ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الموقف الامريكي ومسار الثورة في مصر

د. يوسف نور عوض'

2011-02-09

القدس العربي

ظلت الولايات المتحدة - دائما- تنظر إلى مصر على أنها عنصر مهم في نجاح سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت علاقات الولايات المتحدة ومصر علوا وانخفاضا لأسباب إقليمية وخاصة،

ويمكننا قراءة خريطة هذه العلاقة منذ عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين عندما قامت مجموعة من الضباط أطلقت على نفسها اسم الضباط الأحرار بالانقلاب على النظام الملكي الذي كان سائدا في البلاد في ذلك الوقت، ولم تنظر الولايات المتحدة للثورة في تلك المرحلة على أنها عمل ذو اتجاهات سياسية بل نظرت إليها على أنها مجرد انقلاب ضد نظام إقطاعي عانى منه أهل البلاد، غير أن الأمور تغيرت في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي تأثرت سياساته بثلاثة أمور هي ظروف الحرب الباردة، والدعوة إلى القومية العربية، والموقف من إسرائيل.

وعلى الرغم من أن الرئيس عبد الناصر آثر أن يكون أحد زعماء عدم الانحياز فقد اتجه في أول أمره نحو الولايات المتحدة من أجل تزويده بالسلاح، ولكن بما أن الولايات المتحدة كانت تضع في حسابها المصالح الإسرائيلية فقد تقاعست عن إمداد مصر بالسلاح، وذلك ما جعل عبد الناصر يتجه إلى المعسكر الشرقي وإلى الإتحاد السوفييتي بصفة خاصة، وقد زاد ذلك من شقة المسافة بين الولايات المتحدة ومصر إذ تبنى عبد الناصر الشعارات القومية العربية التي لم تكن تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها عمل يقرب المصالح العربية بل كانت تنظر إليها على أنها عمل يمكن أن يكون ذا نتائج سلبية بالنسبة لإسرائيل:

غير أن تحولا أساسيا حدث عندما تولى الرئيس أنور السادات السلطة وأصدر أوامره على الفور بمغادرة الخبراء العسكريين السوفييت البلاد، وذلك ما فتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة ومصر، وقد قامت واشنطن على الفور بتقديم مساعدة قدرها مئتان وخمسون مليون دولار لدعم مصر بحسب طلب الرئيس ريتشارد نيكسون.

وتطورت الأمور إلى أن قام الرئيس أنور السادات في السابع عشر من ايلول/ سبتمبر عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين بتوقيع اتفاقات كامب ديفيد التي رأت الولايات المتحدة أنها أنهت حالة الصراع بين مصر وإسرائيل، وساعدت على توقيع اتفاقية السلام بين مصر والدولة الصهيونية في عام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين. وعلى الفور وعدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات كبيرة لمصر ما زالت مستمرة حتى اليوم.

واستمرت العلاقات المصرية الأمريكية في التحسن في عهد الرئيس مبارك الذي تعتبره الولايات المتحدة حليفا رئيسيا لها في المنطقة ويلتزم بتوجهات السياسة الأمريكية خاصة في تأييد فتح ومعارضة حماس في المنطقة، وعلى الرغم من أن سجل حقوق الإنسان في مصر قد حرك انتقادات أمريكية مستمرة للقاهرة فقد ظلت الولايات المتحدة تغض الطرف عن السياسات المصرية في هذا الاتجاه.

وجاءت الانتفاضة المصرية الأخيرة لتضع العلاقة بين مصر والولايات المتحدة في مأزق حقيقي، ذلك أن الانتفاضة رفعت شعارات الحرية والديمقراطية وطالبت بإزالة حاكم تعتبره في نظرها دكتاتورا، ولم تكن ما دعت إليه الانتفاضة يتعارض مع مبادىء الحرية والديمقراطية التي تدعو إليها الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة تنطلق في هذه المرحلة من مبادىء لا علاقة لها بالقيم التي ظل ينادي بها المجتمع الأمريكي، وذلك ما جعل مواقفها تلتزم الحذر مع مراعاة كاملة لتطور الأحداث في المنطقة

وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت 'فرانك وايزنر' إلى مصر بسبب علاقاته القوية مع المسؤولين من أجل المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة المصرية، ولكن تصريحات وايزنر بضرورة أن يبقى الرئيس مبارك بعضا من الوقت في السلطة حتى يتمكن من المساعدة في إيجاد حل للأزمة قد أوجد حرجا للولايات المتحدة خاصة عندما تبينت علاقات وايزنر الاقتصادية مع النظام المصري، فقد أوضحت صحيفة 'الإندبندنت' البريطانية أن وايزنر يعمل مع شركة باتون بوغز القانونية التي تتعاون مع نظام مبارك، وقد وضح تماما أن فرانك وايزنر لا يمكنه أن يقوم بدور المبعوث بين الولايات المتحدة ومصر وذلك ما جعله يعود إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.

ولقد أثارت تصريحاته بضرورة استمرارمبارك في الحكم قلقا في أوساط الإدارة الأمريكية ما دفع السناتور جون كري ليقول إن تصريحات وايزنر لا تعكس مواقف الإدارة الأمريكية من يومها الأول وأنها لا تمثل الرسالة التي طلب إليه أن يبلغها للإدارة المصرية.

وبعد عودتها من المؤتمر الأوروبي الذي حضره فرانك وايزنر قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون إنها تقدر الخدمات التي يقدمها وايزنر ولكنها لا ترى أن تصريحاته تمثل موقف الإدارة الأمريكية من أحداث مصر.

وعلى الرغم من ذلك فإن التصريحات الأمريكية بشأن الوضع في مصر ظلت متضاربة بين المطالبة بأن يحدث تغيير في مصر وبين أن يبقى الرئيس مبارك في موقعه حتى يحقق هذا التغيير، والواضح هو أن أقصى ما تطمح إليه الإدارة الأمريكية هو أن ينتقل الوضع في مصر إلى مرحلة انتقالية بقيادة نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان تمهد لتغيرات دستورية وتسلم السلطة لقيادة جديدة:

ولا يبدو في ضوء ما عرضناه أن الإدارة الأمريكية تستوعب مدى جدية المطالب لتي ينادي بها الشارع المصري والتي تتركز أساسا حول رحيل الرئيس مبارك، وليس المقصود بذلك مجرد أن يختفي الرئيس مبارك من المشهد السياسي إذ المقصود هو أن يتغير نظام الحكم في مصر من أجل إفساح المجال لنظام جديد يحقق ما تطمح إليه الجماهير المصرية، ويظل السؤال قائما هل تعرف هذه الجماهير نوع الحكم الذي تريده وكيفية تحقيقه؟

ذلك هو السؤال المحير والذي يضع هذه الثورة بأسرها على المحك، ذلك أن تغيير حاكم بحاكم هو مثل تغيير جزار بجزار، إذا لم يكن هناك تصور لنوع الحاكم الجديد الذي يريده الشعب، وكما قلت في مرات سابقة إن ما يجب أن يفكر فيه المصريون هو كيفية التحول من نظام دكتاتوري سلطوي إلى نظام ديمقراطي حقيقي، ويجب هنا ألا يتركز التفكير في عملية منافسة أحزاب لا تمثل في جوهرها قيمة سياسية، ذلك أن معظم الأحزاب في العالم العربي لا تقوم على مبادئ ديمقراطية، إذ هي في مجملها أحزاب أيديولوجية أو طائفية أوقبلية وكل ما تسعى إليه هو الوصول إلى السلطة، ولكن الوصول إلى السلطة من أجل ماذا؟

هذا أمر لا تتوقف عنده مثل هذه الأحزاب كثيرا لأن كل ما يهمها ويشغلها هو أن تكون هي المتنفذة وتحرم الآخرين من أي نفوذ، وذلك بسبب الثقافة السائدة في العالم العربي، وهي تختلف عن الثقافة السائدة في الدول التي تأسست فيها نظم ديمقراطية رصينة، إذ هي نظم تمتلك رؤى اقتصادية وتطويرية هي التي تتحكم في سلوكها، ولا يكون الحكم إلا وسيلة لتحقيق ما تريد، وهي على استعداد للتعاون مع كل من يساعدها في تحقيق أهدافها، وإذا فشلت في تحقيق هذه الأهداف فإنها تفسح المجال لغيرها كي يواصل المسيرة، وذلك ما لا تتفهمه معظم الأحزاب في العالم العربي التي لا ترى لغيرها مكانا في العمل الوطني كما ترى أن وجود الآخر في السلطة هو أمر يجب أن يتقبل على مضض حتى يمكن التخلص منه.

ولكن مع ذلك يجب أن نعترف أنه في ظل تحرك شعبي ضخم كما يحدث في مصر الآن، فمن الصعب أن يخوض الناس بهذا الحجم في جدلية الحوار، غير أن الجماهير لن تحقق في الوقت ذاته أهدافها، إلا إذا انبثقت من داخلها قيادة تمثل منظمات المجتمع المدني التي تتحدث باسمها، ليس فقط من أجل التحاور مع النظام القائم بل من أجل امتلاك القدرة على فرض إجراءات مدنية أخرى أثبتت نجاعتها في مثل هذه الأحوال.

=============================

التطورات المصرية والمخاوف الإسرائيلية

آرون ديفيد ميلر (مستشار سابق لوزارة الخارجية الأميركية

وأستاذ بكلية السياسة العامة بمركز وودرو ويسلون الدولي للعلماء)

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

10-2-2011

من خلال تعاملاتي العديدة مع الإسرائيليين على مدى العقود الأربعة الأخيرة، تعلمت ألا أهوّن، أو أقلل من شأن مخاوفهم الوجودية. وكما يذكرني دوما نتنياهو  ومن قبله رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين  فإن الإسرائيليين لا يعيشون في ضاحية خضراء هادئة من ضواحي واشنطن، وإنما يعيشون في بيئة أكثر خطورة من ذلك بكثير.

لذلك، لست في وارد التهوين من القلق الذي يشعر به الإسرائيليون، ولا الهيستريا التي تتلبسهم حاليا وهم يرون ما يتكشف أمامهم في شوارع القاهرة.

إسرائيل لا تستطيع إخفاء خوفها من قيام دولة ديمقراطية في مصر، التي تعتبر أهم حليف لها في المنطقة. فوفقا لحسابات الإسرائيليين الخاصة، فإن الحرية في مصر لا بد وأن تترجم في نهاية المطاف، إلى مواقف وأفعال ضارة، مناوئة لإسرائيل.

