ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 26/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

وزيرة ساركوزي.. وازدواجية المعايير

اخوان اون لاين 23/01/2011

بقلم: جمال تاج الدين*

الموقف الفرنسي المخزي وغير الأخلاقي من قضية الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية على أهلنا في غزة يثير في النفس شجونًا وأحزانًا كبيرة، ولعل تصريح السيدة ميشال إليو ماري وزيرة الخارجية الفرنسية أثناء زيارتها الأخيرة للمنطقة أصدق تعبير على انحطاط السياسة الفرنسية تجاه قضايا المنطقة، وبالذات قضية فلسطين.

ففي الوقت الذي يعتقل فيه الكيان الصهيوني في سجونه أكثر من 8 آلاف من الفلسطينيين- عدد غير قليل منهم من النساء والأطفال- لسنوات طويلة، وسط أوضاع ومعاملة لا إنسانية تتنافى مع قواعد القانون الدولي والإنساني؛ تخرج علينا السيدة إليو ماري بتصريح شاذ يعبِّر عن ازدواجية مقيتة للمعايير واختلال في الموازين، فتقول: "إن حماس ترتكب جريمة حرب لاستمرارها في احتجاز شاليط!!"، ولم تحرك آلاف الأسرى من الفلسطينيين في سجون الاحتلال مشاعر السيدة إليو المرهفة التي لم تتذكر إلا الجندي المرتزق من أصل فرنسي جلعاد شاليط، فتتهم حماس بارتكابها جريمة حرب باحتجازه، أما آلاف الأسرى في السجون الصهيونية فهم من سقط المتاع في نظر الوزيرة الفرنسية، يحق لحكومة السفاحين الصهيونية أن تفعل بهم ما تشاء.

والموقف الفرنسي المنحاز للكيان الصهيوني بشأن القضية الفلسطينية ليس جديدًا بل قديم وموغل في الانحياز للكيان الصهيوني، ولعلنا نتذكر ما قرره الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2009م وقبل الاعتداء الإجرامي الصهيوني على غزه بأيام قليلة من دعم العلاقات وتعزيزها بين الكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي؛ فقد كان هذا التوجه بإيعاز من الرئاسة الفرنسية التي حاولت اعتماد هذا التوجه قبل قمة البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها اضطرت إلى التراجع نظرًا لتصلب بعض الأنظمة العربية.

بل إن بعض الشركاء الأوروبيين كبريطانيا وبلجيكا دعتا إلى إعادة التوازن في علاقة الاتحاد بالكيان الصهيوني، بل فقد ذهب بعض المراقبين إلى أن تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والكيان قد أعطى الأخير فيما يبدو الضوء الأخضر للعملية الإجرامية في قطاع غزة التي ارتكب فيها الصهاينة كل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وقتلوا المئات من الأطفال والنساء باستخدام أسلحة محرمة دوليًّا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وهي أسلحة لا يجوز استخدامها ضد العسكريين، ناهيك عن المدنيين، ولم يصدر عن الرئاسة الفرنسية آنذاك ولا السيدة إليو ماري أي تصريحٍ يتهم الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب أو إدانتها.

ولعلنا نؤكد هذا التحول الدرامتيكي في السياسة الفرنسية من تصريحٍ جاء على لسان وزيرة

الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني، خلال زيارتها لباريس في 1 مارس 2006م حين قالت إنه قد حان الوقت بالنسبة لـ"إسرائيل" أن تحرك الأمور فيما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا، فمواقف الفرنسيين أصبحت أفضل، ولعل هناك أسباب أربعة قد تكون أسهمت في تحول السياسة الفرنسية في نظر بعض المراقبين:

أولاً: رغبة فرنسا في الاقتراب من الولايات المتحدة من البوابة الصهيونية.

ثانيًا: ما يمكن أن نسميه تعبًا تجاه القضية الفلسطينية.

وثالثًا: أنه يوجد اعتقاد أن الغربيين يواجهون مثل الكيان الصهيوني عدوًّا واحدًا هو الإسلام.

وأخيرًا: الرغبة بنيل حظوة أو رضا لدى الجالية اليهودية (مع أنها لا تمثل سوى أقلية في فرنسا).

وقد كان لوصول ساركوزي للإليزيه في مايو 2007م سرعة لاتخاذ موقف منحاز تمامًا للكيان الصهيوني، فقد رفض التنديد بالاحتلال، بل إن هذ المصطلح وفقًا للمراقبين قد اختفى من مفردات الدبلوماسية الفرنسية الموغلة في الانحياز للكيان الغاصب لفلسطين، بل إن هذا الساركوزي وافق على سياسة الحصار غير الأخلاقي وغير الإنساني على غزة، ومقاطعة حماس رمز الشرعية الفلسطينية في غزة.

وفي أثناء مناقشة مجلس الأمن لاعتماد قرار بوقف إطلاق النار إبَّان حرب غزة؛ فإن فرنسا التي كانت ترأس المجلس آنذاك، حاولت الاعتراض على نص القرار مفضلة بيانًا بسيطًا، وحين وجدت نفسها معزولة لم تجد بدًّا من التصويت لصالح القرار.

إن مواقف الحكومة الفرنسية المنحازة للكيان الصهيوني لا تحتاج منا كثير عناء لإثباتها، وقد كان يتعين على السيدة إليو ماري التي التقت أسرة جلعاد شاليط المرتزق والمغتصب أن تعد للقاء مع أسر آلاف الأسرى في السجون الصهيونية وبحكومة حماس التي جاءت بانتخابات حرة نزيهة؛ إن كانت تدرك معنى حقوق الإنسان إلا إذا كانت تعتقد أن المقصود بالإنسان

هو المواطن الصهيوني فقط.. وعلى ما يبدو أن هذه هي قناعتها.

------------

* الأمين العام للجنة الحريات بالنقابة العامة للمحامين

==========================

زلة فرنسية... في الانتفاضة التونسية

كيم ويلشر - باريس

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

"إم. تي. سي. إنترناشيونال"

تاريخ النشر: الثلاثاء 25 يناير 2011

الاتحاد

هل أفل أخيراً نجم الدبلوماسية الفرنسية؟ فبعد مضي أسبوع واحد على هروب الرئيس التونسي المخلوع إلى منفاه، اعترفت فرنسا بخطأ سياساتها إزاء حركة المظاهرات الشعبية التي أدت للإطاحة بنظام أتوقراطي مستبد واصل حكمه لتونس بدعم فرنسي طوال فترة الثلاثة وعشرين عاماً الماضية. وعليه فقد نظر البعض إلى فشل الحكومة الفرنسية في قراءة الاتجاه الذي كانت تسير فيه الأزمة السياسية المتسارعة المتصاعدة، بما في ذلك العرض الذي قدمته باريس بتحسين صورة بن علي ودعمه دبلوماسيّاً قبل ثلاثة أيام فقط من الإطاحة به، على أنه محرج لأمة أوروبية طالما تباهت بقدراتها الدبلوماسية المنقذة من الأزمات.

ومنذ تسلم ساركوزي لمهامه الرئاسية في عام 2007، أبدى حرصاً على أن يكون لبلاده وزن كبير ومؤثر على مسار الأحداث في المسرح الدولي. وخلال مدة قصيرة من تسلمه لمنصبه نجح في التأثير على كل من واشنطن وبكين وموسكو ونيودلهي. وفي عام 2008 أدى ساركوزي دور وساطة سلمية ناجحة بين روسيا وجورجيا لإنهاء النزاع المسلح بينهما في ذلك العام، ليعقب تلك الوساطة بقيادة ناجحة لمؤتمر قمة الدول المتوسطية التي شاركت فيها 43 دولة، وقد مُثل فيها كثير من الدول العربية المزعزعة.

