ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

النفط الليبي... أي بديل عنه لأوروبا؟

أندريس كالا

مدريد

تاريخ النشر: السبت 26 فبراير 2011

الاتحاد

مازالت الاضطرابات التي تجتاح ليبيا تؤثر في أسواق النفط العالمية، حيث ارتفعت الأسعار وبدأت الدول الأوروبية تدرس سبل التعاطي مع الاضطرابات التي عرفتها واردات الغاز والنفط من هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا؛ خاصة في وقت تفيد فيه تقارير دولية بأن نحو ربع إنتاج ليبيا من النفط قد توقف تماماً، إلى جانب كل صادرات الغاز. كما يتوقع معظم المحللين ازدياد الاضطرابات، لاسيما في ضوء تهديد القذافي بتفجير خطوط أنابيب الطاقة.

ولئن كان المحللون يتفقون على أن إمدادات النفط والغاز العالمية ليست في خطر، وذلك على اعتبار أن إنتاج ليبيا لا يمثل سوى 2 في المئة من إنتاج النفط العالمي، فإن بلدانا مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا اعتمدت على ليبيا خلال عام 2010 بنسب 22 في المئة و16 في المئة و13 في المئة من إجمالي استهلاك النفط، على التوالي. وهي واردات لن تستبدل بسهولة على المدى القصير بالنظر إلى أن أوروبا تستورد أكثر من 85 في المئة من صادرات النفط الليبية.

هذا الأمر دفع مخططي الطاقة إلى إعادة تقييم الحكمة من وراء الاعتماد على شمال أفريقيا، وهي منطقة استثمرت فيها حكومات جنوب أوروبا أموالا طائلة من أجل تقليص اعتمادها على الإمدادات النفطية من روسيا وإيران، حتى وإن انتهت الاضطرابات في ليبيا باستقالة سلمية للقذافي. وفي هذا الإطار، يقول هرمان فرانسن، زميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وكبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية، "إن على أوروبا أن تختار بين أن تصبح أكثر اعتماداً على روسيا أو على الشرق الأوسط، أو على كليهما". أما منوشهر تاكن، المحلل المتخصص في شؤون النفط بمركز دراسات الطاقة العالمية في لندن، فيشير إلى طريقة أخرى للتقدم إلى الأمام إذ يقول: "سيتم التشديد على تعزيز أمن الإمدادات على نحو أكبر وأقوى، لكنهم سيجدون مصادر أخرى غير شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مثل النرويج والقطب الشمالي".

والواقع أن إيطاليا وإسبانيا راهنتا كثيرا على ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات الطاقة في أفريقيا، وإن كان إنتاجها هو ثالث أكبر إنتاج في القارة بسبب سنوات من الإهمال. فقد ظلت شركتاهما العملاقتان للطاقة، "إيني" و"ريبسول"، في الخلف للحفاظ على موطئ قدم هناك حتى في الوقت الذي فرت فيه الشركات الأميركية والبريطانية عندما تم فرض العقوبات على ليبيا عقب تفجير طائرة "بان أم" فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية عام 1988.

ونتيجة لذلك، كوفئت كل من إيطاليا وإسبانيا عندما وقّع القذافي السلام مع الغرب وتخلى عن برنامج الأسلحة النووية في عام 2003؛ وازداد اعتماد البلدين بشكل تصاعدي على النفط الليبي وارتفعت استثماراتهما هناك بحيث باتت تشكل "إيني" و"ريبسول" معاً حوالي ثلث الإنتاج النفطي ومعظم الغاز الليبي.

وحتى الآن، تعد إيطاليا، وهي القوة الاستعمارية السابقة لليبيا، مرشحة للتأثر أكثر من غيرها. ذلك أنه علاوة على اعتمادها الكبير على واردات النفط الليبية، فإن 13 في المئة من غازها أتت أيضاً من جارتها الواقعة جنوب المتوسط خلال العشرة أشهر الأولى من 2010، حسب وكالة الطاقة الدولية. وفي هذا السياق، يقول فرانسن من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يوجد مقره في العاصمة الأميركية واشنطن: "ليس ثمة أماكن كثيرة حيث يمكن للمرء الحصول على بديل مثالي للنفط الليبي"، وهو نفط ذو جودة عالية، مضيفاً أن "أوروبا تحاول قدر المستطاع تنويع مصادر الطاقة التي تستوردها، لكن الأماكن التي يمكن أن يستوردوا منها من أجل تحقيق التنويع هي أماكن لا يرغبون في اللجوء إليها".

وتحت زعامة رئيس الوزراء برلسكوني، تعمقت العلاقات الليبية الإيطالية في الطاقة وكل المجالات، وشمل ذلك قطاعات مختلفة من المالية إلى كرة القدم. واليوم، يتعرض برلسكوني لانتقادات شديدة في إيطاليا بسبب رهانه الخاسر. أما في حالة إسبانيا، فإن "ريبسول" لم تزد استثماراتها بشكل هام في ليبيا خلال السنوات الأخيرة. غير أن ليبيا، بالمقابل، تعد منذ بعض الوقت ثالث أكبر مصدر للنفط بالنسبة لإسبانيا، خلف روسيا وإيران، مما يبرز فشل جهودها الرامية للتنويع.

غير أن شركة "أو إم في" النمساوية، تعد أسوء حالا بكثير، حيث يأتي 12 في المئة من إنتاجها النفطي من ليبيا، مقارنة مع أقل من 4 في المئة بالنسبة لريبسول، وذلك حسب تقارير الشركة. أما الشركات الدولية الأخرى مثل توتال، وبريتيش بتروليوم، ورويال داتش شيل، وستاتويل، وغازبروم، فتعد أقل تأثراً بما يحدث في ليبيا. وعلاوة على تزويد إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، فإن ليبيا توفر أيضاً 23 في المئة من واردات النفط الإيرلندية، و21 في المئة من واردات النفط النمساوية، و11 في المئة من واردات النفط البرتغالية، وذلك حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر يناير.

هذا وتعد الجزائر كذلك مزوداً رئيسياً لأوروبا بالنفط والغاز، بينما يتوفر المغرب على بضعة أنابيب نفط تمر عبر أراضيه إلى إسبانيا. وإذا تراجعت الاضطرابات في ليبيا بسرعة ولم يحدث مزيد من الاضطراب في الجزائر والمغرب، فيمكن القول إن جنوب أوروبا لن يكون في حاجة لإيجاد بدائل على وجه السرعة. لكن مهما يحدث، فإن البلدان الأوروبية ستكون أقل رغبة في وضع استثماراتها في المنطقة. وفي هذا الإطار، يقول ديفيد كُرش، محلل أسواق الطاقة بمؤسسة "بي إف سي للطاقة" في واشنطن: "إن بيت القصيد هو أن هذا هو تعريف ومعنى أمن الإمدادات، أمن الطاقة"، مضيفاً أن "السؤال الرئيسي هو متى ستسمح الظروف بالعودة إلى وضع عادي. إذا تحولت الأمور في ليبيا إلى حرب أهلية، فإنك بالطبع ستؤجل أي مخططات للاستثمار، وذلك لأن البيئة السياسية عامل أساسي. وستعيد الشركات تقييم مخططاتها وستبحث عن أماكن أخرى". غير أن البدائل محدودة، وبخاصة في وقت يزداد فيه الطلب على الطاقة في آسيا ويتقلص فيه الفائض العالمي، حتى في إيران وروسيا، حيث يطرح الثمن السياسي مشكلة أيضا.

وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول تاكن من مركز دراسات الطاقة العالمية: "لديهم خيارات: سيدعمون مزيداً من التنقيب عن النفط في الصخور الزيتية، وسيستثمرون أكثر في خيارات الطاقة البديلة، وسيتطلعون إلى البرازيل والشرق الأقصى، وسيزيدون الفعالية والكفاءة، وسيقللون استهلاك الوقود، وسيشجعون الوقود الحيوي".

========================

العالم العربي: صمت النخب وصوت الشعوب

إدريس لكريني

كاتب وأكاديمي من المغرب

ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"

تاريخ النشر: السبت 26 فبراير 2011

الاتحاد

في الوقت الذي استوعبت فيه العديد من دول العالم في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، دروس المرحلة وحجم التحديات التي أصبحت تفرضها التحولات الدولية الراهنة، وانخرطت بحزم وإرادة قويتين في قطع خطوات مهمة وثابتة على طريق التنمية الشاملة وتحقيق الديمقراطية الحقيقية، تعيش العديد من الأقطار العربية وبحكم الطوق المفروض على أي إصلاح أو تغيير حقيقيين، شبه ركود تعكسه الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية المستمرة، والتي لا تخلو في عمقها من تداعيات دولية خطيرة.

وإذا كانت النخب السياسية قد أسهمت بشكل ملموس في الدفع بعدد من المجتمعات نحو تحقيق الديمقراطية والتطور والتنمية، فإن الأوضاع السياسية داخل الأقطار العربية، تعكس الحالة المتردية التي تعيشها النخب السياسية في كثير من هذه الأقطار نتيجة لعجزها عن قيادة أي تغيير أو إصلاح.

إن الحديث عن النخب السياسية في الأقطار العربية يقودنا إلى ضرورة التمييز بين نخب تحكم وتملك سلطة اتخاذ القرارات الحاسمة وتستأثر بالمراكز الحيوية داخل نظام الحكم، وتوظف الدين والإعلام وبعض الأحزاب وجزءاً من فعاليات المجتمع المدني... لصالحها، ونخب لا تحظى بقوة أو سلطة فعلية، بل هي خارج مراكز اتخاذ القرارات، ولا تملك إلا مواقفها، وفي كثير من الأحيان تكون بدورها تحت رحمة النخب الحاكمة التي تفرض عليها واقعا سياسيا ضيقا من حيث إمكانية الاحتجاج أو المناورة.. مما يحدّ من فرص ترسيخ تصوراتها الإصلاحية داخل المجتمع.

لقد رفعت مختلف النخب السياسية العربية الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستعمار شعارات تهم تعزيز الاستقلال، من خلال بناء وتحديث وتطوير المؤسسات السياسية وإدخال بعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، كما تمكنت العديد من النخب العسكرية العربية من الانتقال إلى الحكم عبر الانقلابات باسم هذه الشعارات، غير أن الممارسة الميدانية أبانت بشكل واضح محدودية هذه الجهود في بناء دول قوية وتحقيق تنمية شاملة وإقامة أنظمة ديمقراطية.

فبمجرد سيطرتها على مؤسسات الدولة، قامت غالبية النخب الحاكمة بصد أي محاولات إصلاحية ترفعها النخب المعارضة، وفرضت طوقا أمنيا صارما على شعوبها، وأضعفت مؤسسات القضاء وهيئات المجتمع المدني، وعطّلت العمل بالمؤسسات في كثير من الأحيان، وساهمت في الاغتناء غير المشروع، وفي انتشار الفساد السياسي والاقتصادي وحصّنته ضد أية مساءلة قضائية.

ومن منطلق اقتناعها بدور الإعلام والثقافة في تكريس هيمنتها والترويج لأفكارها، حرصت هذه الأنظمة على تجنيد وسائل الاتصال لخدمة أغراضها واستمالة عدد من المثقفين إلى صفّها، الأمر الذي أدى إلى نشر ثقافة سياسية تكرّس الاستبداد والتعتيم، مما أثّر بالسلب على أداء النخب السياسية الموازية الأخرى وضيق من هامش تحركها وحال دون قيامها بأدوارها المفترضة.

فالكثير من الدول العربية التي اختارت التعددية، تعرف هيمنة للحزب الحاكم، أو تفرض مجموعة من القيود الدستورية والقانونية والسياسية على مختلف الأحزاب المعارضة، بما يشوّش على تحركها ويحدّ من فاعليتها في القيام بوظائفها المفترضة على مستوى التأطير والتعبئة والتنشئة والتمثيل. فيما نجد دولا أخرى حظرت العمل بالأحزاب أو اعتمدت العمل بنظام الحزب الواحد.

لقد اعتمدت الكثير من الأنظمة العربية على النخب السياسية الأخرى إلى جانب نظيرتها العسكرية والاقتصادية والدينية. وتبين تغليب بعض هذه النخب لمصالحها الخاصة، وثبت في كثير من الأحيان تورطها في فساد مالي وإداري وسياسي، مما أسهم في خلق فجوة بين السلطة السياسية الحاكمة من جهة وبين أفراد المجتمع من جهة أخرى، وفرض استمرار الأوضاع السياسية على حالها، وأفقد هذه النخب ثقة الجماهير، وولّد شعوراً بالإحباط في أوساط الشعوب العربية، فيما فضّلت نخب مثقفة ودينية وسياسية أخرى الانكفاء على نفسها والانزواء بعيداً.

نجحت النخب السياسية الحاكمة في مختلف الأقطار العربية إلى حد كبير في تدجين العديد من النخب.

كما ضيّقت من الهامش الدستوري والسياسي لتحركها. فالنخب المثقفة التي أسهمت على امتداد التاريخ في إثراء الفكر والإبداع الإنسانيين، عانت في عدد من الأقطار العربية ويلات الظلم والتهميش. وعلاوة عن الوضعية الصورية التي تميز عمل المؤسسات السياسية، فقد نجحت الكثير من الأنظمة العربية إلى حد كبير في نقل مظاهر الاستبداد والانغلاق والجمود إلى عدد من الأحزاب السياسية ونخبها، وإلى مختلف الفعاليات المحسوبة على المجتمع المدني. وهكذا برزت نخب تبنت تصورات الأنظمة وطروحاتها ودافعت عنها، فيما كانت هناك نخب أخرى معارضة لاقت مظاهر مختلفة من التضييق وعانت ويلات التعسف والاعتقال.

وأمام هذه المعطيات الموضوعية والذاتية التي تؤكد حجم الإكراهات التي تعوق عمل مختلف النخب والقنوات السياسية، أضحت مهمة هذه الأخيرة في الإصلاح والتغيير أمراً صعباً إن لم نقل مستحيلا. وهو ما سمح لمختلف الأنظمة العربية بالتمادي في تسلطها واستهتارها بإرادة الشعوب.

ولأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، وبفعل هذه العوامل مجتمعة، خرج الشباب إلى الشارع في عدد من الأقطار العربية في إطار ثورات واحتجاجات عارمة، رغم تحفّظ وتمنّع عدد من الأحزاب والهيئات، بصورة تعكس حجم الهوة القائمة بين هذه النخب ومجتمعاتها، وتبرز تفكّك وضعف القنوات الوسيطة (أحزاب ونقابات...) المرتبطة بتعبئة وتمثيل وتنشئة وتأطير المواطنين، وضيق هامش تأثيرها سياسيا ودستوريا، كما يتبيّن مدى التهميش الذي عانت منه فئة الشباب على شتى المستويات والميادين، وتعبر أيضا عن الرغبة في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

فهذه الفئة التي لم تجد نفسها بشكل أو بآخر داخل مختلف القنوات التي يتاح لها العمل في إطار قواعد اللعبة المتاحة، والتي لم يحسب لها أي حساب ضمن معادلة العمل السياسي أو السياسات العامة لعدد من الدول، توجهت نحو البحث عن قنوات ومتنفسات بديلة من أجل التواصل فيما بينها وللتعبير عن تطلعاتها بصورة تلقائية وسلمية وحضارية، من خلال قنوات الاتصال الحديثة التي تتركز في شبكة الإنترنت ومواقع فيسبوك ويوتيب وتويتر والهواتف النقالة التي تتيح إمكانيات مذهلة في التواصل والضغط. وقبل أن تنقل مطالبها من العالم الافتراضي إلى الواقع في شكل احتجاجات ميدانية عارمة، لم يتردد في الالتحاق بها أفراد المجتمع وأحزاب سياسية وفعاليات مدنية ونخب مختلفة، لاقتناعهم بمطالبها التي جاءت بعيدة عن أية حسابات حزبية أو مصالح إيديولوجية ضيّقة.

لقد بادرت الجماهير في مختلف الأقطار العربية إلى طرح مطالبها بصورة علنية إلى صناع القرار، وإن اختلفت أشكالها وحدتها من منطقة إلى أخرى. وقد تراوحت هذه المطالب بين أولويات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودستورية. وإذا كان سقف المطالب قد ارتفع بصورة متسارعة نتيجة لحجم الحيف والفساد الذي عانت منه بعض المجتمعات مثلما هو الشأن بالنسبة لتونس ومصر، وجعل فرص تدارك الأمر بعيدة المنال، وأدى إلى إسقاط الأنظمة القائمة بعدما اختارت صمّ الآذان في مواجهة مطالب شعوبها لعقود خلت، وبعدما اختارت منطق العنف لإخماد المظاهرات والاحتجاجات، واللّعب على عامل الوقت... فإن الكثير من الأنظمة العربية تواجه تحديات كبرى وتجد نفسها أمام مآزق حقيقية تفرض عليها اعتماد مبادرات تزرع الثقة في أوساط الجماهير، لاسيما وأن هذه الأخيرة تخلصت من عقدة الخوف والإذعان، في محيط إقليمي يغلي بالاحتجاجات والثورات الشعبية التي تواكبها وسائل الإعلام المختلفة لحظة بلحظة.

وتزداد هذه المآزق خطورة مع ظهور بوادر تشير إلى اقتناع الكثير من القوى الغربية الكبرى بأن تكلفة التواطؤ مع الاستبداد ضخمة وخطيرة جداً على مصالحها السياسية والاقتصادية، وبأن دعم الديمقراطية هو المدخل الناجع لترسيخ الاستقرار والشفافية في المعاملات والعلاقات السياسية والاقتصادية محليا ودوليا، بعدما ظلت تجامل حكومات المنطقة العربية لعقود عديدة، حفاظا على مصالحها، واعتقادا منها بدور هذه الحكومات في مواجهة التطرف والهجرة السرية والإرهاب واقتناعاً منها بأن تشجيع الديمقراطية سيسمح للإسلاميين باكتساح المشهد السياسي بهذه الأقطار. إن ما وقع في تونس ومصر، وما يقع في ليبيا من أشكال احتجاجية عارمة، هو رسالة موجهة إلى بعض الأنظمة الأخرى كي تسارع إلى مبادرات اقتصادية واجتماعية وسياسية ودستورية تستجيب لتطلعات الجماهير، وإلى القيام بتدابير تدعم دولة المؤسسات وتكافؤ الفرص، وتفتح المجال لمشاركة بناءة وفاعلة.

========================

محاكمة المسلمين الأمريكيين يعيد الولايات المتحدة إلى الوراء

جوشوا إم. زي. ستانتون

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

25 شباط/فبراير 2011

www.commongroundnews.org

نيويورك – يشكّل وضع تقليد ديني بأكمله على منصة الشهادة بسبب أعمال قلّة منهم بالغة في الصغر، كابوساً لهذا التقليد الديني. ويعتبر الأمر أكثر سوءاً عندما تكون تلك القلّة البالغة الصغر جزءاً لا يكاد يذكر من مجموع السكان.

 

بالرغم من تنامي البراهين على تميّز المسلمين الأمريكيين في التعاون مع تطبيق القانون الأمريكي وإدانتهم الواسعة للإرهاب، يسعى عضو مجلس النواب الأمريكي بيتر كينغ، الجمهوري من ولاية نيويورك، الذي يرأس لجنة مجلس النواب للأمن القومي، إلى عقد جلسات تحقيق حول سبب توجّه المسلمين الأمريكيين المفترض نحو التطرف.

 

وإذا جرت هذه الجلسات، كما كرر كينغ التصريح بأنها ستجري، فإنها ستسمح للتبجّح السياسي أن يصبح سابقة لمكافحة الإرهاب. وهي ربما تخلّف على الصعيد العالمي توتراً في العلاقات الدبلوماسية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والدول ذات الغالبية المسلمة، وتعطي مصداقية لأصوات ما زالت غير دقيقة بعد، تدّعي أن حكومة الولايات المتحدة تعاني من الرهاب الإسلامي. والمزعج أكثر أن هذه الجلسات قد تؤدي إلى نفس نوع الشك بين الأفراد من المسلمين الأمريكيين والمسؤولين الحكوميين الذين يسعون للتحقيق في تصرفاتهم.

 

باختصار، هذه الجلسات غير حكيمة وغير أخلاقية وتعود بالضرر على الولايات المتحدة محلياً وفي الخارج.

 

شرح كينغ في مقابلة مع محطة فوكس نيوز في كانون الأول/ديسمبر الماضي سبب التزامه بعقد هذه الجلسات: "يتوجب علينا أن نخترق هراء الأخلاقيات السياسية التي تمنعنا من المناقشة والجدل حول ما أظن أنه واحد من أكثر القضايا الهامة حيوية في بلدنا. نحن محاصرون من قبل الإرهابيين المسلمين، ولكن رغم ذلك هناك قادة مسلمون في هذا البلد لا يتعاونون مع تطبيق القانون".

 

هناك دائماً شخصيات غير مستساغة في أي مجتمع كبير، ولكن كينغ يفرز الجالية المسلمة ويتناسى الغالبية العظمى من الأمريكيين المسلمين الذين يشكّلون مواطنين بارزين ملتزمين بالقانون.

 

من بين أول القادة المسلمين الذين أستذكرهم، والذين يسعدني الحظ أن أعتبرهم زملاء لي، الإمام خالد لطيف، رجل الدين بجامعة نيويورك، وهو عضو في دائرة الشرطة في نيويورك ويلبس بزة الشرطة، والإمام يحيى هندي، رجل الدين بجامعة جورجتاون، الذي كرّمه مكتب التحقيقات الفيدرالية لصفاته القيادية في تعزيز العلاقات مع مسؤولي تطبيق القانون، والإمام عبد الله عنتبلي، رجل الدين وعضو هيئة التدريس المشارك بجامعة ديوك، والذي يتمتع باحترام كبير لعمله مع قادة الحكومة، لدرجة أن طُلب منه إلقاء صلاة الافتتاح في مجلس النواب الأمريكي في شهر آذار/مارس الماضي. هؤلاء مجرد ثلاثة من القادة المسلمين المتعددين الذين يتعاونون بنشاط مع سلطات تطبيق القانون، ويدينون الإرهاب علناً وفي دوائرهم الخاصة.

