ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 23/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

حيرة أمريكية

آخر تحديث:الثلاثاء ,22/02/2011

ميشيل كيلو

الخليج

أجرت القناة الرابعة البريطانية حديثاً مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كيسنغر الذي وصفته ب”صاحب النهج الذي رسم سياسة بلاده في الشرق الأوسط طوال السنوات الثلاثين الماضية” . أما موضوع الحوار، فكان الحدث المصري والتطورات المحتملة التي يمكن أن تترتب عليه، وما إذا كانت أمريكا قد ارتكبت أخطاء سياسية أفضت إلى التخلي عن الرئيس مبارك ونظامه، أو ما إذا كانت مهيأة اليوم لفهم ما وقع، ولاحتواء آثاره الخطيرة التي أقر الوزير الأسبق أنها ستشمل العالم بأسره، وقد تشكل تغييراً جذرياً في شكله وأوضاعه السياسية، كما عرفناها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في حال تكونت حكومة إسلامية معادية للغرب في القاهرة .

ومع أن الرجل يدافع عن سياسة بلاده، ويمتدح مواقف إدارتها من الأحداث الأخيرة في المنطقة عموماً، ومصر خصوصاً، فإنه يناقش السبل المختلفة للإبقاء على النفوذ الأمريكي فاعلاً ومقبولاً بالنسبة إلى الأطراف المتصارعة على الجانبين العربي و”الإسرائيلي”، ويقول إن هناك ممكنات عديدة قد تترتب على التغيير الحاصل، وإن بعضها يضمر مشتركات مع المصالح والخيارات الأمريكية، فلا بد أن تشجعه واشنطن، من دون أن يساورها اليأس من قدرتها على التأثير في التطورات المستقبلية كيفما اتجهت، مع أنها يجب أن تركز على بلورة نهج سياسي معتدل وعلماني في مصر، تعتمده أساساً للتعامل مع العرب خلال السنوات المقبلة .

لا أعتقد أنني أهملت شيئاً مهماً قاله كيسنغر في هذا التلخيص الموجز، ولا أظن أن من يقرأ هذا الموجز ستفوته ملاحظة الحيرة التي تنتاب الأمريكيين -الذين يعتبر كيسنغر من خيرة مفكريهم الاستراتيجيين- بسبب تطورات الواقع العربي التي بدأت قبل أشهر قليلة، ويقول الوزير الأمريكي إن أحداً لا يعرف إلى أين ستقود، ما يضع واشنطن أمام أمرين: الخوف من أن تفلت الأمور من يدها تماماً وتنقلب عليها من جهة، والوقت الكافي لترتيب أوراقها وتجديد حساباتها، وتالياً ممارسة النفوذ والتأثير المطلوبين للاحتفاظ بمكانة مهمة في منطقة فائقة الأهمية والحساسية من جهة أخرى، علماً أن الرئيس أوباما كان قد قال بحق إن ما يحدث هنا سيلهم ويغير العالم بأسره .

لن أعود كثيراً إلى الوراء، من أجل شرح مظاهر الحيرة والقلق في السياسة الأمريكية، وهي ليست بنت الأحداث العربية الأخيرة . يكفي التذكير بأن أمريكا دخلت العراق لأسباب بينها محاربة الإرهاب، داخله وخارجه، وأن تصريحاتها العلنية جعلت الفوضى الخلاقة هدفاً لها، من دون أن تلاحظ وجود صلة قوية بين نشوب وانتشار فوضى كهذه وصعود الإرهاب وارتفاع أسهمه في المنطقة . إلى هذا، استخدمت أمريكا العنف للسيطرة على أحد مفاتيح المنطقة الاستراتيجية، الذي هو العراق، ولإسقاط نظامه باعتباره شرط تهدئته وتحويله إلى رأس جسر يمكن أن تستخدمه في أي وقت ضد من تتطلب مصالحها ضربهم أو تطويعهم أو تأديبهم أو إسقاطهم . لم يكن في منظور أمريكا أي مكان لأي إصلاح أو تحول سياسي كالذي وقع في تونس ومصر، فهل كانت تعرف حقائق ووقائع المنطقة التي انخرطت فيها وشنت حربا على شعب من أمتها، ووصلت إلى حد أنها تتعهد منذ بعض الوقت بمغادرة العراق هذا العام، بعد أن قال مسؤولون كبار فيها إن جيشها سيبقى فيه إلى الأبد، كما بقي منذ الحرب العالمية الثانية (أي منذ 1945) في ألمانيا واليابان؟ وعلى أية أسس بنت استراتيجيتها فيها وحيالها، بعد أن شرعت النظم المحسوبة عليها والصديقة لها في الانهيار والتهاوي تحت وطأة الضغوط الشعبية والمجتمعية، في تونس ومصر وخارجهما؟ بينما أعلنت أن محاربة الإرهاب هدف طويل الأمد لوجودها فيها، وها هي تجد نفسها في مواجهة مجتمعات تطالب بالديمقراطية . ينكر كيسنغر ذلك، ويقر فقط بأنها تعادي النظام الذي يحكمها، ولا تعرف بعد إلى أين ستذهب وماذا تريد، فقد استبعدت قيامها في أي مدى منظور، وتمثل في حال نجحت في توطيد أقدامها تحدياً أخطر بكثير من أي تحد إرهابي أو متطرف لها، لأنها ستضع العرب من جديد داخل عصر من التجدّد القومي والتنموي والنهضوي لا تريده واشنطن قطعاً، بما أن مشكلاتها، ومشكلات “إسرائيل” معه، ستكون أضعاف مشكلاتهما مع أي نظام آخر يمكن أن يقوم في الوطن العربي، بما في ذلك النظم المتطرفة . تريد أمريكا و”إسرائيل” عرباً متفرقين مشتتين متناحرين، ولن تقبلا بهم بأي حال موحدين متوافقين متفاعلين بإيجابية بعضهم مع بعض، لهم كلمة واحدة أو متقاربة تجاه الآخرين: هنا وفي العالم .

بين أصولية لم تهزم، وفوضى تؤذي أمريكا قبل غيرها، وحركة شعبية ومجتمعية كاسحة تجتاح منطقة لطالما عملت أمريكا من أجل استقرار نظمها واستمرار أوضاعها الراهنة، المرفوضة شعبياً، تبدو السياسة الأمريكية وكأنها فقدت القدرة على فهم ما يجري، وعلى التفاعل الصحيح معه، وتظهر بمظهر العاجز عن إيجاد سبل تكيف قد تمكنها من انتهاج سياسات منسجمة، متماسكة وبعيدة المدى حياله، لا تتغير مع كل هبة ريح أو حدث مباغت، كما تغيرت أربع مرات على سبيل المثال في أفغانستان، حيث يوجد لها قرابة ثمانين ألف جندي وتخوض حرباً منذ عشرة أعوام، ويخال المرء أنها تمارس لعبة كمبيوتر وليس سياسة كونية معرّفة بوضوح ومندمجة، تليق بقوة عظمى، فكيف إن كانت تزعم أنها القوة العظمى الوحيدة، وتغيرت خلال الأسابيع القليلة الماضية من النقيض إلى النقيض في بعض بلدان الوطن العربي، حيث كانت تحمي نظمها بحجة محاربة الإرهاب، وها هي اليوم تتملق مجتمعاتها دون أن تقول شيئاً حول الإرهاب .

أصل من كل ما سبق إلى نتيجة أعتقد أنني أراها مهمة، تتصل بنا وبأوضاعنا العامة خلال الحقبة المقبلة، هي أثر هذا التخبط الأمريكي علينا، الذي يطرح الأسئلة الآتية: هل ستبدأ أمريكا بالعمل على حصر الحراك العربي داخل حدود كل قطر، لمنع خروجه إلى المدى العربي الفسيح وتحوله إلى حركة قومية جديدة حاملها هذه المرة المجتمع المدني وليس العسكر أو الحزب الواحد؟ وهل ستعمل، بالتوازي مع ذلك، على تحويل الثورة على النظام إلى ثورة على الرئيس وأسرته، فيكون هدفها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام “القديم”، تمهيداً لاحتواء التغيير واستعادة الأمر الذي كان قائماً قبل التمرد عليه، ولكن في نسخة جديدة ومنقحة، باعتبار ذلك الوسيلة الأفضل التي يمكن بمعونتها تفادي الحيرة والتخبط، والتعامل مع المستجدات المتحدية وفق أسس أمريكية المركز، يمكن بوساطتها إعادة العلاقة مع مصر، ومن ثم مع العرب، إلى ما كانت عليه في المفاصل الرئيسة، بما في ذلك حيال “إسرائيل”، فأمريكا لا تحتمل وجود كيان بحجم الأمة العربية في منقطة استراتيجية هائلة الأهمية بالنسبة لمجمل مصالح ونظم وسياسات العالم، هي الوطن العربي؟ أخيراً، هل ستحاصر أمريكا المارد العائد إلى دوره ووعيه عبر محاور إقليمية جديدة، تتعاون أو لا تتعاون مع “إسرائيل”، وإنما تنسق معها عبر واشنطن وتحت إشرافها، لدرء الخطر العربي المتجدد؟

هذه الأسئلة لا بد أن يرد عليها عربياً من خارج أي نسق خارجي: أمريكي أو غير أمريكي، دولي أو إقليمي، لأن الرد يجب أن يكون نسقاً قائماً بذاته، قومياً وعربياً، يتركز على الأمة العربية ويستهدف تحقيق مآربها ومقاصدها، القريبة والبعيدة التي طال حديثها عنها ودعوتها إليها، وحان اليوم زمن تحقيقها دون إبطاء أو تردد، ليس فقط لأن اللحظة الآتية ستكون مناسبة جداً، بل لأنه ستتوفر لديها القدرة اللازمة لبلوغها، خاصة إن قام في بلدانها الرئيسة نظام سياسي جديد حامله المجتمع العربي، بآماله وتطلعاته الموحدة والجامعة، فهل سيتوافر مثل هذا الرد خلال الحقبة المقبلة؟ هذا ما يخشاه كيسنغر، وتريد مواقف أمريكا الرسمية إيهامنا أنه هدفها، وأنها موافقة عليه وراغبة في قيامه عندنا، مع أنها يرجح أن تكون ضده على طول المدى .

نحن أمام زمن عربي جديد، يتطلب طرقاً جديدة في الفكر والعمل العامين، وفي إدارة شؤوننا، والتعامل مع غيرنا، ليس من أجل الدخول في معارك لا لزوم لها ضده، بل لبلورة مشتركات مفيدة لنا وله، تحدد في ضوئها أسس واضحة تدوم لأجل طويل، تجنبنا العداء مع أي كان غير “إسرائيل”، وتوفر على أمريكا خوض معارك لا ضرورة لها عندنا، لن تربحها، بدلالة الأحداث الأخيرة التي أظهرت كم هي قوية مجتمعاتنا، وكم بلغت من نضج سياسي وإنساني، وشجاعة رأي وقلب .

إن الخيار اليوم لأمريكا: إما أن تتعامل معنا بروح الندية والمساواة والاحترام، فتصان مصالحها، وإما أن ترفض ذلك، فيكون ما تعيشه اليوم شيئاً لا يستحق الذكر بالمقارنة مع ما ستعيشه في مقبلات الأيام، في منطقتنا وخارجها .

========================

«الفيتو» الأميركي... والغضب الفلسطيني

تاريخ النشر: الثلاثاء 22 فبراير 2011

جويل جرينبرج

رام الله

الاتحاد

نظم فلسطينيون غاضبون مظاهرة هنا في رام الله بالضفة الغربية يوم أول من أمس الأحد ضد استخدام حق النقض "الفيتو" الذي أشهرته الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يندد بسياسة إسرائيل الاستيطانية، وندد خلال التظاهرة المشاركون بسياسة أوباما متوقعين أن تضر هذه الخطوة الأميركية بمكانة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

وقد أظهر التجمع الغاضب، الذي شارك فيه حوالي 300 من أنصار حركة "فتح" -التي تشكل النواة الأساسية للسلطة الفلسطينية بزعامة عباس- وموظفون حكوميون، استياءً عامّاً واسعاً هنا من "الفيتو" الأميركي، وهو الأول من نوعه الذي تستعمله إدارة أوباما في الأمم المتحدة.

وفي حوارات في مدينة رام الله، التي تحتضن مقر السلطة الفلسطينية، قال عدد من الفلسطينيين إن الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة إنما تؤكد رأيهم بأن واشنطن ليست أبداً وسيطاً عادلاً في النزاع مع إسرائيل؛ حيث اتهموا إدارة أوباما بازدواجية المعايير: دعم الديمقراطية في بلدان عربية أخرى في الوقت الذي تدعم فيه الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، قال رائد رضوان، أمين سر حركة "فتح" في رام الله، للحشد الذي تجمع في دوار المنارة: "إن رسالتنا إلى أميركا، التي تقول إنها تدعم الحرية في العالم العربي، هي كالتالي: أين هي حريات الشعب الفلسطيني؟ أين هي الديمقراطية التي تتحدثين عنها يا واشنطن؟".

وردد المحتجون شعارات: "اسمع يا أوباما، إننا شعب لا يركع!،اخرجوا يا مستوطنين! اخرج أيها الاحتلال".

