلطات وتكوينها ووسيلة الاستمرار، سعودية كانت أم قذافية، مباركية أم بعثية، ملكية أم جملكية، كانت هناك منظومة تسلطية عربية للحكم مشتركة في مواصفات رئيسية يمكن تلخيصها بالتالي: تأميم السلطة التنفيذية للفضائين العام والخاص والسلطات التشريعية والقضائية والرابعة، اعتبار المال العام مزرعة خاصة لبطانة الحاكم، رفض فكرة وحقوق المواطنة، ربط الدفاع عن حقوق الناس بالخارج والغرب والمؤامرة، التعامل الأمني في كل القضايا السياسية والمدنية، فرض سياسات اقتصادية واجتماعية من فوق تتخللها مكارم للحكام من وقت لآخر لا تغني عن فقر ولا تستجيب لحاجات التنمية، تجهيل المجتمع، اختزال مفهوم السيادة في طمأنة القوى الكبرى بأن مصالحها ومطاليبها في قمة أجندة قمة السلطة.

أمام هذه الصورة القاتمة، ومهما حدث واستشرست قوى النظام القديم، كما يحدث في ليبيا اليوم، لن يكون المستقبل إلا أحسن مما كان. وبالتالي كل من يحدثنا عن مخاوف الفراغ والانقطاع والفوضى إلخ.. يستحضر موضوعة العبد الخائف من حريته.

لا يوجد في ميراث الدكتاتورية العربية ما نبكي عليه. في حين تحمل ثورات الشباب في العالم العربي للبشرية صفحة عظيمة جديدة، فمقاومتها مدنية، ووسائل نضالها سلمية، وقد تحررت من الحزبية الضيقة والايديولوجية المقيدة، وهي تؤكد هويتها الحضارية المدنية وضرورة تأصيل الديمقراطية وتوظيف كل خيرات البلاد لأهلها وليس لعصابات السراق فيها، بحيث تتكون معالم المستقبل الجديد بشكل جماعي ومن كل الطاقات، من دون استثناء أو استقصاء أو تهميش أو تمييز.. لقد وضعت الثورة التونسية وبعدها المصرية حدا لحالة الربط العضوي في الذاكرة الإنسانية بين الثورات والقتل دفاعا عن النفس أو انتقاما ممن أذل وقتل، بحقنها دماء الجميع واعتبارها العدل معيارا للتعامل مع الماضي وليس الثأر. وحدها أجهزة النظام الدكتاتوري القديم كانت تمارس البلطجة والقتل وتوظف المرتزقة، والمثل الليبي أبلغ تعبير عن وحشية الحاكم وجاهزيته لكل الجرائم من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

لقد رفضتُ بحزم، أي تدخل أجنبي في شؤون سورية، وبصقت في وجه كل من حمل مغرياته المادية أو المعنوية طامعا في أن يكون الاستعباد الخارجي ثمنا للخلاص من الاستبداد الداخلي. وجاء المثل التونسي والمصري، فدفنا المثل العراقي، حتى في بغداد حيث أيام الغضب تواجه الاحتلال والفساد الذي أوجده. وأثبتا للعالم أن دعم كل قوى العالم لطاغية لا تنجيه من قيامة شعبه. وتحول في شهر، مشروع آل مبارك لسرقة السلطة والثروة في مصر إلى رماد، من دون أن يحمل الشباب بندقية أو سكينا، ومن دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف. جرى كشف صفقات الغاز للإسرائيلي على حساب قوت الإنسان المصري، وفضح سرقات تعادل المساعدة الأمريكية لمصر لخمسة وثلاثين عاما قادمة. فهل ما حدث كان هدما وضارا بالشعب المصري والعربي والقضية الفلسطينية، أم وضع الأسس الصحيحة للمواجهة مع الكيان الإسرائيلي؟

لقد عبر شباب سورية في بيان 'حركة 17 نيسان للتغيير الديمقراطي' الأخير عن واقع الحال في البلاد، وكون هذا الواقع لا يعطي ما يسمى بالشرعية الوطنية قوة الحضور في غياب الإنسان، صانع المقاومة وصانع التغيير وصانع المستقبل، عندما قالوا:

'هل الحريات في سورية أحسن حالا منها في ظل الطاغية بن علي والمستبد صالح؟

هل الفساد والمحسوبيات في سورية أقل منها في مصر؟

ألم تدخل العائلية الحكم عندنا قبل جمال مبارك وسيف القذافي؟

أليس الدستور عندنا، معدا لحزب واحد لا لوطن واحد ويجب تغييره؟ أليست هناك مظالم في حقوق الجماعات والأفراد قد تأصلت وخلقت شروخا تخيفنا جميعا لأننا نبصر حدود سورية ناقصة فلا نقبل أن تصبح أيضا مجزأة'.

وصولا للقول:

لقد فتحت الثورة العربية كل آفاق الخروج من النفق الدكتاتوري العربي، من بغداد إلى الرباط، وسورية لن تكون خارج السرب، وهي في لغة الحاكم والمحكوم (قلب العروبة النابض). فقلب العروبة لا يكتفي بدعم ثوراتها، بل يحق له الثورة على كل أشكال الفساد المتأصل والقمع المستشري والتخلف الإداري والحكومي والسرطان الأمني الذي يرفض التعامل معنا كبشر.

كم من الشباب ممنوع من السفر، وما هو ثمن جواز السفر في سوق الفساد؟ كم من الشباب ممنوع من العمل، وما هي تسعيرة وعد بالعمل في مؤسسة حكومية؟ كم عاطلا منا صارت الهجرة حلمه؟ كم صامتا منا من أجل وصول لقمة العيش لأهله؟ هل هذا قدرنا..؟

في العالم العربي كله اليوم نداء واحد للحكام: إما أن تغيروا أو تتغيروا

ونحن كشباب سوري، لا نقبل بأن تكون صورتنا عن الوطن والإنسانية أقل من ثورة التغيير العربية، ونرفض استمرار فصول المأساة التي نعيشها. لن نقبل بعد اليوم باستباحة كرامتنا وحقنا بالتعبير والنضال والتغيير. لقد أطلقنا على أنفسنا اسم حركة شباب 17 نيسان للتغيير، لأننا في وعينا أمانة الاستقلال وفي طموحنا استكمال هذا الاستقلال في الحرية والكرامة والحكومة المدنية والعدالة الاجتماعية والوحدة. لقد ولدنا في ظل حالة الطوارئ ونرفض أن نموت تحت الأحكام الاستثنائية. ولدنا نبصر الجولان محتلا ونرفض أن نموت وأرضنا محتلة. ولدنا وفلسطين كلها محتلة ونرفض أن نموت والقدس تحت حراب الإسرائيليين. ولدنا في ظل حكم يتجدد باستفتاء تضحك علينا فيه الأمم ونريد انتخابات حرة. ولدنا في ظل حزب تحول إلى مؤسسة إدارة الفساد والقمع في البلاد، ونرفض أن نموت في هذا الوضع'.

لا يحق لأحد الشك في وطنية هؤلاء الشباب، ولا يحق لأحد أن يواجههم بالاعتقال والملاحقة، وقد عبروا عن واقع الحال الثوري اليوم بالقول: إما أن تغيروا أو تتغيروا. فالكرة ليست في ملعب أنصار التغيير الديمقراطي، بل في معسكر النظام القديم. الذي يستمر في حملات الاعتقال للمواطنين، ويقيد الحق في التعبير والتنظيم والتجمهر، ويجعل من جواز السفر ورقة ضغط على البشر، ويمنع المعارضة الوطنية من المنتديات والملتقيات حتى في البيوت.

لقد اختارت السلطات السورية معسكر مواجهة الاحتلال الأمريكي وتضامنت مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية. ووقفت أغلبية المجتمع السوري معها في هذا الخيار، وقد تمكنت من كسب عدة معارك إقليمية مهمة تسمح بإعطاء هوامش جديدة للمجتمع الذي دفع الثمن الأغلى والتضحيات الأهم في المرحلة الماضية. وللأسف، وعوضا عن تحقيق إصلاحات سياسية ومدنية جوهرية وضرورية، لم تبادر السلطات السورية لأي انفراج ديمقراطي في البلاد، أو تخفيف في القيود والملاحقات بحق أصحاب الرأي المخالف. وإذا لم تبادر السلطات اليوم، لقرارات جريئة ومهمة على صعيد فك الارتباط بالنهج التسلطي للحكم، ومنظومة الفساد السائدة، فهي المسؤولة المباشرة عن دخول سورية في مرحلة المجهول، وليس الشباب الرافض لأن يبقى خارج المكان والزمان والحياة والأمل.

' ناشط سياسي سوري

====================

امرأة تقود التغيير في اليمن

أليس هاكمان

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

4 آذار/مارس 2011

www.commongroundnews.org

لندن – بدأت المظاهرات الأخيرة في اليمن، بعد تنحّي رئيسيّ في تونس ومصر، والاحتجاجات في ليبيا التي حصلت على تغطية إعلامية واسعة، بدأت تثير انتباه العالم. ويثير العنف المتصاعد القلق، حيث لا يمكن إلا للزمن أن يُظهِر ما إذا كان سيؤدي إلى إقصاء سريع للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أو ما إذا كان التغيير سيأخذ وقتاً أطول في اليمن. إلا أن هناك أمر واحد مختلف في اليمن، وهو أن الوجه العالمي لأنصار حركة التغيير اليمنية هو امرأة.