غير أن كل ذلك لا يشفع لفرنسا ولا يصرف الأنظار عن ارتكابها لأخطاء كارثية فادحة في عدد من الدول التي احتلتها وحكمتها خلال الفترة الاستعمارية، من بينها تونس وهايتي وساحل العاج. وبموقفها وسياساتها الأخيرة إزاء الأزمة السياسية التي شهدتها تونس وأودت بنظام بن علي، أحيت باريس ذكريات تاريخية مريرة لها صلة بسوء إدارتها للموقف من أزمات سابقة في الجزائر -التي احتلتها واستعمرتها سابقاً- وكذلك رواندا التي اعترف فيها ساركوزي في العام الماضي بالأخطاء التي ارتكبتها بلاده بسوء تقييمها وقراءتها لاتجاه النزاع العرقي الذي شهدته قبل وأثناء حملة التطهير العرقي بين الهوتو والتوتسي التي راح ضحيتها مئات الآلاف من السكان في عام 1994.

وبما أن مثل هذه الأخطاء قد حدثت وتكررت من قبل فقد أثار الخطأ الفرنسي في قراءة الأزمة السياسية التونسية الأخيرة عدة تساؤلات جديدة بشأن فاعلية السياسات والتحركات الدبلوماسية على أرفع مستويات القيادة وصنع القرار في العاصمة الفرنسية. فعلى سبيل المثال، اعترف هنري جوينو -وهو من أبرز مستشاري ساركوزي وأحد المقربين منه- بأن من المحتمل أن تكون فرنسا قد أخطأت وزلت قدمها في تقييم تطورات الأوضاع السياسية الأخيرة في تونس. وأضاف "جوينو" قائلاً مؤخراً في تصريح للإذاعة الفرنسية: "ماذا كان علينا أن نفعل؟ فلم يكن في وسع أحد التنبؤ بالسرعة والتطورات الهائلة للأحداث في تونس، ولا بالنهايات التي وصلت إليها بما أحدثته من تغيير سياسي كامل هناك. ومهما يكن فإنه ليس مفترضاً في فرنسا أن تؤدي دور شرطي للدول والشعوب المتوسطية".

والحال أن باريس لم تتبنَّ موقفاً منحازاً إلى جانب الشعب التونسي إلا في اللحظات الأخيرة التي أرغم فيها حليفها بن علي على الفرار من البلاد، فأعلن ساركوزي رفضه منح الطاغية المخلوع حق اللجوء السياسي في فرنسا. وكان ذلك الرفض سابقاً بنحو 24 ساعة فحسب لورود كلمة "ديمقراطية" على لسان أي من المسؤولين الفرنسيين.

وتعليقاً على هذا الموقف، قال مسؤول فرنسي رفيع المستوى -امتنع عن ذكر اسمه- إن فرنسا كانت أكثر ميلاً لتجاهل التطورات الجارية في الشارع التونسي حينها، أو الاستهانة بها، تأسيساً على الاعتقاد بالقول المأثور: "إن طاغية تعرفه، خير لك من طاغية لا تعرفه" فيما يبدو. كما أن الدبلوماسية الفرنسية ظلت أكثر ميلاً منذ مدة طويلة إلى تغليب البراجماتية على المثالية في عملها وسياساتها. ولم تكن التطورات التي شهدتها تونس مؤخراً بمعزل عن هذا النهج، أو استثناء منه. وبالنظر إلى حساب المصالح العملية البراجماتية، التي يؤثر عليها وجود نحو 600 ألف تونسي من المهاجرين المقيمين في فرنسا، وكذلك استمرار تدفق السياحة الفرنسية المجزية التي تدر عائداً سنويّاً ضخماً يصل إلى ملايين الدولارات إلى الخزانة التونسية، فقد كان طبيعيّاً أن تتردد باريس كثيراً إزاء كل ما من شأنه زعزعة الأوضاع القائمة في تونس إبان رئاسة بن علي. ولم يخف ساركوزي ولا أي من الرؤساء الفرنسيين الذين سبقوه في قصر "الإليزيه" دعمهم لبن علي. فحتى شيراك، كان يرى أن الرئيس المخلوع بن علي قد حقق استقراراً سياسياً لبلاده.

غير أن دومينيك موزي -مستشار خاص بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية- يرى أن ما حدث في تونس مؤخراً يؤكد مجدداً سوء تعامل الدبلوماسية الفرنسية مع الأزمات والتغيرات السياسية الجذرية التي تحدث في بعض البلدان التي تربطها بها علاقات تاريخية. ويؤكد أن استجابة دبلوماسية باريس كانت هذه المرة في تونس بذات البطء الذي استجابت به لسقوط حائط برلين وانهيار المعسكر الاشتراكي في بدايات عقد التسعينيات. ويبدو أن دبلوماسية باريس عموماً أكثر انسجاماً وارتياحاً للتعامل مع الأوضاع القائمة، بل إن التغييرات التي تطرأ على هذه الأحداث تربكها وتفقدها بوصلتها التي تعينها على قراءة الاتجاه الصحيح الذي يجب أن تسير عليه سياساتها.

وبينما حاول بعض المسؤولين الحكوميين تبرير بطء الاستجابة الفرنسية للتطورات السياسية الأخيرة في تونس بالقول إن سياسات فرنسا الخارجية تقوم على البعد عن التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، رد عليهم المنتقدون بالضحك والسخرية من هذا الزعم قائلين: وماذا عن الأوامر التي وجهها ساركوزي لرئيس ساحل العاج السابق "لوران باجبو" بالتنحي عن السلطة إثر هزيمته انتخابيّاً، وإلا فستفرض عليه العقوبات الدولية؟ وتساءل المنتقدون: ألم تكن ساحل العاج دولة مستقلة ذات سيادة أيضاً؟

==========================

زلزال بمقياس ثورة شعبية       

آخر تحديث:الثلاثاء ,25/01/2011

محمد خالد

الخليج

أكبر حزب ثوري في التاريخ هو: الرغيف

( . . .)

في أوائل خمسينات القرن الماضي ألقى الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في قاعة “وست هول” في الجامعة الأمريكية في بيروت قصيدة رثاء رائعة بالراحل عبدالحميد كرامي، مطلعها:

باقٍ وأعمارُ الطغاة قِصارُ

من سِفْرِ مجدِكَ عاطرٌ مَوارُ

كانت القصيدة ملأى بالنقد الحاد للأوضاع العربية، فطلبت إدارة الأمن اللبناني من الشاعر مغادرة لبنان فوراً .

كالفِطْر ينبت الطغاة جماعة، ويسقطون فرادى .

في الأسبوع الماضي حصل في تونس زلزال بمقياس ثورة شعبية، وفي اليوم التالي لهروب الطاغية، أشرقت الشمس من “المغرب” .

في لمحة تلفزيونية ظهرت امرأة تونسية عجوز ترفع في يدها رغيفاً من الخبز، وقد ذكر هذا المنظر مئات الألوف من التونسيين نساء ورجالاً وأطفالاً . وهم يتظاهرون أيام الرئيس الحبيب بورقيبة عندما رفعت الحكومة الدعم عن الخبز والمواد الأولية، فقد حاصرت الجماهير دبابات الجيش التي نزلت إلى الشوارع، وهم يرفعون رغيف الخبز في وجه الدبابات حيث رفض الجيش قمع جماهير الشعب، فاضطر بورقيبة إلى إقالة وزير المالية ككبش فداء ونزولاً عند رغبة الشعب .

وخلال ربع قرن أثبت الشعب التونسي أن الرغيف منشور ثوري دخل كل البيوت .

* عهد الطغيان والطغاة

شريط الطغاة طويل، أقواهم ذئب في ثياب ذئب أوسطهم ذئب في ثياب حمل أضعفهم حَمَل في ثياب حمل .

بعضهم مات على الكرسي، البعض مات بالمنفى، بعضهم تم إعدامه، قلائل هم الذين انتحروا، المهم أن قائمة الانتظار تتناقص: باتيستا كوبا، موسوليني إيطاليا، تشومبي الكونغو، شاه إيران، بينوشيه تشيلي، نورييغا بناما، فرنكو إسبانيا، سالازار البرتغال، تشاوشيسكو رومانيا، سوهارتو إندونيسيا، عسكر الأرجنتين، منغستو إثيوبيا، ماركوس الفلبين، نميري السودان، صدام العراق .

