ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

أيام الغضب والانتفاض والثورة في تونس ومصر

بقلم: د. عصام العريان

اخوان اون لاين

27/01/2011

رغم أن ثورة الشعب التونسي التي أعقبت انتفاضته المباركة ما زالت مستمرة، وبما أن تداعيات يوم الغضب في مصر لم تؤتِ أكلها حتى كتابة هذه السطور، لأننا ما زلنا في بداية اليوم الثالث (لها)؛ إلا أننا أمام عناوين تصدَّرت المشهد في البلدين، ويمكن أن نحاول استكشافها في هذه العجالات على أمل تناولها بتفصيل أكبر، بعد انقشاع غبار الدخان المسيل للدموع، واستقرار الأوضاع.

أولاً: "ويخوفونك بالإسلاميين"

كان حديث الطاغية الهارب "بن علي" لسفيره في اليونسكو واضحًا ليس فيه غموض، عندما قال له: أتود أن يسيطر "الإخوانجية" على السلطة في تونس، ولم يقل: لا الرعاع ولا الإسلاميين ولا حركة النهضة، بل الإخوانجية.

 هؤلاء الذين كانوا بين السجون والمعتقلات أو المنافي والتشريد أو المطاردات في العمل والمساجد هم الذين يُخَوِّف الطاغية بهم رجاله وشعبه والغرب.

 وها هي الحكومة المصرية تتبنى بيان وزارة الداخلية في مصر الذي حاول إلصاق شرف تنظيم المظاهرات يوم الغضب (25/1) النبيلة أو الدفع بالآلاف الجدد إلى صفوف المتظاهرين الشرفاء؛ إلى "الإخوان المسلمين"، إضافة إلى حركات احتجاجية أخرى والجمعية الوطنية للتغيير.

 سياسة قديمة نجحت النظم العربية في تسويقها؛ لتتمكن من الإمساك بالسلطة في قبضتها في معظم البلاد العربية، ولكنها انتهت إلى كوارث حقيقية، تهدد الاستقرار الزائف الذي حاولت أيضًا الترويج له في الداخل والخارج، فدمَّرت الحياة السياسية، ومنعت الحياة الحزبية، وجمدت النقابات المهنية، وألغت النقابات العمالية والاتحادات الطلابية، وحاصرت المجتمع المدني والجمعيات الأهلية.

 كان الحصاد المرُّ في حلوقهم، والذي توقعناه جميعًا، وإن لم نستطع تحديد موعده أو حجم حدوثه؛ هو ذلك الانفجار الذي بدأ في تونس، وانتقل إلى مصر والأردن واليمن، وستتوالى توابعه المزلزلة إلى بقية الدول العربية والإسلامية.

 فشلت سياسة التخويف بالإسلاميين وإرهاب المواطنين بالبديل المفزع، وها هي النظم الاستبدادية تجني الحصاد المر.

 وها هي الشعوب تحرَّكت بعد أن وصل بها الإحباط إلى مداه، واليأس من استجابة النظم الفاسدة لأية دعوات إصلاحية، فارتفع النداء نحو التغيير.

 فشلت سياسة إقصاء الإسلاميين؛ حيث لا يمكن حذف قطاع كبير من المواطنين يُعبِّر عن هوية غالبية العرب والمسلمين.

 فلا بد من إدماج الإسلاميين في الحياة العامة والحياة السياسية، وفق ضوابط وقواعد عامة، يتفق عليها الجميع، لا يمكن لأحد فيها أن يحتكر الحديث باسم الله أو باسم الإسلام، كما لا يمكن لأحد فيها أن يلغي دور الباقين.

 ثانيًا: "حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"

حقًّا صدقت كلمتنا مع كثيرين، إن الشعوب هي الملاذ، وهي التي يجب أن تتحرك دفاعًا عن حقِّها في حياة كريمة وعدل وعدالة اجتماعية.

 كان كثيرون من النشطاء والسياسيين يحمّلون الإخوان عبء الحركة ضد النظام في الشارع ابتغاء مواجهة دامية؛ لإسقاط تلك النُّظم المفسدة المستبدة، وكان شعارهم الذي يعبِّرون عنه "فلنناضل ضد الاستبداد حتى يسقط آخر مجاهد إخواني، وحتى يتم اعتقال كل الإخوان المسلمين"

 وكان مخلصون أيضًا يعيبون علينا في جلسات التشاور والتناصح أننا نكنز الذهب والفضة، أي الرجال، ونضن بهم على المواجهات، وكنا نستمع إلى هؤلاء وأولئك بصدر واسع، ونقول لهم: إذا ظهرت المواجهة كأنها بين فريقين: النظام من جانب والإخوان في الجانب الآخر، فستكون كأنها صراع على السلطة، ونحن لا ننافس في هذه المرحلة على أية سلطة، ولا نريد أن نتحمل عبء الإنقاذ من الوضع المتردي والإصلاح والتنمية في المستقبل وحدنا أبدًا، نحن جزء من الحركة الوطنية التي يجب أن تحتمي بالشعب، وعلينا جميعًا أن نتحرك وسط الناس حتى يغيروا بأنفسهم ما نزل بهم من بلاء، ولن ندخر وسعًا في الحركة مع الناس، وشعارنا هو "مشاركة لا مغالبة"، ومنهجنا يعتمد على قول الله عزَّ وجلَّ في آيتين كريمتين: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الأنفال: من الآية 53)، و﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

 وعلينا ألا نتوقف عند انتفاضة الشعوب للتغيير فقط، بل علينا أن نستمر في توعية الشعوب ببقية دورها.

 على الشعوب أن تستمر في حماية غضبها وانتفاضتها وثورتها.

 على الشعوب أن تستعد لتحمل المسئولية في اختيار حرٍّ ونزيه لبرلمانات حقيقية تعبِّر عنها، وتتحمل عبء إنقاذ البلاد من آثار السياسات التدميرية، ويتم تمثيل كل القوى الشعبية من السياسيين فيها.

 على الشعوب أن تتحمل عبء الصبر في المرحلة الانتقالية للعبور إلى برِّ الأمان.

وعلى القوى السياسية أن تحترم اختيارات الشعوب، وأن تسعى إلى كسب ثقتها، وأن تعبِّر عنها أدق تعبير وعن هويتها الحضارية.

 شعوبنا مسلمة؛ عقيدة في أغلبيتها، حضارة على مرِّ القرون، شارك في صنعها المسلمون والمسيحيون واليهود وغير المؤمنين بدين سماوي، وحفظ الإسلام حقوق هؤلاء جميعًا.

 ثالثًا: "ويخوفونك بالفوضى"

كانت الذريعة الجاهزة دومًا عند أبواق السلطة من الإعلاميين أو شيوخ السلطان من مسلمين أو قساوسة مسيحيين أو حتى حركيين سابقين؛ هي التخويف من الفوضى، وإشاعة الحديث عن التهييج والإثارة والقلة المندسة والمهيجين.. إلخ، تلك الأسطوانة المشروخة التي مللنا من الاستماع إليها.

 واليوم بعد تونس ومع توالي الحدث في مصر، وتتابع التطورات في لبنان واليمن والأردن والجزائر؛ ظهر للجميع أن من يغرس الفوضى الحقيقية هم سدنة النظام وأبواقه الإعلامية، وأن الشعب ارتفع في كلِّ تلك البلاد إلى مستوى المسئولية الحقيقية؛ ما يؤهله بجدارة إلى طرد هؤلاء جميعًا، واختيار غيرهم أقدر منهم في الفهم والمسئولية.

 لم يحدث شغب في مصر يوم 25/1/2011م إلا بعد أن تدخلت الشرطة وقوات الأمن التي يدفعون من دمِّ قلبهم الضرائب؛ كي تحميهم وتؤمن حياتهم، فإذا بها يستخدمها النظام بذريعة منع الفوضى لقتلهم ومنعهم من التعبير الحر عن أنفسهم.

 الفوضى سببها هي سياسات النظم المستبدة التي تحمي الفساد والمفسدين، بل وتغرق نفسها في مستنقع الفساد؛ حيث جمعت بين السلطة والثروة في نموذج لا تعرفها الدنيا كلها، وما فضائح عائلة "بن علي" في تونس والعائلات الأخرى في مصر واليمن عنا ببعيد!.

 رابعًا: "رجال كل العصور"

انشغل الجميع في تونس بمصير رجال العهد البائد، وفي كلِّ الثورات كان التخلص من رجال كل العصور البائدة هو السمة السائدة.

 في مصر بالذات تصدَّر المشهد السياسي منذ 6 عقود رجال معروفون، وفي العقود الثلاثة الأخيرة وُلِدَ ومات شباب ورجال لم يعرفوا إلا رئيسًا واحدًا، أراد أن يسلم الرئاسة إلى وريث من صلبه.

 لم يعد أحد يَقْبل باستمرار هؤلاء في تحمل المسئولية، ولو لمرحلة انتقالية، كيف نؤمن لبلادنا إذن انتقالاً آمنًا للسلطة دون هزات مفاجئة؟ وكيف يتم محاسبة هؤلاء على الجرائم التي اقترفوها في حقِّ الوطن؟ وكيف يمكننا استعادة ما نهبوه من ثروات بغير وجه حقٍّ وهرَّبُوها إلى الخارج؟

 الدرس القديم والدروس الحديثة تحتاج إلى تأمل، وعلى الجميع أن يفكروا بجدية، خاصة في استعادة الثروات المستباحة؛ لأن ذلك التحدي سيواجه الجميع.

 ويتعلق بذلك ضرورة إنهاء وجود الحزب المسيطر الحاكم، فكيف نتصرف في رجاله وممتلكاته؟

 هناك عناوين ولافتات أخرى تستحق الوقوف أمامها؛ ولعلنا نعود إليها، مثل: الجيش ودوره، الأمن وعصاه الغليظة، الإعلام والإنترنت والوسائط الحديثة، المرحلة الانتقالية التي لا بد أنها آتية لا ريب فيها.

وللحدث بقية...

=====================

تونس ومحنة تغيير قد لا يكتمل!

المستقبل - الجمعة 28 كانون الثاني 2011

العدد 3896 - رأي و فكر - صفحة 19

ماجد الشّيخ

بين حدّي الثورة والثورة المضادة، التي تترجّح وقد باتت تراوح في ظلها انتفاضة الياسمين الشعبية والجماهيرية، وهي تدخل "مجهول التغيير" الذي قد لا يتم حتى النهاية المنطقية لمآلاته، تزداد يوماً بعد يوم مؤشرات التضاد بين الأهداف الشعبية، وتلك التي تحاولها بقايا النظام التي بقيت "صامدة" لإعادة إنتاج النظام ذاته؛ كنظام سلطوي استبدادي، وبمعونة خارج إقليمي ودولي يحاول بكل قوة قطع الطريق على أهداف التغيير، بعد أن فرّ الطاغية، وترك نظامه خلفه "يتدبر أمره"، في مواجهة طموح انتفاض جماهيري للتغيير من أجل كرامة المواطن، وفي مواجهة فضائح رجال السلطة وأمراض تعاليهم واستكبارهم على مواطنيهم.

