ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

واشنطن والفراغ السياسي في الشرق الأوسط

سكوت ويلسون

واشنطن

الاتحاد

تاريخ النشر: الأحد 13 فبراير 2011

قرار مبارك التنحي، بعد ثلاثة عقود في السلطة، وضع إدارةَ أوباما أمام فراغ سياسي كان يملؤه ذات يوم حليف قوي، مما خلخل الشرق الأوسط على نحو يطرح أخطاراً بقدر ما يطرح آمالاً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وفي ما بدا تخفيفاً لأجواء الفرح التي غمرت شوارع القاهرة، حذر أوباما ومسؤولون أميركيون آخرون من أنه لئن كانت ثورة مصر مثيرة للعواطف، فإنها لم تكتمل بعد، في وقت تولى فيه الجيش مسؤولية إدارة البلاد.

واليوم، ستضطر إدارة أوباما لتغيير الأدوار – من إدارة مواجهة سياسية متقلبة أصابت حليفاً إقليمياً بالشلل إلى ضمان تنفيذ جنرالات مصر الحاكمين، والذين تدرب العديد منهم في الولايات المتحدة، للتغييرات السياسية والقانونية من أجل ضمان انتخابات نزيهة في وقت لاحق من هذا العام. وفي هذا السياق، قال أوباما: "هذه ليست نهاية المرحلة الانتقالية، بل بدايتها".

وقد أثارت استقالة مبارك تساؤلات عبر الشرق الأوسط. ففي إسرائيل، حيث تابع المسؤولون الحكوميون بقلق انسحاب أحد شركاء البلاد العربية القلائل إلى منتجع سياحي على البحر الأحمر، كان الشعور الغالب هو مزيج من الخوف والقلق بشأن ما إن كانت ثورة مصر ستعني مزيداً من العزلة لتل آبيب في المنطقة.

وفي هذه الأثناء، بدأت إدارة أوباما تنظر إلى ما أبعد من القاهرة، تماماً مثلما قامت بقلب صفحة تونس بسرعة بعد رحيل بن علي، وسط الاحتجاجات الشعبية قبل نحو شهر. ويقول مسؤولون أميركيون إن الركود الاقتصادي، وهيمنة فئة الشباب على التركيبة السكانية، والإحباطات السياسية، التي تغلي في بعض البلدان العربية كلها عوامل قد تشكل الشرارة لتفجير تغيير سياسي واسع يمكن أن يفضي إلى رحيل حلفاء في المنطقة لصالح حركات معارضة غاضبة مناوئة للغرب. ولعل التحدي الآن هو كيف يمكن تشجيع انتخاب حكومات تستجيب لاحتياجات الناخبين وتراعي مصالح الولايات المتحدة في الوقت نفسه.

وفي هذا الإطار، أوضح "بن رودز"، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون التواصل الاستراتيجي، أن الإدارة الأميركية قامت خلال الأيام الأخيرة بالاتصال هاتفياً بمسؤولين عبر العالم العربي لتؤكد لهم أن الولايات المتحدة تنوي "الالتزام بتعهداتها" إذ قال: "بالإضافة إلى رسالة التطمين تلك، كنا أيضاً واضحين، علانية وسراً، بأن أفضل ترياق ضد الاحتجاج هو إصلاح يفتح المجتمعات".

لكن عضواً "جمهوريا" في الكونجرس لديه اطلاع على تقارير الاستخبارات قال إن وكالات التجسس الأميركية رأت مؤخراً مؤشرات على أن زعماء آخرين في الشرق الأوسط كانوا مستائين جداً من معاملة الولايات المتحدة لمبارك. وفي هذا الإطار، قال المشرع الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه حتى يتحدث حول هذا الموضوع بصراحة: "لقد استشاطت البلدان الأخرى غضبا؛ إنهم غاضبون منا جدا" .

وكان مبارك، الذي خرج من الحركة الوطنية العلمانية التي أنتجت عبد الناصر والسادات، يضع خمسة رؤساء أميركيين أمام اختيار صعب: إما الدفع في اتجاه قدر أكبر من الديمقراطية في بلد محوري ومؤثر أنجب الإسلام السياسي المعاصر، أو الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وعلى مدى عقود، اختارت الحكومة الأميركية الطريق الأخير، وهو سجل يمكن أن يقلب العملية السياسية التي قد تنبثق من ميدان التحرير في القاهرة ضد الولايات المتحدة. كما يرجح أن يؤثر على موقف مجموعات معارضة رئيسية مثل "الإخوان المسلمين"، الذين مازالت معارضتهم لإسرائيل مستمرة، في شكل أي شيء يحل محل حكومة مبارك.

وقد ترك مبارك خلفه المؤسسات والقوانين الجامدة، ومن ذلك مرسوم الطوارئ الذي يقيد العديد من الحريات المدنية، وجيش قوي لديه مصلحة في استقرار البلاد.

وفي هذا السياق، يقول "توم مالينوفسكي"، مدير منظمة "هيومان رايتس ووتش" في واشنطن، وهو واحد من عدد من المستشارين الخارجيين الذين استدعاهم البيت الأبيض خلال الأسابيع الأخيرة قصد استشارتهم بخصوص مصر: "إن تشديد أوباما على أن الأمر إنما يتعلق بالطريقة التي تُحكم بها مصر، وليس بمن يحكم مصر - والذي كان أمراً غير مهم بالنسبة له - هو في الواقع الشيء الصائب الذي ينبغي التشديد عليه الآن"، مضيفاً "سيكون ذلك مصدر إلهام بالنسبة لحركات المعارضة، ولكنه قد يكون شيئاً يجعل الحكومات أكثر تشدداً وصرامة ربما".

وقال جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس "الشيوخ"، (وهو ديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس): "أعتقد أنه لا يجدر بأحد أن ينجرف كثيراً مع نشوة النصر اليوم"، مضيفاً "فثمة جيش يتولى زمام الأمور سيتعين عليه أن يثبت أنه يعرف كيف يدير هذا النوع من الانتقال"، مضيفاً إن النموذج الذي يقدمه مبارك قد يجعل زعماء المنطقة غير المنتخَبين، وبخاصة أولئك المدعومين من قبل الولايات المتحدة، أكثر رغبة في تبني إصلاحات سياسية.

وقال كيري: "إن السؤال هو كيف سيستجيبون، وعلينا أن نعمل معهم حول كيفية القيام بذلك"، مضيفاً: "إن هذا هو التحدي الذي يواجه الشرق الأوسط!".

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

==============================

جنوب السودان... وتحديات استغلال النفط

ربيكا هاملتون

جنوب السودان الاتحاد

تاريخ النشر: الأحد 13 فبراير 2011

في ولاية الوحدة بجنوب السودان، وتحديداً في منطقة "بنيتو"، يمكن رؤية بركة كبيرة مليئة بسائل أسود يتدفق إليها من شاحنات تحمل النفط من الحقول القريبة التي تزخر بها المنطقة، وعلى بعد ميل تقريباً من البركة تظهر أعلام دول عديدة مثل الصين وماليزيا والهند والسودان وهي ترفرف عاليّاً في إشارة إلى البلدان المشرفة على استخراج النفط والشركات التابعة لها التي تنشط في جنوب السودان.

وهذه الشركات تثير مخاوف وزارة البيئة في الجنوب من التداعيات البيئية لأنشطتها، ولاسيما البركة التي استحدثت للتخلص من النفايات، حيث تتخوف السلطات من احتمال تسرب المواد السائلة إلى التربة ومن ثم وصولها إلى المياه التي تعتمد عليها القرى المجاورة في معيشتها اليومية سواء لسقي الزراعة، أو لتلبية احتياجاتها من ماء الشرب.

وقد عبر عن هذه المخاوف، "جيمس جاتلوك"، المدير العام بوزارة البيئة في جنوب السودان قائلاً: "إننا ما زلنا في طور التأسيس كوزارة ولا نتوفر على الإمكانات الضرورية لمراقبة ما يجري"، مضيفاً أن الوزارة تفتقر إلى التمويل الكافي، كما لا يتجاوز عدد الموظفين فيها اثنين.

والحقيقة أن العديد من السودانيين الجنوبيين يعلقون آمالاً عريضة على ثروتهم النفطية لانتشالهم من حالة الفقر التي يعيشونها، ولإعادة بناء بلدهم الذي دمرته حرب أهلية طويلة مع الشمال دامت لعقود عدة قبل أن تضع أوزارها بعد التوقيع على اتفاق السلام في نيفاشا عام 2005.

ومن المعروف أن السودان هو ثالث أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء، ويحظى الجنوب بثمانين في المئة من إجمالي ما تزخر به البلاد من ثروة نفطية.

ولكن، حسب الخبراء ستكون عملية تنظيم إنتاج النفط وتصديرها أحد أكبر التحديات التي ستواجه حكومة جنوب السودان، مما يثير العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت عائدات النفط في واحدة من أفقر المناطق في العالم ستعم مكاسبها جميع السكان، أم أنه ستحظى بها فقط قلة قليلة من المحظوظين كما هو الحال في العديد من الدول الإفريقية.

ومنذ التوقيع على اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الطويلة مع الشمال تلقت منطقة الجنوب، التي تتمتع بحكم ذاتي، أكثر من ثمانية مليارات دولار من عائدات النفط. ولكن التعامل الفعلي مع الشركات التي تستخرج النفط لن يتم إلا بحلول شهر يوليو المقبل الذي سيعلن فيه رسميّاً قيام دولة جديدة.

ومع أن الطريقة التي سيتم بها التعامل مع العقود القائمة مع الشركات لم تعُرف بعد، إلا أن وزير البيئة في الجنوب، "ويليام قرنق جينج"، يرى في الاستقلال فرصة جديدة لوزارته لاكتساب المزيد من الموارد لحماية البيئة وضمان عدم تلويثها من قبل الشركات النفطية العاملة في البلاد.

ولكن "ريس وران"، الخبير في الموارد الطبيعية الذي يعمل بإحدى المنظمات العالمية الناشطة في جنوب السودان، يحذر من "التباينات الكبيرة في المعرفة والتجربة والقوة" التي تفصل بين شركات النفط والحكومة الوليدة، وهو ما يُعقد عملية مراقبة الشركات وتطبيق المعايير البيئية اللازمة.

والحقيقة أن النفط في الجنوب ارتبط دائماً بالقتل والتهجير، ففي تسعينيات القرن الماضي أقدمت ميلشيات تردد أن الحكومة في الخرطوم تدعمها على تطهير المنطقة من الأهالي ودفعهم بعيداً لاستغلال النفط واستخراجه، وما زال النفط في المنطقة يطرح مشاكل عديدة وإن كانت من نوع مختلف عما كان في السابق.

وهذه المشاكل عبرت عنها "نياكوانا كول"، المرأة المسنة التي تعيش في إحدى القرى الجنوبية قائلة: "نحن لا نعرف شيئاً عن النفط غير أننا نعاني من المياه الملوثة"!

ويقر وزير البيئة بمشكلة التلوث التي تطال مياه الشرب وتضر بالأهالي، وقد حاول "جينج" عندما تولى وزارة البيئة في شهر يوليو الماضي التعامل مع المشكلة من خلال الزيارات التي كان يؤديها إلى الخرطوم للاجتماع بممثلي الشركات العاملة في الجنوب، مشيراً إلى أن الشركات كانت دائماً تتعهد بحل معضلة تلوث الماء ولكنها لم تلتزم بجدول زمني معين.

وفي بريد إلكتروني تلقته وزارة البيئة من متحدث باسم مجمع الشركات المشرف على استخراج النفط من حقل الوحدة في الجنوب يتعهد فيه "بسحب النفط المتراكم في البركة وترميم المنطقة في غضون عامين"، مضيفاً أن الشركة "حريصة على تطبيق أعلى المعايير... لإزالة وتقليل المخاطر المحدقة بالبيئة".

ويأمل الجنوبيون في عودة الشركات الأميركية للعمل في قطاع النفط والاستثمار في الجنوب بعدما مُنعت من العمل إثر العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان، والموقف من هذا الأمر يؤكده نائب رئيس جنوب السودان، "ريك مشار" بقوله: "نريد استقدام الشركات الأميركية إلى المنطقة لأننا نسعى إلى الحصول على تكنولوجيات متطورة وتعظيم الأرباح".

ويعتقد المسؤولون في جنوب السودان أن القوانين الأميركية وجماعات الدفاع عن البيئة ستضمن احترام الشركات الأميركية للبيئة وباقي الانشغالات المحلية أكثر من نظيرتها الصينية.

ولكن مع ذلك ترى "أنجيلينا تيري"، السياسية الجنوبية التي ترأس لجنة مسؤولة عن فحص العقود النفطية مع الشركات الأجنبية، أنه لابد لحكومة الجنوب من أن تولي زمام الأمور بنفسها والعمل على تنظيم القطاع بحيث لا ينعكس الاستغلال المكثف للنفط على البيئة وحياة الأهالي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»

==============================

العرب وإرادة التغيير  

آخر تحديث:الأحد ,13/02/2011

الخليج

هاشم عبدالعزيز

أطلق الشباب في مصر وتونس باختلاف إرثيهما، ثورة غير مسبوقة كانت أبرز ملامحها القدرة الهائلة على حشد الأغلبية من المجتمع، مشاركين في المظاهرات الغاضبة ومساندين وداعمين وبأساليب ووسائل مختلفة ومبتكرة، وعلى امتداد البلاد دفعة واحدة ومتواصلة، ودونما أن يسبق انطلاق شرارتها وانفجار زلزالها وجود إعلانات مسبقة ولا ما يعرف بالجماعة المنظمة، وأن تمضي على عقد إرادة التغييرات الشاملة .