 

تمثّل الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، توكّل كرمان، والتي تظهر بشكل بارز في صحف هامة مثل الواشنطن بوست وتورنتو ستار ومجلة التايم، صورة إيجابية للمرأة اليمنية. وقد كانت تُعرَف بالمدافِعة الشجاعة عن حرية التعبير وحقوق المرأة في اليمن قبل فترة طويلة من ظهور صورها وهي تقود الاحتجاجات في شهر شباط/فبراير الماضي ضد الحكومة اليمنية.

 

وفي مقابلة أجرتها معها في كانون الثاني/يناير الماضي محطة الجزيرة الفضائية، تحدثت السيدة كرمان عن صحفي معتقل وعن طغيان شيخ في محافظة إب، وهي محافظة تقع إلى جنوب العاصمة، وعن انعدام العدل تجاه أسرة طبيب ذهب ضحية جريمة قتل، بل وحتى قامت باتهام الحكومة بأنها "متحالفة" مع تنظيم القاعدة، قبل فترة طويلة من كشف وثائق ويكيليكس في كانون الثاني/يناير الماضي. وتستمر السيدة كرمان باحتجاجاتها مطالبة بتغيير سلمي.

 

أخيراً، تغيير منعش في صورة المرأة اليمنية المنقّبة البدينة، أو صور نجود علي، العروس الطفلة، التي ألهبت الحوار اليمني حول الزواج المبكر منذ نيسان/إبريل 2008.

 

ليست جميع الأمور وردية بالطبع بالنسبة للمرأة اليمنية. لم يتفق أعضاء البرلمان اليمنيين بعد (امرأة واحدة من 301 عضو) حول الحد الأدنى لسن الزواج، مما يمنع طفلة مثل نجود، البالغة من العمر تسع سنوات عند طلاقها، من الزواج قبل التخرج من المدرسة. ما زالت نسبة الأمية بين النساء في اليمن 67%، وهي نسبة مخيفة، حيث تكون المرأة بشكل اعتيادي هي الضحية الأولى لقلة الغذاء (تعاني واحدة من كل ثلاث نساء في اليمن من سوء التغذية حسب إحصائيات الأمم المتحدة)، ويصعب وصول العديد من النساء إلى الرعاية الصحية. أما مشاركة المرأة في السياسة فهي في حدودها الدنيا، ورغم وجود وزيرتين يمنيتين، ما زالت اليمن وبشكل مستمر في أسفل جدول مؤشرات الفجوة العالمية في النوع الاجتماعي حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، منذ دخولها هذا التصنيف عام 2006.

 

إلأ أن هناك بصيص من الأمل.

 

تقف السيدة كرمان وزميلاتها الناشطات في مجال حقوق الإنسان، أمثال سامية الأغبري في مقدمة الاحتجاجات في العاصمة اليمنية. وقد لا تمثل هاتان السيدتان المرأة اليمنية بشكل عام، ولكنهن بالتأكيدات مُلهِمات. الواقع أن رجلاً يمنياً أعجب بشجاعة الأغبري أثناء احتجاجات 13 شباط/فبراير عندما أسقطها أحد رجال الأمن على رصيف الشارع، لدرجة أنه كتب عنها شعراً عنوانه "ثورة الحجاب الأخضر ... إلى سامية الأغبري وجميع الثوريات الأخريات"، نشر في اليوم التالي على موقع "أخبار نشوان" الإلكتروني.

 

ورغم عدم تواجدهن في الشارع طوال الوقت، إلا أن هناك عدد من النساء الملهمات في اليمن. فبالإضافة إلى كرمان والأغبري، فإن المرأة اليمنية ناشطة في مجال حقوق الإنسان وصحفية وطبيبة وتربوية وعضوة في المجتمع المدني وأكاديمية وزوجة لمعتقلين سياسيين ومصوّرة فوتوغرافية بل وحتى ناشطة على التويتر.

 

ترشحت عشرات النساء اليمنيات الشجاعات في وجه الصعوبات وخسرن في المجالس المحلية والانتخابات البرلمانية. وتقول ناديا السقاف رئيسة تحرير صحيفة اليمن تايمز المستقلة أن الفوز صعب في غياب دعم من حزب سياسي. وتنتظر معظم النساء ذوات الطموحات السياسية اليوم كيف سيتطور الوضع الحالي.

 

ثم هناك هؤلاء النساء اللواتي يبدأن ثوراتهن بهدوء. في أيار/مايو 2010 ألهمت دورة لمحو الأمية النساء في محافظة ذمار القروية جنوب العاصمة صنعاء للعودة إلى منازلهن ومطالبة أزواجهن وأخوتهن بحقوقهن في التعليم والميراث والمشاركة السياسية. واضطر منظمو الدورة إلى الرد على مكالمات هاتفية من أعضاء ذكور في الأسر وقد أصابهم الإرباك متسائلين عما يتم بحثه في الدورة. كما تجمعت المشاركات في الدورة معاً وقمن بمنع رجل من تزويج ابنته البالغة من العمر 12 عاماً.

 

وعندما قامت قوات الأمن باعتقال كرمان لتنظيمها مظاهرات احتجاجية يوم 22 كانون الثاني/يناير الماضي، استفادت إلى أقصى حد من الوضع السيء بأن تجاذبت أطراف الحديث مع زميلاتها المعتقلات حول حقوقهن. "سعدت عندما اكتشفت السجن وتحدثت مع السجينات"، كما صرحت لصحيفة "اليمن تايمز" بعد إطلاق سراحها.

 

وقد يكون الأمر أكثر إلهاماً بالنسبة للسيدة كرمان أنها لا ترفع صوتها لصالح المرأة اليمنية فقط، وإنما من أجل المجتمع اليمني ككل، متعاملة مع الشكاوى الوطنية مثل البطالة والفساد.

 

قد يكون من المبكر جداً أن تظهر رئيسة للجمهورية اليمنية، إلا أن كرمان تضيف بُعداً جديداً مرحَّباً به في تغطية دولة ترتبط في العقلية الغربية عادة بتنظيم القاعدة والفقر والنساء المظلومات.

###

* عادت أليس هاكمان مؤخراً إلى لندن بعد سنتين كمراسلة ومحررة مقالات مع "اليمن تايمز" في مدينة صنعاء باليمن. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

==========================

مشروع قانون إسرائيلي يهدد التعددية الاجتماعية

أليكس ستاين

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

4 آذار/مارس 2011

www.commongroundnews.org

تل أبيب – شهدت مدينة يافا قبل بضعة أسابيع احتجاجات ضد أعضاء في الجالية اليهودية الدينية الوطنية أرادوا الانتقال للإقامة في المنطقة. وفي الوقت نفسه بدأ البرلمان الإسرائيلي يبحث في إجراء يسمح لقرى صغيرة باختيار سكانها من خلال استغلال مفهوم غير معرّف حول "المواءمة الاجتماعية"، وهو تحرك يُنظَر إليه على أنه إجراء خفي لمنع العرب من الانضمام إلى مجتمعات النخبة في أنحاء الدولة.

 

يعرف الكثيرون تمام المعرفة موقف إسرائيل التمييزي ضد الأقلية العربية فيها، ويشكّل قرار الحاخامات في صفد وغيرها من البلدات بمنع أصحاب العقارات من تأجير عقاراتهم للعرب أحد الأمثلة الحديثة على ذلك. إلا أن التمييز لا يقتصر على الفجوة العربية اليهودية. ويشهد جنوب تل أبيب احتجاجات منتظمة من قبل السكان المحليين ضد المهاجرين الإفريقيين، كما يشهد شمال تل أبيب احتجاجات متكررة من قبل يهود علمانيين ضد اليهود المتدينيين.

 

جميع حالات التمييز غير مقبولة: تحتاج المجتمعات المتباينة في إسرائيل أن تتعلم كيف تعيش معاً.

 

ويدّعي العديد من الناقدين إلى يسار الوسط أن التطورات المذكورة أعلاه تمثل هبوط الصهيونية الذي لا مناص منه إلى العنصرية الصافية. إلا أن المشكلة أكثر تعقيداً بكثير، فمجرى التاريخ الصهيوني يحمّل بعض المسؤولية لانتفاضات عدم التسامح هذه، ولكن ليس بنفس أسلوب ردة الفعل الذي يناقش فيه الناقدون.

 

حاولت الحكومة في الأيام الأولى للدولة الإسرائيلية أن توحّد الجماعات العرقية اليهودية المختلفة في بوتقة الانصهار الإسرائيلية. استثنيت الجالية العربية التي كانت تعيش تحت الاحتلال العسكري يومها من عملية بناء الوطن هذه. إلا أن هذه السياسة التي لا هوادة فيها، حتى داخل المجتمع اليهودي، لمحاولة تشكيل إسرائيل على صورة دولة أحادية تتكلم العبرية، تتطلّب التمييز ضد الأقليات، حيث تأثّر اليهود من الدول العربية ويهود أوروبا الشرقية بشكل خاص.