 

تدحض إحصائيات جديدة نشرها هذا الشهر مركز تراينغل حول الإرهاب والأمن الوطني ادعاءات كينغ. لنأخذ المثال الأكثر وضوحاً من الدراسة: "نفّذ أحد عشر مسلماً أمريكياً بنجاح هجمات إرهابية في الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، نتج عنها مقتل 33 شخصاً. ويعني ذلك مقتل ثلاثة أشخاص كل سنة". بالمقابل، "كانت هناك حوالي 150,000 جريمة قتل في الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر." الإرهاب شنيع ويجب وضع حد له. ولكن من الأهمية بمكان كذلك أن نكون على معرفة بوتيرته البطيئة نسبياً.

 

إضافة إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أن "معلومات مصدرها الجالية الأمريكية المسلمة شكّلت مصدر المعلومات التي أدت إلى اكتشاف وإفشال العمليات الإرهابية في 48 من 120 حالة تضم المسلمين الأمريكيين". بناء على هذه الإحصائيات على مستوى الأمة، وبدلاً من جدل كينغ، فإن السؤال الذي يجب طرحه هو كيف يمكن التوسّع في التعاون الذي نجح حتى الآن بين الأمريكيين المسلمين ومسؤولي تطبيق القانون.

 

وحتى لو كانت هناك فائدة من ادعاءات كينغ فإن جلسات التحقيق على مستوى الكونجرس ستشكّل إستراتيجية خاطئة لمحاربة الإرهاب. الواقع أنها ستعزل بشكل غير عادل الجالية المسلمة الأمريكية بل وبإمكانها أن تعزل هؤلاء الذين يمكن أن يتقدموا للإدلاء بالمعلومات.

 

يجب إيقاف هذه الجلسات قبل أن تُخضِع المسلمين الأمريكيين لإذلال محتمل وتُفشِل تعاونهم القائم مع مسؤولي تطبيق القانون. أطلقت منظمة "الحرية الدينية في الولايات المتحدة"، وهي حركة مكوّنة من الأمريكيين المتفانين من أجل الحرية الدينية في أمريكا، أطلقت مؤخراً حملة لمنع عقد جلسات التحقيق. كما اتصل تحالف مكوّن من خمسين منظمة غير ربحية مع قادة من الكونجرس على أمل استباق هذه الجلسات. ولكن هناك حاجة إلى المزيد من الضغط السياسي حتى يتسنى منع هذه الجلسات المضلّلة.

 

ما لم يتم منع جلسات التحقيق هذه، فقد تؤدي إلى أذى دائم ليس فقط لصورة المسلمين الأمريكيين، بل كذلك لمركز كينغ الرفيع.

___________________

* جوشوا ستانتون هو المؤسس المشارك لمجلة حوار الأديان (www.irdialogue.org( و"الحريات الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية" )www.religiousfreedomusa.org( وهو زميل حاخامي بمركز شوسترمان بكلية يونيون العبرية – المعهد اليهودي للدين بمدينة نيويورك.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

===========================

مزاعم ما قبل السقوط 

آخر تحديث:السبت ,26/02/2011

محمد السعيد ادريس

الخليج

كشفت تجربة الثورة المصرية الوليدة وقبلها الانتفاضة الثورية التونسية عن كثير من الحقائق بعضها يخص حركة الشعب وقواه السياسية، وبعضها يخص نظم الحكم، وإذا كانت العبقرية الثورية التي أظهرتها التجربتان الثوريتان في تونس ومصر مازالت تجلياتها في تصاعد، وأن التجربة كعملية مازالت في مرحلة إنتاج الفعل الثوري وتفاعلاتها لم تتوقف بعد، وهذا معناه أن أي دراسة علمية تستهدف استخلاص الدروس وتحليل النجاحات والإخفاقات التي واجهت التجربتين ستكون متسرعة وغير دقيقة إذا أجريت الآن، لكن ما يتعلق بأداء نظم الحكم هو الذي يستدعي التفكير ويفرض التدبر نظراً لأن عوامل الإخفاق تبدو مشتركة وتكرر نفسها الآن في ليبيا وفي اليمن وربما في أي تجربة ثورية أو حتى إصلاحية في دولة عربية أخرى .

هناك الكثير من عوامل التشابه في الإخفاق الذي أظهره النظام التونسي ومن بعده النظام المصري ويتكرر الآن في ليبيا واليمن . أول هذه العوامل المسؤولة عن السقوط هو الاعتقاد الخاطئ لكل نظام عربي أنه دائماً على صواب ولا يفعل إلا كل ما هو صحيح، وأنه محصن من أي اهتزازات أو اضطرابات، وأن كل من يمكن أن يقف في وجه النظام هو إما مستأجر من الخارج أو عميل لقوى خارجية، وأنه جزء من مؤامرة خارجية تستهدف النظام .

هذه الاعتقادات الخاطئة هي التي قادت الأحداث في كل من تونس ثم مصر إلى ما وصلت إليه من مطالبة بإسقاط النظام، فأي من الحالتين التونسية والمصرية لم تكن تسعى إلى هذا الهدف، كانت الأهداف تسعى إلى التغيير ولكن التغيير من داخل النظام، ولكن نظراً لأن كلاً من هذين النظامين كان أسير قناعاته أو مزاعمه الخاطئة أولاً ولم يكن يمتلك ثانياً القدرة الكافية على التكيف مع المطالب الشعبية الجديدة، ولأنه ثالثاً، وهذا هو الأهم، لم يكن يتصور أن يخسر أياً من مكاسبه أو أن يعيش يوماً خارج السلطة في ظل أمرين أولهما الاحتكار الكامل للسلطة والثروة من ناحية، وهذه أمور يصعب التخلي عنها بصعوبة، وثانيهما حجم ونوعية الجرائم والأخطاء التي ارتكبها النظام ورجاله .

لهذه الأسباب كلها رفض النظام أن يستجيب لمطالب الإصلاح ومن بعدها لمطالب التغيير، وأغلق كل منافذ التعبير وجعل الشعب وجهاً لوجه أمام ثلاثة طواغيت لا مناص من مواجهتها، أولها طاغوت الاستبداد والقهر الذي تمارسه الأجهزة الأمنية للنظام، وثانيها طاغوت الفساد الذي نهب الثروات وأفقر الشعب وأفقده حقوقه ومكتسباته الاجتماعية، وثالثها طاغوت التضليل الذي وظف الإعلام الحكومي بكافة أنواعه للترويج لنجاحات النظام الرائعة .

من هنا ولد شعار إسقاط النظام، وعندما وجد كل من النظامين التونسي والمصري أن التحدي حقيقي وأن النظام تهتز أركانه، وأن كل التضليل قد سقط، ولم يعد للتزييف أي فرصة للنجاح بدأ يقدم التنازلات الاضطرارية ولكن بشكل محدود ومتأخر، ما جعل هذه التنازلات مرفوضة، وعندما أدرك الشعب أن الفساد الذي كان يعاني من تفشيه متركز في دائرة الزعيم نفسه، وأن الحرمان الذي يعيشه هو الوجه الآخر لنهب الرئيس أو الزعيم أو رجاله وحزبه، أصبح إسقاط النظام هو المطلب الذي لا تراجع عنه .

سقط نظام ابن علي ومن بعده نظام حسني مبارك بسبب تفاعلات كل هذه الأخطاء، وليس شرطاً حتمياً أن يسقط أي نظام عربي آخر بالصورة نفسها، لكن ما هو حقيقي في هذا كله أن الشعب في كل بلد عربي أصبح واعياً بحقوقه ومطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية . في مصر خرجت المظاهرات تنادي “خبز عدل حرية” ثم تبلورت الأهداف في العدل والحرية والكرامة الوطنية، وهذه أهداف يمكن أن تتحقق دون إسقاط نظم الحكم، شرط أن تكون هذه النظم أمينة مع شعوبها، وأن يعي الحاكم أنه ليس إلا أحد أبناء وطنه، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وأن العدل هو أساس الحكم، وأن الحرية يجب أن تكون للشعب والوطن .

إن ما يحدث الآن في ليبيا من مجازر وما جاء على لسان القذافي وابنه من شأنه أن يدخل ليبيا في مخاطر هائلة . فحديث سيف الإسلام سوف يكون أول وأخطر أسباب تردي الأوضاع في ليبيا، لأنه لا يملك صفة شرعية ودستورية ليكون طرفاً في الحكم وليخاطب الشعب نيابة عن والده، وجعل الحرب الأهلية هي الخيار البديل لن يؤدي إلا إلى مزيد من إصرار الشعب الليبي على الاستمرار في مطالبه وتحويل الانتفاضة إلى ثورة، وما يحدث في ليبيا يمكن أن يمتد إلى دول عربية أخرى .

========================

عيون العالم على ليبيا

المصدر: صحيفة «غارديان» البريطانية

التاريخ: 26 فبراير 2011

البيان

النظام الحاكم في ليبيا قرر إلغاء نظام الدولة التقليدي وأن يحل محله النظام العضوي الذي قيل إنه منح السلطة للجماهير. الآن تتصاعد الاحتجاجات من الجماهير نفسها ضد النظام، لابد أن يكون ذلك الآن مصدرا قلق كبير في الوقت الذي يزيد فيه غضب النظام بعد الاحتجاجات التي عمت بنغازي وطرابلس، ذلك لأن ليبيا ليس لديها ما يشبه الطبقة المتوسطة الغنية والمتقدمة نسبيا وثقافة المعارضة المتوافرتين لدى جارتيها مصر وتونس. وفي حين أن ثورتي تونس ومصر ضمنتا الوصول إلى مسار سليم، فإن الاحتمالات يمكن وصفها على الأقل أنها طيبة.

ليس من الواضح في ليبيا من الذي يمكن أن يوفر الأساس اللازمة لانتقال السلطة. هناك شك حول تماسك الجيش، والهياكل العشائرية القديمة منقسمة وضعيفة على حد سواء، ولم يحصل الإسلاميون في ليبيا على الخبرات ذاتها التي جعلت من نظراءهم في أماكن أخرى أكثر تطورا ومرونة. والمصريون، الذين ربما مارسوا نفوذا في ظل ظروف مختلفة، مشتتون. وتفتقد الجامعة العربية إلى كلٍ من التفويض والوسيلة.

مسألة أن هناك بعض الرجال المحترمين، أو على الأقل الذين يتسمون بالدهاء، في النظام برزت من خلال استقالة بعض الشخصيات الرئيسية في الأيام الماضية. ينشق الدبلوماسيون التابعون للقذافي عنه مثل تساقط ملابس الإمبراطور الذي تتحدث عنه الأساطير. ويمكن لبعض هؤلاء الرجال، مثل عبد المنعم الهوني، مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية، الذي وصف ما يحدث في ليبيا ب «الإبادة جماعية»، أن يشكل نواة للإصلاح، ولكن يبدو أن ذلك هو أبعد الاحتمالات. وأنصار القذافي، بمن فيهم أبناؤه، أكثر تعرضاً للخطر من أن تكون لهم فائدة.

إن القذافي ليس هو من سطر مصائب ليبيا وحده. فقد غرس التاريخ السياسي الليبي أرضها بالمرارة قبل فترة طويلة من مجيئه إلى الحكم. عندما ناقش البرلمان الايطالي بحماس مسألة استعمار ليبيا في عام 1911، حذر المستشرق الإيطالي «ليون كايتاني»، من هذا المشروع على أسس أخلاقية وعملية. وأعلن: «إن ليبيا ليست لديها طرق أو موانئ أو سكك حديدية أو مبانٍ، لا شيء، لا شيء، لا شيء!».

القدر اليسير الذي أنشأه الإيطاليون آنذاك من البنية التحتية تم تدميره في الحرب العالمية الثانية، وعندما حصلت ليبيا على استقلالها كانت واحدة من أفقر البلدان في أفريقيا، على الرغم من أن النفط كان على وشك جعلها واحدة من أغنى الدول. أعطى النفط ليبيا في عهد القذافي اقتصاداً من نوع ما، إلا أن ما قاله «كايتاني» قبل قرن من الزمان ظل صحيحاً بمعنى أكثر عمقا. وتلت الهيمنة التركية غير الفعالة فترة من وحشية الاستعمار الإيطالي، اجتياح دبابات «رومل» و«مونتغمري» للبلاد، والنظام الملكي الذي لم يدم طويلاً، وأخيراً جاءت دولة يحكمها القذافي على مدار 40 عاماً دون دولة، وخلفت ليبيا مجردة من المؤسسات.

اتسمت ثورة القذافي في البداية بمنطق معين، وحققت بعض الأشياء المفيد. واستندت ثورته المناهضة للتدخل الأجنبي إلى أساس قوي يتماشى مع الشعور الليبي. وعلى وجه خاص عكس عدم ثقته لنظام الدولة التقليدية مما كان يساور معظم الليبيين، الذين فقدوا أي إحساس بالملكية في أي ترتيبات سياسية سائدة من وقت لآخر.

يمكن القول إن القذافي قد أعطى الليبيين الوحدة التي ظلت تراوغهم حتى الآن، وذلك حينما اتحدوا في النضال للإطاحة بنظامه.

========================

علاقتي مع بثينة شعبان

درويش محمى

d.mehma@hotmail.com

السياسة 24/02/2011

علاقتي ببثينة شعبان علاقة قديمة تعود إلى اكثر من ستة اعوام, يومها كانت السيدة شعبان وزيرة للمغتربين وانا كنت مجرد مغترب, ولا تزال تلك العلاقة على حالها لم تتغير, رغم التحول الكبير في حياة بثينة, فقد اصبحت مستشارة للرئيس وانا لا زلت على حالي مجرد مغترب في ديار الله الواسعة.

غرامي الشديد بكل ما دونه الشاعر نزار القباني, وولعي بالياسمين هذه الايام, لم يؤثر قيد انملة في موقفي القديم ¯ الجديد, وكرهي الشديد لصبغة الشعر الحمراء التي تستخدمها سعادة المستشارة, ورغم ان علاقتي مع سعادتها في اسوأ احوالها هذه الايام, لكنها لا تزال علاقة شبه يومية, ولحسن الحظ انها علاقة صباحية, حيث اتصفح كل صباح صحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية, ابحث عما تكتبه بثينة في مقالاتها الطويلة المملة والرتيبة, عن الصمود والتصدي والتاريخ العربي العريق ووحدة الامة الخالدة, وكأن ميشال عفلق حي يرزق, لكني وللتاريخ اقول, بفضل علاقتي ببثينة شعبان, اكتشفت اخيراً انني مصاب بداء "الماسوشية", فكل مرة اقرأ لسعادتها, اصاب بالاقياء وأشعر بألم في المعدة وعسر في الهضم وضيق في التنفس والرغبة الشديدة في البكاء, وتنتابني فجأة رغبة جامحة بالعودة العاجلة الى البلد على اول "طيارة".

قبل ايام قليلة مضت, كان لنا لقاء انا وشعبان, كان لقاء باردا جافا لا حياة فيه, قرأت لها مقالا مفعما بالروح القومية, تعرضت فيه بثينة لثورة اهل مصر, وكعادتها ربطت ثورة شباب "الفيس بوك" بالنضال القومي والصهيونية العالمية والامبريالية ومزارع شبعا وحصار غزة والشهيد محمد الدرة.

أنها لا تعيش الواقع السيدة شعبان, ويبدو انها تنتمي الى جماعة "ثقافة الزجاجة المدورة", ففي سورية يوجد مليون محمد درة, واليوم لا احد يستمع الى الراديو الذي عفى عليه الزمن, وولى معه زمن التشويش و"البرازيت", واسقاط بثينة لمنطقها الثوروي على ثورة الحرية لشباب مصر, وربط تلك الثورة بالامبريالية والعنجهية الاسرائيلية, هو وبصريح العبارة كلام فارغ, فلم نشاهد ولم تشاهد بثينة كذلك, الجموع الثائرة في"ام الدنيا" تتجه نحو السفارة الاسرائيلية في وسط القاهرة, ولم نسمع ولا بثينة سمعت كذلك, شعاراً واحداً ينطلق من حناجر ثوار مصر يدعو الى اسقاط الامبريالية والصهيونية, فالذي حدث في تونس ومصر, والذي يحدث اليوم في ليبيا والجزائر واليمن, وسيحدث غداً بكل تأكيد في سورية, امر لا علاقة له بالمؤامرات الخارجية ولا بالسياسات الاستعمارية ولا بالنهضة القومية العربية, انها ثورات شعبية حقيقية صادقة, تطالب بالحرية والخبز والمساواة والعدالة الاجتماعية, ثورات حصرية ضد التوريث والديكتاتورية.

غريب امرها هذه المرأة, ربما هو عامل العمر والشيخوخة, وربما لان السيدة شعبان لا تملك جهاز كومبيوتر في ثنايا مكتبها الفخم العريق, فالغالبية العظمى من ابناء سورية وبسبب ضيق الحال, ليس لديهم القدرة ولا المقدرة على امتلاك جهاز الحاسوب, لكنها ليست من تلك الطبقة بالتأكيد, وأكيد معاشها محرز سعادة المستشارة, كيف لا وهي المقربة الى القصر.

لم اعد اتحملها بثينة, لقد ضقت ذرعاً بها, فهي سيدة من الطراز القديم وتعيش في عصر"عنترة", ولا تعرف اننا نحن ابناء سورية نعيش في عصر "الفيس بوك" و"اليوتوب" و"الغوغل" و"التويتر" والبوعزيزي وخالد سعيد, وبكبسة واحدة يعرف الناس حقيقة الجولان ولواء اسكندرونة والسجناء القادمين من مدينة حمص, ويبدو انها لا تعلم ان الزمن قد تغيير, وبكبسة واحدة على "الكيبورد" يعرف الناس حقيقة احداث تونس ومصر واحداث حماة وسجن تدمر, واخبار"الداخلين" الى العاصمة دمشق من قلب قرداحة.

 بعد اليوم لن يكون بيننا علاقة انا وبثينة, سأنهي علاقتي بها, اما معكم فلنا دائماً لقاء, وان شاء الله الشعب السوري حر وشبعان, والمستشارة شعبان مهاجرة وفي عالم النسيان.

كاتب سوري

=======================

الغرب في الميزان

د. شاكر نوري

التاريخ: 26 فبراير 2011

البيان

ما هو الغرب؟ هل هو خطاب أم جغرافيا؟ نموذج حياة أم مفهوم مجرد؟ في الحقيقة، الغرب هو هوية، وثقافة وحضارة، تميّز نفسها عن الثقافات أو الحضارات الأخرى، بمفاتيح اخترعها لنفسه وللبشرية، وهي : اختراع اليونانيين للمدينة والعلم والمدرسة. اختراع القانون الروماني، وما يتعلق بالملكية الشخصية والفردانية. الأخلاق اليهودية المسيحية. الثورة البابوية في القرون الوسطى، بما فيها من مسؤولية وعقلانية. الليبرالية الفكرية والديمقراطية وحرية التعبير. وأخيراً اقتصاد السوق.

هذا هو جوهر الغرب الذي بشّر به العالم، ولكن المفاجأة أن ثمة تراجعاً حصل في هذه المنجزات المهمة، ولم يعد مخلصاً إلى مفاهيمه التي أسسها بنفسه، فذلك يشبه الشرخ في المرآة، لا يمكن إصلاحه، بل ويلقي بظلاله على مفاهيمه في التعامل مع الآخرين أو مع الآخر.

ولقد تجسّد هذا الشرخ في قضائه على تيارين إنسانيين، تراجع عنهما، وقبرّهما بيديه نتيجة جشعه، وهما: المسيحية والماركسية، فلم يعد الغرب لا مسيحياً ولا ماركسياً.

فقد وضعت ثورة الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن هذا الغرب في الميزان، هذا الغرب الذي لطالما مارس سياسته البراغماتية المتأرجحة من ثورات الشعب العربي، متنكراً لكل مفاهيمه السابقة، ولجأ إلى الصمت والانتظار لمن ترجح الكفة لكي يعطي رأيه.

أليس هو من كان يزود طرفي الحرب بالسلاح؟ أليس هو من أوجد إسرائيل؟أليس هو من دمّر العراق وأرجعه إلى الطائفية المقيتة؟

وبالأمس سقط الغرب في الامتحان عندما حقق الإسلاميون نجاحا في الانتخابات في كل من الجزائر وغزة وغيرهما، فأقدم على الجمع بين الإسلامي والإرهابي في سلة واحدة، ولطالما تذرّع الحكام المستبدون العرب ب (شبح) الخطر الإسلامي، لكي يحصلوا على دعم الغرب وسلاحه، واستدامة حكمهم، واستخدام هذه الورقة لإخافته وإدخال الهلع إلى قلبه:

مصلحة وخديعة في حفلة ماجنة إلى أن هبّت رياح التغيير على العالم العربي، وتكشف عن أقنعتهم المزيفة. لقد قلبت ثورة الشباب العربي في كل من تونس ومصر وغيرهما كل مفاهيم الغرب وإستراتيجياته، بل وبعثرت كل مفاهيم مراكز دراساته الإستراتيجية، ذات القوالب الجاهزة، لأنه كان يرى العالم العربي من منظار الأبيض والأسود، كما لو أصيب بعمى الألوان، فاقداً تدرجاتها اللامتناهية. بالأمس، هللّ الغرب لسقوط جدار برلين ليس من أجل الحرية، وتوحيد الألمانيتين، بل من أجل إسقاط الشيوعية. فالغرب كان عقبة كأداء أمام الثورات العربية منذ مطلع هذا القرن، بل ما هو إلا امتداد لسياساته الاستعمارية، المغلفة بقناع الترويج الحضاري. فقد كان هذا الغرب ولايزال يسيء فهم الإسلام والعرب، أو يفهمهما على أسس الخوف والهستريا، (الاسلامفوبيا). فلم يكن هذا الغرب مخلصاً لا لأفكاره الفلسفية ولا لجماهيره، ولم يستمع إلى ملايين المعارضين للحرب على العراق ولم يستجب مطلقاً بل وضرب برأيهم عرض الحائط.