وخوف إسرائيل يمكن التعبير عنه من خلال أسئلة من قبيل: هل سيسيطر الراديكاليون الإسلاميون على الحكومة الجديدة في مصر؟ هل ستقوم تلك الحكومة بإلغاء معاهدة السلام الموقعة بين البلدين؟

في الحقيقة يصعب تخيل إمكانية تبلور مثل هذه المخاوف على أرض الواقع: فقادة مصر الجدد، بصرف النظر عمن سيكونون، سيجدون أنفسهم أمام تحديات داخلية ضخمة، ليس من بينها تحد واحد يمكن التغلب عليه من خلال مواجهة إسرائيل. فمصر الجديدة، سوف تكون بحاجة إلى مليارات الدولارات من الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، وبالتالي فإن انتهاك اتفاقية السلام الموقعة بينها وبين إسرائيل، سوف يكون آخر شيء تفكر فيه أو يحتاجه جيشها، خلال الفترة الانتقالية  التي من المؤكد أنها ستكون مشوبة بقدر كبير من عدم اليقين.

مع ذلك، ليس هناك شك في أن الحكومة المصرية الجديدة، التي يتوقع أنها ستكون أكثر تجاوباً مع الرأي العام، وستكون مدعومة بالطبع بشرعية مستمدة من الفوز في انتخابات حرة، سوف تكون أكثر انتقاداً للتصرفات والسياسات الإسرائيلية، ولن تمنح إسرائيل ميزة الشك، كما كانت تفعل الحكومات المصرية، في عهد مبارك.

وإذا ألقينا نظرة على مواقع أخرى في المنطقة- من المنظور الإسرائيلي–فسوف ندرك على الفور السبب الذي جعل المخاوف الإسرائيلية على هذه الدرجة من القوة والإلحاح. فإلى الشمال من إسرائيل، نجد لبنان الذي بات «حزب الله» يسيطر على الوزارة القائمة فيه في الوقت الراهن، ويهيمن على ساحته السياسية، ويحتفظ بآلاف الصواريخ في ترسانته العسكرية ويحصل على دعم ومساندة قوية من كل من دول إقليمية.

إن إسرائيل بسبب قصر نظرها، وسياستها الاستيطانية الضارة، باتت دولة تعيش بالفعل على حافة الخطر. وعلى الرغم من أن المقولة التي كانت تقول إن الإسرائيليين يحاربون العرب نهاراً ويكسبون.. وعندما يحاربون النازي في المساء فإنهم يخسرون، قد تكون من المقولات التي عفا عليها الزمن، إلا أنها تعكس مع ذلك حقيقة المخاوف الإسرائيلية الأمنية المستمرة، كما تعكس جانباً مظلماً من التاريخ اليهودي.. وكلاهما يجعلان إسرائيل في حالة من القلق الوجودي الدائم.

والموقف المصري الجديد الذي سيكون أكثر تصلباً بالتأكيد، لن يمثل مشكلة لإسرائيل فحسب بل سيمثل مشكلة لحليفها الرئيسي الولايات المتحدة كذلك. فالصفقة الشيطانية القديمة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع مصر، والتي كانت تقوم على الاعتماد على القاهرة كحليف رئيسي في المنطقة، يضطلع بدور مهم في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مقابل غض واشنطن الطرف عن الطريقة التي تحكم بها مصر، باتت شيئاً من الماضي الآن بالتأكيد.

ربما يكون ذلك شيئاً جيداً في حد ذاته، لأن الشعب المصري في الحقيقة يستحق ما هو أفضل، كما أن تلك الصفقة لم تؤد، في نهاية المطاف، إلى شرق أوسط، مستقر، وآمن، يسوده السلام. ويكفي أن ننظر ما حولنا حتى ندرك ذلك.

أما فيما يتعلق بمصر فإن تعطش شعبها للحرية، ولحكومة رشيدة، ولديمقراطية ناجحة، سوف يؤدي إلى تأمين مستقبل أفضل له. بخصوص أميركا، فإن الديمقراطية المصرية، بصرف النظر عن حقيقة أنها تعد تطوراً مرحباً به من حيث المبدأ، إلا أنها ستؤدي، لا شك، إلى تقليص فضاء الحركة المتاح أمام الإدارة الأميركية في المنطقة سواء فيما يتعلق باحتواء بعض القوى الإقليمية، أو بعملية السلام في الشرق الأوسط، أو المعركة على الإرهاب والإسلام الراديكالي، خصوصا إذا أصبح «الإخوان المسلمون» جزءاً من بنية الحكومة الجديدة.

في النهاية هناك حقائق لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، وهي أنه من دون مصر، لن تكون هناك حرب ولا سلام في المنطقة. وخلال الثلاثين عاما الماضية، حرص الإسرائيليون من خلال علاقتهم بمصر على تجنب الأولى والسعي لتعزيز الثاني.. وتحييد العراق، والعلاقات الأميركية- الإسرائيلية الخاصة جعلت الإسرائيليين، على الرغم من مخاوفهم الدائمة، واثقين لحد كبير من قدرتهم على التصدي لأي تهديد لأمنهم.

أما الآن ومع حالة الاضطراب، التي تمر بها السياسة المصرية، واحتمال وقوع اضطرابات في أماكن أخرى في العالم العربي، فإن الإسرائيليين لن يكونوا على نفس القدر من الثقة الذي كانوا عليه قبل الخامس والعشرين من يناير الماضي.

=============================

الحالة الجديدة تتشكل تدريجياً في مصر

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

10-2-2011

ما زالت المعركة محتدمة بين النظام المصري القديم وما يمثله من رموز ومؤسسات وقوانين, والذي يناضل ليبقى في الساحة ولو بثمن باهظ من التغيير وقبول شروط المعارضة, وبين النظام الجديد الذي لم يتشكل بعد ويلعب فيه الشارع قوة الضغط السياسي المطالبة باقصاء الرئيس والنظام وسد المنافذ امامه بجميع الوسائل الشعبية والدستورية.

لقد دخلت مصر منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي ومن ميدان التحرير عهد ما بعد مبارك, والتنازلات التي قدمها الرئيس المصري في الاول من شباط وما تلاها من تفاهمات عبر الحوار مع نائب الرئيس تشكل الملامح الأولية للنظام الجديد في مصر وشرعيته ومفرداتها كثيرة لا تمديد ولا توريث ولا حزب حاكم أوحد, ولا اغلاق على مشاركة القوى المعارضة ولا حصانة للفساد ولا استمرار لحكم الطوارئ وانفتاح في الحياة السياسية والاعلام والاتصال وتعديلات جوهرية في الدستور تمنع استئثار جهة سياسية واحدة بالسلطة والرئاسة وادارة الانتخابات وتفعيل الحياة الديمقراطية والتعددية.

لقد كان قبول الحوار مع لجنة ضمت الشباب والفعاليات المعارضة الخطوة الثانية في تأسيس مشروعية النظام الجديد والهدف ايجاد آلية قانونية وسياسية لتنفيذ التعديلات الدستورية, التي تحدد شروطاً جديدة لانتخابات الرئاسة, وتضع مصر على طريق الانفتاح السياسي والمشاركة السياسية الحقيقية بعد أن تهاوت خطوط دفاع النظام السابق قوى الامن والشرطة ورجالات النظام والحزب تحت ضغط الشارع المصري.

مصر تتغير وما يجري فيها قد يأخذ المنطقة والنظام العربي الى وضع جديد ومراجعات عديدة نأمل أن تصب في الصالح العربي وان لا تقود المنطقة الى الفوضى وان لا تقود مصر الى تنازع القوى السياسية الذي قد يبدد المكتسبات التي حققها الشعب المصري.

لقد كان استشراء الفقر والبطالة ومعاناة المجتمع وغلبة الفساد في مصر السوسة التي نخرت النظام المصري القديم وذهبت بمشروعيته, لكن الخطر الجديد يكمن في غلبة الجدل واختلاف الاجتهادات وتباين الاتجاهات وفوضى الاعلام مما يزيد من صعوبة الوصول الى توافقات تقود وتؤسس الى ايجاد حل توافقي يخرج مصر من الازمة الراهنة الى وضع أفضل.

بالتأكيد الشباب والمستقلون يشكلون العنصر الغالب والاهم, في الانتفاضة الشعبية والعنصر الاقوى في احداث الساعة, لكنهم الحلقة الاضعف اذا اقتصر حضورهم في المشهد على التحشيد الالكتروني والغضب, بدون تنظيم حقيقي يعكس ارادتهم ومطالبهم وحضورهم, فالقوى الاخرى تستخدم الشباب واجهة الى حين إحداث التغيير وبعض هذه القوى لا تشكل اغلبية حقيقية ولكنها تملك قوة تنظيمية قادرة على توجيه هذه الحركة واستثمارها ثم تجاوزها.

دول العالم مهتمة كل من زاوية مصالحها بانتقال السلطة في مصر والذي أصبح حتمياً وتريده ان يتحقق بيسر وتفاهم دون أن يتعرض استقرار مصر والمنطقة والمصالح المرتبطة بمصر للخطر, فبقاء حسني مبارك في المشهد عدة أشهر لن يغير من الأمر شيئا، لكنه قد يساعد للانتقال لحالة جديدة, يبقى فيها الجيش حارساً للمكتسبات الوطنية ولتمرير التعديلات الدستورية التي تعزز الديمقراطية والمشاركة والدولة المدنية وتضع النظام الجديد على قاعدة مشروعية خيارات الرأي العام والشعب ومبدأ تداول السلطة واصلاح الخلل السياسي والاجتماعي في مصر.

=============================

لماذا يتخلى الأميركيون عن أصدقائهم؟

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

10-2-2011

ابتداءا، لا يمكن الجزم بان الامريكيين يعتبرون ان لهم اصدقاء خارج حدودهم حتى لو اعتقد الاخرون جهلا او بحسن نية انهم اصدقاء مخلصون لامريكا. فالامريكيون لم يخرجوا الى هذا العالم الواسع بعد عزلة طويلة خلف المحيطات بحثا عن اصدقاء، بل كانوا يفتشون عن وكلاء للمشروع الامريكي الكبير يتم التعامل معهم بمنطق الربح والخسارة، وبمفهوم ادارة الشركة الذي يترجم السياسة الى ارقام لاتقيم وزنا للعواطف التي قد تتساهل مع مشروع فاشل، او مع وكيل لم يعد يؤدي مهمته على الوجه الاكمل.

والتاريخ القريب مليء بالامثلة التي تعطي دليلا على منطق السوق في التعامل الامريكي، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، واكثرها وضوحا في الشرق الاوسط عندما قرر الامريكيون ابادة النفوذين البريطاني والفرنسي الا قليله، لصالح انفرادهم بالقضايا الحيوية في المنطقة رغم انهم حلفاء امريكا في حربين عالميتين، وعندما ايدوا قيام اسرائيل ودعموا وجودها خلال العقود الماضية، فلانهم اعتبروا اسرائيل مشروعا ناجحا يقدم خدمات بلا حساب في منطقة مليئة بالجوائز لمن يستطيع الحصول عليها.