الوقت مازال مبكراً لقراءة معمقة لما جرى، غير أن هذا لا يمنع الإشارة إلى العديد من المسائل والقضايا المهمة، في البدء دخل الشباب التونسي والمصري التاريخ من بوابة إطلاق الثورة الشعبية الجماهيرية التي انخرطت فيها، وبتلقائية، الطبقات الكادحة والفئات المحرومة وأطياف المجتمع الثقافية والسياسية، فقد التقى ذوو المشارب المختلفة وانصهر المسلمون والمسيحيون، وخاصة في مصر، في هذا المجرى الثوري الناهض في سبيل التحرر واستعادة الحقوق المهدورة والمسلوبة والإمساك بحلقة مستقبل العزة والكرامة والعدالة والديمقراطية، واستعادة السيادة من قبضة الهيمنة والتبعية المهينة والمذلة والمضرة .

لقد قدمت هذه التحولات الشباب على نحو مغاير مما كان سائداً من أحكام مسبقة ورؤية خاطئة، إذ على مدى عقود متعاقبة رُحنا نتهم جيل الشباب بالسطحية والهامشية واللامبالاة والميل إلى نمط حياة استهلاكية، والانصراف عن القضايا الجوهرية والحيوية، وكان بعضنا يعدّهم شريحة غائبة عن وعي الواقع وعاجزة عن تغييره، فإذا بهم يدهشون الدنيا في تونس ومصر ومن يدري أين أيضاً . ينتفضون لأجل حقهم في الحرية والحياة ويسبقون نخبهم وأحزابهم، وهم في كسرهم حاجز الصمت والخوف لا يطرحون التحدي على أنظمتهم الحاكمة (المسؤولة أولاً وأخيراً عن كل هذا التردي) فحسب، بل على نخبهم ومثقفيهم وساساتهم على اختلاف مواقعهم واتجاهاتهم .

وفي هذا بات من جراء المفاجأة الصاعقة لانفجار تونس وزلزال مصر، أن الغائب الحقيقي عن الواقع ليسوا الشباب الذين أعلنوا بالأعمال أن الوضع العربي بكامله وضع ثوري ناضج ويمور بالغضب ويختزن جواهر التحول التاريخي مما هو سائد من جمود في وجه التطور، وجحود بحق الشعوب العربية في حياة العزة والكرامة .

وما كان لافتاً أن الثورة الشعبية الجماهيرية هذه ليست طبعة قابلة للنسخ والتقليد، لأنها فعل في واقع له خصائصه من بلد إلى آخر، المشترك في طبيعتها الشعبية الجماهيرية أنها استوعبت الشعب وطنياً والمجتمع ديمقراطياً وبخيارات إنسانية، ومن هذه الطبيعة للثورة القائمة والقادمة بدأت قادرة على التأثير الفاعل والواسع، لكنها غير قابلة للتصدير أو محسوبة لتيار أو تنظيم أو تنظير .

حتى إلى مستواهما الراهن، قدمت ثورتا تونس ومصر عدداً من الدروس والرسائل، من الدروس: استفاقة أطراف دولية وذهول أوساط إنسانية في عالمنا أمام المشهد التونسي والمصري الذي رسمته الإرادة الواعية للجماهير في تظاهراتها الحاشدة، والتصدي بالصدور العارية للرصاص القاتل، إذ تقاطرت المظاهرات وبخاصة في مصر وبلغت الملايين في ذروتها، وجال المتظاهرون شوارع المدن وميادينها وهم محصنون بقيمهم واستشعار مسؤولياتهم من الفوضى والتخريب، واضطلعوا بمسؤولياتهم من خلال اللجان الشعبية، التي سيبقى دورها في هذه الظروف تاريخياً وخالداً، فانكشف المستور بما جرى من اعتداء على المتظاهرين من خلال هذه الجحافل الإجرامية .

ربما كان المهتمون بالشأن العربي في الدول الغربية الآن في حيرة من مسألتين: الأولى انكشاف هشاشة الأنظمة التي تعد في نظر بلدانهم ليست حليفة فقط، بل دعمها ينصب في المجالات التي يعتقد أنها تبقى قوية وهي على أي حال الأمنية . الثانية هي هذا الخروج المذهل للشباب بإرادة واعية وقوية، والأهم المستوى العالي من الوعي السياسي مع أنهم في الغالب غير مؤطرين ولا محتكين بما تعرفه التنظيمات السياسية الحزبية .

بالنسبة إلى هذه الأخيرة، هناك عديد عوامل لها تأثير فاعل في قطاع الشباب في المجتمعات العربية، الأول أن الشباب يمثلون نسبة عالية من المجتمع، وثانيها أن الأغلب من هؤلاء من خريجي الجامعات، والثالث الأفق المسدود أمامهم من جراء البطالة والحياة البائسة التي يعيشها الأغلب، لانحدارهم من أسر فقيرة والمثال محمد البوعزيزي ومصيره في تونس الذي أطلق شرارة هذا المصير في السهل الوطني والاجتماعي الإنساني التونسي بأسره، ورابع العوامل هو الأوضاع الكارثية في المجتمع من جراء القمع وتفشي الفساد وانعدام الحرية والعدالة، وخامسها مضاعفة قمع الأنظمة العربية لشعوبها وحرمان وتجاهل شبابها بالقهر الصهيوني الاستعماري، وبخاصة الهيمنة الأمريكية في حروب مفتوحة على هذه الأمة بحقوقها ومصالحها وثوراتها الهائلة وتاريخها ومصيرها، إضافة إلى هذا ثورة وسائل التواصل والاتصال وسهولة الحصول على المعلومات ومتابعة ما يحدث في عالمنا بأسره، وهذه في الإجمال أخرجت الشباب العربي من كهوف الإقطاع العربي وجنبته الوقوع في أسر قياس المصالح على المقاسات الضيقة أكانت فئوية أم حزبية ليصيروا عن حق يمتلكون ثقافة سياسية مؤنسنة، وعلى أساسها كان الانصهار الشعبي الجماهيري في الثورة وهي تطلق مشروع التغيير للمستقبل العربي وتجاه المستقبل الإنساني بأسره .

==============================

القمة العربية خارج "الأجندات"

آخر تحديث:الأحد ,13/02/2011

محمود الريماوي

الخليج

تبدو القمة العربية المقررة بعد أسابيع في بغداد، كما لو أنها جزء من الماضي البعيد لا من الآتي القريب . التطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة والتي تتوالى فصولاً، تسلب هذه المناسبة حظوظ التحقق المعتاد، وتلقي عليها ظلالاً كثيفة ثم تدفع بها بعيداً خارج الأجندات الرسمية والشعبية .

كان مدار الشكوى قبل أسابيع أن العاصمة العراقية التي حل بالترتيب الأبجدي موعد احتضانها للقمة، غير مؤهلة لوجستياً وأمنياً لاستقبال هذا الحدث، فإذا التطورات اللاحقة تنبىء بأن ظروف اللقاء وطبيعة المشاركة فيه لم تعد قائمة على النحو الذي درجت عليه القمم منذ عقود، فالجامعة العربية هي التي تتولى تنظيمياً مهمة التحضير والإعداد للمناسبة، غير أن الخطوط بين الجامعة والعواصم شبه معلقة بانتظار ما تسفر عنه العواصف، ومن الواضح أن أمدها سوف يطول، وسوف تمتد تفاعلاتها إلى سنوات مقبلات، لا إلى نهاية مارس/آذار المقبل . ومصر التي ظلت تتصدر الحدث تاريخياً، تشهد ما تشهده، و”ترتيب” وضعها الداخلي يتقدم على كل الاعتبارات .

الراجح أن من كان يعنيهم أمر القمة ويلتمس منها غطاء أو إطاراً، لم يعد يعنيهم هذا الأمر، فقد تبدلت الحسابات وانقلبت الأولويات . ومن كان يصرف النظر عن هذه المناسبة ولا يعلق عليها أية آمال لحيثيات تتعلق بالجدوى وبسواها، فإنه في هذه الظروف الفارقة يُسقطها من حسابه، إذ إن الأنظار والأذهان تتجه إلى مكان آخر، وليست الشعوب بالتأكيد هي الملومة على هذه النتيجة .

يشهد النظام العربي في هذا المنعطف تحديات من داخله غير مسبوقة . وما يزيد من حِدّتها أنها لم تكن متوقعة بهذا الحجم، وفي هذا التوقيت . لم يعد الخارج ولا ترجماته المحلية مصدر هذه التحديات، إذ إن الأوضاع الداخلية تختزن تفاعلات شديدة، وتردي الأحوال الاقتصادية الذي لا تخطئه العين المجردة، وسلب الحريات العامة وغياب المشروعات الوطنية والقومية الجامعة، واستنفاد القمع لأدواته واستشراء الفساد ومأسسته . . كل ذلك وغيره يهدد العديد من مكونات النظام العربي، بعد طول تغاضٍ عن هذه المشكلات، وفي كثير من الحالات بعد التسبب بها والإصرار على المضي بها .

لقد التأمت القمم أول ما التأمت لمواجهة تداعيات القضية الفلسطينية، وقد كشفت ستة عقود عن مدى الإخفاق في التعامل مع التحدي رغم التضحيات التي بذلت، ورغم ما أثبتته جيوش عربية وقوى مقاومة من كفاءة وبسالة في مقارعة العدو، غير أن الحصاد السياسي النهائي كان أقل من صفر، إذ إن أراضٍ عربية إضافية جرى احتلالها في عام ،1967 والسلام الذي كان مطلباً صهيونياً بات أمنية عربية وفلسطينية رسمية فيما المحتلون خرجوا بصيغة تتناسب مع أطماعهم التوسعية وقوتهم التي راكموها وهي السلام مقابل السلام لا مقابل الأرض . والقمم عاجزة عن التعامل مع هذا التحدي وتلجأ إلى حلول دبلوماسية تقليدية من قبيل تسيير موفدين منها إلى واشنطن وعواصم غربية .

لم تنجح القمم في ترجمة أي من بياناتها وتوجهاتها الإعلامية، وباتت عاجزة عن حل المشكلات البينية بين مكونات النظام العربي، وأصبح الانكفاء وتعظيم الحسابات الذاتية هو الفيصل الذي يجمع بين هذه المكونات على اختلافها .

لم يؤد ذلك فقط إلى الإخفاق الذي يلتقي عليه الجميع تقريباً، بمن في ذلك من هم داخل مؤسسة القمة والجامعة، ولكنه أدى ويؤدي إلى التفاعلات التي نشهدها منذ أسبوع في الشمال الإفريقي العربي، وهي تفاعلات مرشحة للاستمرار بوتائر ووسائل مختلفة في مقبل الأيام . وحكمة اللبيب الذي يتعظ بغيره، لا تجد من يأخذ بها إلا متأخراً أو جزئياً . فلا أحد مع الفوضى أو مع الخراب، ولكن الاستقرار الذي به يلهجون هو سكون الاختلالات، ودوام الأخطاء على حالها، وشيوع حالة من التكلس والانقطاع عن العباد، ما يدفع بالتفاعلات إلى السطح بمظاهر متوترة مختلفة . ودوام الحال من المحال كما قالت العرب قديماً .

العالم العربي يتغير، هذا ما يكاد يجمع عليه مراقبون محايدون وأصدقاء وخصوم . من واجب النخب السعي لأن يكون التغير بأقل آلام ممكنة، وبأدنى الأضرار وبما يحفظ أساساً النسيج الوطني للمجتمعات وبما يحافظ على الدولة ومكتسباتها، وبما يحول دون المنازعات الأهلية أو الانزلاق نحو الانقلابات المقيتة، التي باتت الخبرة البشرية ترفضها وتدينها وباتت جزءاً من أرث الماضي وليس بالقطع من خيارات المستقبل . وفي القناعة الآن أن الإصلاحات الجدية والشاملة باتت خيار حياة وشرطاً حيوياً للاستقرار، وهو الدرس الذي تنبض به بل تفيض به التطورات التي نشهدها . فالعقلية السلطوية التسلطية ترتد في نهاية المطاف على أصحابها . والاحتكار السياسي يجافي منطق الحياة وطبيعة الأشياء فحتى على مستوى أسرة صغيرة، ففي ظروف معينة ينبغي أن يتشارك الجميع في اتخاذ القرارات وتحمل الأعباء والتمتع بالمكتسبات . . خاصة حين يكون الأبناء عاقلين راشدين . والشعوب ليست أطفالاً حتى ينطلي عليها إلى ما لا نهاية الترهيب والترغيب، وحتى تثق بالديباجات الإعلامية المكررة، التي تنكرها الحياة والوقائع الحسية العيانية ومقولة ضمان الخبز والحرية معاً تظل معادلة ذهبية تزكيها الأيام وتجارب البشرية بأسرها ونحن جزء منها .

==============================

التغيير بدأ.. لكن المعركة طويلة

جلال عارف

التاريخ: 13 فبراير 2011

البيان

الآن.. تتكاثر الاعتذارات التي يتم تقديمها لجيل عربي جديد خالف كل التوقعات، وأثبت أن هذه الأمة العربية قادرة على مقاومة كل عوامل الفناء، وقادرة على الصمود في وجه المحن، وقادرة على استيلاد الحياة في لحظات كانت تبدو وكأنها مهيأة لإقامة سرادقات العزاء!!