لم يبق الغرب مخلصاً لا لأخلاقه، ولا لمسؤوليته ولا لعقلانيته، ولا لعلمه، ولا لديمقراطيته ولا لحضارته أو ليبراليته، بل ظل مخلصاً لمبدأ واحد وهو اقتصاد السوق حيث تسبح الحيتان في بحيرة صغيرة من الأسماك؟

وهذا لا يعني أن الغرب يعتبر شراً مطلقاً، كما يجاهر بعض المتطرفين، وهو ليس واحداً أحادياً، بل يتميّز بالتعددية الفكرية، ولا يؤمن مفكروه وعلماؤه ومثقفوه بما يقوم به سياسيوه بالضرورة.

وربما مشكلتنا نحن العرب ليست مع مفكريه وعلمائه ومثقفيه، بل مع سياسييه الذين يوجهون دفة الربان كما تتطلب مصالحهم الأنانية. ومثلما عاش الغرب عام 1989 تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية، فنحن نعيش عام 2011 والفرق هنا، نحن ابتهجنا بما حصل عندهم آنذاك وهم يحزنون لما يحصل عندنا الآن.

========================

تونس: دلالات التغيير السياسي

صحيح أن ثورة الشعب قد تغير نظاماً حاكماً، إنما تحتاج بالضرورة إلى من يوجهها لإتمام مشروع التغيير.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: حسن الحسن

في سابقة من نوعها في المنطقة العربية، خلع أهل تونس حاكمهم زين العابدين بن علي، وتحللت قوى "الأمن" بشكل متسارع بعد أن تهاوى النظام بين أقدام المتظاهرين الذين أجبروا من خَلَفَ بن علي في السلطة على اتخاذ مجموعة كبيرة من الإجراءات في بضعة أيام. تضمنت ملاحقة الرئيس الفاسد وزبانيته، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بإعادة المنفيين، والتعهد بتعويض ضحايا النظام السابق مع إبعاد بقايا رمٍ ?زه من الحكومة المؤقتة، والإعلان عن هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات بإشراف دولي.

 

كما انقلب حال الإعلام التونسي رأساً على عقب، فأخذ ينقل صورة المواطن وصوته المعبر عن سخطه على تفشي الظلم والمحسوبية والفساد بدلاً من صور الطاغية وعائلته. وبهذا تغير المشهد السياسي التونسي على نحو لافت وبسرعة قياسية.

 

ورغم إدراكنا أن كل هذه الإجراءات وما سيلحق بها من قرارات لن تفي بالغرض، وتأتي في محاولة لاستيعاب غضب الشعب الذي هب من أجل استعادة كرامته، إلا أنها تسلط الضوء على مجموعة من الحقائق، نذكر بعض أهمها:

 

أ: إن الفجوة بين الأنظمة الحاكمة في بلادنا وبين الشعوب هائلة بكل المقاييس وعلى كافة المستويات. وأن شعوبنا تتوق للخلاص الشامل من كل ما يمت إلى هذه الأنظمة المقيتة والمتخلفة والمتحجرة والمتعجرفة.

 

ب: إنّ إصلاح شؤون مجتمعاتنا يبدأ بتغيير الأنظمة الحاكمة، فهي التي تمتلك مقدرات البلاد، وهي المسؤولة الأولى عن رعاية مصالح الشعوب وحفظ أمنها وهويتها وقيمها، وما يستجد من إجراءات جديدة في تونس لم تكن لتقع بحال دون تغيير النظام أو إجباره على فعل ذلك.

 

ج: إنّ تغيير الأوضاع في البلاد الإسلامية لا يحتاج إلى عقود ولا إلى قرون كما تروج المدارس الفكرية المضللة والخربة، إنّما يحتاج ذلك إلى وعي على ضرورة التغيير ومحفز عليه، مع كسر لحاجز الخوف واستعداد للتضحية في سبيل مواجهة الطغيان.

 

د: إنّ الباطل زهوق، وإنه مهما بلغ الحاكم الطاغية من قوة بطش وقدرة على بث أجواء الرعب وإرهاب الناس، فإنّ انهيار نظامه رهين لحظة يقظة من قبل الشعب، الذي أثبت أنه أقوى بكثير من الأنظمة الفاسدة مهما كانت القبضة الأمنية شديدة وقاسية.

 

ه: إنّ استمالة الجيش لجهة الشعب - وبحد أدنى فك ارتباطه مع النظام الحاكم وتحييده - أمر جوهري لإتمام عملية التغيير من غير إراقة أنهار من الدماء.

 

و: إنّ الأمة الإسلامية تتفاعل مع قضاياها بشكل تلقائي، وهذا تعبير فعلي عن كونها أمة واحدة، فما حصل في تونس شغل بال المسلمين في مختلف أصقاع المعمورة وجعلها نموذجاً تحتذى لدى شعوب المنطقة على نحو ما جرى في مصر ويجري الآن في اليمن وليبيا. فيما لم تؤثر الثورات التي اندلعت سابقاً في شرق أوروبا أو في غيرها في واقع أمتنا لا من قريب ولا بعيد.

 

ز: إنّ القوى الغربية الكبرى هي قوى كاذبة ومخادعة ومجرمة، فبينما تتشدق بالديمقراطية والحرية وتعمل على "دمقرطة" العالم الإسلامي من خلال حروب وحشية بشعة - أفغانستان والعراق مثلا، أو من خلال نشر الضغائن والفتن كما في لبنان والسودان، فإنها سرعان ما تصاب بالاكتئاب والهذيان عندما يُهدَد أحد رويبضاتها من الحكام الظلمة الفجرة بالسقوط.

 

ي: صحيح أن ثورة الشعب قد تغير نظاماً حاكماً، إنما تحتاج بالضرورة إلى من يوجهها لإتمام مشروع التغيير، فيقيم لها النظام السياسي السوي الذي يعبر عن آمالها وطموحاتها، وإلا اختطفت الثورة من قبل دهاقنة السياسة الذين خبروا خداع الأمة والتواطؤ مع الأجنبي المستعمر لتحقيق غايات ومصالح وضيعة.

=========================

تحية إجلال وإكبار للمعتصمين في دمشق

عفراء جلبي

إيلاف 25/2/2011

تحية إنسانية عطرة نقدمها لكل من يخرج ويضيء الشموع في شوارع دمشق باسم الشهداء في ليبيا وباسم كل المستضعفين في الأرض.

لقد قررت مجموعة سورية من جميع الأطياف، وفيهم ممثلون ومخرجون وفنانون تشكيليون أن يقفوا بكرامة في أرض الكرامة. بلا عنف، وبلا شغب، بهدوء وسلام، يضيؤون الشموع ويهتفون "سلمية! سلمية!" يقفون تضامنا مع الشعب الليبي وليعلنوا أن الشعب السوري ما يزال يتنفس. إنهم يخرجون كل يوم رغم قانون الطوارئ ليقولوا لنا إن الشعب يقرر بنفسه أن يمارس حريته، ولا ينتظرها من أحد. شموع تضاء للشعب الليبي وللشعب السوري وللشعوب العربية والمستضعفة كلها.

ولكن في يوم 23 شباط، قامت قوى الأمن بتفريق المعتصمين وضربهم بالعصي، وإهانتهم. حتى أنهم ضربوا النساء وانهالوا عليهن بالسباب والشتائم. قال أحد المعتصمين،:"زعلت على البنات لأنه سمعوا اليوم مسبّات بحياتهن ما سمعوها."

يا أيها الناس في دمشق. إنكم تقفون للإنسان، للحرية، للكرامة. شكرا لكم. لقد رفعتم رؤوسنا عاليا. وستعلو رائحة الياسمين والورد الجوري وكلمات السلام والمحبة على رائحة البارود. وستعلو "سلمية" "سلمية" على السباب والشتائم. لقد أثبتّم بحق أن دمشق هي عاصمة الإحساس والرهافة. لأنكم في اعتصامكم كنتم في منتهى اللباقة والشاعرية. لقد رفعتم الستار عن وجه الشعب السوري وأظهرتم جماله الرقيق. فكما أن الشعب المصري ظهر لنا بوجهه الحقيقي، وهو ينظف شوارعه، ويغني، ويسمو بخفة دمه وروحه المرحة، أنتم أيضا تظهرون لنا وسامة وجمال الإنسان السوري. وكما أن الجهل المصري رد عليهم بالخيل والجمال، فإن الجهل السوري يرد بالضرب والشتائم. كل طرف يظهر على حقيقته في هذا النضال العربي الكبير. لقد ظهرت الشعوب العربية بحضاراتها العريقة وشعوبها اللطيفة المبتسمة، وظهرت الديكتاتوريات على حقيقتها، بينما كانت كل هذه الديكتاتوريات العربية تخيف العالم من وحشية شعوبها. هذه الطواغيت التي تقف على المنابر وتقول للعالم نحن الذين نحميكم من شعوبنا العربية الإرهابية. ولكن الحق بدأ يبزغ، وبدأت شمسه الوهاجة تسطع على الشعوب العربية المسالمة الحالمة بالحرية والكرامة. وها هي الشوارع العربية تنافس غاندي ومارتن لوثر كينغ في الإنسانية. شكرا يا اعتصام الشموع والرومانسية. لقد أعدتم للشعب السوري وجهه الإنساني بعد أن كانت الامبريالية صنفتنا في (محور الشر). وها أنتم الآن لا تقاومون الشر بالشر، بل تقاومون الشر بالجمال والمحبة. طوبى لكم! طوبى لكم يا صانعي السلام السوريين!

 أيها الناس، لا تتهموا سوريا بالجبن، بل اتهموها بالإنسانية، والرقة. هذه تهمتنا الدولية. ونحن فخورون بها. نعم إننا نحمل تهمتنا في قلوبنا الرحيمة ونرفع أيادينا البيضاء، على طريق كل الأنبياء الذين قالوا لكل من قمعهم "ولنصبرن على ما آذيتمونا."

أيها المعتصمون لقد نجحتم في كسر الخوف. أنتم لستم مهزومون. أنتم لم تكونوا في حرب لتعتبروا أنكم خسرتم إذا تلقيتم الضرب وتفرقتم. إن الذين أهانوكم أهانوا أنفسهم. أهانوا الكرامة في قلب دمشق. إن مجرد خروجكم مهما كان صغيرا هو الشمعة الأولى، حتى وإن أطفأوها. ولقد عم وهج الشمعة السورية اللطيفة.

واللطف قاهر. ولهذا قال الحكيم الصيني لاوتسه، "إن ألطف شيء في الدنيا يقهر أقسى شيء في الدنيا." ونحن السوريين الذين ما يزال بيننا من يتكلم بالآرامية، لغة المسيح، في قلب سوريا، سنرفع تعاليم المسيح، الذي قال: من اتبعني لا يحطمه الصخر، ولكنه إن وقع هو على شيء يسحقه. وجودت سعيد يعيش بين ظهرانينا في هضبات الجولان، وهو الذي أعلن قبل خمسين عاما أنه على مذهب ابن آدم الذي قال "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين." نعم، نحن السوريين نخاف من ارتكاب الخطأ، ولهذا نتحرك بهدوء وحكمة. إن اللاعنف في سوريا رصيده نصف قرن. وإن المحبة في سوريا رصيدها ألفا عام. وإن اللطف السوري وشموع الرومانسية السورية ستضيء شوارع سوريا، وستنبت على الطريق إلى دمشق كل أحلامنا الجميلة، وسينهض العملاق السوري اللطيف ليستعيد مكانه في رحلة الإنسانية. "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا." فالظلام لا يوجد إلا بغياب النور، والظلام دائما زاهق بوجود النور، ويأفل بمجرد إيقاد شمعة واحدة.

=========================

شرارات التغيير قد تصل أوباما

طلال عوكل

التاريخ: 26 فبراير 2011

البيان

الاهتمام الشديد الذي تبديه الإدارة الأميركية للحركات الاحتجاجية أو الثورات الشعبية التي اندلعت أو تسود في عدد من البلدان العربية، هذا الاهتمام يكاد يصل إلى مستوى الانشغال اليومي، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يصدر عن مسئول في الإدارة أو ناطق باسمها، تعليق أو توجيه، أو نقد، بما يوحي وكأن كل ما يجري في المنطقة العربية من تبرير أميركي، وبما يخدم المصالح الأميركية والقيم التي تنادي بها.

ما من شك أن ما يجري يرتقي إلى مستوى تسونامي أو زلزال كبير، يعصف بالاستقرار الهش الذي تتميز به معظم الأنظمة العربية لعقود خلت، ولكن ونحن ننظر بتفاؤل لما يمكن أن يحدث من تغييرات لابد أن يتذكر الإنسان العربي أن لا تسونامي أغرق ودمر أندونيسيا، ولا أقوى الزلازل طمرت دولة تحت الأرض.

فالحركات الاجتماعية الثورية في الوطن العربي التي يشكل الشباب عمادها، وإن كانت ترفع شعار الحرية والكرامة، إلا أنها تفتقر إلى التنظيم والقيادة الكاريزمية التي تستطيع أن تنهض بأعباء كل مراحل الثورة من إطلاقها إلى تدمير البنى القديمة إلى إعادة بناء النظام على أسس جديدة كلياً.

إن الذي جرى ويجري يندرج في سياق الاستحقاقات التاريخية، التي تقتضي الانتقال بالأمة العربية من عصر التخلف، والجمود وقمع الحريات، واحتجاز التطور إلى عصر النور، والالتحاق بركب الحضارة الحديثة، والعودة إلى التموضع في سياق حركة التاريخ بعد عقود من التهميش. بعض أنظمة الحكم العربية لم تدرك حقائق العصر، وقد تعودت على إدارة شؤون البلاد، وكأنها الأقدر، طالما أنها نجحت خلال عقود، في بناء أقفاص حديدية تحميها، عمادها، القمع وكم الأفواه.

وتضخيم الأجهزة الأمنية، وتكبير الحاشية المستفيدة والتي لا هم لها سوى مراكمة المزيد من الثروة، فيما يزداد الفقر، ويكبر جيش العاطلين عن العمل، وتزداد أرقام المليارات من الديون الخارجية والداخلية. إن تكرار رفع الشعار ذاته «الحرية والكرامة» من قبل المحركين للثورات الشعبية في عدد من البلدان العربية، إنما ينطوي على دلالات عميقة. حيث يلخص الشعار باقتدار، مطالب الغالبية الساحقة من الجماهير، رغم اختلاف الأسباب والوقائع والأهداف بين تجربة وأخرى.

فالحرية تعني، أن الناس تتطلع إلى نظام حكم ديمقراطي يحترم الدستور والقانون، واستقلال السلطات، وتعني، تحرير الثورة من الاحتكار والنهب والفساد، والتوزيع العادل للثروة، وتعني الاعتراف بالتعددية السياسية وبحقوق الناس في التفكير والتعبير والتجمع والتظاهر، وتعني في الأساس التداول السلمي للسلطة، بحيث يعيش الإنسان حراً في بلده. أما الكرامة فهي تعني صيانة الكرامة الوطنية والقومية، وتعزيز المواطنة، وتعزيز الاستقلال الوطني.

وممارسة الندية في السياسة الخارجية، ورفض الارتهان الأجنبي، والدفاع عن حقوق وكرامة الأمة العربية التي تستهتر بها وتستبيحها قوى إقليمية وأجنبية، لا تبحث إلا عن مصالحها. كلمتان مدهشتان في قدرتهما على التعبير عن مشاعر وآمال المواطنين العرب، الذين طال اغترابهم، وطال انتظارهم لما يقدمه لهم حاكم لم يعد يسمع أنين الجوعى، وعذابات الفقراء والمهمشين، ولم يعد يشعر بالإحباط واليأس الذي يسكن قلوب الملايين من الشباب المتطلعين إلى بناء مستقبلهم.

الرئيس الأميركي أوباما يريد أن يصادر كل هذه الحقائق التي تضرب في عمق المجتمعات العربية، وأن يقدم نفسه باعتباره بطل التغيير، الباحث عن حرية الشعوب وكرامتها، حتى لو استدعاه ذلك لتقديم حلفائه المقربين والمخلصين قرابين رخيصة، في سبيل قيم ينادي بها وبعمل كل شيء بالضد منها.

يوم الجمعة قبل الماضي أي في الثامن عشر من هذا الشهر، تعرضت إدارة أوباما لامتحان عسير، يتصل بالمصداقية، أمام الشعوب العربية التي يخاطبها كل يوم تقريباً، حيث لم يعد بمقدوره أن يزور أو يجعل طبيعته، وطبيعة حكمه وبلاده فما كان عليه سوى أن يصدر أوامره للسفيرة سوزان رايس، قبل دقائق من التصويت في مجلس الأمن الدولي، لكي تستخدم حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار عربي لإدانة الاستيطان الإسرائيلي باعتباره عملاً غير شرعي وغير قانوني.

كان أوباما ووزيرة خار

جيته هيلاري كلينتون قد بذلا جهداً عبر اتصالات هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لسحب مشروع القرار، ولم يوفر التحقيق ذلك، ما لديهما من أوراق الضغط والتهديد، بما في ذلك وقف المساعدات المالية للسلطة، ووقف الاعتراف بعباس والتعامل معه.

في مكالمته الهاتفية مع عباس تحدث أوباما عن خشيته من الطعن في مصداقيته، وما يتوقعه من خسارة، في حال أصر الرئيس الفلسطيني على طرح المشروع على مجلس الأمن، ولأن أوباما لا خيار أمامه سوى الانسجام مع نفسه وحقيقة مواقفه ومواقف وسياسات بلاده التي تماشي إسرائيل وتدعمها حقاً وباطلاً، لكن عباس هو الآخر وجد نفسه أمام خيار إجباري.

كان على عباس، وهو ما فعل، أن يختار بين أن يسقط على يد شعبه في حال استجاب للطلب الأميركي وأن أن تنتهي حياته السياسية على يد الأميركي أو الإسرائيلي في حال أصر على طرح مشروع القرار على مجلس الأمن، وقد اختار نفسه وشعبه، فكان كلاً من عباس وأوباما قد انحاز إلى وطنيته وشتان بين هذه وتلك.

========================

الخطر الكامن في التغيير

المستقبل - السبت 26 شباط 2011

العدد 3923 - رأي و فكر - صفحة 19

آري شبيط

ثمة وعد كبير يختبئ في الثورة العربية الكبرى. فمثل كل انتفاضة على الاستبداد، تثير الانتفاضة التعاطف والحماسة والأمل. وعلى الرغم من المذبحة الفظيعة في ليبيا، لا يوجد أدنى شك في أن سنة 2011 هي سنة 1989 بالنسبة للشرق الاوسط، وربما تكون سنة 1789 بالنسبة للشرق الاوسط. تنهار أمامنا انظمة الاستبداد العربية العلمانية. المارد العربي يستيقظ من سُباته. ونظام عالم عفن وفاسد يتفكك. يشعر ملايين المضطهدين بشعور أولي من التحرر. إن العصر الجديد الذي بدأ في مطلع كانون الثاني في تونس أخذ ينتشر سريعا في المغرب والجزائر وليبيا ومصر واليمن والاردن والبحرين. يُعرض على العرب في القرن الواحد والعشرين اقتراح للحرية لم يسبق له مثيل.

ثمة خطر كبير أيضا يكمن في الثورة العربية الكبرى. فقد فككت الولايات المتحدة في العقد الأخير العراق وضبطت مصر وفقدت تركيا. وبهذا أسقطت منظومة الكبح السنّية التي وقفت مقابل ايران. وفي هذه الأيام تفكك الولايات المتحدة البحرين، وتضعضع الاردن. وهي بذلك تحول ايران إلى القوة الاقليمية الرائدة. فاذا لم تتغير السياسة الأميركية فمن شأن النتيجة أن تكون كارثة جيو- استراتيجية.

تحت عنوان الدمقرطة، ستتم سيطرة شيعية على جزء كبير من الخليج العربي. وتحت عنوان التحرير، ستتم سيطرة راديكالية على جزء كبير من العالم العربي. وسيصبح السلام الاسرائيلي الفلسطيني والسلام الاسرائيلي السوري غير ممكنين، ويضمحل السلام الاسرائيلي المصري والسلام الاسرائيلي الاردني. إن قوى اسلامية وناصرية جديدة وعثمانية جديدة ستصوغ الشرق الاوسط. قد يحدث لثورة 2011 ما حدث لثورة 1789: أن يختطفها بونابارت ما ويستغلها ويجعلها سلسلة حروب دامية.

كان يجب إحداث التغيير في العالم العربي في زمن آخر: قبل عقد أو عقدين. وكان يجب إحداث التغيير في العالم العربي بطريقة اخرى: باصلاح لا بثورة. لكن الامر أصبح متأخرا جدا الآن ولا توجد طريق عودة. فالثورة في ذروتها. وعلى ذلك فإن الاميركيين محقون عندما يريدون أن يكونوا في الجانب الصحيح للتاريخ. والأميركيون محقون عندما يؤيدون الجماهير التي تطلب حقوقها. لكن الأميركيين مخطئون عندما يُسقطون قبل كل شيء أنظمة حلفائهم خاصة. والأميركيون مخطئون عندما يُمهدون بأيديهم طريق انتصار الاخوان المسلمين وايران.