لقد رفض الامريكيون مجرد استقبال امبراطور ايران بعد سقوطه رغم تقديمه خدمات لايمكن حصرها للشركة الامريكية، اما في حالة تونس فلم يتذكر الامريكيون ان نظام بن علي كان نظاما ديكتاتوريا الا بعد سقوطه، وقبل ذلك كان نظاما يحقق مكاسب للشعب التونسي تستحق الاعجاب الامريكي. وفي حالة مصر كانت الادارة الامريكية اول من مارس الضغوط على الرئيس المصري لمغادرة الحكم، بعد ان تاكدوا ان مصر قد تغيرت، رغم انهم كانوا يصفقون للنظام المصري طوال عقود.

ليس غريبا ان يتصرف الامريكيون على هذا النحو، فهم يمارسون السياسة كما يمارسون العمل في شركاتهم الممتدة في طول امريكا وعرضها وفي انحاء العالم، ويتصرفون مع الوكلاء بقدر ما يجلبون من ارباح لامريكا، وهم ليسوا مستعدين للمحافظة على أي منهم، عندما يشعرون انهم على وشك خسارة السوق .

ان القاعدة الاساسية التي تحكم السياسة الامريكية في العالم، هي قاعدة المصالح الامريكية، وليس هناك للمبادئ او الصداقة مكان في السلوك الامريكي تجاه الاخرين دولا وحكاما وافرادا، وهو ما يؤكده التاريخ والحاضر، ولن يتغير في المستقبل.

وبالتاكيد فان نظراء امريكا في الغرب يفهمون السلوك الامريكي على مستوى العالم، ويتعاطون مع امريكا وفقا لهذا الفهم، ولهم في ذلك تجارب عديدة سواء داخل اوروبا او خارجها، غير ان دول وشعوب العالم الثالث مازالت تعتقد باخلاقية السياسة الامريكية وتحركها في اطار منظومة من المبادئ تجعل امريكا حامية ومدافعة عن الذين يقدمون لها خدمات انفرادية او متبادلة، اوانها جاهزة للدفاع عنهم عند الضيق.

ان الصديق الوحيد لامريكا عبر العالم والذي لا يمكن المساومة على وجوده وامنه وحتى على مواقفه هي اسرائيل، لان امريكا اعتبرت اسرائيل كما قلنا مشروعا ناجحا، ولان لهذا المشروع قوى طاغية في الداخل الامريكي تساند ه وتدافع عنه، كما ان هذا المشروع اقيم من قبل مجموعات تحاول محاكات المشروع الامريكي في الاهداف والخطوات والثقافة، وحتى في اسباب الوجود، حيث قامت امريكا في الاصل بالهجرة والعنف ومحاولة الغاء السكان الاصليين.

لا يجوز الاستمرار في التعامل مع امريكا دون فهمها ، وفهمها لا يدعو لقطع العلاقة معها، بل بالتدبر في كل سياساتها وخطواتها في الحاضر والمستقبل، والتحسب لما سيكون عليه السلوك الامريكي في اوقات الازمات، على قاعدة انه ليس هناك اصدقاء لامريكا، بل ان العلاقة معها مرتبطة بالمصالح وحدها دون ان تختلط باي شعور بالرحمة او الوفاء اورد الجميل.

=============================

الإخوان المسلمون في الثورة المصرية

ياسر الزعاترة

الدستور

10-2-2011

لا خلاف على أن الإخوان المسلمين لم يكونوا همْ من فجر الثورة المصرية الحالية ، لكن الاعتقاد بأنهم تأخروا عن الالتحاق بركبها ، بل تصدر معظم فعالياتها لا ينم سوى عن موقف نفسي مسبق لا يمت إلى الإنصاف بأدنى صلة.

يعلم الجميع أن الإخوان هم التنظيم الوحيد القادر على تحريك عشرات الآلاف في سائر المدن في ذات الوقت ، وليس في ميدان التحرير وحده ، وهم وحدهم من يستطيعون توفير الوجبات للمعتصمين ، وهم وحدهم من يمكنه إدخال عشرات الآلاف من "البطانيات" ، فضلا عن الخيام وتوفير مستشفى متنقل. وعندما توجه أهم رموز النظام نحو قيادة الإخوان مستجدين الحوار معها ، بعد سنوات طويلة من حوار السجون والتعذيب ، فليس إلا لأنهم يدركون الحقيقة المشار إليها تمام الإدراك.

المشاركون هم من سائر الاتجاهات. هذا أمر لا خلاف عليه ، لكن الموقف لن يتواصل بذات الوتيرة من التنظيم والترتيب إلا من خلال نواة صلبة تدير المعركة ، ثم من قال إن الإخوان كانوا يتحركون دائما بعضلاتهم التنظيمية وحدها ، ألا يملكون جماهير عريضة من الأنصار التي تنتظر رأيهم وحراكهم ووجهتهم؟

اليوم يتصدر الإخوان الفعاليات ، وقد دفعوا أكثر من 40 شهيدا إلى الآن ، لكنهم حريصون على أن تبقى الثورة كما بدأت معبرة عن القاعدة الأعرض من الجماهير في طول مصر وعرضها ، وهم يؤمنون بأن الحرية لمصر والمصريين مقدمة على أي شيء آخر ، وليقرر الشعب بعد ذلك ما يشاء ، مع ثقتهم بأنه لن يتنازل عن مرجعيته الإسلامية بأي حال.

منذ انتهاء مرحلة جماعات العنف ، لم يدفع أحد من التضحيات في مواجهة عسف النظام كما دفع الإخوان ، وقادتهم جميعا مروا على السجون سنوات طويلة ، فضلا عن قواعدهم ، وهم وإن ترددوا في بعض المحطات ، إلا أنهم لم يتوانوا عن دفع التضحيات مقابل تعبيرهم عن هواجس الشارع المصري.

قبل أربعة أيام ارتبك الأداء السياسي للجماعة في مواجهة إصرار النظام على رفض الرحيل ، فكان الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بتوفير طوق نجاة للنظام عبر الموافقة على الحوار مع عمر سليمان الذي يعد من ألد أعدائهم ، والمحرض الأكبر عليهم طوال عقدين من الزمان.

والواضح أن الخطأ المذكور قد أدى إلى حراك في أوساط شباب الميدان ومعهم العناصر القيادية الرافضة للحوار ، ما أدى إلى عزل الأصوات التي تبنته وفي مقدمتها الثلاثة الذين شاركوا فيه على فضلهم وتقدير اجتهادهم (سعد الكتاتني ، محمد مرسي ، عصام العريان) ، الأمر الذي أعاد الموقف إلى سكته الصحيحة بإعلان فشل الحوار والتمسك بمطالب الشارع والمنتفضين ممثلا في عزل الرئيس ورموز النظام.

في المقابل يتمسك عمر سليمان بالمسار الذي اختطه منذ الأسبوع الأول للثورة ممثلا في الحفاظ على مبارك ، مع تصفية رموز حقبته ، بمن فيهم جماعة زوجته ونجليه علاء وجمال ، ومعهم رموز الفساد في الحزب الحاكم ، ليس على قاعدة الإصلاح ، ولكن على قاعدة ترتيب الأمر لنفسه ، وهو يعلم أنه في حال تنحي الرئيس ، فإن فرصته في الحكم ستغدو معدومة ، لأن أحدا لا يقتنع بأنه كان بعيدا عن مصائب حقبة مبارك في السياسة الداخلية والخارجية ، فضلا عن مطالب الكيان الصهيوني الصريحة بجعله الرئيس المقبل.

من هنا يمكن القول إن على الإخوان مهمة عظيمة وجليلة تهم شعب مصر ، كما تهم الأمة العربية والإسلامية ، وتتمثل في الحفاظ على بوصلة الثورة في رفض الترقيع والإصلاح الجزئي ، والإصرار على التغيير الحقيقي الذي يعيد لمصر دورها وهيبتها في الخارج ، فيما يصلح حالها في الداخل.

الجماعة من دون شك مؤهلة للقيام بهذا الدور وإلى جانبها حشد من الشرفاء في مصر ، وهم قادرون على إدارة الموقف على نحو يعكس التنوع المصري ، من دون أن يغيبوا دورهم ولا حضورهم. لكن ذلك يقتضي شطب حالة التردد والخوف ، والحسم الواضح في رفض المساومة على الثورة مقابل فتات من الإصلاح معطوفا على وعود بترتيب وضع الجماعة سياسيا ، لاسيما أننا إزاء نظام لا ذمة له ، وهو قد يدفع بعض التنازلات تحت الضغط ، لكنه سيتراجع عنها ما إن يتماسك وضعه من جديد.

=============================

دعوة وتصريحات وحقوق

ضياء الفاهوم

الدستور

10-2-2011

دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى إجراء اللازم لانتقال منظم وسريع للسلطة في مصر حسب رغبة الشعب المصري بينما أعلن نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان أن ما يجري في ميدان التحرير لم يعد محتملا وأن الرئيس مبارك باق في السلطة حتى انتهاء فترته في شهر أيلول المقبل وقال إن الرئيس رفض دعوة من المستشارة الألمانية للتوجه إلى ألمانيا للعلاج.

بان كي مون الذي يمثل كافة دول العالم كان صريحا وواضحا في دعوته التي على الأغلب أنه أراد منها أن تساهم المنظمة الدولية بتلبية رغبات الملايين من أهل المحروسة ومنع سفك مزيد من الدماء خاصة وأن المتظاهرين أكدوا أنهم لن يوقفوا احتجاجاتهم حتى يتنحى الرئيس مبارك. وقد جاءت دعوة الأمين العام بعد أن شاهد العالم كله المظاهرات الاحتجاجية المليونية التي شهدتها كافة الأنحاء المحافظات المصرية دون استثناء.

أما تصريحات عمر سليمان الأخيرة فقد أعرب أنصار شباب مصر من مختلف المشارب عن اعتقادهم بأنها تفاقم الأزمة ، التي مضى عليها حتى اليوم ستة عشر يوما وتدخل اليوم يومها السابع عشر ، بإصرار كبير من الشعب المصري كله على ضرورة رحيل مبارك. وقالوا إنه يبدو جليا أن تصريحات سليمان سيكون لها عواقب وخيمة وقد تضطر شباب مصر إلى المطالبة برحيله هو أيضا خاصة بعد أن سمعوا بتمنيات الإسرائيليين في أن يتولى هو رئاسة الجمهورية بعد مبارك.

الكل طبعا يتمنى أن يتدخل الجيش ويلبي رغبات الشعب المصري في تنحية الرئيس مبارك والإشراف على تنفيذ المطالب الشعبية بأسرع وقت ممكن ، وأولها إجراء انتخابات نزيهة وإنهاء حالة الطوارئ وتشكيل حكومة مؤقتة من شخصيات مصرية تاريخها ناصع البياض ومشهود لها بالحكمة والنزاهة وتفضيل مصالح مصر وشعبها على أي شيء آخر لضمان تأمين الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لكافة أبناء إحدى أجمل بلاد الدنيا جمهورية مصر العربية وإعادة الثروات المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين.