وعلى غرار "ثورة الخبز" التي قامت في الثالث من كانون الثاني عام 1984، مع الفارق بأن هذه الأخيرة لم تستطع سوى إجبار الحكومة والنظام آنذاك على التراجع عن إجراءات زيادة أسعار الخبز؛ فإن "ثورة التغيير" المؤملة اليوم، ومهما أطلق عليها من تسميات، ربما كانت أمام مرحلة من إمكانية الغدر والانحراف بها، في محاولة لاستعادة النظام لأنفاسه مجدداً، وهو النظام الذي تأسّس في أعقاب إلغاء الملكية في 25 تموز عام 1957، حين تم اعتبار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية.

إن الخشية الأساس على التغيير من الغدر، نابع من محاولة أركان بقايا النظام تفريغ هذا التغيير من مضمونه، وتحويله إلى مجرد تغيير شكلاني، عبر إشراك بعض الأحزاب الموالية التي كانت قريبة من الحزب الحاكم، على ما جرى أخيراً حين تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول (محمد الغنوشي) في أواخر عهد بن علي، أطلق عليها تسمية "حكومة وحدة وطنية"، جرى إجهاضها في اليوم التالي للإعلان عن تشكيلها بفعل تحركات احتجاجية شعبية وانسحاب بعض أعضائها، بعد أن أثارت حنق المواطنين من جديد، ودفعت بهم إلى الشارع مجدداً. في خشية فعلية من أن تفقد كوادر الانتفاضة الشعبية الجماهيرية (التي افتقدت منذ البداية لقيادات منظمة) زمام المبادرة، وعودتها إلى أيدي بعض أزلام النظام المقربين من الطاغية وحزبه، الذي طالما شكّل الغطاء السياسي والدستوري والحزبي لمجموعة المافيا، أو عصابة المافيات السياسية والعائلية، التي أمّنت للنظام استمراريته، واستمرارية نهب أفراده المدللين لاقتصاد وثروة البلاد ومواطنيها الفقراء والمُفقرين.

لم يكن هدف الانتفاض الشعبي والجماهيري الواسع في تونس إسقاط رأس النظام، للاحتفاظ بنظامه الاستبدادي الذي خبره الشعب التونسي. لقد هدف المواطنون إلى اقتلاع النظام الاستبدادي لإقامة نظام ديموقراطي بديل، تُستعاد في ظله حريات الشعب التونسي بأحزابه ونقاباته وجمعياته، وتتحرر إرادة المجتمع المدني من ارتهانها لبقايا نظام، يحاول التكيف وأقلمة عناصره للاستمرار بالإمساك بمفاصل السلطة، وتوظيفها كما في السابق، ضد الشعب والمجتمع وطبقاته الفقيرة والمُفقرة.

في كل الأحوال.. تحمل بوادر التغيير التونسي رسالة واضحة، إلى كل من يهمه الأمر من أنظمة سياسية مماثلة، حاولت وتحاول إجهاض الحركات الشعبية والجماهيرية في بلدانها بالتراجع عن قرارات وإجراءات اقتصادية كانت اتخذتها، أو هي في سبيلها إلى إقرارها، ناسية أو متناسية أن التحركات الاحتجاجية الجماهيرية القائمة والمتواصلة اليوم وفي الغد، سوف تتعدى أهدافها تلك المطالب الاقتصادية أو الاجتماعية، إلى أهداف سياسية وحقوقية وقانونية، في محاولة لفرض عقد اجتماعي جديد، تُصان فيه كرامة المواطن، بدل مواصلة الأنظمة الحاكمة إهدارها، عبر سياسات غير شعبية وبمعية موظفين سلطويين انفصلوا عن مواطنيهم، بفعل فجور فاضح مثلته الهيمنة على الثروة والسطوة السلطوية، و"بحر البحبوحة" الذي صنعته أنظمة الاستبداد لتغرق فيه أدواتها وصنائعها، بكل ما يحمله هؤلاء من مسلكيات استفزازية للمواطنين العاديين البسطاء المُفقرين، حتى بتنا أمام لوحة طبقية متجددة، تندغم فيها أسباب الثورة الاجتماعية، مع أسباب الانتفاض الشعبي من أجل الحريات السياسية والتحولات الديموقراطية.

وإذ نشهد اليوم لسقوط رأس النظام الطاغية، بينما لم يسقط نظامه بعد، فلأن الغرب لم يستطع مواصلة دعمه مالياً واقتصادياً، بفعل الأزمة العالمية المتحركة، ولكن المتدحرجة باتجاه العجز عن إيفاء متطلبات التعافي الاقتصادي والمالي عولمياً، وقد تواصل ترتيب خسائرها على مستوى الدول التابعة والصديقة للغرب. على أن انهيارات القوى والأنظمة المحلية قد تتتابع، وإن بأشكال وأدوات مختلفة، على أن مآلاتها قد لا تختلف عن المآل التونسي، العالق اليوم بين براثن نظام يحاول الدفاع عن جذوره، للإبقاء على مصالح طبقية لم ترحل مع حُماتها من استبداديي النظام الفردي والعائلي.

وهذا تحديداً ما يحتّم الحذر من غدر قوى النظام الكامنة، واستعادتها زمام المبادرة مرة أخرى في وجه أو في وجوه جديدة، تُعيد مسيرة ومسار النظام، وتحافظ عليه من عثرات الانتفاض الشعبي غير المنظم، في غياب قيادات ديموقراطية تاريخية مجربة ومقبولة شعبياً وجماهيرياً. لهذا فإن تونس اليوم أمام محنة تغيير قد لا يكتمل، حينها تكون الجماهير التونسية أمام غدر وقح وخيانة لآمالها وطموحاتها بالتغيير الكامل، حين تكتشف أن النظام التونسي يُعاد إنتاجه على صورة النظام ذاته الذي يتصور بعضهم البعض أنه قد سقط، فكما أعاد بن علي إنتاج نظام بورقيبة، من المؤكد أن هناك من يعمل على إعادة إنتاج النظام ذاته؛ ولو بدون بن علي. فهل هناك من يتّعظ؟

==========================

احتدام الصراع في لبنان وعلى لبنان

رضوان السيد

الشرق الاوسط

28-1-2011

عندما قال رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي في فضائية لبنانية إنه السني الأول، ولا يحتاج إسلامه إلى شهادة من أحد؛ كان بذلك يرد على بيان «مجلس المفتين» الذي اعتبر مجيء شخص غير سعد الحريري لرئاسة الحكومة خروجا على الإجماع الإسلامي، وقهرا لأهل السنة، واستلابا لقرارهم. ورد عليه النائب نهاد المشنوق بأن الانتخابات الأخيرة أثبتت أن السني الأول يبقى حتى إشعار آخر سعد الحريري، وبالتالي فإن السنة ما جاءوا به، والدليل على ذلك ما قاله الأمين العام لحزب الله مساء الأحد الماضي على التلفزيون من أنه استدعى الرئيس عمر كرامي فشكا من التقدم في السن والمرض، فاستقر رأيه على نجيب ميقاتي!

لقد كان المقصود من هذه السطور التقديمية، إلقاء الضوء على ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين، واللذين أديا إلى تنحية سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، ومعه تياره ومناصروه، ولصالح الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي، الذي أوضحت كل المعلومات أن السوريين جاءوا به، وأن حزب الله والجنرال عون قبلا به بعد أن التقياه سرا، وأن وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري لعبا الدور الظاهر في هذه العملية، واستفادا منها بالداخل وتجاه سورية، وهو البرنامج الإقصائي الذي أراد ميقاتي الإيهام بأنّ العرب والأتراك راضيان عنه، وهو أمرٌ غير صحيح، كما أكّد هؤلاء جميعاً. وهكذا اجتمعت عوامل محلية، وأخرى سورية، أدت من جهة إلى تنحية التيار الرئيسي بل الوحيد لدى المسلمين السنة عن رئاسة الحكومة، واستطرادا بقية قوى 14 آذار، لصالح الطرفين الرئيسيين المتضررين من وجود الرئيس الحريري، ومن قبله الرئيس السنيورة في رئاسة الحكومة. والطرفان المتضرران كما اتضح من تجاذبات الشهور الأخيرة: حزب الله وسورية، أو سورية وحزب الله.

إن الخلاف الناشب مع سورية وحزب الله وحلفائهما في لبنان، لا يتناول المحكمة وحسب؛ بل يتناول طبيعة العلاقات التي ينبغي أن تقوم بين لبنان وسورية، كما يتناول سلاح حزب الله. ويتناول أيضا مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسورية.