ومن جانبه، اتهم محمد خليل، الذي تحدث أيضاً خلال هذه المظاهرة، الولايات المتحدة ب"استخدام الفيتو ضد حق شعبنا في دولة فلسطينية مستقلة". وتعهد بأنه لن تكون ثمة "مفاوضات في ظل الانحياز الإجرامي" لصالح إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن الزعماء الفلسطينيين رفضوا الانخراط في مزيد من المفاوضات مع إسرائيل طالما أنها مستمرة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، مجادلين بأن مثل هذا النشاط يمثل استيلاء على أراضي الدولة التي يسعون إلى تأسيسها.

وفي هذه الأثناء، قال نتنياهو يوم الأحد إن "الفيتو" الأميركي يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الطريق الوحيد إلى السلام هو المفاوضات المباشرة، "وليس خطوات في الهيئات الدولية، ترمي إلى الالتفاف على المفاوضات المباشرة".

وعقب استعمالها حق "الفيتو"، قالت سوزان رايس، السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، إنه على رغم أن واشنطن تعارض بقوة سياسة إسرائيل الاستيطانية، إلا أن تبني القرار كان يهدد بتشديد المواقف وتشجيع الجانبين على عدم الانخراط في المفاوضات.

ويشار هنا إلى أن مسودة القرار كانت تندد بالمستوطنات باعتبارها غير قانونية وبكونها تمثل عائقاً أمام جهود السلام. وقالت رايس أيضاً إن "فيتو" إدارة أوباما "لا ينبغي أن يفهم منه أننا ندعم النشاط الاستيطاني".

وقد قاوم عباس ضغوطاً قوية من واشنطن، شملت مكالمتين هاتفيتين من أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون، لسحب مسودة القرار، وذلك حرصاً منه على تجنب رد فعل غاضب في الداخل في وقت تنتشر فيه الانتفاضات في العالم العربي.

وفي هذا الإطار، اعترف مسؤولون فلسطينيون في المجالس الخاصة بأن التراجع عن مشروع القرار المندد بالاستيطان الإسرائيلي كان يمكن أن يؤدي إلى إثارة احتجاجات مناوئة للحكومة على غرار تلك التي شهدتها بلدان عربية مجاورة.

وقد أشاد المحتجون في مظاهرة يوم الأحد بمقاومة عباس للضغوط الأميركية وحملوا صوره. وبدا الفلسطينيون متحدين خلف حكومتهم في التنديد ب"الفيتو" الأميركي، حيث يخطط المنظمون لاحتجاجات أكبر يوم الجمعة المقبل، أطلقوا عليها اسم "يوم الغضب".

وفي هذا السياق، قال عبدالرحمن الحاج إبراهيم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت: "إن الناس ينظرون إلى الأمر باعتباره ازدواجية في المعايير: التعبير عن الدعم للشعب المصري، وفي الوقت نفسه القيام بخطوات ضد الشعب الفلسطيني"، مضيفاً "إنه المفهوم نفسه: الديمقراطية والحرية. ولكن هذا الموقف سيشدد مواقف الرأي العام ضد الولايات المتحدة".

ومن جانبه، قال عزاونة، الذي يمتلك متجراً في رام الله، إنه كان يأمل بعد وصول أوباما إلى السلطة أن "يقف إلى جانب الفلسطينيين". ولكنه أصيب بخيبة أمل، كما يقول. وأضاف: "أوباما لا يختلف عن بوش. ماذا فعل من أجلنا بعد عامين في البيت الأبيض؟".

أما أحمد عساف، المتحدث باسم حركة "فتح"، فقد لخص رسالة حركته بالقول: "إننا نرغب في أن تكون الإدارة الأميركية راعية لعملية السلام، لا راعية للاستيطان والاحتلال".

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس

========================

دحر الاستبداد والفساد 

آخر تحديث:الثلاثاء ,22/02/2011

علي الغفلي

الخليج

تؤكد السهولة النسبية التي سقط من خلالها نظاما الحكم في كل من تونس ومصر نتيجة الثورات الشعبية في هذين البلدين أن قدرة أنظمة الاستبداد على البقاء تعتمد في واقع الأمر على مدى تسامح الشعوب مع المثالب التي تجسدها والمفاسد التي تقترفها هذه الفئة من الحكومات، وأنه عندما يتآكل هذا التسامح فإن الإرادة الشعبية العامة تتحرك بقوة من أجل إزالة النظام المستبد . ويتضح من خلال انتشار نوازع الثورات الشعبية ضد أنظمة الحكم في دول عربية أخرى تشمل حتى الآن الجزائر وليبيا واليمن أن روح التسامح الشعبي مع أنظمة الحكم السلطوية في الوطن العربي قد تقلصت بشكل سريع وعميق . ويصح الاعتقاد أن زلزال الاضطرابات السياسية الداخلية قد صار يتهدد كافة الأقاليم العربية، وكذلك جميع أشكال النظم السلطوية فيها، حين تنشط تظاهرات الاحتجاج والمطالبات الشعبية ضد حكومات هذه الدول .

لقد صارت جميع الشعوب العربية تدرك فداحة التسامح مع أنظمة الاستبداد التي استحكمت في المقدرات الوطنية في بلدان العالم العربي طيلة عقود عدة، وأضحت الشعوب في معظم الدول العربية تعي استحالة الاستمرار في تحمل التكاليف الوطنية والحياتية التي صارت تغتال الوطن والدولة من خلال ثنائية الاستبداد المتغلغل والفساد المتفشي، وهو الأمر الذي يجعل من دول المغرب العربي، وبلاد الشام، وغيرها ساحات مرشحة باستمرار، وبدرجات متفاوتة من القوة، لأن تشهد تفجر الإرادة الشعبية من أجل التصدي للاستبداد والفساد .

تتكرر مشاهد المواقف الحكومية المتخبطة والمثيرة للشفقة ذاتها إزاء كافة حالات تكاثف الاضطرابات الشعبية التي شهدتها الساحة العربية في الآونة الأخيرة: تحذيرات من الإخلال بالأمن العام، تتحول إلى تهديدات بالتصدي لكل من يهدد استقرار البلاد وسلامة الممتلكات، تنزلق الحكومة بعدها إلى تعبئة قوات الأمن من أجل السيطرة على أفراد الشعب الثائر في الساحات العامة، وسريعاً ما يتدهور تأزم الموقف الحكومي حين تشتبك القوات الأمنية مع جموع المتظاهرين، ويقع الضحايا بين قتلى وجرحى . تقوم المناشدات والتحذيرات والتبريرات التي تطلقها الحكومات في مثل هذه الظروف على مضامين أمنية بحتة، وهي لذلك تذهب أدراج الرياح، ذلك أنها تذكر الشعوب الغاضبة بمهزلة العقد الاجتماعي الجائر الذي ظلت أنظمة الاستبداد السياسي تستمد حياتها منه، والقائم على أساس بغيض، جوهره أن تذعن الشعوب للاستبداد مقابل أن تأمن على نفسها من انتقام النظام السياسي .

إن العقد الاجتماعي القائم على تنازل الشعب عن بعض من أهم مكونات كرامته الإنسانية، مثل الحرية والعدالة والطمأنينة الوطنية والمساواة، مقابل أن يحجم النظام السياسي عن انتهاك سلامة مواطني الدولة هو منبع كل شرور الاستبداد والفساد التي يمكن أن يرزح تحتها أي مجتمع سياسي، وتعجز أي اعتبارات أخرى يمكن أن يوفرها النظام السياسي لهؤلاء المواطنين، مثل تحقيق الرخاء الاقتصادي، أو تمكين ثقافة الاستهلاك المادي، أو إتاحة مقومات الرفاهية الحياتية، نقول تعجز كل هذه الاعتبارات عن تعويض الشعب عن الخسائر الإنسانية الجسيمة التي يكابدها جراء هذا العقد الاجتماعي المخزي، ويظل الشعب على الدوام مدركاً حجم الثمن الفادح الذي يدفعه، ومتطلعاً إلى تصحيح علاقته بالنظام السياسي .

لقد تحدى الشعب العربي الثائر في كل من تونس ومصر القبضة الحديدية التي سلطتها المؤسسات السياسية الشرسة، وفحوى ذلك التحدي يجب أن يكون واضحاً، وهي أن العقد الاجتماعي القائم على استبداد مؤسسات الحكومة وفساد أدائها مقابل أمن الشعب قد انتهى، وهو لم يكن شرعياً في يوم ما، ذلك أنه يمنح أفراد الشعب العربي الاختيار بين النجاة بحياتهم أو تحقيق إنسانيتهم، وهو بذلك يخيرهم بين الحصول على الهواء أو الماء وليس الاثنين معاً، وهو اختيار جائر، فالحرمان من الأول يفضي إلى الموت السريع، والحرمان من الثاني يؤدي إلى الهلاك البطيء، ولا يقبل أي شعب عربي كريم أن يستمر راضخاً للحرمان من أحدهما إلا تحت وطأة قهر النظام وجبروته .

عندما ترفع الشعوب العربية مطالباتها، بعضها من خلال النداء الهادئ وبعضها الآخر من خلال الغضب الهادر، بإزالة النظام السياسي أو إصلاحه، أو تغيير الدستور أو تعديله، أو رحيل زعيم الدولة أو إسقاط الحكومة، وتنادي بإنقاذ الدولة واستعادة الوطن، أو تتمسك بمنح الحريات، وتحقيق العدالة، وتؤكد نصيبها العادل من ثروة البلاد، وتطلق صرخاتها من أجل محاربة كافة صنوف الظلم والفساد، فإنها تعلن بصراحة مدوية لا يمكن تجاهلها أن العقد الاجتماعي الجديد الذي يربط بين الشعب والسلطة يجب أن يكون نافذاً، ويقوم تحديداً على منح الشعب الشرعية السياسية للحكومة مقابل ضمان الحكومة الكرامة الإنسانية للشعب .

عندما تتفجر الثورة الشعبية، فإن الهدف الذي تسعى الإرادة العامة إلى تحقيقه لا يقف عند حد معاتبة الحكومة أو استتابتها، بل يتعداه إلى دفعها إلى الشروع بإجراء الإصلاحات السياسية الملحة، وقد يكون الشعب قد حسم أمره بالفعل، وقرر أن يزيح الحكومة أو يسقط النظام السياسي بكامله بعد أن يكون قد استنتج أن أي شيء دون ذلك لن يكون كافياً من أجل النجاة بكل من الدولة والوطن والشعب من آثام الاستبداد والفساد .

لقد صار لزاماً أن يتم دحر الاستبداد والفساد في أقطار العالم العربي، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد قضي في كل من تونس ومصر من خلال الثورة الشعبية في البلدين، فإن نافذة الفرصة التي يمكن من خلالها أن تبادر الحكومات في الدول العربية الأخرى إلى معالجة الاستبداد والفساد بشكل استباقي ماتزال موجودة، ولكن هذه النافذة تضيق بسرعة مذهلة، وقد تغلق فرصة الإصلاح السياسي الاستباقي المتاحة أمام العديد من هذه الحكومات، وسيصبح من المحتم على هذه النظم حينها أن تواجه المصير الذي تلاقيه عادة أنظمة الحكم المستبد أمام إرادة الشعوب الثائرة

========================

الحرية لا تثير الخوف

المصدر: صحيفة «إندبندنت» البريطانية

البيان

التاريخ: 22 فبراير 2011

تشعل شرارات من ثورتي تونس ومصر، النيران هائلة على امتداد الشرق الأوسط، ولا يزال الوقت مبكرا للغاية على تحديد ما إذا كانت هذه النيران ستؤدي إلى تغيير في أنظمة أخرى، وأين يكون ذلك. ولكن على نحو ما بدا جليا في مصر، فإن تغييرا على هذا النطاق يطرح معضلات بالنسبة للغرب، وليبيا هي الآن الدولة التي يمكن أن تشكل الاختبار الأكثر صعوبة.

اندلعت الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة بنغازي في ليبيا، عقب إلقاء القبض على محام ليبي بارز، مما نزع حاجز الخوف من قلوب الليبيين من قمع السلطات الأمنية. وربما في وقت آخر كان يمكن لمثل هذه الواقعة أن يسدل عليها ستار الصمت، غير أنه على كل من جانبي ليبيا كان التونسيون والمصريون قد أظهروا بجلاء ما يمكن للناس العاديين القيام به، عندما يقررون أنهم قد نفد صبرهم وضاقوا ذرعا بما يواجهونه. فقد بادر مؤيدو المحامي الليبي فتحي تربل، إلى الخروج إلى الشوارع معربين عن مساندتهم له، وتشير التقارير التي أعقبت ذلك إلى أنه ربما تم إطلاق سراحه، وتزامن ذلك مع إطلاق سراح 100 سجين. لكن هذا التتازل من السلطات الليبية لم يهدئ الوضع، بل زاده اشتعالا، حيث اندلع المزيد من الاحتجاجات، وسقط العديد من القتلى في بعض المدن الليبية.