وقد لفت انتباه الصحفيين والمتابعين للأحداث التي تجري في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير ارتداء بعض الشباب المتظاهرين للأكفان في إشارة إلى أنهم سيواصلون ثورتهم السلمية إلى أن يحققوا أهدافهم أو يموتون دونها.

ورغم أن النصائح توالت من أنحاء كثيرة من العالم بشأن ضرورة تنحي الرئيس مبارك تلبية لرغبات الشعب المصري ، الذي صبر على الضيم كثيرا إلى أن فاض به الكيل ، فإن تصريحات نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان لا تبشر بخير وأن مثل هذه التصريحات تؤجج الأوضاع وتضع مستقبل أرض الكنانة كلها في خطر.

ملايين المصريين يطالبون بحقوقهم التي انتهكت فترة طويلة من الزمان وقد حزموا أمرهم على مواصلة نضالهم حتى النهاية قائلين إن مصر للغالبية العظمى من شعبها وليست لنفر من مزوري الانتخابات وجامعي المليارات من الدولارات على حساب قوت وعمل وحرية الشعب المصري بأكمله.

وقد أكدوا مرارا وتكرارا أنهم أصحاب حق لن يفرطوا فيه بعد أن صبروا كثيرا جدا وأعطوا فرصا كبيرة للإصلاح دون جدوى ، وهم موقنون بأنهم من الذين يعملون لصالح بلدهم وشعبهم وأمتهم ويتطلعون إلى نصر الله سبحانه وتعالى لهم من منطلق إيمانهم بما قاله العلي القدير في كتابه العزيز "والعصر ، إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". صدق الله العظيم.

=============================

من ضرب "التسوية" الحريري أم "الحزب" أم سوريا ؟

سركيس نعوم

النهار

10-2-2011

يحمِّل فريق 8 آذار قائد فريق 14 آذار الرئيس "المُستقالة" حكومته مسؤولية ضرب المسعى السعودي – السوري المشترك الذي بدأ منذ اشهر طويلة بغية ايجاد حل نهائي للأزمة الداخلية التي شلّت الحكومة ومنعتها من العمل، والتي وضعت البلاد غير المستقرة اساساً على شفير صدام او فتنة للمذهبية منهما نصيب كبير. ويعرف الجميع أن السبب الاساسي لهذه الأزمة هو الخلاف بين الفريقين على "المحكمة الخاصة بلبنان" التي انشأها مجلس الامن لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الآخرين او على الاقل بعضهم. ويتهمه الفريق نفسه بالخضوع لضغط خارجي، اميركي في معظمه، يريد اصحابه استمرار ارتباط لبنان بالمحكمة المشار اليها اعلاه، أولاً، لأنها في ظنه ستستهدف "حزب الله" الموضوع اساساً على لائحة الارهاب الاميركية لأسباب متنوعة، منها مقاومته المستمرة لاسرائيل. وثانياً، لأنها وفي ظنه ايضاً ستكون – بل ستبقى سيفاً مصلتاً على رقبة كل من سوريا بشار الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية اللتين لا تزالان "عاصيتين"، حتى الآن على الاقل على اميركا، رغم الضغوط المتنوعة التي مورست عليهما ورغم المغريات التي قدمت اليهما. ويعتقد فريق8 آذار نفسه ان تردد الرئيس الحريري، وعدم صدق رغبته في تسوية لأزمة المحكمة ترعاها السعودية وسوريا، احبطا تسوية كان تم التوصل اليها بين الدولتين الشقيقتين، وكانت حظيت بموافقة فريقي 8 و14 آذار بعموديهما الفقريين "حزب الله" و"تيار المستقبل". وهو يجزم بأن تصرف الحريري كان من ابرز اسباب "استقالة" العربية السعودية وتحديداً عاهلها عبد الله بن عبد العزيز من المسعى المشترك مع سوريا.

في مقابل كل هذه الاتهامات التي وجّهها فريق 8 آذار الى فريق 14 آذار وقائده الرئيس الحريري، والتي عززها بمعلومات شبه تفصيلية عن مساعي "السين – سين" والتسوية التي انتهت اليها، سرّبها احيانا قريبون منه، وتحدث عن بعضها احيانا اخرى قياديون كبار فيه، في مقابل كل ذلك اعتصم فريق 14 آذار او بالاحرى الطرف الأبرز فيه المعني مباشرة بالمساعي بل المشارك فيها والعارف كل تفاصيلها، اعتصم بالصمت. وباستثناء مواقف قليلة جداً اعلنها الحريري لكانت المعلومات المتوافرة عند اللبنانيين على تنوعهم وتناقضهم ذات مصدر واحد هو المعارضة التي صارت الآن موالاة اي غالبية. وأحد ابرز هذه المواقف هو قوله ان تعثر التسوية او فشلها يجب ان يُسأل عنه "حزب الله" لأنها تضمنت التزامات عليه لم ينفذها. وكان طبيعياً ان يمتنع هو عن تنفيذ التزاماته. وقول الحريري هذا على غموضه، باعتبار انه لم يتضمن اي تفاصيل، يبدو صحيحا. ذلك ان الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله اعترف، في احدى اطلالاته التلفزيونية الاخيرة، بوجود التزامات على حزبه او على فريقه، منها ما يتعلق بشهود الزور، واعترف بأنه حصل نوع من التأخير فيها لأن درسها كان لا يزال متواصلاً. لكنه لم يعتبر هذا الامر مشكلة جوهرية تهدد التسوية.

طبعاً لم يبدد الموقف التوضيحي "اليتيم" المذكور اعلاه للحريري الغموض الذي احاط بفشل تسوية "السين – سين" وبالمسؤولية عنه. ذلك ان تدفق المعلومات عن هذا الموضوع استمر، ولكن من فريق واحد. وفي وضع كهذا لا يمكن انكار صحة الكثير من المعلومات التي سرِّبت الى اللبنانيين عبر وسائل الاعلام المتنوعة. لكن في الوقت نفسه لا يمكن الا التساؤل اذا كانت هذه المعلومات كاملة او مجتزأة الهدف منها تغليب وجهة نظر فريق على وجهة نظر فريق آخر. وهذا امر قد يكون مشروعا في الصراع السياسي وربما مبرراً، وخصوصا في بلاد مضطربة بل في منطقة تؤمن بالاعلام "البروباغندي" اكثر من ايمانها بالاعلام الموضوعي، وتمارسه. لكن ما هو غير مشروع كان اعتصام 14 آذار وقائده بالصمت. علماً ان الصمت كاد ان يجعل عدداً من المحايدين بينه وبين الفريق "الخصم"، على قلتهم، يتساءلون اذا كانت له مسؤولية ما عن تعثر التسوية، وتالياً عن تفجر الازمة وعن توجه البلاد في طريق غامضٍ مستقبلُه جراء "الانقلاب الدستوري" الذي حصل.

لماذا يعتصم الحريري بالصمت؟

لا احد يعرف او بالأحرى انا لا اعرف. لكن من "يفتش على ربه يلقاه" كما يقال في عاميتنا. ولذلك بدأت عملية الاستقصاء والبحث "لاكمال الصورة" اذا جاز التعبير، وحرصاً على الموضوعية، او على الاقل لوضع الناس امام صورتين ولدفعهم الى محاولة جعلهما صورة واحدة. ولا ازعم هنا انني حصلت على كل ما اريد من جهات عدة متنوعة داخلية، وخارجية عليمة، وإن غير متورطة عملياً بكل ما جرى ويجري. الا انني حصلت على ما يكفي من معطيات اضعها امام الناس حرصا على التوازن ربما او على الموضوعية، علما انني سأستمر في البحث عن المزيد.

اول هذه المعلومات يفيد ان الصفحة من "التسوية" التي أراها الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط للبنانيين لاقناعهم بوجودها وبموافقة الحريري عليها كان فيها "اولاً" و"ثانياً" و"ثالثاً"، اي بنود تتضمن التزامات. والتزامات الحريري وفريقه كانت في "ثالثاً"، الامر الذي يعني انه كان على 8 آذار و"حزب الله" البدء بتنفيذ الالتزامات الواردة في "أولاً" أو "ثانياً". طبعاً كان على "المستقبل" وفريقه ان يبادر الى نشر التسوية وان يضع الحقائق امام الناس، لكنه لم يفعل ولا اعرف لماذا، ولا ارى سبباً مقنعاً لذلك.

وثانية هذه المعلومات تفيد ان الاتصالات كانت مستمرة بين العاهل السعودي والرئيس السوري بواسطة نجل الاول الامير عبد العزيز، وكان هدفها بعد وضع التسوية الاستفسار عن التنفيذ وموعده. وكان الرئيس السوري يجيب بأن كل شيء على ما يرام وان التزام التسوية مستمر والتنفيذ قريب. الا ان الوعكة الصحية التي ألمت بالملك السعودي وأوجبت انتقاله الى نيويورك للمعالجة أخّرت الامور بعض الشيء. وبعد الجراحتين اللتين اجريتا له وبعد نجاحهما، طلب من نجله الاتصال بدمشق للاستفسار عن مصير التسوية، واسباب عدم تنفيذها. والجواب الذي حصل عليه كان مفاجئاً (وكان ذلك في آخر اتصال) اذ انطوى على نوع من التنصل منها، وعلى تأكيد ان التنفيذ لن يتم لأن لا ثقة بالرئيس سعد الحريري. ولم توضح المعلومات اذا كانت دمشق قالت انها هي التي لا تثق به او "حزب الله". لكن النتيجة في الحالتين واحدة. وهنا تفيد ثانية المعلومات ان العاهل السعودي طلب الابلاغ الى الرئيس السوري خروجه من "السين – سين" اي من التسوية.

هل هذه المعلومات ناقصة او مجتزأة مثل المعلومات التي سربها وعلى مدى اشهر فريق 8 آذار وخصوصا بعد انهيار التسوية؟ والجواب ان كل شيء جائز. والحل الوحيد لجلاء التناقض هو اعلام المعنيين اللبنانيين بكل شيء علهم يعودون الى الهدوء والروية في الحكم بعضهم على بعض والى دفع زعاماتهم للعودة الى الحوار والتخلي عن المواجهة.

=============================

لحظة كسر حاجز الخوف العربي

المصدر: صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية

التاريخ: 10 فبراير 2011

البيان

يقترب العرب من حافة موجة ديمقراطية، مماثلة لتلك التي اجتاحت أوروبا الشرقية قبل 20 عاماً. ربما تتسم رحلة العرب الديمقراطية بأنها وعرة، ولكن ليست هناك عودة إلى الوراء بعد الوصول إلى المرحلة الحالية.

في الوقت الذي هزّت احتجاجات حاشدة دولاً متفرقة على امتداد الشرق الأوسط، يبدو أن القدرة المطلقة التي تمتعت بها الأجهزة الرسمية تتداعى. ورغم كل الصعاب، خرج مئات الألوف من الشباب العرب، رجال ونساء، إلى الشوارع، مطالبين بالتغيير والحرية، مخاطرين في غمار ذلك كله، بأرواحهم.