توجد طريق واحدة فقط للخروج من الشرك ألا وهي الانتقال من حالة الدفاع الى الهجوم. هل براك اوباما هو جورج بوش جديد؟ هل ديفيد كامرون هو طوني بلير الجديد؟ هل هيلاري كلينتون مصممة على تحقيق البرنامج العقائدي للمحافظين الجدد؟ مبروك. أهلا وسهلا. لا تفعلوا ذلك فقط في الساحة الخلفية للغرب. لا تفعلوا ذلك فقط في تونس ومصر واليمن والبحرين. إفعلوا هذا ايضا بتدخل انساني حازم في ليبيا. وافعلوه في ايران ايضا. خُذوا روح الحرية من ميادين القاهرة واجلبوها الى ميادين طهران. وخُذوا تمردات غوغل وفيس بوك وتويتر واجلبوها الى آيات الله. أسقطوا استبداد احمدي نجاد كما أسقطتم استبداد مبارك. وحاربوا الفاشية الدينية عند أحمدي نجاد وجنون القذافي بنفس التصميم الذي حاربتم به الديكتاتوريات الموالية للغرب. بهذا فقط تستطيعون تطبيق قيم الغرب الديمقراطية مع مصالحه الاستراتيجية. وبهذا فقط تستطيعون تعظيم الحرية من غير تأجيج التطرف وإشعال الحرب.

طوال ثلاثة أسابيع، روت لنا غالبية وسائل الاعلام الغربية عن أن ثورة التحرير هي ثورة جيل غوغل التي لا وجه لها. لكن في 18 شباط2011 ، عندما احتفل مليون مصري بحريتهم في التحرير، تبين أن وجه الثورة هو وجه الشيخ المتطرف يوسف القرضاوي. اذا لم تصح قوى الغرب سريعا فقد تكتشف أن وجه الشرق الاوسط الجديد هو وجه القرضاوي ووجه طيب اردوغان ووجه علي خامنئي. وجوه اولئك الذين يحاولون جعل ريح الحرية التي تهب على الشرق الاوسط عاصفة عنيفة متعصبة.

========================

الحركة المصرية المدنية والديموقراطية في مرآة لغتها

المستقبل - الاحد 20 شباط 2011

العدد 3917 - نوافذ - صفحة 11

وضاح شرارة

منذ اليوم الأول أو ربما الثاني لاعتصامهم في ميدان التحرير بالقاهرة، في 25 يناير (كانون الثاني)، سمّى المصريون المعتصمون والمتظاهرون فعلهم هذا، أي خروجهم إلى التجمع والتظاهر وطلبهم إلى "النظام" ورأسه أن يرحل، "ثورة". وقالوا "ثورة 25 يناير" من غير تردد ولا تلعثم، ربما تيمناً بما كانت آلت اليه قبل 11 يوماً الحركة المدنية والديموقراطية التونسية، وراء الحاجز الليبي الأفريقي وصحرائه. فشاءت التسمية بتاريخ الاعتصام المصري الأول اختصار الأسابيع التونسية، منذ حرق محمد البوعزيزي نفسه إلى تنحي الرئيس السابق ولجوئه مستجيراً بمجير عربي، والابتداءَ من حيث انتهى أهل تونس وشعبها. فيجمع اسمُ "ثورة 25 يناير" مطلع الحركة، وخطوتها الأولى ورجاءها واستقبالَها الزمن الآتي واحتمالاته الكثيرة والمتضاربة، إلى خاتمتها المأمولة والسعيدة. فهي، على هذا وإذا صح هذا، منتصرة وظافرة وغالبة منذ باكورة أيامها وإيذانها.

الثورة

وقد تكون التسمية بيوم الحركة الأول رداً ضمنياً على "ثورة 23 يوليو" (تموز 1952). وهي الاسم الرسمي لانقلاب فريق من ضباط الجيش المصري الملكي على نظام القصر الحاكم منذ قرن وثلث قرن (يومها، في 1952) وخديوية محمد علي باشا، نائب السلطان العثماني قسراً على مصر. ف"ثورة 25 يناير"، اسماً وصيغة، هي النظير الصوري والشكلي واللفظي لاسم المبتدأ التاريخي والرمزي الذي أراد طي صفحة طويلة من تاريخ مصر والمصريين وابتداء صفحة جديدة بريئة من معاني الصفحة السابقة وشاراتها، وهي الظلم والفساد والاحتلال والفقر والضعف. وإلى 11 شباط حَكَمَ حسني مبارك الدولة المصرية والمصريين وسندُه هو "ثورة "23 يوليو". فالفريق المتنحي قسراً مولود من "جمهورية" مصر، ومن نظام السياسة وموازين القوى والهيئات والمراتب الذي صنعته الثورة العتيدة. وهو وارث بعض مباني هذا النظام ومداميكه وأسسه منذ خطوة الثورة الاولى وفاتحتها.

واسم الوليد التاريخي الجديد يحاكي الاسمَ القديم، ويقوم بإزائه صنواً له ونداً، وينسخه ويمحوه معاً وفي آن. فهو مدعو إلى القيام محله علماً على زمن وعهد جديدين ومختلفين مأمولين. وكثُرٌ المصريون الذي قالوا من ميدان التحرير بالقاهرة، منذ تعيين حسني مبارك اللواء عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية إلى حين تلاوة "السيد النائب" بيان "التخلي"، أن تولي النائب العسكري صلاحيات الرئيس العسكري هو قرينة على دوام النظام العسكري الثابت وإزمانه منذ ستين عاماً (وبعضهم ضبط الحساب ودقق فقال 58 عاماً، والعام الجاري لا يزال وليداً). والمصريون هؤلاء أنفسهم قالوا أو زادوا أن ثورتهم "مدنية"، و"لا ينفع" أن يتولى الجيش الحكم خلفاً لنفسه. وتلتمس القيادات المتفرقة والمتضافرة معنى مشتركاً هو ارادة الانقطاع من تاريخ مضى وطوي، والعزم على ابتداء تاريخ آخر أولُ تعريفه بعد مصريته وثوريته أو جدته، أنه مدني وشبابي وسلمي وتلقائي وعمومي. والنعوت هذه، وهي من باب النسبة والاضافة، كثيرة المعاني. وتستخرج معانيها أو تصاغ وتخصص من طريق مقارنتها بالمعاني الظرفية والسياقية التي "ترد" عليها، وتناقشها، وتتخفف أو تتحرر منها ومن ملابساتها.

الشعب

فالثورية أو الثورة، على ما تقدم، تقوم مقام النظير والضد والطي من سلف "يوليو" الثقيل والمُعْلِم. والمدنية تُتِمُّ معنى الضدية، وتثبت مضمون التفرق وصورته الحسية الظاهرة والمائلة. وهي تنسب "الثورة" إلى المدنيين، من غير العسكريين بديهة وطبعاً، ومن غير أهل الدولة والسياسة والقوة كذلك، وربما أولاً. وتتصل النسبة أو الصفة المدنية بالنسبة المصرية والنسبة التلقائية والعمومية الجمهورية. فالجمهور المصري، أو "الشعب"، تعرفه مساواته، أفراداً وجماعات دينية اعتقادية وجغرافية واجتماعية، وانتفاء المراتب منه، على خلاف الجيش، وهو جسم أو سلك على حدة، وعلى خلاف الدولة والسياسة والوظيفة والادارة، وأهلها أو اهاليها. وترد صفة أو نسبة المدنية، والفئات الاخرى المتواطئة والمتصلة، على نازع العسكريين المصريين، وغير المصريين، إلى حصر جماعتهم وأنسبائهم ومتعلقاتهم في سلك أو جسم منفصل وقائم بنفسه. فإما يتعالى على جمهور المدنيين العاميين أو هو يزعم القيام محلهم ومقامهم، ويدعي العبارة عنهم، والنطق بخفايا مكنوناتهم وطويتهم، و"التسلط" أو الاضطلاع بالسلطان عنهم وعليهم.

المدنية

وتبدو النسبة المدنية إنكاراً صريحاً لسجل التاريخ السياسي العسكري الذي دوَّن تاريخ المصريين، دولة ومجتمعاً، في أثناء الستين عاماً المنصرمة. فالمدنية تريد نقل "التاريخ"، أو الفعل التاريخي، والثورة آيته والعَلَم عليه، من الاختصاص السلكي او "المهني" به إلى عموميته المدنية وأسوته أو مساواته الجمهورية والعامية والاجتماعية. ولعل انكار "البطولة" أو القيادة أو الامتياز (بالعلم أو "الوعي" أو الاستشراف) على نواة الداعين إلى الاعتصام والتظاهر والاحتجاج وهو انكار خص به الداعون أنفسهم قبل أن يعموا به سواهم ويستثنوا "الشهداء" منه- وجه من وجوه نقد المراتب والسلطات العسكرية والادارية والسياسية والتقنية، ووجه من وجوه النقض عليها، معاً. فالفعل التاريخي يفترض قوة ودالة وعلماً ودراية يُحمِّلها إياه "صناع" التاريخ ومحترفو صناعته وأهل العلم بهذه الصناعة ("الطليعة" أو "التنظيم الطليعي" على ما سمى جمال عبد الناصر العيون والارصاد الحزبية والامنية في صفوف الادارة والهيئات والحزب نفسه). وهذه، القوة والدالة والعلم والدراية، ليست من صفات العامة أو العوام المدنيين والجمهور. ولم يُعطَها ويُخَصّ بها الا الخواص والنخب، او القادة و"القيادة" على ما تسمي الشلل أو الطغمات الحاكمة والديكتاتورية في الجوار المشرقي نفسَها (وهي، أخيراً، "دوائر القرار"، أو "الدوائر"، في الجماعات المذهبية المسلحة و"المقاومة").

ونهض وينهض إلى اليوم وإلى اجل غير معلوم، في بلداننا ومجتمعاتنا، شطر غالب من دالة الولاية والسلطان والحكم، على الاختصاص بالفعل التاريخي و"الثورة". ونسبت البلدان والاوطان والجماعات والحقب، في عصر الجماعات والشعوب و"الجماهير"، إلى آباء أبطال. فقيل مصر عبد الناصر وسوريا الاسد وعراق صدام وايران الخميني، على سبيل المديح والتعظيم. وأوكل إلى هؤلاء تجسيد الامم، وانبعاث القوة في اجسادها الواهنة ودولها الضعيفة، وتوحيد روحها المتفرقة والمبعثرة في الانانيات العصبية الصغيرة والضيقة (بعثرة أجزاء الإله الفرعون في أراضي مصر قبل انبعاثها في أوزيريس). وكانت أسلاك القوة وأجهزتها ووزاراتها وقادتها هي الرواق المؤدي إلى رأس الدولة وكرسي السلطان، وهي المنصة والرافعة إلى الرأس والكرسي هاتين.

الشباب

ومعظم المعاني الاخرى، التي نسبتها الحركة إلى نفسها او حملت نفسها عليها، المعنى الشبابي والمعنى السلمي والمعنى التلقائي والعمومي، تتضافر على بسط المعنى الوطني المصري والمدني وجلائه. فالشباب المبادر والمعتصم والمتظاهر هم شباب، وحركتهم شبابية، على وجه التقرير المادي والحسّي والوصف الاحصائي الكمي. ولا ينفك هذا الوجه من اعلان الابوة التاريخية "والثورية" للصفحة الجديدة التي يريد الشباب ابتداءها ، وبادروا اليها. فهم من هذا الوجه، الشبابي، يتخففون من المسؤولية عن زمن ما قبل "الثورة"، وعن السكوت عن الطغيان والفساد والركود والتسليم للتعسف والقهر. فهم إما كانوا لم يولدوا بعد، قبل 30 سنة، أو كانوا في سن لم يبلغوا فيها رشدهم وتكليفهم السياسي والاجتماعي. فما "يتفتح في جناين مصر" اليوم، على النحو المصري المدني و"الثوري" الذي يتفتح عليه، إنما يولد ولادة طبيعية وتلقائية من تربة متجددة لا عهد لتاريخ مصر بها منذ آلاف السنين سبعة آلاف سنة على قول الموغلين المتطرفين، أو أربعة على قول "المعتدلين"، أو مئتين على زعم المقللين والمقرِّبين.

واختصار الزمن يقرب الحركة المدنية الديموقراطية من القائمين بها، والمبادرين إليها، من الشباب. ويجعلها وديعة بين أيدي أصحابها وصانعيها، ماضياً وحاضراً و(يرجون) مستقبلاً. وعليه، فهم لم يرثوها من "الهوية المصرية" البالغة من العمر 4 آلاف سنة، على تأريخ الرئيس المتخلي في خطبته الثانية. ولم تتحدر إليهم، على زعم سائر ومضمر، من أيدي آبائهم الذي أوكلوا "ثورتهم" المفترضة قبل ستين عاماً إلى "البطل. فأسرع إلى تقمص الثورة والنهضة و"الاخوة المواطنين" والدولة والكرامة جميعاً، وإلى جمعها وحلِّها في "دوره" و"بطولته" و"فلسفته"، وفي سلكه العسكري وضباطه. ولا ينافي هذا الوطنية المصرية ولا يخالفها. فالحركة المدنية الديموقراطية وطنية مصرية، هذه المرة، على معنى "التفتح"، والولادة الارضية، والانتساب إلى الفعل الارادي والحر. ويخالف هذا الهوية الثابتة او "عبقرية المكان"، وميراثها الثقيل وسندها القوي والمقيد معاً.

وما "يستحقه" المصريون ومصر معهم، على قول جهير تواتر على ألسنة المعتصمين والمتظاهرين، ولم ينالوه، وحجب عنهم طوال الستين سنة المنقضية - ما يستحقونه هو تثمير موقع مصر "العبقري" (نهراً وبحراً وبراً وشرياناً قاريين)، وتماسك مجتمعها العريق، ودالة صنيعها الحضاري (وظلاله البربرية) على أمم إقليمها، وعدد سكانها ومواردهم. وهذه العوامل قد تُحمل على ريع يعود على "أصحابه" بعوائد مياه النيل وقناة السويس (5 مليارات دولار) والسياحة (7-8 مليارات) والنفط والغاز وتحويلات اليد العاملة الفائضة والمهاجرة والمساعدات العسكرية الاميركية. وحظ التثمير والانتاج والعمل الحي من العوامل الجغرافية السياسية والاستراتجية هذه قليل وضئيل. وهي توكل إلى "اصحاب" الدولة السيطرة على التوزيع والمكافآت والاعالة. ويقتضي التثمير المرجو حرية المصريين الراشدة، والاقرار بها من غير مراوغة ولا تجسيد اجماع بواسطة علاقات سياسية يتولاها مواطنون متفرقو الاهواء والمصالح والمنازع، ولا يجمعون إلا على دستورهم وقواعده المحكِّمة في اتفاقهم وخلافهم، وفي تقسيم سلطات دولتهم وتعاونها، إلخ. على صورة المعتصمين المتظاهرين ومثالهم. وهذا الحال هو عنوان كرامة وقوة لا تشبهان الكرامة والقوة الريعيتين والناجمتين عن انتصاب "البطل" سلطاناً مطلقاً والشعب رعيةً منصاعة.

المراسلة

وتقرير المعنى الشبابي ينسب الحركة المدنية الديموقراطية إلى الآلات والوسائل والتقنيات التي توسل بها الشباب (سناً) إلى بث دعوتهم، وإلى تأليب المصريين على التعسف والعنف القاتلين. فالمداولة والمحاورة والمراسلة من طريق المدونات الاجتماعية الرقمية، وهي العمدة في التأليب الشبابي، لا تشترط مركزاً، ولا إدارة، ولا برنامجاً. وقبل هذه كلها وبعدها لا تشترط "أعلين" أو ولاية ومرتبة. فهي تدعو دعوة ملحة إلى تناسل "المراكز" وتوالدها بعضها من بعض، من غير التحجر على "مركزية" أم، أو مرجعية تقليد أو اجتهاد أو علم وفهم. فتوسعُ التبليغ والاتصال، وتعاظمُ أعداد المبلغين (على الوجهين) والمنخرطين التلقائيين أو العفويين، لا يعود على "المبتدئ"، وهو حكماً واضطراراً جميع وكثير، بمرتبة تتقدم على الآخرين، وتلحقهم بها. والامران، التوسع والتعاظم، يجريان على صورة الاغصان الملتفة التي يشجر وينجم بعضها من بعض، فلا يتميز فيها أول من آخر، ولا موصول من منقطع.

ومثال الأغصان الملتفة والمتكبكبة يحول بين المراقب (الامني الاستخباراتي أو المنخرط الناشط) وبين توقع جهات التوسع والتعاظم ومظانهما ومواقعهما وجمهور هذه وتلك. ولا ريب في أن تعذر التوقع، بدوره، يخلط الزمن الآتي وأوقاته وحوادثه ووقائعه خلطاً مقلقاً ومفاجئاً، على خلاف ما يريد جهاز السلطان الامني وعلى الضد من رغبته وسعيه وتخطيطه. وبينما دأبُ النظام الامني هو الحجبُ (على ما صنعت الادارة الحزبية الصينية في أثناء الحركة المصرية وسبقتها "الادارات" المصرية والسورية والايرانية) تنزع المداولة والمحاورة والمراسلة الالكترونية والرقمية إلى "الانفجار" والتعالق والتكاثر. ولعل الالتفاف الشجري هذا هو أشد ما يخشاه السلطان الحاكم بقوة الاجهزة، وتخويفها وارهابها وبقوة التجسيد الجامع والمانع. فالالتفاف الشجري المولود من مدونة "6 أبريل" ومن مدونة "كلنا خالد سعيد" وهي الموقع الذي وقفه وائل غنيم الغوغلي على المدون خالد سعيد، قتيل جهاز الامن المصري قبل عام جزاء أعماله التدوينية التي انقلبت، على زعم قتلته وقادتهم، قطعة حشيشة ابتلعها خالد سعيد وغص بها غصة مميته الالتفاف هذا يخرج على استواء التوقع الزمني الامني والاستخباراتي وعلى استقامته. وقد يلد خروجه المفاجآت والحوادث غير المرتقبة، والمنعطفات الداهمة.

الذاتية

وهذا شأن الكثرة، كثرة متداولي الرأي والمتحاورين والمتراسلين. فمفاعيل الكثرة متنقلة ومتداعية. وتلملم النثرات من كل حدب وصوب، وتجمع الاصداء المترددة في أفق لا يتكلف الجمع والتنضيد والترتيب، ولا يشترطها. وما خُشي أن يقود إلى "فوضى" مرسلة ولا قيد عليها، وهي خشية تلازم دعاوى أهل "التنظيم" ومحترفيه وبيروقراطييه المحلَّفين، قاد حقيقة وفعلاً، إلى تماسك وانضباط ذاتيين مشهودين. والتماسك والانضباط الذاتيان ظهرا وتبلورا في خضم الامتحان الامني والاهلي القاسي الذي فرضه على المعتصمين قمعُ قوى الامن ثم انسحابها، وهجوم عصابات البلطجة الرثة واللصوص على المعتصمين المتظاهرين، وعلى أهل المدينة ومرافقها. وقد يكون هذا قرينة على أن الحركة الوطنية المدنية والديموقراطية المصرية، والشبابية على المعاني المتقدمة، تتحدر من مصادر يفترض بعضها وربما معظمها نظماً دقيقاً لعلاقات متداولي الرأي والمتحاورين والمتراسلين بعضهم ببعض. وتفترض هذه المصادر في "الشباب" دراية شكلية واجرائية قد لا تكون أضعف أثراً من التنظيم الصناعي في "الطليعة" العمالية. ولكن الاقتصار في التحري عن المصادر على الانترنت والمدونات والمواقع والمنتديات والشبكات يبخس المصادر الاخرى حقها من التأثير.

فشطر من المعتصمين والمتظاهرين الذين انتظموا صفوفاً وخطوطاً ومتاريس في وجه عصابات الامن الداشرة، وعصابات المرتزقة والمسجونين الرثة، هم من الاداريين وأهل المهن الحرة والطلاب العاملين في مرافق مكتبية وصناعية معقدة، واعتادوا التنسيق والاستباق واحتساب الطوارئ في أعمالهم. وشطر آخر، هم بعض الشطر الاول، له باع طويلة في الانشطة الحزبية والجماعية، وما تقتضيه من تخطيط ومبادرة ومدافعة وردع وحماية. ومشاركة الاخوانيين وناشطي المنظمات غير الحكومية واليساريين والناصريين وبعض الامنيين والعسكريين الذين انضموا إلى الحركة المدنية الديموقراطية، كانت (المشاركة) مدداً مادياً وتنظيمياً حاسماً. ولكن المصادر الاجرائية التعليمية، إذا جازت العبارة، لا تطغى على المصادر المعنوية و"الاخلاقية"، على ما نوّه الصحافي الفلسطيني محمد هواش. وليس محقاً ولا منصفاً القول السائر أن شباب الحركة المدنية الديموقراطية لم يروا من أهلهم، ومن الجيل السابق، ولم "يرثوا" تالياً إلا الخنوع والتسليم أو التعلق بالحزب الطليعي المستبد والتعويل عليه.