ومن سوء الطالع أن الولايات المتحدة وأوروبا ربما كانت أكثر ترددا مما ينبغي، في الإعراب عن تأييدهما بلا تردد لهؤلاء المحتجين. فالغرب على امتداد عقد من الزمان كان يحيي ليبيا باعتبارها حليفا له، ومضى البعض ممن جانبهم الصواب، إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه بينما واصل الرئيس العراقي السابق صدام حسين مراكمة أسلحة الدمار الشامل مما أفضى به إلى أن يبعد بالقوة، فإن الرئيس الليبي معمر القذافي بادر إلى التخلي عن طموحاته النووية لكي يعود ببلاده إلى الساحة الدولية مجددا، كما وافق على منع المهاجرين من المغادرة إلى أوروبا انطلاقا من الشواطئ الليبية. وقد كوفئ على ذلك بضمانات أمنية وصفقات تجارية، وكان هناك قدر كبير من التهنئة المتبجحة، التي تدور حول كيف أن العالم أصبح مكانا أكثر أمنا.

ليبيا ليست تونس ولا الجزائر، وهناك من يرى أن اللجان الشعبية تقدم عناصر من الديمقراطية على مستوى الجذور، ولكن ما من شيء من هذا يطرح على مستوى يتجاوز المجتمعات المحلية هناك، ففي كل المجالات الأخرى تسيطر القيادة المركزية. وليس هناك من سبب يدعو لافتراض أن التغيير عندما يصل إلى ليبيا، كما يتحتم بالفعل أن يصل، سيقلب المكاسب الأمنية التي اعتمدت على كلمة قائد واحد. وعلى النقيض من ذك، فالحكومات الغربية ينبغي أن تثق بأن مزيدا من الحرية سيفيد باقي المنطقة كما يفيد الليبيين.

ويبدو أن السلطات الليبية قد دهشت حيال التصاعد السريع للاحتجاجات، بينما انطلقت جماعات من الشباب تستخدم الفيس بوك لتنظيم يوم غضب أخيرا، مما دفع السلطات الليبية إلى إغلاق الإنترنت، ومنع وصول بث بعض الفضائيات التي اتهمتها بالتحريض ضد الشرعية.

ويلفت النظر أن التلفزيون الرسمي الليبي عمد، في إطار محاولة للرد على المحتجين، إلى بث مشاهد لجماعات مؤيدة للحكومة في طرابلس وبنغازي، يترأسها الرئيس الليبي معمر القذافي نفسه، ويردد المتظاهرون فيها هتافات التأييد للقيادة الليبية، كما عمدت الحكومة إلى إطلاق سراح 110 سجناء ينتمون إلى الجماعة الليبية للقتال، في إطار أكبر عملية إفراج من نوعها قامت بها الحكومة في السنوات الأخيرة.. ومع ذلك يبقى المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات.

========================

ماذا عن غزَّة بعد سقوط نظام حسني مبارك؟

المستقبل - الثلاثاء 22 شباط 2011

العدد 3919 - رأي و فكر - صفحة 19

مهى عون

احتفل الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، بانتصار صمود الشعب المصري في ساحة التحرير، وبنجاح إصراره وعزمه على التخلص نهائياً من حال الفقر والمعاناة والقهر، فخرجت جموع الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة في مسيرات عفوية عقب تنحي الرئيس المصري عن مهماته الرئاسية. ومن المهم الإشارة إلى أن احتفال أهالي غزة بسقوط نظام مبارك يحمل مغزى ومعاني مختلفة عن باقي مظاهر الابتهاج التي عمت العالم العربي. حيث أن الدوافع التي حملت الشعب الفلسطيني الغزاوي المقهور والمغلوب على أمره، للنزول إلى الشارع، تفوق تلك التي دفعت بكل الشعوب العربية وغير العربية أيضا، للخروج بمظاهرات تأييد وتضامن مع نجاح الثورة الشبابية في مصر. فالشعب الفلسطيني تربطه بالشعب المصري أكثر من علاقات القربى والمذهب، بل تتعداها لعلاقات التاريخ، تاريخ النضالات المشتركة، ناهيك عن الانتماء القومي العروبي الواحد.ولقد عبر عن ذلك القيادي البارز بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر خير تعبير في قوله للجزيرة نت: "بأن انتصار الثورة المصرية يعد انتصاراً لصمود الشعب الفلسطيني ونضالاته، وأضاف: نأمل أن يزول الحصار عن غزة وأن تنتهي المعاناة في غزة، وأن يعاد إعمار القطاع عبر مصر، كما نأمل أن تعود مصر لدورها الرائد في قلب الأمة العربية".

ولا بد من التذكير بأن الحقد الدفين الذي يكنه الشعب الغزاوي للنظام المصري السابق، تكّون على خلفية اتهامه بالتخاذل، وبالتخلي عنه أيام الشدة، وبممارسة سياسة النعامة حيال معاناته المتعددة المصادر. أولاً لم يتصرف معه من الناحية الإنسانية بشكل مغاير أو مختلف كثيراً عن الصلف الإسرائيلي، من ناحية تشديد الحصار على المعابر. فلطالما ذاق الشعب الفلسطيني الظلم والذل والهوان على معبر رفح، وخلال ساعات طوال بانتظار الحصول على الأذون للدخول للأراضي المصرية، وذلك بهدف التزود بالحاجات والمواد الحياتية الضرورية، قبل أن يعمد إلى حفر الخنادق، وتحول إلى شبه مناجذ (جمع خلد) تتنقل في الإنفاق، وتدب تحت الأرض بالرغم من عذابات هذا السعي، ومخاطره العديدة. فقط لتأمين الحاجات الحياتية المتعذر الحصول عليها من الجانب الإسرائيلي. ولقد دام إغلاق المعابر بوجه الشعب الفلسطيني، على مدى عقود من الزمن. أما ثانياً فالشعب الغزاوي هو حاقد على نظام حسني مبارك لعدم تحركه لردع عملية الإبادة الجماعية التي تمت بواسطة وابل من القنابل الفسفورية الحارقة والتي انهالت على القطاع من قبل إسرائيل والتزامه السكوت المطبق خلال حرب 2008- 2009، ولم يتكبد بعدها عناء الاحتجاج على هذه الإبادة الحارقة أمام المحافل الدولية.

ولا بد من الإشارة إلى أن أحوال الفلسطينيين في الداخل ليست مريحة ولا تعوض عن قسوة الحصار الخارجي. فالأوضاع التي يعيشها الإنسان الفلسطيني في ظل السلطة المتشددة والجائرة ليست بأفضل حال. فالفقر أصبح السمة الرئيسية لأهل غزة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وبسبب الارتفاع الهائل في أسعار المواد الحياتية الضرورية، ناهيك عن البطالة المستفحلة نتيجة السياسية الاقتصادية الريعية التي تعتمدها الأحزاب الحمساوية .أي أنها تعتمد في معظمها على المعونات المادية والعينية التي تأتيها من الخارج.

والأمر الذي لا بد من التسليم به هو أن الأنفاق شكلت وصمة عار على جبين السلطة في مصر .أما اليوم وبعد سقوط النظام في مصر، لا بد من إدراك الحكومة في غزة بأنها مضطرة لتغيير سياستها تجاه نهج إحكام الحصار على الحدود مع مصر. فإرادة الشعب الفلسطيني المضغوط قد تتعداها، وقد يطيح احتمال حصول طوفان بشري يطيحها كما أطاح سلطات أقوى وأكبر منها. وقد لا يكون من الضروري التذكير بالأمثلة الحاصلة اليوم عبر العالم العربي بدءاً بتونس مروراً بمصر والحبل على الجرار. والتغيير يجب أن ينطلق من حتمية قاعدة بديهية وهي قاعدة "البرستو" أي أن كثرة الضغط لا بد وأن تتسبب الانفجار. والانفجار هو حاصل لا محالة في غزة. فالشعب الفلسطيني لن يسكت طويلا على عملية إغلاق المعبر في وجهه في رفح. والمعروف أن قطاع غزة يعد من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية .حيث بلغ معدل الكثافة السكانية 4033 نسمة في الكيلومتر المربع،وإذ يسجل سكان قطاع غزة أعلى معدلات النمو السكاني التي تراوحت بين 39.5 بالألف و45.2 بالألف في الأعوام بين 1997-2005. ما يعني وبحساب بسيط أن سكان غزة تضاعف بمعدل أربع مرات خلال الثمانية والثلاثين عاماً الماضية, وبالتالي قد لا نستغرب أن نستفيق يوماً والشعب المضغوط ينفجر متخطياً الحدود باتجاه مصر دون أن تتمكن السلطة من ضبطه. وهو تصرف قد يكون طبيعياً في ظل الحصار القائم من الجهة المقابلة، وفي ظل استحالة التوحد مع السلطة الفلسطينية والاتجاه لإجراء انتخابات نيابية يقرر من خلالها الشعب الفلسطيني مصير مستقبله كما سبق واقترح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو ما زالت الحكومة في غزة ترفضه. لقد آن الأوان لتعترف حماس بأنها فشلت في إدارة القطاع في غزة، وفشلت في سياسة فرض سياسة معينة على النظام المصري السابق لتخليص شعبها من العذابات والمعاناة اليومية. لا يمكن للأحزاب الحمساوية المتشددة الإبقاء على حال شعب في حال الضغط السكاني التي هو فيها. سياسة كم الأفواه والإرهاب والاعتقالات تبين بأنها لم تعد مجدية.

فهل تكون العاصفة التي قلبت كل المقاييس في مصر عظة لمَ يريد أن يتعظ؟

=======================

ماذا يدبّرون للثورة فى الخفاء؟

فهمي هويدي

السفير

22-2-2011

إذا كنا قد أدركنا شيئا مما يرتبه فلول النظام السابق في الداخل، فإن ما يرتبه حلفاؤه في الخارج لا يزال خفيا عنا. مع ذلك فبين أيدينا دليل يبين لنا كيف فكروا في الأمر وتحسبوا له قبل أن يقع، الأمر الذي يسلط ضوءه كاشفا على نواياهم بعد الذي وقع.

(1)

أتحدث عن القراءة الإسرائيلية للعلاقة مع مصر، كما رآها آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في محاضرته التي ألقاها على الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي بتل أبيب في شهر سبتمبر في عام 2008، وفيها شرح موقف إسرائيل إزاء المتغيرات المحتملة في العديد من دول المنطقة، ومصر من بينها، وهي المحاضرة المهمة التي أشرت إليها أكثر من مرة من قبل، لكنني وجدت أن قراءتها باتت أكثر من ضرورية بعد ثورة 25 يناير، التي لم تخطر لأحد على بال، لا نحن ولا هم ولا أي طرف آخر في الكرة الأرضية، ذلك أنهم تصوروا أن التغيير «الدراماتيكي» الذي يمكن أن تشهده مصر لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاثة، على حد تعبير ديختر، هذه الاحتمالات تتمثل في ثلاثة سيناريوهات هي:

1  سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة بوسائل غير شرعية، أي خارج صناديق الاقتراع، وهذا السيناريو يفترض أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تدهورت بشدة في مصر، الأمر الذي يفقد النظام القائم القدرة على السيطرة على الوضع، ويؤدي إلى انفلات زمام الأمن، بما يمكن أن يؤدي إلى حدوث فوضى واضطرابات، في ظلها يجد الإخوان فرصتهم لتحقيق هدفهم في الوصول إلى السلطة.

2  حدوث انقلاب عسكري، وهو احتمال استبعده المخططون الإسرائيليون في الأجل المنظور، إذ اعتبروا أن الأوضاع في مصر قد تسوء إلى درجة خطيرة، مما قد يدفع قيادات عسكرية طموحة إلى السعي لركوب الموجة والاستيلاء على السلطة، لكن لدى إسرائيل العديد من الأسباب الوجيهة التي تجعلها تتعامل مع هذا الاحتمال باعتباره مجرد فرضية، ومن ثم تستبعد وقوعه.

3  أن تتفاقم الأوضاع في مصر، بحيث يعجز عن إدارة البلاد خليفة مبارك الذي راهن الإسرائيليون على أنه سيكون واحدا من اثنين: إما جمال مبارك أو عمر سليمان، مما يترتب عليه حدوث موجات من الفوضى والاضطرابات في أنحاء مصر، وهو وضع قد يدفعها إلى محاولة البحث عن خيار أفضل يتمثل في إجراء انتخابات حرة تحت إشراف دولي تشارك فيها جماعات سياسية وحركات أكثر جذرية من حركة كفاية، لتظهر على السطح خريطة جديدة للتفاعلات الداخلية.

بعد عرضه لهذه السنياريوهات الثلاثة قال ديختر ما نصه: في كل الأحوال فإن عيوننا وعيون الولايات المتحدة ترصد وتراقب، بل وتتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات، لأنها ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.

(2)

في محاضرته ركز وزير الأمن الداخلي على نقطتين أساسيتين هما: إن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع في مصر بعد رحيل الرئيس مبارك، ومواجهة أية تطورات لا تحمد عقباها، بمعنى حدوث تحولات مناقضة للتقديرات الإسرائيلية، الثانية إنه مهما كانت الظروف فإن انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل يعد خطا أحمر، لا يمكن لأية حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه، وهي ستجد نفسها مرغمة على مواجهة هذا الموقف بكل الوسائل.