لقد قدمت تونس الشرارة التي أشعلت الحرائق السياسية في أنحاء شتى من العالم العربي. وإذا كان التونسيون قد أطاحوا بزين العابدين بن علي، فإن الكثير من العرب قد تجرأوا على التفكير في ما لا يمكن تصوره. إذا كانت مصر، وهي البلد الأكثر سكانا في العالم العربي ومركز الإنتاج الثقافي، والتحولات نحو التعددية، فسيكون هناك أثر مضاعف في جميع أنحاء المنطقة.

بغض النظر عما إذا كانت الأنظمة في الدول المعنية في المنطقة ستصمد أم لا في وجه العاصفة الهوجاء الراهنة، فإن نظامها لم يعد قابلاً للاستدامة. ويشعر المواطنون في العالم العربي بالتمكين، وأنهم يستقبلون فجراً ديمقراطياً جديداً. وقد تخلصوا من اللامبالاة السياسية، وانضموا إلى المجال السياسي، وخرج المارد من القمقم.

في المقابل، يشعر بعض المسؤولين في المنطقة بالقلق من أن وضعهم في الصدارة الذي استمر طويلاً، قد أوشك على الزوال. بعد سنوات طويلة قضوها في مواقع نافذة، ورغم الجهود الأخيرة لاستدامة وضعهم هذا مدى الحياة، خرج بعضهم يعلنون أنهم لن يسعوا إلى الترشح أو تسليم السلطة لأبنائهم من بعدهم.. ولكن هذه التنازلات فشلت في إنهاء الاحتجاجات التي جرت مؤخراً، والتي أطلق عليها اسم «يوم الغضب»، على غرار النماذج المصرية والتونسية. وفي غضون ذلك، أقال أحد القادة في المنطقة رئيس الوزراء وحكومته، بعد أسابيع من المظاهرات المناهضة للحكومة، ووجّه رئيس الوزراء الجديد بإجراء إصلاحات سياسية سريعة. وقد أشار إلى استعداده لإشراك القوى الاجتماعية والسياسية الرئيسية والاستماع إلى مطالبها.

لم يعد المحتجون الشجعان راضين عن الإصلاحات الثانوية التي يتم طرحها على شعوبهم، فهم يطالبون بتغيير سياسي جوهري، وإعادة تشكيل المجتمعات العربية المنغلقة، بالتوازي مع أسس تعددية. الأمر بالنسبة للعرب، من الناحية النفسية والرمزية، أن هذه هي لحظة لهدم سور برلين. فهم على حافة موجة ديمقراطية، مماثلة لتلك التي اجتاحت أوروبا الشرقية قبل أكثر من 20 عاماً، وعجلت بانهيار الاتحاد السوفيتي. وفي هذا السياق، فقد وضعت الانتفاضة العربية حداً للادعاءات بأن الإسلام والمسلمين يعارضون الديمقراطية، وهي الادعاءات التي روج لها بعض الدوائر في الغرب.

مثل نظرائهم في أوروبا الشرقية، فإن رحلة العرب إلى الديمقراطية سوف تكون صعبة وإشكالية وطويلة الأمد. ليس هناك ضمان لتحول ديمقراطي ناجح، وستكون هناك نكسات بلا شك. ويشير المراقبون في هذا الصدد إلى الدور بالغ الأهمية الذي تضطلع به المؤسسات العسكرية في كل الدول العربية على وجه التقريب، ويرون أن القرار في يد هذه المؤسسات.

والتحدي الأكثر صعوبة هو إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقة بين الجيش والقيادة المدنية، ووضع نهاية لسيطرة الشرائح الأقدم من العسكريين. وشأن التحول في شرق أوروبا، فإن انتقال العرب من أوضاعهم التي سادت طويلاً، إلى مجتمعات مفتوحة وتعددية، سيستغرق أكثر من عقدين من الزمن.

=============================

أنا أم سيد بلال يا سيادة الرئيس..

بقلم د. نهى أبو كريشة

أم شهيد على طريق ثورة شعب مصر

مداد القلم 10/2/2011

ابني كان يقبل يدي ورأسي قبل الذهاب الى صلاة الفجر

ابني شاب قلبه معلق بالمساجد مظهر لا يعجبك ولا يعجب نظامك

ابني كان ينتظر الى اشراقة الضحى

يطرق بابي

لحظات سعادتنا بسيطة

بسيطة جدا

ربما لا تعرفها

لكنه كان يحن إلى كوب

شاي من يدي

مع إفطار بسيط

جبن وخبز

لكنه كان عالمي كله

بوجهه المنير

حرمتْني زبانيتك منه

كانت الجريمة جريمتين

حرمتني زبانيتك من سندي عند كبري

من حنوّه علي عند مرضي

من ضحكته الرقيقة

تؤنس وحشتي

لكن فاتك شيء

ربما لا تفهمه

إنه كان من أولياء الله

ومن عادى وليا من أولياء الله فقد آذنه الله بالحرب

وها قد أذن الله بحربك

روح ابني وجسده الذي عذبته ودعائي في جوف الليل

وقود لن يخمد

لقد كنا نقول

يتساءلون لم بقي الفرعون

لأننا له طائعون

لكننا اليوم خرجنا عن طوعك ولا وجود لبيت الطاعة

وكنا لك خاضعين

لكن لن نخضع

وكنا كلّ حزب بما لديهم فرحون

ولكننا أصبحنا كلمة واحدة

وكنا نُذبح ونحن صامتون

لكننا لن نسكت

وكنا نموت حرقا أو غرقا وجوعا أو عطشا فدا الفرعون

ولكن قررنا أن نموت بكرامة أو نحيا بكرامة

=========================

المشهد العربي . . لماذا المفاجأة كاملة؟

آخر تحديث:الخميس ,10/02/2011

يوسف مكي

الخليج

قبل شهرين من هذا التاريخ، لم يكن أحد يتنبأ، في الشرق والغرب، بأن هذا العام سيشهد انعطافاً حاسماً، وغير مسبوق في التاريخ العربي . صحيح أنه كانت هناك أحاديث متكررة في الشارع العربي، عن احتقانات شديدة في بلدان هذه المنطقة، وعن اتساع الفوارق الطبقية، وتراجع مشروع النهضة العربية، والسقوط في شرك التبعية للهيمنة الأجنبية، وبروز خطاب متواطئ مع مشاريع التفتيت، ومعاد للتطلعات القومية في الوحدة والتحرر، لكن ما حدث ويحدث الآن، هو أبعد من كل القراءات الأكاديمية، ومن تحليلات الواقع السياسي، التي سبقت هبوب العواصف .

تطرح هذه المقدمة أسئلة ملحة على الفكر السياسي، تتطلب أجوبة غير تقليدية، تسد القصور الذي كشفت عنه الحوادث في غياب القدرة على التنبؤ بما يمكن وصفه بالمفاجأة الكاملة . فليس يكفي اعتبار الفاقة والجوع أسباباً مباشرة لهذه العواصف، لأن ما لدينا من وقائع تدحض الاستناد إلى نظرية الفاقة والجوع كعناصر لازمة لاندلاع الثورات الاجتماعية . وليس يكفي أيضاً، القول بغياب الحريات السياسية والنقابية، كمحرضات للانتفاضات الشعبية، والأمثلة التي تقف بالضد من هذه المقولة هنا أيضاً كثيرة . وحتى القول بعجز الدولة عن مواجهة استحقاقات مواطنيها، كسبب في فقدانها للمشروعية، رغم أنه صحيح وموضوعي، لكنه ليس كافياً لقلب الواقع القائم .

حالة الاحتقان في الواقع العربي، مضت عليها أكثر من ستة عقود، هي عمر الدولة العربية المعاصرة . وكانت مظاهر أول التعابير عن حالة الاحتقان في المجتمع العربي، سياسية ولم تكن اقتصادية، ارتبطت بنكبة فلسطين، وبصفقات السلاح الفاسد الذي يطلق رصاصه إلى الخلف . وكان إطلاق الرصاص إلى الخلف هو كلمة السر، التي نبهت الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، إلى حقيقة مؤداها أن معركة فلسطين، ليست على الجبهة، لأنها في مقدماتها معركة ضد الفساد، وأنها ليست على الخطوط الأمامية، بل هي خلفها، بالاتجاه المعاكس .

اندلعت الثورات في الوطن العربي، في الخمسينات والستينات، وكان عمودها الفقري الضباط الشباب في المؤسسة العسكرية، وأحدثت تحولات كبرى في الواقع العربي . لكنها فقدت عصبيتها، “وفقا للتعبير الخلدوني”، ومع فقدان العصبية، تتسلل الشيخوخة، ومعها تتسلل مظاهر البيروقراطية والفساد . وجاءت نكسة الخامس من يونيو/ حزيران لتقضي على البقية الباقية، من وهج الثورة .

كان من الطبيعي أن يتراجع مشروع النهضة، مع شيخوخة القوى الاجتماعية التي حملت شعارات المشروع: قوى التنوير، فيما بين الحربين، والضباط الوطنيون في المرحلة التي أعقبت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952م .

ومع بداية السبعينات، بدأت مرحلة جديدة في التاريخ العربي، مثلت انتقالاً استراتيجياً في السياسة العربية، عبرت عن نفسها بقبول فكرة التصالح مع الكيان الغاصب، وكانت المبررات زائفة في مقدماتها ونتائجها . فالصلح كما أشيع كان بهدف التخلي عن فكرة الحرب، واستثمار الثروة المالية المهدورة التي كانت تنفق على المؤسسة العسكرية، في تنمية البلدان العربية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في بلدان المواجهة، التي أنهكتها الحروب . وكان شعار الحقبة الساداتية، هو “بناء دولة العلم والإيمان” . وتحت هذا الشعار جرى تسويق مشروع الصلح مع الصهانية، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، والتطبيع الشامل مع “إسرائيل” .

فرحت الغالبية العظمى من الناس بخروج مصر من حالة الحرب، خاصة وأنه أريد لهذه المرحلة، أن ترتبط بشعار الدمقرطة، ومرة أخرى، كان الوعد زائفاً، والهدف منه هو الإيحاء بأن القبول بمشروع النهضة يعني القبول بالاستبداد، ولم يكن ذلك صحيحاً، فقد كان هدف مشروع النهضة العربية ولا يزال هو أن يكون الوطن مكان السعادة العامة التي تبنى من خلال الحرية والفكر والمصنع، كما ردد ذلك رفاعة رافع الطهطاوي، أحد رواد التنوير في حركة اليقظة العربية .