مقابل الطاغية الصغير هناك الطاغية الديناصور، مثل هتلر ألمانيا، وستالين روسيا، فقد تسبب الواحد منهما بقتل عشرات الملايين من البشر عبر حروب خارجية أو قمع داخلي .

لقد ارتكب هتلر خطأ تاريخياً فادحاً، عندما كرر خطأ نابليون بمهاجمة روسيا، فقد غزاها نابليون بجيش يقارب نصف المليون، وعاد مهزوماً ومعه 40،000 جندي فقط، حيث قضى الشعب الروسي بقيادة الجنرال (ثلج) على تسعين في المئة من جيش نابليون، وبعد 125 سنة، ارتكب هتلر نفس الخطأ الأحمق، فخسر زهرة شباب الجيش الألماني، وبالتالي خسر الحرب العالمية الثانية .

الطاغية يمكن أن يكون لصّاً على شكل دولة مثل “إسرائيل” .

الطغيان يولد الظلم، ويعلم التاريخ أن للظلم مصيراً لونُه أسود، وأن زواله مرهون بتلك الحكمة التي تقول “إن دموع المظلومين، لو تجمعت، كافية لإغراق الطغاة” .

طغاة إفريقيا قبليون بدائيون، منهم من يأكل لحم الأطفال، ومنهم من يتلذذ بمضغ كبد أعدائه، مثل بوكاسا إفريقيا الوسطى .

كل طاغية دكتاتور، وحفنة طغاة تسببوا في موت ملايين البشر عبر التاريخ، وعندما احتل جنكيز خان مدينة أصفهان احتاج إلى سبعة أيام ليبني هرماً من الجماجم . كل دكتاتور مكروه ما عدا واحد مجهول خفيف الظل كان يملك حماراً يقضي به أشغاله وينقل بواسطته أحماله، وفي ذات يوم، حَرِن الحمار ورفض السير، ولم تفلح معه عصا صاحبه، ففكر الرجل في حيلة خفيفة الدم إذ استعمل عصاه وربط في طرفها حبلاً تتدلى منه جزرة، ثم ركب ظهر الحمار ومد العصا أمامه، فتحرك الحمار ومشى إلى الأمام ليحصل على الجزرة، وما زال الحمار يسير منذ آلاف السنين حتى الآن .

تحية لذلك الدكتاتور المسالم الذي حَكمَ حماراً .

* عودة إلى تونس

تنطلق الثورات الشعبية يصاحبها جدل حول أيهما أولاً: الخبز أم الحرية؟ شعب تونس أنجز الاثنين معاً كمطلب، وعليه أن ينجزهما كواقع . مأساة العرب في حكم الطاغيتين: عسكري يحمل رشاشاً ومتطرف يحمل مسبحة، وعلى كرسي الحكم تتعادل طقطقة المسابح مع طقطقة الرشاشات .

يكبر الطاغية الصغير بضعف خصومه، والخيط الجامع للغالبية العظمى من الطغاة المعاصرين أنهم أصدقاء أمريكا كي لا نقول غير ذلك، وأمريكا مستعدة لأن تتخلى عن هؤلاء في أي وقت تنتهي فيه صلاحيتهم، في العراق تخلت أمريكا عن الأكراد في عهد مصطفى البرازاني، عندما اتفق شاه إيران وصدام حسين وتركوا في العراء تحت مطرقة الأخير، وعندما استنجدوا بأمريكا صائحين: لماذا تخليتم عنا فنحن حلفاؤكم؟ أجاب كيسنجر: على الأكراد أن يعوا حقائق الحياة، إن أمريكا دولة عظمى لها مصالحها وليست جمعية خيرية .

ليت مسعود البرازاني يتذكر حسرة والده .

سئل رجل عجوز: ما رأيك في ما يحصل الآن؟

أجاب: لقد بدأنا العد التنازلي، سقط صنم تونس . . (اللي بَعْدو)

==========================

هل يستطيع ميقاتي؟

الثلاثاء, 25 يناير 2011

الياس حرفوش

الحياة

مهما قيل في أسباب التغيير الحكومي في لبنان، الذي ينتظر أن يؤدي إلى إبعاد الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة المقبلة، فالأكيد أن هناك سببين أساسيين وراء التغيير في هذا الظرف. وهذان السببان لا علاقة لأي منهما بما يزعمه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون عن حملة على «الفساد».

السبب الأول هو ارتباط هذا التغيير الحكومي برفض الحريري التجاوب مع مطلب إلغاء تعاون لبنان مع المحكمة الدولية، وما يستتبع ذلك من سحب القضاة اللبنانيين ووقف التمويل اللبناني وما إلى ذلك ... في الوقت الذي يتقدم عمل هذه المحكمة وصولاً إلى إعلان قرارها الاتهامي. ففي كل النقاشات التي أُعلن عنها في شأن ما كان يتم من تفاوض إقليمي حول شروط التسوية، كان واضحاً أن المطلب المتعلق بالمحكمة كان البند الأول في ورقة المعارضين، بقيادة «حزب الله»، وليس أي بند آخر.

السبب الثاني للتغيير الحكومي يعود إلى قدرة «حزب الله» على إسقاط الحكومة، التي كانت توصف بأنها حكومة توافق وطني، على رغم التفاهمات السابقة المتعلقة بتحصين هذه الحكومة، وأخصها الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الدوحة، والذي التزمت فيه المعارضة بعدم اللجوء إلى الثلث المعطل لإسقاط الحكومة، كما فعلت مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. (البند الثاني من اتفاق الدوحة: «تتعهد الأطراف بمقتضى هذا الاتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة»). ومعروف أن بنود هذا الاتفاق هي التي سهّلت ولادة حكومة الحريري ورسمت حدود رعايتها الإقليمية.

في الحالتين، سواء المتعلقة بالمحكمة أو بتحصين الحكومة، تم التراجع عن التعهدات السابقة التي أكد «حزب الله» من خلالها، ومن ورائه حلفاؤه، احترام الالتزامات اللبنانية المتعلقة بعمل المحكمة، وكذلك احترام تعهدات اتفاق الدوحة. البيان الوزاري لحكومة الحريري نص على الالتزام بالمحكمة وحصلت على ثقة المجلس النيابي على هذا الأساس، والأمر نفسه كان في ما يتعلق بالثلث المعطل. ولهذا السبب كانت حصة المعارضين عشرة وزراء فقط من اصل ثلاثين، قبل أن يتبين أن «الوديعة» الذي تُرك في يد رئيس الجمهورية مستعد أيضاً لترجيح كفة التعطيل، لمصلحة احد الأطراف، على كفة التوافق الذي كان يفترض أن يحكم قرارات الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية «التوافقي».

