ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 17/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

على "إسرائيل" توقع شيء مختلف

آخر تحديث:الأربعاء ,16/02/2011

غسان العزي

الخليج

لم يكن معظم الذين شاركوا في تظاهرات ميدان التحرير في القاهرة قد ولدوا عندما وقعت مصر و”إسرائيل” معاهدتي كامب ديفيد والصلح في عامي 1977 و،1978 وبالتالي فإن هؤلاء اعتادوا على علاقات عادية بين البلدين لم تتخللها الحروب . أضف إلى ذلك أن المطالب التي رفعها هؤلاء كانت في جلها داخلية اقتصادية واجتماعية الطابع، بالإضافة إلى ما يتعلق بتداول السلطة وعدم توريثها واحترام الحريات وغيرها قبل أن تتطور إلى ثورة شعبية أطاحت بالنظام المصري . ولا يلاحظ المراقب لشعارات ما أضحى يسمى بثورة 25 يناير/ كانون الثاني بأنها طالبت بإلغاء المعاهدة مع “إسرائيل” ولو أنها عابت على الرئيس مبارك علاقته الدونية بهذه الأخيرة وبالولايات المتحدة أيضاً . ومن جهتهم لم يبد “الإسرائيليون” قلقاً ملفتاً إزاء ما حصل في مصر رغم تصريحاتهم عن ضرورة التمسك بالاتفاقات المعقودة معها “لمصلحة البلدين والسلام في المنطقة” (أي سلام؟)، الأمر الذي أكده المجلس العسكري في بيانه الخامس، باحترام مصر لالتزاماتها الدولية والإقليمية .

رغم ذلك يبقى السؤال مشرّعاً حول مستقبل العلاقات المصرية “الإسرائيلية” بعد انهيار نظام حسني مبارك كما التطلعات إلى عودة مصر لمزاولة دورها التاريخي في ساحة العروبة .

لكن بمعزل عن التمنيات والأحلام، رغم مشروعيتها وضرورتها، فإن من السذاجة بمكان الاعتقاد أن مصر جمال عبدالناصر هي التي تولد أمامنا في هذه اللحظات التاريخية . فقد ترك حسني مبارك بلداً مثخناً بالجراح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي يتطلب علاجها وقتاً طويلاً وحاجة إلى المعونات الأجنبية لاسيما الأمريكية منها . وسيكون الحكم الجديد منهمكاً بورشة هائلة ومعقدة لإعادة إعمار ما هدمه الفساد وسوء الإدارة في الداخل قبل أن يتمكن من التطلع إلى إعادة صياغة سياسة خارجية تستحقها الدولة الإقليمية العظمى التي كانتها مصر في أيام الرئيس جمال عبدالناصر . ومن المؤكد أن الأمريكيين سوف يراقبون جيداً تطور السياسة الخارجية المصرية لاسيما حيال “إسرائيل” وسوف لن يتأخروا عن ممارسة الضغوط عندما يشعرون بالحاجة إليها . وخيارات مصر الدولية تبقى محصورة في غياب ثنائية أو تعددية دولية تسمح لها بالمناورة بين القوى العظمى كما كانت عليه الحال أيام الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال .

بالإضافة إلى ذلك فإن الوضع المالي والاقتصادي لا يسمح للقاهرة، أقله في الأمد المنظور، بتحديث الجيش المصري وتزويده بالسلاح والعتاد والمنظومات الدفاعية التي تجعله قادراً على مواجهة “إسرائيل” إذا ما قررت احتلال سيناء رداً على قرار القاهرة إلغاء معاهدة كامب ديفيد . وستكون مجازفة كبرى إذا كانت بمثل هذا الإلغاء قبل استكمال الاستعدادات الضرورية له، وهذا أمر لن يكون ممكناً في المدى القريب .

ولكن من الناحية المقابلة فإن الجيل الذي خاض ثورة 25 يناير يشاهد في كل يوم على شاشات الفضائيات كما يقرأ في الصحف العربية منها والأجنبية ويسمع في الإذاعات أخبار المذابح التي ترتكبها “إسرائيل” ضد أطفال فلسطين والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وبالتالي فهذا الجيل يستشعر العار الذي استجلبته لبلاده سياسة التخاذل أيام مبارك التي ذهبت إلى حد المشاركة في الحصار الظالم على غزة . جيل الشباب هذا الذي أسقط النظام يتطلع إلى نظام بديل يعيد إلى مصر كرامتها المهانة ودورها المفقود، ولن يكون ذلك ممكناً إلا إذا اتخذت مواقف وسياسات إقليمية مغايرة لتلك السائدة منذ وفاة جمال عبدالناصر . صور هذا الزعيم العظيم كانت حاضرة في التظاهرات الشعبية التي غابت عنها تماماً صور الرئيس الراحل السادات الذي عقد الصلح مع “إسرائيل” وفي ذلك ما يخبر الكثير عن نبض الشارع العربي المصري ودوافع ثورته .

صحيح أن مصر لن تتمكن من إلغاء معاهدة كامب ديفيد لكنها سوف تتمكن على الأقل من مطالبة “إسرائيل” باحترامها، إذ إن المعاهدة المذكورة تتضمن في ديباجتها تعهداً بعدم تهديد السلم في المنطقة والاعتداء على دولها، وهذا ما لم تنفك “إسرائيل” تفعله منذ انسحابها من سيناء في عام 1982 . وقتها قال مناحيم بيغن علناً إنه انسحب من سيناء كي يتمكن من التفرغ للجبهة الشرقية فاحتل بيروت، وما كان ليفعل لولا اطمئنانه للجبهة الغربية . وبعد اجتياح لبنان في عام 1982 تكررت الاعتداءات “الإسرائيلية” على لبنان و فلسطين بوتيرة غير مسبوقة .

يحق للمصريين المطالبة بمراجعة المعاهدة، وهو أمر مسموح به كل خمس عشرة سنة رغم أنه لم يحصل إلى الآن، لاسيما البند المتعلق بتوريد الغاز إلى “إسرائيل” بأسعار تفضيلية . ولا شيء يلزم السلطات الرسمية المصرية بإقامة علاقات حميمية الطابع مع “إسرائيل” في وقت يعرض فيه الشعب المصري عن التطبيع معها، ولن تتمكن الولايات المتحدة من إجبار القاهرة على استقبال المسؤولين “الإسرائيليين “ في مناسبة وغيرها لاسيما في وقت يقوم فيه جيشهم بالمجازر في فلسطين أو لبنان، ولا يمكن لكل الضغوط أن تجبرمصر على المشاركة في حصار غزة إلى جانب جيش الاحتلال .

مما لا شك فيه أن على “إسرائيل” من الآن فصاعداً أن تعتاد على استقبال أشياء مختلفة عن الهدايا المجانية التي اعتادت عليها من مصر في حقبة السادات ومبارك التي أنهتها ثورة الخامس والعشرين من يناير .

======================

الانتفاضة التونسية: نموذج للحراك العفوي

يوسف محمد بناصر

كاتب مغربي

ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»

تاريخ النشر: الأربعاء 16 فبراير 2011

الاتحاد

استمرت لحظات انتفاض الشعب التونسي في تصاعد غير مسبوق وبنفس غير متوقع إلى أن أطاحت برأس النظام المستبد بالسلطة. فر بن علي هارباً تاركاً كل شيء خلفه في مهب الريح، بعدما فقد السيطرة على زمام الأمور. إنه "الشعب المنتفض"، لتصبح تلك اللحظة التي أذيع فيها الخبر تاريخية بامتياز، نعم فتونس تحركت كبقعة زيت متوهجة أوقد نارها ونورها "البوعزيزي".

إنها ثورة عصفت بالسنين العجاف التي أحاطت جمهورية الزيتونة، فانهارت شعارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع صرخات هذا الشاب، لقد وصلت درجة اختناق الحرية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية في ظل النظام التونسي حتى صار مضرب الأمثال وسنة للاقتداء العربي.

لقد اختنقت أنفاس الشباب الذين خرجوا يرددون "لاءات" كثيرة ولكنها عميقة، لا للاستعباد، لا للقمع، لا لتكميم الأفواه، ولا للنهب والاختلاس، نعم للحريات نعم للتعددية، بكل عفوية انتفضوا على ثقافة الاستبداد والخوف، لقد احترقت شرعية النظام التونسي في رمشة عين.

اعتمد النظام التونسي السابق على تسويق صورة مزيفة عن نفسه وعن نموذجه القوي، القادر على التحكم والرقابة، فقد خرب الأحزاب - يسارية كانت أو إسلامية- وجعلها غير قادرة على الحركة والعمل السياسي، وحاصر حراك المجتمع المدني، واعتمد بسط السيطرة بشكل شمولي على كل القطاعات.

وعندما أحكم النظام التونسي الخناق على ميادين التنفيس الشعبي وعلى المنظمات والأحزاب والهيئات ونمطها لصالحه، فقدَ في الوقت ذاته السيطرة على الحراك الطبقي والاجتماعي، لتتوسع الطبقة الوسطى المثقفة، كما ترسخ الوعي السياسي فيها مع ارتفاع نسبة التمدرس وتوسع خريجي التعليم العالي، ليكون هذا التحول البنيوي الدقيق هو النقطة التي ستفيض الكأس، لأنها ساهمت في تسريع خطى انهيار النموذج البوليسي المترهل، فانتفض الشعب في لحظة حاسمة تحدوه الحماسة لصنع نموذج ديمقراطي صاعد، يتناسق مع طموحاته ويستجيب لحاجاته الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.

والإشكالية المطروحة الآن أن الشعوب ستتحرك بدون قيادات ملتزمة بمشروع إصلاحي أو أيديولوجي يحفظ القيم التي انتفض الناس من أجلها في برنامج عملي، ليصبح حراكهم عفوياً تعبيرياً وفي غالب الأحيان فوضوياً، غير مؤطر بمنهجية سياسية واعية وفاعلة، وهذا ما سيتجلى في الانتفاضة المصرية إذا لم يتدارك الأمر في وقته، إنها حماسة الخروج من التيه السياسي العربي، حماسة اكتشاف الذات خارج سلطة القمع وخارج النظام المستبد، لقد تولدت لديهم الرغبة في التحدي، ولو تعلق الأمر باكتساح جحافلهم لشرطة القمع بصدر عار أو الوقوف بتحد أمام طلقات الرصاص.

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الرغبة والتحدي لم يكن ليظهرا لولا الإشباع الذي وصلته النفوس والضمائر من كرهها لثقافة الاستبداد والترهيب التي لا ينتهي لهيبها، فطربت النفوس بقوة لجاذبية التحرر وإرادة التخلص من الضيق الاقتصادي، فحان لزوماً الوقت للانتفاض من أجل أن تؤسس ثقافة جديدة مبنية على هذه الحاجات، ولا منة لأحد من "الأحزاب السياسوية" المتخمة بالشعارات الجوفاء والموضوعة تحت تصرف قيادات الفكر القروسطوية أو التاريخ العجائبي، لا منة لأحد من هؤلاء ولا من أولئك على الشعبين التونسي والمصري إلى الآن، ولا منة لزعيم سياسي عليهم قد يتسمى مستقبلا بقائدهم الملهم أو الثوري، ولا منة لبرنامج إيديولوجي أو حركة ثورية أو تنظيم سري عليهم..، هم أنفسهم يمنون ويمتنون شباباً وشيباً، نساء ورجالاً، على أن انتفاضتهم عملية سلمية شعبية لا عنفية شهد لها العالم ولا يزال، فهم أقاموها بعرق جبينهم وبأيديهم وبدمائهم وبعفويتهم السياسية، وقد جوبهت برصاص أنظمتهم المتمرس للقمع، لكن كانت إرادتهم أقوى وصدورهم أمتن وصفوفهم متراصة، فالعنف لا يولد إلا العنف والكراهية والانتقام، والشعب الذي يتبنى الفعل السلمي بشكل عفوي ذكي سياسياً وثقافياً، لأنه يرفض الوقوع في هفوة العنف.