فاحتجاجات القضاة على التزوير الانتخابي (وتنحيتهم عن اللجان جزاء تنديدهم)، وحركة "كفاية" وتظاهراتها الشجاعة، ومبادرة أيمن نور إلى انشاء حزب مستقل وترشحه إلى انتخابات الرئاسة وحيداً أعزل، وسعي بعض الاخوانيين في انشاء حزب وسطي وميل بعض آخر إلى الانكفاء على دعوة غير سياسية وضميرية، ورفض محمد البرادعي الترشح قبل الغاء مواد الدستور المتعسفة، ويقظة نازع مطلبي في صفوف العمال والعاملين في مرافق الوكالة والمراقبة والخدمات العينية، إلى الجمعيات غير الحكومية وفرق الابحاث المستقلة هذه وغيرها مثلها غلَّبت معايير النزاهة والاستقامة والعدالة والمسؤولية الفردية والجماعية على احتساب الفرص، وتحكيم معايير التكتيل المصلحي وموازين القوى والمنافسة على النفوذ والحصص والانخراط "الواقعي" والاستدخالي في الابنية القائمة. والارجح أن جنوح السلطان العسكري الامني والاوليغارشي ("الاعمال") إلى انتهاك القوانين وتفصيلها على مقاسات مواليه وزبائنه، وإلى استعمال الجماعات الهامشية والرثة في المضاربات والاستحواذات والعمولات غير المشروعة، وفي القمع والتأديب والاغتيال، هذا الجنوح حمل مصريين كثيرين على تقديم الادانة الاخلاقية وأحكامها القاطعة على الادانة السياسية النسبية و"المتزنة". وتوسلُ أجهزة السلطان المنفرد والطاغي ب"الجماهير"، وتعبئتها الحاشدة في مساندة سياسات "الرياس" والقيادات والمرشدين وتخويف المتحفظين والمعارضين والمعتدلين و"الاعداء"، هي من السنن الناصرية والبعثية والخمينية ومن مناهج التيارات الشعبوية والاهلية المتسلطة الراسخة. ولعل هذا في جملة ما حمل قيادات الانظمة والتيارات والجماعات القومية والمذهبية على التلويح بتأييد الحركتين المدنيتين التونسية والمصرية، بعد تأويلهما تأويلاً شعبوياً "مناهضاً للامبريالية" وإسلاموياً، ضمناً او علناً. ويخلط هذا التأويل خلطاً متعمداً بين المنازع الشعبية الوطنية والمدنية، وهذه المنازع تقر بكثرة الجماعات وتفرق مصالحها وبرامجها في اطار الشعب الواحد والدولة الدستورية الواحدة، وبين تجييش الجماعات الهامشية والرثة "المؤطرة" وإخضاع الشعب (وجماعاته الكثيرة) بواسطتها وبإرهابها، على ما يُرى هنا وهناك منذ عقود.

وتصدي المتظاهرين المعتصمين للمشادات والاشتباكات الداخلية بين المتظاهرين أو بعض كتلهم وأفرادهم، بالهتاف "سلمية! سلمية!" كناية عن التزام الحركة فض المنازعات من طريق الاحتكام إلى المحاورة والاحتجاج بالكلام والمنطق، يترتب على مدنيتها وشبابيتها وعموميتها الشعبية. وهو علامة على مجافاتها المنازع التسلطية والحزبية والثأرية الاعتقادية والاجتماعية. فالحركة ليست جبهة مختلطة تحشر في كتلة موحدة المتظلمين والمهمشين وسواقط الجماعات والطبقات المتفرقة، وتعول على إذابتهم ومحو خصائصهم واحتياجاتتهم المتباينة والمتنازعة، وتنصيب سلطان يجسدهم على هذه الحال من الذوبان والانكار والانتشاء. والمثال هذا سبق ان نصبته الناصرية والبعث والخمينية والمنظمات القومية والاهلية المسلحة فخاً سطت بواسطته على الجماهير المنقادة إلى دعاوى هذه الحركات وتلويحاتها.

والدعاوى والتلويحات هذه ليست سراباً كلها. فعلى خلاف الحركة المصرية المدنية والديموقراطية، وعلى الضد من تواضعها وقصرها موضوعاتها على المسائل الداخلية وعلاقات المصريين بعضهم ببعض ومحكوميهم بحكامهم قدمت الحركات الدينية والقومية القضايا "العظيمة" والصراعات الاقليمية والدولية ومعضلات الهويات والمصائر التاريخية على المشاغل والمشكلات الركنية مثل موقع الدولة من المجتمع، وتنازع كتل المصالح المتفرقة، والتمثيل على منازعاتها في هيئات، والتحكيم في الخلافات والمنازعات، وتقييد السلطات ومراقبتها من غير شلها، وتنمية الموارد وسياساتها، وغيرها. وناطت حل المشاغل والمشكلات هذه بمكانة الدولة من "صراع الامم". وفي نهاية المطاف عَجِب جمال عبد الناصر من استعصاء تسيير مستشفى القصر العيني على المنتصرين بيسر، على زعمه، في معركة السويس. فالتعبئة تحت لواء قومي أو ديني عصبي، واختصار الامة او الشعب في قيادة و"بطل"، والدعوة إلى الانصهار والذوبان في مقاومة "الموت"، على قول شكيب أرسلان وخميني وخلفائه في الدول الغربية، هذه جميعاً تنفي السياسة من داخل الكيان الوطني، أو الامة، وترفعها نصباً ووثناً يسحقان الشعب وجماعاته. والحركة المصرية بعد الحركة التونسية قامت على النصب والوثن هذين، وسعت في تحطيمهما لعل ينهض على انقاضهما "دين" الانسانية الراشدة.

=======================

هل سينجح التغيير؟

ميشيل كيلو

السفير

26-2-2011

يدور حوار مهم على امتداد المنطقة العربية - وربما العالم - حول فرص نجاح عاصفة التغيير الشعبي والمجتمعي العربية الراهنة. يلاحظ صوت يراقب الأحداث أن النظم تبلور بسرعة ردودا مدروسة لمواجهة ومقاومة الحركة الشعبية، وتراهن أساسا على الانقسامات الطائفية والاتنية السياسية والطبقية في بلدانها، كي تضع مواطنيها بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر، على أن تستخدم جهاز الدولة كاحتياطي استراتيجي ترجح بواسطته موازين القوى لصالحها، بعد مرحلة من الصراع تجمد خلالها الحراك المعارض، المطالب بالتغيير، وتجعله يشبه عجلة سيارة غرقت في الوحل: فهي تكثر من الدوران دون أن تبارح مكانها أو تخرج من الوحل. يقول هذا الصوت إن ما نجح في غفلة من الزمن، بالمفاجأة في تونس والتنظيم الدقيق والشامل في مصر، لن ينجح في غيرهما، بدلالة ما يجري في ليبيا، حيث تقوم سلطة عائلية تتماسك بقوة الخوف من الشعب، وتعمل ككتلة واحدة، كعصابة مافيا، تتحكم بأقليات من الناس عبأتها ضد مجتمعها، ضد كل ما ليس منها كسلطة تتجسم بقضها وقضيضها في شخص واحد هو معمر القذافي: عراب هذه المافيا، التي تواجه مجتمعها المسالم بكل ما لديها من أسلحة حديثة وعنف حقود، وتذبح شعبها بمعنى الكلمة «دفاعا عن الثورة والنظام الجماهيري»، متذرعة بحجج وطنية ترى أنه عميل للخارج الأميركي / الإسرائيلي، وأن قتله واجب وطني يطهره من الخونة، فلا ضير إن كان عدد قتلاه بالملايين، ما دام العدد القليل الذي سينجو من الموت هو الذي سيعتبر «الشعب الطاهر، الثوري والجماهيري والمحب للقائد».

هناك في الحقيقة فروق بين تونس ومصر وليبيا، أهمها إطلاقا الفارق التالي: كان زين العابدين بن علي رأس النظام في تونس, وكذلك حسني مبارك في مصر. عندما وقع التمرد الشعبي، تخلى النظام عن رأسه كي ينقذ ما يمكن إنقاذه من كيانه ومصالحه وأشخاصه، ولا تطيح الثورة به. في الحالتين: الطرف الذي بادر إلى الإنقاذ كان الجيش، الذي رفض نجدة بن علي ثم مبارك، وقرر إخراجهما من منصبيهما، ثم من تونس بالنسبة إلى الأول، ومن قلب مصر البشري والسياسي بالنسبة إلى الثاني. لهذا، يتساءل بعض النقاد اليوم إن كانت قد حدثت بالفعل ثورة في هذين البلدين، وما هي على سبيل المثال هذه الثورة المصرية التي لم تنجح حتى اللحظة في إخراج المناضلين الذين اعتقلوا خلالها من السجون، كما لم تنجح في الإطاحة بأركان حكومة مبارك في مصر وزين العابدين في تونس؟.

بالمقارنة مع تونس ومصر، ليس في ليبيا نظام: هناك شخص العراب الذي يجسد السلطة والنظام والمجتمع والشعب والدولة والمواطنات والمواطنين والعلم والجهل والسياسة والنفط والمطارات والموانئ والطرق والجسور والسماء والأرض والماء والهواء... الخ، لذلك لن ينقذ الجيش النظام إن هو أطاح بالقذافي أو أجبره عل الرحيل، بل سيجعله ينهار ويختفي دون أن يبقى له أي أثر. إن حصل هذا، كانت ثورة شعب ليبيا أول ثورة عربية ظافرة بنسبة مئة بالمئة، وضربت المثل لغيرها في تحقيق أهداف المجتمع، لكونها لن تواجه، برحيل القذافي أو إزاحته أو قتله معضلة القضاء على أبنية نظامه، التي يمكنها تحويل الثورة إلى تمرد على شخص هو الرئيس، وتتظاهر بقبولها، كما يحدث في تونس ومصر، ريثما تحشد قوى كافية وتنجح في إدخال الثوار إلى سراديب ودهاليز سياسية لا يتقنونها وليست لديهم خبرة في التخلص منها أو تفاديها.

برحيل القذافي سيرحل النظام كله، لذلك يراقب طرفا الصراع: الشعب العربي من جهة والنظم الحاكمة من جهة أخرى المعركة الدائرة باهتمام، ويعلق كل واحد منهما آماله على كسبها، ما دام انهيار القذافي، أي النظام، سيعني الانتصار على حالة مافيوية قصوى، تتجسد في استيلاء أجهزة القمع المطلق على السلطة، وتعبئة موارد وقدرات الدولة باعتبارها جهة مافيوية، ليس الجيش فيها غير طرف مركزي مستعد لذبح عدوه الرئيس أو الوحيد: الشعب الليبي. فإن نجح أحست الحالات العربية التي تشبهه بهذا القدر أو ذاك، بالثقة بالنفس وركزت جهدها بدورها على إركاع شعوبها، أو دفع الأمور نحو قتال أهلي بين مواطنيها، يقتدي بالمثال الليبي، يريد الممسكون بالسلطة أن يردع المواطنين ويخوفهم من خوضه. بالمقابل، تابعت الجماهير العربية المعركة الليبية باهتمام وأعصاب متوترة، لاعتقادها أن هزيمة القذافي تتخطى في معانيها ليبيا إلى بقية البلدان العربية، وأنها ستضعف تصميم النظم على قلب التمرد الشعبي إلى حرب أهلية، وستعزز ميل الراغبين من مكوناتها في الحوار والإصلاح، وبناء إطار وطني واسع يجنب بلدانها الاقتتال وهزيمة نظمها، التي ستكون مؤكدة، في حال سقط النظام ليبيا، حيث وصل الصراع بين القديم والجديد العربيين إلى درجة ستنحصر داخل حدودها أية صراعات مستقبلية بينهما، خاصة بعد شرع النظام هناك يقتل شعبه بالجملة وبكافة أسلحة جيش العصابة العائلية المجرمة.

لا شك في أن نظم البلدان العربية ستبدأ في التفكير، بعد ليبيا، في طرق تحول المعركة القادمة من إسقاط النظام إلى إسقاط شخص، هو الرئيس. ولا شك في ان تكلفة الدم المرتفعة جدا هناك ستمثل عاملا يردعها عن تكرارها هنا، في بلدانها، وربما شجعتها على حل إشكال النظام عبر التضحية بالرئيس في مرحلة مبكرة من التمرد الشعبي، حيث ستكون تعقيدات التفاهم مع لطرف الآخر غير كبيرة، وتنازلات النظام قليلة الكلفة. يرجح هذا الاحتمال بروز عنصر جديد في الصراع الليبي هو دخول دول العالم الكبرى جميعها على خط الصراع الداخلي الليبي، وتحوله من صراع يواجه النظام فيه مجتمعه إلى صراع يواجه فيه الخارج أيضا، الذي يدعم التمرد الشعبي، مع ما يعنيه ذلك من فرض خطوط حمراء عليه قد تصل إلى حد إقامة منطقة جوية محظورة على طيرانه، وأخرى أرضية على مرتزقته، ومن توسع سريع للثورة وسقوط أسرع للنظام / الشخص.

هذا التدخل الخارجي يعني عمليا جعل انتصار القذافي على شعب ليبيا شبه مستحيل، ويعني كذلك أنه لن يستعيد موقعه من العالم والاعتراف الدولي بشرعيته، حتى إن تمكن من البقاء في السلطة، وهو حكم إعدام عليه يرجح أن يدخل اليأس إلى قلبه وقلوب مناصريه، ويعجل في انفضاضهم عنه وتركه يسقط أو يختفي، ما دام نجاحه الداخلي، شبه المستحيل، لن يلغي سقوطه الخارجي، ولن يغلق بالتالي باب المعركة ضده، بل سيبقيها مفتوحة على كل صعيد، إلى أن يقوم في ليبيا النظام الديموقراطي والحر، الذي يريده ويستحقه شعب بطل اشتراه بغالي دمائه، وافتداه بأرواح ومهج الآلاف من بناته وأبنائه، في قيامه نصر إضافي للأمة العربية ولأحفاد عمر المختار، الرمز الكبير الذي زرع احترامه في قلوبنا ونحن صغار، ونبدي اليوم إعجابنا بأحفاده العظام، الذين تصدوا لطاغية دجال كان يعتقد أنه باق وشعبه زائل، وأن قمع المجتمع مسألة ليبية داخلية تخصه وحده، ولم يدرك، لغبائه وجنونه، أن العالم تغير، وأن من كانوا يولونه البارحة أمور البلاد والعباد لم يعودوا قادرين على مساندته، بعد أن أدركوا كم هي قوية مجتمعات العرب وزائلة نظمهم، وفهموا أن زمنا ينتهي وآخر يبدأ، وأن مصالحهم مع الأخير وليست مع نظم قوضت جميع فرص استمرارها بيديها، وأن بقاءها في الحكم سيكون باهظ الكلفة وسيمثل عبئا ثقيلا جدا على من يدعمها أو يقف إلى جانبها دوليا، في عالم عربي تعصف رياح التغيير المجتمعي بأركانه، يعيش اليوم الموجة الكونية الثالثة من الثورة الديموقراطية، التي بدأت في أوروبا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، ووصلت عند نهاية القرن الماضي إلى وسط وشرق أوروبا وروسيا، وها هي تجتاح اليوم قلب الاستبداد ومركزه الأكبر في العالم: عالمنا العربي، الذي يحرر نفسه بإرادته وقواه الخاصة من حكومات أثبتت جدارتها في تونس ومصر، وتؤكدها بأكثر الطرق تصميما ونضالية في ليبيا، حيث تدور معركة سيتوقف على نتيجتها جزء كبير مما سيحدث في البلدان العربية الأخرى.

في هذه الشروط الداخلية والخارجية، من المستحيل أن ينتصر النظام الليبي، أي شخص الجزار المجرم، الذي سمى نفسه «الأخ العقيد قائد الثورة «. وسينتصر شعب ليبيا المضحي المحب لوطنه، الذي يعطي بقية العرب دروسا في الفداء لا بد من تعلمها، كي يبزغ فجر العصر الديموقراطي، الذي يتمتع المواطن فيه بالحرية: القيمة التي هي أثمن ما في الوجود، ورأس مال الإنسان والوطن!

========================

هل تستحق الأمة مثل هؤلاء الحكام ؟!

الشرق القطرية – 23/2/2011

نوال السباعي - مدريد

مهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها هذه الثورة الليبية ، فإن تصرفات النظام الليبي في مواجهة ثورة شعبه ، لم تخرج في خطها العام عن خطة "الانسحاب الحربية" ، والتي نفذتها بدرجات متفاوتة كل من السلطات التونسية ثم المصرية بحق الشعبين التونسي والمصري ، لكن عناصر التنظيم والوعي و التحضر السياسي والمفاجأة بالنسبة للشعب التونسي ، ودعم الإعلاميتن العربي والغربي والهندسة التعبوية والمراهنة على الملايين بالنسبة للشعب المصري ، لعبت دورا مفصليا في نجاح الثورتين في مواجهة أنظمة تتعامل مع الشعوب وكأنها مجموعات من القطعان في أرض يعتبرونها ملكا شخصيا لهم ولعائلاتهم ، وكأننا نعيش في أوربة القرون الوسطى المغرقة في التخلف والسقوط والإجرام!.

إن لم يفعل هؤلاء "الزعماء" شيئا إلا الاعلان عن كلماتهم المرتقبة، وترك الشارع ينتظرهم حتى ساعات متأخرة من الليل ، ليطلعوا علينا بالعجائب المخزية الخسيسة ، لكفاهم ! ، فهم إن وعدوا أخلفوا ، وإن خاصموا فجروا ، وإن حدثوا كذبوا !! ، لكن المشهد الليبي ترك للأ مة هذا الحدث الفريد من تاريخ ال"الجملوكيات" – كما سماها المفكر السوري خالص جلبي- ، والذي يتمثل في خروج ابن "الزعيم"– كموسولينيٍ مجنونٍ مُصغر- ، يتهدد ويتوعد برعونة ، وصفاقة ، وليتحدث عبر ثلاثة فضائيات عربية – على الأقل- رافعا سبابته تلك بالويل والثبور لمن لايريد الانصياع لرأيه والقبول بال..."الإصلاحات" ، والتي منها "الجلوس للتفكير في دستور للبلد" !، الذي مافتيء يُحكم منذ أربعين عاما دون دستور ، ولادولة ، ولاجيش ، ولابنى تحتية ، ولاأمن ، ولانظام، ولاإنسانية ، والذي تمّت عملية توزيع ثرواته وسلطاته على أبناء الزعيم وأفراد أسرته!، حالة عربية تسود أرجاء المنطقة ، التي أصبحت مقاطعات مشاعة لهذه الأسر ، يذبحون أبناءها ويستبيحون ثرواتها! .

 بأية صفة كان ابن مخترع "الجماهيرية الشعبية" يتحدث إلى الأمة ؟! ، - فمايجري في ليبيا لايجب ولايمكن أن يخص الشعب الليبي وحده؟!- ، بأية صفة كان يوجه ذلك الحديث الطفولي الموبوء ؟ هل هو وزير في "الدولة"؟ أم نائب لصانع ثورة الفاتح الذي يرفض الاحتكام لإرادة شعبه الذي طالما طبّل وزمر باسمه؟؟ ،ماهي صفة هذا "المختل الصغير " – حسب وصف جميع وسائل الإعلام العالمية -؟!، أم أن حكم الجملوكيات ، بات من "الوضاعة" بمكان تضطر الأمة معه إلى احتمال كل هذا الحجم من الخيانة والإسفاف ، جاثية أمام شاشات التلفزة بانتظار حديث مجنون إثر مجنون ، تمكنوا من أعناقنا بفعل مورثات تمنحهم في جمهوريات الخوف والفظائع ، حق الاستخفاف بالدم والمستقبل.

هددنا –وأبوه من بعده- بالاستعمار ، وكأن الأمة لاتعلم أنها مستعمرة بشكل مباشر وغير مباشر!، تحدث عن التقسيم والتفتيت ، وكأنهما لم يكونا واقعاً أوقفته وغيرت قباحته ألسنة النار التي التهمت جسد البوعزيزي ؟، وتحدث عن البترول !! ملعون البترول ، ملعون أبو البترول ، الذي يهددوننا بحرقه ، ولم نرّ منه إلا الذل والعار والاحتلال والهيمنة !، أما عائداته فهي الذاهبة ومباشرة ودون قيد أو مساءلة إلى جيوب الحكام ، الذين يقررون عندما يشاؤون أن يهبونا أرزاقنا منه، فتاتا ، بعدما بدد كثير منهم ثروات الأمة على حماقاتهم وفجورهم !.

هل تستحق هذه الأمة مثل هؤلاء الحكام ؟!، الذين يعجز المرء في مثل هذه الايام عن استيعاب حقيقتهم المؤلمة التي بدأت تنكشف للعالم ، كما يعجز عن فهم الآلية التي جعلتنا نستكين لحكمهم نصف قرن من الزمان؟! ، صمتاً وقهراً وخوفاً ، دخلنا سراديب العفن الاجتماعي ، وانشغلنا بصغار الطغاة والمستبدين ممن ملؤوا بيوتنا ونوادينا ، فاستأسدت علينا الغيلان ، حتى هيأ الله جيلا رفض أن يرث الهوان ، وبذل الروح رخيصة ، لتوهب الحياة لأمته.

شكرا لآلام البوعزيزي وخالد سعيد وكل ليبي شهيد ، خرجت علينا الجامعة العربية أخيرا بقرار مشرف نوعا ما ، أدانت به هذا الذي يجري في ليبيا ، شكرا لجيل شجاع أبي ، يستحق منّا الاعتذار ، أن أورثناه هذه التركة الفظيعة ، من حكام لانختلف كثيرا عنهم ، وإلا لما كان حقا علينا أن نعيش في أكنافهم أربعين عاما نبحث عن مخرج! .

========================

نظام فقد شرعيته وفي حكم المنتهي

ضياء الفاهوم

الدستور

26-2-2011

تواصلت الإدانات من كل حدب وصوب للجرائم التي اقترفها معمر القذافي خلال الأيام الأخيرة ضد الشعب الليبي والتي راح ضحيتها حتى كتابة هذه السطور أكثر من ثلاثة آلاف شخص بين شهيد وجريح . وإنني واثق من أن ملايين الناس في كل مكان يأملون أن تشهد الساعات المقبلة سقوط الطاغية وأركان حكمه البائس .