يعرف الشباب أن بين الاعتذارات ما لا يستحق الالتفات إليه لأنه جاء من الذين راهنوا على أن هذا الجيل هو جيل الضياع والهروب من المسؤولية والرضا بالإذلال على المستوى الشخصي أو الوطني، ولكنهم يعرفون أن معظم الاعتذارات تأتي من قلوب صادقة لأنها عانت وتعبت وناضلت ودفعت الثمن ولكنها لم تفقد إيمانها بأحلامها ولم تتخل عن رهانها على أجيال قادمة لاستكمال المسيرة، وربما كانت المفاجأة بالنسبة لها أن موعدها مع هذه الأجيال جاء مبكرا عما توقعته وأنه جاء في لحظة سادها التراجع العربي بصورة عامة وكاد ما تبقى من قدرة على الصمود أن يتلاشى.

من هنا فإن الفرحة لا توصف بهذا الجيل العربي القادم مع رياح التغيير والمبشر بالعدل والحرية وبالخروج من نفق التراجع والانكسار القومي. هذا الجيل الذي تحدى الظروف وأطلق الشرارة، والذي يرفض كل أنواع التدخل الأجنبي مهما كان مصدرها، والذي يتصرف بوعي وحكمة ضد كل محاولات الاختراق التي تحاول إبعاده عن الطريق الصحيح، والذي استطاع أن يعيد الحيوية للشارع العربي الذي كان البعض يظن أن السياسة قد ماتت فيه وأنه لا يتحرك إلا لمباراة كرة ولا يتجمع إلا في إطار الطائفة أو العشيرة، ولا تشغله إلا الفتاوى المتباينة حول عذاب القبر وقيادة السيارات ودخول الحمام بالقدم اليمنى أو اليسرى. في أيام قليلة يتغير وجه الشارع العربي، يصبح أكثر شبابا وأكثر حيوية، وأشد انتماء للمستقبل، بعد فترة طويلة كان كل ما في حياتنا يجرنا إلى الخلف ويحاول إعادتنا إلى جنات العصور الوسطى التي لم تكن إلا التخلف في أكمل صوره. ولا شك أن ذلك كله يبرر هذه الفرحة الطاغية بهذا الجيل الرائع من شبابنا العربي الذي حقق حتى الآن ما كان يبدو وحتى الأمس القريب.. أشبه بالمعجزة! لكن علينا هنا أن نذكر أن ما أطلق الشباب شرارته قد تحول إلى حركة عامة ينتظم فيها الجميع، وأن الفروق قد ذابت بين مختلف الأجيال، خاصة من جيل سبق ويستحق هو أيضا كل الاعتذار.. فقد عانى ودفع الثمن وكادت الأيام تسرقه دون أن يرى ثمارا لما قدمه في عصر عربي تميز بسرعة التحولات وعمقها.. من ثورة يوليو 1952 التي غيرت وجه مصر والعالم العربي تغييرا شاملا وقادت تيار العمل القومي الحقيقي، ودفعت بالشباب إلى مقدمة الصورة، ووحدت الأمة من المحيط إلى الخليج حول رؤية واحدة وقيادة واحدة وطريق واحد قاد الاستقلال العربي ونهاية الاستعمار واستعادة الثروات بدءا من قناة السويس إلى البترول، وبداية عصر جديد لنهضة عربية استطاعت الصمود أمام المؤامرات والعدوان وثأرت لهزيمتها في 67 بالانتصار في حرب أكتوبر العظيمة.

وبدلا من استعادة الزخم لمواصلة طريق النهضة العربية، جاءت الثورة المضادة لتبعد مصر عن طريقها العربي من خلال كامب ديفيد ومعاهدة الصلح مع العدو الإسرائيلي، ليتغير بعد ذلك المسار في الوطن العربي كله وتبدأ مرحلة من التراجع لم يستسلم أمامها جيل لابد أن نتذكره اليوم حتى ولو كان من بقي منه قد وصل إلى مرحلة أحس فيها بأنه انهزم. والحقيقة غير ذلك بلا شك.. لقد ظل هذا الجيل قابضا على الجمر في أصعب الظروف، رفض كل محاولات إرغامه على التطبيع ودفع الثمن، قاتل من أجل ألا يفقد الملايين في أرجاء الوطن العربي إيمانهم بعروبتهم، وصمد أمام مغامرات حمقاء من أنظمة عربية تم حسابها على التيار القومي، كما صمد أمام محاولات أعداء الأمة لاستغلال هذه الأخطاء في تدمير الهوية العربية وإقامة السدود بين الأقطار العربية. وفي الوقت الذي كانت الثورة المضادة تحكم قبضتها، كان هذا الجيل يواصل التمسك بما تبقى من مكتسبات ثورة يوليو سواء على المستوى القومي أو على المستوى الداخلي حيث كانت موازين العدالة الاجتماعية تختل، والسياسات الاقتصادية تعيد إنتاج ما كان قبل يوليو من تبعية ومن فساد داخلي. وفي نفس الوقت كان هذا الجيل يستدرك ما كان من فجوات نفذت منها قوى الثورة المضادة ويدعو لديمقراطية حقيقية تكون هي الأساس لقوى عمل قومي بعد ذلك. ورغم الهزائم وخيبات الأمل فقد استطاع هذا الجيل أن يبقى شعلة الأمل لتنفجر الآن الأشواق للحرية والعدل على يد شباب الأمة. نقطة أخرى ينبغي التنبه لها ونحن نراقب الأحداث الخطيرة في وطننا العربي وهي ضرورة الإدراك بأننا أمام معركة طويلة لا يمكن أن تحسم بين يوم وليلة، صحيح أن مسيرة التغيير والإصلاح قد بدأت ولن تتراجع، وصحيح أن ما تحقق كان كبيرا ومهما وحاسما، ولكن علينا أن نعد أنفسنا لطريق طويل ستكون فيه مقاومة، وسيكون فيه تآمر، وستكون فيه انتصارات وتراجعات ولكن لابد أن نؤمن بأن النتيجة محسومة، وأن ما راهن عليه أعداء الأمة لسنوات طويلة قد سقط.. وها هو الشارع العربي الذي توهموا أنه قد انكسر يثبت حيويته وقدرته على فرض إرادته. وها هي الأجيال الجديدة التي راهنوا على أنهم قد اخترقوها وأخضعوها لثقافة الاستسلام تثبت أنها الأجدر بالانتساب لأمتها والأقدر على تفجير أفضل ما فيها. وها هي الملايين في الوطن العربي التي حاولوا الوقيعة بينهم وراهنوا على إبعادهم عن مصر وإبعاد مصر عنهم يتطلعون إلى أرض الكنانة بكل الأمل أن تخرج مصر من الأحداث التي تمر بها وهي أكثر قوة وأكثر صلابة وأشد استقرارا فهي وحدها القادرة كما فعلت في السابق على أن تقود الأمة على طريق الوحدة والتقدم والاستقرار، وهي القادرة على وقف الخلل في موازين القوى الذي ترك الساحة العربية في السنوات الأخيرة ملعبا لكل طامع من القوى الخارجية والإقليمية، وهي القوى التي تحاول جاهدة أن تلاحق الأحداث وأن يكون لها دور فتفاجأ بأن الصورة الوحيدة التي ظهرت في تظاهرات الملايين غير صورة الشهداء كانت صورة جمال عبد الناصر، وكأنها اعتذار عن سنوات ضاع فيها الطريق!!

==============================

إسرائيل وأيام الغضب

المصدر: صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية

التاريخ: 13 فبراير 2011

البيان

ربما تكون حالة التردد التي بدت في الخطاب السياسي الذي تبناه الرئيس الأميركي باراك أوباما في الحوار مع الدوائر الرسمية المصرية متأثرة جزئياً بحالة الخوف في إسرائيل من ضياع المعاهدة الأمنية التي أبرمتها مع مصر في عام 1979. لكن هل اتفاقات السلام مع أنظمة في المنطقة ليست هي الصخرة الثابتة التي تحتاجها إسرائيل؟

بدت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في وقت من الأوقات لبعض المراقبين صلبة مثل حجارة الأهرامات. وقدمت «سلاماً بارداً» على مدار أكثر من ثلاثة عقود بين العدوين السابقين.

الآن مع شن الشباب المصريين مثل المسؤول التنفيذي في شركة غوغل وائل غنيم لحركة مؤيدة للديمقراطية في ميدان التحرير، فإن مستقبل الاتفاقية الأمنية يمكن أن يكون مصيره الزوال مثل غوص دبابة تابعة للجيش في رمال شبه جزيرة سيناء.

من خلال تجنب مساندة مطالب المحتجين، فإن إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة، تخوض مغامرة بإبعاد المصريين الذين يرجح أنهم سيقودون حكومة ديمقراطية في مصر. أرسلت إسرائيل مبعوثيها إلى العواصم الغربية مثل واشنطن لمطالبتها بعدم التصلب في التعامل مع القيادة المصرية.

يبدو ان الرئيس أوباما يمتثل لطلب إسرائيل، حيث طلب فقط بأن يبدأ «انتقال منظم» للسلطة في مصر الآن، في الوقت الذي يدعم نائب الرئيس المصري الحالي ورئيس المخابرات السابق عمر سليمان الذي عمل لفترة طويلة كمفاوض رئيسي مع إسرائيل والفلسطينيين، والآن مع المعارضة. وقد دعم معظم كبار القادة في الكونغرس النهج الليّن الذي يتبعه أوباما. لكن مثل هذا الموقف المتردد من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل يثير القلق، وليس الأمل. فالمصالح طويلة الأجل لإسرائيل كما يراها بعض المراقبين تكمن في الديمقراطية القادمة إلى الأراضي العربية، مهما كانت فوضوية أو تستغرق وقتاً طويلاً في إقامتها. فمسألة شعب حر بحكومة منتخبة بحرية هي أساس أكثر متانة من التوصل إلى اتفاق سلام كالذي تم توقيعه في عام 1979. لقد عقد عمر سليمان، الذي طالما صور الإخوان المسلمين باعتبارهم تهديداً عنيفاً، محادثات مع قادتهم أخيراً. واعتبر هذه الجماعة، التي تخلت عن استخدام العنف منذ عقود، مؤيدة للديمقراطية في الأيام الأخيرة أكثر من الجيش المصري، الذي تربطه علاقات قوية مع وزارة الدفاع الأميركية. من خلال إجراء انتخابات حرة، ربما يظهر الإخوان في الواقع كحركة أقرب إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا، وليس حركة حماس. حتى لو رفضت الحكومة المصرية المستقبلية معاهدة السلام التي أبرمت في عام 1979، فإن المراقبين يشكون في أن الجيش المصري بوضعه الحالي على استعداد لخوض الحرب مجدداً. ولم تشر اللافتات التي رفعها المتظاهرون في القاهرة إلى إسرائيل، وذلك على الرغم من رغبتهم في إقامة وطن للفلسطينيين، ويشير المراقبون إلى أن المصريين يربطهم سلام، وإن كان بارداً مع إسرائيل، ويستفيد جيشهم من مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية. من غير المرجح أن تتخلى مصر عن تلك الفوائد في ظل حكومة ديمقراطية. إلى أن تتخلى إسرائيل وأوباما عن خوفهما من فقدان هذه المعاهدة، فإنه قد يظل من المشكوك فيه بأن تسفر المفاوضات بين سليمان والمعارضة عن تحقيق الديمقراطية في مصر قريباً. كذلك أشار سليمان إلى أن المصريين يفتقرون إلى «ثقافة الديمقراطية»، وأن مطالب المحتجين في واقع الأمر «تأتي من الخارج». فمثل هذه التصريحات لا تعكس تحولاً جاداً نحو انتخابات حرة ونزيهة. يحتاج القادة في إسرائيل والولايات المتحدة إلى تبني نظرة طويلة الأمد بشأن دور الديمقراطية في التهدئة بالشرق الأوسط. فإذا فعلوا ذلك، فإن نظرتهم إلى الكثير من ملامح الماضي ستتغير.