تجربة الشعب المصري اليوم في انتفاضته لا تختلف كثيراً عن الانتفاضات التي قد تطال بلدان عربية كثيرة خصوصاً ذات الأنظمة الجمهورية.

سئمت الشعوب نفسها وسفهت أحلامها تحت حكام الجور، الذين انفرد العالم العربي لوحده بهم دون سائر البلدان، التي سارعت للتخلص مما علق بها من إيديولوجية الأنظمة الشمولية، والتي انهارت منذ أزيد من عقدين وبالأحرى توالى انهيارها منذ واقعة سقوط جدار برلين التاريخية، واليوم لم يعد من السهل إقناع الشعوب العربية بالعودة للخلف، فخطابات التبشير ولى زمانها.

كما أن ترقيع ما بقي من الحياة السياسية والاقتصادية مرفوض تماماً، و"منح" دساتير وحريات وحقوق صورية أو إطلاق إصلاحات مجتزأة وغير واضحة غير مقبول، لأن كل هذه الشعوب الآن امتزجت عندها مشاعر الإصرار على التغيير الجذري بمشاعر الوجود في الحياة، كأنها اللحظة فقط اكتشفت جمال الطريق السوي نحو عالم الديمقراطية ومتعة العيش في النور بعيداً عن الظل والظلام.

======================

إسرائيل.. واحة استقرار أم بؤرة توتر؟

محمد خالد الأزعر

التاريخ: 16 فبراير 2011

البيان

عجيب أمر المنظرين والمسؤولين الصهاينة والإسرائيليين، ففي حال سكون الواقع العربي وخموله الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، رموه بالتخلف والديكتاتورية والرجعية، وصوروا إسرائيل كواحة للتقدم والازدهار والديمقراطية في صحراء من السلطويات.. وإن تحركت المياه الراكدة في هذا الواقع، وانتفض بعض شعوبه بحثاً عن التغيير والتحول الديمقراطي والخوض في مسارات حياتية جديدة واعدة، قيل بأن إسرائيل جزيرة استقرار وهدوء في محيط إقليمي عاصف غير مأمون!

لا يمل الإسرائيليون من عرض بضاعتهم القديمة هذه على الخلق، ولا يريدون الاعتراف بأن العرب مثل سائر الأمم والأقوام، يسري عليهم ما يسري على الناس من أحوال متغيرة. وبمفهوم المخالفة، فإن هذه المقاربة الإسرائيلية المتحجرة، إنما تشير إلى عقدة الإسقاط لدى أصحابها. فالسكون واللاحراك سمات تليق بأناس أنشؤوا كياناً سياسياً، بوحي من تصورات أسطورية وأحافير تاريخية وجغرافية معتمة. ولا يستوي ومنطق نهر الحياة المتدفق، أن يظل العرب من جانب وإسرائيل من جانب آخر، على شاكلة واحدة ثابتة خلال أكثر من ستين عاماً.

نود القول بعبارات أخرى، إن التعامل الصهيوني الإسرائيلي مع صورة العرب ومحاولة تقعيدها وعرضها بشكل جوهراني سرمدي، هو في حد ذاته تعبير عن حالة تخلف ورجعية مفرطة.

آخر الآيات في هذا المقام، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استغل الانتفاضتين الثوريتين التونسية والمصرية، في إعادة تسويق الصورتين النمطيتين لإسرائيل وللعرب.. وذلك بالقول إن هذه الأحداث تؤكد وضع إسرائيل الاستراتيجي كمركز استقرار في إقليم مضطرب.

بهذه المعالجة السطحية الأفعوانية، لخص نتنياهو رؤيته لعمليتي تغيير عربيتين، ذاتي أبعاد اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية، بالغة الجدية والعمق والدلالة في الحال والاستقبال. وتقديرنا أن هذا الرجل، الشهير بأنه أكذب من مسيلمة، لم يصدر توصيفه لهذين الحدثين عن جهل بمعناهما ومغزاهما.. فهو يدرك حتماً أن عمليات التحول الهيكلي قد تأتي في بعض الحالات في سياقات خشنة غير مخملية، بل وربما جاءت في غمار تسونامي الطابع؛ لكنه وهو يقارب هذه النماذج العربية، لجأ إلى تعطيل معارفه التاريخية، واستند فقط إلى خبرته الدعائية وحدسه الإعلامي.

والحقيقة أن نتنياهو ومنظومتيه الصهيونية والإسرائيلية ومن يواليهما في عوالم الآخرين، ليسوا مطلقا بوارد الرضى الحقيقي عن أي تحول ديمقراطي أو تنموي عربي، انقلابيا صاخبا جاء أم كان متدرجا ناعما.. فمثل هذا المستجد من شأنه نفي دعاوى الاستثناء والتفرد الإسرائيلي الإقليمي على هذين الصعيدين. وإن كان من تناظر في هذا الإطار، فهو ذلك الذي ينبغي على القائمين به وضع فكرة التميز والاستثناء الإسرائيلي، تحت مباضع النقد والتفنيد، إذ كيف لدولة تحتل بالقوة العارية شعبا آخر معترفاً له بحق تقرير المصير، وتعيث في أرضه وناسه فساداً؛ قتلاً وسجناً وترويعاً واستيطاناً وتهجيراً.. أن تزعم ديمقراطيتها وإنسانيتها؟

ويخادع الإسرائيليون أنفسهم حين يدفعون بدعوى استقرار كيانهم، فيما هو يموج بأسباب كثيرة للتباغض والتوتر. ومن ذلك التفاوت في المقامات الاجتماعية السياسية والحظوظ الاقتصادية، والمرجعيات الثقافية بين الأشكناز والسفارد والروس والفلاشا... وما بين هؤلاء جميعاً، من جانب، وفلسطينيي 1948 من جانب آخر.

وفي إسرائيل تعيش القطاعات اليهودية كلها تحت السلاح، منذ اليوم الأول لإعلان الدولة حتى اللحظة الراهنة، وهذه وضعية تسمح بإدمان العنف واحتمال ارتداده إلى نحور الإسرائيليين أنفسهم. وحسبنا دليلاً على ذلك، ارتفاع معدلات الفساد وانتشار العصابات الإجرامية المنظمة في إسرائيل، بوتيرة أوسع وأكثر، قياساً بالدول العربية والأرقام العالمية المتداولة.

وليس من باب الاستقرار والتوافق فقط، أن تزدحم الدولة الصهيونية بالأحزاب والحركات السياسية، لأن ظاهرة كهذه قد تعود في أصلها إلى التشظي الاجتماعي والفكري السياسي، وانقسام التجمع الاستيطاني عموديا؛ كما أنها تعد المسؤول الأول عن التقلبات الحكومية ونشوء الائتلافات الوزارية التي لا تعمر طويلا.

نعرف أن الإسرائيليين ولفيفا من المنظرين، يدرجون هذا المشهد السياسي تحت يافطة التعددية السياسية الديمقراطية، لكننا نملك مؤشرات كثيرة على أنه مشهد للتشرذم السياسي، أساسه التوجه الإجباري لاستيعاب أناس توافدوا من أرومات فكرية وثقافية متباينة.

ويجازف بمعقوليته وبالمنطق السديد، من يحاول إقناعنا بصحة الانسجام والتعايش السلمي الحقيقي، ناهيك عن التساوي، بين قطاعات يهودية جرى استقدامها من إفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأواسط آسيا وشرق أوروبا وغربها والأميركيتين!

الشاهد في ضوء التحولات الكبرى الجارية عربياً، أنه على نتنياهو وبطانته الأخذ بنصيحة كاثرين أشتون ممثلة السياسة الاتحادية الأوروبية؛ التي فحواها أن «.. التقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بات اليوم حيوياً أكثر من أي وقت مضى».. هذا قبل ألا يجد هؤلاء من يفاوضهم.

كاتب وأكاديمي فلسطيني

======================

انهيار إمبراطوريات الحزب الحاكم

عمر العمر

التاريخ: 16 فبراير 2011

البيان

الطوفان المصري أغرق النظام الحاكم في القاهرة غير أن تداعياته لن تكون حبيسة أرض الكنانة. مصر دولة إقليمية قاطرة. حالة الطقس السياسي في القاهرة تنعكس على المنطقة العربية بأسرها. رياح الثورة المصرية تتجاوز حتماً ضفتي النيل.

الشباب الثائر لم يخلع فقط النظام الحاكم. الأكثر أهمية من ذلك الإنجاز هو اقتلاع ثقافة الخوف السائدة عقوداً. جسارة المتظاهرين حشرت أجهزة القمع المترهلة في نفق العجز. الجرأة الجمعية باغتت أساطين صناعة الترهيب والإذلال. بكسر حاجز الرعب أصبح جهاز أمن الدولة المستأسد ضمن الخرافات والرموز الذاهبة زبداً في وجه الطوفان الثوري.

ندما استرد المصريون كرامتهم وثقتهم بأنفسهم قدموا أنموذجاً حياً للشعوب المسكونة بالترهيب الرسمي.

أكبر الخرافات الذاهبة أدراج رياح الثورة المصرية يتمثل في الحزب الحاكم. ذلك هرم وهمي لم يصمد أمام طوفان الشارع ليلة واحدة. كل الأحزاب الحاكمة في المنطقة توسمت خطأ الحزب المصري. جميعها تشكل تنظيمات هلامية لظل الحاكم والدولة. كل الأحزاب الحاكمة علاقات غير مشروعة بين رجال المال ورجال السلطة. جميعها مظلات تتفرخ تحتها ممارسات الفساد الممنهج والنهب المنظم للشعب. الحزب الحاكم في مصر احترق في وهج الثورة إلى الأبد. الشباب المصري اختطف الدولة من الأيدي القذرة.

أحد مفاصل أزمات النظام المصري المخلوع افتقاده انجازاً يجذره في الوجدان الوطني. عبدالناصر استند إلى الثورة وتأميم القناة والإصلاح الزراعي والحلم القومي. السادات أسند ظهره إلى العبور. بالإضافة إلى استشراء الفساد غرق النظام الأخير في الانسداد السياسي على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

ربما تبدو المرحلة الانتقالية مشوبة بالغمام العسكري على نحو يحرض على التشاؤم. إطراء دور الجيش إبان الثورة تقدير لا يتجاوز الواقع. وضع الثورة تحت قبعات الجنرالات رهان يتعدى القراءة الموضوعية في التاريخ. المرحلة المصرية محصنة بيقظة جماهيرية ينبغي ألا تراودها الغفلة. أحد أبرز سمات الثورة المصرية تفجيرها طاقات الشباب وكسر احتكار القرار لدى نخبة جشعة. الشعب المصري بأسره ولج دائرة الفعل السياسي. تبرئة شباب الثورة من الرؤى السياسية نظرة مسرفة في الرومانسية تنم عن تسطيح للشباب أو تصدر عن قصور. من يصنع انجازاً يبدو قبل تحقيقه مستحيلاً يملك بالضرورة وعياً سياسياً ثاقباً. هؤلاء شباب تجاوز أطر الخطاب التقليدية المؤدلج نعم لكنهم يتمتعون برؤى سياسية راكزة. تلك عقلية تجتر جدلاً أوروبياً شهدته عواصم عدة في ستينات القرن الأخير. ذلك عقد أحدث فيه طلاب جامعات أوروبية موجة من الإصلاحات الديمقراطية عبر القارة العجوز.