اعتبر الرجل أن العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس مبارك «أكثر من طبيعية»، وهو ما سمح للقادة في تل أبيب ببلورة عدة محددات تجاه مصر تمثلت في ما يلي:

[ تعميق وتوطيد العلاقات مع فريق الرئيس المصري، ومع النخب الأخرى الحاكمة المتمثلة في قيادات الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، ومع رجال الأعمال.

[ توسيع قاعدة العلاقة مع المنظومة السياسية والاقتصادية والإعلامية من خلال الارتباط بمصالح مشتركة تنعكس بالإيجاب على الجانبين.

[ السعي لصوغ علاقة أقوى مع العاملين في المجال الإعلامي بمصر، نظرا لأهمية دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وبلورة اتجاهاته.

وهي تنسج علاقاتها في هذه الاتجاهات فإن السعي الإسرائيلي حرص على إقامة علاقات ويتفق مع أقوى شخصيتين في مصر ستلعبان دورا رئيسيا في الإمساك بمقاليد السلطة بعد رحيل الرئيس حسني مبارك، وهما ابنه جمال واللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية.

هذا الارتياح إلى التمدد الإسرائيلي في الساحة المصرية لم يحجب عنها حقيقة القلق الذي يعانى منه المجتمع، وهو ما عبر عنه ديختر بقوله إن النظام في مصر يعاني من عجز جزئي في إحكام سيطرته على الوضع بقبضة من حديد، وإن الولايات المتحدة وإسرائيل حريصتان قدر الإمكان على تدعيم الركائز الأساسية، التي يستند إليها النظام، ومن بين تلك الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار، قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها باستمرار ووضعها تحت تصرف القيادات في كل من واشنطن وتل أبيب والقاهرة.

أضاف صاحبنا في هذا الصدد أن الولايات المتحدة وإسرائيل وهما تتحركان بشكل حثيث لتأمين النظام القائم في مصر تحرصان عبر ممثليهما في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على تقديم كل صور العون لحملة انتخاب جمال مبارك رئيسا للجمهورية بعد رحيل أبيه، والهدف من ذلك هو تمكينه من الفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري، ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية لكي يصبح أكثر قبولا من والده.

(3)

وهما تسعيان إلى تأمين النظام القائم، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تبنتا استراتيجية ثابتة في هذا الصدد، شرحها آفي ديختر على الوجه التالي: منذ دخلت الولايات المتحدة إلى مصر عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولى السادات زمام الأمور، فإنها أدركت أنه لا بد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية في أرجائها على غرار ما فعلته في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، وانطلقت في ذلك من اقتناعها بأن من شأن تلك الركائز أن تحجم أية مفاجآت غير سارة تحدث في مصر. والخطة الأميركية التي تغطي ذلك الجانب تعتمد على مجموعة من العوامل هي:

[ إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لكل عناصر القوة والنفوذ في مصر الطبقة الحاكمة وطبقة رجال الأعمال والنخب الإعلامية والسياسية.

[ شراكة أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلي مباحث أمن الدولة والداخلية والقوات الخاضعة لها وجهاز المخابرات العامة.

[ تأهيل محطات استراتيجية داخل المدن الرئيسية مراكز صنع القرار القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والسويس وبورسعيد.

[ الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة في القاهرة، في غاردن سيتي والجيزة والقاهرة (مصر الجديدة) بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات والسيطرة على مراكز عصب الحياة في القاهرة.

[ مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد داخل مصر وبجوارها في الغردقة والسويس ورأس ببناس.

وهو يعلق على هذه الركائز قال إننا لا نستطيع أن نؤكد أنا حققنا المستوى المنشود، توفير الضمانات التي من شأنها أن تصد أية احتمالات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. لكننا أنجزنا بعض الخطوات على الأرض، ونحسب أن بوسعها أن تكبح أية تطورات مباغتة أو عاصفة قوية، وفى كل الأحوال فإن إسرائيل قررت أن تعظم وتصعد من وتيرة وجود ونشاط أجهزتنا التي تسهر على أمن الدولة وترصد التطورات التي تحدث في مصر، الظاهرة منها والباطنة.

إلى جانب عمليات القائمين التي تم اتخاذها، فإن إسرائيل بذلت جهدا من نوع آخر لمساندة نظام الرئيس مبارك، عن طريق دعوة الحلفاء الأميركيين إلى عدم تقليص حجم الدعم، الذي يقدم إلى مصر لتمكين الرئيس مبارك من مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة، التي يمكن أن تحدث انفجارات تهز نظامه، وهو يصف الوضع في مصر ذكر أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية من ذلك النوع غير القابل للحل، وقال إن كل الاصلاحات الاقتصادية التي طبقت في مصر في عهد مبارك لم تسهم على الإطلاق في حل تلك الأزمات حتى المساعدات الأميركية السنوية (2,5) مليار دولار لم تعالج الخلل في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي المصري لأن هناك خللا بنيويا في الاقتصاد المصري تصعب معالجته بمساعدات هي مجرد مسكنات تخفف من الآلام بشكل مؤقت ثم تعود الأزمة لتستفحل وتتفاقم، وكانت نتيجة ذلك أن الأوضاع أعادت مصر إلى ما كانت عليه قبل عام 1952، الأمر الذي أدى إلى حدوث الانقلاب، الذي قام به ضباط الجيش في ذلك العام، وهو ما أثار مخاوف نظام مبارك، وكذلك مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهي التي يمكن أن تبدد أي تغيير غير مرغوب فيه، وإذا ما حدث ذلك فإن تداعياته لن تكون مقصورة على مصر، ولكن آثاره ستنعكس على عموم المنطقة.

(4)

هل هناك تهديد حقيقي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام في مصر، وإذا كان الرد بالإيجاب فماذا أعدت إسرائيل لذلك الاحتمال؟ ذكر آفي ديختر أن هذا السؤال يتردد باستمرار داخل مراكز الدراسات الاستراتيجية في إسرائيل، وفي رده عليه قال ما يلي: إن النظام في مصر أثبت كفاءة وقدرة على احتواء الأزمات، كما أثبت قدرة على التكيف مع الأوضاع المتأزمة. مع ذلك فهناك تهديد ناجم عن تشابك وتعقيد المشاكل والأزمات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، الآن الحزب الديموقراطي، الذي يرأسه مبارك يهيمن على الحياة السياسية.

في ما خص الشق الخاص بأسلوب مواجهة إسرائيل لأية تغييرات أو تحولات جادة تحدث في مصر، فإن الوزير الإسرائيلي الأسبق أكد أن الدولة العبرية على تنسيق مع الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بهذه المسألة، وفي الوقت ذاته فإنها على استعداد لمواجهة أي طارئ بما في ذلك العودة إلى شبه جزيرة سيناء إذا استشعرنا أن تلك التحولات خطيرة، وانها ستحدث انقلابا في السياسة المصرية تجاه إسرائيل وأضاف اننا عندما انسحبنا من سيناء فإننا ضمنا أن تبقى رهينة. وهذا الارتهان تكفلة ضمانات أميركية، من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إلى سيناء إذا اقتضى الأمر ذلك، كذلك يكفله وجود قوات أميركية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة، بل ومواجهة أسوأ المواقف، وعدم الانسحاب تحت أي ظرف من الظروف.

في هذا السياق ذكر الرجل أن إسرائيل تعلمت دروسا لا تنسى من حرب عام 1967، لذلك فإن سيناء أصبحت مجردة من السلاح ومحظور على الجيش المصري الانتشار فيها، وتلك هي الضمانة الأقوى لاحتواء أي تهديد افتراضي من جانب مصر، وهو يعزز رأيه بأن إسرائيل لن تتخلى تحت أي ظرف عن تمسكها بتجريد سيناء من السلاح، مضيفا أن مصر حين طلبت ادخال 600 من أفراد الشرطة، كحرس الحدود والأمن المركزي للتمركز على حدود قطاع غزة، فإن الطلب درس دراسة مستضيفة من جانب الطاقم الأمني ومرت الموافقة عليه بمخاض عسير داخل الحكومة.

يختتم محاضرته قال آفي دختر إن القاعدة الحاكمة لموقف الدولة العبرية هي أن مصر خرجت من ساحة مواجهة إسرائيل ولن تعود إليها مرة أخرى، وهى قاعدة تحظى بالدعم القوي والعملي من جانب الولايات المتحدة.

هذا الاستعراض يثير أسئلة عدة حول طبيعة الأصداء، التي أحدثتها ثورة 25 يناير داخل إسرائيل، وحول مصير التجهيزات والركائز التي أعدتها بالتعاون مع الولايات المتحدة داخل مصر لمواجهة احتمالات التغيير «الدراماتيكي» خصوصا حين وقع من حيث لا يحتسبون، وحين جاء بمن لا يتمنون، إننا لا نعرف شيئا عما يجري تحت السطح أو يدور وراء الكواليس، لكننا ينبغي ألا نتصور أنهم يقفون صامتين وغير مبالين، ولذلك من حقنا أن نسأل عن حقيقة الدور الذي يقومون به في الوقت الراهن تحت الطاولة وبعيدا عن الأعين.

=========================

في انتظار ما ستتمخض عنه انتفاضات الشعوب في المنطقة

إسرائيل تذهب إلى الحرب أم إلى طاولة السلام ؟

اميل خوري

النهار

22-2-2011

الموضوع الذي يشغل بال الناس حتى أكثر من تأليف الحكومة وشكلها هو السؤال إلى أين يذهب تطور الاحداث في المنطقة، هل يذهب بها الى الحرب أم إلى السلام أم الى جبهة مقاومة وممانعة تواجه إسرائيل وتنهي وجود أنظمة الاعتدال المسالمة؟

مصادر ديبلوماسية عربية تحمّل دول الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية جزءاً من مسؤولية تعريض دول المنطقة لما تشهده من أحداث لم تكن متوقعة وبهذه السرعة لأن أميركا لم تستطع ان تفرض على اسرائيل الدخول في مفاوضات تنتهي باتفاق مع السلطة الفلسطينية على إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة إلى جانب الدولة العبرية، ولا استطاعت أن تفرض على اسرائيل وقف بناء المستوطنات شرطاً للدخول في هذه المفاوضات لأنه يخشى إذا ما استمرت عملية البناء مع استمرار المفاوضات إلى أجل غير معروف، أن يكتمل ترسيم الحدود النهائية لدولة اسرائيل فلا يبقى عندئذ من الأرض المساحة الكافية لاقامة الدولة الفلسطينية عليها، وما زالت أميركا من جهة أخرى تقف مع إسرائيل، وبدون وجه حق وقد استعملت "الفيتو" أخيراً في مجلس الأمن لتمنع صدور قرار يدين الاستيطان رغم انها تكرر القول أنها ضد ذلك علّها تقنع اسرائيل بالعودة الى طاولة المفاوضات توصلاً الى تحقيق السلام الشامل في المنطقة.

هذه السياسة الأميركية أثارت، بعد طول انتظار وتحمّل الصبر واليأس، نقمة الشعوب العربية على حكامها وغضب الشعب الفلسطيني على تعنت اسرائيل وإصرارها على فرض سلام الاستسلام. وهو سلام لو تحقق وكان شاملاً وعادلاً لكانت المبالغ الضخمة التي تنفق على الأسلحة قد تحوّلت لتنفيذ المشاريع الانمائية التي ترفع مستوى معيشة الشعوب وتحسّن أوضاعها الحياتة وتشكل بالتالي وسيلة لمكافحة الفقر بايجاد فرص عمل وباعادة توزيع الثروات بحيث لا تبقى طبقة تعيش في غنى فاحش وهي أقلية، وطبقة تعيش في فقر مدقع وهي الغالبية، ولأمكن مع حلول السلام الشامل والعادل التخلص من أنظمة مستبدة تقهر شعوبها وتجعل الحكم ملكاً لها أبدياً سرمدياً، تغطي استمرارها فيه، شبه انتخابات تضمن الفوز فيها لمناصريها مدّعية أنها تطبق النظام الديموقراطي... وكذلك التخلص من أحزاب لا همّ لها سوى الدخول في صراع على السلطة عوض أن تكون في تنافس على خدمة الشعب والاهتمام بأولوياته، والتطلع الى ما يحقق طموحات الشباب المثقف وذلك بإيجاد العمل اللائق له كي يطمئن إلى مستقبله في وطنه، ولا يهاجر مكرهاً ولا يبلغ اليأس والقنوط لديه حدّ التخلص من حياة مرّة ومذلّة مفضلاً الموت حتى يحرق نفسه على مراى الجميع وفي وجه الحكام.

لقد مضى أكثر من خمسين سنة والعرب والفلسطينيون في صراع مع إسرائيل، فهم راغبون لكنهم غير قادرين على الدخول في حرب قد تنتهي بفرض سلام غير عادل، ولا هم قادرون على القبول بسلام الاستسلام، فيما اسرائيل قادرة على السلام لكنها غير راغبة فيه.

وهذا سبب من اسباب انتفاضات الشعوب العربية على الحكام وعلى الأنظمة المستسلمة ليس لإسرائيل فحسب بل لفساد مستشر يزيد الاغنياء غنى والفقراء فقراً والحاشية استفادة واستغلالاً لكل ما في الدولة من خيرات.