 

إلا أن التجربة جرى التخلي عنها في نهاية المطاف. وبحلول نهاية تسعينات القرن الماضي تم التخلي عن بوتقة الانصهار. لم يعد يُنظَر إليها على أنها ضرورية، فقد أصبحت هناك غالبية صهيونية عبرية نشطة. واستسلمت إسرائيل التي اشتهرت في يوم من الأيام باشتراكيتها (والتي تجسّدت إلى أبعد الحدود بنظام الكيبوتز) للإجماع الليبرالي الجديد، وأصبح الإنجاز الفردي والشخصي هو الأبرز. وتم قبول أن تعيش جماعات متنوعة بشكل منفصل مع ثقافتهم وتقاليدهم ولغاتهم الخاصة بهم.

 

وفي كل مرة حاول فيها أحد تحدي الوضع القائم، بغض النظر عما إذا كانوا اليهود المتدينيين جداً في الأحياء العلمانية بشكل واسع مثل رامات أبيب، أو اليهود المعتدلين دينياً في الأحياء المتدينة مثل بيت شيمش أو العرب في المجتمعات الشمالية، كان النزاع موجوداً بشكل دائم.

 

وحسب المدافعين عن هذه السياسة هناك واقعية معينة في الاعتراف بالفروقات بين الناس والسماح لهم بالعيش منفصلين لتطوير هوية خاصة بهم بشكل مستقل. تسمية ذلك بالعنصرية، دون اعتبار قضية التمييز فيما يتعلق بالتمويل الحكومي، هو إساءة استخدام للكلمة. ألا يريد العرب في نهاية المطاف، حسبما يناقشون، العيش بشكل منفصل تماماً كما هو الحال بالنسبة لليهود؟

 

إلا أن المشكلة هي أنها تكشف ضمنياً فشل الصهيونية في إيجاد دولة مطبّعة حسب وعد وثيقة إنشاء دولة إسرائيل، والمعروفة بإعلان الاستقلال ب "مساواة كاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس". يعني بناء مجتمع طبيعي الكفاح لضمان أن يكون للمجتمعات المتباينة على الأقل أسلوب من الحياة الوطنية المشتركة، وأن يكون هناك خيط يربط الجميع داخل الأمة بغض النظر عن عرقهم أو ممارستهم الدينية. حتى يتسنى لإسرائيل أن تعمل، لا يمكن التخلي عن هذه المهمة الوطنية الملّحة.

 

يجب إعلان لجان الاختيار لجاناً غير قانونية. يجب الترحيب باليهود المتدينين للسكن في يافا. يجب الترحيب بالعرب في حي بات يام اليهودي المجاور. يجب الترحيب باليهود المتدينين في رامات أبيب. ولكنهم يجب أن يأتوا على أساس المساواة وليس الاحتلال. يجب ألا يكون هناك اقتتال ديمغرافي. يجب أن ندعم وبقوة عمل منظمات المجتمع المدني مثل ميركافيم أو مبادرات صندوق أبراهام، التي تعمل باتجاه التعددية الديمقراطية والمساواة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل.

 

بدلاً من الانسحاب إلى كهوفنا، نحتاج لأن نعمل باتجاه هوية إسرائيلية مشتركة.

 

أقيم في الحي اليمني في تل أبيب، حيث يعيش اليهود المتدينون والهيبيون العلمانيون والعامل الأجنبي العابر معاً بسعادة جنباً إلى جنب. يشكّل يوم السبت يوماً أكثر هدوءا،ً ولكن أحداً لا يتعرض للتوبيخ لأنه يستمع إلى موسيقى مرتفعة. شاهدت أثناء سيري على الشاطئ يوم السبت الماضي أسرة يهودية متدينة تراقب بسعادة مجموعة من اليهود العلمانيين يرقص أفرادها على أنغام موسيقى صاخبة. لم تبعد علمانيتهم الأسرة اليهودية المتدينة عن تديّنها. حتى يتسنى لإسرائيل أن تزدهر، يتوجب علينا أن نتوقف عن العيش في مستوطنات وأن نبدأ بالتعرف على بعضنا بعضاً، ضمن تنوعنا الجميل.

###

* يقيم أليكس ستاين (alex.stein@talk21.com) في تل أبيب، وهو ناشط مع "مكافحون من أجل السلام". كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

===================

من أجل الا تتسرب الثورة من بين اصابع صناعها ومؤيديها

محمد عبد الحكم دياب

2011-03-04

القدس العربي

 الثورة المصرية في حالة سيولة، وبين مد وجزر، وهي تتخذ من الشارع مسرحا لعملها، ومن ميدان التحرير ملاذا آمنا لها، ومن الشعب عمقا وسندا لمطالبها. وعلى القرب منها يقف طرف يدير دفة الحكم ويملك حق إصدار القرار، وفيه من يفصح بأن ما تم يكفي، مع أن الثورة لا تتوقف إلا حين تُحقق أّهدافها، ولا يكفيها إزاحة رأس الحكم، أو إبعاد أسرته وتحديد إقامتها والتحقيق معها. ففي مصر ما زال بنيان الحكم السابق قائما، وإن أصابته تصدعات وشروخ لا يقلل أحد من أهميتها وحجمها.

والفضل في ذلك يعود إلى الثوار وثباتهم ووحدة موقفهم وتماسكهم. من هنا تكتسي معركة استقالة رئيس الوزراء أحمد شفيق، وقد تم الإعلان عنها أثناء كتابة هذه السطور؛ تكتسي أهمية خاصة، لأنها جاءت محصلة لأكثر المعارك احتداما بعد معركة تنحي حسني مبارك.

ورأى الاتجاه الغالب بين الثوار أن استمراره يعني تجميد الثورة والوقوف بها عند حدود إزاحة رأس الحكم من موقعه وليس إسقاط الحكم ذاته. ومثل هذا التجميد قد يهيئ الظروف لإجهاض الثورة؛ خاصة أن فلول الحزب الوطني، ومعهم جهاز مباحث أمن الدولة وعدد من رجال الأْعمال اللصوص، الذين لا يتعظون كعادتهم مما جرى يتمادون في تمويل التخريب والبلطجة والحرب النفسية والشائعات الكاذبة، وطبع وتوزيع المنشورات المضادة للثورة؛ جهارا نهارا، وعلى الطرق وفي المواصلات والأماكن العامة والخاصة.

الثورة المضادة تتحرك على أكثر من جبهة؛ الأولى لملمة فلول الحزب الوطني وتسليم زمامه لأحد رجالها وخادمها محمد رجب؛ القائم بأعمال الأمين العام، فمن ترعرع وتربى في مستنقعات وبؤر الفساد النتنة، ولم يعرف له رأي، ولم يسمع له صوت؛ تعود على خدمة كل سيد مقابل أجر وامتيازات بلا وجه حق. والجبهة الثانية هي شرعنة الثورة وإعادة انتاج حزب لحسابها يكون جسرا للخداع والفساد من جديد، وتتحرك الثورة المضادة وكأن الحزب الوطني ما زال قائما ومغتصبا للثروة والسلطة والنفوذ، وإعادتها لإنتاج الحزب الجديد اقتضت منها وضع توصيف خادع له، فيدعي رجب أن ما كان هو 'يمين الوسط'. ولأول مرة يوجد من يفلسف وجود جمعية منتفعين وتشكيل عصابي جمع المنحرفين والخارجين على القانون، ويدعي أنه ينقله من 'يمين الوسط' إلى صفته الجديدة 'يسار الوسط'.

تخريجة ساخرة وفكاهية لا تنطرح إلا ممن غاب وعيه وفقد قدرته على التمييز وعلى معرفة ما آلت إليه الأوضاع من حوله. وهي المرة الأولى في حدود علمي أن أجد من يضفي على جماعة كاملة من اللصوص والسماسرة والقتلة وأباطرة الحديد والأغذية الفاسدة والمبيدات المسرطنة والدماء الملوثة والمخدرات المدمرة وغسيل الأموال والعاملين في البلاط الصهيوني؛ يضفي عليهم توصيفا براقا مثل هذا. في ظروف يُجمع فيها كل من يعرف ألف باء السياسة أنه لا يمكن لمثل هذه الجماعة الخارجة على القانون أن تُكَوّن حزبا ينطبق عليه مثل هذا التوصيف، ولن يكون حزب 'يسار الوسط' الجديد إذا ما خرج إلى النور أقل فساد وانحراف من وجهه الآخر.

وكان على هذه الجماعة أن تصمت، كما صمت غيرها انتظارا لمفاجآت الأيام. وبدلا من هكذا تخريجات أقرب إلى منطق الحشاشين عليها أن تتوقف عن التآمر على الثورة من أوكارها السرية، التي تتصورها بعيدة عن الأنظار اليقظة. لقد تحولت هذه الأوكار إلى غرف عمليات تُنَظّر للفوضى، وتخطط للعنف، وتجند البلطجية ضد الثوار الصامدين والمواطنين المسالمين، وتبذل أقصى الجهد والمال لإحداث الفتن وزرع بذور الشقاق بين الشعب وقواته المسلحة. وقد كشف شباب الثورة بعض هذه الأوكار؛ وأحدها في حي الزمالك الهادئ، ويشغل قصرا لرئيس أسبق لأحد أندية مصر الكبرى؛ معروف برعونته وخبراته الواسعة في البلطجة والسمسرة وغسيل الأموال. ومكنت انحرافاته أجهزة الأمن منه حتى أصبح خادما مطيعا لها، خاصة مباحث أمن الدولة سيئ السمعة.