من بين هذه الإدانات إدانة قوية من الأدباء والمثقفين العرب وأخرى من منظمة المؤتمر الإسلامي وثالثة من الجامعة العربية ، التي علقت عضوية نظام الدكتاتور الليبي الذي هدد الليبيين المناهضين له ولنظام حكمه الاستبدادي بالإعدام في خطابه مساء الثلاثاء ، ومن بينها أيضا إدانة مجلس الأمن الدولي والعديد من دول العالم والمنظمات الإنسانية في أرجاء المعمورة . وبالنسبة لمجلس الأمن فقد حث على محاسبة المسؤولين عن سفك دماء المدنيين . ومما يجدر ذكره أن إسبانيا أعلنت أن نظام القذافي قد فقد شرعيته وأن دولا أخرى أعلنت قطع علاقاتها مع النظام الديكتاتوري الآفل .

وكثيرون يرون أن أهم إدانة جاءت من وزير الداخلية الليبي اللواء عبد الفتاح يونس الذي أعلن انضمامه للشعب الليبي ودعا رجال الجيش والشرطة الليبيين الشرفاء إلى الانضمام للشعب في مواجهة الطاغية وتخليص ليبيا من ابتلائها بمجنون مثل القذافي لمدة طويلة من الزمان . وقد أعرب عن يقينه بأن نظام القذافي انتهى وأن معرفته بالقذافي تجعله يؤكد بأن الطاغية سينتحر أو يقتل . ومن أهم الأسباب التي ستطيح بالقذافي انضمام كثير من سفراء ليبيا في العالم إلى شعبهم ومطالبه بوضع حد لجرائم سفاح القرن الحادي والعشرين .

بربكم ماذا يسمى من يهدد بمهاجمة بيوت الليبيين وإعدام أبنائهم ؟ هل هناك تسمية أصدق من تسميته بالمجنون والسفاح والدكتاتور والمريض عقليا ؟ وهل يجوز لمثل هذا الشخص أن يكون زعيما لبلد الشهيد عمر المختار ورفاقه الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير ليبيا من الاستعمار الإيطالي ؟ وماذا يسمى من باع تاريخ بلاده النضالي العظيم مقابل خمسة مليارات دولار قبضها قبل فترة ليست بعيدة من أصدقائه الحاليين في إيطاليا لتبرئتها من الجرائم التي ارتكبتها ضد كل أهل ليبيا ؟

لم يكتف في خطابه المشار إليه باستخدام أقذر العبارات ضد أبناء الشعب الليبي والتحريض على إشعال حرب أهلية بين الليبيين لتفادي سقوط نظامه التعسفي الذي سئم منه الشعب الليبي ومن تصرفات العقيد المريض نفسيا وأولاده المغرورين الذين اعتقدوا أن الليبيين ليسوا إلا خدما لهم ولأمثالهم من المعتدين على كرامة الشعب الليبي السارقين لأمواله والمقامرين بمستقبله والسافكين لدماء أبنائه .

لقد صبر الشعب الليبي كثيرا حتى فاض به الكيل ولم يستطع المزيد من الصبر والسكوت عن الظلم حتى جاءت ثورة التونسيين الرائدة وتبعتها ثورة مصر المباركة على رئيسين عبثا طويلا بحقوق الشعب والقضايا العربية العادلة ، ولكنهما لم يكونا مجنونين إلى درجة جنون القذافي الذي أصبح باعتداءاته الأخيرة على أبناء الشعب الليبي والأمر بسفك دمائهم وصمة عار في جبين الأمة العربية وأفريقيا ودول العالم التي تعاملت معه في السابق وخاصة إيطاليا .

ومما تجدر الإشارة إليه أن دول العالم التي قطعت علاقاتها مع النظام الليبي الاستبدادي لن تعيد علاقاتها إلا بعد بناء دولة ليبية على أسس سليمة من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الناس وآرائهم .

والمؤسف والمحزن حقا أن ابن العقيد المسمى زورا سيف الإسلام قد أزبد وأرعد قبل والده مهددا بإشعال حرب أهلية بين الليبيين إذا ما أصروا على إسقاط نظام حكم مجنون العظمة الذي توعد بما وصفه تطهير ليبيا منزلا منزلا .

وقد اتصل المهرج العالمي معمر القذافي بصديقه قبل يومين برئيس وزراء إيطاليا وقال له إن ليبيا بخير . وهذا دليل على أن المذكور في حالة صعبة جدا ومرتبك كما أكد اللواء عبد الفتاح يونس وربما يكون قد أراد جس نبض برلسكوني حول مسألة استضافته كلاجئ سياسي مثلا أو بشأن دعم نظامه الديكتاتوري بقوات عسكرية لمحاربة الشعب الليبي .

القذافي وبعض أولاده لم يتعلموا من التاريخ أن لكل ظالم نهاية ولعلهم لم يكونوا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم حتى على نفسه . وبناء عليه فإنه يمكن التأكيد على أن نظام السفاح القذافي قد فقد شرعيته وأنه وأولاده المهددين للشعب الليبي بالتدمير وكافة أشكال الإساءة سيصبحون سريعا بإذن الواحد الأحد في خبر كان بعد أن نالهم ما نالهم من الاحتقار في جميع أرجاء المعمورة وحصولهم بامتياز على لقب المجرمين السفاحين القتلة وباقتراف أعمال وحشية ضد الإنسانية .

وإنه لفي حكم المؤكد أن الشعب الليبي الذي استغاث بالله لتخليصه من السفاح وردد أبناؤه أثناء احتجاجاتهم بأعلى أصواتهم وبشكل مستمر كما سمعت كل الدنيا"الله أكبر الله أكبر ولا إله إلا الله محمد رسول الله"سينتصر نصرا مبينا على الطاغية لأنه لا غالب لمن ينصره الله العلي القدير ناصر المظلومين على الظالمين . قال تعالى في كتابه الكريم"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين"صدق الله العظيم .

========================

القذافي وحتمية التغيير

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

26-2-2011

لاشك أن العقيد الليبي معمر القذافي مقتنع حتى هذه اللحظة أن العناية الإلهية اختارته ليكون قيصر ليبيا مهما طال به العمر, وأنه مفوض بحكمها حتى بعد انقضاء أجله من خلال توريثه حكم الجماهيرية لواحد من أولاده الذين يتنافسون اليوم بضراوة على موقع ولي العهد, وإذا كان الفتى سيف أكثرهم حضوراً في وسائل الاعلام, فان ذلك لا يعني أنه أقواهم, ولو سارت الامور بغير ما هو الحال الآن, لكنا تفاجأنا بوريثه, الذي يجب أن يكون على رأس قوة عسكرية تضمن له السيطرة على أوضاع « أشقائه « ولجم طموحاتهم في حكم النظام العجيب المسمى الجماهيرية التي لم تكن في يوم من الايام أكثر من شعار يخلو من أية مضامين وهدفه الوحيد ضمان السيطرة المستمرة للعقيد على السلطة والثورة, والعبث بهما بما يتهيأ للرجل حين يضطجع في خيمته محاطاً بحراساته النسائية.

القذافي الذي يتوقع تدخلاً خارجياً يطيحه ويخلص منه البلاد والعباد يبدي تصميماً محموماً على البقاء رئيساً مدى الحياة, وتشبثاً غير مفهوم بالسلطة التي اغتصبها ذات انقلاب قبل أكثر من أربعين عاماً, وتلته انقلابات متعددة استهدفت رفاقه في الانقلاب, ويبدو أنه ما زال يعول على دعم قبيلته التي تقول الانباء إن العديد من أفرادها انقلبوا عليه وتخلوا عنه, وآخر ما يفكر فيه هو اللجوء إلى قبيلته في سبها أو سرت, لكنه يتجاهل أن الجماهير الليبية لن تمنحه هذه الفرصة كما أن المجتمع الدولي لن يمكنه من القاء شوكة في خاصرة بلد غني بالنفط والغاز, إضافة إلى أن الاوروبيين يعتبرون استقرار ليبيا مهماً لانه جزء مهم من الاستقرار الاوروبي, وإذا أدركنا أن أوروبا غير قادرة ولا مستعدة للاستغناء عن النفط الليبي بجودته العالية, وأن العالم لايستطيع الصبر طويلاً على الاوضاع الراهنة في ليبيا نظراً لموقعها الجغرافي المتميز وثرواتها الطبيعية, وتأثيرها في ما حولها من الاقطار, فاننا ندرك سر مراهنة العقيد على تفريغ الثورة من مضمونها, بتطويل فترة الفوضى والتهديد بما هو أسوأ.

النهاية الحتمية للعقيد ونظامه الجماهيري العجيب قادمة طال الزمن أو قصر, والتحول في وطن عمر المختار يدق الابواب, لكن السؤال اليوم عن الامكانات الواجب توفرها لاعادة بناء بلد ظل حاكمه طوال أربعين عاما يمعن في تدميره, ابتداءاً بقواته المسلحة ومروراً بكل ماله علاقة بالاقتصاد والتعليم والتنمية والصحة العامة والزراعة وانتهاءً بكل مؤسسات الدولة, وانصب اهتمامه على تقوية أجهزة الأمن, والتحكم بموارد البلد الهائلة لينفق منها على الاتباع والمحاسيب, وكان يستمد قوته من سيطرته على كل فلس ناجم عن بيع النفط والغاز. لينفق منها فيعز من يشاء ويحاول أن يذل من يشاء, غير أن الانتفاضة الراهنة تؤكد أن الشعب الليبي عصي على الاذلال والرضوخ.

القذافي المناور ببراعة خصوصاً بين القوى المحلية في ليبيا حاول نقل مناوراته إلى العالم من حوله وكانت فلسطين ضحيته الاولى وكان الفلسطينيون العاملون في الجماهيرية أدوات المناورات البغيضة, ومد أصابعه إلى لبنان ليختطف الامام موسى الصدر وخاض حرباً مع تشاد وتدخل في الشأن الداخلي للسودان, ووقف مع النظام الايراني في حربه مع العراق لكنه عاد ليدافع عن صدام حسين, وحاول بناء امبراطورية إعلامية للدفاع عن ما تصوره منجزات لكن إعلامه فشل بجدارة لانه لم يجد ما يدافع عنه فلجأ للصراخ المقيت والمرفوض عند كل عاقل, وسعى لانشاء أحزاب تتبع نظرياته البائسسة في كتيبه الاخضر, وهاهو اليوم يكتشف أنه بات عارياً أمام إعلام الحقيقة, وأن كل إعلامه البائس لن يغني عنه شيئا.

القذافي المتقلب ورغم كل محاولاته تغطية الفشل المتتابع في كل سياساته, بانفاق ملايين الدولارات من أموال الشعب الليبي المحروم, لم يجد في النهاية غير القمع والبطش والافراط في استخدام القوة ضد أبناء شعبه بعد أن وصفهم بالكلاب والجرذان والمهلوسين, وبعد أن كان يظن أنه دمر النسيج الاجتماعي للمجتمع, ودمر كل أسس الاقتصاد, ووجه كل اهتماماته لكل شيء عدا أوضاع شعبه المحتاج لتحسين أوضاعه, ولعله كان يخطط لابقاء مواطنيه فقراء ومتخلفين ليضمن استمراره في حكمهم, وصولاً إلى دفع أبنائه للتنافس على خلافته لضمان تفرقهم ولجوء كل واحد منهم اليه ليستمد منه القوة, ولعله لم يفهم حتى اليوم معنى تخلصه من العقوبات الدولية, بعد تسوية قضية لوكربي، وتخليه عن اسلحة الدمار الشامل. ولم يفهم حتى اليوم أن الاصلاحات, والاهتمام برفاهية الناس كانت وحدها كفيلة بانقاذ نظامه, وهو يبدو غير راغب بادراك أن ساعة التغيير الحتمي قد دقت وأن عقاربها لاتعود إلى الوراء.

========================

بوارج حربية ايرانية في المتوسط.. من يصدّق؟

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

26-2-2011

اسرائيل كعادتها، لا تترك امورها للصدفة، وقادتها كما دبلوماسيتها وخصوصاً مؤسستها العسكرية، يتوفرون على غطرسة واستكبار وغرور يفوق ما لدى اغلبية الدول الامبريالية وتلك التي دأبت على غزو الدول ونهب ثرواتها وتحويل معظمها الى ميادين تدريب بالذخيرة الحية عبر تدبير الانقلابات والتخطيط لحروب اهلية ودائماً في زرع الفاسدين والمفسدين على هرم السلطة وبناء اجهزة مهولة العدد والميزانيات والامكانات، لقمع الشعوب والتنكيل بالمعارضات وأصحاب الرأي الآخر والعمل الدؤوب على تهميش الجيش ووضع قيادات متكرشة وغير مهنية ولا تتمتع بأي مناقبية او حضور علمي او ميداني على رؤوسها، والتسريب الدوري لشائعات عن مؤامرات تُعد في الخفاء ومحاولات تُدّبر لاغتيالات، كل ذلك لتفريغ هذه المؤسسات من كوادرها والابقاء عليها في حال قلق وتوجس، بما يكرس ثقافة الخوف والانقياد الأعمى لكل قرارات القيادة «الحكيمة والملهمة» على النحو الذي لمسته الشعوب العربية طوال اربعة عقود خلت، ومنذ ان أخذ السادات «مصر» الى الصلح المنفرد مع اسرائيل معتبراً حرب اكتوبر 1973 آخر الحروب، وترافق ذلك في شكل يثير الشبهة والشكوك مع صفقات اسلحة، خيالية القيمة المالية، فيما هي في واقع الحال، متدنية الجودة وغير مهدِدِة لأمن اسرائيل، وتذهب الى المخازن كي تصدأ في النهاية، دون ان ترى الشعوب العربية اثر «نِعْمة» هذه الأسلحة على جيوشها او ادوارها او قوة ردعها، التي لم تعد ذات وزن في المشهد الوطني لهذه الدول، الا في مواجهة الشعوب، بعد استنفاد طاقة اجهزة القمع التي سهر القادة عليها الليالي الطوال وصرفوا الجزء الكبير من الموازنات الدفاعية (..) كي يزيدوها عديداً ويحشوا ادمغة افرادها بثقافة العداء والكراهية لأبناء شعبهم.

هل نسينا بوارج ايران؟

ليس بالضرورة، فللمشهد الراهن وجهان، الأول يتعلق بكل ما هو شأن داخلي لمعظم البلاد العربية التي تعيش انظمتها حالاً غير مسبوقة من الهلع والارتباك والتوتر، تكاد العبارة الأشهر التي تدور على السنتهم ان هذا البلد (أي بلد) ليس تونس وليس مصر وربما يقال لاحقاً وقريباً ليس ليبيا، بعد ان ثارت الشعوب واطاحت «ثقافة» الكذب والتدليس والنهب، التي كرستها الأنظمة الوطنية (..) او انظمة ما بعد الاستقلال، ليتم بعد ذلك «هندسة» انظمة استبدادية وفاسدة، وطبقة من الحكام ورجال الأعمال ترى في اوطانها «مزارع»، وتحوّلها الى «مغارة علي بابا»، لكن عدد «السُرّاق» الذين يقفون على بابها اقل من اربعين حرامي بكثير.. اما الشق الخارجي فيتمثل بالقوى الاقليمية الكبرى التي تريد ان «تستثمر» في الثورات العربية الراهنة والمتواصلة او تقلل من خسائرها ما امكنها ذلك (دع عنك دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة التي انكشف نفاقها وزيف ادعاءاتها حول قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة).

ايران واحدة من هذه الدول التي ترى ان ثمة رياح اسناد لاستراتيجيتها ودبلوماسيتها الخارجية تهبّ في المنطقة (اياً كان رأينا في هذه الدبلوماسية) وهي معنية باقتناص أي فرصة لتعزيز مواقعها الاقليمية وبخاصة انها احدى اكبر المستفيدين من سقوط نظام حسني مبارك، الذي لم يكن ينافسها لخدمة المصالح المصرية المشروعة بقدر ما كان عداؤه لها يُنظر اليها كخدمة مجانية لاستراتيجية اسرائيل والولايات المتحدة، دون ان يعود ذلك بأي فائدة على مصر وشعبها مكانة ومصالح وأدوار.

ان تعبر بارجتان ايرانيتان قناة السويس لأول مرة منذ ثلاثة عقود ونيف وباتجاه الموانئ السورية، هو تطور دراماتيكي مثير، يدعو للتأمل في أبعاده ومراميه وخصوصاً لجهة تداعيات التسونامي الذي احدثته ثورة 25 يناير المصرية في المشهد الاقليمي، وبما سيؤثر مستقبلاً على موازين القوى ومعادلة التحالفات والاصطفافات في المنطقة.

في الاطار ذاته، يمكن النظر الى ردود الفعل الاسرائيلية على حدث مثير كهذا، بعد ان ثبت عدم صحة التقارير التي سرّبتها الدوائر الصهيونية بأن القاهرة «رفضت» الطلب الايراني، ليتبين لاحقاً ان طلباً ايرانياً لم يُقدّم في الاصل وما ان تم ذلك، حتى جاء القرار المصري السماح بمرورهما دليلاً على الحكمة وبُعد النظر وبالذات في الاشارة الى معاهدة القسطنطينية المنسجمة مع القانون الدولي.

وبصرف النظر عن الأوصاف الغاضبة التي لجأت اليها اسرائيل وقادتها للاشارة الى ارسال طهران لبارجتيها وخصوصاً ما ذهب اليه شمعون بيرس من بروكسل التي يزورها» .. هذا استفزاز رخيص من ايران، مرور السفينتين لا يمثل تهديداً بذاته لمنطقتنا، لكن التهديد الحقيقي والواضح كضوء الانذار هو لاوروبا ولبقية العالم» فان الفرصة قائمة للأنظمة العربية الجديدة او الآخذة في البروز والتشكل، كما لتلك التي تعيش حال عدم استقرار بأن تدقق جيداً وان تستوعب طبيعة ما تنطوي عليه عناصر المشهد الاقليمي الراهن الذي «يبشر» بسقوط الأوهام والاستراتيجيات التي قامت على اساس اننا نعيش العصر الاسرائيلي ولا بد من التسليم بذلك..

كل ما تراه الشعوب العربية يقول عكس ذلك تماماً..فعصر الكرامة العربي قد بدأ او يمكنه ان يبدأ بثقة مسنودة جماهيريا دون السقوط في هاوية الشعارات والانفعالات العابرة.

========================

(الليبرالية الصلبة) والتعددية الثقافية

جيفري كمب (مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية

في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن)

 الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

26-2-2011

التغطية الإعلامية المكثفة للثورات التي اندلعت في عدة دول شرق أوسطية، لم تتح الفرصة للانتباه لعدد من التعليقات التي أدلى بها قادة أوروبيون، والتي تبين بجلاء أن هناك في الوقت الحالي موجة من الهجوم على التعددية الثقافية في الغرب.

أوضح تلك التعليقات وأكثرها صراحة هو ما أدلى به رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس»، يوم الثامن والعشرين من يناير الماضي، عندما قال بشكل جلي إن سياسة بريطانيا الخاصة بالتعددية الثقافية «كانت سبباً في نشوء مجتمعات مفصولة في بريطانيا، كما أنها وفرت مناخاً سمح للتطرف الإسلامي بالنمو والتطور».

وأشار كاميرون في تعليقاته لسياسة التسامح، ورفع اليد عن التدخل في الشؤون الخاصة للجاليات، التي اتبعتها الحكومة البريطانية على مدى عقود، بأنها كانت سبباً مباشراً وراء دفع المجموعات الإسلامية، والمهاجرة إلى تبني نمط «حياة مختلف عن المجموعات الأخرى التي تعيش وتساهم في التيار العام للمجتمع». وقال رئيس الوزراء البريطاني أيضاً: «إن أوروبا في حاجة للتنبه لما يدور داخل مجتمعاتها»، ثم دعا إلى انتهاج نمط من التسامح أقل سلبية من التسامح الذي جرى اعتماده في بريطانيا خلال السنوات الأخيرة، وإلى انتهاج نوع من «الليبرالية الصلبة». وقال كاميرون أيضاً إن بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية «قد فشلت في تقديم رؤية للمجتمع تمنح المهاجرين الإحساس بالانتماء إليها».

وهذا الموضوع بات يتسم بدرجة كبيرة من الحساسية في بريطانيا حالياً، كنتيجة مباشرة للنقد الذي وجهته الولايات المتحدة لها قائلة بأنها ساهمت، من خلال السياسات التي اتبعتها، في تغذية التطرف الإسلامي.

والولايات المتحدة لم تكن تبالغ عندما انتقدت بريطانيا في هذا الخصوص، حيث تشير تقارير الاستخبارات البريطانية الداخلية (إم آي-5) إلى أن هناك في الوقت الحالي ما لا يقل عن 2000 شخص بريطاني الجنسية متورطون في خلايا إرهابية.

ولم يقتصر انتقاد التعددية الثقافية على كاميرون... فبعد ذلك بعدة أيام، أدلى ساركوزي بدلوه في هذا الموضوع، والذي لم يكن سيفوته على أي حال، عندما قال بصراحة لا تقل عن صراحة كاميرون:»الحقيقة التي لا مراء فيها هي أننا كدول أوروبية كنا مهتمين أكثر من اللازم بهوية القادمين إلينا، أكثر من اهتمامنا بتأثير هؤلاء على هوية مجتمعاتنا». وقال أيضاً: «إن الممارسة الخاصة بجعل مجتمعات مختلفة تعيش جنباً لجنب قد ثبت فشلها».

وقبل التعليقات التي أدلى بها كل من كاميرون وساركوزي بعدة شهور، كانت ميركل قد أدلت بتصريح قالت فيه إن النهج الألماني الخاص ببناء مجتمع تعددي يعيش أفراده جنباً لجنب ويتفاعلون مع بعضهم البعض «قد فشل فشلا ذريعا».

وتعليقات القادة الثلاثة جاءت بعد خمس سنوات كاملة، من الكلمة التي كان قد أدلى بها رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه مريا أزنار في جامعة جورج تاون الأميركية في أكتوبر 2006، وقد قال فيها: «أعتقد أن سياسة التعددية الثقافية تمثل خطأ فادحاً... وأنا شخصياً ضد هذه الفكرة لأنها تؤدي لتقسيم مجتمعاتنا وإضعافها، كما لا تؤدي للتسامح ولا للاندماج».