==============================

غليان «الشرق الأوسط» يخيمّ على الاقتصاد العالمي

بقلم نوريال روبيني‏

الفايننشال تايمز

الأحد 13-2-2011م

ترجمة خديجة القصاب

الثورة

أي آمال سلام تنضح بها منطقة الشرق الأوسط ؟ وكيف تتهدد الأحداث هناك العالم ؟ لأن أكثر من ثلثي احتياطي النفط في العالم متوضع في هذه المنطقة إلى جانب نصف احتياطي الغاز حيث تشكل المخاطر الجيوسياسية في تلك المنطقة مصدر احباط بالنسبة لاسعار الطاقة،

إضافة لعواقبه الدولية المحتملة . فمن أصل خمس ازمات ركود عرفها الاقتصاد العالمي تركت ثلاث أزمات منها صدمة جيوسياسية في الشرق الأوسط سرعان ما شلت أسعار النفط في الأسواق العالمية ، كذلك لعب البترول دوراً محورياً خلال ازمتي الركود الاخيرتين ، فحرب عام 1973 بين العرب والإسرائيليين فجرت نمواً حاداً على هذا الصعيد تمخض عن تضخم على المستوى الدولي رافقه ركود بامتياز خلال الاعوام 1974-1975 وحملت الثورة الايرانية منذ عام 1979 كذلك ارتفاع اسعار النفط مما ادى إلى ركود في الولايات المتحدة خلال العامين 1980-1982 أما اجتياح القوات العراقية للكويت في آب 1990 فقد ترك تأثيراته الجانبية على اسعار النفط والولايات المتحدة واقتصاديات الدول المتقدمة تحولت إلى ركود قصير المدى استمر حتى ربيع 1991 مع نهاية تلك الحرب .‏

وقد انطلق الركود الاقتصادي الذي اصاب العالم مطلع 2001 نتيجة قفزات التقنيات النفطية ليلعب البترول دوراً متواضعاً في هذا المجال نظراً لوقوف الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتوترات الواسعة التي انتشرت في الشرق الأوسط وراء ارتفاع اسعار النفط على نحو متواضع ولكن هام .‏

كذلك ساهمت اسعار النفط بدورها البارز في الركود العالمي الأخير مع تسرب الركود إلى الاقتصاد الأميركي منذ كانون الثاني لعام 2007 تلتها أزمة اقتصادية خانقة ليغدو الركود عالمياً خريف 2008 ولم يحدث هذا الركود العالمي فقط نتيجة انهيار ثم افلاس مصرف «ليمان» الأميركي وانما إثر تضاعف اسعار النفط على امتداد /12/ شهراً في صيف 2008 ليصل سعر البرميل إلى ذروته ويسجل 148 دولاراً وانعكس هذا الامر بشكل سلبي على التجارة العالمية ليشكل هزة حقيقية على مستوى الدخل الفردي ليس فقط داخل الولايات المتحدة وانما كذلك في معظم الدول الاوروبية واليابان والصين والاسواق الناشئة المعتمدة كلياً على استيراد الطاقة النفطية. ويقول كاتب هذا المقال. نحن لا ندري إلى أين ستتسع رقعة الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط وربما تطال مناطق أبعد منها كذلك لا نعلم إن كان سيؤدي انتشار الفوضى في امدادات النفط إلى ارتفاع خطير في أسعاره فما من أحد يتعاطف مع الفساد والفقر وارتفاع معدلات البطالة في العديد من الدول وانعدام المساواة بين المداخيل الفردية، ونأمل- يقول«روبيني» - ان تحفز الاحداث التي جرت في كل من تونس ومصر إلى تنظيم انتخابات حرة وتأتي بحكومات تلبي احتياجات الشعبين. أما اسعار النفط فقد ارتفعت قبل تلك الهزة السياسية الأخيرة لتتجاوز /900/ دولار للبرميل الواحد تحركها عوامل اقتصادية عالمية وعناصر ثانوية اخرى تتمثل بسيولة نقدية تطارد العقارات والممتلكات والسلع في الاسواق الناشئة وسط معدلات نمو تقارب «صفر» وتسهيلات في التعامل مع اقتصادات الدول المتقدمة وامدادات جديدة ومحدودة في طاقة النفط . واليوم ها هي اسعار النفط تتجاوز عتبة المئة دولار أميركي للبرميل الواحد وفجر الارتفاع المذكور في اسعار النفط وما تبعه من زيادة طرأت على قيمة البضائع الاساسية الاخرى كالاغذية وتضخماً في الاسواق الناشئة المشتعلة اسعارها اصلاً حيث تبتلع الطاقة النفطية والغذاء ثلثي سلة الاستهلاك المحلي هناك لتنعكس زيادة اسعار النفط سلباً على الصعد التجارية الدولية لتنتقل عدواها بشكل تغيرات ضربت المجتمعات كافة واصابت مستوى الدخل الفردي بشكل اساسي .‏

هذا ولم تتمكن اقتصادات الدول المتقدمة الخروج إلا بصعوبةمن ركود عانت منه مؤخراً وخاضت تجربة تعافي اقتصاداتها تلك بطريقة تفتقد للحيوية مع الأخذ بعين الاعتبار تباطؤ تداول البضائع بين الدول المتقدمة والتي في طور النمو وضعف اسواق العمل وارتفاع ثمن السلع الاساسية، وستقود تلك التبدلات التي شهدتها الجولة الأولى لهذا الركود إلى تأثيرات تضخم تؤدي إلى جولة ثانية قادمة، وفي حال سجلت اسعار النفط زيادة تفوق تلك المعروفة فستتباطأ حركة الاقتصادات الناشئة بشكل حاد وقد يعاني بعضها من ركود مضاعف .‏

وما من احد إلا ويأمل ان تؤدي الاحداث التي جرت مؤخراً في كل من تونس ومصر إلى انتقال السلطة بشكل هادئ إلى نظام جديد يتمتع بالديمقراطية والثبات والاستقرار ، فالاضطرابات السياسية التي عرفتها الدولتان العربيتان تشكل خطراً حقيقياً على الاقتصاد العالمي الذي يتعافى بشكل مرحلي ومؤقت من أسوأ ازمة مالية وركود اقتصادي شهده منذ عقود .‏

==============================

لماذا تخشى إسرائيل التغيير السياسي في مصر؟

المستقبل - الاحد 13 شباط 2011

العدد 3911 - نوافذ - صفحة 12

ماجد كيالي

من دون مزايدات أو توهّمات يبدو أن التغيير السياسي الجاري في مصر سيغيّر من طبيعة التفاعلات السياسية الجارية في المنطقة العربية، كما سيؤثر على وضع إسرائيل ومكانتها في هذه المنطقة.

والراجح فإن هذا التغيير، مهما كانت مآلاته، سيفتح صفحة جديدة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بطريقة أو بأخرى، كما سيضع حدا لعملية التسوية المهزلة، والمهينة، فضلا عن انه سيشدّ من عضد النظام العربي إزاء مختلف التحديات التي تواجهه، وإزاء صراعات القوى الإقليمية والدولية، في الشرق الأوسط، وبالخصوص في مواجهة التحدي الإسرائيلي.

على ذلك من الطبيعي أن تبدو إسرائيل بمثابة الخاسر الأكبر من عملية التغيير الداخلي في مصر، على مختلف الأصعدة والمستويات، وأهمها، مثلا، 1) انتهاء الوهم حول عملية التسوية، جملة وتفصيلا، والتعامل مع إسرائيل على حقيقتها بوصفها دولة استعمارية عنصرية. 2) عودة مصر، بجيشها القوي، للدخول في إطار موازين القوى المتعلقة بمعادلات الصراع العربي الإسرائيلي، ولو من دون ان يفترض ذلك تحررها تماما من إطار الالتزامات التي تفرضها عليها معاهدة كامب ديفيد. 3) تغير البيئة الأمنية المحيطة بإسرائيل، وتفاقم التهديدات الإستراتيجية لها، فبعد إيران، وبعد خسارتها تركيا، هاهي إسرائيل تجد نفسها في إطار طوق معاد، مع مصر جديدة ومختلفة، وغير متصالحة معها. 4) من البديهي الافتراض بأن التغيير في مصر لابد سيمكن النظام العربي من استعادة روحه وعافيته، ما ينعكس سلبا على وضع إسرائيل ومكانتها في المنطقة. ولعل كل ذلك يفسر إعراب إسرائيل، كما جاء على لسان معظم قادتها، عن خشيتها من التغيير الآتي، في مصر، وربما في غيرها لاحقا، بالنظر لتأثيراته وتداعياته السياسية والأمنية عليها.

لكن، ومع أهمية كل ما تقدم، ثمة شيء جديد آخر فاقم من قلق إسرائيل، ومن تبرّمها مما يجري، في مصر، وقبلها في تونس، وهو يتمثل بالطريقة التي يتم فيها هذا التغيير، والذي جاء على خلاف ما كانت تشيعه، وما تدّعيه؛ بشأن فوضوية العالم العربي، وجنوحه نحو حل مشاكله بالعنف، ومدى سطوة تيارات الإسلام السياسي فيه، وعدائه المطلق للغرب، وعدم قابليته للحداثة وللتحول الديمقراطي.

وكما شهدنا فإن عمليات التغيير هذه (في تونس ومصر) لم تحصل بطريقة فوضوية أو عنيفة، وإنما هي حصلت بطريقة سلمية وحضارية، هذا أولا. ثانيا، إن عمليات التغيير هذه لم تحصل بقوة تيار الإسلام السياسي، وإنما حصلت بفضل غضبة الشعبين المصري والتونسي على النظامين اللذين تحكما بهما منذ ثلاثة عقود من الزمن. ثالثا، هذا التغيير لم يحصل في ظل شعارات سياسية راديكالية تشمل السياسات الخارجية، وإنما حصل في ظل شعارات تتعلق بإرادة العيش في العيش بحرية وكرامة. رابعا، إن القوى الشبابية، التي تعبر عن مستقبل العالم العربي، هي العمود الفقري لهذا التغيير، ومحركه، وهي اعتمدت على احدث ما ابتكرته تكنولوجيا الاتصال والإعلام للحض على عملية التغيير وتنظيمها وتوجيهها.

وبالنظر إلى كل ذلك يبدو أن إسرائيل باتت تدرك بأن ادعاءاتها بشأن العالم العربي، ذهبت إدراج الرياح، ولم تعد تجدي نفعاً، أمام ما شهده العالم في ميادين المدن التونسية والمصرية. هكذا لم يعد ثمة صدقية بشأن تخويف الغرب من "بعبع" الحركة الإسلامية، ومن تحول مصر، أو غيرها، نحو الفوضى، أو باتجاه أن تكون "إيران ثانية"، في الشرق الأوسط!

والأهم مما تقدم أنه بعد التغيير في تونس ومصر لم يعد مجديا البتة لإسرائيل الادعاء بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأن الشعوب العربية غير قابلة للتغيير والتحول نحو الديمقراطية. حتى بين الإسرائيليين ذاتهم، فقدت هذه الادعاءات صدقيتها. وهذا أنشيل بابر، مثلا، يسخر من ادعاءات حكومته، بهذا الشأن، بقوله: "كلنا مصابون بالاستشراق، ولن نقول العنصرية، إذا كان منظر شعب كامل يتحلل من عبء الاستبداد ويطلب في شجاعة انتخابات حرة يملؤنا خوفا بدل أن ينعش قلوبنا، لمجرد أنهم عرب..هل نخشى ألا نستطيع التمدح باسم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟ ألا تستحق مصر ذلك أيضا؟ يُخوفوننا من سيطرة إسلامية على الجارة الكبيرة.. والأصوليون المتدينون عندنا أيضا يشاركون في الحكم. هذا هو ثمن الديمقراطية النيابية..ربما يكون خوفنا الحقيقي مشابها جدا لخوف الطبقة الحاكمة عند جيراننا. فماذا لو أن الأمة العربية القادمة التي ستنتفض..الفلسطينيون خاصة؟ كيف سيرد الجيش الإسرائيلي في اليوم الذي يسير فيه عشرات الآلاف بأيد مكشوفة نحو جدران المستوطنات ويطلبون دولتهم الحرة." ("هآرتس"، 2/2/2011)

أيضا، وما يلفت الانتباه في ردة فعل إسرائيل إزاء ما يجري في مصر، أن هذه الدولة التي ضيعت عقدين من الزمن، من عمر عملية التسوية، في حبائل، ومتاهات، باتباعها سياسات متغطرسة، ومتعنتة، تعمدت فيها عدم احترام حقوق العرب وامتهانهم، باتت تتباكى على إمكان ضياع عملية السلام مع العالم العربي. وهذه الدولة التي لم يراع حكامها حرمة للمجتمع الدولي، الذي طالبهم بمجرد وقف مؤقت للأنشطة الاستيطانية، باتت تطالب الدول الكبرى بالضغط على مصر وحثها على عدم تقويض اتفاقات التسوية معها. وهذا جدعون ليفي يسخر من سياسة حكومته هذه، في مقال كتبه، جاء فيه: "مع وجود خطر أن يؤخذ السلام منا عاد ليصبح حلما.. من الجيد أننا عرفنا في نهاية الأمر قيمة السلام مع مصر بعد جميع سني الاستخفاف.. انه ذخر استراتيجي حقا. لكن ما الذي فعلناه طوال تلك السنين للحفاظ عليه؟ وكم فعلنا من اجل تعميقه مع الشعب المصري، الذي يرجو أن يرى نهاية احتلال إخوانه الفلسطينيين؟. وفوق كل شيء، ما الذي فعلناه للتوصل إلى اتفاقات أخرى كتلك التي نستخف اليوم بأهمية إحرازها." ("هآرتس"، 3/1)

على أية حال فإن الحدث المصري مازال في بدايته، ولاشك انه سيحمل معه تداعيات غير معروفة أيضا، إن على إسرائيل، أو على شكل هذه المنطقة من العالم. ولعله يصح القول إن ما كان جائزا قبل الحدث المصري، لن يكون من بعده، على أصعدة عديدة وفي مجالات مختلفة.

==============================

مصير معاهدات السلام..

ابراهيم عبدالمجيد القيسي

الدستور

13-2-2011

تحية لشهداء الكرامة والحرية الذين فازوا ورقدوا تحت الثرى قريري العين بما قدموا ، وللذين ما زالوا ينتظرون وما بدلوا حياة بغير الحياة بحرية وكرامة ، وتحية لكل عربي حر رفض الذل والخنوع.

السؤال الأكبر الذي يتردد في ذهن السياسي والمواطن العربي الحر ، هو: ما مصير معاهدات السلام مع العدو الصهيوني المجرم ، بعد سقوط النظام المصري؟ ويتردد سؤال آخر بعد هذا السقوط المدوي لنظام حسني مبارك ، الذي استمر وحتى اللحظة والملاذ الأخيرين في قبضة الدولة الإسرائيلية ، وهو: ماذا كان من الممكن أن يكون مصير اسرائيل لو أن مصر لم تسقط في براثن العملية السلمية قبل أكثر من 30 عاما؟،.