كان خبر استقالة الفريق أحمد شفيق مدويا؛ قبيل ثماني وأربعين ساعة من موعد بدء الاعتصام المفتوح بميدان التحرير يطالب بإسقاطه كرئيس حكومة عينه حسني مبارك قبيل تنحيه. وجاءت الاستقالة بعد مساجلة بين شفيق وبين الروائي الشهير علاء الأسواني والإعلامي اللامع حمدي قنديل على قناة 'أون تي في' الخاصة. وكانت مساجلة ساخنة؛ حمَّل فيها رئيس الوزراء المستقيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية استمرار الوزراء غير المرغوب فيهم: أحمد أبو الغيط وزير الخارجية، وممدوح مرعي وزير العدل، وعلي مصيلحي وزير الضمان الاجتماعي؛ من بقايا حكم مبارك، واستمد أبوالغيط شهرته من الاستئساد على الفلسطينيين في غزة وهم تحت الحصار، وتهديدهم بكسر أرجلهم إذا ما عبروا الحدود إلى مصر. في الوقت الذي أخذ على عاتقه دعم السياسة الصهيونية والعمل لحسابها؛ مثل سيده المخلوع الذي وُصِف بأنه 'كنز للدولة الصهيونية'!. وممدوح مرعي وكان قاضيا ومع ذلك كان الأكثر عداء لاستقلال القضاء ورفضا لإشراف القضاة الكامل على الانتخابات، وفي عصره تعرض القضاة لمهازل لا حصر لها وإهانات بالغة. أما مصيلحي لم يحرك ساكنا أمام ضياع حصيلة أموال التأمينات الاجتماعية، واستيلاء يوسف بطرس غالي عليها لحساب رجال الأعمال اللصوص؛ وهي من حق أصحاب المعاشات والمتقاعدين والعجزة وأصحاب الاحتياجات الخاصة؛ كانوا وزراء لأفسد حكم في تاريخ مصر القديم والحديث.

صبت إقالة شفيق في صالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فقد كان تلبية منهم لمطلب من أهم مطالب الثورة، وإن بقيت مطالب أخرى واجبة التنفيذ؛ منها حل الحزب الوطني، وإلغاء حالة الطوارئ وتصفية جهاز مباحث أمن الدولة وتأهيل جهاز الشرطة بوحشيته وساديته التي سامت المصريين سوء العذاب. وكل هذا يفقد قيمته ما لم تتغير هياكل الحكم كاملة؛ رؤساء الهيئات الحكومية والمؤسسات العامة ومحافظو الأقاليم ورؤساء الأحياء والمدن والقرى ورؤساء ومسؤولو أجهزة الإدارة والخدمات؛ من أجل أن تستقر الأوضاع وتعود الحياة إلى طبيعتها.

وسأل كثيرون عن السبب في اتباع نهج التغيير الجزئي وليس التغيير الشامل، وعدم تلبية مطالب ثورة لها كل هذا العنفوان والزخم مرة واحدة، هنا يأتي اختلاف الثورة المصرية وسبقتها الثورة التونسية عن غيرها من الثورات التقليدية. فتلبية مطالبها مرهون بإرادة طرف آخر هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعلينا أن نعرف طبيعته، فبجانب طبيعته العسكرية فهو ليس مجلسا للثورة، ولم يكن صانعها أو مشاركا فيها وإن كان مؤيدا وحاميا لها، واستجابته للمطالب يتم وفق ظروفه وحساباته. وما زال تركيزه على الأمن وإعطاء الأولوية للاستقرار بمعنى الانضباط. بينما يرى الثوار أن سرعة معالجة الأسباب التي فجرت الوضع هي التي تُحقق الاستقرار الحقيقي وتحفز المواطنين للعودة إلى أعمالهم.

ثورة مصر ومثلها الثورة التونسية لا تحكم، والقرار السياسي ليس بيدها؛ تكتفي برفع المطالب وتستمر في الضغط؛ بالتظاهر والاعتصام. وإن كان هذا مَعْلما من معالم القوة، إلا أنه مصدر الإشكالية الراهنة. فحين يغيب الثوار عن الحكم تصير إرادة الثورة معلقة بإرادة الغير، وتبقى رهينة ما تسمح به ظروف من يملك القرار وسُلم أولوياته؛ وهو في حالة مصر الجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتبدو طبيعة البدايات غالبة على ما وصلت إليه الأمور. وكلنا يذكر أن البداية كانت في حدود الوقفة الاحتجاجية لحمل عدة مطالب ضد حالة الطوارئ والتصدي لوحشية الشرطة وإلغاء مجلسي الشعب والشورى؛ بعد التزوير الفاضح الذي قام به جهاز أمن الدولة لحساب جمال مبارك وأحمد عز، وتنفيذهما ما أطلقنا عليه وقتها 'التطهير السياسي' واغتيال كل رموز المعارضة، التي لم تكن حينها تمثل خطرا فعليا على حكم مبارك.

وكالعادة قوبلت المطالب باستخفاف واضح وتعنت بالغ؛ وكان السيل قد بلغ الزبى، ولم تبق هناك طاقة على التحمل، وجاءت دعوة جمعة الغضب في 28/1 لتشهد مصر مظاهرة مليونية، هي الأولى من نوعها خلال العقود الأربعة الأخيرة.. مظاهرة لم تتوقعها السلطات الأمنية ولا مليشيات جمال مبارك، ولا بلطجية أحمد عز ولا رجاله من المستثمرين اللصوص، وكان كبيرهم قد رد على قيام البرلمان الموازي مستهترا بقوله 'خليهم يتسلوا' بينما أبواقه تردد أن مصر ليست تونس وكأنها في كوكب آخر خارج الكرة الأرضية. وازداد العناد واستمر رفض المطالب، وسرت مشاعر القوة والقدرة على التحدي بين الناس، وكانت تلك لحظة تحول تاريخي مشهود؛ تحرر فيها الشعب من خوفه وانتصر على نفسه، وكانت شرائح منه قد أبلت بلاء حسنا حتى تحررت من خوفها من سنوات، وتصدت ببسالة للتوريث والتمديد والفساد والصهينة. وانفجر بركان الغضب، وتقهقرت قوات الشرطة وأجهزة الأمن بما تملك من قوة أمام مقاومة المعتصمين في ميدان التحرير، وانتصر الثوار في معركة المواجهة بشكل حاسم. واستمر المعتصمون في اعتصامهم رغم حجم الشهداء والضحايا، ولم ينفضوا إلا بعد تنحي حسني مبارك ومغادرة عائلته مقرها الرسمي. وبقيت هناك مسافة بين الثورة وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهذه المسافة هي التي جعلت إيقاع الاستجابة بطيئا وجزئيا وليس شاملا ولا كاملا.

لم يغب عن المجلس العسكري أن الثورة، وما واجهت من عنت عائلة مبارك وعناد كبيرها وحماقة صغيرها ووحشية وزير داخليتها وزبانيته؛ لم يغب عنه أن ذلك أدى إلى سقوط ذلك العدد الكبير من الشهداء والضحايا، وحول الاحتجاج إلى ثورة. لكن قد يغيب عنه أن سقف الثورة هو الأعلى، ومداها هو الأوسع. وأفقها إلى منتهاه. ومن الطبيعي ألا تقبل أنصاف الحلول، وألا تقنع بالتسويات الناقصة. وقد يغيب هذا عن ذهن كثير من السياسيين وقادة الرأي وحتى بعض قوى الثورة وقادتها. فأنصاف الحلول والتسويات الناقصة لا تناسب الثورة، وتنتكس بالأوضاع وتعود بها إلى ما كانت عليه، وهذا ما تراهن عليه الثورة المضادة.

===================

هل تحقق إيران مكاسب كبيرة من الانتفاضات العربية؟

داليا داسا كاي

الشرق الاوسط

5-3-2011

طرحت الثورات غير المسبوقة بمنطقة الشرق الأوسط سؤالا مهما: هل ستحقق إيران مكاسب من منظومة استراتيجية جديدة؟ من ناحية، يبدو أن إيران تحب ذلك، فلديها حلفاء داخل لبنان وقطاع غزة وسورية. وخرج من المشهد حليفان هامان للولايات المتحدة، الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وتزداد الاضطرابات داخل البحرين، التي يوجد بها الأسطول الخامس الأميركي في منطقة الخليج العربي.

ولكن الحديث المتصاعد عن المكاسب الإيرانية ربما يكون سابقا لأوانه، فالاضطرابات الأخيرة ربما لا تقوض السياسات الأميركية إزاء إيران مثلما يشير البعض، وربما توجد الكثير من الأشياء التي تخشاها إيران في غمرة الاضطرابات داخل الساحة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط. وخذ على سبيل المثال ما حدث داخل مصر، فعلى الرغم من أن مبارك كان ينظر إلى إيران بقلق، فإن دور مصر في مواجهة إيران كان محصورا في مساعدة الحصار على غزة، وقد كانت هذه سياسة فاشلة لم تفض إلى الحد من النفوذ الإيراني. وتشهد مكانة مصر الإقليمية تراجعا بصورة مطردة منذ أعوام، حيث ركز نظام مبارك على الداخل ومشكلاته المحلية، وبدأت دول عربية أصغر، مثل قطر، تتولى أدوارا أكثر نشاطا داخل الساحة الدبلوماسية الإقليمية.