ومنذ ذلك التاريخ، شهدت أوروبا تنامياً مطرداً للأحزاب اليمينية المتطرفة، خصوصاً في هولندا، وبريطانيا، والسويد، وسويسرا، وفرنسا... وهي دول توجد بها أحزاب تتبنى سياسة مناوئة للمهاجرين وللتعددية الثقافية، من أبرزها حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، لمؤسسه اليميني المتطرف «جان ماري لوبان» الذي حلت محله ابنته «ماري لوبان» مؤخراً في رئاسته.

ومفهوم التعددية الثقافية له أصل ليبرالي عريق، وينبني على فرضية مؤداها أن المهاجرين للدول الغربية يجب -كما هو متوقع منهم- أن ينسوا أو يتخلصوا من موروثاتهم الثقافية التي جلبوها معهم لموطنهم الجديد.. في حين أنهم في الواقع يتمسكون بجذورهم وإن كانوا يحاولون التكيف مع أعراف وقوانين البلد الجديد الذي اختاروا العيش فيه.

ومن الناحية النظرية يبدو المبدأ عادلاً ومحترماً، أما في التطبيق العملي، فالمشكلة -وعلى وجه الخصوص في أوروبا- هي أن المجموعات المهاجرة الرئيسية للقارة، قد وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم مع أنماط السلوك الجديدة، في الوقت الذي لم تقم فيه الحكومات الأوروبية سوى بالقليل من الجهد لمساعدتهم على تحقيق ذلك.

وفي بعض الحالات، كان المهاجرون من الجيل الثاني المولود في أوروبا، يرفضون بشكل علني مفهوم الاستيعاب، ويسعون لشق طريق خاص لهويات منفصلة، يتبعون فيه نفس أنماط السلوك ويتمسكون بنفس التقاليد التي جلبوها معهم من أوطانهم الأصلية، والتي لا تحظى عادة بالقبول من جانب التيار العام في المجتمع. وكان ذلك، هو السبب في هذا الكم الكبير من قضايا الزواج المدبر المنظورة أمام المحاكم الأوروبية حالياً، كما كان هو السبب في العديد من جرائم الشرف وإساءة معاملة المرأة، وفي العديد من القضايا المرتبطة بحظر الحجاب والنقاب. ومن المعروف أن فرنسا تحديداً قد حظرت على النساء ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة بما في ذلك المدارس.

 ورغم أن هذا الحظر قد لا يكون مقبولاً عادة في بلد مثل بريطانيا، فالواقع أن هناك في الوقت الراهن عدداً متزايداً من الدول الأوروبية، التي باتت ترى أن ارتداء البرقع غير مقبول في الأماكن العامة.

وردود الفعل العكسية للتعددية الثقافية، تأتي تقريباً في الوقت نفسه الذي أدت فيه الاضطرابات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين لأوروبا، وهو ما سيؤدي حتماً لزيادة جاذبية الأحزاب السياسية اليمينية التي تنادي باتباع قوانين أكثر صرامة ضد الراديكالية الإسلامية وضد المهاجرين بشكل عام.

وأوروبا، كما يبدو، تدخل الآن مرحلة جديدة تسود فيها النزعة المحافظة التي ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على جيرانها، كما ستعني فيما تعنيه، أنه بات من غير المرجح قبول طلب تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يدفع الأخيرة للسعي لتدعيم «العثمانية الجديدة» في الشرق الأوسط، وهي سياسة سوف تؤدي في التحليل الأخير إلى الحد من نفوذ القوى الإقليمية الأخرى، وهو تطور قد يراه الكثيرون إيجابياً.

========================

هل 'الاخوان المسلمون' فعلا مثل الحزب النازي في ألمانيا؟

كمال هلباوي

2011-02-25

القدس العربي

 الاتهامات التي وجهت للاخوان المسلمين ظلما وعدوانا كثيرة، كما أن الجزاءات التي وقعت عليهم بسبب تلك الاتهامات الظالمة كانت أشد ظلما، حتى سميت تلك الحركة الكبيرة بالمحظورة. وتأتي تلك الاتهامات بسبب الخوف من الاخوان، والجهل بدعوتهم، وتجنبهم وكأنهم مرض عضال يسري في جسم المجتمع، وبعضها بالتأكيد كان نتيجة خوف من الاسلام نفسه أو من الدين بشكل عام. ويمكن أن نرد بعض تلك الاتهامات الى غموض الرسائل التي يبعث بها الخطاب الاسلامي الاخواني أحيانا، ومواقف وخطابات بعض المسؤولين في الاخوان من المرأة والأقباط، على سبيل المثال، أو أولويات التغيير أو حتى الشعارات وتوقيتاتها، كما أن بعضها جاء نتيجة أخطاء أو جرائم وقع فيها عدد محدود جداً أو أفراد من الاخوان قبل وقوع الثورة المصرية سنة 1952 ومنها مقتل النقراشي والخازندار. وقد أدان الامام البنا، رحمه الله، ذلك الجرم أشد إدانة، وقد أدان الاخوان العنف مرارا وتكرارا. وهم أكثر من عانى من العنف، سواء عنف السلطة أو عنف المتشددين في الرأي والمعتقد. وقد ساهم موقف معظم الحكام العرب وسياساتهم، خصوصا وزراء الداخلية وأجهزة الاعلام، لاسيما في دول محور الاعتدال وإدارات الاستخبارات، في تشويه صورة الاسلام لدى الغرب، وتشويه صورة ودعوة الاخوان المسلمين وحركات المقاومة الاسلامية، وخصوصا تلك التي تقف ضد عدوان اسرائيل، سواء في فلسطين أو لبنان، على سبيل المثال لا الحصر.

ولكن أحدا لم يكن يتصور أن يقوم مسؤول مصري متعلم، مهما كان قريبا من السلطة ممن يتحدثون عن التنمية والنهضة والحرية والحزب الورقي الحاكم، بأن يحذر الغربيين من الاخوان المسلمين، لأنه يرى أن السماح لهم بالعمل السياسي مثل تقنين الحزب النازي في ألمانيا. إذا قال مسؤول مصري عربي هذا الكلام لأهل الغرب، وهو لا بد أنه يدرك خطورة ويكيليكس، فماذا كان يقول لحكام العرب ومسؤوليهم، وخصوصا في الاجتماعات السرية، والعرب ليسوا من أهل ويكيليكس ولم يعملوا أي حساب لويكيليكس من قبل؟ ولم يعد أي شيء سراً بعد اليوم.

قرأت في 'الفورين بوليسي' foreign Policy الأمريكية مقالا حديثا للكاتب الشهير جيمس تروب، يوم العاشر من شباط/فبراير 2011 بعنوان 'لا تخافوا من الاخوان' ومما جاء فيه من فقرات مهمة ذات صلة بهذا الموضوع، يقول الكاتب: 'عندما كنت بالقاهرة في أوائل 2007 أخبرني حسام بدراوي، الذي عين مؤخرا أمينا عاما للحزب الوطني الحاكم، أن السماح للاخوان بدخول الانتخابات بحرية مثل تقنين الحزب النازي في ألمانيا'. ثم يقول الكاتب 'وحذرني آخر بقوله: بينما الاخوان ليسوا بالضرورة إرهابيين، إلا أنهم بالتأكيد يأملون في فرض الشريعة على الطريقة السعودية في مصر'. لم يذكر الكاتب اسم المسؤول الآخر وعلى القارئ ان يتصور من يكون، بالتاكيد إنه ليس غربيا. ويقول الكاتب في نفس المقال 'ولقد قضيت أسبوعين أتحدث إلى أعضاء من الاخوان، وهذا أمر نادرا ما يفعله العلمانيون، ورغم أنني أدرك أنهم يقدمون احسن ما عندهم لصحافي غربي، فقد ادهشني ترددهم في أن يفرضوا آراءهم على الآخرين، والتزامهم بالعملية الديمقراطية. إنهم لم ينضموا إلى الاخوان فقط بسبب الناحية الدينية، ولكن أيضا بسبب سمعة الاخوان في الخدمة الاجتماعية والتضحية الشخصية'.

وفي ذات المقال يذكر الكاتب بعض الآراء المضحكة الساذجة عن الاخوان المسلمين لكل من كوندوليزا رايس وكلينتون والسيدة إلينا روز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي. وكلها أقوال تعارض الحرية والديمقراطية التي يتغنى بها الغرب وأمريكا على وجه الخصوص. وقد أوضح لنا الكاتب جيمس تروب سبب الهجوم على الاخوان والخوف منهم حينما كتب يقول

'إن الأجندة الخاصة التي يخشونها ليست فرض الشريعة، ولكنها الأجندة التي قد تدمر إسرائيل'. ثم يصف الكاتب حالة الاخوان والعالم العربي كله وموقفهم من القضية الفلسطينية فيقول: 'إن الاخوة الذين تحدثت معهم لم يكونوا فقط ضد اسرائيل، ولكنهم كانوا مع حماس'، ثم يقول 'في مصر كما في أي مكان في العالم العربي، فإن النخبة تعلموا أن قبول الوجود الاسرائيلي هو الثمن مقابل رأي عالمي جيد فيهم. ولكن الرجل العادي أو المرأة في الشارع يحبان أن تختفي إسرائيل غدا'. ما رأي النخبة في كل ما كتب الرجل الأمريكي جيمس تروب؟ وما رأي المسؤولين المصريين والعرب؟ وما مصير هؤلاء جميعا بعد ثورة الشعب العظيمة في مصر وتونس؟ إن الذين يؤمنون بالديمقراطية، سواء في الغرب أو في الشرق يجب أن يعلموا أن الديمقراطية لا تغير دينا او عقيدة، ولا تحول شعبا مسلماً إلى شعب نصراني أو لاديني، وأيضا لا تحول شعباً مسيحياً او يهوديا أو بوذيا الى شعب مسلم. ومن هنا كان المبدأ الاسلامي العظيم 'لا إكراه في الدين'، كما أن الديمقراطية على الساحة السياسية تتمثل في حرية الشعوب في اختيار زعمائها وقادتها وسياساتها، فضلا عن تداول السلطة سلميا ومقتضيات ذلك من دستور او حريات وقوانين وانتخابات حرة ونزيهة، وتعني أيضا أن يقف الديمقراطيون في العالم إلى جانب الديمقراطية، فلا يدعمون ديكتاتورا مثل مبارك، ولا يقفون ضد حكومة منتخبة مثل حكومة حماس في فلسطين، ولا يقفون وراء محتل غاصب مدمر مثل الحركة الصهيونية وإسرائيل. وهذا معنى محتوى العدل من الناحية السياسية، أم أن يقتصر معنى الحرية والديمقراطية عندالغربيين، رجالاً ونساء، في الاعتراف بحقوق الشواذ، وحقوق العلمانيين والليبراليين وحق إسرائيل المغتصبة في الحياة، ومراعاة حقوق الانسان الغربي فقط، دون الانسان في بقية أنحاء العالم، ويمثل ذلك الموقف السيئ سياسيا من جهة حقوق الانسان ما كتبه خوزيه ماريا أزنار في أعقاب الهجوم السافر على القوافل الخيرية البحرية لفلسطين: لا بد من دعم إسرائيل، إذ أنها لو غرقت سنغرق جميعاً، ولا يمكن أن ننسى أن اسرائيل هي أحسن حلفاء الغرب الأقوياء في المنطقه العربية المضطربة'، فهذا تفسير جائر للديمقراطية والحرية، وتفريغ سريع لمعنى حقوق الانسان وتقسيم للشعوب، ودعم لديكتاتورية مقنعة لقطاع معين من الشعوب يوافق معتقدات الغرب وثقافة الغرب، وهنا عدوان واضح للسياسة على الاجتماع، بل وحق المرء وحريته في الاعتقاد. أما بشأن التغيير العظيم الذي حدث في مصر في ايام معدودة شهدها شهر كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من عام 2011 فينبغي أن يلقي بظلاله وأضوائه وأنواره على بقية اجزاء وشرائح المجتمع.

لم يكن المستهدف فقط هو رأس النظام، بل كل النظام البائد ورؤوسه المتعددة، سياسة واقتصادا وإعلاما وتعليما وتقنية..الخ. وعلى مختلف قطاعات الشعب والمعارضة، ومنهم الاخوان المسلمون، بعد أن رفعت الثورة العظيمة الحظر الجائر عنها وعن كل فئات الشعب المصري المظلوم والأمة العربية والاسلامية، عليهم أن يستجيبوا لمتطلبات الثورة وأن يقدروا الخطاب البناء في المستقبل، وأن يثمنوا دور الشباب، وأن يتغير دور المسجد والكنيسة ومؤسسات المجتمع، خاصة الأزهر الشريف وكرسي البابوية لتكون في خدمة الشعب، وأن يتعلموا من الدرس العظيم الذي رأيناه في ميدان التحرير، فيقف الشيخ الى جانب القس، ويقف المسلم الى جانب القبطي أو المسيحي، وأن يحافظوا جميعا على أمن هذا الوطن الكريم مع المجلس العسكري الأعلى في الفترة الانتقالية، حتى ترى مصر حياة سياسية نظيفة، ويشهد الوطن العربي الوحدة الكريمة التي يقف فيها الأستاذ الجليل جورج اسحاق منسق حركات التحرير المعاصرة في مصر الى جانب الأخ الكريم محمد بديع، مرشد الاخوان المسلمين، وتتكاتف فيها السواعد الحرة لبناء مصر المستقبل بلا خوف ولا تردد من بطش أجهزة الأمن التي استنزفت مصادر الأمة البشرية خصوصا، وثروات الأمه المادية، وأهدرت كرامتها وقدمت أسوأ من فيها ليحكمها، خصوصا في عهد مبارك الأسود الذي يجب أن تكون نهايته درساً عظيما لمن كان له قلب يحب به او عقل يفهم به. والله الموفق

========================

هل تستطيع أوروبا إنقاذ أوباما المكبّل؟

الجمعة, 25 فبراير 2011

باتريك سيل *

الحياة

في الشرق الأوسط الكبير الذي تمتد أراضيه من المغرب العربي إلى باكستان، بدت الولايات المتحدة التي كانت قوية في ما مضى، بمثابة نمر من ورق. فهي لم تستطع التأثير إطلاقاً في موجة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت المنطقة.

هذه هي أبرز سمات التسونامي السياسي الذي أطاح بنظامين عربيين ويزعزع الاستقرار في العديد من الدول الأخرى.

تفرّج حلفاء أميركا الأوروبيون بقلقٍ متزايد على ضعف واشنطن في وجه التعبير الصريح عن «قوّة الشعب» في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وإيران والأردن والعراق والجزائر، ومن يعلم أي دولة هي التالية؟

في الأيّام الأخيرة، وفي ما يشبه المحاولة العبثية للّحاق بركب الأحداث، أدلى كل من الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتعليقات علنيّة عدة، يشجعان فيها الاحتجاجات تارةً ويشجبانها طوراً. لكن أحداً لم يأبه بتصريحاتهما على الإطلاق. وكان حريّاً بهما أن يلتزما الصمت.

لم يسبق لأي وضع آخر أن أوضحَ بشكل جليّ تدهور القوّة الأميركية. لا تزال الولايات المتحدة الدولة الأقوى اقتصادياً وعسكرياً في العالم، ولكن من دولةٍ الى أخرى، صديقة كانت أم عدوّة، تتعرض القوّة الأميركية «العظمى» للتحدّي وقوّتها «اللّينة» للسخرية.

ينشغل الزعماء الأوروبيون بتدوين الملاحظات. وهل يمكن أن يقوموا بأكثر من ذلك؟ هل من طريقةٍ تمكّنهم من مساعدة أميركا على تصحيح أخطائها أو ردم الفراغ الحالي؟ حتى الآن، فشل الاتحاد الأوروبي في أن يصبح قوّة سياسية متماسكة، لكن بعض رؤساء الدول الأوروبية الكبرى بدأ يتنبه للتحدي الذي يشكله العجز الأميركي.

بعيداً تماماً عن العاصفة التي تجتاح المجتمعات العربية، ثمة مشكلتان متصلتان بالشأن نفسه. الأولى هي أفغانستان حيث يبدو أن الولايات المتحدة تجرّ حلفاءها إلى مستنقع دموي. ويبدو أن الانتصار في حرب العشر سنوات هناك لم يعد في متناول اليد. وفي باكستان المجاورة، يتزايد العداء للولايات المتحدة.

هل يجب على مجموعة من الدول الأوروبية أن تقترح مفاوضات طارئة مع حركة «طالبان» أو حتى مع الملاّ عمر نفسه؟ قد تكون هذه الطريقة الوحيدة امام التحالف الدولي للإفلات من هزيمة مذلّة.

أمّا المشكلة الثانية المشتعلة، فهي انهيار عملية السلام العربية الإسرائيلية. منذ عقود، احتكرت الولايات المتحدة العملية على أساس أنها الدولة الوحيدة التي لها تأثير على كلا الطرفين. رضي الأوروبيون أن يلعبوا دوراً ثانوياً. جلّ ما فعلوه هو تمويل الفلسطينيين البائسين لكنهم مُنعوا من المساهمة سياسياً في المفاوضات.

اليوم لم يعد ممكناً إخفاء فشل أميركا الذريع. ونتيجةً لذلك، أصبح ضرورياً أن تتحرّك أوروبا لتحمي نفسها على الأقلّ. إذا تابعت حكومة إسرائيل المتطرفة العمل لإقامة «إسرائيل العظمى» وإذا استمرّ الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين من دون أي رادع، وإذا سقط حل الدولتين فعلاً، فسيندلع الغضب العربي والإسلامي عاجلاً أم آجلاً. والعنف سيصل الى العالم الغربي، أو بآخر. وينبغي على الجميع أخذ ذلك في الاعتبار.

هذه هي الأمثلة الأكثر وضوحاً على فشل السياسة الخارجية الأميركية. في مصر، أسقطت الثورة ثلاثين عاماً من الديبلوماسية الأميركية. وكان القصد من المساعدات الأميركية المسرفة للجيش المصري حماية إسرائيل من خلال إبعاد مصر عن الصف العربي. قد لا تجدي هذه الاستراتيجية المبتذلة نفعاً بعد اليوم. في تونس، شوهد الرئيس المدعوم من أميركا يحزم أمتعته. في اليمن والبحرين والجزائر تواجه الأنظمة الموالية لأميركا تيّاراً متضخماً يُطالب بالتغيير. أمّا النظام الّليبي الذي تصالح مع واشنطن مؤخراً، فأثبت أنه الأكثر تعطشاً لإراقة الدماء من خلال ارتكاب المذابح ضد شعبه.

في لبنان، دُفع حلفاء أميركا نحو عملية دستورية نتجت عن تولّي رئيس وزراء مدعوم من «حزب الله» السلطة، ممّا أثار الرعب في نفس الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. في العراق، فشل الاستثمار الأميركي الضخم في عديد الجيش والموارد في أن يفوز ولو بتأثير بسيط. على العكس، أدت حرب العراق – وهي عملية إجرامية جرى خوضها على أساس معلومات استخبارية مضللة قام بفبركتها جزء كبير من المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل – إلى وصول نظام شيعي إلى الحكم في بغداد تربطه صلة وثيقة بإيران، وهي نتيجة مؤسفة لم ترق أبداً للولايات المتحدة.

على رغم أنّ إيران أيضاً متزعزعة في الداخل بسبب اندفاع «قوة الشعب» إلاّ أنّها بقيت صامدة ولا تُقهر في وجه العقوبات الأميركية والتهديدات اليوميّة بالهجوم العسكري الإسرائيلي أو حتى الأميركي عليها.

قدّمت إسرائيل، الحليفة الأولى للولايات المتحدة، الأمثلة الأبرز التي تدل على شلل القوّة الأميركية. فقد صوتت الولايات المتحدة في اجتماع عقده مؤخراً مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة بالفيتو على مشروع قرار كان يهدف الى إدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية واعتبارها غير شرعية، علماً أنّ مشروع القرار هذا كان يحظى برعاية ما لا يقلّ عن 120 دولة. وصوّت أعضاء المجلس الأربعة عشر لمصلحة القرار وكانت الولايات المتحدة الاستثناء الوحيد.

نادراً ما يوجد مثلٌ فاضح يبرز استيلاء القوى الموالية لإسرائيل على صنع القرار الأميركي، والتي لا يقتصر تأثيرها على الكونغرس وعلى مختلف جماعات الضغط ومؤسسات البحث والمؤسسات الإعلامية، بل يمتد أيضاً الى داخل الإدارة الأميركية نفسها.

منذ بضعة أشهر، استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن يرفض مطالبة أوباما بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية. وفي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، استطاع أيضاً أن يؤمّن حماية أميركا لممارسات إسرائيل غير الشرعية. وكان ذلك إذلالاَ تاماً لأوباما الذي قرر أن يجد حلاً للصراع العربي الإسرائيلي، لكن بلداً متوسطياً صغيراً لا يتجاوز عدد سكانه السبعة ملايين هزمه، على رغم أن هذا البلد يعتمد كلياً على دعم الولايات المتحدة ومساندتها.

فهل تضع مجموعة دول أوروبية برنامج عمل خاص بها لحلّ الصراع الذي فشل أوباما في حله؟ هل ستجرؤ هذه الدول أن تحذر إسرائيل من المقاطعة أو حتى من سحب السلع الإسرائيلية من الأسواق الأوروبية، إذا استمرّت في التعدّي على حقوق الفلسطينيين؟

بدأت أفكار من هذا القبيل تنتشر في بعض الدول الأوروبية، حيث يتزايد نفاد الصبر من العناد الإسرائيلي. ويفضل البعض أن تكون بريطانيا صاحبة المبادرة في تحرك كهذا، على الأقل ليس إلاّ لإصلاح ما خلّفه عهد توني بلير، عندما لحقت بريطانيا بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن والمحافظين الجدد في شنّ الحرب في العراق. ومن الضروري الآن أن تقوم بريطانيا بخطوة تؤكد قدرتها على خوض مسار مستقل في ما يتعلق بالشؤون الخارجية.