والسؤال الذي ينتظر الجواب هو: هل بعد الثورات الشعبية على الحكام والانظمة في المنطقة ستقوم أنظمة أفضل وحكام عادلون يهتمون بشؤون شعوبهم ويجعلونها تنعم بالأمن والأمان وبالسعادة والرفاه والاطمئنان فتنسى زمن البؤس واليأس والاستبداد؟ وهل تجعل هذه الثورات اسرائيل تقرأ جيداً أسباب هذه الثورات ودوافعها فتعود الى طاولة المفاوضات من دون شروط تعجيزية واستكبار توصلاً الى سلام دائم وثابت تنعم به جميع دول المنطقة وتعيش داخل حدود آمنة، فتزول أسباب القيام بأعمال عنف وارهاب، ويتحول السباق على التسلح سباقاً الى تحقيق الانماء والتطور والعمران سبيلاً لمكافحة الفقر والحرمان لأن منهما تخرج عناصر التطرف والانتحار عندما لا يعود لديها ما تخسره ويصبح الموت عندها ألذ من الحياة؟

هل تعي اسرائيل حقيقة ما يجري في المنطقة من احداث وتطورات ومن تمرد وثورات نتيجة شعور الشعوب بذلّ القهر وتحمل مرّ الفقر، والشعوب، كما هو معروف تاريخياً، تمهل ولا تهمل، وهل تدرك اسرائيل خطورة كل ذلك فلا تظل تتعامل مع هذه الشعوب بلغة التكبر والتجبّر والاستعلاء لئلا تتحول ثوراتها نحو اسرائيل بالذات إذا ظلت تفضل ان تكون دولة في المنطقة محاطة باعداء لا دولة من المنطقة تعيش بأمن وأمان مع جيرانها؟

ومن جهة أخرى، أفما آن الأوان لأن تنظر أميركا بعينين اثنتين في المنطقة فترى أن فيها غير اسرائيل من يخاف على أمنه ولم يعد يثق بالتطمينات الأميركية الكلامية خصوصاً بعدما اثبتت غير مرّة أنها تبيع اصدقاءها وحلفاءها بأرخص الاثمان في سبيل مصالحها ومصالح اسرائيل، وانها لم تفعل سوى هزّ العصا في وجه اعدائها أو اخصامها من دون أن تضرب بها فاستخفوا بها واستقووا عليها.

لذلك فإن الانظار تتجه الآن نحو ما يحدث في المنطقة ورؤية الأنظمة الجديدة التي ستتمخض عنها ثورات الشعوب فيها ونحو الولايات المتحدة الأميركية وما ستفعله في ضوء ذلك، هل ستدخل المنطقة في لعبة أمم جديدة تقوم على ما يسمى "الفوضى الخلاقة" أم تدخلها في مرحلة جديدة من المعادلات والتوازنات، وكيف ستتصرف هي واسرائيل حيال ما يجري في المنطقة، هل تجدها فرصة سانحة لإعادة إحياء المفاوضات مع الفلسطينيين والعمل على تحقيق سلام شا مل قبل فوات الأوان وتصبح اسرائيل مقتنعة بذلك استناداً الى مقال نشرته صحيفة "اسرائيل اليوم" لعضو سابق في الكنيست هو يوسي بيلين قال فيه "ان أمام اسرائيل فرصة الاندماج في هذه الرياح الجديدة التي تهب على الشرق الأوسط وإبعاد الحجة التي يتذرع بها الجمهور في العالم العربي لمعاداة اسرائيل، وان علينا الآن تحقيق السلام قبل فوات الأوان". وجاء في صحيفة "يديعوت احرونوت": "إن الدول العربية التي تسمى معتدلة تغير الحكم والألوان فيها، والآن يدور دولاب الحظ لدى اسرائيل الى الوراء وقد يعود الطوق الاسلامي ويضاف اليه إيران وتركيا في محاولة لخنقها، فالولايات المتحدة واوروبا لم تعد تؤدي التحية وتقول نعم لكل اسرائيل، فما يحصل في أراضي العدو يجب ان يوقظنا وإلا قرعنا الاجراس وقلنا: اسرائيل في خطر".

في معلومات مصادر ديبلوماسية ان إسرائيل تراقب ما يجري في المنطقة كي تبني قرارها على نتائجها، فإما أن تكون هذه النتائج وسيلة ضاغطة عليها فتعود إلى طاولة المفاوضات توصلاً إلى تحقيق سلام شامل قبل نهاية السنة الجارية وقبل أن تدخل الولايات المتحدة معركة الانتخابات الرئاسية وتنشغل بها، وإما أن نتائج الثورات في المنطقة لا تغير شيئاً وان كان هذا مستبعداً، فتستمر إسرائيل في لعبة المماطلة والخداع في مفاوضات السلام.

========================

أنقذوا ليبيا!

حلمي الاسمر

 الدستور

22-2-2011

النصر صبر ساعة والماسة هي مجرد قطعة من الفحم ، تحولت تحت الضغط الى كل هذا الجمال،.

نقول هذا لإخوتنا في ليبيا ، الذين يتعرضون لحرب إبادة ، من قبل نظام مجنون ، يستورد مرتزقة من الخارج لقتل شعبه ، ونستذكر في هذا المقام ، بعضا من "بروفايل" هذا الرجل الغريب:.

- القذافي هدم ضريح المجاهد عمر المختار بعد منتصف ليلة 15 يوليو 2000 في الساعة الثانية صباحاً في مدينة بنغازي ونقل الضريح إلى مدينة نائية يقال لها سلوق لأنه يثير في الليبين الشرفاء حينما يمرون بقربه كل معاني الايمان والفخار والعزة والجهاد والذكر والذكريات الخالدة.

- سب الانبياء عليهم السلام وقال عن نبي الله يعقوب عليه السلام إنه وعائلته من احط العائلات وأشدها كفرا ونفاقا.

- قال أن محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو ساعي بريد وأنكر عموم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للجن والإنس وقال هي محصورة في العرب فقط،.

- أنكر السنة النبوية وجعل التمسك بها طريقاً وباباً للشرك وعبادة الأوثان والأصنام.

- القذافي يقول أن الكعبة هي أخر صنم لازال باقيا من الأصنام. ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أي قدسية وأنه كالفاتيكان.

- القذافي هو الذي استحل دماء الناس من أبناء شعبه وأبناء غير المسلمين بتفجير طائراتهم فوق لوكيربي الطائرة الأمريكية وفوق النيجر الطائرة الفرنسية. ثم يعترف ويعتذر ويقبل بدفع أموال الشعب الليبي البطل كتعويض عن غلطته إرضاء للغرب. أما أبناء بلده الذين صلاهم بالحديد والنار وشرَد منهم زهاء 70,000 ألف بين قتيل وسجين وطريد عام 1985 وحدها فليس لهم إلا الشكوى إلى الله،.

- يقال أن مجمل مابدده القذافي وأنفقه على شهواته وملذاته منذ اعتلائه السلطة عام م1969 إلى تاريخه بلغ 20 مليار دولار. وهل تعلم أن القذافي قد زج بالشباب الليبي في الحروب الخاسرة دونما فائدة في تشاد و أوغندا ولبنان وغيرها.

- قتل 1200 سجين أضربوا في سجن أبوسليم في طرابلس فأمر باعدامهم رمياً بالرصاص.

- أخيرا.. كشف تقرير "جروس" الذي نشرته صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية عن أن ثروة الرئيس الليبي معمر القذافي 82 مليار دولار،،.

هذا هو القذافي ، زعيم الثورة الليبية ، الذي يذبح شعبه الآن ، دون أن نسمع إدانة واحدة ، أو فزعة ولو كاذبة ، من النظام العربي الرسمي ، يقول ولو كلمة صغيرة ، في صالح إخوتنا من أبناء وأهالي عمر المختار،،.

=======================

الفيتو الأميركي: صفعة لعملية السلام

سامية العطعوط

الرأي الاردنية

22-2-2011

الفيتو الأمريكي الذي تبنّته الولايات المتحدة الامريكية في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار العربي الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في منطقة القدس والأراضي المحتلة، كان الفيتو رقم (واحد) الذي اتخذته الإدارة الأمريكية منذ تولى باراك أوباما الرئاسة، وهو الفيتو الوحيد من بين خمسة عشرة دولة في مجلس الأمن ضد المشروع.

ويبدو هنا الفارق كبيراً بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حليفتها مصر/مبارك ومن إسرائيل. فتخلّي إدارة أوباما عن نظام مبارك في مصر كان تحت ضغوط مبدئية ظاهرية وضغوط جماهيرية، أما مسألة التخلي عن مساندة إسرائيل فهو أمر غير وارد ليس بسبب قوة إسرائيل فقط ونفوذها في مواقع صناعة القرار الأمريكي داخلياً وخارجياً، ولكن نظراً لتشرذم مواقف القيادات الفلسطينية بين غزة ورام الله، إضافة إلى أن أمريكا لم تتعرض لأية ضغوط من الشارع الفلسطيني أو من دول أوروبية. فهي تصرّح بعدم شرعية الاستيطان، ومع ذلك ترفع الفيتو في وجه مشروع قرار لإدانته ووقفه.

ومن هنا، ونظراً للموقف الأمريكي المتخاذل من القضية الفلسطينية، ونظراً لأن استمرار إسرائيل في العمليات الاستيطانية خطير جداً على العملية السلمية بل (ويقوض فرص تحقيق حل الدولتين مثلما يقوض مساعي إحلال السلام الشامل في المنطقة) بحسب تصريح وزير الخارجية، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية مطالبة باتخاذ موقف حاسم في قراراتها التكتيتكية وحتى الاستراتيجية. وأول هذه القرارات التخلص من الانقسام الفلسطيني الذي يضعف موقفي رام الله وغزة في آن معاً، خاصة في ظل التغيرات التي حدثت وتحدث في مصر والوطن العربي، وثانيها اتخاذ قرار بالعودة إلى الشعب في استفتاء يحدد مسار القضية وعملية السلام التي تراوح مكانها منذ سنوات، وتهدف المماطلة فيها من جانب إسرائيل إلى إضاعة الوقت والجهد، والقدس والأقصى..!.

كان تمسك السلطة الفلسطينية في عرض مشروع القرار على مجلس الأمن الدولي، رغم تهديدات أوباما بقطع المساعدات عنها، قراراً جريئاً لكنه لم يكن كافياً. وبالتالي، فإن عرض مشروع القرار العربي بشأن الاستيطان مرة أخرى على الجمعية العمومية ومجلس الأمن، كما تهدف السلطة أن تفعل، هو قرار مبدئي ومهم، ولكن السلطة الوطنية مطالبة بأن توفر الأجواء المناسبة لتمرير القرار، كمثل توفير ضغوط خارجية كبيرة على الإدارة الأمريكية وعلى إسرائيل نفسها. ومنها تحريك الشارع الفلسطيني ضد الفيتو الأمريكي وإعلان الإضراب في الأراضي المحتلة، وتحريك منظمات حقوق الإنسان الدولية من أجل تشكيل لوبي ضاغط على الإدارة الأمريكية.

الاستيطان يعني هدم بيت فلسطيني وبناء آخر إسرائيلي بدلا منه، ويعني كذلك اقتلاع مزارع عربي من أرضه من أجل بناء مستوطنة، وبالتالي، فإن الوقوف الحازم في وجه عمليات الاستيطان، مسألة مصيرية للقضية الفلسطينية، لأن آثارها تنحفر عميقاً على أرض الواقع وعلى مسار عملية السلام برمّتها..!

========================

هل بدا الغرب يفهم؟!

ميشيل كيلو

2011-02-21

القدس العربي

 أظهر الحدثان التونسي والمصري مسائل على قدر عظيم من الأهمية، منها:

- أن بديل النظم الاستبدادية الراهنة ليس إسلاميا. كنا، نحن الديموقراطيين العرب، نقول: إن البديل لن يكون إسلاميا بالضرورة، فجاءت الأحداث تؤكد انه ليس إسلاميا في الواقع. وقد شعرت الصحافة العالمية، التي كانت تروج لخرافة البديل الإسلامي الحتمي، بالدهشة، عندما خلت تظاهرات تونس من الشعارات الإسلامية، وظهر أن القوة الشعبية ليست إسلامية وإن كان المشاركون فيها من المسلمين، وأن المسلم ليس إسلاميا بالضرورة كما توهم عقل سخيف عنصري ومعاد للإسلام في أوروبا، ضحكت عليه نظمنا واستغفلته، حين غذته بوهم البديل الإسلامي الحتمي. في مصر، قلب حركة الإخوان المسلمين في العالم، لم يكن هؤلاء من أطلق شرارة الثورة وحمل رايتها طيلة سنوات كثيرة، بل كانت قوى مجتمعية لم يشعر الغرب سابقا بوجودها أو أنه استخف بقدراتها وعاملها بتجاهل، ولم يحسب لها حسابا أو يراها في المعارضة، لانطلاقه من فكرة مسبقة عن مجتمعاتنا العربية باعتبارها مجتمعات تنتج التطرف، تتسم باللاعقلانية والعداء للحضارة والديموقراطية، فلا ضابط لها غير اليد الحديدية والاستبداد الأعمى، الذي تستحق أن تخضع له.