ما هو الاستنتاج من كل ذلك بالنسبة إلى مهمة رئيس الحكومة المقبل الذي بات مرجّحاً أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي؟

اول الاستنتاجات أن إسقاط المحكمة الدولية، ولا شيء سواه، بصرف النظر عمّا يقال غير ذلك، سوف يكون البند الأول في الالتزامات التي سوف تُطلب من الحكومة الجديدة. والسؤال: هل تستطيع حكومة يرأسها نجيب ميقاتي، في الظروف الحاضرة، أن تتصدى لمهمة من هذا النوع، وهي الآتية إلى الحكم على انقاض حكومة «ولي الدم» سعد الحريري؟ وهل في قدرة ميقاتي، على خلفية موقعه السياسي والاقتصادي، لبنانياً وخارجياً، أن يواجه ما يشبه الإجماع الدولي حول تحصين عمل هذه المحكمة، التي اقر نظام إنشائها تحت الفصل السابع، مع إدراكه لعواقب ذلك بالنسبة إلى موقع لبنان والتزاماته الدولية؟

أما الاستنتاج الثاني من الذي حصل في الأسبوعين الأخيرين، فيتعلق بالتساؤل عن قيمة الالتزامات والتعهدات المتبادلة بين أطراف النزاع في لبنان، في الوقت الذي تظل القدرة على تغيير هذه التفاهمات بالقوة هي التي تتحكم باللعبة السياسية؟ ما هي، مثلاً، قيمة التعهد بعدم التصرف بكيدية وبالالتزام بحكومة شراكة وطنية تتيح مكاناً للجميع، طالما أن مصلحة طرف واحد والوقوف إلى جانب هذه المصلحة هما اللذان باتا يحددان معايير الانتماء الوطني؟

==========================

جنوب السودان وسلبيات الانفصال

الثلاثاء, 25 يناير 2011

سيريل تاونسند *

الحياة

على رغم أن من غير المنتظر صدور النتائج النهائية للاستفتاء على انفصال جنوب السودان قبل بضعة أسابيع، يتوقّع عدد كبير من الأشخاص أن يكون أهل جنوب السودان قد صوتوا بغالبية كبيرة لمصلحة الانفصال عن الشمال. وعبّر البعض في المملكة المتحدة عن قلقه الجدي مما قد يحدث في جنوب السودان الجديد الذي يعدّ من بين الأماكن الأكثر فقراً على الكرة الأرضية.

ويبدو أن تفادي هذا الانفصال غير ممكن. فمنذ القرن الثامن الميلادي، اجتاحت القوى العربية والقوى العربية-الأفريقية شمال السودان واحتلته، فيما بقي الجنوب غير محتل. واليوم، تحوّلت كلّ من مدينتي الخرطوم وجوبا إلى مكانين مختلفين تماماً يضمان شعبين متباينين أيضاً.

وخلال الزيارات التي قمتُ بها إلى السودان، تلقيت شكاوى عدّة مفادها أنّ البريطانيين أخطأوا في الفصل ما بين الشمال والجنوب. فطالما أدرك المسؤولون البريطانيون على مرّ القرن الأخير الاختلاف الكبير بين السكان العرب والمسلمين في الشمال وبين الأفارقة والمسيحيين والأرواحيين في الجنوب. فقد عاملوهم بطرق مختلفة وبشكل يتناسب مع كل فريق. وتمّ ربما اعتبار الانفصال بمثابة قرار محتمل قد يتخذه السودانيون الأحرار والمستقلون الذين حاولوا العيش والعمل مع بعضهم البعض ضمن دولة مستقلة وسيادية بعد أن تمّ تشجيعهم على القيام بذلك.

ولسوء الحظ، بيّن تاريخ المرحلة التي تلت استقلال السودان أن الفريقين غير قادرين على العمل مع بعضهما. فأدت الحروب الأهلية الأخيرة على مدى اثنتين وعشرين سنة إلى مقتل حوالى مليوني شخص وترحيل أربعة إلى خمسة ملايين شخص. وشكّلت محاولة فرض تطبيق الشريعة الإسلامية على البلد برمته عام 1983 خطأً فادحاً ساهم في تعزيز القتال.

وإلى جانب هذه المشاكل، تشهد مدينة دارفور، غرب السودان حرباً مستمرة. وتمّ اتهام الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هذه المنطقة. فهو الرئيس الحالي الوحيد المتربع على رأس دولة ومطلوب في الوقت ذاته من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب هذه الجرائم. وبما أنّ أسامة بن لادن عاش في الخرطوم في التسعينات، تعتبر الولايات المتحدة أنّ الرئيس البشير هو راعي الإرهاب.

توجّه الرئيس سلفاكير، زعيم جنوب السودان، الذي يظهر دوماً معتمراً قبعة رعاة البقر إلى جمهوره بالقول: «ستختارون في الاستفتاء المقبل بين أن تكونوا مواطنين ينتمون إلى الطبقة الثانية في بلدكم أو مواطنين أحراراً في دولتكم المستقلة». ويتساءل سائر العالم كيف سيتمكن الجنوب من المضي قدماً عمليّاً في حال تمّ التصويت لمصلحة الانفصال عن الشمال.

فيما تُعدّ مساحة جنوب السودان الذي يضمّ 8 ملايين نسمة أكبر من مساحة إسبانيا والبرتغال مجتمعتين، فإن حوالى 65 كيلومتراً فقط من الطرق معبّد. كما ثمة نقص كبير في المدارس والمستشفيات فيما يستطيع شخص واحد من أصل خمسة أشخاص القراءة والكتابة. ويبدو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة غير مجدٍ حين تتلف المحاصيل.

يتركز أربعة أخماس الإنتاج النفطي في السودان في منطقة واحدة. ويجب أن يتفق الشمال والجنوب على كيفية تقاسم الأرباح المتأتية من آبار النفط. ويتمّ تصدير النفط عبر مرفأ السودان في الشمال. ومن غير الواضح بعد إذا كان حقل مدينة أبيي المركزي لإنتاج النفط سيصبح تابعاً للشمال أم للجنوب. وسيجرى استفتاء في هذا الاتجاه في المدينة إلا أنّ المحادثات حول حقّ السكان في التصويت قد انهارت.

وبغض النظر عن مشكلة تقاسم 6 بلايين برميل من النفط في السودان بأفضل طريقة ممكنة، الأمر الذي من شأنه التسبب بأعمال عنف، يجب الاتفاق على ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، كما يجب الاتفاق على تقاسم موارد المياه، وكذلك على مصير ديون السودان. وإذا لم يكن الطرفان مستعدين لتقديم تنازلات صعبة ستشهد السنوات المقبلة المزيد من الاضطرابات.

وتأمل البلدان المجاورة لجنوب السودان ناهيك عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بقيام دولة قابلة للحياة هناك، لا سيّما أنه يجدر بالعالم تحمّل التبعات المترتبة عن الدول الفاشلة مثل ما يحصل في الصومال حالياً. ولن تكون فكرة أن يشكل الانفصال إغراءً للحركات الانفصالية في أفريقيا مدعاة للسرور، فهل ستحاول دارفور السير على خطى جنوب السودان؟ بصراحة، يمكن أن يكون القتال في جنوب السودان بين المجموعات الإثنية التي تسعى جميعها إلى استغلال الموارد الوطنية المتوافرة مشابهاً للنزاع مع الشمال.

لا أؤيد انفصال الدول التي تعترف بها الأمم المتحدة على أساس خطوط قبلية، فيما أدرك جيداً أن الحدود الوطنية التي أنتجتها القوى الاستعمارية السابقة لا تعني الكثير. فحين تبدأ هذه العملية كيف يمكن وقفها؟ هل سيكون العالم مكاناً أفضل للعيش في حال حصلت منطقة الدلتا في نيجيريا ومنطقة أوغادين في إثيوبيا على استقلالهما؟ أنا أشك في ذلك.

يُعتبر الثقل الاقتصادي مهمّاً ونحن بحاجة إلى دول تحظى بمكانة محترمة وقادرة على الحفاظ على استقرارها. وباختصار، نحن بحاجة إلى رؤيا المجموعات المستقلة والمختلفة التي تعمل كمجموعة واحدة من أجل الخير المشترك.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

==========================

إمكانية الحرية أم استحالتها في الوطن العربي؟

ميشيل كيلو

2011-01-24

القدس العربي

لا مبالغة في القول: إن تونس تجتاز اليوم، وستجتاز لفترة غير قصيرة، اختبارا هائل الأهمية بالنسبة للوطن العربي والعالم، سيتبين معه إن كنا نقف، كعرب، أمام إمكانية الحرية أم استحالتها!.