وعلى أي حال، وبعد شهور من الأخذ والرد، وانقطاع العلاقات بين سعد الحريري والرئيس السوري، أعلن السعوديون عن الانسحاب من مبادرة الوساطة، فبدأت سورية تعمل في ظل هذا الانكشاف - مع الحزب - على التخلص من سعد الحريري، والمجيء بشخصية سنية تقبل بما رفضه الحريري، ورفضه تياره، ورفضته قوى 14 آذار. ولسبب أو آخر ما، وجد الطرفان (النظام السوري، وحزب الله) أن الرئيس كرامي يستطيع تحقيق مطالبهم. ثم إنه لا علاقة له بأي أطراف دولية يمكن أن تساعد في فرضه. وفي ذلك الوقت، كان السوريون والحزب وفي الواجهة الجنرال عون، قد أسقطوا حكومة الحريري بالاستقالات، وانتقلوا لاستقبال الوساطات وبلورة الإخراج، فطلبوا من رئيس الجمهورية تأجيل الاستشارات بعد أن كانوا قد طالبوا بالإسراع فيها - لأنّ الأكثرية كانت ما تزال مع الحريري - وجاء الوسيطان التركي والقطري إلى بيروت بعد سورية، فأبلغوا في المكانين أن هناك فيتو على شخص الرئيس الحريري. ولذلك آثر التركي الانسحاب، ونصح القطري الأسد بعدم الإقدام على هذا الأمر، لأنّ ذلك يعني خلافاً مع السعودية لسنوات، وزيادة للنفوذ الإيراني. وفي ذلك الوقت أيضا، كان ميقاتي قد استدعي وطلب إليه السعي إلى الحصول على تغطية أو تغطيات، فاتصل بكل الأطراف، كما فعل في المرة الأولى على أثر استشهاد الرئيس الحريري. يومها كان تيري رود لارسن المبعوث الدولي، وبعض السفراء، هم الذين نظموا العملية له وسط الرضا السوري، في الوقت الذي كان فيه الرئيس السوري يخرج قواته من لبنان في ظل صخب مظاهرات قوى 14 آذار. أما هذه المرة، فإنّ السوريين وبعض الفرنسيين أوردوا عدة اعتبارات؛ أولها أن الأزمة اللبنانية لن تنحل الآن، والمطلوب إدارتها بطرائق تتجنب التوتر المتصاعد وسفك الدم؛ وثانيها أنه لا بد من إشراك سورية في الإدارة بسبب موقعها المتوسط والأقرب لإيران، ووجود مشتركات بينها وبين حزب الله في الملفات المطروحة؛ بحيث يكون لها اهتمام وتأمين للاستقرار مؤقتا من جهة، مقابل استعادة بعض النفوذ، واستمرار العلاقة المتجددة مع أميركا والغرب على مشارف عام 2011، الحافل بالأخطار. وثالثها أن ميقاتي شخصية مالية، لا تثير مخاوف القطاع البنكي في لبنان، وربما في الأوساط المالية الغربية في الشهور الأولى على الأقل؛ وهكذا يبقى الاستقرار المالي، وربما الاستقرار الإداري بالدولة، لأمد لن يطول على أي حال، وتطويه الأحداث. لكنه في الأمد القصير مفيد لسورية وحزب الله أيضا وكل الهدف أو الأهداف التي يسعى إليها. وهذا سبب مطالبة الأمين العام للحزب بإعطاء ميقاتي «فرصة». وقد عنى بذلك التسليم الداخلي به، أما لناحية إسرائيل فهو كفيل بها كما قال، لأنه لا الحكومة السابقة (الحريري) ولا الحكومة القادمة (ميقاتي) لها أي جهد ضد إسرائيل. وإنما «الأمر الاستراتيجي» شراكة - كما ورد في بيان حكومة سعد الحريري - بين الشعب (والحزب هو الشعب كله!)، والجيش (وقد كان قائده يزور سورية يوم إسقاط حكومة سعد الحريري)، والمقاومة (والأمين العام للحزب هو الموضوع هنا أيضا).

وعلى مشارف إجراء الاستشارات للمرة الثانية، كان الأمر قد ترتب تماما. وقد انصب الجهد على «طمأنة» بعض قوى 14 آذار أنهم إن ظلوا «مؤدبين» فقد لا يجري الفتك بهم سياسيا أو ما هو أكثر من ذلك؛ باستثناء سمير جعجع الذي قالوا إنهم لن «يعفوا» عنه أبدا! وكانت المفاجأة خروج جمهور أهل السنة إلى الشارع في هبة لا تشكل دعما لسعد الحريري وحملة على ميقاتي؛ بقدر ما تعني أنهم لن يقبلوا العودة إلى ما قبل عام 2005 حين كانت سورية تشكل الحكومات، وتحدد رؤساءها ووزراءها.

إن الذي لا شك فيه الآن أن سورية حققت الاختراق الأكبر منذ خروجها من لبنان عام 2005. وأن قوى 14 آذار، وخاصة تيار المستقبل، تلقت ضربة جديدة في سياق الضربات التي بدأت بحرب مخيم نهر البارد في صيف عام 2007. وأن لبنان خطا لأول مرة خطوة متوسطة السعة باتجاه المحور الإيراني - السوري، شأن ما حدث ويحدث بالعراق وغزة. وكالعادة كانت هذه البلدان العربية مخيرة دائما (بما فيها سورية) بين الحرب الأهلية أو الانضمام إلى المعسكر الجهادي (ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يزعمون!). ويذهب سياسيون وإعلاميون لبنانيون (وبينهم بالطبع رئيس الحكومة المكلف) إلى أن كل هذه المسائل عبارة عن مبالغات لا يجوز السير فيها؛ فالنظام اللبناني قوي وما استطاع أحد تغييره خلال العقود الماضية. ولا غبار على هذا التأمل أو الأمل.

لكن النظام اللبناني مكشوف الآن، ويعتقد الذين كانوا مسيطرين عليه من قبل أن المطلوب وحسب إزالة الحريري الكبير وآثاره. بيد أنّ الحزب والإيرانيين يزداد نفوذهم في كلّ مرةٍ تصارع فيها سورية لتزعُّم أهل السنة والمسيحيين في لبنان. على أنّ هذا يعني من جهةٍ ثانية، أنّ السوريين نسُوا ردَّ الفعل لحَدَث العام 2005، وعادوا إلى الأمل أن تحتاج إليهم الولايات المتحدة، وأن تُجري صفقةً معهم: «والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون».

==========================

العالم العربي يدخل التاريخ من جديد

الجمعة, 28 يناير 2011

روجر أوين *

الحياة

نادراً ما تؤدي اضطرابات شعبية إلى سقوط مفاجئ لنظام قائم، كما حصل لنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. فهذا الحدث تصح مقارنته بمجموعة الأحداث البارزة التي تبقى في الذاكرة، مثل رحيل ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو عام 1989 بعد أن تحلّى الشعب بشجاعة كبيرة ليثور عليه. إلا أن تشاوشيسكو لم ينجح، على عكس بن علي، بأن ينجو بنفسه من خلال الرحيل عن البلد في الوقت المناسب إلى جانب أعضاء مقربين من عائلته ومع كمية كبيرة من الأموال التي جناها بطريقة غير شرعية.

ويبدو صعباً معرفة إلى أين سيؤدي ذلك كلّه. وأذكر أنني توجهت إلى أصدقائي الإيرانيين الذين كانوا يحتفلون برحيل الشاه في شهر شباط (فبراير) 1989 بالقول إن الاحتفال تلك الليلة يعدّ أمراً حكيماً لأن أحداً لا يعرف ما الذي سيحصل غداً. ويشير التاريخ إلى إنّ الثورات الشعبية لا تتوقف عند حدّ الحواجز وحرق الباستيل، بل إن لها حياة تستمر وقد تكون هذه الحياة دامية أحياناً.

لكن، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل أقله في حالة تونس. فيملك التونسيون من جهة دستوراً يضع آلية محدّدة لعملية انتقال السلطة ولإعادة إحياء الحياة السياسية من خلال الانتخابات التي تشارك فيها مختلف الأحزاب على رغم الخلل الذي يشوب هذا الدستور. وتعتبر تونس من جهة أخرى محظوظة لأن فيها عدداً من السياسيين المحنّكين الذين برزوا في بداية عهد بن علي، حين كان لا يزال ممكناً بروز معارضة منظّمة، وقد حافظت على برامجها وممارساتها منذ ذلك الوقت على رغم أن معظم أعضائها متواجدون في المنفى. وعلى خلاف بعض البلدان العربية الأخرى، لا تزال المؤسسات التي كانت ناشطة مثل الاتحاد العمالي والجامعات إلى حدّ معيّن موجودة، ناهيك عن مصادر قوة الموارد المهمة في تونس، بما في ذلك قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي واقتصادها المتنوّع والمنفتح على الخارج.

وبعد أن حكم رئيس تونس على مدى 23 سنة وبذل كل ما بوسعه حتى يقنع العالم الخارجي بتوخيه الديمقراطية على غرار ما يحصل في عدد كبير من البلدان العربية المجاورة، بوسع هذا البلد اليوم أن يتطلع إلى التمتع بالفوائد المهمة التي يوفرها الانتماء إلى مجموعة مؤثرة من الدول تضمّ الدول الديمقراطية الغربية، التي لا تزال تقدم أرقى مثال في العالم عن التقدم الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي. كما يمكن أن يردّ هذا البلد في حال حالفه الحظ على كلّ من يقول إن إسرائيل هي المثال الوحيد على الديموقراطية في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، وعلى كل الأشخاص الذين يعتبرون العالم العربي منطقة شاذة تغيب فيها الآراء والأفكار والممارسات التي تميّز سائر العالم المتحضّر، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الرؤساء الاستبداديين الذين يبقون في الحكم مدى الحياة.

وثمة طريقة تفكير أخرى حول ما حصل للتو على المستوى النفسي هذه المرة. وفي خلال الزيارة الأخيرة التي قمتُ بها إلى تونس، استوقفتني مشاعر الخجل والغضب المكبوت التي عبّر عنها الشباب الذين التقيتهم. فهم يشعرون بالخجل لأنه تحكمهم عائلة فاسدة تعمل دوماً على تعزيز قبضتها على السلطة مدى الحياة، ويعتريهم الغضب لأنهم لم يكونوا قادرين على القيام بأي شيء حيال ذلك ولا يحظون حتى بفرصة للتذمر. وذكّرني ذلك بالمراحل الكئيبة والوجوه الخائبة التي رأيتها في اليونان عام 1967 عقب انقلاب الكولونيلات، ما يدلّ على شعب أبيّ تعرّض للإهانة على يد حكام جائرين بدت أعمالهم مخالفة للثقافة السياسية الشعبية ولماضي البلد العريق.

وكانت كل من اليونان في ذلك الوقت وتونس إلى اليوم تحظى بمراقب حكيم واحد وُصف على أنه عجز في «الكرامة». وبات السؤال يدور حول كيفية كسر الشعور بالخوف والإهانة هذا.

لكن من الذي توقع أن يقوم شاب بإشعال الشرارة وأن يكون وقعها كافياً لإبقاء الاحتجاج على مستوى الوطن لفترة كافية من الوقت، مما منع الجيش من إطلاق النار على مواطنيه، وحوّل أعضاء من نخبة قوات الشرطة إلى مجموعة من قطاع الطرق مستعدين في أي لحظة لإطلاق النار عشوائياً؟

ما يميّز ما حصل في تونس هو أنه على خلاف العراق، جاء التحرر من الديكتاتورية على يد الشعب وليس نتيجة اجتياح عسكري واحتلال بقيادة الأميركيين. وبواقعية يمكن أن يفخر التونسيون بأنهم حرّروا أنفسهم. كما بوسعهم عملياً العودة إلى الأسس المتينة التي قام على أساسها بلدهم بعد أن حاز استقلاله. فلا شك في أن الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس كان ديكتاتوراً. لكن إذا ما قارنا إرثه بإرث خلفه، فيبدو إرثه متوهجاً. فقد ساهم في إنشاء مجتمع متجانس يضم رجالاً ونساء مثقفين يتمتعون بكفاءات صناعية وريادية مهمّة وبقدرة على جذب الاستثمار الخارجي من المصادر العامة والخاصة.