وحتى بين أصدقاء أميركا في الخليج، فقد تفاوتت المواقف إزاء إيران على مدار الأعوام، وتبنت دول فيها شيعة مواقف أكثر حسما مع إيران بالمقارنة مع مواقف قطر وسلطنة عمان. لم يكن لدى الولايات المتحدة في يوم من الأيام تحالف مناهض لإيران يمكن أن تخسره. وقبل بدء انتشار الاضطرابات أخيرا، كانت ثمة قيود على زعماء عرب من جانب الرأي العام، الذي كان يبدي بصورة مستمرة آراء ترحب بإيران ومواقفها المعادية لإسرائيل والغرب أكثر من الولايات المتحدة.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن تواصل إيران المباشر المعادي لأميركا مع الشعوب العربية – من خلال الالتفاف على الحكام العرب كما حدث عندما قالت إن الانتفاضة داخل مصر شبيهة بالثورة الإيرانية عام 1979 – أقل أهمية، حيث إن الشعوب ترغب في التعامل مع الأمور بنفسها. ولا ترغب الشعوب في تشجيع إيراني، حيث لديها أساليبها الخاصة لمحاربة الأنظمة الفاسدة، ويقومون بذلك عبر وسائل غير عنيفة ومن دون مساعدة إيرانية. وعلى الرغم من أن الكثير من الأمور لا تزال غير مؤكدة، ولا سيما خلال ما قد يكون انتقالا ديمقراطيا طويلا، إلا أن المشهد الإقليمي الجديد ساهم في تعزيز، وليس تقويض، قوى الاعتدال داخل منطقة الشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، فقد أحيت الثورات داخل العالم العربي الحركة المعارضة الإيرانية، التي تركها الكثيرون تموت. ومنذ الاضطرابات عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها داخل إيران عام 2009، يقوم متشددو إيران بتعزيز سيطرتهم داخل النظام الحاكم، مستمرين في الحكم من خلال تبني قوة غاشمة. وفي الوقت الحالي يواجه النظام الحاكم الإيراني ضغوطا داخلية أكبر مما قدره الكثيرون قبل أسابيع قليلة.

وتواجه الولايات المتحدة الآن قيودا أقل عند حشد الدعم للمعارضة الإيرانية في ظل المناخ الحالي. ومع تعثر مفاوضات جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني مع بدء انتشار الثورات العربية، وشكوك الكثيرين في مصلحة القيادة الإيرانية في الوصول إلى اتفاق، ترى إدارة أوباما فيما يبدو أنها لن تخسر الكثير بدعمها المعارضة الإيرانية بقدر أكبر. وهنا لا تواجه الإدارة الأميركية مأزقا مثلما واجهت عند مناقشة الوقوف إلى جانب المتظاهرين في تونس ومصر، حيث كانوا يهتفون بسقوط صديقين قديمين للولايات المتحدة. وكما تظهر الأحداث داخل ليبيا، فإن الاتجاه داخل واشنطن يبدو أنه يتحول عن التعامل مع دعم أنظمة استبدادية قمعية كضرورة لتحقيق الاستقرار. ويبدو في الوقت الحالي أن الاستقرار يعتمد على ضمان أن التحولات داخل الدول العربية تحدث إصلاحات حقيقية ودائمة.

وعلى ضوء تجاربهم الأخيرة، ربما يجد الزعماء العرب الجدد ومعهم الشعوب في قمع الجمهورية الإسلامية لشعبها شيئا مثيرا للنفور. وفي الواقع، ربما يكون من الأسهل تشكيل تحالف حقيقي مناهض لإيران داخل العالم العربي يعتمد الدعم للقوى المعارضة التي تحارب بهدف تحقيق إصلاحات وحقوق الإنسان وحريات، بالمقارنة مع تشكيل تحالف يعتمد على اتفاقيات عسكرية مع زعماء تعوزهم الشرعية.

شهد العقد الماضي، وبالتأكيد منذ الإطاحة بصدام حسين من قائمة أعداء إيران، تزايد النفوذ الإقليمي لإيران مع تراجع النفوذ الأميركي. وستحاول إيران الاستفادة من الأحداث الأخيرة من أجل دعم هذا الاتجاه. ولكن يمكن للولايات المتحدة أيضا الاستفادة من التغيرات الأخيرة والرغبة الواسعة في إصلاحات ديمقراطية بين الشباب في منطقة الشرق الأوسط. وفي الواقع يأتي الوقوف مع الشعب متناغما مع القيم الديمقراطية الأميركية، كما أنه استراتيجية جيدة لمواجهة النفوذ الإيراني.

* متخصصة في العلوم السياسية بمؤسسة «راند كورب» البحثية غير الربحية

* خدمة «واشنطن بوست»

===================

الثورة التونسية بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية

محمد بن نصر

الشرق الاوسط

5-3-2011

من الإشكاليات التي جعلت خطاب ما بعد الثورة في تونس - السياسي والإعلامي - يتميز بالارتباك والغموض هو عدم الإجابة الواضحة عن السؤال الآتي: ما الشرعية التي يجب أن نستند إليها، الشرعية الدستورية أم الشرعية الثورية؟ وهذا السؤال له علاقة مباشرة بمسألة أخرى يلفها - هي أيضا - الكثير من الغموض مصطلحا ومضمونا: كيف نصف ما حدث في تونس ويمكن أن نطبق ذلك على الحالة المصرية وكذلك على الحالة الليبية، هل هو انتفاضة مطلبية أم أنه ثورة سياسية؟ من المفارقات أن يجتمع عند المتحدث الواحد مصطلح الثورة في العنوان والانتفاضة المطلبية في المضمون أو العكس.

من هنا وجب تحديد هذه المصطلحات وما يمكن أن ينتج عنها من الناحية المنطقية فمن الضروري جدا أن تكون المنطلقات واضحة حتى تكون الحوارات لها معنى أصلا.

ولكن قبل أن نفصل في هذه المسائل نود أن نشير إلى أن الوعي العام عند الذين قاموا فعلا بهذه الثورة يمتاز بالوضوح أكثر من الفاعلين التقليديين على الساحة من أحزاب ومنظمات وجمعيات. الشعب رفع شعارا واضحا لا لبس فيه «الشعب يريد إسقاط النظام» وعندما نقول «إسقاط النظام» فإن المقصود من ذلك إلغاء الدستور الحالي وحل كل المؤسسات التي انبثقت بمقتضاه، وانتخاب مجلس تأسيسي وتكليف حكومة تصريف أعمال تكون مهمتها الأساسية الإعداد للانتخابات. سيقول قائل: هذا الشعار لم يرفعه المحتجون من البداية ولم تتضح مدلولاته الحقيقية إلا بعد سقوط رمز السلطة الحاكمة. اعتراض لا يقوم على أساس صحيح، هل من المعقول أن نتصور أنه من الممكن أن يبدأ الحراك الشعبي في ظل ديكتاتورية سياسية بشعار يدعو إلى تغيير النظام، من الطبيعي أن يرتفع تدريجيا سقف المطالب وفقا لوتيرة الضغط المتزايد ووفقا لتنازلات السلطة، فكل الثورات الشعبية تبدأ انتفاضة وتنتهي عندما يحالفها النجاح إلى ثورة والأشياء بمآلاتها.

ولكن يجب أن نلاحظ أن الخوف من الانفلات الأمني عقب سقوط بن علي دفع البعض من الذين صنعوا الثورة إلى القبول بحلول لا يحكمها منطق الثورة من مثل القبول من حيث المبدأ بتكليف الوزير في السلطة التي ثاروا عليها بتشكيل الحكومة الانتقالية ثم التركيز على وزراء السيادة التجمعيين الذين كانوا في تشكيلة الحكومة المقالة واستجاب رئيس الوزراء تحت الضغط فقام بتغيير الوزراء المعنيين وتعيين وزراء من الصف الثاني من القيادات التجمعية وبعد الهجوم الوحشي على المعتصمين في القصبة اتجهت الأنظار إلى الاهتمام بالولاة والمعتمدين محليا والاهتمام بالثورة المصرية عربيا وتكاثرت في الأثناء التحركات القطاعية المطلبية حتى طغى منطق الانتفاضة على منطق الثورة. هذه الحالة المطلبية جعلت الأحزاب السياسية تزداد ترددا على تردد وتزداد انكبابا على قضاياها الحزبية الضيقة وكان علينا أن ننتظر الاعتصام الثاني في القصبة لنجدد العهد مع منطق الثورة.

القول بالثورة يقتضي منطقيا أن تكون الثورة سيدة نفسها فهي التي أسقطت ما كان يعتبر نظاما لتحل محله النظام الحقيقي الذي يضمن تحقيق المبادئ التي ثارت من أجلها، ليس هناك ثورة تتوقف عند هدم ما هو قائم بل من المفروض أن تكلف نفسها عملية البناء وهو الوجه الإيجابي الذي يبدأ مباشرة بعد سقوط النظام القديم ولكن الثورة ظلت حبيسة المستوى السلبي، ترفض ولا تقترح، تنتظر التعيينات ثم تتحرك ولم تستطع أن تتحول إلى فاعل إيجابي لأنها لم تفلح في إفراز هيئة وطنية لا لتعبّر عن مطالبها كما يقول البعض، الثورة في الأصل لا تطلب، وإنما تعبر عن استحقاقاتها، تعبر عن شروطها لإنجاز تحول ديمقراطي حقيقي.