كنا نترقب شكل انخراط العرب في مسيرة الحرية والديمقراطية، التي عرفها العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وكنا نقرّع أنفسنا وشعوبنا لأنها لا تتحرك، بل تبدو كمن فقد الإحساس بكل شيء: من الحاجة إلى لقمة العيش إلى الحق في الحرية والكرامة والحياة. بعد صمت دام نيفا وعشرين عاما بقي العرب خلالها بمنأى عن موجات الحرية، التي اكتسحت العالم وجرت وقائعها قرب الأسوار الخارجية لأوطانهم، ساد اقتناع كان يلخص بجمل قليلة: فالج، لا تعالج. ليس العرب كغيرهم، إنهم حالة خاصة لا تشبه أحدا ولا يشبهها أحد. وهم، على ما تبنيه سلبيتهم وبلادتهم التي تتضخم بمرور الأيام، ليسوا بحاجة إلى الحرية، أو الديمقراطية، أو المواطنة، أو حقوق الإنسان، أو حكم القانون، أو العدالة، أو المساواة، أو الكرامة، عامة كانت أم شخصية. ولا شك في أن الاستبداد هو النظام الذي يعبر عن حقيقتهم، وأنهم لا يتحركون لأنه راسخ كالجبال في بلدانهم، فلماذا يتحركون إن كان لديهم ما يشتهون ويريدون، وكانوا سعداء بوفرته، ولماذا يتفهمون أو يتقبلون تململ بعض مثقفيهم أو مواطنيهم العاديين من حين لآخر؟.

كان العقل النقدي العربي يتساءل دوما: متى سيتحرك الناس، البشر العاديون، الشعب الرازح تحت جبال من البؤس والذل والخائف إلى درجة الذعر من القبضات الحديدية، والقانع بالإفساد والجوع والاحتقار؟. كنا نطرح هذا السؤال بعد كل تحرك شعبي يشهده العالم، ونتصور الألوان التي ستكون شعار التحرك الشعبي العربي: هل هي البرتقالي أم الأبيض أم الأخضر أم الأحمر، ونتخيل الساحات التي سيتجمع البشر فيها، والهتافات التي سيطلقونها، والعلاقات التي سيقيمونها مع قوات الشرطة والأمن، وهل سيصمدون في وجه الهراوات والبنادق، ومن سيشارك منهم في التظاهرات، وهل سيكون للشباب والنساء نصيب الأسد منها، في حال غاب عنها المسنون والعاملون من الرجال، وكم ستستمر قبل أن تعطي أكلها، وتبدأ بتغيير الأوضاع، الذي يجب أن يأخذ صورة تحول تدريجي آمن ومتوافق عليه، كي لا تنزلق بلداننا من حال الاحتجاز الذي تعيشه منذ عقود إلى حالة فوضى قد تأكل الأخضر واليابس، وتؤدي إلى سيطرة مغامرين وحمقى وجهلة ومزايدين على الحراك الإصلاحي، فيخرج عن مساره ويجافي أهدافه وينتهي إلى كارثة تغلق طريق الحرية، المطلوب بالأحرى فتحه، بينما الشعب قليل الخبرة بالسياسة، والنخب تفتقر إلى وعي وبرامج واقعية ملائمة وفاعلة، والحكومات إلى الرغبة في الإصلاح، وأبواب البلاد وعقول العباد مفتوحة أمام تدخلات الخارج وألاعيبه، بما في ذلك الخارج الإسرائيلي.

في هذا الجو، وبما أثاره من حيرة ومخاوف، كنا نفضل توافقا بين النخب المجتمعية وتلك التي في السلطة، تتفاهمان خلاله على خارطة طريق لخروج الأوضاع من أزماتها ومآزقها الكثيرة، وكسب الشعب لما تتفقان عليه، ما دام اتفاقهما على إصلاح سلمي، متدرج وآمن ومدروس، يتيح له الانخراط في التغيير، ومغادرة خوفه من السلطة وأجهزتها، دون أن ينزلق إلى متاهات لا يعرفها أو يريدها، ستجعله حتما ينطوي من جديد على ذاته، إن هو خرج أصلا من حالة السلبية والموت الشتوي، التي يعيش في نعيمها، ذليلا وخائفا، مع أنه يتمنى الخروج منها، ولكن ليس بحرق جلده الخاص، الذي يريد الحفاظ عليه في جميع الظروف والأحوال.

هذه الحسبة المنطقية، التي تضمن تغييرا آمنا لا يخسر فيه أحد، مع أن بوسعه إخراجنا من المتاهة الراهنة، كانت عامة في ديار العرب، بعد أن لعب المثقفون دورا رائدا في الوصول إليها. لكنها انتهت مع رفض السلطة العربية لها، وامتناع نظمهما عن قبول حل المثقفين والنخب ذات الحساسية خاصة حيال مسائل وضرورات الحرية وحقوق الإنسان كالمحامين وأساتذة الجامعات والمعلمين والكتاب والصحافيين والأطباء والمهندسين والعاملين بأدمغتهم، وقسم مهم من العاملين بأيديهم، ممن يتوفرون على درجة مقبولة من الاهتمام والوعي بالسيرورات المجتمعية وبالنتائج المأساوية، التي ترتبت على أنماط التنمية المعتمدة، وبحقيقة الأوضاع السياسية الكارثية القائمة ... الخ. برفض نمط التحول المقترح، الذي يقوم على مصالحة وطنية عامة من جهة، وعلى مبارحة الواقع السلطوي والمجتمعي القائم، والبحث عن بديل جماعي له، يكون مقبولا من الجميع، لأنه نتاج حواراتهم وتوافقهم ورغبتهم المشتركة في تغيير لا يطيح بالسلطة بل يجعل منها قوة إصلاح تتحسس مسؤولياتها، وترغب في إخراج شعبها من ورطة تاريخية قاتلة فرضتها عليه من خلال خياراتها وسياساتها، من جهة أخرى، تأكد أن خيار الأمر العربي القائم هو إدامة الاستبداد السياسي، والتفاوت المجتمعي، والفساد والإفساد، وأنه لا يريد أن يتزحزح عن مواقعه، أو أن يغير أي شيء في واقعه يمكن أن يبدل موازين القوى بينه وبين المجتمع عموما، وبينه وبين النخب المثقفة خصوصا، وبدا جليا أنه يرفض التعامل غير الأمني مع شعوبه، التي تستطيع بكل بساطة أن تموت كمدا وحرمانا في نعيم السلطوية، أو أن تذهب إلى الجحيم الأخروي، متى شاءت.