يحظى التونسيون حالياً بفرصة تتمثل في استخدام الحاجة إلى وضع دستور جديد بعد عهد بن علي من اجل إطلاق نقاشات واسعة حول شكل جديد من الحكم في العالم العربي، يتمتع فيه الرئيس بسلطات محددة ويحظى برئيس للوزراء يعيّنه برلمان منتخب كما يحصل تقريباً في لبنان وفي العراق اليوم. وبوسع ذلك إلى جانب الإجراءات المماثلة إطلاق ما يسمى بتأثير التظاهر المعاكس، حيث لا تنتقل الدول العربية نحو نظام من الرؤساء الاستبداديين يحكمون مدى الحياة كما حصل في السنوات الأربعين الماضية، بل نحو أشكال متعددة من السلطة السياسية القائمة على مجموعة من الضوابط والتوازنات الرقابية التي تعتمد على مجموعة متنوعة من الآليات المؤسساتية بما فيها القضاء المستقل والرأي العام الحيوي. ويبدو أنّ الحلم الذي روّج له الخارج، لا سيما أميركا وحلفاؤها عام 1991 و2003 بات ممكناً تحقيقه نتيجة شجاعة شعوب العالم العربي وحيويتها.

* كاتب بريطاني - جامعة هارفارد

==========================

فما دهاكم حتى تصموا صديقكم السابق 'بالمستبد'؟

إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا

القدس العربي

2011-01-26

من بين الدروس التي يجب على جميع العرب الغيورين على تثبيت الحرية والديمقراطية في وطنهم أن يستخلصوها من الثورة الشعبية في تونس أن الدول الغربية عامة والاتحاد الأوروبي خاصة لن تفعل الكثير من أجل إنجاح جهود الجماعات والأفراد الذين يجاهدون، بنوايا نزيهة وقلوب مفتوحة، في سبيل إسقاط أنظمتهم القمعية السقيمة، وإنما العكس هو الصحيح لاسيما إذا كانت هذه الأنظمة قد أوكل إليها صون المصالح الغربية الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية في المنطقة العربية.

إن المرء يندى له الجبين وهو يتابع سلسلة المواقف المترددة والمتحفظة التي صدرت عن المسؤولين الأوروبيين منذ اندلاع أحداث العنف في جمهورية تونس منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي فلم نسمع واحدا منهم سواء أكان من ممثلي الاتحاد الأوروبي الرئيسيين أو من زعماء الدول الأعضاء ووزرائها يرفع صوته عاليا للتعبير عن وقوف المؤسسة السياسية الأوروبية إلى جانب كفاح الشعب التونسي. ولم تأت التصريحات الداعمة إلا متأخرة وبعد أن تأكد لبروكسيل والعواصم الأخرى أفول نجم الرئيس بن علي. وأكثر من أي حكومة أخرى، تميزت الفرنسية بموقفها 'المتفاهم' مع رد فعل السلطات التونسية على التمرد الجماهيري بل ذهب بها الأمر بعيدا لغاية التشاور أمنيا مع المخابرات التونسية وإسداء النصح لها للقضاء على 'أعمال الشغب'. فلقد انكبت الجرائد الفرنسية وفي مقدمتها 'لوموند' على كشف التواطؤ السافر لحكومة باريس مع النظام التونسي عندما كانت الأزمة في أوجها، ويظهر أن المؤامرة المخابراتية تضمنت أيضا إقحام القاعدة في اللعبة الدعائية والصيد في مياه الإرهاب الدولي العكرة كمحاولة زائدة لتجريد الحركة الشعبية من شرعيتها. ولم يتخل الرئيس ساركوزي وأعوانه عن الحذر الإعلامي الشديد في العلن والعمل على مساعدة بن علي في الخفاء إلا عقب هروب الأخير المذل. في تلك اللحظة فقط أسرع الزعيم الفرنسي وحاشيته إلى 'ركوب عربة النصر' والتغني بإنجازات الجمهور التونسي والدعوة إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي وكل الكلام المعهود في مثل هذه المناسبات عن 'فتح صفحة جديدة' و'سيادة دولة القانون' و'احترام مطالب المواطنين' وهلم جرا.

وما ينطبق على الزعيم الفرنسي من رياء ونفاق إزاء الانتفاضة التونسية (وحتى عبارة 'الانتفاضة' استخدمتها أكثرية الدوائر السياسية والإعلامية بنوع من النفور بسبب دلالاتها 'الفلسطينوية') ينطبق أيضا على نظرائه الأوروبيين بدءا بالرئيس الإسباني رودريغيز زاباتيرو ومرورا بالإيطالي سيلفيو برلسكوني (وتعتبر إيطاليا وإسبانيا هما الدولتان الأوروبيتان الأكثر تقربا إلى نظام بن علي بعد فرنسا) وانتهاء بالمسؤولة عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي آشتون. ولقد عودنا الممثلون الأوروبيون خلال الأعوام القليلة الماضية على الإشادة بـ'إنجازات' تونس التي تؤهلها للتحول إلى شريك متقدم (متميز) ومعدلات النمو الجيدة فيها وأدائها الحسن في مجال مواجهة الأزمة المالية العالمية. لقد عزا أولو الأمور الأوروبيون تجنب اللوم على الحكومة التونسية في الأسابيع الأولى من الأزمة إلى الحذر وعدم توفر المعلومات العادلة عما كان يحدث، ولكنهم لم يجدوا غضاضة في شهر كانون الاول (ديسمبر) 2010 نفسه في شجب أعمال تجاوزات قوات الأمن في بيلاروسيا في أعقاب الانتخابات (المزورة على حد قول المعارضة) التي فاز بها الرئيس لوكاشينكو أو قبلها وبما يزيد عن سنة واحدة بشأن اضطهاد أنصار المعارضة السياسية في إيران إثر انتصار أحمد الدين نجاد بالانتخابات الرئاسية، علما بأن المعلومات القليلة أو الكثيرة التي تسربت إلى القارة الأوروبية من بيلاروسيا أو إيران كانت هي الأخرى مضطربة وغامضة وغير واضحة في كثير من الأحيان.

فلا يكاد المرء يراجع الأخبار والتحقيقات التي نشرت في غضون الخمس سنوات الأخيرة حتى يفاجأ بالقدر الهائل من المواقف والأفعال الأوروبية المحبذة لـ'صديقنا' بن علي. على سبيل الذكر وليس الحصر، تراودنا تصريحات وزير الخارجية الإسباني ميغيل آنخيل موراتينوس حين رجا تحول تونس إلى الشريك المتقدم مثلما جرى مع المغرب في العام 2008. وكان الوزير نفسه قد تباهى بمستوى العلاقات الثنائية الرائعة بين البلدين خلال زيارة قام بها في 2009، أي التباهي نفسه تقريبا الذي طالما تشدق به سائر المسؤولين الأوروبيين. ولقد انتقلت العدوى على ما يبدو إلى زعماء من أمريكا اللاتينية كالرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز ووزير الخارجية البرازيلي ثيلسو آموريم (اختارته مجلة أمريكية أفضل وزير للخارجية في العالم' في 2010) وقد سافرا إلى تونس بين 2008 و2009. ولكنهما معذوران بحكم البعد الجغرافي وقلة الترابط الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين القارة الأمريكية والمغرب العربي كما أنهما لم يحطا رحالهما في المنطقة لتلقين الدروس حول الديمقراطية وقيم أوروبا الإنسانية وإنما للحديث عن التعاون الثنائي.

أجل، كان بن علي يعده الكل في أوروبا صديقا عظيما يستحق الثناء والتقدير لما 'حققه من تقدم على صعيد النمو الاقتصادي' واستتباب الأمن في منطقة دائمة الاضطراب كالمغرب العربي فضلا عن حسن تعاونه في ميدان مكافحة 'إلإسلام المتطرف'. والحق يقال إن ذلك النمو الاقتصادي المفترض لم يكن في الأساس إلا جزءا من الدعاية التبريرية للآلية الأوروبية لكي تسوغ ارتباطه ببن علي. المعجم الاقتصادي الخاص بالاتحاد الأوروبي مليء بالمجاز والكناية ولذا فإن المسؤول الأوروبي إذا ربت على الشريك التونسي أو المغربي أو الجزائري منوها بتحقيقاته الاقتصادية فإنه يريد أن يقول في الواقع: 'شكرا لك على فتح الأسواق أمام بضائعنا وإلغاء الرسوم الجمركية وتسهيل استثماراتنا ومعاملة شركاتنا بطريقة تفضيلية وتوظيف اليد العاملة الرخيصة في مشاريعنا الإنتاجية الخارجية وإعادة توجيه قطاعاتكم الصناعية والزراعية وحتى السياحية بما يفيد خططنا الإنمائية...' فمن هنا بدأت خطط الشراكة بين بروكسيل وحوض المتوسط كما رسمتها مسيرة برشلونة في 1995 وهو الأمر الذي يفسر اهتمام الاتحاد الأوروبي الشديد باتفاقيات التعاون وتوطيد العلاقة مع نخب سياسية واقتصادية 'متفهمة' تدرك الأولويات الأوروبية بل تقدمها بلا أي حرج على أولويات شعوبها. وما دامت الحكومات الحليفة تؤدي مهامها في مجال الحد من الهجرة غير القانونية وتسهيل أنشطة الشركات الأوروبية (ما يسمونه 'تحرير السوق') وترويض البعبع الإسلامي فإن العصابات الحاكمة الجمهورية منها والملكية متاح لها الصول والجول في كل ما يحلو لها.

الأسوأ أن الحجج الرسمية المتخذة لتبرير التعاون مع حكومات لم تبلغ 'مستوى مقبولا من التطور الديمقراطي'' ترتكز في الغالب إلى مقولة 'الشر الذي لا بد منه'. ليس من الغريب أن تكون معظم الجرائد الأوروبية ومعها الدوائر السياسية قد أمعنت النظر، منذ نشوب أحداث العنف الأولى في كل من الجزائر وتونس، في الصور الملتقطة والتقارير الصحافية المرسلة عن التظاهرات وذلك للتنقيب عن الملتحين (آباء اللحية). كما تنفس معظمهم الصعداء عندما تأكد لهم (أو هكذا بدا لهم على الأقل) غياب التيار الإسلامي عن قيادة التمرد الجماهيري في تونس. ولم تخل الساحة ممن عبر عن سعادته لقدرة الشعب العربي على إسقاط دكتاتور فاسد دون اللجوء إلى الإسلام السياسي. وبصرف النظر عن مدى مساهمة التيار الإسلامي في الانتفاضة التونسية فإن القضية بالنسبة لهؤلاء الديمقراطيين الأصلاء لا تكمن في الاتجاه الفكري للمواطن العربي أو هل التيار الإسلامي يحق له المشاركة السياسية إن كان مدعوما ديمقراطيا من الناس وإنما العنصر الرئيسي هو تنمية الاقتصاد الأوروبي واستثماراته وإقصاء أي جهة قد تعرقل هذا الهدف الأساسي، ولا يهم هل الجهة المعنية مؤمنة بالديمقراطية أم لا.