وقد شهدت مرحلة الثمانينات والتسعينات والعقد الأول من هذا القرن، إفراغ معظم المجتمعات العربية، من الطبقة المتوسطة، العمود الفقري لأي مشروع نهضوي . وكانت النتيجة الطبيعية لذلك، ضعف الحراك السياسي والاجتماعي وشيخوخة حركات المعارضة، لتتماهى في تشكيلاتها وتكويناتها مع البنية البطركية للنظام السياسي الرسمي، الذي أكد شيخوخته هو الآخر، من خلال عجزه عن مواجهة مشاريع الهيمنة على المنطقة، التي انقضت بشكل متوحش على البلدان العربية، وكان من نتائجها احتلال عاصمة الرشيد، وتشظي الصومال والسودان واليمن، وتصاعد مناخات الفتنة في لبنان، وتفجير الكنائس في أرض الكنانة .

الصورة، إذاً بدت الآن واضحة وجلية، فالذين عجزوا عن التنبؤ بالحدث، وفاجأهم الطوفان بقوة حركته، هم أيضاً، نتاج مرحلة انتهت، وكانوا يقرأون حركة التاريخ من مواقعهم، وليس من موقع حركته . فكانت النتيجة عجز الأنظمة السياسية، وعجز معارضاتها، والنخب السياسية والفكرية والثقافية مجتمعة عن التنبؤ بالقادم من الأعاصير . وفي وضع كهذا، لن يكون مستغرباً أن تكون المفاجأة كاملة لحراس البناء الفوقي، ولمن يحاولون التسلق، ليكونوا قريبين من سفوحه . وهكذا أيضاً كانت المعارضات، أيقونات ديكورية، ينطبق عليها القول الطريف للفنان الخالد نجيب الريحاني، لزوم لزوم الشيء أعلاه .

كان هذا الوضع قد عبر عن نفسه، بانتفاضة أطفال الحجارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بنهاية الثمانينات، حيث قرر الأطفال الفلسطينيون أن يتصدوا بصدورهم العارية لقوات الاحتلال “الإسرائيلي”، بعد أن رأوا حلمهم في التحرير يتهاوى أمام عجز النخب السياسية، التي قادت الكفاح الفلسطيني، والتي مثلتها آنذاك، منظمة التحرير الفلسطينية . وكان ثمنها للأسف اتفاقية أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية، ووصول قضية التحرير إلى ما آلت إليه الآن .

والنتيجة الطبيعية أنه لم يبق في الساحة العربية سوى جيل الشباب، من خريجي الجامعات، الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل، من دون أمل في مستقبل وحياة أفضل . لقد وجد هؤلاء في التقنيات الإلكترونية الحديثة ضالتهم، فاتجهوا إلى الفيسك بوك وتويتر ويوتيوب، متنفساً للتعبير عن آرائهم، وتأسيس واجهاتهم، والإمساك بزمام مقاديرهم، متماهين في شعاراتهم ومطالبهم، مع تيار إنساني عالمي، فوار ومتحرك، ينمو وتتعزز قدراته بشكل يتسارع كل يوم، باتجاه مشاركة الناس في تقرير مصائرهم، وصناعة تاريخهم، وصياغة مستقبلهم، وكسر حواجز الخوف، والانتقال بفعلهم من الاحتجاج السلبي إلى المبادرة بالتظاهر علنا، والمطالبة بوضع حد لتهميشهم، والعمل على قيام نظام يعتمد تداول السلطة، والفصل بين المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية، واحترام حق الناس في التجمع وتأسيس المنظمات والجمعيات المعبرة عن آمالهم ومصالحهم .

وفي التدافع الملحمي تتطهر النفس من أدران الجمود والتكلس، ويحمل اليافعون لمجتمعاتهم البرء والتطهر، وتنهزم شرور الطائفية والفساد، وأمراض أخرى عششت في المجتمع العربي بسبب العجز والفشل والوهن .

إن عجز النخب الثقافية والفكرية، عن إدراك ما جرى هو وجه آخر لعجزها عن تقديم أي فعل حقيقي ينتقل بالمجتمع العربي، من حالة الركود والعجز ومقابلة استحقاقات الناس . وهو عجز يقابله ائتلاف ثورة الغضب يقودها الشباب اليافعون، حيث الفراشات في موسم الربيع، تمتص زهر الياسمين، لتجعل ربوعنا أكثر اخضراراً وبهجة .

=============================

إسقاط أوسلو وإنهاء الانقسام    

آخر تحديث:الخميس ,10/02/2011

فايز رشيد

الخليج

شعارات واضحة رفعها المتظاهرون في رام الله (السبت 5 شباط) تدعو لإسقاط اتفاقيات أوسلو، وإنهاء الانقسام الفلسطيني . الشعاران يلخصان المهمات الملحة للنضال الوطني الفلسطيني خلال هذه المرحلة من التاريخ الفلسطيني . شعاران لو تتم الاستجابة لهما من المعنيين بالأمر، لعاد النضال الفلسطيني إلى ألقه ووهجه، ولعادت الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها، ليس باعتبارها هدفاً وطنياً فحسب، وإنما كشرط ضروري للانتصار في معركة التحرر الوطني التي يخوضها شعبنا، وكشرط لنيل الحقوق الوطنية .

اتفاقيات أوسلو جلبت الدمار والكوارث على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وأدّت إلى إلغاء كافة البنود المتعلقة بالكفاح المسلح من الميثاق الوطني الفلسطيني، في دورة المجلس الوطني في غزة عام 1996 . وأدّت إلى عشرين سنة من المفاوضات غير المباشرة تارة، والمباشرة معظم الأحيان . هذه المفاوضات العقيمة، لم تؤد سوى إلى المزيد من التنازلات الفلسطينية للكيان .

اتفاقيات أوسلو لم تمنع مصادرة “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية، ولا بناء المستوطنات، فأكبر مصادرة للأراضي وبناء المستوطنات تم في ظل هذه الاتفاقيات التي لم تمنع أيضاً: الاعتقال والاغتيال وبناء الجدار العازل، ولم تمنع تهويد القدس .

اتفاقيات أوسلو لم تنص إلاّ على حكم ذاتي هزيل للفلسطينيين، حكم ذاتي منقوص السيادة عنوانه فقط الإشراف على القضايا الحياتية للمواطنين .

الاتفاق لم يمنع إعادة اجتياح “إسرائيل” للضفة الغربية في عام ،2003 ولم يمنع خطف الفلسطينيين من السجون الفلسطينية في أريحا، وغيرها .

لقد أعلن شارون رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق بالفم الملآن: وفاة ودفن هذه الاتفاقيات إلى الأبد . كذلك هو بنيامين نتنياهو الذي عارضها عند توقيعها، ولا يعترف بها حالياً .

اتفاقيات أوسلو قادت المفاوض الفلسطيني إلى المساومة على الحقوق الوطنية الفلسطينية، في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، هذه القضايا التي تم إخضاعها لما يسمى (مفاوضات الوضع النهائي)، هذا في ظل موقف “إسرائيلي” واضح بالنسبة لكل الحقوق الوطنية الفلسطينية، فهذا الموقف يرفض هذه الحقوق جملة وتفصيلاً من خلال لاءاته الخمس الشهيرة لها .

المفاوض الفلسطيني وبدلاً من اعتماد قرارات الشرعية الدولية، كمرجعية أنصفت بعض الحقوق الفلسطينية (وليس كلها) كالعودة وتقرير المصير والحق في إقامة الدولة، والانسحاب من كافة الأراضي المحتلة في عام 1967 بما في ذلك القدس، ورفض كافة التغييرات التي أجرتها “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية (الاستيطان مثلاً) بدلاً من الاعتماد على قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، اعتمد ولا يزال على اتفاقيات أوسلو كمرجعية رغم إسقاط “إسرائيل” لها .

ورغم كل الدروس التي يتوجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، في تقييم المرحلة، منذ توقيع هذه الاتفاقيات وحتى اللحظة، وكلها تشي بضرورة إلغاء هذه الاتفاقيات وتداعياتها، مازال المفاوض الفلسطيني يتمسك بها، ويعلن المرّة تلو المرة بأن خياره هو: المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات .

لقد تفاءل شعبنا الفلسطيني كما الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما أصدقاء القضية الفلسطينية على الساحة الدولية بالمحاولات الفلسطينية والعربية والدولية التي جرت لإنهاء الانقسام الفلسطيني، ولكن للأسف، فإن كافة هذه المحاولات باءت بالفشل .

السلطتان وبدلاً من الحوار على طريق العودة إلى الوحدة الوطنية، تتهمان بعضهما بعضاً، باعتقال كل منهما لأعضاء من الجهة الأخرى، والتنكيل بهم .

مما لا شك فيه أن الكشف عن 1600 وثيقة فلسطينية، وما تضمنته من تنازلات حول الحقوق التاريخية الفلسطينية، يؤثر سلباً على إعادة اللحمة إلى الساحة الفلسطينية، لكن إلغاء اتفاقيات أوسلو بما تضمنته من بنود مأساوية، يلعب دوراً أساسياً ورئيسياً في الخلاص من حالة الانقسام الفلسطيني .

ندرك أن التنظيمات الفلسطينية مختلفة على الأهداف الاستراتيجية للنضال الوطني الفلسطيني، لكن يمكن اتفاق الجميع على الثوابت الفلسطينية، وهي القاسم المشترك الأعظم بين كافة التنظيمات الفلسطينية، ليس ذلك فحسب بل تشكل محوراً يستقطب الفلسطينيين بكل فئاتهم وشرائحهم، في الوطن وفي الشتات .

باستمرار ظلت وجهة نظر الشعب الفلسطيني بارومتراً قياسيا لصحة المواقف السياسية والشعارات للثورة . الآن جماهيرنا تطالب بإلغاء اتفاقيات أوسلو وإنهاء الانقسام ولا أقل من الاستجابة لها .

=============================

الإصلاح العربي... ودروس ثورة الياسمين!

نبيل علي صالح

تاريخ النشر: الخميس 10 فبراير 2011

الاتحاد

يقدم حدث التغيير في تونس نموذجاً صريحاً وواضحاً لما يمكن أن تتمخض عنه دولة الاستبداد. ومن الطبيعي جدّاً أن يقود انسداد الآفاق وتفاقم الاحتقانات السياسية التي تفضي إليها ممارسات وسلوكيات دول القمع إلى جعل المجتمع عرضة للحرب الأهلية، وبوتقة للصراعات الداخلية خاصة مع انعدام أفق الإصلاح، ومحاولة بعض رموز السلطة القديمة طرح الوعود على الناس بإحداث تحولات سياسية حقيقية. وهكذا لاحظنا في تونس الخضراء كيف أدت أعمال السلطات المتعاقبة المستبدة على مدار أكثر من خمسة عقود من الزمن -لم تبدأ مساوئ الحكم فقط منذ 23 سنة- إلى حدوث هذه الانتفاضة الشعبية العارمة، وخروج الناس من الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها معظم الشباب العاطل عن العمل والباحث عن شغل وعمل وحرية وكرامة وطنية إلى الشارع بهدف الضغط على السلطة لإجبارها على تبني خياراته الاجتماعية والسياسية.