سقطت مصر في يد الصهيونية منذ كامب ديفيد ، وبعد مقاطعة عربية لها استمرت 10 سنوات ، تمكنت الصهيونية من توريط العرب في مؤتمر مدريد ، وخلف الكواليس كان الفلسطينيون يقطعون مسافات على طريق السلام الكاذب بل وخيانة القضية والمبادىء ، وليس جديدا القول أن الدولة الصهيونية المجرمة ، حققت مكاسب من السلام أكثر مما حققته من حالة الحرب ، ويكفيها مكاسب أنها استطاعت أن تسيطر على نظام يحكم أكبر وأهم دولة عربية ، التي استمر رئيسها المخلوع حسني مبارك بتنفيذ مخططاتها وسياساتها حتى اللحظة الأخيرة ، حيث كان مستشاره الأول اسرائيليا على امتداد الأيام الثمانية عشر الأولى من عمر الثورة المصرية ضده ، وكان ملاذه الأخير هو اسرائيل أو حدودها وليس شرم الشيخ كما زعموا ، وهذه هي النهاية اللائقة والمصير المحتوم والمكان الأنسب لكل من خان أمته وشعبه ، وصمت عن الجريمة الصهيونية في فلسطين وفي العالم العربي ، وقدم كل التسهيلات لأعداء العرب في أن ينفذوا مخططاتهم الإجرامية ضد خير أمة.

لا أتوقع قرارا مصريا بإنهاء العمل في معاهدة السلام ، لكنني متأكد من أنها لن تستمر في تغييب مصر عن دورها المسروق منذ أكثر من 30 عاما ، وهذا ما تسعى الدولة الصهيونية لتقليل تأثيره وكلفته على استراتيجياتها وبرنامجها التوسعي ، فهي تسعى ومنذ أن فوجئت بالثورة المصرية لتقليل خسائرها من كلفة غياب حليف عملاق مطواع كالنظام المصري البائد.

يحق للأردن كطرف في معاهدة سلام مع الدولة الصهيونية أن يرفع سقف مطالبه الآن ، ويرسم حدودا لائقة لهذه العلاقة الديبلوماسية ، تنسجم مع كلفة هدنة أو سلام استغلته الدولة الصهيونية لمزيد من استفراد وإذلال ومصادرة لحقوق الشعب الفلسطيني ، الأردن هي الدولة العربية الأكثر تضررا من الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وهي الدولة التي تدفع هذه الفاتورة على حساب أمنها واستقرارها ومستقبلها ، خصوصا وأنه لا يوجد بيت أردني واحد لا يرتبط بعلاقة أو يتأثر بشكل مباشر بمأساة الشعب الفلسطيني.

هذا وقت تقييم معاهدة السلام ، وهو وقت قصير يجب استثماره أردنيا لتصويب أكثر من خلل وأزمة تسببت به هذه العلاقة السياسية والديبلوماسية الباهضة التكاليف وغير المتكافئة.

الشعب المصري العربي الحر تدخّل أخيرا ، وغير قوانين اللعبة ، وهي فرصة نادرة للسياسة والديبلوماسية العربية أن تسترجع كثيرا من هيبة وكرامة تبددت بفعل صهيوني عدواني ، وهذا هو وقت التراجع عن "مبادرة السلام العربية" وتنظيف الساحات العربية خصوصا الفلسطينية من الدخلاء والعملاء ، وتوحيد هذا الشعب خلف مقاومته المشروعة وسلطته الإدارية المدنية ، ورفع الظلم والحصار عنه.

هذه فرصة تاريخية نادرة فيجب على العرب استغلالها والتقاطها قبل أن يتم خلط جديد للأوراق.

==============================

مصر .. المرحلة التاريخية الجديدة!

عبدالله محمد القاق

الدستور

13-2-2011

واخيراً تنحى الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه بعد أن حكم مصر حوالي الثلاثين عاماً وكلف الجيش المصري بتولي السلطة في اليوم الثامن عشر لانتفاضة شعبية عارمة لم تشهد لها مصر مثيلاً في تاريخها وذلك بعد تظاهرات ومسيرات مليونية غاضبة هدفت الى اسقاط النظام المصري واعوانه ، واعادة الحياة الدستورية الحقيقية الى البلاد ، والغاء قانون الطوارئ الذي ما زال سيفاً مسلطاً على الشعب المصري منذ عام 1980 فضلاً عن المحاكمات العسكرية التي يواجهها المدنيون المصريون في قضايا عديدة ، بالاضافة الى التزوير الكبير الذي حصل في انتخابات مجلس الشعب والتعسف الذي شهدته مصر مؤخراً ضد المواطنين المصريين،،.

هذا التنحي عن الحكم لقي ترحيباً كبيراً لدى الشارع المصري والعربي لانه لم يتم على ظهر دبابات الجيش او الامن العام بل جاء نتيجة رغبة شعبية كبيرة من قبل الشعب المصري بعد ان ذاق الذل والمهانة ، والاستبداد والغطرسة من قبل هذا النظام والذي لم يكن يستمع الى النصائح التي تُسدى اليه من اجل اعادة النظر في مواقفه وتشجيع الديمقراطية والتي كان لعدد من الصحف والاذاعات المصرية السبب وراء هذه الاحداث بتأييدها هذا النظام وتاكيد شرعيته في اتخاذ الاساليب القمعية للشعب المصري وسياسته غير السليمة تجاه العديد من الدول العربية ودعمه لفئة من الفلسطينيين على حساب فئة وتجويع الشعب المصري وباسهامه في مد اسرائيل بالغاز بأسعار تفضيلية في حين ان مصر كانت بحاجة ماسة لمبالغ هذا الغاز الذي تصل كلفته الى مليارات الدولارات والتي وصفت جريدة اسرائيلية ما تقدمه مصر لها من دعم في الغاز يمثل الدولة الثانية في دعم اسرائيل بمبلغ (1,7) مليار دولار سنويا بعد الولايات المتحدة الاميركية.

واذا كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك قد اعلن في بيانات له سبقت تنحية عن الحكم من انه لن يترشح لولاية جديدة بعد ثلاثين سنة من الحكم فان ما اشار اليه الاستاذ محمد حسنين هيكل عبر تلفزيون دريم صباح امس من ان مبارك كان يمهد الطريق لنجله (جمال) لكي يترشح ليكون خليفة له ، وهو ما أكده مراقبون نقلا عن الرئيس المصري السابق في اكثر من مناسبة.

والواقع ان تنحي الرئيس مبارك من منصبه اثار اهتمام الاوساط السياسية العربية والاجنبية ، حيث لم يبق مسؤول اميركي او اسرائيلي لم يتدخل في الاوضاع الجارية في مصر. كما وان الدول الاوروبية اخذت تتسابق في تقديم الاقتراحات والتوصيات واحياناً المطالب والشروط في الشأن المصري وتطالب المتظاهرين بضرورة الحفاظ على الهدوء وتدعو حكومة مصر الى رعاية الصحفيين والابتعاد عن العنف ضد الشعب المصري واستخدام أساليب اللين والرفق بالمحتجين والدفاع عن حريتهم في ابداء رأيهم.

ولقد لوحظ من هذه التدخلات ايضاً ان اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وروسيا اصدرت بياناً اقرب فيه الى المطالب الاسرائيلية منه الى الحياد ، من اجل التهدئة لهذه الاوضاع فضلاً عن اكثر من 350 موفداً اميركيا واوروبياً قد زاروا اسرائيل مؤخراً للتعبير عن تضامنهم الى جانبها بضرورة احترام اتفاقية "كامب ديفيد" والسعي لدى دول العالم لاجهاض أية محاولات لأي نظام حكم مصري جديد يحاول المساس في الاتفاقات المعقودة بين مصر واسرائيل ، في حين ان هؤلاء المبعوثين لم يطالبوا بوقف الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفسلطينية ولم يشجعوا بلادهم وخاصة اميركا بغية تأييد مشروع قرار عربي باقامة الدولة الفلسطينية بعد رفض اسرائيل الموافقة على استئناف المفاوضات اثر تجميدها للاستيطان ولو لمدة ثلاثة شهور،،

ويرى المراقبون ان اي رئيس جديد لمصر لن يكرر اخطاء حسني مبارك الذي ارتمى في احضان الاميركيين والاسرائيليين كما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الاخير: لأنه وجد نفسه في موقفين متناقضين ، كان بامكانه ان يكون رجل واشنطن او رجل مصر ولكن ليس الاثنين معاً ولكنه كما تشير الصحيفة اختار الموقف الاول وحاول فك فجوة الشرعية الناجمة عن طريق التلاعب والقوة للحصول على المساعدات من الجانب الاميركي والاوروبي.

واذا كانت وزارة الاعلام المصرية غضت الطرف عما يجري في مصر من تظاهرات باغلاقها المواقع الإلكترونية الفيسبوك والتويتر وبعض القنوات التلفزيونية من اجل الحد من اخبار سياسة كالتجويع او القمع او التظاهرات في مصر والتي تجيء في غياب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان والضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتردي الاوضاع الاجتماعية والتربوية ، فان كل هذه الاعمال لا يمكن ان تحجب عن العالم ما يجري في مصر لأن عصر العولمة والفضاء الاعلامي الواسع أصبح كاشفا لكل الأوضاع بحيث أضحت مفاهيم الحرية والديمقراطية اكثر شيوعا ولذلك فانه مهما حاول نظام مبارك السابق بادارة وزير الاعلام أنس الفقي اخفاء مظاهر الاستبداد والفساد وتردي الاوضاع التنموية والاقتصادية فان مثل هذه الاجراءات لن تخفف من الاحتقان السياسي بأي شكل من الاشكال.

ولا شك في ان الانتفاضة الشعبية الكبيرة في مصر جاءت بعد اسابيع معدودة من ثورة الياسمين التونسية ، وان هاتين الثورتين وضعتا منطقة الشرق الاوسط امام مُنعطف بالغ الدقة والخطورة حيث يتوقع ان تكون المرحلة المقبلة حافلة بالاضطرابات والقلاقل ولو لاسباب مختلفة تختلط فيها المطالب الشعبية المعيشية مع السياسية ، وهذا يعني ان الشرق الاوسط الجديد بدأ يتولد في المنطقة لكون الولايات المتحدة التي تدعم الرؤساء كما هو الحال مع زين العابدين بن علي الرئيس التونسي المخلوع وحسني مبارك ، هي اول من سحبت البساط والغطاء عنهما كما فعلت مع شاه ايران عام ,1979

فمصر في ثورتها الجديدة التي كانت تبحث عن رئيس وزعيم جديد لها لم تجد الا زعيم مصر الاسبق الراحل جمال عبدالناصر الذي وصفه المتظاهرون بأنه يحمل آمال وآلام واحلام وتطلعات الشعب ، وقد تجلى هذا الموقف بقرار الجيش المصري بالوقوف الى جانب الشعب وتولي السلطة فيه ، والذي أجمع المصريون على تقديره لمواقفه الوطنية والقومية ودوره الكبير في استعادة الأمن والاستقرار والطمأنينة للشعب المصري بعيداً عن التناحر او الخلاف والتنافس على السلطة،،

ان تنحي مبارك بداية انتصار الثورة الشعبية المصرية وهي خطوة ضرورية لتوفير الامن والأمان لمصر بغية اعادة دورها الوطني والقومي ، في المنطقة والعالم لما تتمتع به "هبة النيل" من مواقف مشهودة حيال العالمين العربي والدولي والذي اجتزأهما حكم مبارك واعاد بها الى الوراء سنوات كثيرة الامر الذي أدى الى تقزيم دورها وسياستها الوطنية والقومية المشهودة،

الامل كبير في تجاوز كل الخلافات والاشكالات السابقة ، وان يكون التغيير فرصة لجمع الصفوف ونبذ الخلافات وترتيب البيت المصري ، واعادة فتح معبر رفح من أجل وضع حد لتضييق الخناق على أهالي غزة والذي اتبع النظام السابق هذه السياسة التي أسهمت في تجويع مليون ونصف المليون فلسطيني فضلاً عن كون سياسة هذا النظام بددت كل آمال الشعب المصري نحو الوحدة والتقدم والازدهار،،.

==============================

القانون الدولي .. أين هو؟

د. عثمان ناصر مناصره

الرأي الاردنية

13-2-2011

لم يعد حتى أعتى المحللين قادرين على التنبؤ بالأحداث القادمة، وإلى أين تدور بنا البوصلة، بل ولم يعد أحد قادرا على معرفة ما يدور حوله في هذا العالم المضطرب من أقصاه إلى أقصاه.

وبالعودة إلى العنوان الرئيس للمقال وحتى لا نبتعد كثيرا، أتساءل كما يتساءل الكثيرون غيري، ما الذي حصل، وما الذي دفع ببعض الدول أن تتدخل بهذه الطريقة السافرة في شؤون دولة أخرى مستقلة وذات سيادة، وما الذي حدا بهم إلى أن يطالبوا ويقرروا نيابة عن الشعوب الحرة المستقلة؛ أليس هو جنون العظمة، أم أنه الشوق إلى حقبة تاريخية انتهت بقضها وقضيضها.

إنها لعبة القانون الدولي الذي احتضر من زمان، ولم يتبق منه إلا الحبر الذي كتب به على أوراق تساقطت منذ غزو العراق واحتلاله ونهب ثرواته وتهجير أهله من وطنهم.

عن أي قانون دولي يتكلمون، وأين كان هؤلاء عندما احتل العراق، وأين كان الضمير العالمي عندما تم غزو أفغانستان، وأين هو القانون الدولي من معتقل غوانتانامو الذي تمارس فيه أبشع وأشنع صور التعذيب الإنساني في العصر الحديث، وأين كان الذين ينادون بأن تنتقل السلطة فورا في مصر الحبيبة، ويجتمعون على عجل ويصدرون البيانات التي تدعم الشعب المصري في ثورته، أين كان هؤلاء غارقين في سبات عميق وغزة تحترق تحت وطأة الصواريخ الإسرائيلية، بل وغزة هاشم تستجير وتنادي، ولم يستجب يومئذ أحد، وكأنهم صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون. ويبقى السؤال المطروح ألا وهو أين؟؟ يسير معنا ويلاحقنا في الوطن العربي لأني وكغيري نشعر بأن هذا القانون الدولي لا يظهر للعلن إلا على ظهورنا، ولا تطبق قوانينه وعقوباته إلا على الشعوب التي لا حول ولا قوة لها في هذا العالم المضطرب.