المؤسف كل الأسف أن تلك المجتمعات الأوروبية المثقفة التي يفترض أنها حسنة الاطلاع على ما يجري في البلدان المجاورة متمسكة بأفكار مسبقة إزاء الواقع السياسي في العالم العربي. لا يمكن لاحد أن يدعي الآن وخصوصا في فرنسا أنه لم يكن يدري حجم الفساد في تونس وبشاعة المخابرات والقوات الأمنية وتألق جماعة بن علي في تزوير الانتخابات والاستفتاءات (آخرها في 2009 عندما فاز بن علي مجددا بالرئاسة بنسبة خيالية مضحكة). لقد اضطرت المعارضة التونسية العلمانية والإسلامية منها على حد سواء إلى الاستقرار في الدول الأوروبية هربا من بطش النظام حيث تسنى لها إفادة الرأي العام الأوروبي بحقيقة ما كان يجري في البلاد. ثم لدينا تقارير منظمة العفو الدولية والكثير من الهيئات الحقوقية العالمية، ثم التحقيقات الصحافية عن قرصنة 'العائلات السبع' أو الثماني أو التسع من أمثال الشبوب والطرابلسي والمبروك والجري، أي الرجالات الذين انضموا إلى عائلة بن علي بحكم أواصر القربى والذين استفادوا في الغالب من خطط تخصيص شركات القطاع العام وإحكام السيطرة على المجالات الاقتصادية الإستراتيجية كالهاتف المنقول والبناء والسياحة وصناعة الأنسجة وغيرها. لقد آن الأوان للتعامل مع الحقائق كما هي: إذا كنا راضين عن تآمر حكامنا الأوروبيين مع الملوك والرؤساء العرب المستبدين فنحن في حل من الشعارات الرنانة والحذلقة ('محاربة الإرهاب، ضرورة الاعتبارات الأمنية، الاستقرار الإقليمي...'). دعونا بالتالي عن الموعظة الديمقراطية وهاتوا الوقاحة: مستلزمات الهيمنة الاقتصادية هي التي تملي علينا التحالف مع قيادات انتهازية فاسدة تحرم رعاياها من العيش الكريم من أجل إملاء جيوبها وجيوب شركاتنا.

إن النفاق الرسمي الأوروبي طفح كيل الصلف والصفاقة ونخشى أن لا تكون علامات التعاطف المتأخرة مع الحركة الشعبية التونسية سوى محاولة متجددة للإبقاء على الماضي ولكن بطرق مختلفة. نقصد إنقاذ ما تيسر من النظام السابق وإعادة المياه إلى مجراها الطبيعي بعد إدخال كمية مقبولة من التعديلات والتجميل. ونخشى أكثر ما نخشاه أن تكون هذه الحكومات الأوروبية المقززة قد أجرت بالفعل اتصالات سرية مع عدد من الأنظمة العربية المهددة بموجة جديدة من السخط الجماهيري من أجل 'إرشادها' والحيلولة دون سقوطها السريع. إن التصريحات المخجلة التي أدلى بها المسؤولون الأوروبيون خلال الأسابيع الماضية، وكذلك ثناؤهم على الزعماء العرب المفسدين 'الأصدقاء' مغاربة كانوا أم مشارقة، لا تبين الانحطاط الأخلاقي للغرب وحسب(وحالة النفاق هذه تنسحب أيضا بطبيعة الحال على الولايات المتحدة) وإنما تبين تراجع دور الاتحاد الأوروبي السياسي في العالم. وفي ما يخص القضية التونسية بالذات فإن المحير أننا انتقلنا في لمحة البصر من الافتخار بصديقنا بن علي إلى التبرؤ منه. أو كما تساءل بطريقة إنشائية عضو في البرلمان الأوروبي بعيد' فصل حزب التجمع الدستوري التونسي من منظمة الاشتراكية الدولية: 'ألم نعلم حقا من كان بن علي'؟

'

 

' أستاذ التاريخ العربي المعاصر في قسم الدراسات العربية والإسلامية والدراسات الشرقية في جامعة أوتونما بمدريد. باحث متخصص في التحولات السياسية والديمقراطية في الدول العربية والعلاقات المعاصرة بين العالم الإسلامي والغرب. كتب عدة كتب باللغة الإسبانية حول العالم العربي والإسلامي منها 'الأوضاع المعيشية في العراق بعد الاحتلال'، 2006 و'الصومال: القبائل والإسلام والإرهاب الدولي'، 2007،' وترجم عددا من الأعمال الروائية العربية المعاصرة إلى اللغة الإسبانية وكذا من الإسبانية إلى العربية.

==========================

إفلاس بنك القمع العربي

د. عبدالوهاب الأفندي

2011-01-27

القدس العربي

(1) هنالك مقولة لعالم السياسة والرئيس السابق للجامعة الأمريكية في بيروت، جون واتربيري، يشبه فيها أجهزة قمع الدولة بالمصارف التي تظل فعالة ما دامت تحتفظ باحتياطي معتبر، وما لم يهجم كل المودعين على المصرف في نفس الوقت لسحب ودائعهم. عندها يتعرض المصرف لانهيار محتوم. وكذلك نظام القمع في الدولة، يظل فعالاً ما لم ينتشر تحدي الدولة ويصبح حالة عامة. فليس من الممكن لأي نظام أن يجند من الشرطة ما يكفي لقمع الملايين أو ينشىء من السجون ما يسع مئات الآلاف.

(2)

لهذا السبب فإن الأنظمة القمعية تعتمد على الإرهاب بمعناه الحقيقي، أي نشر الرعب والخوف بين الناس بحيث لا يجرؤ أحد على تحديها. ويتحقق هذا الغرض بالتنكيل بوحشية بعدد من المعارضين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ونشر الإشاعات عن القدرات الخارقة لأجهزة الأمن في التجسس والاطلاع على خبايا الناس، بحيث يفقد الناس الثقة في بعضهم البعض، ويخشون عواقب مصارحة الأقران وحتى أفراد العائلة بحقيقة مواقفهم من النظام. وبالتالي يتعذر التعاون بين المعارضين.

(3)

ولعلها مفارقة أن بعض قوى المعارضة قد تساعد الأنظمة القمعية في هذا الأمر، وذلك حين تنشر الشائعات والتقارير عن أساليب القمع وأصناف التعذيب التي تمارسها الأنظمة، وقدراتها الخارقة على التجسس، مما يعطي صدقية للقدرات القمعية لهذه الأنظمة ويعطيها حجماً أكبر من حجمها، فيرتعب المواطن العادي ويتخاذل عن تحدي السلطة.

(4)

يخلق هذا في معظم الحالات وضعاً يتم فيه 'استبطان' آليات القمع لدى المواطن، بحيث يصبح الفرد أداة رقابة ذاتية على نفسه، ومساهماً فعالاً في القمع الذاتي. بل إن كثيرين يتشربون دعاية تقديس الحاكم، ويصبحون بالفعل من محترفي طقوس عبادته، ويصابون بالرهبة أمامه وحتى أمام صورته وصوته. وقد يصدق هؤلاء الدعاية بأن هذا الحاكم لو ذهب فإن البلاد سوف تواجه خطر الانهيار. وقد يقع كثير من هؤلاء في خداع الذات وتبرير أوضاع البلاد المتدهورة بأن الحاكم غير مطلع بما فيه الكفاية على أحوالهم لأن من حوله يخدعونه.

(5)

بلغ خداع الذات هذا حالة إبداعية في أرض الكنانة، حيث تبيع النخبة الإعلامية نفسها الوهم بأن الحكومة المصرية وما يسمى بالحزب الحاكم يتمتعان بشيء من الاستقلال عن الرئيس، بحيث يكثر التوسل إلى الرئيس للتصدي لفساد الحزب أو قصور الحكومة، كأن أي فساد أو تقصير كان سيكون ممكناً بدون إذن سيادته. نفس الشيء يمكن أن يقال عن حال الأردن. حتى بعد أن تفجرت الأوضاع في مصر أخيراً، وظهر أن الشارع في مصر، كما كان الحال في تونس، يعرف تماماً من المسؤول عن حال مصر المتردي، نتابع في الصحافة من يتوسل إلى سيادة الرئيس للتدخل 'بعد أن سمع صوت الشعب'.

(6)

الأحداث الأخيرة في تونس ومصر كشفت عن حقيقة إفلاس مصارف القمع العربية وانهيارها الكامل. وهذا الإفلاس لم يقع اليوم ولا بالأمس، بل أصبح واقعاً معاشاً منذ عقود، وتحديداً منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، التي شهدت تطورات متلاحقة بدءاً من الطفرة النفطية والثورة الإيرانية واتفاقية كامب دايفيد والحرب الأهلية في لبنان وضرب الثورة الفلسطينية هناك. وقد وصلت هذه التطورات مداها مع حرب الكويت ثم اتفاقية أوسلو وعودة الاستعمار المباشر، حيث سقطت كل الأقنعة وأوراق التوت عن الأنظمة التي فقدت كل شرعية، حتى بمنطقها هي وأيديولوجياتها التي تنكرت لها.

(7)

لفترة طويلة لم تعد الأنظمة العربية تثير الرعب والرهبة عند المواطن العربي، وإنما تثير التقزز والاحتقار. لم يعد المواطنون يلعنون الأنظمة، بل أصبحوا يتخذونها مادة للتندر والسخرية. وإذا كان المواطنون لم يقرروا حتى اليوم الخروج إلى الشارع لاقتلاع الأنظمة من جذورها فذلك لأن الأنظمة لم تعد تثير عندهم سوى الشفقة، ولأن المصالح الذاتية لكثيرين، بمن فيهم زعماء المعارضة، تجعلهم يفضلون الانشغال بأمور وحسابات أخرى.