وفي ظني أن هذه الهبّة الشعبية الهائلة قد فاجأت كثيرين حتى المثقفين، باعتبار أن تونس كانت بلداً مستقرّاً وهادئاً، وأن شعبها يعيش حالة من الاكتفاء الاقتصادي المقبول، وهذا هو الشيء الوحيد الذي كان يتباهى به نظام الحكم في تونس طيلة عقود أمام الدول الأخرى خاصة الغربية، من أن بلده مستقر ويعيش حالة رخاء وتنمية جيدة. ولكن تبين لاحقاً أن هذا الاستقرار الظاهري لم يكن أكثر من حجاب غير سميك كشف عن حقائق التهميش السياسي والاجتماعي، وأنه استقرار هش لا يقوم على قاعدة صلبة من تنمية اقتصادية حقيقية وسياسة اجتماعية ناجحة.

وإذا ما أردنا أن ندخل إلى طبيعة محددات هذا النوع من النظم السياسية فإنه يمكننا تثبيت النقاط التالية:

1 - يحدث قطيعة شبه كاملة بين الدولة كظاهرة مهمتها بناء نظام سياسي وسلطة عادلة لخدمة الناس، وبين المجتمع كموضوع لعمل الدولة على مستوى التنمية والتطور والتقدم وتحقيق العدل والأمن والأمان، الأمر الذي حول الدولة التحديثية العربية إلى دولة خاصة بالنخبة السياسية الحاكمة. أي أنها باتت دولة منفصلة كليّاً عن المجتمع المهمش، والأمة المقصية والمستبعدة كليّاً عن ساحة الفعل والإبداع الحضاري. وهنا يصح القول إنها دولة ضد المجتمع وضد الأمة. والدليل على ذلك: انتشار مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي الواسع في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية الحديثة نتيجة انسداد الآفاق، ونفاد الطاقات، وتعاظم المشاكل، واشتداد التوترات، واستعار الانتفاضات، وضعف إمكانيات التقدم والتراكم الأمر الذي أدى إلى استمرار وبقاء الأزمة، وتنامي آلية العنف والعنف المضاد التي تنشأ -إذا ما تتبعنا منابعها الحقيقية- من انسداد النظام السياسي القائم.

2 - عجز الدولة العربية الحديثة عن إقامة علاقات قانونية متوازنة. وقد قاد النزوع السلطوي لبعض النخب الحاكمة إلى تزايد الرغبة الشعبية في إصلاح النظام القائم (كما حدث في تونس مؤخراً) بعد أن يتلاشى كليّاً الأمل في إصلاحه، أو العمل على إيجاد حلول ناجعة لأزماته من داخله، وإجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية.

3 - حدوث مزيد من الانكسارات والهزائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفساد التخطيط السياسي العام والخاص، وعقم الممارسة السياسية العملية، وسوء استخدام العمل الإداري اليومي. وبناء حداثة غير عقلانية مستهلكة، وغير قادرة على النمو أو الإنتاج. أي بناء حداثة هشة وقشرية ورثة كما أسماها برهان غليون ذات مرة ب"الحداثة المغدورة".

4 - نزع السياسة من المجتمع باعتبارها فاعلية اجتماعية ومجتمعية حرة، ومجالاً عموميّاً للمجتمع، وهي أحد أرقى الأشكال التنظيمية لوحدة المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تغييب قسري كامل لدور المجتمع وجماهير الأمة الواسعة في عملية المشاركة السلمية في السلطة.

5 - تحميل الشعب كامل المسؤولية عن أي فشل سياسي وتنموي حدث، أو قد يحدث، في المجتمع على رغم تقييده وتغييبه عن ساحة القرار أساساً.

6 - ضمان أمن بعض النخب السياسية بأي أسلوب كان، والحفاظ على استقرارها وثباتها في مراكزها ومناصبها العليا، حيث قد تعمد هذه النخب -لكي تضمن بقاءها واستمرار نموذجها السلبي- إلى شن حروب أهلية كامنة، بل وحروب أهلية صريحة، ضد مواطنيها بواسطة أجهزة العنف والعسف المتعددة.

7 - مواجهة أي تغيير سياسي أو ثقافي يمكن أن يفكر فيه أبناء الأمة ونخبتها المفكرة بالقوة. إن الفشل الحقيقي بالنسبة للدول هو عندما تفشل في كسب ثقة مواطنيها، ومد جسور التعاون معهم، والعمل المستمر على تحقيق مصالحهم وطموحاتهم وتطلعاتهم من خلال اعتماد مشروع استنهاض سياسي واجتماعي يعبر عن آمالهم وعن رغبتهم في العيش بسلام وأمن وراحة ورفاه اقتصادي، بما يدفعهم ويحفزهم باستمرار للمشاركة الشاملة في عملية التنمية الفردية والجماعية.. إن عدم تحقيق كل تلك الآمال الكبرى يعيد إنتاج حالات مثل حالة تونس، وعندئذ تطفو على السطح ظاهرة الاحتقان السياسي والاجتماعي.

والسؤال الآن: أليس من الأفضل تنظيم وبناء كل تلك المواهب والطاقات البشرية المبددة والمشتتة والمضيعة عند أبناء مجتمعاتنا في أسواق البطالة والعطالة والسقوط في أحضان الأيديولوجيات العدمية والظلامية.. أليس من الضروري تنظيمها في سياق عقد سياسي إنساني ديمقراطي يمنح الجميع فرص وحرية التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وأفكارهم وطموحاتهم في ساحة الحياة ليتنفسوا الهواء النظيف.. أليس من الأجدى أن نعمل بداية على إصلاح دواخلنا من عناصر التخلف، وبناء المجتمع الذي تسوده قوانين موضوعية تطبق على الجميع. مجتمع يرتكز على العقل والمنطق والعلم في إدارته ومؤسساته المدنية.. مجتمع يكف مثقفوه وأبناؤه عن البحث عن مثال وحيد للحرية والعمل السياسي والاجتماعي، يصلح للتعميم على الأمم كلها.. مجتمع يسعى إلى أن نقتنع عمليّاً بفكرة الحوار والتسامح.

كاتب سوري

=============================

مصر: التغيير وقع بقي مبارك أم رحل!

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

10-2-2011

«الشعب يريد إسقاط النظام» قد تكون هذه من أروع العبارات التي تحمل الكثير من معاناة الشعب وطغيان النظام، لكن، ماذا بعدها؟

هناك خوف من أن يصاب الشباب بالخيبة لاعتقادهم بأنهم إذا تخلصوا من الرئيس حسني مبارك فإن الأوضاع قد تتحسن، ويعرف النظام أن هؤلاء الشباب غير مجربين؛ لهذا فمن السهل التلاعب بمشاعرهم وأحلامهم وطموحاتهم، فالنظام هو المجرب، لا بل هو المحنك والمراوغ، لكنه ترهل واهترأ.

الذي صار واضحا أن التغيير وقع في مصر بقي مبارك أو رحل، لكن التغيير على المدى القصير قد يكون سلبيا، هذا ما توصل إليه سياسيون وخبراء في جلسة مغلقة عقدت في لندن، جاء فيها أنه ولو أخذنا السيناريو الأفضل، بأن يرحل مبارك ويتسلم نائبه عمر سليمان السلطات وينجح هو والجيش في إعادة الاستقرار (هذا أفضل السيناريوهات) فإنه في ظل الوضع المحلي لمصر ومواقف أميركا وأوروبا، سيكون من المستحيل عدم الأخذ بعين الاعتبار طرفين من القوى على الساحة المصرية سيكون لهما تأثير سلبي.

الأول: الإخوان المسلمون (قال عصام العريان: بعد رحيل مبارك ستكون الشريعة هي الأساس)، وهم إذا وصلوا إلى السلطة الآن أو لاحقا، ستكون لهم كلمتهم، وستصبح المواقف المصرية متطرفة، ويكون التغيير نحو الأسوأ إن كان على صعيد الشؤون الداخلية أو الخارجية.

الثاني: قوى المعارضة المختلفة، فحتى إذا كانت بينها مجموعات ترغب في التعددية، فالتعددية الآن تعني إعطاء ما ترغب به النخبة المصرية الجديدة، وبالذات تبني مواقف راديكالية في الشؤون الخارجية ومواقف أقل تأثيرا في الشؤون المحلية.

الإخوان المسلمون رفضوا في البداية دعم المظاهرات وقال أحد المسؤولين، إنهم يؤمنون بالسير درجات درجات صعودا ويرفضون تحركات تلقائية تفرض لاحقا زعيما لا يتوقعونه.

بعدما نجحت المظاهرات في جذب الملايين، دخل «الإخوان» فيها، ويعملون حاليا على التركيز فقط على المطالب الداخلية ويخفون مطالبهم في السياسة الخارجية التي تحملت مسؤولية الكشف عنها إيران بالتصريحات العدائية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وتركيا بتصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان المباشرة والعنيفة والكاشفة.

عندما ستأتي حكومة بديلة في مصر، لن تكون راديكالية كما الحال في إيران، إنما أقل راديكالية وأكثر تسللا، تقريبا كما يحصل في تركيا.

في إيران استقر الوضع على نظام متطرف، هذا لن يحصل في مصر، فالمصريون مختلفون. في إيران انهارت المؤسسة العسكرية إذ تفكك الجيش وفقد وضعه، وهذا من غير المتوقع في مصر. فالجيش المصري لا يسيطر فقط على الناحية العسكرية في الحياة المصرية، بل يسيطر أيضا على الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. والجيش سيصر على الاحتفاظ بوضعه في المجتمع المصري، وكانت قيادته حكيمة في المظاهرات الأخيرة، بأن حمت الجيش من غضب الناس. لذلك فإن موقع الجيش لن يهتز بالكامل، لكن بمجرد التحول إلى حالة تعكس إرادة الشعب أكثر، وبالذات إرادة النخبة الجديدة، لا يمكن تجاهل واقع أن الإخوان المسلمين هم الأقوياء. من هنا، فعلى الأقل أن ثلث التأثير المقبل على الحكومة سيكون وراءه «الإخوان»، فهم القوة الوحيدة المنظمة، بفضل النظام، والناحية الإيجابية الوحيدة عندهم أن لا زعيم قويا لديهم مثل السيد قطب أو حسن البنا، لكنهم منظمون ويتمتعون بدعم طبقات المجتمع.

حكم الشريعة لن يكون القانون غدا، لكن مصر ستسير في هذا الاتجاه وسيظهر عندها «الإخوان» تطرفا في مواقفهم تجاه الدول المعتدلة، وتجاه أميركا وبالتأكيد تجاه إسرائيل، وستتعرض مصر لوضع مزدوج كما الحال في تركيا. أي إن الجيش يريد شيئا والإخوان يريدون شيئا آخر، وعندما يتوصلان إلى نوع من الاتفاق، لن يكون اتفاقا مستقرا أو مسؤولا.