كان الشعب التونسي واعيا بخطورة الفراغ الدستوري ولذلك قبل بتفعيل المادة السابعة والخمسين من الدستور التي أصبح بموجبها رئيس البرلمان رئيسا للجمهورية وعلى الرغم من عدم قناعته بنجاعة تكليف رئيس الوزراء السابق بإعادة تشكيل الحكومة ولكنه قبل بذلك تجاوزا وهو يأمل أن يترجم رئيس الوزراء القديم المتجدد مساندته بل تبنيه لمطالب الثوار بتعيين حكومة مؤقتة وطنية بالفعل تقطع نهائيا مع النظام السابق وممارساته وجاءت التشكيلة الأولى مخيبة للآمال حيث أسندت وزارات السيادة فيها لرموز الحكومة المنقلب عليها ولم يكن أمام الشعب من حل إلا العودة إلى الضغط بالخروج متظاهرا ومعتصما وجاءت التشكيلة الثانية للحكومة موزعة بين مجموعات ثلاث، مجموعة تنتمي لأحزاب المعارضة أكثر استماتة في الدفاع عن سياسة الحكومة ومجموعة يجمعها سياسيا التأييد الفرنسي ويجمعها اقتصاديا الارتباط بمروان مبروك صهر الرئيس بن علي المخلوع ومجموعة تنتمي إلى الصف الثاني من حزب التجمع الدستوري، بالإضافة إلى هذه التركيبة العجيبة التي تحكمها حفظ مصالح الجهات التي نصبتها والتي تُختزل في إنقاذ سفينة الفساد من الغرق وافتضاح المستور. الحكومة المؤقتة أرادت أن تجمع بين أمرين متناقضين؛ استخدام المصطلحات الثورية والإقدام على بعض الخطوات تحت الضغط الشعبي مثل إقرار قانون العفو التشريعي العام وفي نفس الوقت توفير الشروط التي تؤمّن طريق الخلاص للتجمعيين من مسؤولين سياسيين وكبار إداريين وثلة من أصحاب النفوذ في العهد السابق وذلك من خلال تعيين الولاة والمعتمدين ومديري الأمن الموالين لحزب التجمع. ذلك هو المنطق العام الذي يحكم سياسة الحكومة المؤقتة في كل المجالات. كاد منطق المخاتلة أن ينجح في فرض الأمر الواقع ونعود إلى مقولة «ليس في الإمكان أحسن مما كان» لولا يقظة الشرفاء من أبناء الوطن الذين استطاعوا بمرابطتهم في ساحة القصبة حيث مقر الوزارة الأولى أن يعيدوا للثورة وهجها الأول ويعيدوا زمام المبادرة للشعب ليعلن مساندته بقوة للشرعية الثورية.

جاء إذن الاعتصام الثاني ليدعو بقوة إلى وضع حد لهذه المهزلة السياسية ويطالب باستقالة حكومة السيد محمد الغنوشي وتكوين مجلس تأسيسي، تنبثق عنه حكومة تصريف أعمال تتحدث بلغة الثورة وتسير وفق الشعارات التي رفعتها. وهكذا قدم الغنوشي استقالته استجابة لضغوط الجماهير في يوم 27/2/2011.

لم يعد من الممكن الجمع بين المطلبية والثورية ولم يعد من الممكن الجمع بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية وعلى هذا الأساس تتحدد المواقف والسياسات فليس هناك أخطر من نصف الموقف في لحظة التأسيس والبناء.

* أستاذ في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس

================================

الجزيرة والمعسكر الإيراني

بقلم: أحمد القايدي

موقع : مركز التأصيل للدراسات

2/3/2011

على الأشقاء في الجزيرة أن يدركوا بأن في بلادنا العربية أشخاصاً ذهبت أرواحهم، وأُوذوا، وضحوا بالغالي والرخيص من أجل قضايا الأمة، لا يرضيهم تسويق الجزيرة لمشروعات إيران أو تجاهلها لمصائب خلقتها إيران في بلاد المسلمين

يتفق المناصرون لقضايا أمتنا على أن قناة الجزيرة وقفت بصدق وشجاعة في نصرة الأمة، واجهت المحتل ونصرت المقاومة، و كشفت أنظمة ظالمة، وأزاحت ما تحت الغطاء، ونقلت معاناة المواطن، وعلمته المواجهة، نصرت كثيراً من المظلومين، وعرضت قضاياهم العادلة، ونقلت وعي المشاهد العربي إلى أبعاد واسعة وجادة، وأوجدت عطشا وطلبا على الخبر والتحليل في إحياء منها للمعنى الشرعي (الجسد الواحد)، باختصار أحدثت نقلة على عدة أصعدة.

وتشهد الجزيرة في هذه الأيام هجمة ثقافية وتقنية من قبل أعداء الأمة من أنصار الغرب والأنظمة الظالمة، وكل ما يصفون الجزيرة به هو دليل على مصداقية هذه القناة وقربها من هموم أمتنا، و لا يضيرها دجل القوم و لا ينقص من قدرها، وعليه فإن هذه الكلمات لا تصب في مصلحة ذاك الفريق بل نحن ضد كل كذب وتشويه رميت به القناة، و هذه الكلمات هي رسالة مفتوحة للقناة لعلها تراجع وتصحح طريقة تعاطيها مع المعسكر الإيراني.

ملف الفساد

في قضايا الفساد ونهب أموال الناس و المحسوبيات والخيانات، لم تترك الجزيرة بلداً من بلدان العالم العربي إلا وفتحت له ملف يختلف حجم الملف باختلاف البلدان، وبين فترة وأخرى تعيد فتح الملف، باستثناء سورية لا يشار إليها لا من قريب أو بعيد فضلا عن أن تواجهها الجزيرة بقضايا الفساد.

ظلم أجهزة الأمن

كشفت الجزيرة بتقاريرها الكثير مما يقع خلف القضبان في مصر وبلاد المغرب العربي ومنها الفلم الوثائقي الأشهر (وراء الشمس) والتقارير المتفرقة في نشراتها عن التعذيب الحاصل في مراكز الشرط، ولو اجتمع كل ما يحصل في بلدان عالمنا العربي لم يقارب ما يحدث في سوريا ومع هذا فالجزيرة تتجاهل هذا البلد العربي.

نصرة المعتقلين

لا يكاد يمر شهر إلا وتجد في شريط القناة خبر عن اعتقال شخص في مصر وآخر في موريتانيا والمغرب، بينما سورية يُعتقل فيها العشرات شهريا وتتجاهل الجزيرة كل ذلك ومثله في إيران، وعندما اختطفت إيران الرجل -عبدالملك ريغي زعيم حركة جند الله - والطائرة في الجو.. كل ما فعلته هو عرض الخبر بحيادية مفرطة، ومثله في سورية التي تجري فيها الاعتقالات الطائفية والسياسية لا تشير إليها الجزيرة إلا في حالات يحصل بعدها إطلاق المعتقل من السجون السورية خلال أسبوع أو أقل وكأن هناك تنسيق بين سورية والقناة على هذا النوع من التسويق المشترك.

 وفي المقابل إذا اعتقل قيادي من إخوان مصر فإنها تقض -مشكورة- مضجع النظام في مصر، وأيضا إبان اعتداءات الحوثيين عرضت الكثير من أخبار معتقليهم، ثم مع بثها لأخبار المعتقلين هناك انتقائية للمعتقلين، فمن كان إخواني أو يساري أو قومي تنقل حالته باستمرار، أما المحسوبون على التيارات الإسلامية الأخرى لا تتناولهم بالذكر، وهي انتقائية سيئة لا تمارسها منظمات حقوقية أجنبية كافرة.

الاحتجاجات والمظاهرات

من المستحيلات أن ترى على شاشة الجزيرة خبر يتناول مظاهرات في سورية بينما لو اجتمع شخصان في القاهرة أو الرياض لجعلته الجزيرة خبرا رئيسيا متكررا في نشرتها، ونحن هنا لا نعيب عليها تسليط الضوء على أي احتجاج أو طلب لرفع الظلم عن الناس، بل هو أمر مطلوب منها، وإنما نعيب عليها تجاهل المعسكر الإيراني من التغطية، ثم هناك التعمية والتضليل في التعاطي مع مظاهرات مرتبطة بالمعسكر الإيراني، فلو كان الأمر يصب في مصلحة المعسكر في المنطقة فإن الجزيرة تقيم الدنيا من أجل إنجاح المظاهرة والتسويق لها عربيا، وتتجاهل أي غلط يكون سببه إضعاف التظاهر، بينما لو كان الأمر على خلاف ما تشتهي إيران فإنها تحاربه وتسعى لإفشاله بكل قوة، ونستشهد هنا بحدثين وقعا في أوقات متفرقة في بلد عربي واحد لبنان، فعندما خرج حزب الله إلى الشارع في 7 أيار وأذهب الأرواح وأفسد الممتلكات وأحرق المؤسسات وأغلق المطار والشوارع لم تصف الجزيرة في كل ما عرضته صنيع الحزب(شغب) أو(إرعاب) أو(تدمير)، ولم تطالب نصر الله بكف يد أتباعه، ولم تنشر صور حقيقية لحجم التدمير الذي حصل، وإنما مقتطفات من هنا وهناك.