(8)

ولكن الأنظمة تصر إلى الدفع باتجاه تفجير الأوضاع حين تصل بممارساتها القمعية البلهاء إلى أبعاد تتجاوز كل الحدود، فتوصل الأمور إلى نقطة الانفجار. قد يكون ذلك قراراً برفع الأسعار وتوجيه صفعة مؤلمة من الطبقة المتخمة بالترف للمواطن الذي يصارع للبقاء، أو بحادثة اغتيال اعتباطية فجة، كما في اغتيال الحريري في لبنان، أو بدفع شاب للانتحار بقفل كل أسباب الحياة في وجهه كما حدث في تونس، أو بالقمع العنيف لمظاهرات الاحتجاج كما وقع ويقع في الجزائر وتونس ومصر وغيرها.

(9)

ولكن المؤكد أن الإفلاس الكامل لبنوك القمع العربية قد أعلن الآن، لأن كل المودعين يقفون بالصفوف أمام أبوابها التي ستغلق وشيكاً ويتم تسليم المفاتيح لأجهزة التصفية. بعض هذه البنوك القمعية كانت تتوهم أن لها احتياطيا خارجيا، وأن 'منقذين' سيهبون من الخارج لنجدتها، ولكن هذا وهم لأن القوى الأجنبية تدعم هذه الأنظمة ليس حباً فيها ولكن لاعتقادها بأنها قادرة على البقاء والخدمة. وهذا أيضاً مثل الوهم بأن لهذه الأنظمة مخزونا من القمع والتخويف، كما يظهر من إعلان وزارة الداخلية بأنها لن تسمح بمظاهرات جديدة، كأن المتظاهرين ينتظرون إذنها!

(10)

لا يوجد نظام قمعي في العالم يستطيع البقاء بقوة القمع وحدها، وإنما يعتمد بقاؤه على أوهام ضحاياه بعدم القدرة على التصدي له أو عدم رغبتهم في ذلك لأن لكل مصالحه وحساباته. وإلا فلو أن نصف مليون شخص من سكان مصر البالغ عددهم ثمانين مليوناً قرروا الخروج إلى الشارع ومواجهة النظام، أي سجون ستسعهم وأي قوة شرطة تستطيع صدهم؟ ويكفي أن نسأل: فأين هو الاتحاد السوفييتي اليوم؟ يبدو أن عام 1989 وصل إلى العالم العربي، متأخراً عشرين سنة.

==========================

زلزال سياسي واجتماعي في مصر.. وآلهة لا تفهم؟

خالد الشامي

2011-01-27

القدس العربي

هل اندلعت في مصر الانتفاضة التي طالما حذرنا وحذر المراقبون منها؟

لقد تحرك قطار التغيير ولا ريب، ولن تعود مصر ابدا كما كانت قبل 25 كانون الثاني/يناير، مهما حدث او لم يحدث، طال الزمن ام قصر قبل ان تتحق كل المطالب المعلنة لهذه الهبة التاريخية.

لقد قال الشعب المصري كلمته عالية واضحة، وانصت اليها التاريخ جيدا، كما فعل دائما، رغم التعتيم الاعلامي على الانتفاضة، الذي تعددت اسبابه وحساباته داخل مصر وخارجها.

اصدر هذا الشعب المكافح الاصيل حكمه بعد ان طال صمته، وظن البعض ان قدرته على الصبر ضعف واستكانة، او تصديق لحالة مرضية تسمى في علم النفس (الخنوع الجمعي) وهي التي تنتج عن العيش لزمن طويل تحت الحكم الديكتاتوري، واستشهد بها تقرير التنمية البشرية الخاص بالعالم العربي في العام 2004.

وليست هذه النظرية الوحيدة التي اثبتت الانتفاضة المصرية عدم دقتها، بل ليس من المبالغة القول ان اولئك الشباب والكهول الشيوخ والنساء، الذين تدفقوا كالغيث من كل حدب وصوب، وغالبيتهم الساحقة يخرجون في مظاهرة للمرة الاولى في حياتهم، اعادوا رسم الخريطة السياسية في مصر، وفرضوا اجندتهم الخاصة على النظام والمعارضة معا، عبرهتافاتهم التلقائية، وقدرتهم المدهشة على هدم جدار الرعب التاريخي في مواجهة ماكينة القمع الجبارة للحكم.

وليس هذا الصمت الرهيب الذي خيم على الساحة السياسية المصرية في ذلك اليوم التاريخي، باستثناء بيان من وزارة الداخلية في تأكيد جديد لمفهوم الدولة البوليسية، سوى انعكاس لمشاعر الذهول وعدم التصديق، التي تملكت المتحصنين في قصورهم والمتشبثين بمناصبهم لعقود ومن يدور في فلكهم من منافقين، بل ان قوى المعارضة نفسها، وقد اخذها التحرك الجماهيري على غرة، بدت لاهثة وهي تحاول صياغة مطالب ترتقي الى مستوى الانتفاضة. وقد اعرب عدد من المتظاهرين انفسهم عن دهشتهم من حجم التحرك وصلابته، وهم يرون عشرات الالاف يخرجون في مدينة صغيرة، بالمقاييس المصرية، كالمحلة الكبرى.

انه زلزال اجتماعي وثقافي بقدر ما هو سياسي، يفتح صفحة جديدة في علاقة المواطن المصري التاريخية والمعقدة مع الفرعون. ويخطأ بعض 'الخبراء الجدد' في الشأن المصري عندما يقارنون انتفاضة 25 يناير بانتفاضة 18 و19 يناير في العام 1977، التي اسماها الرئيس الراحل انور االسادات 'انتفاضة الحرامية'، حيث ان تلك الانتفاضة ارتبطت بحدث معين هو رفع جزئي للدعم الحكومي عن بعض السلع الرئيسية، وانتهت بتحقيق هدفها، عندما تراجع السادات عن قراراته خاضعا لشرط الجيش للنزول الى الشوارع لاستعادة النظام. اما هذه الانتفاضة فقد تحدثت للمرة الاولى في التاريخ عن ضرورة رحيل الفرعون نفسه، بل وتغيير النظام، كما جاء في الهتاف الذي كان الاكثر شيوعا في ميدان التحرير، مساء الثلاثاء، الا وهو (الشعب يريد تغيير النظام)، فليس مقبولا ان يرحل شخص وتبقى 'جوقة التوريث والفساد' التي اوصلت البلاد لهذا الانفجار. ومن هنا فاننا امام انتفاضة غير مسبوقة في حجمها وطبيعتها ومطالبها في التاريخ المصري، حديثه وقديمه معا.

وليس السؤال ان كان الحكام الذين حولهم طول البقاء في السلطة والصلاحيات المطلقة الى اشباه الهة، قد تبلغوا الرسالة، ولكن ان كانوا فهموها بما يكفي ليجنبوا انفسهم والبلاد السيناريو التونسي؟

ورغم ان مصر مازالت 'في غرفة الولادة' وليس واضحا الى اي مدى ستذهب هذه الانتفاضة في اعادة تكوين المشهد السياسي، الا انها نجحت بالفعل في خلق حقائق جديدة على الارض بينها.

اصبح ضروريا على كافة مكونات النظام السياسي، اعادة النظر في استراتيجيته، ليحجز مكانا في هذه الرمال المتحركة، ثم يضبط ايقاعه على الدينامية الجديدة التي خلقتها الانتفاضة. ولا يستثنى من ذلك احد سواء في المعارضة او الحكم.

ان الحديث حول ان جماعة الاخوان هي اكبر قوى المعارضة، اصبح شيئا من الماضي بعد ان تحرك الساكنون وتكلم الساكتون، فتوارت العناوين السياسية، وتهمشت الكيانات التنظيمية على اختلاف احجامها واوزانها.

ان النظام في مصر، ليس انفعاليا مثل نظام بن علي، ومن غير المرجح ان يرتكب الاخطاء نفسها التي عجلت برحيل الرئيس التونسي، كاالمسارعة الى التخلي عن رموز الحكم، وسيعمل غالبا على احتواء الصدمة قبل ان يتخذ اجراءات متوازية على المسارين الامني والاقتصادي، لتخفيف الاحتجاجات حتى تهدأ تلقائيا، الا ان هذا لن يعفيه من الاجابة عن السؤال الصعب الذي تطرحه حول مستقبل الرئاسة، ولن يضمن له النجاح في مواجهة شارع اصبح خبيرا في خدع 'الالهة' ومماطلاتها.

ان رحيل الرئيس المصري، الذي هو قاعدة النظام، اصبح المطلب الجامع لهذه الانتفاضة والمكون الرئيسي لها منذ يومها الاول، ما يعني ان محاولة الالتفاف عليها باجراءات جزئية او فئوية، كعلاوات او تخفيضات في الاسعار لن تجدي.

ان قيام الانتفاضة بقيادة (الشارع) في مصر بعد تونس، يكرس ايضا نمطا ثوريا جديدا لا يحتاج الى قيادة تنظيمية، ويستند الى وسائل التنظيم التي يوفرها الاعلام الجديد، خاصة الفيس بوك، ما يقوض الجدل حول الاسماء والاشخاص، الذي طالما استهلك طاقات النخبة، واستفز خلافاتها من دون طائل.

ان المعارضة مطالبة بتوفير المعطيات اللازمة لهبوط آمن يجنب البلاد الوقوع في فراغ دستوري، ناهيك عن الفوضى التي اصبحت 'التعريف الرسمي' الذي اقره النظام لهذه الانتفاضة.

ان اهمية التغيير المرتقب في مصر لخصه دبلوماسي امريكي عندما اشار الى 'ان السياسية الامريكية في الشرق الاوسط ترتكز على النظام المصري خلال الاربعين عاما الماضية'، وهو ما يبرز الفارق عن التغيير في تونس، رغم اهميته. وليس من المبالغة القول ان تغييرا ديمقراطيا حقيقيا في مصر قد يفتح الباب امام سلسلة تغييرات اقليمية قد تعيد رسم الشرق الاوسط.

ان الولايات المتحدة ابدت تمسكها بمصر كحليف استراتيجي، الا انها بدت اقل حرصا على مصير النظام الحاكم، الذي بدا التمسك به في هكذا اجواء نوعا من الانتحار السياسي.

وفي حال استمر النظام في اصراره على اعتبار الانتفاضة 'فوضى' فان السؤال ليس ان كان التغيير سيحدث، لكن متى وبأي ثمن.

' كاتب من اسرة 'القدس العربي'

==========================

أيام الغضب المصري: الشباب تكلم، والنظام لم يفهم

ميدل ايست أونلاين

بقلم: فرانسوا باسيلي

الأحداث أسرع من الأفكار، الشباب أسبق من الكبار، وهذه دائماً سمة الثورة والثوار.