الشكوك إزاء الوفاء باستحقاقات الثورة المجيدة تبدو مشروعة. المجلس العسكري فرض نفسه وصياً على المرحلة الانتقالية. تلك خطوة لم ترد في مقترحات قيادات الميدان إذ تضمنت مجلساً خماسياً لرأس الدولة.

بغض النظر عن أخلاقيات قادة المجلس العسكري الأعلى فالانطباع السائد لدى الشعوب عن أنظمة الحزب الحاكم ترى في جنرالات الجيش بعضاَ من مقاولي الباطن في إمبراطورية السلطة والمال.

عدد منهم منغمس في ممارسات النهب المنفلت باسم الانفتاح وبعض يشكل ضلعاً في رأسمالية الحزب الواحد المتوحشة. لكل هذا تستوجب الثورة المصرية اليقظة الشعبية وتتطلب المرحلة الانتقالية التضامن الوطني. هذان مطلبان قوميان حتى تستكمل مصر مشوار الخروج إلى الأفق الديمقراطي وتستعيد دورها الإقليمي القاطر. من مصلحة الاحزاب المنفردة بالسلطة استيعاب درسي تونس ومصر ، احتكار السلطة والثروة يشعل الثورة وان طال الزمن .

=====================

أصداء الثورة المصرية فلسطينياً

ياسر الزعاترة

الدستور

16-2-2011

الخاسرون بسبب ثورة الشعب المصري العظيم كثر. يأتي في مقدمتهم من دون شك الكيان الصهيوني الذي استمتع لعقود بنظام لم يحافظ على معاهدة كامب ديفيد فحسب ، بل أضاف إليها خدمات جليلة للدولة العبرية (أمنية وسياسية) ، بل واقتصادية كما هو حال صفقة الغاز ، ولعل الأهم بين تلك الخدمات ما يتعلق بتركيع الوضع العربي الرسمي للمطالب الإسرائيلية. ولا نبالغ إذا قلنا إن الدولة العبرية تعيش وضعا استثنائيا بعد الثورة المصرية عبرت عنه فعاليات سياسة مختلفة ، وسيكون أكثر وضوحا بمرور الوقت ، ولا قيمة لمحاولتهم بث الطمأنينة بين أوساط شعبهم إثر تأكيد المجلس العسكري المصري على التزامه بكافة تعهدات مصر الدولية والإقليمية ، لأن معاهدة كامب ديفيد لا تنص على تقديم كل الخدمات التي أشرنا إليها. والأرجح أن حالة الخوف وعدم اليقين التي تحدثت عنها تسيبي ليفني ، زعيمة المعارضة (رئيسة حزب كاديما) ستبقى قائمة خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد معارك مختلفة ستؤدي إلى نهاية هذا الكيان برمته بإذن الله.

الخاسرون الآخرون من الثورة المصرية كثر ، وتمثلهم في المقام الأول تلك الأنظمة التي ترفض الإصلاح والاستجابة لمطالب الشعب ، والتي سيزعجها كثيرا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي دوى في جنبات مصر المحروسة ، وقبلها في تونس الخضراء.

على أن سلطة رام الله ستكون بدورها أحد الخاسرين الكبار إذا لم تعدل مسارها السياسي والأمني خلال المرحلة المقبلة ، وذلك على نحو يستجيب لمطالب الشعب ، وقبل ذلك لمتطلبات المرحلة الجديدة بعد سقوط النظام المصري.

الأكيد أن سلطة رام الله لم تكن تتمنى بحال هذا السيناريو الذي وقع في مصر ، ولم يكن غريبا تجاوزها لمنع المظاهرات المؤيدة لثورة الشعب المصري إلى تسيير مظاهرات من شبيبة فتح تدعم بقاء حسنى مبارك. وإذا قيل إن سلطة قطاع غزة قد فعلت ذلك ، فلأن موقفها ضعيف أمام سطوة النظام المصري الذي يمسك بخناقها عبر معبر رفح ، من دون أن يكون ثمة خلاف على أن الفرحة التي اجتاحت غزة بعد انتصار الثورة كانت عارمة ، بخاصة وسط مؤيدي حماس والجهاد.

في المرحلة الأخيرة كان نظام حسني مبارك هو الراعي لسلطة رام الله ورموزها ، فهو الذي مرر قتل ياسر عرفات ، ورتب انتقال السلطة بسلاسة للذين حاولوا الانقلاب عليه ، وما كان لمحمود عباس أن يصبح رئيسا لو أراد النظام المصري شيئا آخر ، من دون أن ننسى القول إن ما جرى كان استجابة لمطلب أمريكي إسرائيلي نشأ في ظل ظروف التوريث ومطالب قمع المعارضة دون اعتراض أمريكي.

اليوم لا يفقد هؤلاء سندهم في القاهرة فقط ، لكنهم يواجهون أيضا مرحلة كلها جديد ومخيف ، فالثورة المصرية تعني صحوة عربية واسعة النطاق ، وهي تعني أن لغة أوسلو والتنسيق الأمني ستغدو أكثر رفضا عند الشعب الفلسطيني ومن ورائه الجماهير العربية التي فتح لها الانتصار المصري بابا واسعا لأحلام انتصار أكبر على المشروع الصهيوني. ولعل من سوء طالع القوم في رام الله أن يأتي انتصار الثورة المصرية بعد أقل من ثلاثة أسابيع على كشف الوثائق الخطيرة التي أوضحت من دون لبس حجم التنازلات الخطيرة التي قدموها للصهاينة ، والتي لم تكن كافية لإشباع شهيتهم ودفعهم للموافقة على توقيع اتفاق نهائي.

اليوم لن يقبل الفلسطينيون بسهولة أن يتم جرهم إلى ذات المربع من جديد ، سواء منه ما تعلق بالتنسيق الأمني ، بما في ذلك منع ما يسمى التحريض (من طرف واحد بالطبع) ، أم ذلك المتعلق بالجانب السياسي ، وحيث يجري المضي في برنامج السلطة - الدولة التي تتمدد تباعا بإشراف خليفة الجنرال دايتون (مولر) نحو دولة في حدود الجدار سيقال عنها مؤقتة ، بينما هي في حقيقتها دائمة ذات نزاع حدودي مع جارتها. ولن يفيد السلطة الحديث عن انتخابات تشريعية ورئاسية تعلم استحالة إجرائها في ظل الظروف الراهنة ، وبالطبع لكي تثبت ثقتها بموقف الجماهير منها.

في ظل استمرار عمليات الاستيطان والتهويد ، بخاصة في مدينة القدس (بعد كشف الوثائق سأل نتنياهو: إذا كانوا قد تنازلوا عن مستوطنات القدس ، فلماذا يطالبون بوقف الاستيطان فيها؟،) ، في ظل ذلك لن يكون مستبعدا أن ينتفض الشارع الفلسطيني في وجه السلطة والاحتلال في آن ، معلنا انتفاضة جديدة ستشعل الوضع العربي برمته ، ولن يكون بوسع الأنظمة أن تقف في مواجهته خوفا من غضب جماهيرها التي ستضيف غضب الداخل إلى التفاعل مع القضية الأكثر قداسة في وعيها الجمعي.

======================

مصر.. حقائق اقتصادية قاسية

إيزوبيل كولمان (عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركي)

«تريبيون ميديا سيرفس»

الرأي الاردنية

16-2-2011

المظاهرات التي يقودها الشباب التي بدأت في تونس، وانتقلت إلى مصر في يناير الماضي أطاحت بنظامين. فبعد بن علي، أعلن مبارك تنحيه عن منصبه الجمعة الماضية، فاتحاً الباب أمام فترة انتقالية، وتغيير سياسي، وإعادة هيكلة كاملة لنظام الحكم مصحوبة بإصلاحات دستورية، تمهد لانتخابات حرة.

لقد قيل الكثير في الصحافة حول الجذور الاقتصادية للثورات المشتعلة في الشرق الأوسط، وهو أمر له ما يبرره في الحقيقة. فعلى الرغم من أن الاقتصاد عامل مهم، فإن العامل الذي كان يؤدي لإدامة الاحتجاجات والمظاهرات هو الشوق للحرية. فالمتظاهرون المصريون ومنذ اليوم الأول، ركزوا أنظارهم على شيء واحد وهو ضرورة إسقاط النظام، وخروج مبارك الذين لم يعرفوا رئيساً غيره خلال الثلاثين عاماً الماضية.

والفرحة الغامرة التي عبر عنها المصريون بعد نجاح ثورتهم سوف تخبو تدريجياً على الأرجح عندما يبدأون في مواجهة الحقائق القاسية لاقتصادهم.

فكما أثبتت وقائع الثورات في كل مكان، فإن إطاحة الرئيس هو الجزء الأسهل منها، أما بناء نظام جديد يضم مؤسسات شفافة، تضم كافة الأطياف ولديها القدرة على الاستجابة للتوقعات المرتفعة للشعب، فهو الجزء الأصعب بكثير.

وفيما يتعلق بالاقتصاد لا شك أن العودة للاستراتيجيات الاقتصادية الشعبوية التي ترضي الجماهير، وعلى وجه الخصوص العودة إلى الدعم المرتفع للسلع الأساسية، ورفع أجور العاملين في القطاع العام، سوف تكون مغرية، بيد أن الموارد المطلوبة لتنفيذها لن تكون أكثر توافراً بعد الثورة مقارنة بما قبلها.

وأي حكومة جديدة في مصر ستجد نفسها أمام مهمة البحث عن طرق لإطعام شعبها الذي يربو تعداده على 82 مليون نسمة، وتقديم الخدمات الأساسية له.

وتواجه مصر ثلاثة تحديات اقتصادية واضحة تشير إلى أنها سوف تواجه أوقاتاً صعبة خلال الفترة القادمة: التحدي الأول، عدم المساواة المتزايدة في الدخل، والعجز عن معالجة جذور الفقر ما أدى إلى تزايد الشعور بالظلم وتكاثر الشكاوى الاقتصادية من جانب قطاعات عريضة من الشعب المصري، خصوصاً أن النمو الذي تحقق في اقتصاد البلاد نتيجة لعمليات إعادة الهيكلة، واللبرلة وصل إلى 6.7 في المئة قبل الأزمة، ولم تنخفض مؤشراته إلى المعدلات السالبة خلال الأزمة المالية الأخيرة، وتوقع الخبراء تحقيقه لنمو يتراوح ما بين 5ـ6 في المئة هذا العام ـ هذا النمو لم تصل آثاره إلى الطبقات الفقيرة، واقتصر على فئة رجال الأعمال خصوصاً المقربة من الحكم، وعلى الطبقات الغنية في الأصل.

خلال زيارة قمت بها إلى القاهرة مؤخراً، لاحظت الفارق الرهيب بين فئة السكان الذين يقطنون المجمعات السكنية المسيجة في ضواحي القاهرة الفاخرة، وبين هؤلاء الذين مازالوا يسكنون في بيوت مبنية من الطين، في القرى الكائنة في المناطق الزراعية التي لا تبعد عن القاهرة الكبرى سوء بعشرات قليلة من الكيلومترات.