 وفي المقابل عندما خرج السنة في لبنان وتظاهروا في مناطقهم ولم يمسوا شخصا من أي طائفة أخرى بسوء أو يعتدوا على مناطق لطوائف أخرى ذكرت الجزيرة عن المظاهرات كل سوء وشر وضخمت الحدث، وحملت الحريري ودار الفتوى في لبنان جزءاً من المسؤولية، ومع خروج الحريري ورفضه لما حصل من إغلاق طرقات وحرق لسيارة الجزيرة فإن القناة استمرت في وصف الاحتجاجات -على حق سلب من أهل السنة في لبنان (رئاسة الوزراء) - بأقبح الأوصاف بينما الحزب الذي لم يسلب منه (حقه) ومازالت شبكة اتصالاته تعمل وأحرق بيروت وبارك سيده هذا الصنيع فإن الجزيرة لم تصف الحقيقة في كل ذلك، واكتفت بالتجاهل أحيانا وفي أخرى تبرر صنيع الحزب، وبين أيدينا اليوم مثال أخر وهو ما يجري في البحرين، فقد نقلت الجزيرة احتجاجات الشيعة على أنها احتجاجات شعب وليست احتجاجات طائفة، احتجاجات مضطهد لم تذكر بأنه يشكل أغلبية في البرلمان إلا مرة أو مرتين في تعمية منها على هذه الحقيقة، ولم تنقل صور التدمير الذي حصل في بعض الأسواق ولم تنقل صورا للمتظاهرين وهم يرفعون صور خامئني في خدمة منها لهم، وحجبت كل ما من شأنه أن يفسد هذه التظاهرة أو يشكك في أسباب خروجها.

 وفي المقابل لم تنقل إلا صورة أو صورتين للمتظاهرين المؤيدين وتنقل موقفهم في سياق خبر فرعي أما الخبر الرئيسي فهو الرفض الشيعي في تقزيم لخبر وتضخيم لآخر، وفي مثل المثاليين السابقين قل في إيران والكويت والسعودية.

العراق...العراق

في العراق تغطيتها لا تقيم اعتبار لأحد ضد الإيرانيين، فالحكومة تذهب وتجيء وقت ما تشاء، وتتجاهل كل أحد، والشيعة يرفضون مقاومة المحتل، ويعملون معه، والجزيرة كل ما يعنيه الأمر لها خبر في الشريط أو في النشرة دون أن يتكرر، وربما عرض بشكل ضعيف في (المشهد العراقي) -برنامج مسجل مدته نصف ساعة في فترة العصر-، بينما لو قام أحد المتطرفين بتفجير في تجمع شيعي فالقناة تبثه كخبر رئيس ليوم كامل وأحيانا يومين وثلاثة، وعندما تحاول بعض الدول العربية التدخل في الشأن العراقي فإن الجزيرة تحرص على إظهار جانب العمالة فيه، بينما التدخل الإيراني في العراق مع عظم حجمه الأمني والسياسي والاقتصادي لا تتناوله إلا على استحياء، بل إن الإيرانيين عندما جلسوا مع الأمريكان للتناطح على الكعكة العراقية قدمته في سياق خبر مجرد من أي تعبئة ضد العملاء والخونة التي تقوم بها -مشكورة- في عرضها للقاءات عباس واليهود.

وعندما تصدر هيئة علماء العراق بيانات وتصريحات تحذر من التدخلات الإيرانية في العراق فإنها تعرضها مقتضبة على الشريط الإخباري.

الحوثيون وجند الله في إيران

عند اعتداء الحوثيين على السعودية رفض كثير من محبي الجزيرة السعوديين طريقة القناة في تغطية الحدث فمن قائل بأن الأخبار تنشر من مكتب الحوثي، وآخر ينتقد حياد القناة البارد في تناول الحدث، في المقابل تعرض القناة عمليات جند الله في سياق دموي إجرامي يتماشى مع اتجاهات غربية، فبعد الخبر تنشر تصريح أمريكي ينفي علاقة أمريكا على طريقة الرفض الظاهر يفهم منه الدعم الباطن، وتعرض من الخبر صورة الدماء والدمار دون ذكر أو إشارة صادقة لأهداف المهاجمين.

التمييز بين المقاومة

ظلت القناة -مشكورة- تنشر وعلى استحياء في بدايات المقاومة العراقية مقطع من هنا ومن هناك لعمليات للمقاومة وبشكل تشكيكي في صحة ما تعرضه، في المقابل لو نطق نصر الله بكلمة تهديد فقط لليهود فإنها تعرضها كحق مبين متحقق، وتسوق لها أيام وأسابيع، وفي هذه الأيام تمر الأشهر و لا تنشر خبرا في الشريط فضلا عن شريط مصور، وجهاد العراقيين مازال قائم، ونصر الله مازال التسويق له قائم في القناة مع أن حروبه موسمية.

دوافع الجزيرة

وضاح خنفر مدير القناة، أحمد الشيخ رئيس التحرير، أيمن جاب الله نائب رئيس التحرير سابقاً، هذه الشخصيات تعد من أهم الشخصيات في القناة وكل منهم يمثل اتجاه معين داخلها، ومع تغير منصب بعضهم إلى أن اتجاهاتهم مازلت ممثلة في أشخاص آخرين لا يقلون أهمية عنهم، هذه الاتجاهات لا ترى مشكلة في دعم سياسات إيرانية وسورية، والأسباب التي تدفع هؤلاء للتسويق والدفاع عن سياسات إيران وسورية، هو الغطاء والحضن السياسي الذي تقدمه إيران وسورية لهم، ففي دمشق وطهران وبيروت يستطيع هؤلاء ورموزهم الفكرية والسياسية والأمنية أن يختبئوا ويعيشوا ويجتمعوا ويخططوا ويأتمروا، ومشاريعهم ومؤسساتهم تدعم مادياً من إيران، وإيران تدافع عن قضاياهم رسمياً، فلا يمكن بعد كل هذا أن تقف الجزيرة وقفة صادقة من مخططات إيران وسورية.

على الأشقاء في الجزيرة أن يدركوا بأن في بلادنا العربية أشخاصاً ذهبت أرواحهم، وأُوذوا، وضحوا بالغالي والرخيص من أجل قضايا الأمة، لا يرضيهم تسويق الجزيرة لمشروعات إيران أو تجاهلها لمصائب خلقتها إيران في بلاد المسلمين، فالجزيرة مطالبة بتصحيح مسار تغطيتها في هذا الملف وأن لا تنحاز لإيران وعملائها، و لا يصح للجزيرة أن تقدم مصالح وقتية لفريق من أمتنا على حساب فريق آخر، وأيضا على حساب اعتداءات إيران على أمتنا، ولعل الجزيرة تستلهم من التغيرات الحاصلة حاليا في عالمنا العربي وتغير من طريقة نقل أخبار ورؤى المعسكر الإيراني، و تتحيز بشكل تام لمصالح أمتنا كما تفعل ذلك تماما مع المعسكر الأمريكي وعملائه في المنطقة.

 

===========================

المهجرين العراقيين وجه آخر للإبادة الجماعية

الدكتور علي الفهداوي*

*دكتوراه في القانون العام

المصدر : مركز صقر للدراسات

5-2-2011

ان عجز المجتمع الدولي عن منع الغزو الامريكي غير المشروع والاحتلال التالي له للعراق وعدم قدرة هذا المجتمع على منع عملية الابادة الجماعية التي ارتكبتها الولايات المتحدة والتي بدأت بها منذ العام 1990 ولازال شعبنا العراقي يعيش فصولها ، كل ذلك يمثل خيانة مروعة للشعب العراقي واضرارا بالمجتمع الدولي برمته ، حسب تعبير ايان دوغلاس استاذ العلوم السياسية الامريكي ، ويضيف انه اذا لم يكن هنالك سبيل لأيقاف هذه الابادة المريعة ، فأن منظمة الامم المتحدة ومبادئها العليا تصبح بلا فائدة ولادور ، وهو ما يحصل فعلا فليس هنالك مايمنع من حصول مثل هذه الجرائم البشعة او ابشع منها في المستقبل ، وهو ما يدفعنا الى القول ، وهو ماصرحنا به عبر اكثر من فضائية او بحث الى ان الحاجة ملحة وجدية لأعادة النظر في النظام الدولي الحالي عبر اصلاحه ونقل مقره من نيويورك بلد الاستضافة وبلد الخرق الفاضح للقانون الدولي ، كما اعيد النظر بعصبة الامم ، وكما هو معروف ان مبررات الغاء عصبة الامم هو عدم استطاعتها منع حدوث الحربين العالميتين الاولى والثانية في القرن الماضي ، لكن السؤال المهم والجدي الذي يطرح نفسه كم جريمة ابادة جماعية وكم حرب بشعة شنتها امريكا ضد شعوب الارض منذ قيام الامم المتحدة عام 1945 ، لم تستطع هذه المنظمة ايقافها او ادانتها بسبب طبيعة النظام الذي يعطي امتيازا غير مبرر ويتناقض وينتهك مقاصد الامم المتحدة وميثاقها ، فحق النقض هو ذلك السلاح المسلط بيد الكبار على الصغار ، والعضوية الدائمة للخمسة الكبار ، رغم ان ميثاق الامم المتحدة يؤكد المساواة في السيادة بين الدول صغيرها وكبيرها ، فأن امريكا تخرق سيادة كل دول العالم وتتدخل في شؤونها الصغيرة والكبيرة بهذه الحجة او تلك ، فلم يستطع احد ان يدين قصفها لهيروشيما وناغازاكي ، رغم انه جريمة واستخدام مفرط للقوة غير مبرر، أي انه يخرق اتفاقيات لاهاي1907 وجنيف لسنة 1949 ، وحسب معهد بروكينز الامريكي ، في دراسة له عن دور القوات المسلحة الامريكية كأداة للسياسة الخارجية منذ عام 1946 لغاية عام 1975 أكد فيها ( ان امريكا استخدمت قواتها المسلحة لاغراض سياسية شهريا تقريبا في 215 حالة بما في ذلك التهديد المباشر للاتحاد السوفيتي وان امريكا استخدمت 80% من اسطولها البحري و50% من طيرانها ، * فهل هنالك نظام دولي يحترم ميثاقه واتفاقياته بعد ذلك وجريمة ابادة شعب العراق ماثلة شاخصة امامه منذ سبعة اعوام ؟