في الندوة نوقشت السياسة الإقليمية حيث كانت مصر حجر الزاوية لرغبة الوقوف في وجه التطرف الإيراني. قيل: فإذا نظرنا إلى الشرق الأوسط هناك أربع دول رئيسية في المنطقة: إيران وتركيا وإسرائيل ومصر. ما لدينا الآن: إيران راديكالية، تركيا تسير في هذا الاتجاه وتقف مع إيران، وكانت مصر القوة الوحيدة مع السعودية التي يمكن أن تشكل التوازن المطلوب.

هذا التوازن أفقدته المظاهرات الأخيرة عصب قوته، والأمر الآخر أن قوى المعارضة، غير «الإخوان»، لا قيادة موحدة لها، وقد تتنافس على من هو الأكثر وطنية في مصر، وهذا التنافس يزعزع الوضع.

إذا تكلمنا نظريا، نريد أن تستمر مصر في المحافظة على النمو الاقتصادي الذي عاشته في السنوات الأخيرة، شرط أن توزعه بعدل على الشعب وليس فقط على «القطط السمينة» كما الحال الآن. لكن، من سيستثمر في مصر غير مستقرة، وكيف يمكن في وضع متأرجح المحافظة على نمو بمعدل 5 في المائة؟

الدعم المالي الأميركي لن يصب في الاقتصاد بل سيصل أغلبه إلى الجيش المصري، فغير ذلك تفقد أميركا القوة الوحيدة في مصر الممكن الوثوق بها، وما سيتبقى عن حاجات الجيش، لا يمكنه التعويض عن واقع أن الناس سيترددون في الذهاب إلى مصر بسبب التطرف الإسلامي الذي سيظهر. ثم إن المشكلة الاقتصادية في مصر ضخمة وعميقة، وحتى الدعم المالي الأميركي لا يمكن أن يعوض عن الشعور بعدم اليقين الذي سينتاب السياح الأجانب والمستثمرين.

لكن أين إسرائيل من كل هذا؟ سيصبح الوضع أسوأ بالنسبة إليها، حتى الآن هي تعاملت مع افتراض أنه لو دخلت في حرب، فإن خطر المواجهة مع مصر ليس قائما. لمصر جيش كبير، تسليحه جيد ومتطور، ومدرب أحسن تدريب. بعد أحداث مصر. لم يعد باستطاعة إسرائيل افتراض أنه في الحرب المقبلة فإن الجيش المصري لن يشارك. ليس متوقعا إلغاء اتفاقية السلام أو دخول الجيش المصري في حرب مع إسرائيل. لكن، حتى لو كانت هذه الاحتمالات قليلة إلا إنها صارت محتملة وواقعا وصار على إسرائيل أن تبني جيشا أكبر، وأن تصرف نسبة أكبر من مدخولها السنوي على الجيش، ثم لم يعد باستطاعتها الوثوق بالمصريين في ما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، أو في وصول المتطرفين إلى السلطة في الشرق الأوسط. أعمدة الاستقرار التي اعتمدت عليها إسرائيل في المنطقة تتزعزع، تركيا ذهبت، ومصر على طريق التحول.

كشفت الأحداث عن خطأ التعامي في التعامل مع أميركا. وتبين للدول أنها إذا تعاملت مع الولايات المتحدة لعقود طويلة، فإنها تقبل بك حتى لو زورت الانتخابات وقمعت شعبك وأحطت نفسك بحاشية من «القطط السمان»، لكن في اللحظة التي تقع فيها في مشكلة فإنها تنضم إلى أعدائك.

إسرائيل تعتمد كثيرا على أميركا، لكن نظامها يعتمد على ما يريده الشعب الإسرائيلي، ورأى النقاش أنه عندما تفقد واشنطن أنقرة والقاهرة ويسير الشرق الأوسط نحو التطرف، فإن إسرائيل قوية ومستقرة تصبح أكثر ضرورة لأميركا من السابق. ضمن هذا المفهوم لا مشكلة لدى إسرائيل بل ستكون مشكلتها في الاستقرار الإقليمي، لأن الثقة الأميركية لن تكون كافية عندها. ومن الأفضل لاستقرار إسرائيل أن تكون هناك عدة دول شرق أوسطية تثق بها أميركا.

هذا الوضع قد يدفع واشنطن إلى معاودة إغراء أنقرة، فتركيا تتطلع إلى القيام بدور الوسيط بين العرب وإسرائيل وتطمح إلى أخذ دور مصر في هذا المجال الذي قد توسعه لتكون وسيطا لأميركا مع إيران أيضا.

هل يتحول اندفاع الملايين من المصريين لإسقاط النظام باسم الشعب، إلى لعبة أمم كبرى؟ الاحتمال وارد.

=============================

هل ستنجح ثورة مصر؟

جورج ويل

الشرق الاوسط

10-2-2011

قبل ستين عاما، كدر الساحة السياسية داخل الولايات المتحدة اتهام صيغ في صورة سؤال: «من خسر الصين؟» وكان الاتهام الضمني أن أميركا ضيعت شيئا كانت تملكه لضعف الكفاءة أو بتواطؤ شرير.

وفي عام 1949، عندما وصل الشيوعيون إلى سدة الحكم هناك، كانت أميركا في نصفي الكرة الأرضية ومرهقة من الحرب. وحسب أميركيون أن دولتهم تقود العالم وأنه بغض النظر عما يحدث، وفي أي مكان كان، فإنه بدافع من أميركا، أو أنها على الأقل سمحت بذلك على مضض، أو أنه دليل على إهمال أميركي.

ومما يشير إلى نضج وطني - ثمرة تجارب غير سعيدة من كوريا إلى فيتنام وصولا إلى العراق وأفغانستان - قل عدد الأميركيين المتذمرين اليوم ممن يحملون إدارة أوباما الخطأ لعدم توقع أو صياغة الأحداث داخل مصر، بل إن إسرائيل، التي تعيش إلى جوار مصر ولديها جهاز استخبارات متميز، لم ترَ ذلك يقترب. ولذا أقدم مقترحا متواضعا:

هؤلاء الأميركيون الذين يعرفون الجمهوري الفائز بالانتخابات الحزبية داخل ولاية أيوا العام المقبل يمكنهم أن يشتكوا من هؤلاء الذين لم يعرفوا أنه عندما أضرم بائع متجول تونسي النيران في نفسه فإنه أشعل النيران في منطقة برمتها. وسيكون الصبر تصرفا لائقا من كل الأميركيين الآخرين.

وسيكون ذلك مدهشا أيضا؛ لأنه توجد مجموعة من منتقدي باراك أوباما الذين لا يقنعون بمتابعة أخطائه في السياسات الداخلية ويصرون على أنه لا بد من علاقة بين هذه وسياسته الخارجية. ومن الغريب أن هؤلاء المنتقدين، الذين يشكون في مدى ملاءمة وقدرة الحكومة الأميركية فيما يتعلق بضبط مجتمعنا المعقد، يحملون الحكومة خطأ عدم التحلي بالكفاءة فيما يتعلق بصياغة مصائر مجتمعات أخرى. ويصر هؤلاء المنتقدون لأنه، كما كتب إبتون سينكلير عام 1935: «من الصعب جعل رجل يفهم شيئا عندما يعتمد مرتبه على عدم فهمه له».

لدى أميركا عنصر تأثير على الأحداث داخل مصر - وهو العلاقات القوية بين القيادة العسكرية داخل الدولة والقيادة العسكرية الأميركية، ومن بينها الاعتماد المادي لمصر على المساعدات الأميركية. لكن القول إن الجيش المصري هو المؤسسة الأكثر إثارة للإعجاب ثناء واهٍ.

هل يمكن للجنود المصريين تغيير أي شيء داخل الزوبعة؟ وينسى بدرجة كبيرة أنه عندما بدأ ميخائيل غورباتشوف يفكر في الإصلاح داخل الاتحاد السوفياتي - قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة - لم يكن يتخيل سوى شيوعية أكثر كفاءة تديرها حكومة الحزب الواحد. وفي الوقت الحالي العاطفة المتبقية عنه تطغى على حقيقة أن التعديد، الحقيقة المعتمدة على تعددية حزبية، لم تكن في خططه الأصلية. وبعد مرور عقدين، فإنها ليست في المستقبل المنظور داخل روسيا.

وإذا أجريت انتخابات داخل مصر قريبا، سيكون هناك دافع لأميركا كي تحاول التأثير عليها. وقد قامت بذلك بنجاح في إيطاليا عام 1948 عندما كان هناك خطر كبير يتمثل في احتمالية فوز شيوعيين. ولكن كان حينها داخل إيطاليا، على عكس الحال في مصر اليوم، جانبان واضحان، فالحرب الباردة كانت تتشكل، وكان هناك تقليد برلماني أكثر حداثة ونشاطا، ويضم أحزابا سياسية، أكثر مما هو الحال داخل مصر.

في المنحة الوطنية للديمقراطية، وأشياء أخرى، لدى الولايات المتحدة القدرة على التحلي بقدر كبير من الموهبة لمساعدة مصر على اعتماد بنية تحتية لحكومة نيابية، لكن يجب القيام بهذا بعناية شديدة؛ لأن النظام المصري يهزه بالأساس وطنيون.

من بين الجوانب المشجعة في المظاهرات المصرية التلويح على نطاق واسع بالعلم الوطني، في الوقت الذي يميل فيه المفكرون الغربيون، الذين يميلون إلى الكونية، إلى ازدراء الدولة القومية والقومية كمظهر للخيال البشري باعتبارها أمورا ينبغي تجاوزها. لكن الحشود تقدم دليلا على تطلعات الشعب المصري الشاب ديموغرافيا وصاحب الجذور الثقافية العميقة في الوقت ذاته. وقد تسهم المساعدة الأميركية الفجة في التحول نحو الدمقرطة نوعا من الانتكاسة لدى الجمهور الشغوف لأن يكون فخورا بتحقيق نتيجة مصرية.

والسؤال هو: «ماذا سيحدث بعد ما سيأتي فيما بعد؟ في مارس (آذار) 2003 تحدث الجنرال ديفيد بترايوس، إلى ريك أتكينسون، الصحافي ب(واشنطن بوست)، أثناء تقدم القوات الأميركية باتجاه بغداد، بخمس كلمات لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن عندما قال: (إلى أين سينتهي هذا كله؟»).

بعد ذلك تحدث بترايوس بأربع كلمات لا تذكر عندما قال: «ثماني سنوات وثمانية انقسامات» وشرح أتكينسون ذلك بالقول: «كان المقصد الإشارة إلى النصيحة التي أسديت إلى البيت الأبيض في بداية الخمسينات من قبل استراتيجي عسكري بارز عندما سُئل عما يتطلبه الأمر لدعم القوات الفرنسية في فيتنام الجنوبية».

ما زلنا غير مدركين للصورة التي ستنتهي بها العملية التي بدأت بالتدخل الأميركي في العراق، أو فيما يتعلق بهذا الأمر، كيف سنشهد نهاية لهذا الاضطراب التاريخي الكبير؟ يجب أن يكون المصريون في مصر هم من يقولون لنا كيف

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