بفشل البديل المقترح، بدت السبل مغلقة أمام أي إصلاح يعيد النظر على أسس جديدة في الواقع العربي المتردي، فلا يموت معها الذئب ولا يفنى الغنم، كما يقال. ثم تعاظم طابع النظم السلطوية الأمني أكثر فأكثر، حتى بدا وكأنها تقول لشعوبها: لا بديل للذل والرضوخ، ولا بديل للوضع الراهن، الذي سنحافظ عليه إلى الأبد. كان العقل السلطوي يرى الأمور على النحو التالي: السلطة موحدة وقادرة على احتواء الحياة العامة، الضيقة إلى أبعد حد والقليلة التمايز سياسيا وثقافيا، من خلال أجهزة أمن مخلصة وقادرة ومنتشرة في كل مكان، هي شعب بديل بكل معنى الكلمة: شعب سلطة تشكل مع أجهزتها عالما مستقلا عن عالم مجتمعها ومواطنيها، التابع له حتى العظم. إلى هذا، هكذا فكرت النظم السلطوية، ليس هناك معارضة جدية، هناك فقط اعتراضات غير منظمة يتبناها أفراد يخضعون لرقابة صارمة ولحظية، تفصلهم بنجاح عن مواطنيهم وتقطع قنوات التواصل فيما بينهم هم أنفسهم، بينما الشعب غائب، عن الواقع والوعي، وبعيد بالتالي عن أي فكر، وأية ممارسة تؤهله للتمرد أو الاحتجاج أو المشاركة في الشأن العام. كان سؤال الأنظمة الذي لطالما طمأنها: من الذي يمكن أن يتحرك، ومن أين سيأتي الخطر، في هذا الوضع الممسوك من ألفه إلى يائه، الباقي إلى أبد الآبدين ؟. والنتيجة :لا تغيير ولا من يحزنون، والويل لم يطالب بالإصلاح. لا عجب أن تتفاقم، في ظل هذا الخيار، مظاهر التهتك المجتمعي، والفساد الحكومي، والخراب الاقتصادي، والضياع الوطني، وأن ينقلب هذا الواقع بالذات إلى مصدر الخطر الرئيسي على نظام أنتجه ليطمئن، فبينت انتفاضة تونس أنه مقتله، ليس فقط لأن حياة الشعب مشحونة بأزمات اجتماعية، يومية وشخصية وبلا حل، ودور النخب مثقل بأزمة روحية تغطي سائر مناحي وجود السلطة والمواطن والدولة والمجتمع، بل كذلك لأن تفاقم الأزمات والعجز عن فهم الواقع وتطوير وسائل ناجعة للتصدي لمشكلاته، جعل نتيجة التقاء الأزمتين الاجتماعية الشعبية - والمعنوية / الروحية الثقافية - لقاء بين الشعب والنخب عبر عن نفسه في الانفجار الذي جاء أول الأمر من تحت، من القاع المجتمعي، ثم ما لبث أن التحقت الأحزاب وخاصة منها رموزها المثقفة، فأطاح بالسلطوية، التي لن يبقى لها من الآن فصاعدا غير أحد خيارين: الإصلاح أو الندم في مستقبل قد لا يكون بعيدا على رفضه، بعد أن تتأكد من أن الضمانات الأمنية أوهام لا تضمن شيئا، وأنها لو كانت ضمانات حقيقية لما زال أي نظام في العالم، وأن إيمان الحاكمين بجهل الشعب وغربته بعضه عن بعض وعن النخب المثقفة والمسيسة، وقولهم بكل جدية أنه ملتف حول قادته سعيد بالانقياد لهم، معتز بثرائهم وفقره، حريتهم وعبوديته، تخمتهم وجوعه، ليس غير أكذوبة لا يصدقها البشر العاديون، والغريب أن من يطلقونها يتظاهرون بتصديقها!.

إن ما حدث في تونس كان الرد على رفض مطلب الإصلاح. وهو رد من طبيعة الواقع، أنجزه الشعب العادي، الذي تحرك من تلقاء ذاته، دون أن ينتظر النخب أو يتلقى أوامر منها، وإن كان من غير الممكن إنكار فضلها في تزويده بالأفكار التي أطرت مشاعره حيال النظام، وبينت له الأهداف التي يجب أن يتبناها، وقدمت له الشعارات التي رفعها خلال تمرده، ورسمت المدى الذي يجب أن تذهب حركته إليه، وهو: تغيير النظام السلطوي واقتلاعه من جذوره وليس إصلاحه، بعد أن بيّن موقفه من مشاريع الإصلاح، التي رفضها بغرور وجلافة، وسلوكه بعد رفضها، أنه غير قابل للإصلاح أصلا. لم تقم المعارضة السياسية والمنظمة بالتمرد، بل تمرد شعب كان يقال بإصرار إنه موال وملتف حول قائده، أو خانع وخائف وراض. ألا يذكر هذا بما جرى في بلاد السوفييت، حيث سقط أحد أقوى نظم الدنيا وأكثر جبروتا وأمنية وقمعا دون أن تكون هناك أية معارضة: منظمة كانت أم غير منظمة ؟. كانت السلطوية العربية مطمئنة إلى أن النخب لا تستطيع إسقاطها، والشعب غائب عن الشأن العام، فأكدت انتفاضة تونس المجيدة والفريدة أنه اختزن مشكلاته في ذاكرته الحية ووعيه بشؤونه اليومية وبالظلم الواقع عليه، وأنه لم يكن غائبا لمجرد أن السلطة لم تكن تفهمه أو تدرك إلى أين وصلت نقمته المتراكمة في صدور بناته وأبنائه جميعهم، وحين انفجر من الألم والذل، بعد أن أيقظت في نفسه فداحة وضعه واقعة تعد شخصية بكل معيار، هي قيام الشهيد الخالد محمد البوعزيزي بحرق نفسه احتجاجا على صفعة تلقاها من شرطي، أخذ انفجاره صورة إعصار جرف كل شيء في أيام قليلة، أجبرته سياسات السلطة وسياطها على البحث عن بديل انفجاري، لأنها سدت جميع السبل الأخرى في وجهه، وأقنعته أنه هالك لا محالة إن بقي صامتا وذليلا، فلا خيار له غير الخروج عليها شاهرا في وجهها قدرا من الغضب والاحتجاج، انهارت أمامه كبيت من ورق.

هل سيتوقف انهيار السلطوية عند تونس، أم أن دلالته الرمزية تشمل الوطن العربي بأسره، حيث تسود ظروف تونسية بامتياز: على جانب السلطة، كما على جانب المجتمع والنخب.

شقت تونس طريق الحرية بدماء وغضب بناتها وأبنائها، ودشنت زمنا عربيا جديدا سيضع، بالإصلاح أو بالثورات الشعبية، حدا للاستبداد، الذي قتل الأمة، ولم يترك لها خيارا غير الهلاك أو الخروج لقتله. إن تونس هي البداية، والعربي ليس خارج التاريخ، أو حالة خاصة تستطيع العيش دون كرامة أو حرية أو عدالة أو مساواة !. إن ثورة تونس هي الرد الجلي على السؤال الذي لطالما طرحه العقل النقدي العربي: هل الحرية ممكنة عندنا أم مستحيلة؟. وقد جاء الجواب مجلجلا: الحرية حتمية والاستبداد إلى زوال، لأن استمراره هو المستحيل ذاته!.

' كاتب وسياسي من سورية

==========================

2011 عام الغضب العربي

د . محمد صالح المسفر

2011-01-24

القدس العربي

 فاجأ الشعب العربي في تونس كل اجهزة الرصد المخابراتي في داخل تونس وخارجها بعزمه وتصميمه لاجتثاث الطغاة وسندتهم من الفجار والفاسدين والظالمين.

شعب تونس العربي وصاحب عربة 'بائع البندورة' البوعزيزي اسقطوا احد اعظم واعتى الجبابرة من حكامنا العرب 'بن علي'. شعب تونس الثائر لم يقتل ولم يثأر من الظالمين حين وقعوا بين ايدي الشعب، شعب تونس لم يطالب بالاجتثاث لاعضاء الحكم المهزوم ولا بإبادتهم او عزلهم وانما طلبوا من كافة اركان النظام السابق ان يترجلوا عن كراسي الصدارة ويعودوا الى صفوف الشعب ليناضلوا معه من أجل بناء تونس واعادة وضعها على خارطه الديمقراطية الصادقة.

الشعب التونسي ضرب اروع الامثال بعزمه على التغيير السلمي، والجيش التونسي حتى الان ضرب اروع الامثال لجيوشنا العربية بأنه حارس وحام للشعب والوطن ولم يكن جيش تونس انتهازيا ليقفز الى سدة الحكم عن طريق استخدام القوة وفرض حذر التجول تحت ذرائع متعددة ولا تنقصه في مثل هذه الظروف، ولا استثني رجال الأمن التونسي الذين انضموا الى صفوف المواطنين لا ضدهم عندما رفض معظمهم التصدي بالقوة والعنف لثورة الشعب، اما اولئك الذين غرر بهم من رجال الامن وعصابات النظام المنهار وتصدوا بالعنف لثورة الشعب التونسي فانهم اليوم يتوارون عن الانظار ويعضون على اصابعهم ندما على ما فعلوا بمواطنيهم.