 حيث الابادة الجماعية وفق نص المادة الثانية من اتفاقية منع الابادة الجماعية لسنة 1948 تعني ايا" من الافعال التالية :

1- قتل اعضاء من الجماعة . 2- الحاق اذى جسدي او روحي خطير باعضاء من الجماعة . 3- اخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا او جزئيا . 4- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون انجاب الاطفال داخل الجماعة . 5- نقل اطفال من الجماعة عنوة الى جماعة اخرى .

 ولكي نكون منصفين فان السؤال المهم الذي يفرض نفسه قبل أي سؤال هو لماذا هجر هؤلاء العراقين اللاجئون بلدهم ؟.. ولماذا هم لاجئون في ملاجيء الارض العربية والاجنبية في ظروف من ضنك العيش وركض مذل وراء منح اقامة تتفضل بها دول عربية وغير عربية عليها ، رغم ان وجودهم في هذه الملاجيء مغطى ماديا من جيوب اللاجئين شخصيا وحسب امكانية كل منهم رغم انه مكلف لهم ماديا .. اليس لديهم وطن ؟ اذن لماذا لايعادون ويرجعون الى وطنهم وبلدهم العراق ؟.. الجواب لان ركن من اركان تعريف الا بادة الجماعية التي تستهدفهم متحقق يمنعهم ألا وهو ان الاحتلال الامريكي للعراق يخضع الجماعة التي تكون شعب العراق عمدا مع سبق الاصرار وتنفيذا لسياسة منهجية صرح بها ، بيكر وزير خارجية امريكا الدولة المحتلة عام 1990 ، بان الولايات المتحدة ستعيد العراق الى عصر ماقبل الثورة الصناعية ، فالحال في العراق لايطاق نتيجة السياسة الامريكية والاستخدام المفرط للقوة فهي التي فرضت المحاصصة الطائفية واشاعت المذابح ورعتها ومورست امام اعين قواتها من قبل اناس هم على اتفاق معها منذ مؤتمري لندن وصلاح الدين وقبل الاحتلال ، لأن توافر القصد والتصريح به وتنفيذه دليل ، وهي من دمر البنى التحتية ، واهم شيء فيها الكهرباء ، و اشاع حالة عدم الامن وعسكرة الشارع والاعتقالات العشوائية ومورس تحت ظل الاحتلال اكبر عملية فساد اداري ومالي بحجة اعمار العراق ذهبت بسببها ادراج الرياح وفي جيوب مفسديها من رجال الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق وكذلك فساد رجال جيشها الذين مارسوا السرقة العلنية لأموال واثار وكل شيء ثمين كان امامهم ، وحتى سيارات العراق تم نقلها من قبل بعض الجنود لأمريكا ، وضاع بسببها اكثر من ثلثمائة مليار دولار تكفي لبناء حضارة على ارض صحراء .ولكي تكمتل اوجه الابادة الجماعية ولايبقى من اثارها هذا النتاج العرضي لها وهو فئة اللاجئين نرى الدول المانحة تتفضل ، رغم انها خدمة مدفوعة الثمن من واردات نفط العراق احيانا ، لتخدم امريكا في حلحلة مشكلة لم يهتم بها احد عالميا او عربيا كما يجب ، بنقل هذه الجماعة العراقية الى مهاجر لايختارونها ولاينتمون لها ، نرى بعض الدول ومنها من نشهد لها بانسانية تعاملها مع اللاجئين ، لكن التوطين مع بقاء الاحتلال والظروف المهينة لأنسانية الانسان العراقي ، يجل الامر تواطؤ مع المحتل بارتكاب جريمة الابادة الجماعية حسب توصيف المادة الثاثة من اتفاقية منع الابادة الجماعية التي تعاقب على الافعال التالية :- 1- الابادة الجماعية . 2- التآمر على ارتكاب الابادة الجماعية . 3- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الابادة الجماعية 4- محاولة ارتكاب الابادة الجماعية 5- التواطؤ في ارتكاب الابادة الجماعية ، لان العالم يشهد وتقارير منظماته التي تهتم بحقوق الانسان تشير بتقاريرها الى الخروقات والانتهاكات والقتل والاعتقال والتعذيب وللحال التي اوصلها السياسيون الذين جاء بهم المحتل نفسه الى حد الاختناق والازمة والخلافات بينهم تجعل العراقيون يعيشون ظروفا لاتطاق مما يدفعهم وبسياسة منهجية من الاحتلال للخروج من البلد وليصبحوا لاجئين في ملآجيء الارض .

 الاكثر غرابة هو موقف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في نظام روما حين تقدم عدد كبير من منظمات حقوق الانسان العربية والدولية باكثر من (40) طلبا الى مكتبه يطالبونه بالتحقيق فيما ارتكب من جرائم بشعة بحق شعب العراق ابتداء" من جرائم ا لحرب وجرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وقتل المدنيين قامت به القوات الامريكية والبريطانية والمتعاقدين معهم من الشركات الامنية للحماية مثل شركة بلاك ووتر ، وقوات الحكومات التي تعاقبت على الحكم في ظل الاحتلال وبدعم وتوجيه منه ، الا ان السيد اوكامبو يرد دائما بالاعتذار عن التحقيق في هذه الجرائم بحجة انه مكبل بنظام المحكمة الجنائية الذي يجعل مسؤوليته تنحصر في اجراء المرحلة الاولى من جمع المعلومات والمبادرة للدعوة للتحقيق فقط لو توفرت المعلومات الي تفي المعايير الاساسية حسبما جاء بالميثاق فضلا عن تحججه الدائم بأن المتهمين والضحايا وهم افراد لدولتي العراق وامريكا وهما ليس عضوين في نظام المحكمة ، ثم لتأتي المفاجأة عام 2008 عندما تبنى اوكامبوا نفسه سياسة مختلفة في الحالة السودانية رغم ان السودان ليست طرفا موقعا الى اتفاقية نظام روما ايضا . حينما احال له مجلس الامن قرار التحقيق فيما سمي بجرائم حرب وابادة جماعية في دارفور التي تشهد نزاعا" قبليا داخليا على المراعي منذ عقود طويلة . وهو مايعيدنا للتذكير بأن النظام الدولي يحتاج للاصلاح لمنع الكيل بمكيالين . ولتسييس الموضوع الذي وراءه رائحة النفط ، ولأن هذا النظام يخدم فقط مصالح الدول الكبرى .

 على ان أي متتبع لموضوع التوطين يشهد انه مسيس وان دور الامم المتحدة مرسوم الخطى من قبل الدول المستضيفة وعلى راسها امريكا مرتكب الابادة ، فلا تؤخذ العائلة كلها بل يستضاف جزء منها هم الاصغر عمرا ويترك الاب او افراد من العائلة لزيادة التشرذم ولاعطاء حالة الابادة طعما لاذعا ملؤه اللوعة والفراق والتمزق النفسي والجسدي والاسري ، لكن في الحالة العراقية ليس هنالك تعويض ، لحالة الاذى النفسي كما حصل عند تعويض الامريكان المتضررين نفسيا من حرب الخليج باربعمائة مليون دولار دفعتها حكومة تخدم مصالح الامريكان ولاتعير قيد انملة مصالح العراقيين ، لانها لاتمثلهم ، لان هنالك تمييز عنصري ضدهم . وكل الذين تقابلهم من العراقيين في مقر الامم المتحدة الخاص باللاجئين في دمشق العروبة تجده قصة او فصل في قصة مأساة شعب العراق لازالت مرتسمة ولم تكتمل لحين ترتيب اوضاع امريكا واحكام قبضتها على النفط ، عندها ليس مهما ان يبقى في العراق شعب أم لايبقى او حتى لو بقي خمسة ملايين فقط ، تخفيفا للحمل ولكي يستطيع حكام المنطقة الغبراء حكمهم بالحديد والنار وبالمليون جندي وشرطي المعدين لقمع الشعب المحتل !! الذي يستكثر عليه البعض الحق في مقارعة المحتل اويحرم عليه العيش في وطنه وعلى ارضه ..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