- أن الإسلاميين لم يطرحوا أنفسهم كبديل، خاصة في مصر، حيث أبدوا التزاما لافتا بمطالب التمرد الشعبي، الشبابي الطابع وغير الحزبي، وتعهدوا أن لا يرشحوا أحدا منهم إلى انتخابات الرئاسة المقبلة، التي ستجرى بعد أشهر قليلة، وأن يبقوا قوة توحد صفوف المجتمع، ويقبلوا التنوع والاختلاف، ويتمسكوا بالمواطنة كأساس لإعادة بناء مصر السياسي، ويقبلوا حكم القانون، ومبدأ السيادة الشعبية باعتبارها مصدر جميع السلطات، بل وتبنوا، شأنهم في ذلك شأن القوى العلمانية، مطلب الدولة المدنية. قد يقول قائل: هذه مناورة من الإخوان وليست سياساتهم الحقيقية. سأقبل هذا الاعتراض، وفي الوقت نفسه سأذكّر المعترضين بحقيقة أن حكاية تفوق الإخوان الشعبي في التظاهرات، التي روجت لها قناة الجزيرة، لم تتأكد في أي موقع ومكان، وأن العارفين بحقائق الأمور يتحدثون عن حصة للإخوان في الشارع المصري لا تتعدى 10- 15%، بينما استقبل الشيخ راشد الغنوشي في تونس، التي عاد إليها بعد خمسة وعشرين عاما من الغربة والظلم، قرابة ثلاثمائة شخص! ألا يدل موقف الإخوان على واقعيتهم، وعلى معرفتهم بحقيقة حجمهم الحقيقي وقدراتهم الفعلية؟ ومع التسليم بأنهم قد يحرزون تقدما كبيرا خلال السنوات القليلة القادمة، فإن مطالبة الشعبين التونسي والمصري بنظام يقوم على المواطنة وحقوق الإنسان وحكم القانون والدولة المدنية والديموقراطية يمثل قيدا حقيقيا على أي برنامج مختلف يدعون إليه، إن كان سيتخذ طابعا دينيا صرفا، لأنهم سيجدون أنفسهم عندئذ إما معزولين أو في مواجهة أغلبية شعبهم، التي تطالب اليوم بالحرية والديموقراطية، وستجني ثمارها خلال مرحلة الانتقال وبعدها، بعد أن تعلمت درس الاستبداد واستخلصت النتائج منه، وعافت نفسها جميع أشكاله بما في ذلك الإسلامية منها، التي ستعود في حلة جديدة إذا ما سيطر الإخوان بمفردهم على السلطة، وأعادوا حكم الحزب الواحد، وفرضوا أيديولوجية مغلقة يحظر على المواطنين التفكير خارجها أو ضدها، بما أنها معيار إنتاج واقعهم، الذي يجب أن يكون ملزما لهم.

- أن الاستبداد أقام واقعا مجتمعيا وسياسيا لا سبيل إلى نكرانه، يتمثل في وجود قلة في السلطة يجسدها مجتمع قائم بذاته هو مجتمع التسلط، القابض على الثروة والإعلام والسلطة والدولة بالعنف والنهب، الغريب عن وطنه والممسك بمقدرات البلاد والعباد، الذي يخضع كل كبيرة وصغيرة لمصالحه الخاصة، ويروع ويرعب المجتمع الآخر: مجتمع الكثرة الساحقة التي لا تتمتع بأية حقوق بما في ذلك حق الحياة، وتعيش في عبودية عمل وتبعية سياسية لمجتمع السلطة، الذي يعرضها لصنوف شتى من الاستغلال والحرمان، ويسوقها من سيئ إلى أسوأ، رغم أنها تضم كتلا هائلة من المتعلمين والمثقفين وأصحاب الأعمال الحرة والمهنيين والحرفيين وفئات متباينة من الطبقة الوسطى والقوى العاملة.

ومع أن المجتمع الأول يمد جذوره إلى الثاني، ليرهبه ويمتص عافيته ويفرغه من طاقاته المبدعة ويخترقه ويعيد إنتاجه بالصورة التي تخدمه وتوطد علاقة التفاوت بينهما، فإنه يعيش أكثر فأكثر في عالمه الخاص، الذي لا يشبه في شيء عالم المجتمع الثاني، بينما تزداد الهوة بين فوق وتحت، وتتحول بالتدريج إلى فوارق تؤسس لهويتين مختلفتين، تجعل الأول أجنبي السحنة وغريبا عن وطنه، والثاني محليا ووطنيا، يتوقف استقرار علاقتهما على وحدة الأول وتفكك الثاني، واختراق الأول للثاني وقدرته على إلزامه بمواقفه ومصالحه، وعلى تدني وعي الثاني، الذي تحتجزه غوغائيات وطنية ووعود إصلاحية جوفاء.

بيد أن تعاظم الهوة بين المجتمعين والهويتين لم يتوقف عن التفاقم بفعل آليات إعادة إنتاج النظام، التي بينت أحداث مصر أنها ضيقت قمته، وقوضت إلى درجة تكاد تكون مطلقة وتامة قاعدته، وأخرجت من صفوفه أعدادا كبيرة من رجال الأعمال، الذين يعملون وفق أسس اقتصادية صرف، ولهم مصلحة في أن لا يكون الشعب فقيرا وعاطلا عن العمل وجائعا ومهانا، على عكس لصوص مجتمع السلطة، الذين حصلوا على ثرواتهم بابتزاز ونهب جميع فئات المواطنين، بمن في ذلك هؤلاء البرجوازيين الحقيقيين.

لا عجب أن قاد تعاظم الهوة بين المجتمعين إلى تمرد الثاني على الأول، ولا غرابة أن يكون الشعب قد شارك بفدائية واستبسال في العصيان الثوري، وعصف بالأمر القائم واستمات من أجل إسقاطه في أقصر وقت، تمهيدا لإعادة تأسيس الدولة على أرضية نظام مدني جديد يلغي تناقض المجتمعين ويوحد المجتمع باعتباره حاضن جميع بناته وأبنائه، ويحفظ حقوقه وحصته من ثروات بلاده وعوائد عمله، من خلال نظام ديموقراطي يقوم على المواطنة والحريات وفصل السلطات وحكم القانون والدولة المدنية ومسؤولية الحكام كموظفين عامين خاضعين للمساءلة والنظام التمثيلي والمشاركة الشعبية الجامعة.

ما هي فرصة الإسلاميين في تغيير هذا الواقع وتحويله إلى نظام يستأثرون وحدهم بإدارته ويتحكمون بمفاصله؟ أعتقد أنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة أغلبية الشعب، إن هم حاولوا الانقضاض على السلطة أو سعوا إلى الانفراد بها. ولا أظنهم يجهلون هذا أو يريدونه، لأنه سيجلب لهم متاعب لا قبل لهم بمواجهتها، خاصة إن أقاموا نظاما قمعيا كالنظام الذي أقامه مبارك وهزمه التمرد الشعبي.

هل تراقب أوروبا خاصة والغرب عامة هذا الوضع وتفهمه، أم ستواصل رؤيته بأعين العداء للإسلام والخوف من المسلمين، وجهل ممكنات الديموقراطية وفرصها، والتضامن مع النظم الاستبدادية القائمة، ودعم حكوماتها المكروهة؟ قالت السيدة أشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كلاما يفهم منه أن القارة العجوز فهمت ما يجري، وستشجع من الآن فصاعدا الحكومات العربية خاصة والشرق الأوسطية عامة على السير نحو الديموقراطية. وكانت أمريكا قد أيدت مشاركة الإخوان المسلمين في المفاوضات مع ممثلي حسني مبارك، وطالبت بحكومة وحدة وطنية مصرية تضم ممثلين عنهم، تأخذ البلاد إلى الديموقراطية. هل نحن أمام توجه جديد، بعد أن اكتشف الغرب حجم الخديعة التي عرضته النظم الحاكمة لها، حين أوهمته أن بديلها الوحيد سيكون إسلاميا متطرفا، معاديا له ومقاتلا ضده، وأنها هي التي تحميه منه، فلا ضير إن هي ضبطت حركته بالقمع والاستبداد؟ وهل بدأ يفهم أن النظام العربي هو الذي ضخم حجم الإسلاميين وأوهمه أنهم بديله الحتمي، إن هو سقط، وأنه الدريئة التي ترد عنه أخطارهم؟ وهل سيبدأ الغرب بالتحرر من معادلة خاطئة قيدت يديه لفترة طويلة، نفرت منه شعوب المنطقة المغلوبة على أمرها، ووضعته في صف نظم استبدادية ابتزته إسلاميا وبالغت في خطر الإسلاميين كما في دورها ضدهم، بينما كانت تستخدمهم بطرق تقوض أي خيار غربي غير الارتباط بسياساتها ودعمها، فإذا بأحداث تونس ومصر تفضح أكاذيبها، وتظهر حجم التضليل الذي عرضت له أوروبا وأمريكا، وكم افتقرت خياراتهما وسياساتهما إلى أبعاد إستراتيجية، وأضمرت من أخطاء تكتيكية جعلتهما لاعبين هامشيين مكروهين من شعوب واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية وحيوية بالنسبة لمصالحهما.

هل بدأ الغرب يفهم؟ وهل سيعتمد حقا سياسة جديدة تجاه المنطقة ومشكلاتها، ترى في الديموقراطية أداة تستطيع إنقاذها حقا وفعلا من الاستبداد والتطرف الإسلامي في آن معا، باعتبار انهما قوتان تتكامل سياساتهما ومصالحهما؟ في هذه الحالة، هل ستنفك السياسة الغربية الجديدة عن الاستبداد ونظمه وستؤيد قوى يقيد نموها قوة ودور الإسلاميين، ويجبرهم على الانضواء في سياق مدني/ ديموقراطي، يسهم في عقلنة حركتهم وتوجيهها نحو قنوات مجتمعية وسياسية، تكون فيها طرفا وحسب وليس قوتها المقررة، كما بينت ثورتا تونس ومصر؟

وضعت تطورات تونس ومصر الغرب أمام تحد سيكون من الصعب عليه التنصل منه أو تفادي مواجهته، سيجبره على التعامل مع منطقتنا وشعوبها بطريقة تختلف عن الطريقة التي اعتمدها حتى الآن، إذا أراد أن لا تتحول علاقته معها إلى عداء أعمى لن يكفي معه سؤال: لماذا يكرهوننا؟ بل سيضاف إليه سؤال جديد هو: لماذا يقتلوننا؟

تجد أوروبا وأمريكا نفسيهما أمام مفترق طرق، بعد أن خدعتهما نظم استبدادية بكل بساطة وتلاعبت بسياساتهما طيلة عقود ثلاثة، فإما أن تكونا من الآن فصاعدا مع الحكومات أو مع الشعوب، وإما أن تدعما إصلاحا ديموقراطيا عميقا تشارك فيه الشعوب بحرية، كي يحدث تبدلا جديا في طابع النظم وعلاقات الدول مع المجتمعات، أو وهذا هو الخيال الآخر - أن تواجها مأزقا تاريخيا سيترتب على تمرد شعبي ومجتمعي عربي ليس نجاحه بحاجة إلى دعمهما، سيعرف كيف ينتقم منهما بسبب إخلاصهما للاستبداد ورهانهما عليه في مواجهة شعوبه، سيكون تحديا بعيد المدى لهما.

إن مواقف أوروبا وأمريكا لم تكن خاطئة فقط، بل تعارضت مع مصالحهما، التي ترتبط حتى اللحظة بحكام ترفضهم شعوبهم، ستتهاوى نظمهم أمام العاصفة الشعبية، التي تتجاوز حدود البلدان والدول وتكتسب طابعا عربيا عاما. ماذا سيختار الغرب: نظما مستبدة ضللته وورطته في معارك وهمية تستحق أن يعاقبها، أم شعوبا تقاتل من أجل قيم لطالما زعم أنها قيمه، هي الحرية والديموقراطية والدولة المدنية والمواطنة وحقوق الإنسان ... الخ، لا شك في أنها ستكون في نهاية الأمر، ومهما طال تغييبها، صاحبة الكلمة الفصل في المنطقة؟!

=======================

نعم.. ليبيا ليست مصر وتونس

عبد الباري عطوان

2011-02-21

القدس العربي

 بعد اقل من عشر ساعات من القاء المهندس سيف الاسلام القذافي خطابه الذي توعد فيه الشعب الليبي بمقتل الآلاف، بدأت الطائرات الحربية في قصف الثوار الليبيين في طرابلس العاصمة وبنغازي ومدن ليبية اخرى، وسط تعتيم اعلامي شامل، وقطع لكل وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، وصمت دولي مطبق.

نحن امام مجازر تستهدف الشعب الليبي الاعزل، من قبل دبابات وطائرات وميليشيات ومجموعات من المرتزقة جرى استقدامها من بعض الدول الافريقية للتصدي للمحتجين بعد ان انحازت القبائل في معظمها للثورة، والكثير من وحدات الجيش والامن، وبات النظام يقف وحيدا دون اصدقاء او حلفاء من اهل البلاد باستثناء القلة القليلة.