كان الفقر دائماً من التحديات الصعبة التي تواجه أي حكومة مصرية، حيث تشير إحصاءات المنظمات الدولية المتخصصة أن ثلث عدد السكان في صعيد يعيشون تحت خط الفقر، أي بدولارين أو أقل في اليوم. ومما يفاقم من خطورة هذه المشكلة انتشار الأحياء العشوائية حول القاهرة والمدن الرئيسية. وعلى الرغم من أن نسبة سكان مصر الذين يعيشون دون خط الفقر، قد انخفضت من الربع إلى ما دون 20 في المئة، قبل الانكماش الاقتصادي العالمي عام 2008، إلا أنه عادت لترتفع مجدداً بواقع عدة نقاط خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من أن نصيب السكان من الناتج القومي الإجمالي قد ارتفع في مختلف أرجاء البلاد.

إن الفجوة الكبيرة والمتزايدة بين الأغنياء والفقراء، وعدم المساواة المطلقة في الدخول هي التي شكلت وقوداً للسخط الذي حرك الانتفاضة الأخيرة في مصر.

التحدي الثاني، الذي يواجه مصر هو الارتفاع العالمي المتزايد في أسعار المواد الغذائية الذي فاقم من صعوبة الموقف الاقتصادي لمصر وحرك عوامل عدم الاستقرار. فمصر كما هو معروف من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، علاوة على أنها تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها الغذائية من الخارج لإطعام كتلتها السكانية الضخمة. كما أنها تنفق سنوياً قرابة 15 مليار دولار على دعم المواد الغذائية، وهو الدعم الذي يمثل خط النجاة الاقتصادي لهؤلاء الذين يعيشون عند أو تحت خط الفقر. وتشير التقديرات إلى أن التضخم في مصر ارتفع من 12 في المئة عام 2009 إلى 13 في المئة عام 2010 بينما لم ترتفع الأجور بنفس النسبة، وازداد معدل البطالة في البلاد.

التحدي الثالث، على الرغم من زيادة فرص الالتحاق بالمؤسسات التعليمية في مصر فإن نوعية التعليم فيها قد تدنت، علاوة على أن تخصصات الخريجين من الجامعات المصرية لم تكن من النوع المناسب لسوق العمل، وحاجات الاقتصاد المصري.

وأشارت تقارير البنك الدولي والمؤسسات الاستشارية العالمية، إلى عدم قدرة النظام التعليمي المصري على تقديم خريجين مؤهلين بشكل جيد من ناحية، وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين المؤهلين. وترجع تلك التقارير ذلك لأسباب عديدة، منها أن نسبة كبيرة من شركات القطاع الخاص الناجحة هي تلك التي تتمتع بعلاقات جيدة بالحكومة. وهذا الزواج الحرام بين الحكم وبين القطاع الخاص أعاق عملية الدخول والخروج الحر للمشروعات الاقتصادية في السوق المصرية، ولم يساعد بالتالي على نمو القطاع الخاص إلى الدرجة التي تسمح باستيعاب أعداد كبيرة من الخريجين الذين لا يجدون عملاً.

ومع أن معدل البطالة لا يزيد عن 5 في المئة في أوساط غير المتعلمين والفقراء إلا أنه يصل إلى 30 في المئة تقريباً في أوساط خرجي الجامعات تحت سن الثلاثين. ونظراً لزيادة نسبة الشباب بالمقارنة بالعدد الإجمالي للسكان، فإن معنى ذلك أن معدل البطالة قد وصل إلى أعلى مستواه في أكبر كتلة سكانية في المجتمع وهو ما أدى في النهاية إلى خلق فجوة هائلة بين التوقعات وواقع هذه الكتلة الهائلة من الشباب.

نخلص من ذلك أن أي حكومة جديدة سيتم تشكيلها في مصر سوف يكون لديها مساحة محدودة للمناورة الاقتصادية. فالمحركات الاقتصادية الرئيسية للاقتصاد المصري هي قناة السويس التي تدر في الوقت الراهن 5 مليارات دولار في صورة عوائد على مرور السفن، والسياحة التي يشتغل بها 12 في المئة من إجمالي سكان البلاد، وتدر ما يقرب من 11 مليار دولار سنوياً، وأما المحرك الثالث فهو الاستثمار المباشر الذي ارتفع عشرة أضعاف خلال العقد الأخير ووصل إلى 7 مليارات دولار في العام الماضي.

والعبء الأساسي والمباشر الذي ستجد الحكومة المصرية الجديدة نفسها في مواجهته، هو استعادة الثقة والاستقرار المطلوب للمحافظة على حركة الملاحة في قناة السويس، وإعادة السياحة، والاستثمار المباشر إلى معدلاتهما قبل الأزمة.

وقدرة هذه الحكومة على معالجة المشكلات الاقتصادية الأبعد مدى وهي الفقر الدائم، والتعرض لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، والنظام التعليمي غير التنافسي، هي التي ستحدد ما إذا كانت هذه الحكومة ستكون قادرة على الاستجابة لاحتياجات شعبها أم لا.

======================

العنف السياسي في الوطن العربي..! (1/3)

د. عمر الحضرمي

الرأي الاردنية

16-2-2011

رغم ما يرافق العنف السياسي من خسائر، ورغم ما يُحدِثه من ارتدادات على مستوى الدول، إلا أنه لا يعتبر، بالمطلق، ظاهرة سلبية. إذ قد يكون العنف السياسي ضرورة في مرحلة من المراحل أو في وضع من الأوضاع، أو ربما يكون ضرورة تاريخية لا بدّ من الالتفات إليها في وقت من الأوقات. وفي هذا الإطار يمكن فهم التحوّلات الكبيرة في المجتمعات التي تسمّى ثورات، إذ لولا ممارسة درجة من العنف لما نجحت الشعوب والمجتمعات في إحداث التغيير والإصلاح.

ولقد أكّد بعض المفكرين وجود رابط وثيق بين السياسة وبين العنف، دون وجوب اقتصارها عليه، ولذلك لاحظ هؤلاء أنّ ظاهرة العنف السياسي موجودة في كل المجتمعات البشرية ولكن بدرجات مختلفة وبطبيعة مختلفة، ويكمن هذا الاختلاف في مدى تطوير مؤسسات وآليات وأساليب فعّالة للتعامل مع هذه الظاهرة، بحيث يمكن استيعابها أو إدراك دوافعها وبالتالي تقليل مخاطرها وتقليص حجمها.

ومما لا شك فيه، أن إخفاق النظام السياسي في بناء أو تأسيس ما يسمى «شرعية الإنجاز وشرعية البقاء» غالباً ما يؤدي إلى خلق ردود فعل عنيفة بين المواطنين، ربما تكون أحياناً مباشرة دون توجيه، أو ربما تكون بقيادة القوى الفاعلة داخل المجتمع، وفي كلا الحالين يجب الانتباه إلى أن الأمور قد تنساق إلى ما يُعرف بالإرهاب السياسي وهو منحى ضار وخطر بل ومدمّر في معظم الأحيان. أما إذا ما ذهب الحوار بين أطراف العقد؛ السلطة والشعب إلى العقلانية، فإن استخدام المضامين يتجه حتماً نحو الصراع السياسي وهو شأن يدور حول اختلافات قيمية ومصلحية يمكن حسمها بالطرق والوسائل الحضارية.

ومع هذا فإن الكثير من السياقات سواء كانت عنفاً سياسياً أو صراعاً سياسياً تغدو مظهراً من مظاهر عدم الاستقرار السياسي. ولكن تظل الظاهرة محصورة في دائرة الانضباط وبعيدة عن الانفلات الذي يسمح بمرور الكثير من مكوّنات الاضطراب والفوضى، خاصة إذا عبّر العنف السياسي عن نفسه بأشكال متوترة مثل المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات والتمرّدات وأحداث الشغب والحروب الأهلية والاعتقالات والأحكام العرفية وأحكام الطوارئ.

وإذا ما أقررنا بفكرة أنّ العنف السياسي هو متغيّر أساسي في وضعية عدم الاستقرار، فإنّ السلطة تلجأ، في بعض الحالات، إلى ممارسة درجة عالية من العنف الرسمي، في محاولة لتحجيم دوْر القوى المناوئة لها وتقليصها، بهدف تحقيق حالة من الاستقرار السلطوي أو القهري، التي هي في واقعها حالة عدم استقرار كامن، وذلك لأنها نجمت عن قيام السلطة بضرب دوْر القوى الساعية إلى التغيير، بعد أن حادت هذه السلطة عن انتهاج السبيل السليم لدعم شرعيتها الذي يمر من خلال بناء حالة من الرضا الحر لدى المواطنين. ولذلك فإنّ الاستقرار السياسي لا يعني مجرد استمرار النظام القائم، ولكن يشمل الأسس والمقوّمات التي يستند إليها في استمراره. وهنا يجب أن نميّز بين الاستمرارية السياسية القائمة على أسس كفاءة النظام وفاعليته وقدرته على تجديد ذاته وتطوير قدراته ومؤسساته وتعميق أسس شرعيته، وبين تلك الأسس المستندة إلى انخراط النظام في درجة من العنف ضد القوى المعارضة، وهنا يكون الاستقرار غير شرعي وثمنه باهظاً.

وهنا لا بدّ من الفهم أنّ العنف السياسي يجب أن يمتلك الشرعيّة أيضاً، ففي الأنظمة ذات التعددية السياسية، أو تلك التي فيها سلطة منفتحة على المواطنين، أو الأنظمة المتصالحة مع نفسها، في هذه كلها فإنّ العنف السياسي لا يملك شرعية والعكس صحيح، وذلك لأنّ المسألة تحكمها، في نهاية الأمر، اعتبارات قانونية وأيديولوجيّة وقيميّة متداخلة ومتشابكة.

======================

ثورة مصر 2011م

الأربعاء, 16 شباط 2011 09:02 

د. عصام العريان

السبيل

كانت الثورة المصرية مفاجأةً للجميع بمن فيهم المصريون أنفسهم الذين تعودوا الصبر الطويل على حكامهم مهما بلغ طغيانهم مداه.

هذه الثورة تهدف إلى تغيير النظام الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي، وشعارها فليرحل الرئيس رمز النظام، وها هي شرعية جديدة تولد على أنقاض شرعيات سابقة كان أبرز خطاياها هو كبت الحريات والاستبداد بالرأي والفساد الشديد، سوف تبني على إنجازات سابقة، وتتخلص من عيوب قاتلة.

هذه ثورة شعبية لا يقودها فصيل سياسي، بل فجرها شباب مصري من كافة الانتماءات الفكرية والسياسية بمن فيهم إسلاميون، وليست من صنع الإخوان المسلمين الذين يشاركون فيها بنسبة معقولة وعملوا على حمايتها من العنف المضاد الذي مارسته أجهزة الحكومة والأمن بتوظيف البلطجية والمسجونين الذين أطلق الأمن سراحهم من السجون ليثيروا الرعب بين المواطنين، وهم مستمرون في الثورة وفي قلبها لكي تحقق أهدافها، وإذا ذهبوا إلى حوار فلأجل انتقال آمن، وسلمي للسلطة إلى الشعب.

ثورة مصر هزّت الاستقرار الزائف الذي روّج له الرئيس مبارك، ولم يقم على أسس سلمية، وهددت الأوضاع في المنطقة كلها، وتداعياتها وصلت إلى بلدان أخرى كثيرة.

وصلت مصر إلى مرحلة الثورة لعدة عوامل خطيرة تفاعلت خلال العقود الثلاثة لحكم مبارك، وشكلت تطورًا خطيرًا لمساوئ ما سبقه من حكام، وأشعل شرارتها آخر انتخابات برلمانية تم تزويرها بالكامل لصالح الحزب الوطني، وأقصت المعارضة جميعًا من أي تمثيل برلماني، فلم يعدلها مجال إلا العمل في الشارع من خلال الثورة بعد أن تم إخراجها من البرلمان والنقابات المهنية، والعمالية والاتحادات الطلابية، والمجالس المحلية، وتضييق الخناق عليها في الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان وكان للتعتيم الإعلامي قبل الانتخابات أثر كبير في إحساس المصريين بالإهانة البالغة خاصة بعد أن تفاخر رجال الرئيس والرئيس نفسه بنتائج الانتخابات، ولم يعترفوا بحقيقتها.