لكن المعجزات ليست متوقعة. فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون منشغل كثيراً بمهمة إنقاذ بريطانيا من أزمة مالية واقتصادية لم يسبق لها مثيل. وقد لا يملك وزير الخارجية وليام هيغ المعرفة أو فريق العمل اللازم ليقوم بخطوة جريئة كهذه.

ما لا شك فيه أن الزعماء الأوروبيين يشاهدون بقلقٍ كبيرٍ الدراما التي تتكشف شيئاً فشيئاً في الشرق الأوسط. ويتساءلون: كيف سيبدو المشهد السياسي الجديد؟ وماذا لو تحوّل انتباه الغضب العربي العارم إلى الصراع العربي الإسرائيلي؟ ومن سيتعامل مع انتفاضة كهذه في منطقة واسعة النطاق؟ أليس من الأجدر التحرّك قبل هبوب العاصفة؟

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

========================

عام انهيار الدولة البوليسية العربية

السبت, 26 فبراير 2011

شيرزاد اليزيدي *

الحياة

لطالما عرفت مصر بكونها قاطرة العالم العربي. فهي الدولة العربية الأكبر التي شهدت إرهاصات نظام ديموقراطي عززها الإرث الحضاري الضارب في التاريخ. لقد عرفت تجربة برلمانية ليبرالية قابلة للتطور والنضوج. وعلى رغم كل سوءات النظام الملكي ظهر في ما بعد انه أفضل بما لا يقاس مما تلاه من نظم حكم انقلابية. والآن مع الثورة الشعبية المصرية ضد نظام مبارك التي لم يعد من المبالغة تشبيهها بكبريات الثورات التحررية العالمية. فسقوط مبارك، والحال هذه، سقوط، ولو رمزي، لكل الديكتاتوريين في العالم العربي وما أكثرهم.

فثورة الشعب المصري، كما سابقتها وملهمتها ثورة الشعب التونسي، تتميز بملامح خاصة لجهة وجود بنية تحتية ما لوعي مدني حداثي ترفده تقاليد حضارية ووطنية وطبقة وسطى حاضرة على رغم انهاكها واستنزافها المديدين. وهذا ما يناقض الوعي التقليدي المنساق مع غوغائية الاستبداد وتخلفه في العديد من الدول العربية كتلك المحكومة بأنظمة استبداد.

فنحن إذاً أمام ثورات شعبية في بلدان بعينها ولتحقيق تغييرات بنيوية ضمن إطار تلك الدول، إذ لا مطالبات مثلاً بالوحدة العربية أو بإزالة إسرائيل أو دحر الإمبريالية، وغير ذلك من شعارات لطالما رفعها الاستبداد العربي لتبرير تسلطه المزمن. وما هو مطروح تعاقدات وبناءات وطنية جديدة تخص البلد المصري كما التونسي كما غيرهما من بلدان عربية وشرق أوسطية (إيران) تشهد صعود الاحتجاجات الشعبية المدنية. فهذه الثورات المتناسلة أعادت الاعتبار لشعوب منطقتنا كفاعل يحدد مصيره ومصير بلده، وللوطن كفكرة وكمعنى بعد طول تسفيه وتقزيم لها أمام الشعارات العروبية والإسلاموية. ولعل هذا كله لا ينفي بطبيعة الحال الطابع العابر للحدود لهذه الثورات: فكما ألهم التونسيون المصريين فإن الأخيرين يلهمون اليمينيين والليبيين والإيرانيين، حتى إن المرء بات يتساءل من هي الدولة التالية لمصر؟

لقد ثبت خطل تلك الدعوات الرائجة عن أن العالم العربي بات حالة ميؤوساً منها لجهة تحقيق التحول الديموقراطي، حتى إن بعض التحليلات الرصينة أخذت تذهب الى حد القول إن الشعوب العربية نفسها متشربة بطبائع الاستبداد وإنها بعيدة كل البعد عن التفكر، ناهيك عن العمل، بإحداث تغييرات ثورية عميقة. فكل تلك التحليلات اليائسة من التغيير سقطت يوم سقوط بن علي ومبارك ومن قد يليهما من أصنام.

على أن أبرز ما كشفت عنه ثورتا تونس ومصر سقوط بعبع البديل الإسلامي الذي لطالما روجته أنظمة القتل العربية، التي راحت تصور للداخل وللخارج أن بديل استبدادها وتسلطها هو استبداد وتسلط الإسلام السياسي. فقد ثبت زيف وتهافت هذه النظرية إذ لم يكن للتيارات الإسلامية في الانتفاضات سوى دور ثانوي بالكاد يُلحظ. ذلك أن الشعوب هي من انتفض لكرامتها وحريتها، والقوى السياسية المعارضة على اختلافها لم تكن سوى متلق للحدث.

لقد أشّر ما حدث في السودان مع مطلع العام الجاري، بحصول الجنوبيين على استقلالهم وحريتهم اثر استفتاء تقرير المصير، معطوفاً على اندلاع الثورتين التونسية والمصرية، إلى أن العام الجديد هو، وبامتياز، عام تفسخ الدولة الأمنية العربية وتعريتها بالكامل بعد عقود من تدميرها المبرمج للمجتمعات العربية.

فساعة الحقيقة التي طال أمدها في المنطقة العربية دقّت، من دون إنشائيات أو مبالغات. وها هي شعوب منطقتنا تنطلق لبناء مجتمعات مدنية متوثبة نحو المستقبل في ظل أوطان ديموقراطية حرة... نعم بات بإمكاننا قول ذلك من دون وجل الوقوع في فخ التنظير والتسرع واللاواقعية.

========================

الاضطرابات داخل ليبيا

مارتن فان كريفيلد وجاسون باك

الشرق الاوسط

26-2-2011

الانتشار الملحوظ للثورات العربية خلال 2011 في مختلف أنحاء الشمال الأفريقي يدفع الكثير من الصحافيين إلى القول بأن الانتفاضة الليبية الحالية تقف وراءها عوامل مماثلة لتلك التي دفعت ثورات داخل دولتي الجوار تونس ومصر. وفي الواقع فإن أوجه الاختلاف أكثر من أوجه التشابه. صحيح أن معظم الليبيين دون الثلاثين، وأن نسبة البطالة بين الشباب كبيرة جدا، وصحيح أن الكثير من الليبيين يشعرون بالإحباط بسبب كليبتوقراطية على مدار 42 عاما تبددت خلالها الموارد الليبية الضخمة ومُنعت خلالها حرية التعبير. وصحيح أن القدرة على استخدام الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية ساعدت شبابا تحرروا من الأوهام على تنظيم أنفسهم بصورة لا يمكن للنظام مراقبتها أو وأدها.

لكن هنا تنتهي أوجه الشبه المهمة بين ليبيا وجيرانها. تونس ومصر دولتان قوميتان متماسكتان لأكثر من قرن من الزمان. المشاعر الوطنية قوية، ولا تنطبق الهوية القبلية إلا على أقلية في مناطق غير حضرية. وليبيا عكس ذلك تماما، حيث تتكون من ثلاثة أقاليم تعود إلى أيام الإمبراطورية العثمانية (طرابلس وبرقة وفزان) قام المستعمرون الإيطاليون بتجميعها معا تدريجيا منذ 1911. وفي عام 1951 تحولت إلى مملكة فيدرالية مستقلة لضمان مصالح استراتيجية بريطانية وأميركية إبان الحرب البادرة. ولأن القذافي خلال فترة حكمه على مدار 42 عاما أدان في خطاباته أي نزعة إقليمية، فإنه تمكن بحكمة من جذب الطبقة العليا من أنصاره من مسقط رأسه، سرت، ومن قبائل موالية له حول سبها، حيث ذهب إلى المدرسة العليا. وعليه، ثمة اعتقاد بأن الداعمين المهمين لنظامه لا يحتمل أن يتركوه حاليا، مثلما حافظوا على ولائهم عندما ارتدت انتفاضات ببرقة العباءة الإسلامية عامي 1996 و2006.

وعلى هذه الهيكلة المتعددة الأطياف التي بنتها ليبيا المعاصرة، استفادت دولة نفطية تحكمها آيديولوجية بدرجة كبيرة من عقد شهد تنمية اقتصادية مستمرة وقفت وراءها علاقات أفضل مع الغرب. لكن بسبب الآيديولوجية العتيقة التي يؤمن بها النظام وبيروقراطية مرعبة غير فعالة ومعارضة من جانب هؤلاء الراغبين في المحافظة على النظام الحالي، لم يتم اتخاذ إصلاحات اقتصادية حقيقية. الآن يبدو الوقت متأخرا للغاية، ويبدو أن محاولات إعادة تأهيل ليبيا بعد وضعها المنبوذ دوليا في السابق بنبذ الإرهاب والتخلي عن سعي للحصول على أسلحة دمار شامل والسعي إلى خصخصة اقتصادها لم تؤت ثمارها. وفي الوقت الحالي نبذ العقيد معمر القذافي دبلوماسيوه في الخارج والدول الغربية نفسها التي غازلته من أجل ضمان علاقات نفطية تدر لها مكاسب. وعندما تقرأ هذا المقال يحتمل بدرجة كبيرة أن يكون قد أطيح به، أو ذهب للعيش في المنفى، أو أن يواجه قرارا من الأمم المتحدة بقوة (أو من دون قوة).

في البداية كانت تقف وراء الصدامات العنيفة بين القوات الأمنية والمحتجين التي بدأت في بنغازي في السابع عشر من فبراير (شباط) العوامل نفسها التي تسببت في اضطرابات داخل برقة (شرق ليبيا) على مدار العقدين الماضيين - وهي عوامل إقليمية وقبلية وإسلامية وجور حكم القذافي. ويسود رأي يعتبر ليبيا الدولة التالية التي ستغمرها صحوة عربية عامة ضد الديكتاتورية، مما يعزز من قدرة الحركة على التجنيد داخل ليبيا وإثارة اهتمام قوي في الغرب. وبعد ذلك حدث شيء حسب كل المحللين المختصين بالشأن الليبي كان مستحيلا. وفي العشرين من فبراير، بدأت تنتشر الاحتجاجات، التي كانت من قبل محصورة داخل مناطق عاش فيها تاريخيا مناوئون للقذافي داخل الشرق، لتصل إلى العاصمة طرابلس الهادئة تقليديا في الغرب.

ومن الناحية التاريخية، كان إطلاق النيران على الحشود المحتجة يؤدي إلى تفرقهم. لكن هذه المرة جعلت النجاحات الثورية داخل مصر وتونس الليبيين العاديين يعتقدون أن التغيير معهم. وغاب عن النظام معنى هذه اللحظة التاريخية، واستخدم الوسائل القديمة نفسها.

وكان الموقف الحاسم الذي حول ديناميكية الحدث هو الخطاب الذي ألقاه سيف الإسلام القذافي، وأذيع في وقت متأخر من يوم الحادي والعشرين من فبراير على التلفزيون الوطني الليبي. كان في مقدور سيف الإسلام أن يتحدث عن إصلاحات جديدة، ويحمل محافظين رجعيين مثل، رئيس الوزراء البغدادي المحمودي، المسؤولية عن الوضع داخل ليبيا حاليا، ويتعهد بأنه سيستغل ثقله لدى والده من أجل منع استخدام العنف ضد المحتجين. لكن بدلا من ذلك، لعب بالكارت نفسه الذي استخدمه مبارك - إذا لم تتمسكوا بي ستجدون إسلاميين وانفصالا وتدخلا غربيا وفوضى كاملة. وعلى الرغم من أن هناك نقاطا صالحة محتملة، كانت نبرة سيف الإسلام فيها نوع من المواجهة أكثر من التصالح، وكان خطابه محاولة وقحة لتبرير مساعي عائلة القذافي للبقاء في السلطة بأي سبيل. وبعد أقل من 10 دقائق من انتهائه من الخطاب، ظهر رد فعل عكسي، ووحد ذلك جموعا تشعر بخيبة أمل في مختلف أنحاء ليبيا، ودفع بهم إلى شوارع طرابلس، مما أدى إلى زيادة عدد القتلى، ونجم عن ذلك رد فعل عكسي إعلامي كبير ضد عائلة القذافي على قناة «الجزيرة».

والاعتراف بهذا التحول الملحوظ في التفاعلات الداخلية الليبية لا يمكن أن يرشدنا إلى ما سيحدث لاحقا. هل سيكون في مقدور الخدمات الأمنية النخبوية التي يعمل فيها حلفاء قبليون للقذافي ومعهم تسليح سوفياتي قديم المحافظة على السلطة في غرب البلاد؟ أم هل سيكون في مقدور الحركة الوطنية الجديدة، وتساعدها ضغوط خارجية وانشقاقات لموالين للقذافي، تسهيل الانفجار الأخير للنظام، وتترك فراغا كبيرا في السلطة؟ وبغض النظر عن الاتجاه الذي ستسير إليه الأمور، فإن الأحداث خلال الأيام الأخيرة تؤكد أن المجتمع الليبي سيكون أكثر فرقة. ولا يوجد في ليبيا جيش حرفي غير قبلي كما هو الحال داخل مصر أو تونس يستطيع أن يكون قوة وساطة خلال فترة انتقالية.

ومن المستحيل تقدير كيف سيرد معمر القذافي أو حلفاؤه القبليون والثوريون على هذه الأحداث، التي فاجأتهم من دون الاستعداد لها. على مدار العقود الأربعة الماضية، نجا القذافي من الكثير من محاولات الاغتيال ومؤامرات داخلية للانقلاب وانتفاضات في برقة والتفجير الأميركي لمقره في 1986. لكن الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية أعادت تشكيل نسيج المجتمع الليبي، ولا يمكن لأحد المتابعين أن يعرف ما ستؤول إليه الأمور.

* مارتن فان كريفيلد: مؤرخ عسكري ومؤلف كتابي «صعود وهبوط الدولة» و«ثقافة الحرب» والكثير من الكتب الأخرى.. وجاسون باك: يقوم بأبحاث حول ليبيا بكلية سانت أنتوني التابعة لجامعة أكسفورد ويعمل في واشنطن العاصمة على العلاقات الأميركية الليبية

* خدمة «غلوبال فيو بوينت»

========================

ليبيا.. «السلطة المطلقة.. مفسدة مطلقة»

الشرق الاوسط

26-2-2011

لسنا ليبيين، وأهل ليبيا أعلم بشؤونهم. لكن ما يجري في ليبيا يضطر المرء لأن يفتح فمه بالحديث عما يجري هناك من أهوال.

فالشعب الليبي يتعرض ل«إبادة جماعية» يستخدم فيها النظام الليبي، وقيادته الأسلحة كافة: القنابل والمسدسات والبنادق والصواريخ والمدرعات والطائرات. وهي أسلحة إذا استعملت ضد مدنيين فإنها تكون شديدة الفتك، فادحة الخسائر البشرية، من قتلى وجرحى ومشوهين.. وهذه هي - بالضبط - الصورة الحقيقية لما يجري في ليبيا.

فهل نحن نشاهد معركة طاحنة بين بلدين متعاديين متحاربين: تجاوزا قوانين الحرب بفجورهما في القتل والتدمير؟

ليس الأمر كذلك. بل إنها حرب نظام مستبد مشبع بالتجبر والطغيان ضد شعبه! وهذه هي المأساة المفجعة.

وهي مأساة تنطق - في توكيد يقيني - بأن النظام الليبي الراهن لا يوجد له مثيل ولا شبيه في العالم العربي، بل في العالم كله.

فلا يوجد نظام يقصف شعبه بالطائرات القاذفة.

ولا يوجد زعيم يقول: أنا المجد.. أنا الوطن.. أنا التاريخ.. أنا الحاضر والمستقبل.. أنا كل شيء.. وأنه على بقائي يترتب بقاء كل شيء، وإلا فهو الخراب الكامل.

ولا يوجد زعيم يشتم شعبه ويحقّره ويقول له: أنتم جرذان.. أنتم سفلة.. أنتم سكارى محششون.. أنتم مقمّلون (من الإصابة بالقمل).. أنتم جراثيم.

فأي علاقة - من أي نوع - تربط حاكما هذا سلوكه، بشعب هذه مأساته؟

الشعب الليبي معروف بعزته وشجاعته وهما خصلتان تسلح بهما في مقاومة الاستعمار الإيطالي: تحت قيادة المجاهد الليبي الكبير عمر المختار.

ومن الحقائق السياسية التاريخية الثابتة: أن الاستعمار الإيطالي كان أسوأ أنواع الاستعمار في خسته ووحشيته وإهداره لكل قانون دولي وقيمة إنسانية. فهل استعار معمر القذافي هذا السلوك الاستعماري الذي طالما ندد به، وتباهى بتحرير ليبيا من بقاياه؟ وإلا فمن أين أتى بكل هذا الحقد والعدوان على شعبه؟!

ومما تستدعيه الذاكرة - ها هنا - أن موسوليني (الفاشي) الذي كان يستعمر ليبيا ويذلها ويقتل أو يغتال أحرارها، هذا الطاغية المستبيح لكل حرمة، قد تعاون الحلفاء على سحقه في الحرب العالمية الثانية فسحقوه سحقا، ومن ثم تحررت ليبيا من قبضته الكريهة الدموية المستبدة.

نحن - إذن - أمام نظام يشبه - في عتوه وفتكه - أسوأ أنواع الاستعمار.

ووفق المنهج الذي نعتمده - في التحليل والتفسير - نسأل دوما عن العلة أو السبب.. ما سبب هذا التسلط والجبروت الغليظ المسرف الذي تمارسه القيادة الليبية ضد شعبها؟

السبب الدفين هو أن «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة».

ما السلطة المطلقة؟

هي اتخاذ القرار والموقف دون شورى قَبَلية، وبلا مساءلة ولا محاسبة بعدية.. فهذا النوع من السلطة يغري ب«التأله»، بمعنى أن يتصور الحاكم المستبد نفسه بأنه يتمتع بخصائص الإله ويمارسها وهو يردد:

أ) «ما علمت لكم من إله غيري»!

ب) «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»!

ولكي لا يحدث ذلك: اهتدت البشرية - بمقتضى تجاربها - إلى دساتير وقوانين تقيد سلطة الحاكم في اتخاذ القرار، وتقضي بمساءلته إذا ارتكب جرما في حق الأمة التي فوضته في إدارة شؤونها: في هذه الصورة أو تلك.

وفي الإسلام منهج كامل في هذه القضية الكبرى.. فثمة أوصاف وتعريفات عديدة - في القرآن - ل«الاستبداد».. منها: التجبر.. والطغيان.. والاستكبار.

ولقد نقض القرآن: التجبر وسلوك الجبابرة:

أ) «وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد».

ب) «وخاب كل جبار عنيد»

ولما كان التجبر الاستبدادي شرا كله، ظلما كله، ظلاما كله، فإن الأنبياء والمرسلين قد عُصموا منه.. لماذا؟ لأنهم رحمة للناس. والرحيم لا يكون جبارا متسلطا مستبدا.

أ) عصم الله يحيى من أن يكون جبارا: «وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا».

ب) وعصم عيسى من أن يكون جبارا: «وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا».

ج) وعصم محمدا من أن يكون جبارا: «وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد».

ونقض القرآن الطغيان وأخبر بأنه سبب في هلاك الأمم والحضارات: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد. فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد».

ونقض القرآن الكبر والمتكبرين، إذ التكبر صورة من صور الاستبداد والطغيان:

أ) «فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة».

ب) «وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب».

والسؤال المنهجي هنا هو: لماذا نقض القرآن الاستبداد في صوره وتوابعه كافة؟

أولا: نقضه لأنه نقيض التوحيد الخالص لله جل ثناؤه ف«لا إله إلا الله» تحرير عميق وشامل للضمير الإنساني وعقله من كل عبادة باطلة ومنها «عبادة الأشخاص المستبدين المتألهين».

ثانيا: لأن الاستبداد النزّاع إلى السلطة المطلقة عدو مبين ل«الشورى» التي أرسى الإسلام أصولها، كخلق اجتماعي عام «وأمرهم شورى بينهم» وكأساس مكين من أسس الحكم «وشاورهم في الأمر».

ثالثا: لأن الاستبداد النزاع إلى السلطة المطلقة يلغي كرامة الناس، ويصادر عزتهم، ويتلذذ بإذلالهم واستضعافهم. وهذا كله يتناقض مع منهج الله وإرادته في خلق بني آدم كلهم على (الكرامة الأصلية): «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا».

رابعا: لأن الاستبداد النزاع إلى السلطة المطلقة يضحي بمصالح الأمة ويلعب بمصائرها في سبيل أهوائه: «ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار».

والواقع المعاصر يصدق منهج القرآن. فالاستبداد السياسي جر على الأمة ما هد عافيتها، وأذل كرامتها، وعطل مصالحها.. ولقد تزمل هذا الاستبداد في صور عديدة: صورة الانقلابات العسكرية الكاتمة للأنفاس.. وصورة ديكتاتورية الحزب.. وصورة عبادة الفرد أو الزعيم.. وصورة الديمقراطيات المكيّفة بأهواء المستبدين، المسارعة في أهوائهم، الراكضة إلى النتائج التي يحبون ويتمنون.

والإسلام ليس مسؤولا - قطعا - عن حالات ضلت أيما ضلال عن منهجه وهداه.. ومن خصائص هذا المنهج: التوكيد على «بشرية الحاكم»، والامتناع العقدي والسياسي عن تأليهه، وتقييد سلطاته وصلاحياته بالشورى ولوازم الشريعة وإلزاماتها كافة دون طغيان: «فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا».

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