ملاحظة: سارعت بعض القوى الكبرى إلى القول بأنها سترفع العقوبات عن السودان الشقيق وذلك بمجرد أن أظهر الاستفتاء بأن نسبة كبيرة من الجنوبيين تؤيد الانفصال عن الدولة الأم، أليس هذا استغفالا ما بعده استغفال للعالم أجمع، هل انتهى دعم السودان للإرهاب العالمي بمجرد انفصال الجنوب عنه، ومكافأةً له سيرفع اسمه من الدول الداعمة للإرهاب. ويبقى السؤال أن نسبة من الجنوبيين في السودان تدعم الانفصال عن الشمال، وأن كثيرا من الدول ستعترف بالدولة الجنوبية الموعودة في السودان عما قريب. وهنا نسأل: ماذا عن دولة فلسطين الموجودة أصلا على أرض الواقع، وترفض الدول الكبرى الاعتراف بحق شعبها أن يعيش حرا كبقية شعوب الأرض في دولة مستقلة.

ويبقى السؤال إلى متى سنبقى معلقين بهذا القانون الدولي الذي يلحق بنا العار كشعوب وحكومات ودول أمام أنفسنا وأمام الأجيال القادمة، فأين القانون الدولي ؟؟

==============================

سقط عهد مبارك.. وصعدت مصر

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

13-2-2011

سيُكتب في تاريخ مصر والمنطقة ان ثلّة من خيرة شباب مصر امتلكوا أدوات عصرهم ومحبة بلدهم وأمتهم, قد استطاعوا من خلال عملية تشبيك اجتماعي عبر الانترنت ان يتداولوا هموم شعب مصر وأوضاعه, وان يترجموها الى حركة احتجاج شعبي جامع في ميدان التحرير يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي, ليفجروا ما اختزنه الشعب المصري من مرارة وغضب لما آلت اليه اوضاع مصر الداخلية ودورها في المنطقة, فكانت لحظة فاصلة تداعى اليها شعب مصر بأسره طوت عهداً سياسياً استمر ثلاثين عاماً بوتيرة واحدة رتيبة, ووقائع مؤلمة وأحيت من جديد روح شعب مصر العظيمة التي طالما قادت المنطقة ودافعت عن حقوق الامة وقضاياها.

الا أن التغيير في مصر من عهد الى عهد دائماً تنعكس آثاره على المنطقة العربية بأسرها, فعهد عبدالناصر كان لحظة حاسمة في تاريخ مصر والمنطقة, زلزل اوضاع مصر وعصف بالكثير من اوضاع المنطقة, وعبأ الشارع العربي في اطار ايديولوجية قومية كاسحة انحسرت اندفاعتها بهزيمة حزيران عام 1967, واورثت شعوب الامة هموم الانكسار وكثيرا من الضياع الذي تعيشه امتنا اليوم.

وجاء عهد السادات ليقود المنطقة باتجاه مهادن معاكس لعهد عبدالناصر وليجر المنطقة عبر كامب ديفيد, وزيارة القدس الى مرحلة الحلول السياسية المنقوصة, التي لم تؤد الى حل لقضية فلسطين.

وأتى عهد مبارك ليتعامل مع ما ترتب على حالة الهزيمة برتابة سياسية قلصت دور مصر القيادي في المنطقة وكرّست غيبة النظام العربي, وسيّدت اسرائيل والولايات المتحدة على أوضاع المنطقة, وحولت الحكم في مصر الى شركة استثمارية للخاصة وعمّقت فقر وقهر الشعب المصري العظيم, ووضعت مصر في غير مكانها في العديد من الصراعات والمواجهات التي شهدتها الساحة العربية.

ومن المشروع ان نسأل وكلنا امل بفجر جديد تستعيد فيه مصر والامة العربية ارادتها وقرارها الى اين سيقود العهد الجديد في مصر منطقتنا الى التثوير الاعلامي والفوضى الذي بدأه عهد عبدالناصر وانتهى بالهزيمة في 67 ام الى الاحتواء مرة اخرى من القوى المهيمنة في الشرق الاوسط، ام الى قيادة مرحلة عاقلة من التنوير العربي المستند الى التضامن والاصلاح وترسيخ الديمقراطية والدولة المدنية في الساحة العربية.

نخشى على مصر من تنازع الاحزاب على ساحتها والصراع على الادوار والارتكاس الى الوراء، طلبا للانتقام وتصفية الحسابات ونريد لمصر ان تكون فوق الايديولوجيات والاحزاب، نريدها ان تقدم النموذج العربي في الاصلاح السياسي والاجتماعي، وفي استعادة الدور والكرامة العربية وان تكون سندا لامتها، في دفع عجلة البناء والاصلاح والديمقراطية وليس تعميم الفوضى والصراعات العربية.

آن لوجه مصر العربي وروحها الاسلامية والانسانية ان تشع من جديد وآن لوجهها المثقف العريق ان يمسك بدفة الحكم والاصلاح، فمصر ام العرب وملهمتهم في هذا العصر، وحاضنة النظام العربي الذي نأمل ان يُرسم له درب جديد، تُملى فيه الامة ارادتها الحرة، بعيدا عما يكبلها او يكبح طاقاتها وبما يجمعها لنصرة قضاياها، نهنئ شعب مصر ان تحققت ارادته بالتغيير، وندعو لمصر بعهد جديد من البناء، والتلاحم الوطني والديمقراطية، وان تعود مصر لدورها القائد في الامة العربية وفي الساحة الدولية قطباً جامعاً لامتها، ومركز قوة في الساحة العربية.

==============================

مساعدات خطيرة في أفغانستان

ميشيال هوفمان (الممثل القطري لمنظمة أطباء بلا حدود)

الرأي الاردنية

13-2-2011

في الوقت الذي يتواصل فيه تشريح استعراض إستراتيجية إدارة أوباما لأفغانستان، يكمن الواقع للأفغان بأنهم تائهون في الجدال، محاصرون في خضم هذه الحرب المستمرة منذ تسع سنوات. بالنسبة إليهم، لقد أضحى السعي إلى المساعدات التي يقدمها كلا الجانبين في النزاع بخطورة عدم التماسها.

في أفغانستان، يبدو أن الجميع أصبحوا «إنسانيين»: الجيش الأمريكي وحلفاء الناتو (منظمة حلف شمال الأطلسي) والحكومة الأفغانية وحتى جماعات المعارضة المسلحة. كلهم لا يتورعون عن الإشادة بما يسمونه نواياهم وأنشطتهم الإنسانية في محاولة للفوز بقلوب وعقول السكان المدنيين.

ومن الواجهة، قد يبدو الأمر مفيداً وسط بيئة فقيرة ومنعدمة الاستقرار. فحين تكون جائعاً، لا تكترث كثيراً بهوية من يتصدق عليك بالطعام.

ولكن مع اتساع رقعة الحرب واشتعالها داخل أفغانستان، بتزامن مع ارتفاع الاحتياجات الإنسانية، تضاعفت المخاطر على الشعب الأفغاني في سعيه للحصول على المساعدات التي تقدمها الجهات العسكرية أو الجماعات المرتبطة بها.

إذ أصبحت حالياً كل أقاليم أفغانستان تقريباً ترزح تحت نير النزاعات المسلحة، بحيث تتسبب الهجمات التي حطمت كل الأرقام السابقة في تقييد أنشطة توفير الخدمات الأساسية للشعب الأفغاني، ولكن بالنسبة للمدنيين الأفغان المرضى أو الجرحى، فإن الذهاب إلى العيادات التي يشرف عليها حلف الناتو أو الحصول على المساعدة من الجماعات ذات الصلة بإستراتيجية الناتو لمكافحة التمرد يمكن أن يعني ردات فعل انتقامية من قوات المعارضة، سواء كانت حركة طالبان أو غيرها من الجماعات المقاتلة. وفي نفس الوقت، يواجه الأفغانيون المصير نفسه من القوات الدولية أو الأفغانية إذا ما لجئوا إلى المعارضة من أجل الحصول على المساعدات.

وفي هذه البيئة، يعني طلب المساعدة ضرورة الانحياز والانتماء إلى خندق على حساب الآخر. والنتيجة عقاب جماعي سخيف يلقي بظلاله الكثيفة على مصائر المدنيين: إذ يفضل الناس التخلي عن المساعدات لأنها ببساطة قد تعرض حياتهم للخطر.

ولعل خير برهان على ذلك تجربة المرضى الذين تساعدهم منظمة أطباء بلا حدود في بلدة لاشكرجاه في إقليم هلمند الذي يعاني من آثار الحرب. فقد تسبب النزاع المسلح في هذا الإقليم في حرمان حوالي مليون شخص من خدمات الرعاية الصحية.

وقد شرح لنا مريض في المستشفى التابع لنا مؤخراً الوضع بقوله: «في المستشفى الرئيسي بالإقليم، هناك أطباء عسكريون، ولكننا لا نستطيع الذهاب إلى هناك. أما هنا، فهذا مستشفى مدني، ولهذا السبب نستطيع المجيء هنا. فأنا لا أرى أية أسلحة هنا. وهذا يعني أنه لن تكون لدينا مشاكل مع المعارضة أو القوات الدولية». فيما يوضح مريض آخر: «لا أحد يذهب إلى عيادة الناتو، لأنه سوف يصبح هدفاً هو الآخر. إنه أمر خطير جداً».

وبالفعل، في شهر أغسطس 2009، هاجمت القوات الأفغانية وقوات الناتو عيادة باكتيكا، أعقبها هجوم للقوات الأمريكية على أحد المستشفيات أسبوعاً بعد ذلك في إقليم وارداك.

ومن جهتهم، دمر المقاتلون المسلحون عيادة في إقليم خوست شهر مايو 2009. هناك القليل جداً من الأماكن حيث يمكن للأفغانيين المغامرة بالذهاب إليها لطلب الرعاية الضرورية.

وكان من الممكن أن تكون الأمور مختلفة عما هي عليه الآن. فإلى جانب فرض سياسة صارمة في منع الأسلحة داخل مرافقها الطبية، استطاعت منظمة أطباء بلا حدود أن تفتح لها فضاء للعمل داخل أفغانستان بعد أن حظيت باحترام جميع الأطراف المتصارعة بفضل المفاوضات المنتظمة والمباشرة والشفافة التي تجريها معهم، إلى جانب استقلاليتها المالية عن المصادر الغربية وعن الحكومة الأفغانية.

ولا شك أن استقلاليتنا ونهجنا الذي يعتمد فقط على الاحتياجات في توفير المساعدات يسمحان لنا بتوسيع عملياتنا في أجزاء أخرى تعاني من الحروب داخل البلاد. وبينما تشتكي بعض الجماعات الأخرى من قلة «الفضاء الإنساني»، فإننا نراه منفتحاً بفضل قبول واسع لدينا ولدى جميع الأطراف المتورطة في الصراع للحوار.

وطبعاً، يمكننا أن نثير انتباه الجيش إلى ضرورة ألا يدعوا أنهم عمال إنسانيون وأن نُلمّح إلى أن مساعداتهم يجب أن تكون مبنية على الاحتياجات عوض المصالح السياسية والعسكرية. ولكن، لا أحد يتوقع منهم، بمن في ذلك الأفغانيون أنفسهم، أن يعملوا ضد أهدافهم الإستراتيجية.

وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نشتكي حين يقرر السياسيون في شأن أولويات مساعداتهم التنموية بأن هذه الأولويات مبنية على أهداف سياسية مثل بناء الوطن، أو أنهم يعملون بتعاون وثيق مع قواتهم العسكرية. ولكن لا يمكننا طبعاً أن نتوقع من وكالة التنمية الدولية الأمريكية أن تعمل ضد مصالح القوات الأمريكية.

ومن الواضح أن الجيش سوف يتصرف كأي جيش في العالم، فيما سوف يبني السياسيون قراراتهم على المنطق السياسي. أما المجتمع المدني، فلديه حرية أن يختار العمل باستقلالية تامة. وبينما تدعي المنظمات غير الحكومية في الغالب أن مساعداتها مبنية على المبادئ الإنسانية، فإن واقع الأمر في أفغانستان نادراً ما يكون كذلك.

 فتنفذ العديد من المنظمات غير الحكومية مشاريع لبناء الوطن تحت إشراف الوكالات الحكومية، مثل وكالة التنمية الدولية الأمريكية.

وفي المقابل، نجد أن الجماعات المعارضة تشكك في شرعية هذه الجهود لأنها جزء من إستراتيجية الناتو لمكافحة التمرد. وفي واقع الأمر، فإن هذه المنظمات غير الحكومية قد سقطت في فخ الانحياز إلى أحد أطراف الصراع في الحرب.

==============================

صحوة مصر

الأحد, 13 شباط 2011 06:50

فهمي هويدي

السبيل

أول تهنئة هاتفية تلقيتها من خارج مصر بعد الإعلان عن تنحي الرئيس مبارك كانت من موريتانيا، من صديق يعمل أستاذا للفلسفة بجامعة نواكشوط.

الثانية جاءتني من بيروت التي وجدت أنها تنافس القاهرة في الفرحة.

الثالثة كانت من صنعاء، من أحد الصحفيين الذي فوجئت به وقد انخرط في البكاء، وهو يقول إنه وجيله يشعرون أنهم ولدوا من جديد.

الرابعة كانت من إسطنبول.