إن الفساد الذي انتشر في دوائر الحكم العليا إضافة إلى الاستبداد الذي عاني منه المصريون طويلاً، وأنتج في نهاية العقد الأخير لمبارك تزاوجًا محرمًا بين السلطة والثروة، مع التمهيد الواضح لوراثة الحكم بعد مبارك لنجله جمال أدّى إلى مزيد من الإهانة الشديدة للمصريين والإحساس بضرورة التغيير ثم كان الانفجار في 25/1/2011م.

لم تفلح الدولة البوليسية، وجهاز القمع الأمني الرهيب، والاعتقالات المتوالية للنشطاء السياسيين خاصة الإخوان المسلمين الذين تم اعتقال 30.000 من جماعتهم خلال عهد مبارك، وكان آخرها اعتقالنا (مجموعة الـ34)، فجر يوم جمعة الغضب 29/1 إلى أن حررنا السجناء أنفسهم، ولا التعذيب البشع في السجون وأقسام الشرطة، ولا الملاحقات المتوالية في منع الثورة.

جاءت الثورة في مناخ إقليمي يشهد انحسارًا واضحًا لما يسمى بعملية السلام التي أصبحت وهمًا من الأوهام بعد أن كان حلمًا للفلسطينيين بسبب الهروب الصهيوني المتكرر من استحقاقات السلام خاصة بعد أن وصلت حكومة يمينية متطرفة متصلبة تتعمد إهانة العرب والفلسطينيين، وتمارس سياسة تمييز عنصري ضد العرب داخل إسرائيل نفسها، وتبتز النظام المصري الذي تحوّل في نهاية المطاف إلى أداة لحماية الكيان الصهيوني، كل ذلك في ظل دعم أمريكي مستمر لنظام مبارك، ومواصلة الضغوط عليه لتقديم المزيد من التنازلات، إلا تلك التنازلات المتعلقة بالمصريين في حقهم لحياة حرة، وعدالة اجتماعية واحترام القضاء وحرية التعبير.

إن أمريكا لكي تستعيد مصداقيتها في مصر والعالم العربي عليها أن تحترم حق الشعوب العربية في اختيار حكامها وفق القواعد الديمقراطية وألا تثق بقدرة الحكام على قمع الشعوب.

وإذا أرادت أن تحافظ على مصالحها خاصة الإستراتيجية فلا بد أن تستجيب لإرادة الشعوب في بناء نظام ديمقراطي يكفل الشفافية والمحاسبة، وتداول السلطة وأن تتوقف فورًا عن دعم الديكتاتوريات العربية.

ستخسر أمريكا حلفاءها من الحكام العرب واحدًا بعد الآخر إذا لم تغيّر سياستها وتعيد النظر في تحالفاتها الإستراتيجية جميعها في المنطقة، فموجة التغيير الديمقراطي وصلت إلى المنطقة العربية وهبّت عليها رياح الحرية والشعوب هي الأبقى، وإذا كان الفشل الذريع واكب محاولات أمريكية كاذبة لبناء الأمم في أفغانستان ثم لبناء نظام ديمقراطي في العراق، فإن المصريين أثبتوا أنهم قادرون دون مساعدة أمريكا على صنع مستقبل أفضل، وسيبنون بإذن الله نظامًا ديمقراطيًّا حقيقيًّا في مصر يشع بنوره على المنطقة كلها.

إن أمريكا أغنى، وأقوى دولة في العالم، وقد ظلت عقود طويلة تدعى بأنها زعيمة العالم الحر، ورفعت شعارات عظيمة، فماذا عليها لو احترمت حق الشعوب في تقرير مصيرها، واختيار حكامها، وقواعد الديمقراطية، وحرصت على السلام العالمي، والتعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية، حتى تقوم نموذجًا إنسانيًّا يحظى بتعاطف العالم.

أما الإخوان المسلمون الذين استخدمهم مبارك، ونظامه كفزاعة يخوف بها أمريكا والغرب، فقد أثبتوا قدرتهم على الصمود والتضحية ونكران الذات وتحملوا ما لم يتحملوا بشر من أجل مصلحة مصر واستقرارها، فلم ينزلقوا إلى العنف أبدًا، وتمت محاكمتهم أمام محاكم عسكرية في ظل صمت أمريكي، ورضا عربي وترحيب من أبواق النظام السابق، ولم يخونوا الشعب، ولم يعقدوا صفقات من وراء ظهره وحملوا مطالبه ليفاوضوا حول تحقيقها وليس للالتفاف حولها.

لقد أعلن الإخوان أنهم لن يتقدموا بمرشح للرئاسة القادمة، وأنهم ينظرون في برامج المرشحين للتفضيل بينهم، وأنهم سيترشحون للبرلمان وفق قاعدة المشاركة، وليس للحصول على أغلبيته، ويتحالفون مع جميع القوى الوطنية من أجل تحقيق استقرار حقيقي يقوم على الحرية والعدل والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

 

إن الإخوان هيئة إسلامية عامة تتبنى مفهوم الإسلام الشامل تسعى لإحياء إسلامي مجتمعي، وتؤمن بالإصلاح السلمي المتدرج عبر القنوات الدستورية والبرلمانية.

إن التغيير الذي سعينا إليه جميعًا، وشارك في صنعه الجميع باستثناء هؤلاء الذين مارسوا سياسة الخداع والكذب والتضليل، وبرروا للنظام كل خطاياه، وساعدوه على القمع والفساد، لقد وقع التغيير بالفعل، والحوار المطلوب الآن هو للخروج من عنق الزجاجة، ومن أجل الانتقال السلمي، والسلس للسلطة إلى الشعب حتى يختار برلمانًا جديدًا بطريقة سليمة، ودون تزوير لإرادته، ثم يختار رئيسًا قادرًا على الإمساك بدفة سفينة الوطن في هذه المرحلة الحرجة بعد أن يقوم البرلمان الجديد بالتعديلات الدستورية اللازمة لحرية الاختيار، ثم يكون بعد ذلك الحوار الوطني الشامل حول ملفات معقدة أهمها: تعديلات دستورية أم دستور جديد، الاقتصاد الوطني، واستعادة ما تم نهبه من ثروات البلاد، تحسين ظروف الحياة لكل المصريين، وإعادة الاعتبار إلى موظفي الدولة ورجال الجيش والبوليس، الدور الجديد للشرطة المصرية بعد إنهاء عقود من الاستبداد، ونهاية سريعة عاجلة لأجهزة أمن الدولة وقمع المواطنين.

أما الشئون الخارجية فلم يحن وقتها بعد، وبعدما تكون مصر قوية عزيزة قادرة ينتمي إليها أبناؤها بفخر واعتزاز فسيرتفع شأنها في الإقليم بل في العالم كله، وسيتعاظم دورها في كل مكان.

إن الصورة العظيمة التاريخية قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أعظم انتصار للشعب في تاريخ مصر، وهذا رهن بعوامل عديدة أهمها اليوم هو:

1- وحدة صف المعارضة الحقيقية وعدم تشرذمها، وإعادة بناء قدراتها لمواجهة تحديات لم تكن مستعدة لها.

2- التفاف الشعب حول المعارضة الجادة القادرة على إخراج البلاد من مأزقها والعبور بها إلى بر الأمان، وتحقيق آمال المصريين في مستقبل أفضل.

3- رضوخ النظام الذي سقط لنقل آمن للسلطة وتسليمه بانتصار الثورة.

=====================

دعاة التغيير واعداؤه من خلال الثورة المصرية

د. سعيد الشهابي

2011-02-15

القدس العربي

 من المؤكد ان التغيير الذي حدث في تونس دشن صفحة جديدة في البلاد، وكان بمثابة 'ثغرة الدفرسوار' في جدران مؤسسة الحكم العربي التي استعصت على محاولات الاختراق عقودا متواصلة. فرحيل الديكتاتور زين العابدين بن علي لم يكن حدثا عاديا في عالم اعتاد الجمود السياسي وتشبث حكامه بكراسيهم حتى قيل ان الموت وحده هو القادر على تغييب الزعماء.

ولكن اتضح الآن ان التغيير تم وفق هندسة اقليمية وغربية بارعة، حققت للمواطنين مطلبهم الرئيس باسقاط الرئيس، ولكنها حافظت على الجزء الاكبر من نظامه. حتى ان الشيخ راشد الغنوشي اعترف بأن الحكومة المؤقتة 'شكلت بدون علم حركة النهضة، كبرى حركات المعارضة التونسية، او إشراكها في تلك الحكومة. وبمعنى آخر فقد تم التحكم في التغيير من حيث الشكل والحجم. وعليه تم تخفيف القبضة الامنية وازيلت مظاهر الدولة البوليسية، ولكن نجحت الخطة في احتواء غضب الجماهير، والابقاء على الرمز الثاني في النظام السابق، اذ بقي محمد الغنوشي'على رأس الحكومة، مع وعود بالاصلاح وتنقيح الدستور. فمن الذي وقف امام التغيير الشامل؟ من الذي خطط في الايام الاخيرة لحكم بن علي لمنع اسقاط النظام واقامة نظام بديل على انقاضه؟ من هي الجهات التي تواطأت للسيطرة على التغيير وتوجيهه؟

الواضح ان ثورة مصر حتى الآن حالت دون تكرار ذلك النمط من 'التغيير الموجه' لأسباب عديدة. اولها شخصية الرئيس مبارك المعروف بعناده وشخصيته العسكرية التي تستعصي على التطويع بسهولة. ثانيها: اهمية مصر الاستراتيجية، الامر الذي دفع اطرافا عربية واجنبية عديدة للتحكم الدقيق في اساليب التعاطي مع الثورة، وكيف يمكن احتواؤها مع ضمان عدم سقوط النظام. ثالثها: حجم مصر السكاني وصعوبة التحكم على غرار ما حدث في تونس، اذ ان المظاهرات المليونية لا تساعد المخططين في الخفاء على وضع خططهم موضع التنفيذ طالما استمرت الاحتجاجات العارمة. رابعها: وجود قيادات ميدانية شبابية فاعلة من جهة، وقيادات حزبية تعمل في الخفاء لمنع حرف مسار الثورة او المساومة على اهدافها. خامسا: اضطراب القوى الكبرى في الموقف وخشيتها من امرين: اتخاذ موقف مناقض لحركة التاريخ وذلك بدعم نظام الاستبداد، او السماح بحدوث التغيير وفق رغبات الجماهير، وما قد يؤدي اليه من تغيير في موازين القوى خصوصا بشأن الصراع مع 'اسرائيل'.

فمن هي القوى الفاعلة في الساحة السياسية ذات الابعاد الاستراتيجية؟ وثمة سؤال اوضح: اين تقف الدول الغربية من قضية 'التغيير في العالم العربي؟ وما هي العوامل التي تؤثر على هذه المواقف وتوجه سياسات الغرب في مثل هذه الظروف؟ لقد اوضحت الثورة المصرية وجود فراغ هائل في الموقف السياسي الغربي، لم يستطع اي من الدول الكبرى ملئه. فالولايات المتحدة تمر بفترة عصيبة وهي تتلمس دربها في وضع مضطرب مفعم بالتطورات اليومية ذات الانعكاسات المستقبلية غير القليلة.