مصر ليس فقط تتحدث عن نفسها، مصر تحرر نفسها، شبابها الغاضب يجدد كالنسر نفسه، شبابها البهي يعيد لنا الأمل، يمتشق نخل مصر ويرفعه معلنا رفضه للقمع والزيف والفساد يغسل أيديه في النيل النبيل الذي شاهد أجداده يبنون أول حضارة على الأرض لكي ينهل منه قوة وعزماً.

شباب مصر وقلبها الناصع المضيء خرج من أسره وأطلق رسالة سامية عالية ولكن النظام الكهل الذي فقد مع طول البقاء سمعه وبصره وذاكرته لم يسمع ولم ير ولم يفهم.

الانقياء الشرفاء في مصر كثيرون، كان القليل منهم يرفعون اصواتهم منذ عقود، حتى قامت حركة كفاية في 2005 فكسرت حاجز الخوف وكان لها شرف أنها أول من إمتلك شجاعة قول "لا للتمديد ولا للتوريث"، وبعد خمس سنوات خرج الشباب الذي كان يردد هذا على صفحات ألفيس بوك لكي يعلن طلبه في شوارع مصر التي أصبحت عشوائية ملوثة مهشمة قبيحة عبر ثلاثين عاماً من الاهمال والتجاهل والنهب المنظم.

الشرفاء كثيرون: تحية لإعلامي الشعب والبسطاء محمود سعد الذي رفض أن يقدم برنامجا مزيفاً ثاني يوم ثورة الشباب كما أراد له رؤساؤه تحت ضغوط النظام وفضل أن يجلس في بيته. تحية إلى الإعلامية القديرة منى الشاذلي التي افتتحت برنامجها في نفس الليلة بحديث شجاع تؤيد فيه زميلها ومنافسها الأول معلنة استعدادها هي الأخرى للبقاء في البيت إذا استمر النظام في الضغط عليها.

تحية للإعلام المستقل الذي وقف موقفاً مشرفاً في تعاطفه مع الشعب ورفضه لن يكون أداة في يد النظام مثل صحف النظام المسماة زيفاً بالقومية وهي في الواقع صحف الرئاسة، ألم نرَ فضيحة جريدة الأهرام التي زيفت صورة للرئيس مبارك لتجعله يتصدر موكب يتضمن الرئيس الأميركي اوباما، ثم يدافع رئيس تحرير الأهرام عن هذه السقطة المهنية المخجلة بدلاً من أن يعتذر عنها، مما يدل أن هذه الصحف قد فقدت القدرة على الخجل، وهى سمة عامة لهذا النظام كله، فهو نظام يعامل الشعب المصري بإزدراء وإحتقار واستهانة بالغة العجرفة والصلافة، وإنتخابات مجلس الشعب الأخيرة مثال على ذلك، والاستهتار بمشاعر الشباب في جريمة مقتل الشاب الشهيد خالد سعيد الذي لم يعاقب مقترفها مثل آخر، وعدم محاسبة أي انسان عن أي جرم أو فساد أو خطأ هو القاعدة، فكلنا شاهدنا الفيديو الذي يظهر فيه رجل يزور بطاقات الانتخاب فلماذا لم يحاكم هذا المزور رغم أن صورته على اليوتيوب؟ الاجابة التي لابد سيخرج بها الناس هو أن النظام يحتقرهم ويهين وكرامتهم ولا يعمل لهم حسابا.

ولكن المفرح أن في مصر اليوم صحفاً مستقلة محترمة مثل الشروق والمصري اليوم واليوم السابع ودستور إبراهيم عيسى تؤدي رسالتها الاعلامية بمهنية ومصداقية عالية، لذلك فهناك حملة بالايميل لمقاطعة صحف النظام العتيقة المنافقة حتى تموت موتاً سريرياً ينتهي بدفنها.

تحية للصحفي القدير مجدي الجلاد الذي كان أول من يعترض على إختفاء الحكومة بعد يومين من المظاهرات، وتحية إلى اللواء المتقاعد الذي إتصل ببرنامج العاشرة مساء ليقول: أين الحكومة؟ وكيف تترك الأمن وحده ولا يطلع أحد من المسؤولين ليناقش الشباب ويستمع إلى طلباتهم؟ تحية إلى السياسي الوطني أسامة الغزالي حرب الذي قال في نفس البرنامج أن المطلب الأساسي اليوم هو أن يعلن الرئيس مبارك أنه لن يرشح نفسه في نوفمبر وأنه لا يحبذ أن يترشح إبنة جمال أيضا.

المشكلة لم تكن أبداً قلة الشرفاء والمخلصين في مصر، المشكلة كانت وما تزال هي في نظام ترهل وفشل ولكنه لا يريد أن يتقاعد مثل كل خلق الله ليفتح المجال للشباب وليعطي غيره الفرصة لإنجاز ما فشل هو في تحقيقه عبر ثلاثة عقود.

وقد استمر غياب الحكومة عن مواجهة مسيرات الشعب الغاضب، سوى بالمواجهة الأمنية، ثلاثة أيام حتى كتابة هذا المقال، مما دفع البعض للمطالبة باقالتها، ويبدو أنها ستكون في النهاية كبش الفداء الممكن التضحية به لحماية بقاء النظام، وكأن النظام كان غائبا عن الوعي طوال الست سنوات التي كانت تحكم فيها مجموعة رجال الأعمال هذه، فلم يخطر بباله أن يغيرها، إن محاولات التستر على النظام والقول أن "الوسطاء" بينه وبين الشعب - أي الوزراء - هم المسؤلون عن عدم تحقيق رغبة الرئيس في الانحياز إلى الفقراء هو إستمرار في أسلوب إهانة وإحتقار ذكاء الشعب المصري، فلماذا لم يقيلهم الرئيس بعد عامين أو ثلاثة من عدم تحقيقهم لهذا الانحياز المزمع وتركهم ست سنوات كاملة؟

الانحياز للشعب في مطالبه المشروعة - حرية، كرامة، عدالة إجتماعية - وهي هتافات المظاهرات- والتغيير السياسي الأساسي: "الشعب يريد تغيير النظام" أيضاً كما طالبت الهتافات، بدءًا من عدم التمديد والتوريث وحل مجلس الشعب والحزب الوطني الذي اسس من فوق وبذلك فهو يفتقد الشرعية، وتغيير الدستور لضمان تكوين احزاب شرعية مع منع خلط الدين بالسياسة، بما يضع مصر على طريق الديمقراطية الحقيقية، هو الموقف الوطني الذي سيسجله التاريخ لمن يعلنه ويعمل به، وهو ما يستحقه بجدارة ذلك الشباب المصري الجميل الراقي الذي خرج منذ الثلاثاء الماضي ليؤكد أنه حي وقادر وساهر ففاجأ الأموات على كراسيهم الذين طال احتقارهم له واستكبارهم عليه، وإلى ألان لا يبدو أنهم فهموا شيئا. واسلمي يا مصر.

==========================

الاندبندنت: يوم الحساب في مصر

آخر تحديث:  الجمعة، 28 يناير/ كانون الثاني، 2011

الصحف البريطانية الصادرة صباح الجمعة اهتمت بشكل واسع بالتطورات في مصر وتصاعد حدة التوتر قبل ساعات من خروج قوى المعارضة والشباب المصري في تظاهرات للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس المصري حسني مبارك.

مصادمات في مصر

أسفرت الاشتباكات عن سقوط 5 قتلى واعتقال ألف متظاهر

صحيفة الاندبندنت نشرت على صفحتها الرئيسية مقالا للكاتب روبرت فيسك تحت عنوان " يوم الحساب في مصر" وعرضت صورة كبيرة للأدوات التي تستخدمها قوات مكافحة الشغب لقمع المتظاهرين.

موضوعات ذات صلة

* مصر

يطرح الكاتب في بداية المقال تساؤلا " يوم الجمعة هل هو يوم للصلاة أم يوم الغضب"؟ ويقول فيسك إن مصر بأكملها في انتظار ما سيسفر عنه هذا اليوم فضلا عن حلفائها الغربيين بعد ليال من العنف هزت ثقة الولايات المتحدة في نظام الرئيس مبارك "الطاعن في السن" الذي يتمسك بالسلطة.

وذكرت الصحيفة أنه حتى الآن قتل خمسة أشخاص خلال الاشتباكات مع الشرطة المصرية كما تم اعتقال ألف شخص واعتدت الشرطة بالضرب على النساء ولأول مرة تم إشعال النار في مقر للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

وأضافت أن هناك الكثير من الشائعات تتردد وسط هذه الأجواء ما بين تقارير عن فرار أحد مستشاري مبارك إلى لندن ومعه 97 حقيبة مليئة بالنقود وتقارير أخرى تتحدث عن غضب الرئيس من كبار ضباط الأمن وتوجيههم بعدم التعامل بقسوة مع المتظاهرين.

ويقول فيسك إن محمد البرادعي زعيم المعارضة والحائز على جائزة نوبل والمسؤول السابق في الأمم المتحدة سابقا عاد إلى مصر مساء الخميس ولكن لا أحد يعتقد ، ربما باستثناء الامريكيين ، أنه سيكون محورا لحركات الاحتجاج التي انتشرت في شتى أنحاء البلاد.

وأشارت الصحيفة إلى أن المتظاهرين الغاضبين طلبوا من أفراد الشرطة المنتشرين في البلاد الانضمام إليهم وأن هؤلاء المتظاهرين يرفضون التفاوض ولهم مطلب واحد هو أن يغادر مبارك البلاد.

وأضاف الكاتب أن البعض يتحدث عن ثورة في مصر ، ولكن ليس هناك من يحل محل رجال مبارك فهو نفسه لم يعين نائبا له مشيرا إلى حديث أجراه مع صحفي مصري ذكر خلاله الصحفى أنه يشعر بالأسى تجاه مبارك الذي يعيش في وحدة وعزلة.

ويرى الكاتب أن الحكومة المصرية تختبيء وراء القوة الغاشمة لأجهزة الأمن وأنها عاجزة أمام ثورة البشر وثورة التكنولوجيا وتبادل المعلومات على صفحات الانترنت.

ووفقا للكاتب فإن النظام المصري ورط نفسه في عدة مشاكل أهمها عدم وجود القائد البديل بعد أن عمد النظام إلى طمس وإبعاد أي شخص يملك الشخصية القيادية واعتقال وحبس النشطاء.

ويضيف أن الولايات المتحدة ودول الغرب تطالب الحكومة بالاستماع لمطالب المتظاهرين ولكن من هؤلاء ومن قائدهم ،هم المواطنين الذين عانوا على مدار عقود من الذل والقهر.

إصلاح ليس ثورة

صحيفة الديلى تلجراف تناولت الموضوع أيضا ونشرت مقالا تحليليا تحت عنوان " مصر تحتاج إلى إصلاح وليس ثورة".