تابعت قناة الجماهيرية الرسمية طوال يوم امس لعلي اكوّن صورة عن وضع النظام وطبيعة خطابه الاعلامي فكان المنظر بائساً بكل معنى الكلمة، مذيعون مرتبكون، وكاميرا تجاهد لنقل صورة لبضع عشرات من المتظاهرين يحملون صور الزعيم الليبي واعلامه الخضراء.

الطريقة التي ألقى بها المهندس سيف الاسلام خطابه كانت ابلغ تعبيراً من الشاشة الرسمية، فقد كان مهتزاً وهو يوجه التهديدات للشعب الليبي بالحرب الاهلية، ويصف الثائرين من ابناء شعبه بالبلطجية ومتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة ويلوح بتفتيت البلاد، واستخدام سلاح القبلية للدفاع عن نظام يواجه الانهيار على ايدي ابناء الشعب وبطريقة مهينة.

لا نعرف ما هي الصفة التي اعطت لسيف الاسلام الحق في مخاطبة الشعب الليبي بالطريقة التي خاطبه بها، فوالده معمر القذافي الذي يستمد شرعيته من ابوته، ظل يدعي طوال السنوات العشرين الماضية بانه لا يملك اي سلطات رئاسية او حكومية بعد ان سلم السلطة للشعب، فاذا كان حال الوالد كذلك، اي لا يملك سلطات، فما هي السلطات التي تخول الابن بحيث يهدد باعادة البلاد الى العصر الحجري، ويؤكد انه سيقاتل حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر طلقة؟

ليبيا لن تتحول الى 'امارات اسلامية' مثلما توعد المهندس سيف، كما انها لن تتفتت الى دويلات ايضا، فابناؤها الثائرون في مختلف المدن ابتداء من طبرق في الشرق وحتى زوارة في اقصى الغرب، يريدون اخراج ليبيا من العصر الحجري الذي تعيشه حاليا، والانتقال بها الى عصور الحضارة والرقي، الى الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، وفق خطط علمية حديثة تضعها في المكانة التي تستحق.

' '

كنا نتمنى لو ان المهندس سيف الذي قضى معظم سنواته الاخيرة متنقلاً في عواصم الغرب، قد استخدم لغة حضارية في مخاطبته للشعب الليبي، مثل ابداء الاسف لسقوط مئات الشهداء، فهؤلاء ابناء ليبيا اولا واخيراً، او شدد على ضرورة الاحتكام للعقل وليس السلاح مثلما قال، ولكنه لم يفعل، نقولها بكل أسف.

لجوء النظام الليبي الى قوات المرتزقة للدفاع عن وجوده في السلطة ليس جديدا، فقد استعان بهؤلاء عندما احتلت قوات تشادية تمتطي سيارات تويوتا قاعدة جوية ليبية قرب سبها الجنوبية في الثمانينات، دون اي مقاومة، لسبب بسيط هو ان الجنود في القاعدة كانوا من دون اسلحة، وحتى من حمل اسلحة منهم فكانت دون ذخائر، لان النظام كان يخشى من الجيش وانقلابه ضده.

الشعب الليبي يستحق الحرية بعد اكثر من اربعين عاماً من حكم ديكتاتوري حرمه من ابسط حقوقه، وحول بلاده الى حقل تجارب لمختلف النظريات السياسية المتناقضة، ابتداء من الاشتراكية الى حكم اللجان الثورية، وانتهاء بالرأسمالية المنفلتة، وكان الفساد هو القاسم المشترك لجميعها.

هذه الانتقالات الجماعية التي نراها من قبل كبار رجال الدولة وعلى رأسهم المستشار القاضي مصطفى عبد الجليل وزير العدل تؤكد على اصالة الشعب الليبي، ورفضه للظلم، مثلما تؤكد على عزمه وشجاعته في مواجهة نظام متجبر متغطرس. فكيف يستمر وزير العدل في منصبه في ظل غياب العدالة، وسقوط المئات من الشهداء بالرصاص الحي، وشظايا قذائف الار.بي. جيه؟

العالم بأسره يجب ان يتدخل، وبأقصى سرعة ممكنة، لانقاذ الابرياء الليبيين من حمام الدماء الذي اعده النظام لهم، وعمليات القتل الشرسة التي تستهدفهم في وضح النهار بعيداً عن الكاميرات ووسائل الاعلام البديلة. فمثلما تدخل العالم لوقف المجازر في رواندا، وفرض الحماية على المناطق الكردية في شمال العراق، وارسل قوات لحقن الدماء في دارفور، فانه مطالب بفعل الشيء نفسه في مختلف المدن الليبية.

' ' '

نعم.. ليبيا ليست مثل مصر او تونس، هذه هي المقولة الوحيدة التي نتفق فيها مع المهندس سيف القذافي.. ليبيا الاكثر سوءا على الاطلاق. ففي مصر مبارك، وتونس بن علي بنى تحتية، ومستشفيات وجامعات، ومؤسسات، ودولة، وشبكة طرق عامة، وصحافة ومحطات تلفزة خاصة حتى وان كانت مملوكة لمقربين من النظام، ولكن جميع هذه الاشياء، واكثر منها، غير موجودة في ليبيا المحكومة من العقيد معمر القذافي، وان وجدت ففي حال يرثى لها.

ولان الاوضاع في ليبيا اكثر سوءاً، وشعبها الاكثر معاناة في ظل نظام ديكتاتوري قمعي، فان فرص نجاح الثورة فيها اكبر بكثير.. الشعب الليبي صبر طويلاً، وتحمل الكثير من المعاناة، ولكنه صبر الجمال، وعندما يثور لا تتوقف ثورته حتى يحقق جميع مطالبه. ومثلما انتصرت ثورة الشعبين التونسي والمصري، ستنتصر ثورة الشعب الليبي في نهاية المطاف. لانها الثورة الحقيقية على ثورة ليس لها من اسمها نصيب.

الشعب الليبي الذي قهر الاستعمار الايطالي الاشرس من بين اقرانه في القمع والقتل، سيقهر قطعاً من يريدون اذلاله واهانته وتحطيم كرامته، وتبديد ثرواته، فقد طفح الكيل ولحظة الخلاص باتت وشيكة.. بل وشيكة جداً.

الزعيم الليبي الذي طالب شعبه بالرحيل الى افريقيا وحوض النيل حيث الماء والخضرة والثروات، لماذا لا يبادر هو بتطبيق نصائحه هذه ويبدأ بنفسه، ويقرر اللجوء الى اي دولة افريقية تستضيفه، واسرته، حقناً للدماء، وحفاظاً على ليبيا التي طالما تغنى بحبه واخلاصه لها.

=========================

ثورات الموجة الثانية

الثلاثاء, 22 فبراير 2011

حازم صاغيّة

الحياة

حين اندلعت ثورات «المعسكر الاشتراكيّ»، لم يقل إلاّ السخفاء إنّ التشيكيّين على حقّ فيما الرومانيّون مخطئون، أو أنّ الهنغاريّين مصيبون فيما الألمان الشرقيّون غير مصيبين.

كانت تلك الموجة تلعب مع التاريخ وتلعب لعبته، بالمعنى الذي لعبت فيه موجة إسقاط الامبراطوريّات بعد الحرب العالميّة الأولى، مطيحةً تلك العثمانيّة وتلك الهابسبورغيّة النمسويّة-الهنغاريّة وجارتها الروسيّة القيصريّة، أو بالمعنى الذي لعبت فيه موجة نزع الاستعمار وقيام الاستقلالات بعد الحرب الثانية.

لقائل أن يقول إنّ نتاج تلك الموجات لم يكن كلّه قابلاً للحياة. فالامبراطوريّة الروسيّة انبعثت من جديد في ثوب شيوعيّ، وكثيرة هي البلدان التي استقلّت ولم تستطع تحويل استقلالها إلى خطوة متقدّمة وإلى نفع عامّ.

ذاك أنّ التاريخ ليس صفراً، والمفاهيم، حتّى لو كانت إيجابيّة ومتقدّمة، لا تغدو ممكنة بمجرّد توكيد العزائم التي تقف وراءها، فهناك وقائع أعرض تتصدّرها القدرة الموضوعيّة على جعل الديموقراطيّة والثورة وسواهما قابلة للتطبيق.

والحال أنّ الموجة الحالية التي عصفت، وتعصف، بالشرق الأوسط، لا تتساوى في حظوظها تبعاً إلى عدم تساويها في المقدّمات التي انطلقت منها، الاجتماعيّ منها والسياسيّ.

وهذا لا علاقة له بمسألة «الحقّ». فكلّ المنتفضين على حقّ لا يقبل أدنى تشكيك، وكلّ الأنظمة، وقد ذهب بها الانحطاط بعيداً، تستحقّ الإسقاط المبرم. أكثر من هذا، ليست هناك ثورات صافية، سيّما وأنّ كلّ ما تكبته الأنظمة الفاسدة والقامعة، جيلاً بعد جيل، يحضر إلى الواجهة مع انهيار تلك الأنظمة. وهو يحضر قاسياً، فوضويّاً، متداخلاً، متوتّراً، يلحّ على حلول سريعة وقصوى. وهذا ما لا ينبغي له أن يعيق الثورات الديموقراطيّة التي تستطيع، بعد استعادتها الحياة السياسيّة والدستوريّة، أن تتعامل مع تلك التناقضات الجامحة بحيث تسكّنها وتلبّي مطالبها بالتدريج.

ما هو أصعب وأشدّ إثارة للحيرة وللتعادُل في الموقف يتعلّق بالتكوينات المجتمعيّة التي تكون سلطات الاستبداد، جيلاً بعد جيل، قد فاقمت تصدّعاتها وأوهنت قدرتها على التحوّل.

والأمثلة كثيرة في الموجة الثانية من ثورات الشرق الأوسط الراهنة: فاليمن يقيم تحت سطح وحدته الرقيق شمال وجنوب متكارهان، يحاول ثانيهما الفرار من الأوّل، كما يتململ العداء بين حاشد وبكيل، ناهيك عن عصبيّة حوثيّة وأخرى مأربيّة وسوى ذلك. والبحرين، لا يخفى على أيّ عارف بالمعطيات المتداولة عنها أنّها تنطوي على أزمة سنّيّة – شيعيّة عميقة ومزمنة. أمّا ليبيا فشرق يتمحور حول بنغازي وغرب يدور حول طرابلس، فضلاً عن كونه ساحلاً وداخلاً غير متصالحين. وكم هو ذو دلالة على سطحيّة المزاعم الإيديولوجيّة التي يستهويها إنكار الواقع، والتعامل مع البلدان كرؤوس بطاطا، ما فعلته محطّة «الجزيرة» حين فرملت ثوريّتها الجامحة عند عتبة البحرين ذات الانتفاضة «الشيعيّة».

وإذا كانت مصر لا تعاني انشقاقات كهذه، فما يبدو، أقلّه حتّى اليوم، أنّ تونس نجحت، ربّما بسبب تقدّمها ذي الأصول البورقيبيّة، في تذليل تناقضاتها «الجهويّة».

هذا لا يعني، بطبيعة الحال، دعوة الجماهير الثائرة إلى أن تسرّح نفسها بنفسها، وتذعن إلى الحجج التي تردّدها الأنظمة جميعاً لغرض الابتزاز: إمّا نحن ومعنا الاستقرار أو التغيير المصحوب بالفوضى. وقد كان سيف الإسلام القذّافي آخر من أوصل هذه الرسالة المسمومة بأكبر جرعة ممكنة من السمّ.

فمطلوب الضغط على الأنظمة كي ترضخ للمطالب الإصلاحيّة، ولإصلاحات جدّيّة تنصّ عليها دساتير جديدة ومُلزمة، فيما يُتّفق على مراحل انتقاليّة لتنفيذها. وفي هذا المعنى، تصرّفت جماعة «الوفاق» البحرينيّة بمسؤوليّة رفيعة حين طالبت ب»ضمانات» تسبق الحوار الذي يُفترض أن يفضي إلى الإصلاحات.

لكنْ ما العمل مع نظام ك «الجماهيريّة» يبدي استعداداً للقتل لا ينافسه إلاّ استعداد سيّده، «ملك ملوك أفريقيا»، لاستعراض سخافاته المسرحيّة من درجة خامسة؟ وهنا، تحضر مقارنتان، واحدة بينه وبين الملك إدريس السنوسي الذي انسحب، في 1969، من دون إراقة دم، ثمّ بين نظامه الذي يتباهى بعدم تأثّره بالخارج والنظام البحرينيّ الذي لا يستطيع إلاّ أن يتجاوب مع الخارج: الحالة «الوطنيّة» و»التقدّميّة» الأولى تتحوّل عبئاً ثقيلاً على الليبيّين في دمائهم وأرزاقهم، فيما الثانية «الرجعيّة» تسحب أدوات قمعها من «اللؤلؤة» وتترك الميدان للمتظاهرين.

وقصارى القول إنّ نظاماً كالليبيّ يربك كلّ تحليل وكلّ افتراض. إلاّ أنّه هو، لا الثورة عليه، من يتحمّل وحده مسؤوليّة الفوضى والخراب في حال اندلاعهما.