فمنذ انطلاق شرارة الثورة في تونس، بدا واضحا حالة الاضطراب في مواقف واشنطن، خصوصا ان الرئيس باراك اوباما لم يعرف بميله نحو تشجيع الديمقراطية او احداث تغييرات جوهرية على صعيد انظمة الحكم. وعلى مدى العامين الاخيرين لم يظهر الرئيس الامريكي نزعة نحو تشجيع الديمقراطية او الدفاع المبدئي عن حقوق الانسان. وعلى العكس من ذلك ارتبطت شخصية اوباما بالرغبة في تمتين العلاقات مع الانظمة العربية وغض الطرف عن انتهاكاتها لحقوق الانسان او هيمنتها المطلقة على الانظمة السياسية الاستبدادية في بلدانها. ولم يجد اوباما حرجا من الدعوة لتطوير العلاقات مع هذه 'الانظمة. وفي الوقت نفسه استطاعت هذه الحكومات التأثير على السياسات الخارجية الامريكية خصوصا في مجال الديمقراطية وحقوق الانسانٍ، بازاحتها من قائمة اولويات السياسة الخارجية الامريكية. ولذلك فما ان حدثت ثورة 'تونس حتى كان الرئيس الامريكي يتأرجح بين دعمها ودعم الرئيس التونسي الذي كان يتمتع بدعم الغرب وقبوله منذ ان تولى الرئاسة قبل 23 عاما. ثم جاءت الثورة المصرية لتزيد حيرة الرئيس الامريكي وتجعله أكثر تخبطا. وقد لوحظ في خطابات الرئيس مبارك الاخيرة تحسسه مما يعتبر 'تدخلات خارجية' موحيا برفضه تلك التدخلات وداعيا الى احترام مصر كبلد ذي سيادة ولا يقبل لنفسه السماح للخارج بالتدخل المباشر.

الرئيس الامريكي عبر عن تعاطفه اللفظي مع حركة 'الشارع المصري، ولكنه لم يتخذ موقفا حاسما تجاه ثورة الشعب. وبقيت هذه سياسته على امل ان تؤدي اطالة أمد الثورة الى تراخي المتظاهرين وتشتتهم التدريجي. وعندما ادرك حتمية سقوط النظام بادر لممارسة المزيد من الضغط بدعوة نظام مبارك للشروع في الاصلاح 'فورا'. وبذلك تبدو واشنطن وكأنها دعمت الثورة ولم تتخل عن نظام مبارك.

وبالاضافة لذلك كان للسياسة الخارجية السعودية دورها في الضغط على الولايات المتحدة لعدم التخلي عن نظام مبارك، وعدم السماح بإهانة رئيس اكبر دولة عربية. وما تزال الرياض تعمل من وراء الكواليس لاجهاض ثورة اهل مصر، لعلمها ان انتصارها مدخل لتغيير أشمل في المنطقة لن تستثنى منه السعودية. المعلومات التي رشحت تؤكد ان الملك عبد الله تحدث طويلا مع اوباما، وطلب منه حماية النظام المصري، الامر الذي وضع الرئيس الامريكي في حيرة، فهو يسعى لتغيير صورة امريكا لدى الشعوب، والحفاظ على نفوذها وتأثيرها في مصر بالتظاهر بتأييد ثورة الشعب، ومن جهة اخرى يواجه طلبا من السعودية والاردن و'اسرائيل' والبحرين بالحفاظ على نظام مبارك ايا كان الامر. الرئيس الامريكي نفسه يدرك ان واشنطن عاجزة عن التأثير على حركة الجماهير، وان مجال تأثيرها الوحيد ينحصر بالضغط على رموز النظام، وجنرالات الجيش. فالتغيير السياسي المطلوب للشعوب العربية لا يمكن ان يأتي من البوابة الامريكية التي فتحت طوال الوقت للحكام الديكتاتوريين، واوصدت بوجه طلاب الحرية ودعاة الديمقراطية. وما يزال السجال الايديولوجي والسياسية محتدما بين النخب السياسية والمثقفة في امريكا حول التوازن المطلوب بين التغيير الديمقراطي المطلوب والحفاظ على الامن الاسرائيلي.

ومرة اخرى تثبت 'اسرائيل' انها العامل الاصعب لعدد من الامور: اولها ان الولايات المتحدة الامريكية ما تزال متشبثة بمبدأ الحفاظ على امن 'اسرائيل' وضمان تفوقها الاستراتيجي على الدول العربية. وهذا ما كرره المسؤولون الامريكيون الاسبوع الماضي في لقائهم مع وزير الدفاع الاسرائيلي، ايهود باراك، في البيت الابيض. فقد كرر كل من وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، وتوم دونيلون، مستشار الامن القومي ووزير الدفاع، روبرت غيتس 'التزام امريكا الذي لا يتزعزع بالدفاع عن امن 'اسرائيل'، بما في ذلك الدعم العسكري المتواصل والتعاون الامني غير المسبوق بين الحكومتين'. ثانيها: ان تل ابيب دخلت على الخط في الثورة المصرية بشكل مباشر، فهي تمارس الضغوط المتواصلة على الحكومات الغربية للاستمرار في دعم نظام مبارك، وتنسق السياسات مع المملكة العربية السعودية لضمان اوسع دعم ممكن لهذا النظام، ويتردد ان عناصر استخباراتها تعمل بشكل حثيث داخل مصر لإضعاف الثورة. ثالثها: ان 'الولايات المتحدة ربطت مصالحها الاستراتيجية بالامن الاسرائيلي، ونظرت الى كافة التطورات في المنطقة من خلال ذلك. فما يضر 'اسرائيل' يعتبر اضرارا بالمصالح الاسرائيلية، وما تريده 'اسرائيل' من استمرار بناء المستوطنات، مقبول لدى واشنطن.

هذا الترابط العضوي من اخطر ما يهدد المصالح الامريكية من وجهة النظر العربية، وبالتالي اصبحت الولايات المتحدة اسيرة لقرارات تستطيع الانفكاك منها. ولو اجرت استفتاء للرأي العام الامريكي توضح فيه اضرار ذلك الترابط على المصالح الامريكية لما وجدت من يدعم سياساتها التي تراجعت حظوظها في الاسابيع الاخيرة. فبسبب هذا الترابط العضوي مع كيان الاحتلال الاسرائيلي وانظمة الاستبداد العربية، اصبحت الولايات المتحدة هدفا للكراهية لدى الرأي العام العربي والاسلامي، واستهدفت سياسيا وامنيا من قبل المجموعات المتطرفة، ودفعت اثمانا باهظة لتلك السياسات بلغت ذروتها في حوادث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية. وبدلا من ان يضغط الرئيس اوباما على بنيامين نتنياهو لوقف بناء المستوطنات والالتزام بقرارات مجلس الامن الدولي ضد الكيان الاسرائيلي، تراجع البيت الابيض عن المطالبة بذلك واصر على الاستمرار في ما يسمى 'عملية السلام' برغم عدم جدوى ذلك. وبدلا من مطالبة السعودية بتطوير نظامها السياسي وفتح باب الحريات والتخلي عن قمع حقوق الانسان، غير البيت الابيض خطابه تجاه مصر وطالب 'بتحول منظم' وتجاهل مطالب الثورة بتغيير النظام.

وبهذا اصبح الوضع السياسي في بلدان الشرق الاوسط مفتوحا على كافة الاحتمالات. فالتغيير سوف يحصل طال الزمن ام قصر، خصوصا بعد سقوط حسني مبارك واندلاع الثورة في اليمن والبحرين، وربما الاردن كذلك. والواضح ان السيناريو الايراني الذي حدث في 1979 بدأ يتبلور بسقوط حسني مبارك ونظامه ومعهما النفوذ الامريكي في الدولة العربية الكبرى. فبينما بدت امريكا عندما اندلعت الثورة متناغمة مع رغبة الشعب المصري في التغيير، تحولت تدريجيا لتصبح اكثر تناغما مع ما تريده السعودية و'اسرائيل'، الامر الذي ستكون له نتائج كارثية. وربما هذا هو الامر الطبيعي. فالولايات المتحدة لا تستطيع ان تتحول من دولة امبريالية تعتمد على القوة في تعاملها مع شؤون العالم، وتدعم الاستبداد والاحتلال الى كيان يدعم الديمقراطية ويدافع عن حقوق الانسان ويقر بحق الشعوب في تقرير مصائرها. لو حدث ذلك لكان معجزة، اما عدم حدوثه فذلك هو التوقع المنسجم مع السياقات التاريخية للسياسات الامريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فأمريكا كانت، وما تزال، من اكبر اعداء التغيير والاصلاح في العالم العربي، وهي تمارس انتقائية رخيصة في سياساتها الخارجية. انها 'تواجه الدول غير الصديقة وان كانت تمارس الديمقراطية، وتتغاضى عن الانظمة الصديقة ولو كانت قمعية واستبدادية او محتلة. هذا التناقض البارز في السياسة الامريكية من بين اسباب تعقيد الاوضاع العربية وتراجعها لان النفاق السياسي من أخطر الظواهر في النظام السياسي الدولي في الوقت الحاضر، وتستحوذ الولايات المتحدة على الشطر الاكبر منه خصوصا في تعاملها مع قضايا الشرق الاوسط. وعلى واشنطن ان تستعد لدفع فواتير خسائرها السياسية في مصر والبلدان العربية التي تتحرر من حكامها المستبدين، بثوراتها الشعبية ودماء شبابها التي تراق في اعمال الاحتجاج التي لا تتوقف. فمنذ ان خرج مارد التغيير من قمقمه اصبحت الاطراف الداعمة لذلك الاستبداد عاجزة عن وقف مسيرة التغيير خصوصا للأنظمة المحسوبة على الفلك الامريكي.

وهكذا يستمر الصراع حول التغيير المحتوم في العالم العربي، بين الشعوب التي تعمل لتحقيق التغيير، والحكومات الاقليمية والغربية التي تخطط ضد ذلك، ابتداء بالسعودية، مرورا بالبحرين ووصولا للاردن واليمن والجزائر. هذا الصراع ليس من اجل صناديق اقتراع تؤدي الى مجالس غير ذات جدوى كما حصل طوال العقود الثلاثة الماضية، بل المطلوب شراكة سياسية حقيقية من قبل كافة الاطراف الوطنية المطالبة بالاسراع، والداعية لتحكيم العقل واحترام الحريات العامة وإشاعة مفاهيم الاصلاح السياسي الحقيقي. وربما تأخر التغيير المنشود طويلا، ولكن ثورتي تونس ومصر اختصرتا طريق النضال، وجعلتا الشعوب الناهضة قادرة على الصمود بوجه آلة الموت السلطوية، وموانع الاصلاح والتغيير التي يضعها اعداء الأمة بهدف ابقائها في سبات دائم، بعيدا عن اجواء الاصلاح والتغيير. وكما يقال فرب ضارة نافعة. فتلكؤ الرئيس المصري عن الرحيل، وتشبثه بمنصب الرئاسة حتى اللحظات الاخيرة ساهم في انضاج الوعي الجماهيري بضرورة الاعتماد على النفس لتحقيق الاهداف المنشودة، خصوصا اذا كانت هذه الاهداف معقولة ومعتدلة ومنسجمة مع روح العصر. انها اهداف تشترك فيها الشعوب العربية بدون استثناء لانها تعبير عن الفطرة الانسانية المؤسسة على حب الخير ورفض الظلم، ومنح الناس حرياتهم، والتوقف عن قمع من لا يساير منهم اصحاب القرار السياسي المباشر. هذا التوازن هو الذي كان الثوار المصريون يبحثون عنه ويصرون على تحقيقه. كانوا يبحثون عن وسائل للخروج من الشرنقات الامنية والسياسية والاخلاقية بأقل الخسائر المتوقعة. لقد خرج ثوار مصر من معاقلهم ليجهزوا على النظام المنحل بدون ان ينتظروا 'مبادرة خارجية، من امريكا او غيرها. لقد كان امام واشنطن فرصة ذهبية قلما تتوفر، وذلك باظهار سلوك مختلف عن السلوك الذي ألفوه سابقا، عندما كانوا يأملون برؤية تغير ملحوظ في السياسات الخارجية الامريكية، يحقق قدرا من المصداقية لدى الثوار، الراغبين في التغيير الايجابي وعدم الجمود على انظمة حكم عصرية قادرة على تلبية طموحات ابنائها والذود عن حماهم وتوفير العيش الهانئ لهم. لو فعلت واشنطن ذلك لتغيرت نظرة العرب والمسلمين لها، ولأصبحت صديقة بعد عقود من العداء المدمر.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