قوات الأمن

الدول الغربية طالبت الحكومة المصرية بعدم قمع المظاهرات

وتقول الصحيفة إن تصريحات وزير الخارجية البريطاني وليام هيج زادت من الضغوط الدولية التي تمارسها الدول الغربية على الحكومة المصرية بضرورة التحلي بضبط النفس في تعاملها مع المظاهرات الغاضبة ضد حكم الرئيس مبارك.

ونقلت الصحيفة عن هيج مطالبته للحكومة المصرية بضرورة " الاستماع إلى المتظاهرين وضمان حرية التعبير والتجمع" وهي الدعوة التي جاءت بعد دعوات مماثلة من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى تشعر بالقلق إزاء الاجراءات القمعية التي تقوم بها قوات الأمن تجاه الاحتجاجات التي تعد الأكبر منذ ثلاثة عقود.

وذكرت التلجراف أن ارتفاع البطالة والغلاء وازدياد موجة الاستياء من الحكم القمعي للرئيس مبارك كانت من الأسباب الرئيسية التي دفعت الآلاف من المصريين إلى النزول الى الشوارع للتعبير عن غضبهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن كثير من منظمي الاحتجاجات من الشباب المتعلمين من الطبقة المتوسطة الذين شعروا بالاحباط لانعدام الفرصة المتاحة لهم في بلد خضع لقانون الطوارئ منذ اغتيال الرئيس السابق أنور السادات في عام 1981.

وأضافت أنه بدلا من أن تقوم الحكومة بالاستماع لمطالب المحتجين شنت حملات اعتقال جماعي، والآن هي متهمة بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت التي يستخدمها منظمو الاحتجاجات لتنسيق حملاتهم.

وحذرت من أن نظام مبارك يمكن أن يكون مصيره الفناء مثلما أطاحت الاحتجاجات في تونس بنظام الرئيس زين العابدين بن علي إذا ما أصرت الحكومة على تحدي إرادة الشعب المصري.

تحديات

الجارديان تناولت أيضا التطورات في مصر وقالت إن الرئيس مبارك يواجه الآن تحديات على عدة جبهات مع خروج الآلاف للمشاركة في أكبر احتجاجات تشهدها مصر منذ عقود والتي سيشارك فيها أحد أكبر منتقدي مبارك وهو محمد البرادعي الذي دعا صراحة إلى "نظام جديد" بديلا لنظام مبارك.

البرادعي

البرادعي طالب الرئيس مبارك بالرحيل

وأَضافت الصحيفة أنه مما يضاعف من تأزم الموقف لمبارك الذي حكم البلاد على مدار ثلاثة عقود هو إعلان جماعة الإخوان المسلمين مشاركتها في الاحتجاجات.

ونقلت الصحيفة عن البرادعي قوله لدى وصوله إلى القاهرة وسط إجراءات أمنية مشددة " هذه لحظة حرجة في تاريخ مصر ولهذا حضرت لمشاركة الشعب هذه اللحظة".

ووفقا للجارديان فإن حواجز أمنية ورجال جهاز أمن الدولة منعوا الجماهير من استقبال البرادعي ولكن ذلك لم يمنعهم عند رؤيته من الصياح " نريدك معنا غدا يا دكتور".

ونقلت الصحيفة أيضا عن شاب مصري يعمل طبيب أسنان ويدعى شريف قوله " نحن مصريون ومن واجبنا استقبال البرادعي الذي نريده أن يقودنا إلى التغيير الذي نسعى إليه".

ورفض شريف الانتقادات التي وجهت للبراعي لتأخره في الانضمام للاحتجاجات قائلا " هذا ليس دوره أن يحتج، نحن من نخرج إلى الشارع للاحتجاجات ونريده فقط أن يكون قائدا لنا ورمزا لما بعد، وهو ما نفتقده الآن".

حاجز الخوف

الفاينانشيال تايمز ركزت في مقالها الذي تصدر صفحتها الرئيسية تحت عنوان " زيادة الضغوط على مبارك" على وصول البرادعي إلى مصر ونقلت عنه قوله " إن حاجز الخوف انكسر ولن يعود مرة أخرى".

وذكرت الصحيفة أن البرادعي كان من المقرر أن يعقد اجتماعات مع زعماء وقادة القوى السياسية المعارضة للإعداد إلى رد سياسي على نظام الرئيس حسني مبارك.

وتناولت الصحيفة أيضا تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الأوضاع في مصر والتي أضوح فيها أن " الإصلاحات السياسية ضرورية بشكل مطلق" من أجل مصر على المدى البعيد.

ونقلت الصحيفة أيضا عن عبد الجليل مصطفى المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير التي يقودها البرادعي قوله إن المعارضة حددت مطالبها وهي انهاء حكم الرئيس مبارك وحل البرلمان وتشكيل حكومة انتقالية.

وأشارت الفاينانشيال تايمز إلى أن الأوضاع في مصر أثرت على البورصة المصرية التي سجل مؤشرها أكبر انخفاض له منذ عامين مع زعزعة ثقة المستثمرين في استقرار نظام الرئيس مبارك.

==========================

مراسل الغارديان يروي تجربته مع الاعتقال في مصر

محطة أخبار سورية

خصصت الغارديان مساحة كبيرة لتغطية اليوم الثاني من المظاهرات الحاشدة التي شهدتها القاهرة بالأمس، وأبرزت الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والشرطة، وقيام السلطات بإغلاق مواقع الميديا الاجتماعية الشهيرة مثل تويتر.. غير أن الصحيفة ركزت بشكل أكبر على التجربة القاسية التي خاضها مراسلها في القاهرة، جاك شينكر والتي تعرض فيها للضرب والاعتقال والسحل هو ومجموعة أخري من المتظاهرين.

يقول شينيكر في تقريره حول هذا الأمر إن الأجواء في الشوارع المحيطة بميدان عبد المنعم رياض قد تغيرت، فاختلط الهواء بالغاز المسيل للدموع، وكان الآلاف من الناس يجرون خروجاً من ميدان التحرير، وعاد عدة مئات منهم وتجمعوا مرة أخري، وحاول عدة متظاهرين الهجوم علي شاحنة للشرطة مهجورة، وأشعلوا فيها النيران، فاتجهت قوات الشرطة نحوهم، وكان المراسل من بينهم.

ثم يمضي شينكر في القول إنه تمكن من الهروب إلي أحد الشوارع التي بدا أنها آمنة، فوجد مجموعة من الشباب في ثياب مدنية يجرون في اتجاهه، وقام اثنان منهم بلكمه وطرحه علي الأرض، وتم جره من الشال الذي كان يضعه علي عنقه نحو صفوف قوات الشرطة المتقدمة.

وكان الخاطفون، كما يروي المراسل، أقوياء البنية ويرتدون سترات جلدية، وفشلت كل المحاولات لإخبارهم بالعربية والإنجليزية أنه صحفي دولي وردوا عليه باللكمات والصفعات، ومن حوله تلقي مجموعة من المتظاهرين المعزولين نفس المعاملة الوحشية وعانوا من الاختناق من الغاز المسيل للدموع.

ويؤكد شينكر أنها عندما قابل أحد الضباط الكبار، وقال له إنه صحفي بريطاني، فسبه وسب بريطانيا بألفاظ غير لائقة.

وبعد أن تم الاستيلاء علي هواتفهم ومتعلقاتهم، تم وضعهم في شاحنة سيئة التهوية، وروي بعضهم الاعتقال والمعاملة الوحشية والضرب الذي تعرض له، ونجحوا في تمرير أحد الهواتف المحمولة التي تمكنوا من إخفائها عن الشرطة لطمأنة ذويهم.

ويشير شينكر إلي أنه من بين من اعتقل معه نور ابن زعيم حزب الغد أيمن نور، وعندما أخبرته قوات الشرطة بأنه مطلق السراح رفض قبل أن يتم الإفراج عن جميع زملائه.. وهو ما حدث بعد فترة بفضل الاتصالات التي أجراه والدي نور.

ويشير المراسل إلي أن سوء التهوية في الشاحنة تسبب في اختناق العديد من المعتقلين معه بل وإغماء أحدهم الذي كان مصاباً بمرض السكري، وتم نقله إلي المستشفي بعد الإفراج عنه.

وخصصت صحيفة الاندبندت إحدي افتتاحيتها للتعليق علي المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مصر علي مدي اليومين الماضيين، وقالت تحت عنوان "مصر علي عتبة التغيير" إنه منذ اليوم الذي رضخ فيه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للأمر الواقع وهرب من وطنه إلي المنفي في السعودية، لم يقتصر السؤال أبدا علي ما الذي سيحدث في تونس، ولكن هل ستكون الانتفاضة الشعبية هناك حافزاً لحالة من الاستياء في أماكن أخري.. ورغم أنه لم يمر أكثر من أسبوعين علي الإطاحة برئيس تونس، لكن هناك بدايات للإجابة تظهر من الجزائر والأردن ولكن أكثرها بلاغة وتحدياً في مصر.

واعتبرت الصحيفة أن المظاهرات التي شهدتها مصر منذ يوم الثلاثاء لم يكن لها مثيل من حيث حجمها والمطالب السياسية العلنية التي عبرت عنها، كما أنها لم تكن مقصورة علي القاهرة، بل كانت هناك مظاهرات في مدن أخري بما فيها مدن الدلتا وأسيوط، والسويس التي سقط فيها قتلي.. ومثل المظاهرات التي شهدتها تونس، فإن الاحتجاجات في مصر جمعت الكثير من الاهتمامات والكثير من أوجه الغضب.. فأغلب المتظاهرين كانوا من الذكور والشباب، وكانت تحركاتهم منسقة بالإنترنت والهواتف المحمولة.

وأشارت الافتتاحية إلي أن رد السلطات في مصر علي هذه المظاهرات لم يختلف عن رد أي نظام قمعي يواجه تهديداً، فانتشرت قوات الشرطة وتم حظر مزيد من الاحتجاجات.. ورغم أن نتائج هذه المظاهرات لم تتجل بعد، إلا أن الأمر المؤكد الذي لا يمكن تغييره، هو أن تابو تحدي حكم مبارك قد تم كسره، وأن الرسالة القادمة من تونس تم تلقيها بشكل واضح من قبل المجتمع المصري.

وختمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة إن مصر، ذلك البلد المعتز بنفسه رغم ما يواجه من مشكلات يتجه نحو التغيير.. ولم يعد هذا الأمر يقتصر علي دول شمال أفريقيا وحدها، بل كل الشرق الأوسط وخارجه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