لأول مرة في التاريخ، في حدود معرفتي، يسقط 'بائع بندورة' متجول احد اعتى الطغاة في النظام العربي المعاصر 'بن علي' عندما اعيته الظروف لينال حقه اقدم على الاحتجاج الصارخ بحرق جسده النحيل امام الناس وهز وجدان الشعب العربي التونسي الغيور والمتضامن الامر الذي دفعهم للخروج الى الشارع معبرين عن غضبهم للحال الذي وصلوا اليه الامر الذي ادى الى هروب الظالم 'بن علي' الى خارج الحدود، لكن بقي بعض من زبانيته يحاولون الالتفاف على ثورة الشعب وانجازاته العظيمة في اسقاط رمز الطغيان.

ظاهرة البوعزيزي اخذت تتكرر في اماكن اخرى من وطننا الكبير من تونس الى الجزائر وموريتانيا مرورا بمصر واليمن فلعل شعوب تلك الدول تحاكي ظاهرة غضبة الشعب التونسي ضد الظلم بمسيرات شعبية في الجزائر العزيزة تطالب القيادة السياسية بالاصلاح وتوفير حياة كريمة للشعب، وبكل اسف تتصدى قوى الامن بكل وسائل العنف لافراد الشعب الذين يتظاهرون من اجل ان تسمع الحكومة صوتهم بأنهم يبحثون عن فرص عمل والحد من تصاعد الاسعار وقمع الفساد. في صنعاء غضب جماهيري واسع يمتد من شمال اليمن الى جنوبه يطالب بالعدل والمساواة ومنع الاثراء غير المشروع على حساب الشعب، والمشاركة السياسية ومنع الفساد والمفسدين من التوسع في قهر الشعب، وخلق فرص عمل شريفة يحفظ للمواطن كرامته.

كنا نتوقع ان الامن في خدمة الشعب وحمايته ولكن الامن في اليمن وبعض الدول العربية من اجل القمع والقتل وغرس الرعب في قلوب المواطنين لارضاء الحاكم وزبانيته.

اذكر بان الحاكم الظالم عند 'اللحظة' سيهرب الى خارج الحدود، وبعض من حماته قد يتمكنون من اللحاق به. اما انتم يا رجال الامن حماة الظالمين فلا مفر لكم، والشعب لن ينسى ما لقيه على ايديكم من ضرب واهانة واذلال وقهر فتريثوا قبل ان تمتد ايديكم لتلحقوا الاذى بمواطنيكم، وخذوا العبرة من كتائب امن شاه ايران وما لحق بهم بعد رحيله عنهم، وتذكروا كتائب امن زين العابدين وهم يهربون من غضب الشعب التونسي عبر المنافذ البرية والبحرية وهم في خوف رهيب.

لا جدال بان هناك جهودا تبذل في الداخل ومن الخارج على افشال ثورة الشعب التونسي العظيم كي لا تكون نموذجا يتبع في اقطار عربية كثيرة، ويؤلمنا جميعا موقف الرئيس اليمني عندما قال في وسائل الاعلام بان اليمن ليس تونس في اشارة الى الحراك الشعبي الذي يتزايد فعله في اليمن يوما بعد يوم مطالبا بالاصلاح والعدالة والمساواة، ونشير الى ما قاله وزير خارجية مصر السيد ابو الغيط عن الثورة التونسية يوحي بأنها زلزلت الارض التي يسير عليها، وما تناقلته وسائل الاعلام عن ما صرح به الاخ القائد معمر القذافي اقوال تبعث بالخوف على الثورة التونسية. إن اصرار السيد الغنوشي الوزير الأول في تونس على عدم الاستجابة لارادة الشعب التونسي في حل الوزارة التي شكلها والاتيان بحكومة خالية من الذين استوزرهم 'بن علي' الهارب كي يطمئن المواطن التونسي على انجازاته ضد عهد الظلم والفساد يبعث بالقلق على الثورة الشعبية التونسية.

اخر الدعاء: اللهم احم الثورة التونسية من اعدائها في الداخل والخارج.

==========================

أزمات الساحة العربية.. لماذا تستعصي على الحل؟

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

25-1-2011

تبدو الساحة العربية مفعمة بالتوتر والضيق, الناتج اما عن مصاعب اقتصادية ضيقت فرص الامل والعمل امام ملايين الشباب العرب القادمين الى سوق العمل, او من جراء التهديدات التي تحيط بأطراف الوطن العربي, شرقه وغربه, أو من انسداد الافق السياسي في كثير من الساحات العربية, وتعثر جهود الاصلاح السياسي والاجتماعي وتعثر خطط النماء الاقتصادي, غير أن أخطرها ما تولد من انقسامات داخلية تهدد الاوطان منها ما نفذ واصبح امراً واقعاً, كالانفصال غير الرسمي لشمال العراق او الانفصال الحتمي لجنوب السودان, أو الانقسام الحاد الذي يهدد لبنان, وأمثلة اخرى يطول شرحها.

قد قدمت أحداث تونس تجربة اخرى, تكشف مخاطر الانفراد بالسلطة وتهميش المشاركة الشعبية والتطاول على حق الشعب بحياة كريمة حرة.

وما زال السجال محتدماً في الساحة التونسية للتخلص من رموز حقبة رفضها الشعب التونسي ورفض مثالها في الحكم.

غير أن ما يقلق في الساحة العربية الاسلوب الذي تتعامل فيه الاطراف ذات العلاقة لايجاد حلول للقضايا الشائكة العالقة.

فالحوار الداخلي حتى في اكثر الساحات انفتاحاً في حرية التعبير, يبدو وكأنه تسجيل لمواقف على طريقة حوار الطرشان يخلص الى ادانة الطرف الآخر بالتقصير أو الادانة لأنه يتم بين اطراف كل منها يدّعي الصواب، بينما

ينفيه عن الطرف الآخر، حتى يصل الأمر، احياناً الى حد الغاء ارادة الآخر, أو فرض خيارات طرف على الاخر, هذا ما يحدث الان في لبنان الساحة الاكثر جدلاً وحرية في التعبير.

وقد بلغ التأثير الخارجي على اطراف الصراع في لبنان والعراق وفي السودان الى الحد الذي اصبح فيه العامل الخارجي وطروحاته السياسية ومصالحه طرفاً مباشراً في تعقيد الازمات واستعصائها على الحل, ومع فقدان الارادة السياسية يصبح الداخل رهينة للخارج.

فليست وحدها قضية الاحتلال الاسرائيلي والقضية الفلسطينية المستعصية حتى الان على الحل, فمعظم القضايا الداخلية على ساحاتنا مرشحة للتعقيد, وليس الحل, فحل أزمة لبنان لم يعد بيد العرب او الوساطة العربية وكذلك الأمر في العراق والامر في اليمن ليس بعيداً عن ذلك, والقاعدة اصحبت جزءاً من تعقيد الصراع في الصومال, مما يجعل مصير الصومال رهناً بالحرب على الارهاب.

والساحة الفلسطينية تشهد انقساماً لا يلوح في الأفق أي حل له ولا يخلو من التدخل الخارجي.

وتأتي ازمة الديمقراطية الشكلية في الوطن العربي التي تفتقر الى المضمون الذي يمنع عزل قوى سياسية دون غيرها, ليعمق ازمة الحريات في الساحة العربية, وعندما يقترن ذلك بضآلة الانجاز أو بالوعود التي لا ترقى لما تثيره من طموحات كبيرة لدى الشعوب, تأخذ الازمة ابعاداً اجتماعية يولدها الضغط الزائد على القاعدة الاجتماعية وعامة الكادحين او محدودي الموارد في المجتمع.

ومع ان المجتمعات العربية واسلوب الحكم من حيث الانفتاح والحداثة ليس سواء في الاقطار العربية الا أن الثقافة السائدة والظروف بعامة تتشارك في جوانب كبيرة ولا تسلم ساحة من غائلة البطالة أو الحاجة للاصلاح السياسي والاجتماعي.