=====================

المرحلة الأخطر نحو التغيير.. بدأت للتو

رياض العكبري

2011-02-15

القدس العربي

 كم نحن مدينون لشباب تونس ومصر، فلا شيء أعز وأثمن من استعادة وانعاش الأمل العربي الكبير الذي خبا في النفوس أو كاد. والحياة تعلمنا ان جعل كل مستحيل ممكنا، يبدأ بامتلاك الأمل. ومع اشراقة اليوم الثامن عشر من أيام الثورة الينايرية العربية المدنيّة السلميّة، فاض النيل معطاء كريما كما لم يفض من قبل. وأصدرت سلطة الشعب قرارا تاريخيا يحمل الرقم (2) باحالة دكتاتور جديد آخر، في سلسلة الطغاة العرب الطويلة المتتالية، الى محكمة التاريخ التي لا ترحم. وهكذا، وبعد أن كان مجرّد الحلم في التغيير العربي الى ما قبل بضعة أسابيع فقط من الممنوعات بأمر الطاغية، أصبح بوسع المرء ان يرى أمام ناظريه ملامح الفجر العربي الجديد وقد لاحت بشائره. فالشباب العربي، أو الشارع العربي كما يطلقون عليه، باتت له أخيرا كلمة فصل يقولها، بل شرع فعليا في صناعة واعادة كتابة التاريخ العربي الحديث، حيث سيدوّن المؤرخون ان الشباب العربي النقي، في هذا الشهر الأول من العام 2011، لقّن المشككين من مروّجي نظرية ان العرب شعب مقاوم ورافض للتغيير، وانهم مجرّد قطيع من الامّعات ليسوا مؤهلين بعد لممارسة الديمقراطية والعيش في المجتمع المدني الحديث، لا يستحقون في أحسن الأحوال أكثر من مستبد عادل، درسا بليغ المعاني والدلالات.

ومن المعروف انه كلما غاب - أو تم تغييب - المنطق الذي يضع العلاقة بين الأسباب والمسببات في سياقها السليم، كانت النتيجة تعسفا أحمق للواقع واجهاضا قسريا لمنطق الأشياء. وعليه، فانه لا يجوز لأي متحذلق حرف الأمور عن مساراتها الطبيعية، فالمعركة التي تشتدّ جذوتها اليوم في العالم العربي ليست مطلقا معركة خبز وأسعار وبطالة فحسب. كما انها لم تعد اطلاقا مسألة اصلاحات جزئية مبتورة، لا تخدم سوى امتصاص وتخفيف مؤقت للاحتقان وللغضب الشعبي، أو اللهث وراء مهزلة التعديلات الدستورية المفصّلة تفصيلا على مقاسات الطاغية، التي لم تنتج سوى التبادل الاستبدادي للسلطة، أو مهازل تصفير أو الغاء العدّادات، أو الرشوة بغرض المشاركة في حكومات كرتونية توفر غطاء لمناورات فقدت كل مصداقيتها، أو سواها من الحيل التي نجح الطغاة في الهائنا بها أمدا طويلا من الزمن الثمين الضائع.

فالثورة الشعبية العربية المشتعلة تجاوزت هذه المفردات المضللة، وجعلتها شيئا من الماضي، لا تمتّ العودة الى الوقوع في حبائلها مرّة أخرى الى الحصافة والحكمة والمسؤولية بأية صلة. اذ تعدّتها في الواقع الى تبنّي الهدف الأسمى المتمثل في دحر الاستبداد، ونيل الحريّة والعدالة الاجتماعية والكرامة، وبلوغ الاستقلال الوطني الحقيقي المغدور. ولنتذكر دوما ان ما سطّره عبدالرحمن الكواكبي لازال ماثلا للعيان حتى يومنا هذا: 'ان الاستبداد هو أهم اسباب تخلف العرب'.

ومع الاقرار باختلاف في الخصائص المحليّة لمختلف البلدان العربية، الاّ ان ثورة الشباب العربي رسمت واحدا من أهم مكوّنات المشهد العربي الجديد، تمثّل في كسر حواجز وجدران الخوف السميكة التي بنتها الدولة البوليسية العربية منذ ما بعد الاستقلالات الوطنية. كما انها لم تتكفّل بقبر ملفي التوريث والتأبيد في العالم العربي وحسب، بل فتحت الباب مشرّعا لأول مرّة منذ عقود طويلة أمام الأمل في تحقيق التحوّلات الديمقراطية الحقيقية، وبناء المجتمع العربي المدني الديمقراطي الحديث. والملاحظ ان الثورة الشعبية الراهنة، التي نبعت خالصة من بين صفوف الشعب العربي، من دون ان تلحق واشنطن والغرب لدسّ أنفهما فيها، تميّزت بكونها أكبر من مجرّد حركة احتجاجية عابرة، حيث أرست، بعفوية ولكن بوعي فطري قلّ نظيره، مفهوما للتغيير أعمق من مجرّد المطالبة باسقاط الدكتاتور وأسرته وعصابته الفاسدة وحسب؛ التغيير الذي يعني ارساء الضمانات الدستورية والمؤسسية القاضية بعدم تكرار مأساة اختطاف وسرقة الحكم من جديد، أو الالتفاف على الثورة الشعبية من خلال استبدال المستبد بمستبد آخر بأقنعة جديدة. ان الدعوة الى التغيير الحقيقي التي سمع صداها مدويا في ميادين وشوارع المدن العربية، تعني التغيير الذي يضع بلاد العرب على درب ترسيخ دعائم الحكم الرشيد، وبناء الدولة المدنيّة الحديثة البديلة لدولة العصبيّة الأسرية القبلية البوليسية التي تعفّنت وشاخت، والأكثر أهميّة؛ فقدت كل مقومات الشرعيّة. والتغيير الحقيقي يعني ضرورة توفير مجموعة من الضمانات التي تجعل من اساءة استخدام السلطات الرئاسية في المستقبل أمرا مستحيلا، وتقلّص نزعة الشخصنة التي ترفع من شأن المنصب الرئاسي الى مصاف الهيمنة والاستئثار المزمن بالسلطة المطلقة في يد الحاكم الفرد. وبكلمات أخرى؛ فان التغيير المنشود هو التغيير الذي يضع حدا نهائيا للمعادلة النحسة والمخادعة السائدة في البلاد العربية، والقائلة بأن بقاء الزعيم القائد الرمز الضرورة كارثة، بينما ذهابه الى حيث ألقت أم قشعم رحلها، كارثة أخرى. ولا يمنح الخطاب الشعبي الهادر تفويضا لأيّ كان في مجاراة الحاكم العسكري العربي في مواصلة اللعب بورقة الابتزاز والتخويف من 'العواقب' المزعومة لرحيله: الفوضى والفراغ الدستوري وانقلاب الجيش والارهاب واستلام الاسلاميين للسلطة.. الخ. وفي هذا لا بدّ من استلهام سلمية ومدنية ثورتي تونس ومصر، لتجنّب الوقوع في مكيدة العنف والفتنة والبلطجة. ومن الأهمية بمكان ادراك ان قواعد اللعبة السياسية التقليدية، ابتداء من كانون الثاني/يناير2011، قد تغيّرت. ولعلّ أول الغيث هو الاصرار على حرمان النظم التسلّطيّة من مزية التحكّم في مفاتيح ومخرجات تلك اللعبة، والتي طالما تمتّعت بها على مدار العقود المنصرمة.

وعلى الرغم من ادراكنا العميق لمكانة وأدوار النخب السياسية والثقافية العربية عموما، وتأثيرها المتفاوت على الواقع العربي عبر العقود المنصرمة، لا مفرّ من الاعتراف بان ثورة الشباب الراهنة لم تتول تعرية الأنظمة التسلّطيّة وحسب، بل كشفت في ذات الوقت عن عورات مخجلة وعوارض هرم وشيخوخة لا تخطئها عين في بنيان وطرائق عمل التيار العام للحركات الاحتجاجية والتنظيمات والاحزاب، الرسمية منها وغير الرسمية. ولأن تحديات أكثر تعقيدا لا زالت في الانتظار مع اشراقة كل يوم جديد من يوميات الثورة العربية المعاصرة، فان اللحظة التاريخية حانت كي يتوافق الطيف السياسي العربي، من مختلف القوى والتنظيمات والأحزاب والشخصيات السياسية والاجتماعية والمستقلّة، بما فيها الأغلبية الصامتة، على رؤية تغييرية تاريخية جديدة كلية، تتسم بالقطع التام مع عقليات وأدوات الماضي العتيقة، ومنها على وجه الخصوص تلك المبنيّة على الأوهام والعصبويات العقائدية والطائفية والقبلية، التي لم يجن منها الشعب العربي سوى الخيبات والنكسات المتوالية. انه تحدّ جدّي يستدعي البرهنة في ذات الوقت على ان تلك الرؤية وذلك ا

لوفاق لا يعنيان اطلاقا الغاء التعددية والتنوّع الفكري والسياسي.

ومن دون شك، فان اعادة رسم قواعد وضوابط العمل السياسي لمرحلة ما بعد رحيل الأنظمة الاستبدادية، على أسس حضارية جديدة، تقتضي كذلك الاتفاق على وضع الضمانات الدستورية والتشريعية الكفيلة بعدم تكرار مآسي الهيمنة والاقصاء والتفرّد، أو التنكّر للعملية الديمقراطية بعد الوصول الى سدّة السلطة، وذلك لن يتأتى الاّ من خلال الارادة والقدرة على تحقيق التوافق الوطني العريض على ان ازاحة الاستبداد ليس سوى نصف المشكلة، أما النصف الثاني والأهم فهو كيف نؤمّن ونضمن الحرية، الشرط الضروري الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية والرخاء والاستقرار الحقيقي لا المزيّف.

======================

إخفاق الأنظمة الريعية العربية

الاربعاء, 16 فبراير 2011

زكي لعيدي *

الحياة

يغرد حكام الأنظمة العربية خارج سرب دول العالم الأخرى. ففي مصر، بقي مبارك في السلطة 30 عاماً. وفي اليمن، الرئيس صالح في السلطة منذ 32 عاماً. ومضى على حكم معمر القذافي في ليبيا 40 عاماً. وفي الجزائر، يمسك بوتفليقة بمقاليد السلطة منذ سنوات طويلة، فهو كان وزير الخارجية في عام اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، أي في 1963!