الخامسة كانت من محام بارز في الدار البيضاء، قال إنه تمنى أن يكون في ميدان التحرير ليقبل يد كل من رابط فيه.

صديقي الأردني الذي حدثني من عمان قال إن مظاهرات حاشدة كانت قد خرجت احتجاجا ضد الحكومة، وحين علم المتظاهرون أن مصر الغاضبة انتفضت ضد الرئيس مبارك، فإنهم انفضوا بسرعة وعادوا إلى بيوتهم ليتابعوا على شاشات التليفزيون وقائع ما يحدث في القاهرة.

من دمشق، قال لي السيد رمضان شلح أمين حركة الجهاد الإسلامي إنه حين التقى الدكتور موسى أبو مرزوق نائب المكتب السياسي لحركة حماس، فإن الأخير بدأ حديثا عن الأوضاع في غزة، فما كان من الأول (أبوعبدالله) إلا أن قال له إن مصر هي القضية الآن وليست غزة، لأن مصر إذا صحت فإن تلك ستكون الخطوة الأولى لتحرير فلسطين، وليس حل مشكلة غزة وحدها.

لست أشك في أن ما جرى معي تكرر مع غيري ممن يتاح لهم التواصل مع المثقفين العرب والطواف بعواصم المشرق والمغرب في المناسبات المختلفة، كما أنني لست أشك في أن المثقفين المصريين سمعوا مثلي حيثما ذهبوا في العالم العربي السؤال الذي ظل يتردد على الألسنة طوال الوقت حول أوان عودة مصر من تغريبتها التي طالت، فضيعتها وضيعت معها العالم العربي الذي تحول إلى فريسة توزعت على موائد اللئام.

وهو ما أشرت إليه من قبل في كتابات عدة، وما سجله آخرون ممن لمسوا كيف صغرت مصر وهانت، حتى فقدت مكانتها وهيبتها، وأصبح الغيورون والوطنيون يتحدثون عنها بمشاعر يختلط فيها الحزن مع الرثاء. وباتوا يذكرونها باعتبارها فقيدا غاليا غيَّبه الموت، أو باعتبارها عزيز قوم انكسر وذل.

لن أتحدث عن مشاعر الشرفاء والأحرار الذين أحبوا مصر واحترموها في العالم الخارجي، ولا عن بركان الفرح الذي انفجر في كل أرجاء وشاهد الجميع أصداءه على شاشات التليفزيون، ولكنني ألفت النظر إلى أن الحدث المصرى الكبير الذي دوت أصداؤه في أرجاء العالم العربي، هو بمثابة صدمة أفزعت كل إسرائيل، قادتها وشعبها، ممن استعلوا واستكبروا حين تصوروا أن مصر أصبحت جثة هامدة وأماتت معها العالم العربي. وفي عجزها وخيبتها، فإنها غدت في النظر الإسرائيلي "كنزا استراتيجيا" يتعين الإشادة به والحدب عليه، أما قيامة مصر، واستعادتها لكبريائها وكرامتها بما قد يستصحبه ذلك من أصداء في العالم العربي، فإنها تعد كارثة تهدد الاستراتيجية الإسرائيلية، وتستدعي إعادة النظر في مرتكزاتها.

لم يعد سرا أن أبالسة السياسة الإسرائيلية تحوطوا لذلك الاحتمال أثناء توقيع معاهدة كامب ديفيد معهم، ومن ثم أخذوا على الرئيس السادات ونظامه الذي كان مبارك استمرارا له تعهدات وضمانات لا نعرفها، أريد بها أن لا تدخل مصر مع إسرائيل في حرب أخرى، بعد الصدمة التي تلقتها بالعبور الذي تم في عام 1973، وقد كانت تلك التعهدات حاضرة في خلفية إشارات السادات المستمرة إلى أن ما وقع بين مصر وإسرائيل هو "آخر الحروب".

ولا تفتك في هذا السياق دلالة ما حدث أثناء ثورة الشعب المصري حين أعلنت إسرائيل أنها "سمحت" للرئيس مبارك بإدخال بضع مئات من جنود الجيش المصرى إلى سيناء (التي هي جزء من التراب المصري)، وطلبت تحديد موعد لخروجهم.

وفي وقت لاحق، رفضت طلبا مصريا بزيادة ذلك العدد، حيث يبدو أن حكومة الرئيس مبارك أرادت أن تحتاط لمواجهة أي تهديد فلسطيني من غزة (!!).

بذات القدر، فينبغي ألا تفوتك دلالة التحليل أو التحذير الذي نشرته صحيفة هاآرتس أمس (السبت 12/2) في سياق مقالة كتبها زفاى بارئيل، وكان عنوانها: "يجب على الجيش المصري أن يسير على نهج مبارك". في دعوة صريحة لضم الجيش بدوره إلى كنز إسرائيل الاستراتيجي!

لست من الداعين إلى فتح ملف العلاقات مع إسرائيل الآن، ولكن الحاصل أنهم هم الذين يستدعونه، وكذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، بل إننا وجدنا أن السيدة ميركل المستشارة الألمانية حين علقت على ما حدث في مصر فإنه لم يشغلها في أمر الثورة المصرية سوى مدى تأثيرها على معاهدة السلام مع إسرائيل.

إن صحوة مصر تطرد النوم من عيون كثيرين، ممن يعرفون حقيقة قدرها، وهو ما لم يعرفه أبدا نظام مبارك الذي ظل طوال ثلاثين عاما عاجزا عن أن يفهم هذا البلد أو يعرف قدره، لذلك لم يكن غريبا أن لا يفهم ثورة شباب مصر، وأن يعجز عن استيعاب رسالتهم.

==============================

«العرب الجدد» وملامح المرحلة المقبلة

الأحد, 13 فبراير 2011

خالد الحروب *

الحياة

ثورتا تونس ومصر وانعكاساتهما العميقة والمتلاحقة تكفيان لفتح فصل جديد في تاريخ هذه المنطقة. كانون الثاني (يناير) 2011 سيكون من أهم شهور القرن الحادي والعشرين بالنسبة الى العرب، ففيه بدايات ولادتهم الجديدة، وبه يمكن التأريخ لبروز «العرب الجدد». فبعد هذه النقطة لن تكون ثمة عودة الى الوراء بالمعنى السياسي والسيوسيولوجي، فشكل التراتبية السلطوية الذي استمر اكثر ما يُقارب من ثلاثة ارباع القرن في العالم العربي يشارف على الانتهاء. وعلى أساس تلك التراتبية المُتلخصة في تحكم نخب ضيقة بمصير شعوب مليونية عريضة تشكلت السياقات المحلية والإقليمية وبُنيت مداميك العلاقات الدولية مع الخارج، وتم صوغ شبكات المصالح والاقتصاد والولاءات وطبقات التحالف السياسي. المعلم الأساسي للشكل الجديد، والذي سيأخذ سنوات حتى يكمل تبلوره النهائي، هو التخلص التدريجي من الدكتاتوريات والاندراج في أنماط حكم جديدة جوهرها احترام إرادة الشعوب.

عملياً وتاريخياً، وبتجاوز تفاصيل وجزئيات كثيرة، كان هناك لاعبان أساسيان يُحددان مسارات وبوصلات المنطقة وبلدانها: النخب السلطوية والغرب. كان الغائب الأكبر هو الشعوب ورأيها العام وتأثيرها. النخب السلطوية القائمة في معظمها على اغتصاب الحكم والمُتهمة في شرعيتها نظرت دوما بريبة وشك إلى شعوبها، واستقوت بالدعم الخارجي لتعوض النقص الكبير في الدعم الداخلي. والغرب الذي كان جل همّه تأمين مصادر طاقته وتوفير أمن إسرائيل داس على كل القيم التي يدعو لها، من حريات عامة وسياسية وحقوق إنسان، وتحالف على أنقاض ذلك كله مع النخب الدكتاتورية على حساب شعوبها. قاد ذلك التحالف الذي امتد اكثر من ستة عقود إلى تراكم الغضب والحنق الشعبي. المهم هنا هو أن السياسة، مَحَلِيَّها وإقليميها ودوليها، كانت تُصاغ وتنفذ وكأن البلدان العربية لا شعوب فيها عندها مصالح وأمزجة وطموحات. والشيء المهين الإضافي الذي لحق بشعوب العرب أن الرأي العام لجيرانهم، في تركيا وإيران، ولمحتليهم ايضا في إسرائيل، هو البوصلة التي تقود حكومات وسياسات الدول فيها. توجهات الرأي العام معبراً عنها بديموقراطيات متعددة الأشكال هي ما يُفترض ان يرسم جداول أعمال الحكومات والأنظمة – في كل العالم إلا في دولنا العربية. في مسألة واحدة من مسائل التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي المطالبة بتجميد الاستيطان ركعت واشنطن مع الاتحاد الأوروبي و»المجتمع الدولي»، أمام صلف نتانياهو الذي احتمى بالرأي العام الإسرائيلي ومزاج الناخبين. تركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة في المنطقة والعضو في حلف «الناتو» رفضت استخدام واشنطن لأراضيها وقواعدها العسكرية خلال غزو العراق عام 2003، لأن الرأي العام التركي كان ضد ذلك معبراً عنه بقرار من البرلمان. الرأي العام الأميركي يناصر جورج بوش في حربه ضد العراق، ثم يغير رأيه وينتخب اوباما، وكل ذلك في انتخابات دورية ثابتة ولا يتعدى اي زعيم مهما بلغت عبقريته وإلهامه فترة الثماني سنوات في الحكم. الرأي العام الوحيد المُداس عليه واللامكترث به هو رأي مئات من ملايين العرب ممن يتقرر مستقبلهم بعيداً عن تأثيرهم ومساهمتهم.

ومن هنا، فإن جوهر التغيير الذي جلبته ثورتا تونس ومصر يقع في هذه النقطة بالضبط: إعادة الشعوب ورأيها العام إلى قلب معادلة الاجتماع السياسي والقيادي في دولها، أسوة ببقية شعوب المنطقة والعالم. وهو تغيير لم تجلبه انقلابات عسكرية تأتي على ظهور دبابات وتستولي على الحكم مستبدلة استبداداً بآخر. وهو تغيير لم تجلبه تدخلات خارجية تضع التغيير الحادث في سياق ولادة قيصرية غير طبيعية ومفتعلة، وتنهكه بأثقال الشبهات والشكوك. وهو تغيير غير مؤدلج لا يستطيع اي من التيارات السياسية المعارضة أن يزعم قيادته أو إطلاقه. وهو تغيير شبابي تقوده أجيال الشباب الذين تبلورت علومهم وخبراتهم في عالم اليوم المتعولم، فتجاوزوا أجيال آبائهم وحكوماتهم الشائخة التي لا تدرك أساساً كيف يفكر هؤلاء الشباب وما هي مطامحهم.

ثورتا تونس ومصر وضعتا ملف الإصلاح السياسي والديموقراطي بقوة على رأس أجندة اولويات الأنظمة العربية كلها. وهذه المرة سوف يكون من شبه المستحيل الالتفاف على هذا الملف في كل بلد من البلدان من دون إحداث تغيير حقيقي بعيداً عن التغييرات التجميلية التي تعوّدنا عليها. والسبب في ذلك أن القوة الدافعة الهائلة وراء هذا الملف، ولأول مرة في تاريخ العرب المعاصر، قوة داخلية وليست خارجية يمكن احباطها بدفوعات التدخل الخارجي. ملف الإصلاح اليوم ليس ملف الإصلاح والدمقرطة الذي جاء به جورج بوش الابن، وكان من السهولة إفراغه من مضمونه لأسباب واضحة، اهمها غزو العراق والتأييد الأعمى لإسرائيل. في المستقبل القصير والمتوسط لا يبدو هناك امام الأنظمة العربية إلا أن تواجه واحداً من خيارين: إما الثورة أو الإصلاح السياسي والدمقرطة الحقيقية.

الإصلاح السياسي والدمقرطة الحقيقية يوفران على البلدان والشعوب أكلافا باهظة، بشرية ومادية. كما أنهما، بالتعريف، تتيحان فرصة المحافظة على ما تم إنجازه والبناء عليه، مع الانتهاء من الفساد الكامن والسياسات العفنة التي يتم توكيل آليات المحاسبة الديموقراطية بالتخلص منها. لكن إن لم يتم ذلك، فإن الثورات معدية ونجاحاتها مغرية والأجواء مهيأة لها، كما أن إعلام اليوم المعولم ينحاز فوراً إلى الشعوب وتمرداتها. شهدنا كيف أن كل آليات القمع الأمني الإعلامي والضبط والرقابة في تونس ومصر لم تستطع إيقاف الطوفان الإعلامي العالمي بكل آلياته وتقنياته من الاصطفاف إلى جانب الثائرين. قد لا تندرج سبحة الثورات العربية مباشرة بعد مصر، وقد تأخذ نفسا واستراحة، لكنها سوف تنفجر هنا أو هناك ولو بعد حين لا محالة، لأن نفس الأسباب التي قادت إلى الثورة في مصر ومن قبلها في تونس موجودة في كل بلد عربي. ويجب أن لا تقوم النخب الحاكمة بخداع ذاتها والقول إن الظروف التي ادت إلى الثورة هنا وهناك تختلف عن ظروف «بلدنا»، أو الاتكاء على أن الاوضاع الاقتصادية والبطالة هناك كانت سبباً رئيسياً، فيما هي تغيب «هنا». هذا إيهام للنفس، لأن جوهر الاحتقان الشعبي العربي ومحرك الثورة فيه كان السياسة وليس المطالب الاقتصادية والحياتية، على اهمية هذه الأخيرة. كان الجوهر مطلباً سياسياً يتعلق بالمشاركة السياسية والمساهمة في صنع الحاضر والمستقبل والدمقرطة والحرية.