========================

جدار برلين ... العربي

الثلاثاء, 22 فبراير 2011

الياس حرفوش

الحياة

أثبتت «فايسبوك» و «تويتر» وسواهما من وسائل الاتصال الحديثة انها قادرة، في العالم العربي، أن تفعل ما فعله سقوط جدار برلين بأنظمة اوروبا الشرقية. أنظمة تهتز، لا بفعل نداءات احزاب المعارضة التقليدية الى مواجهة الحزب الحاكم، وهي التي فعلت ذلك لعقود بلا نتيجة، بل بفعل نداءات شباب يسكن ضمن شبكة الانترنت، الى التواصل والتجمّع في امكنة وميادين محددة، بحيث يصعب على اجهزة السلطة تفريق المتظاهرين وقمعهم، من دون أن تغرق وتُغرق البلد معها في بحر من الدماء.

الأمر نفسه تكرر في تونس ومصر واليمن والبحرين والآن في ليبيا. وبعد ان كانت محطات التلفزيون وشبكات الاذاعة ووكالات الانباء هي المصادر الحقيقية التي يسعى وراءها من اراد معرفة ما يجري، باتت هذه كلها الآن تحت رحمة موقع «يوتيوب» الذي تصل اليه مشاهد التظاهرات واعمال القتل، من خلال كاميرات الهواتف المحمولة، تنتظر ان تنقل عنه حقيقة ما يحدث على الارض.

أنها اول انتفاضة شعبية في هذا العصر توظّف ثورة الاتصالات في خدمتها. وقد فرض ذلك على الكهول من امثالنا اللحاق بهذا العالم المستعصي، عالم التقنية الحديثة، لمحاولة التعرف ايضاً الى ما يجري. وسيشعر عرب المستقبل من الاجيال الجديدة بامتنان كبير لبيل غيتس وشركاه لأنهم فتحوا لهم آفاقاً من التواصل سهّلت سقوط انظمة كانت تبدو، حتى في عيوننا، نحن الذين نزعم معرفة منطقتنا، أنها انظمة أبدية.

غير ان «تويتر» و «فايسبوك» يمكن أن يُسقطا نظاماً، لكنهما أعجز من اقامة نظام مكانه. تستطيع مواقع التواصل ان تدعو الملايين الى الشوارع، وأن تراهن على عدم شهية النظام الى ارتكاب المجازر واسالة الدماء، ما عدا نظام القذافي وما يرتكبه في شوارع المدن الليبية. لكن هذه المواقع لا تستطيع انجاز المهمة بتحقيق البديل الديموقراطي والحكم المدني الحديث، الذي يحلم به الشباب المرابط في الميادين.

لهذا اظهرت تجربة شباب تونس ومصر الى الآن ان مرحلة ما بعد التغيير لا تقل صعوبة عن التغيير نفسه. فقد نجح رأسا النظامين اللذين سقطا في قطع الطريق على اي حالة سياسية بديلة تسمح بتداول سلمي للسلطة، او بوجود مؤسسات حزبية منظمة قادرة على تسلم الحكم. من هنا حالة الفراغ القائمة الآن في كل من تونس ومصر، ولهذا نسمع جواب الذين تُطرح عليهم الاسئلة في ليبيا عن مرحلة ما بعد القذافي: لا ندري. سنرى بعد سقوط النظام!

ولأن الطبيعة تكره الفراغ، تتأهب القوى القادرة والمنظّمة في البلدين لملء هذا الفراغ. ففي كل من تونس ومصر، ينشأ تحالف ضمني بين ما بقي من اجهزة النظام السابق وبين القوى الاسلامية الاكثر تنظيماً في المجتمع، والتي عادت بقوة الى الساحة التونسية واستعادت الظهور في المشهد السياسي المصري، في شكل اثار في البلدين قلق الاقليات الدينية والحزبية، التي كانت تعتقد ان حظها من مكاسب ما سمّي بالثورة لا يقل عن حظ سواها.

وليس من قبيل الصدفة أن تصبح الحريات الفردية، المدنية والدينية، هي التي تتعرض للمضايقات في هذه المرحلة. وما نسمعه من اخبار من تونس عن هذه المضايقات لا بد ان يدعو الى القلق في شأن هوية النظام الذي يتشكّل لمستقبل هذا البلد. والأمر نفسه يمكن ان يقال عن مصر مع الجدل الدائر حول تعديل المادة الثانية من الدستور، وبعدما رأيناه من احتلال شخصيات غير معروفة بثقافتها المدنية لمنصة الاحتفال بمرور اسبوع على تنحي الرئيس مبارك، واستبعاد شخصيات اخرى كان يمكن ان توحي ثقة اكبر بمستقبل هذا البلد.

ذلك ان احترام الحرية الفردية لا يقل اهمية عن احترام الحريات السياسية. فالذي يفشل في احترام الاولى ومراعاتها، سواء كانت حرية مدنية ام دينية، يصعب ائتمانه على الحريات الثانية. وهو ما يطرح اسئلة كثيرة حول المرحلة المقبلة ووجهة سير الانظمة الحاكمة في العالم العربي، التي اسقطتها ثورة الاتصالات.

========================

مصر.. بداية جديدة من خلال المدن

ديفيد ليونهارت

الشرق الاوسط

22-2-2011

ربما يكون من السهل تأمل الصور التي تأتي من القاهرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، والنظر إلى مصر باعتبارها مجتمعا حضريا للغاية، لكن ربما لا يكون هذا صحيحا.

عندما تولى الرئيس حسني مبارك السلطة عام 1981، كانت مصر أكثر حضرية من باقي دول العالم، حيث كان يسكن نحو 44 في المائة من السكان في المدن. على الجانب الآخر لم تكن نسبة سكان المدن في شرق آسيا تتعدى 26 في المائة. ومنذ ذلك الحين اتسعت رقعة مدن قارة آسيا سريعا؛ مما جذب ملايين الفلاحين الذين يبحثون عن حياة أفضل كثيرا ما كانوا يجدونها. ويعيش نحو 50 في المائة من سكان شرق آسيا حاليا في المدن. ماذا إذن عن الصورة في مصر؟ إنها الدولة الكبيرة الوحيدة التي أصبحت أقل حضرية خلال الثلاثين عاما الماضية، طبقا للبنك الدولي، حيث يعيش نحو 43 في المائة من المصريين اليوم في المدن.

يفسر هذا الركود ما تعانيه مصر من ركود أكبر. رغم صعوبة حياة المدينة في الدول الفقيرة، فإنها تعد تربة خصبة للنمو الاقتصادي؛ حيث يمكن القيام بكل شيء تقريبا على نحو أكثر فاعلية في مدينة تدار جيدا من أعمال سباكة إلى وسائل مواصلات أو توليد أفكار وأعمال جديدة. يقول بول رومر، خبير اقتصاد ونمو: «الوجود بالقرب من الآخرين ينمي ذكاءنا».

صدر لإدوارد غلاسر، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، الذي يشارك في التدوين بمدونة «تايمز إكينومكس بلوغ»، حديثا كتاب بعنوان «انتصار مدينة» يؤكد فيه أن المدن هي أعظم الاختراعات البشرية، ويوضح في كتابه أن الدول التي تصبح أكثر تمدنا تتجه نحو المزيد من الإنتاجية. تأثير ذلك يكون أكبر في الدول الفقيرة عنه في الدول الغنية.

لكن مصر أسيرة بنية جغرافية قديمة. مثل الكثير من الأنظمة الديكتاتورية، تسيطر عليها عاصمة كبيرة؛ حيث يحظى الناس والأعمال بدعم الحكومة. لم تقترب عاصمة مصر من العاصمة الصينية، شينزين، أو العاصمة الهندية، بانغالور، أو عاصمة كوريا الجنوبية، بوسان، أو عاصمة الولايات المتحدة سابقا، شيكاغو، التي كانت أماكن ازدهار الآلاف من الشركات الجديدة.

أصبحت هذه المدن حضّانات عملاقة للنمو الاقتصادي؛ حيث كانت محلا لتعلم الناس التعاون والمنافسة واستغلال مهاراتهم، وكذلك تعلم مهارات جديدة. مع الأسف لا توجد وصفة سحرية لتحقيق النمو الاقتصادي، فالاستراتيجيات التي تجدي نفعا في دولة ما قد تبوء بالفشل في دولة أخرى، لكن الدرس الاقتصادي الذي قدمته العقود القليلة الماضية للحكومة المقبلة في مصر هو أن الدول تزيد من فرص النجاح بأقصى قدر ممكن من خلال تعليم العاملين بها مهارات جديدة وحثهم على المنافسة، وهو ما لم تفعله مصر والكثير من الدول العربية.

غياب تنمية المهارات أمر واضح، فمن بين 48 دولة شاركت في اختبار الرياضيات المعياري للمستوى الثامن، حصلت قطر على المركز الأخير. ومن الدول التي حصلت على مراتب متأخرة، من الأدنى إلى الأعلى، المملكة العربية السعودية، والكويت، وفلسطين، وعمان، والجزائر، ومصر، وسورية، بينما حصلت الولايات المتحدة على المركز التاسع.

وحصدت دول آسيوية أول خمسة مراكز، ومنها: تايوان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة. ليس تقدم هذه الدول عن مصر وباقي الدول العربية بخطى أسرع منذ فترة الثمانينات من قبيل المصادفة.

ويقع على نفس القدر من الأهمية نقص المهارات، لكن المشكلة هي أن الكثير من المصريين يستغلون مهاراتهم في ظل اقتصاد متصلب. وقد اكتشف ثلاثة من الباحثين هم: مايكل كليمنز، ولانت بريتشيت، وكلوديا مونتينغرو، طريقة جديدة لقياس مدى كفاءة استخدام الدول المختلفة للعمال بها. وعقد الباحثون الثلاثة مقارنة بين أجور المهاجرين إلى الولايات المتحدة وأجور العمال من أهل تلك البلاد.

يمكن أن يتوقع شاب مصري حاصل على الشهادة الثانوية يبلغ من العمر 35 عاما ينتقل للإقامة في الولايات المتحدة مستوى معيشة أكبر بمقدار 8 مرات، على حد قول الباحثين. بينما يحصل المهاجرون من اليمن ونيجيريا على أكبر من ذلك. في واقع الأمر تمثل تلك الدولتان نموذجا للهوة الشاسعة بين ما يستطيع العمال من أهل البلد إنتاجه في بيئة مختلفة وما ينتجونه بالفعل في موطنهم.

لا عجب إذن أن يخبر 19 في المائة من المصريين مؤسسة «غالاب» (قبل الاحتجاجات بفترة) أنهم لن يترددوا في الرحيل إلى أي بلد آخر إذا أتيحت لهم الفرصة. ويقول كليمنز إن نسبة المصريين الذين يتقدمون للحصول على إقامة في الولايات المتحدة في «اليانصيب» السنوي تبلغ 146 لكل تصريح. لذا؛ من المهام التي تواجه من سيخلفون مبارك؛ توفير أماكن داخل مصر لينتقل إليها المصريون، مثلما تدفق العمال الهنود إلى بانغالور والعمال البرازيليون إلى ريو دي جانيرو. وينبغي أن تضم هذه الأماكن شركات مصرية أقل اعتمادا على الدولة وأكثر انفتاحا على المنافسة العالمية. كذلك ينبغي أن تمثل هذه الأماكن نقاط انطلاق للبحث العلمي الذي تراجع كثيرا في مصر، بل وأن تحتضن تلك الأماكن إبداعا يخلق فرص عمل؛ مثل ذلك الذي تجلى في إسقاط الديكتاتور.

المكان المرشح الأول هو القاهرة؛ نظرا لكل ما تتمتع به من مميزات. فحتى تحت حكم نظام مبارك، اتجه الاقتصاد في القاهرة إلى اقتصاد السوق بخطى متباطئة. كثيرا ما تنجب العواصم مدنا أخرى مثل زونغ غوان كان، مدينة التكنولوجيا في بكين. لكن الجيش المصري يبسط سيطرته على القاهرة، خصوصا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وبحسب ملحوظات سان فرانسيسكو المرتبة ترتيبا زمنيا: «يمتلك الجيش شركات ويبيع كل شيء بدءا من مطفآت الحريق والمعدات الطبية، وصولا إلى أجهزة الكومبيوتر المحمول والأجهزة التلفزيونية وماكينات الخياطة والثلاجات والأواني و(الطاسات) وأسطوانات غاز البيوتان وزجاجات المياه المعدنية وزيت الزيتون». ربما لا يريد الجيش التخلي عن هذه الامتيازات الاقتصادية.

ستحتاج مصر، التي ربما تمثل نموذجا يُحتذى به في العالم العربي، أن يكون لها نموذج خاص بها يختلف عن مدينتي بانغالور وشينزين. تستطيع هذه المدينة النمو من الصفر مثلما فعلت مدينة شينزين، كذلك يمكنها أن تصنع تاريخا لا يقل ثراء عن تاريخ مدينة الإسكندرية التي تصادف أنها ثاني أكبر مدينة في مصر. بغض النظر عن التفاصيل، المؤكد أن مصر الأكثر حضرية ستكون أكثر رخاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