وفي البدء حظيت الأنظمة العربية بمشروعية مناهضة الاستعمار. وبلغت الأنظمة هذه سدة السلطة بعد إطاحة أنظمة موالية للغرب. وهذه حال العراق ومصر والجزائر. والملكية المغربية نجت من براثن الانقلاب جراء تبنيها النضال الوطني. ولكن المشروعية هذه لم تحل دون قمع الاحتجاجات. وتذرعت الأنظمة هذه بدواعي التنمية واستغلت توق الناس الى انبعاث الكرامة الوطنية للحؤول دون إرساء الديموقراطية. ومنذ 1973، ومع ارتفاع أسعار النفط أربعة أضعاف ما كانت عليه، اضطربت البنية الاجتماعية – السياسية في الدول العربية، وبلغ أثر الطفرة هذه الدول النفطية العربية. فتحولت الأنظمة العربية كلها أنظمة ريعية.

وفي النظام الريعي، تحكم الدولة قبضتها على الثروات، وهي ثروات تفتقر الى قيمة مضافة مصدرها البلد نفسه وقيمتها مرتبطة بالطلب الخارجي. وثمة دول عربية ريعية غير نفطية، مثل مصر، وهذه تعيش على السياحة وعائدات المغتربين في الخارج ومن عائدات قناة السويس والمساعدات الأميركية. ويترتب على مثل هذه الأنظمة بروز عدم تناظر سياسي بين الدولة والشعب. فالدولة تراكم الثروات ولا توفر فرص عمل. وليس خلق الثروات شاغل الدولة. فهذه تخشى انحسار احتكارها توزيع الريع. وهي تستسيغ التعامل مع العاطلين من العمل أو العاملين في مهن لا تؤمن كفاف العيش. فإرضاء هؤلاء من طريق توفير مساكن لهم أو منحهم إعانات غذائية يسير. وتحول الدول الريعية دون بروز شريحة اجتماعية تنتج الثروات، وتحوز، تالياً، هامش استقلال عن الدولة، وتباشر مساءلة السلطة. والمساعدات الخارجية تسهم في تثبيت الأنظمة العربية. وهذه حال مصر والأردن.

ولكن ما هي أسباب تداعي النموذج الريعي هذا، في وقت ترتفع العائدات النفطية في الدول العربية؟ إن وراء تداعي هذه الأنظمة أربعة أسباب، أولها تعاظم عدد السكان. ففي 1970، بلغ عدد سكان العالم العربي 100 مليون نسمة، وفاق اليوم 300 مليون نسمة، 84.5 مليون في مصر، و35.4 مليون في الجزائر، و32.4 مليون في المغرب. ومع ارتفاع عدد السكان، تعقدت عملية حكم المجتمعات هذه. فنموذج توزيع العائدات استنفد، لذا، اضطرت الدولة الريعية الى مواجهة موجات الاستياء الشعبي في الأرياف المهمشة، وفي أوساط شباب المدن الذين تدنى مستوى عيشهم.

والدول الريعية لا تدعو مواطنيها الى العمل، ولا تحفز العمل وسوقه. وهذا مثبت في إحصاءات كثيرة. ففي سلم البطالة في العالم، وهي تقاس من أدنى المعدلات الى أعلاها، تتربع مصر في المرتبة 107، والمغرب في المرتبة 109، والجزائر في المرتبة 110، والأردن في المرتبة 139، وتونس في المرتبة 140، واليمن، في المرتبة 185. وعليه، قد يصح رسم خريطة الثورات العربية بناء على معدلات البطالة والعمل.

والثورات في الدول العربية هي مرآة أفول النموذج الريعي. ففي وقت تتوسل الحكومات بتوزيع العائدات على السكان لتخفيف الصدمات الاجتماعية، يصعب عليها حمل السكان بالصدوع بالبطالة المستشرية والمزمنة بينما يتولى العمال الصينيون تشييد البنى التحتية، على ما يحصل في الجزائر.

والسبب الثاني وراء تداعي النموذج الريعي هو زيادة أطماع الحكام على وقع ارتفاع الريع. فتحول معظم الجمهوريات العربية سلالات حاكمة يؤدي الى تقلص قاعدة الأنظمة هذه الشعبية. ولا تنظر الشعوب العربية الى التوريث بعين الرضى. فحركة «كفاية» أبصرت النور، في 2004 بمصر، حين برز احتمال تسلم جمال مبارك السلطة بعد والده.

والسبب الثالث مرده الى اضطراب المشهد الإعلامي العربي. والدليل على ذلك تعاظم شعبية قناة «الجزيرة». وفي دول مثل تونس ومصر والمغرب، تفوق نسبة استخدام الانترنت نظيرها في دول أكثر تقدماً منها، على سبيل المثال، الأرجنتين وتركيا وتشيلي.

والإقبال على الانترنت هو مرآة رغبة ملحة في الخروج من التعتيم الإعلامي والانغلاق القسري. فالانترنت هو هراوة المجتمع المدني العربي وسلاحه.

والعامل الرابع الذي أسهم في زعزعة المعادلة العربية هو التيارات الإسلاموية. وعنف التيارات هذه وعنف الرد عليها انقلب على الأنظمة العربية. وهذه حسِبت أنها في منأى من المساءلة، بعد قمع الإسلاميين في مصر والجزائر.

وحركة الاحتجاجات في تونس ومصر هي مرآة احتاج شعبي لا يتماهى مع الأنظمة الحالية ولا مع المعارضة الإسلامية. فبين البربرية الإسلاموية والمعاناة في كنف الأنظمة العلمانية المزعومة، برزت مساحة سياسية انتخبتها الشعوب المهانة ملاذاً. وإذا صح الحسبان هذا، فبروز المساحة هذه هو أول حادثة سعيدة في هذه المنطقة من العالم في النصف الثاني من القرن العشرين.

* مدير أبحاث في «معهد العلوم السياسية الفرنسي»، عن «لوموند» الفرنسية، 5/2/2011، إعداد منال نحاس

======================

هل سيعمل الجيش المصري مع الشعب؟

توم بورتيوس

الشرق الاوسط

16-2-2011

القاهرة - في الظاهر، تبدو الأشياء تعود إلى الوضع الطبيعي، حيث فتحت المحلات التجارية من جديد، وعادت الأتربة والضوضاء بمستويات كبيرة. وعاد سائقو الدراجات البخارية إلى عاداتهم الخطيرة ليسيروا بسرعة على طول الأرصفة بهدف تجنب الازدحام المروري الملحمي.

ويوم السبت تمكنت من احتساء الشاي بسلام داخل مقهى الحرية بمنطقة باب اللوق بعد تجديد المقهى، فقبل أسبوع واحد شهدت هذه المنطقة معارك ضارية بين محتجين وبلطجية استأجرهم الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

ولا يزال المناخ فيه آمال اللحظة الثورية، فقد بعث رحيل الرئيس حسني مبارك مساء الجمعة - والذي تبعته احتفالات صاخبة استمرت لأيام بعد ذلك - لدى المصريين شعورا بالكرامة وأملا في مستقبل أفضل.

ولكن تحت السطح نجد أن الأشياء تبعد كثيرا عن كونها أشياء طبيعية، فالنصر الذي حققه المحتجون ترك فراغا سياسيا وحالة من الضبابية وشعورا بالخوف من المستقبل.

ويملأ الفراغ في الوقت الحالي شريكان غير محتملين يتعايشان في قبول مشترك قلق وتحفه الشكوك. فعلى جانب، يوجد المجلس العسكري الأعلى، ومعظمهم ضباط بارزون في الجيش يقتربون من سن التقاعد. ويتواصل هؤلاء حاليا مع المصريين من خلال بيانات عسكرية يومية محكمة الصياغة باللغة العربية الرسمية، وتتم إذاعتها على التلفزيون والإذاعة التابعين للدولة.

وعلى الجانب الآخر، يوجد محتجون شباب، وهم أذكياء في التعامل مع وسائل الإعلام ومبتكرون سياسيا وعاقدون العزم على إيجاد ظروف تساعد على مستقبل ديمقراطي أكثر شمولا ومعتمدا على احترام حقوق الإنسان. وتمثل انتفاضتهم ثورة جيل، مثلما هي ثورة سياسية. ويتواصل هؤلاء باللغة العامية المصرية بشعارات قوية أو عبر موقعي «فيسبوك» و«تويتر».

تبدت هذه العلاقة المحتدمة بين هذين القطبين صباح يوم الأحد عندما وصلت الشرطة العسكرية إلى ميدان التحرير، وفتحته أمام المرور المزدحم، وطلبت من المحتجين الباقين الرحيل.

وبعد مواجهة صاخبة جدلية ولكنها كانت جيدة نسبيا واستمرت لعدة ساعات، انسحبت الشرطة العسكرية.

وفي وقت لاحق خلال نفس اليوم جاء البيان رقم 5 الذي جاء فيه تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان، وهما الإجراءان اللذان حظيا بترحيب من جانب الكثير من المحتجين وأنصارهم، لأنه كان ينظر إلى الأمرين على أنهما أثرين فقدا مصداقيتهما يعودان إلى حقبة مبارك.

ومن المحتمل، فيما يبدو، أنه مع تراجع وجود المحتجين بسبب هجوم حركة المرور على ميدان التحرير، ستستمر المواجهة السياسية بين المحتجين والجيش خلال الأشهر المقبلة.

ولكن التحول من حقبة النظام السابق القمعية (والتي ظهرت بصورة واضحة من خلال أعمال عنف استخدمت ضد المحتجين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية) إلى دولة مصرية ديمقراطية جديدة ليس مطمئنا بأي حال.

يعتمد الانتقال السلس بصورة جزئية على مدى استطاعة الحكام العسكريين إقناع المصريين بأنهم جادون في الانفصال عن نظام تعسفي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية وخلق ظروفا جديدة يمكن للمصريين فيها بناء دولة مصرية ديمقراطية تنعم بالحرية.

وعلى الرغم من احترامهم الكبير للجيش كمؤسسة، يشك الكثير من المصريين لسبب وجيه في أن الحكام العسكريين الجدد ما زالوا يمثلون مصالح الجهاز الحاكم القديم.

وعلاوة على ذلك، فإنه مع تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان، فإن المجلس العسكري الأعلى يحكم حاليا من دون أي متابعة رسمية لسلطاته.

ومن جانبهم، يستوعب المحتجون حاليا أن لديهم القدرة على حشد المواطنين وإخراج مصر إلى الشوارع مع أول بادرة يشعرون خلالها بأن تحولهم الديمقراطي يتم تقويضه. إن سلطة الشعب هي عنصر الرقابة الفعالة لسلطة الجيش.

وبالطبع هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به من أجل تحقيق انتقال مستقر من القمع إلى الديمقراطية. وتوجد أهمية كبيرة في الظروف الحالية للحصول على التزام واضح من الجيش، قولا وفعلا، بأنه سيراعي حكم القانون ويطلق سراح المعتقلين ويقف ضد ممارسات التعذيب البربرية التي كان لها دور كبير في إثارة هذه الاحتجاجات مع احترام حقوق الإنسان، ومن بينها حرية التعبير وحرية التجمع.

تطالب الحركة المناصرة للديمقراطية - وهي في الواقع تحظى بدعم شعبي واسع النطاق - بهذه الالتزامات. وفي الواقع، تعد هذه الالتزامات شيئا ضروريا إذا كان السلطات الانتقالية ترغب في خلق الظروف اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحظى بمصداقية.

وستساعد هذه الالتزامات أيضا على بناء الثقة وتحقيق الاستقرار في فترة الحكم العسكري الحالية التي تحفها المخاطر. ولنأمل أن نرى التزامات حقيقية تتعلق بحقوق الإنسان والمحاسبة في البيانات العسكرية التالية.

* مدير «هيومان رايتس ووتش» داخل بريطانيا ومراسل الشؤون الخارجية سابقا داخل القاهرة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