لتفادي مواجهة الثورات القادمة وتوفير الجهد والوقت والأكلاف على البلدان العربية، وبفرض وأمل أن تمتلك الأنظمة القائمة القدر الكافي من العقلانية وقراءة الأحداث بعمق، فإن مسار الإصلاح السياسي والدمقرطة الحقيقية يجب أن يُفتح على مصراعيه وبالسرعة القصوى. وهذه المرة يجب ان يتم إطلاق هذا المسار بجدية ومن دون محاولات إدخال إصلاحات على السطح، فيما جوهر العملية السياسية باق على ما كان عليه. على ذلك، فإن أي إصلاح حقيقي وجدي في الأنظمة العربية يجب أن يكون هدفه تحويل الشكل السياسي إلى ديموقراطية تعددية انتخابية يكون رأي الشعب فيها هو الفيصل. وبلغة مباشرة، يعني ذلك أن تتحول الجمهوريات العربية إلى جمهوريات حقيقية بالفعل، تعتمد على التداول السلمي للسلطة ويقوم فيها قضاء مستقل وبرلمانات سيدة نفسها تحاسب السلطة التنفيذية ولا تخضع لها.

الأنظمة الملكية في المنطقة العربية أثبتت قدراً من الاستقرار النسبي والإنجاز في التنمية النسبية ايضاً فاق ما حققته الأنظمة الجمهورية. وهذه الافضلية النسبية قد تؤهل هذه الأنظمة لتفادي مصير الثورات والاندراج في مسار الإصلاح السياسي بقدر من الثقة والنجاح. خاصة وأن معظم المعارضات في الملكيات العربية لا تطالب بقلب النظام جذرياً، بل بإصلاحه دستورياً، وهذا يوفر هدفاً قد يكون جامعاً بين النظام والشعب والمعارضات، بخلاف الوضع في تونس ومصر، حيث كان الهدف إسقاط النظام. لكن هذه الفسحة السياسية والزمنية يجب أن لا يتم استنزافها وإيهام النفس، مرة اخرى، بأن الظروف تختلف جذرياً. الظروف تختلف نسبياً فقط، والفرق النسبي هو الذي يتيح نافذة الإصلاح السياسي غير المتأخر. إذا تأخر هذا الإصلاح، أو تمَّ العبث به والالتفاف حوله بالطرق التقليدية نفسها، فإن تلك النافذة المتبقية سوف تغلق وتفتح عوضاً عنها نوافذ الثورات المتلاحقة.

* محاضر واكاديمي - جامعة كامبردج، بريطانيا

==============================

مصر: الاستقرار مقابل التنازلات

الأحد, 13 فبراير 2011

محمد الأشهب

الحياة

مذهل للغاية ان الرئيس حسني مبارك أثنى على انتفاضة شارع ظل يطالب برأسه، حتى عندما نزع رداء كل صلاحياته وألبسه نائبه عمر سليمان. ولعلها المرة الأولى في تاريخ الانتفاضات التي تتحول الى ثورات يزيد الأمر عن إصدار صكوك الغفران الى إبداء التفهم والمساندة.

كان يكفي أن يترسخ الاعتقاد بأن الشارع الملتهب في ميدان التحرير أصبح في حالة مواجهة وعداء لهذا النظام لتبدأ مقايضة الاستقرار بسلسلة تنازلات لم تكن واردة من قبل. فالزمن هذه المرة انفلت عن السيطرة الى درجة باتت أكثر المبادرات الإصلاحية جرأة تصنف ضمن عدم الجدوى.

لعله أحد العسكريين القدامى من قال ان مجرد توجيه الإشارة الى صدره الذي يحفل بالنياشين موقف مرفوض، فقد تنبه الى ان الإشارة بالأصبع قد تتحول الى دفع الى الخلف وإسقاطه على الأرض. وفات القائد الطيار حسني مبارك ان سلاح إسقاط طائرته سيكون عبارة عن سهام تنطلق من العالم الافتراضي الذي أنزل الحلم الى الواقع، كما لا يحدث إلا في أبعد السيناريوات. غير أن الإقرار بشرعية مطالب الشارع لم يكن كافياً لردع الجموع نحو إحراق كل المسافات. خطوة بعد أخرى يتراجع النظام الى الخلف، مع أن أبسط القواعد العسكرية تشير الى أن إخلاء الميدان يكون مقدمة للهزيمة في حال لم تواكبه استراتيجية بديلة.

مصدر الإشكال ان منهجية المفاوضات لم تكن متكافئة. وما ساعد المتحصنين في ميدان التحرير انهم كانوا بلا قيادات ولا رموز ولا حسابات. حتى الذين ركبوا الموجة كانوا يتركون هامشاً لمعاودة النظر في أي نتائج يحققونها. فالكل وقع تحت أسر الشارع، النخبة الحاكمة ومناصرو الثورة ومؤسسة الجيش التي وقفت عند منتصف الطريق، تحمي سمعتها وتحافظ على موقعها خالياً من الندوب والمؤاخذات.

هذه ثورة مغايرة. ألغت مفهوم البطل الفردي، تماماً كما استطاعت ان تفرض سطوتها على الجميع، فيما ان النظام الذي اضطر الى مفاوضتها لم يتخلص من خلفية تقليدية في ادارة الصراع، فلا شيء يقهر الجيوش النظامية في الحروب أكثر من حروب العصابات. ولا شيء في إمكانه أن يطوق الأنظمة أكثر من احتلال الشارع الذي لا يترك أي مجال للمناورة.

منذ البداية كان الاصطفاف غير طبيعي. الجيش يحمي المتظاهرين، والثورة تريد إسقاط النظام. وكافة المؤسسات المدنية والعسكرية جزء من ذلك النظام الذي دخل غرفة الإنعاش في الهزيمة الأخيرة. وإذ يلجأ الرئيس الى الإقرار بشرعية المطالب الثورية يبدو جلياً ان الوقت لم يسعفه أن يفعل ذلك في زمان آخر. أي عندما كانت مظاهر استقرار هش تلوح في الأفق. كان في وسعه أن يبادر الى خفض الوزن الزائد للحزب الحاكم الذي تضخم على قياس محاباة السلطة. كان واراداً ان يبحث في تعديل الدستور وان يضع حداً لكل المخاطر، فالحكم الرشيد هو فن استباق الأحداث وليس الوقوع تحت وطأتها، إذ لا تترك مجالاً لالتقاط الأنفاس.

ماذا دهى النظام المصري حتى نسي نفسه الى درجة انسداد الأفق؟ مصر هي نفسها وامكاناتها لن تزيدها الثورة قدرة على تحقيق التطلعات، فالموازنات المالية ليست جبل بلاستيك يمكن تمديده أكثر. والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن حلها بعصا سحرية. غير أن هناك دائماً حلولاً للمعضلات مهما استعصت، وأقربها نزاهة اليد وعدالة الفرص المتكافئة ورمزية المشاركة في اتخاذ القرار، على رغم أن يكون في حالة مصر خيار بين الأسوأ والأكثر سوءاً.

لم ينتبه أحد الى نفاد الصبر، فقد انشغلت مصر بدورها الذي لم يكن يخلو من دوافع استراتيجية. قدمت الكثير للعالم العربي، ونسيت أن تنشغل بهمومها. لكن الشارع الغاضب لم يلتفت الى هذا الدور الذي حجبته معضلات اقتصادية واجتماعية، ومن الآن يجب وضع الساعة على عقارب هموم الشارع الباحث عن الكرامة، بعيداً من أدوار باتت أكبر من معاودة إنجازها، طالما ان مفاهيم ومستجدات تغيرت على أرض الواقع.

==============================

أميركا والمنطقة بعد الزلزال المصري

جابر حبيب جابر

الشرق الاوسط

13-2-2011

أكتب هذه المقالة يوم الخميس، حيث يبدو أن انتقالا وشيكا للسلطة في مصر سيحدث، ويبرز الجيش المصري كسلطة جديدة لإدارة العملية الانتقالية، وتأتي هذه التحولات بعد ساعات من تبادل للانتقاد العلني بين حكومة مبارك والإدارة الأميركية عكس اختلافا في رؤية الطرفين حول سبل إدارة المرحلة الانتقالية التي يبدو أن الأميركيين يفضلون أن يروا في صدارتها شخصيات جديدة. والسؤال هنا هو هل تعكس الكيفية التي أدارت بها الولايات المتحدة الأزمة الراهنة تحولا في التفكير الاستراتيجي الأميركي تجاه المنطقة، وما هي طبيعة التغيير الذي تريده أميركا في مصر، وربما غيرها من دول المنطقة؟

ليس جديدا القول إن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تحكمت بالاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، الأول هو ضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية وألا تخضع الموارد النفطية في المنطقة إلى سلطة معادية لأميركا، وثانيا حفظ أمن إسرائيل وبقائها، والثالث هو الحيلولة دون صعود تيارات مناهضة للمصالح الأميركية في المنطقة التي يعبر عنها بشكل خاص العاملان السابقان. وقد كانت الثورة الإيرانية وما أفرزته من صعود للقوى الأصولية إلى سدة السلطة بمثابة باعث رئيسي في تشكيل السياسة الأميركية في المنطقة التي باتت تركز على تفضيل بقاء النخب الحاكمة الراهنة التي بدورها وظفت «التهديد الأصولي» عبر التلويح به كبديل وحيد محتمل لها فوفرت لنفسها «شرعية خارجية» عوضتها عن الشرعية الداخلية. غير أن هذا الوضع ظل يسبب إحراجا للأميركيين والقوى الغربية عموما التي تعتبر الديمقراطية، لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة، المصدر الوحيد الشرعي للسلطة، ولكنها ظلت تتنازل عن مقولاتها الآيديولوجية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ويجري الحديث بدلا من ذلك عن «الاستقرار». ولكن ما هو أهم من الإحراج كان الخطر الذي تمثله حالة الجمود المطبق في المنطقة التي تحميها الوصاية الأميركية لأنها يمكن أن تفرز أوضاعا اجتماعية وتيارات سياسية معادية وخارجة عن السيطرة، فضلا عن التكلفة الكبيرة للحفاظ على الوضع القائم، سواء أكانت تكلفة مادية أم عسكرية أم أخلاقية. وقد أحدثت 11 سبتمبر (أيلول) تغييرا في هذا التفكير عندما جرى ربط ظهور جماعات إرهابية مثل «القاعدة» بغياب الأفق في المنطقة، وبوصفه حدثا يجسد مستوى الكراهية التي تستشعرها شعوب المنطقة تجاه الولايات المتحدة لدورها كحامية وضامنة للأوضاع القائمة.

من هنا تبنى المحافظون الجدد وإدارة بوش تفكيرا جديدا تجاه المنطقة، فبمواجهة معضلة الخيار بين الحفاظ على الأنظمة القائمة أو التخلي عنها اختارت تلك الإدارة مبدأ يقوم على أن تتولى الولايات المتحدة إطلاق عملية التغيير عبر إسقاط نظام صدام في العراق والحديث عن دمقرطة المنطقة. لكن السنوات التالية أظهرت أن الدمقرطة عن طريق الاحتلال هي ذات تكلفة تفوق الحفاظ على الوضع القائم، كما أنها تنتج تناقضات بين منطق تمكين الشعب ومنطق صياغة نظام جديد منسجم مع المصلحة الأميركية، أضف إلى ذلك أن هذه الخطوة حصلت في بلد شديد التعقيد في تركيبته الإثنية والطائفية فتحولت الدمقرطة إلى عملية إعادة بناء للأمة وتعريف لماهيتها وهويتها. من هنا كانت هزيمة الجمهوريين وصعود الديمقراطيين مجددا للسلطة مدخلا للتراجع عن مبدأ بوش والتحرر من تكاليفه.

ويمكن القول إن إدارة أوباما ورثت ارتباكا استراتيجيا تجاه المنطقة وإنها لم تبلور مبدأً جديدا غير التعامل مع الوقائع كما هي، غير أن هذه الوقائع بدأت تتغير بفعل الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلدان المنطقة لتكون الثورتان التونسية والمصرية تعبيرا عنها، وهنا وجد الأميركيون أنفسهم بمواجهة وضع يتطلب بلورة سياسة جديدة والاختيار بين دعم النظام في معركة تبدو خاسرة أمام تحد جديد ومختلف، أو الاصطفاف إلى جانب قوى التغيير باعتبارها القوى الصاعدة التي ستتسلم السلطة عاجلا أم آجلا ومن الأفضل عدم دفعها إلى راديكالية أكبر، أو اتخاذ موقف المتفرج بانتظار أن يفرز الصراع نتائجه الطبيعية والتعامل معها فيما بعد. ويمكن القول إن الأميركيين لم يبلوروا بعد استراتيجية نهائية تشمل عموم المنطقة لكنهم تراجعوا عن موقف التحالف مع الأنظمة السياسية ذات الطابع السلطوي عندما تواجه تلك الأنظمة تحديا شعبيا جديا، كما أنهم بدلا من المقاومة قرروا الدفع باتجاه تغيير يمكن السيطرة عليه ولا يؤدي إلى نتائج غير متوافقة تماما مع مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة. إننا هنا بصدد إعادة تعريف العلاقة بين المنطقة والقوى الكبرى، ويبدو أن الاستناد على «الشرعية الخارجية» لم يعد كافيا للاستمرار، وأن استخدام مبرر أن المنطقة «عصية على الديمقراطية» لم يعد مبررا مقبولا، لا سيما في ظل الطابع المدني والعقلاني للتحرك الشعبي الذي دحر نظرية أن البديل الوحيد هم الأصوليون المتشددون.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