قدر منطقتنا العربية أن تواجه الاخطار والضغوط الداخلية والخارجية وان تتأثر بها بشكل جماعي, وخلاصها في ظل الحالة القطرية الراهنة في ان تجد طريقاً ثالثاً بين خيار الوحدة أو الاتحاد الذي اصبح حلماً بعيد المنال وبين خيار الفرقة والانقسام الذي يهدد هوية ووجود الأمة, وذلك بايجاد اقليم عربي تتكافل وتتعاضد اقطاره ويعمل بصورة مشتركة لمواجهة الاخطار وبصورة عملية وليس خطابية لفظية, وان تعطي الاولوية لانماء الاقليم العربي وتكامل عناصر البناء والاستثمار والاصلاح فيه, واعطاء الاولوية لمتطلباته على غرار ما حدث في مناطق أقل ترابطاً من حيث التاريخ واللغة والثقافة فضلاً عن اختلاف الشعوب والثقافات.

نعوّل كثيراً على أي مؤتمر او لقاء او تجمع او اتفاق عربي يهدف لايجاد صيغة للتعاون الاقتصادي العربي على أن لا ينتهي ببيان ختامي ينتهي مفعوله فور اعلانه ولا تسنده آليات عمل تترجمه الى حيز الواقع وتلمس نتائجه على الارض.

لم يعد العمل العربي المشترك ترفاً ولا منة من طرف قادر تجاه آخر أقل قدرة, بل اصبح خط الدفاع الاخير عن وجود شعوب امتنا ودولها وهويتها من خلال الحفاظ على المشترك الذي يجمعها وحتى لا تفقد شعوب امتنا ارادتها وهويتها امام قوى خارجية مهيمنة قطعت اشواطاً في العمل الاقليمي الجماعي والعلم والثروة والنفوذ الذي يهيمن على منطقتنا.

وحده العمل العربي المشترك المستند الى الارادة والتوافق على المصالح العليا للشعوب العربية والمصالح المشتركة, والتضامن الحقيقي قد يساهم في حل مشاكل المنطقة, بعد أن ثبت أن معادلة الضعف والتفكك لن تغيّر من نظرة العالم الينا, ولن تجلب لنا دعم الاخرين, كما أنها لن تكف أذى وعدوان اعدائنا عنا.

==========================

من الذي خسر الشرق الأوسط؟

باتريك بيوكانان - «إنفورميشن كليرنغ هاوس»

الدستور

25-1-2011

عدم الاستقرار يحيط بالشرق الأوسط ، خصوصا في المغرب العربي. فالإطاحة بزين العابدين بن علي ، أحدثت موجة من الصدمة من المحيط إلى الخليج.

أميركا لم تلعب أي دور في هذه الثورة ، كما أصيب دبلوماسيون بالصدمة حيال الفساد. مع ذلك ، فإن بن علي كان حليفا في الحرب على الإرهاب ، وما حدث في تونس يمكن أن يشعل فتيل سلسلة من الضربات المدمرة لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ذلك أنه حين يسقط الحكام المستبدون فإن الديمقراطية ليست دوما هي ما يعلو. وفي الشرق الأوسط ، الديمقراطية ليست بالضرورة حليفة أميركا.

سقوط الملك فاروق في 1952 أدى الى ظهور العقيد جمال عبد الناصر في مصر. الإطاحة بالملك فيصل في العراق ومقتله في العام 1958 أدت الى ظهور صدام. سقوط الملك إدريس في ليبيا في 1969 أدى الى ظهور القذافي. سقوط الامبراطور هيلا سيلاسي في أثيوبيا في 1974 أدى الى ظهور السفاح العقيد مينغيستو. وسقوط شاه إيران في 1979 أدى الى ظهور آية الله خميني.

واذا اجتاحت المنطقة موجة أخرى من الثورات ، فمن المحتمل أن نشهد الانهيار الأخير لسياسة جورج بوش الخارجية الخاصة بالمحافظين الجدد.

سياسة الشرق الأوسط تلك ارتكزت على عدة أركان : الدعم الذي لا يقبل النقد لإسرائيل ، الاجتياحات للإطاحة بأعداء في أفغانستان والعراق ، والاحتلالات الأميركية لإعادة بناء هذه الدول وتحويلها الى دول ديمقراطية.

مباشرة قبل أن يغادر السلطة ، جعلت هذه السياسات المنطقة معادية جدا للأميركيين لدرجة أن بوش نفسه كان ، في استطلاعات الراي ، يحظى باستحسان أقل من أسامة بن لادن في نظر الجماهير المسلمة.

وعندما قام بوش ، بعد أن صرح في حفل تنصيبه في 2005 أن هدفه الآن كان "إنهاء الطغيان في عالمنا" ، بالدعوة الى إجراء انتخابات في الشرق الأوسط ، حصد النتائج التي أفرزتها سياساته. في فلسطين ، اكتسحت حماس السلطة. في لبنان ، حقق حزب الله مكاسب مماثلة ودخل الحكومة اللبنانية التي أطاح بها قبل أيام. عندما سمح الرئيس المصري ، حسني مبارك ، لبعض الدوائر الانتخابية بالمنافسة ، فاز الأخوان المسلمون بمعظمها.

في إيران عام 2005 ، انتُخب محمود أحمدي نجاد وأصبح على الفور شخصا محبوبا لدى الجماهير العربية بسبب عدائه لإسرائيل. هذا التوجه استمر في الانتخابات العراقية في 2010 ، الأمر الذي عزز نفوذ وسلطة مقتدى الصدر المعادي للأميركيين.

الرسالة الآتية من الشرق الأوسط كانت متماسكة وواضحة: عندما تجرى الانتخابات ، أو تتم الإطاحة بالحكام المستبدين ، فإن الجماهير سوف تتوجه نحو القادة الذين سيبتعدون عن أميركا ويتضامنون مع الفلسطينيين.

تركيا تعد مثالا إيضاحيا ذا صلة. قبل أن يجتاح العراق ، طلب بوش من أنقرة السماح له بشن الهجوم من أراضيها في الشمال ، وكذلك من الكويت من الجنوب. وقد رفض برلمان هذه الدولة الحليفة للناتو لمدة خمسين عاما الموافقة.

منذ ذلك الحين ، أخذت تركيا تتحرك بعيدا عن أميركا وعن إسرائيل واقتربت من الشعوب الإسلامية في منطقة حكمها الأتراك العثمانيون لمدة قرون.

جورج بوش الإبن خاض تجربة تحول مفاجئ في حياته خلال 11 ـ 9. لقد أصبح مؤمنا حقيقيا بأن أمن بلاده والسلام العالمي يعتمد على تحول عالمي الى الديمقراطية. وأنه هو من يمكن أن يقوم بهذا التحويل.

هذه هي أيديولوجيا مبادئ التحويل إلى الديمقراطية. حماس بوش في تحقيق معتقده الجديد أعماه عن حقيقة أن ملوك المغرب والأردن والسعودية ومبارك ، هم حكام موثوقون أكثر من أي نظام يمكن أن ينتج عن انتخابات الرجل الواحد والصوت الواحد.

لماذا سيطلب القائد ، بعيدا عن الأيديولوجية ، بأن يقوم النظام الصديق بإجراء انتخابات اذا كان من شبه المؤكد أن النظام الناتج عن هذه الانتخابات سيكون أكثر عدوانية تجاه بلاده؟

دوايت أيزنهاور فضل الشاه عن محمد مصدق ، رغم أن الاخير قد جاء بالانتخاب. أيزنهاور دعم الانقلاب. ريتشارد نيكسون فضل الجنرال أغوستو بينوشيه عن سلفادور ألليندي ، الرئيس التشيلي المؤيد لكاسترو ، الذي تم انتخابه.

رغم ذلك ، فإن هذا الأمر يثير مجددا السؤال: لماذا يكرهوننا؟

في القرن التاسع عشر ، كان الملوك الأوروبيون يكرهون جمهوريتنا ، ولكن شعوبهم أحبتنا. خلال الحرب العالمية الثانية وأغلب الحرب الباردة ، رأت شعوب الشرق الأوسط في أميركا بطلة التحرير من الحكم الإمبريالي. لقد كنا أول من أجبر البريطانيين على الخروج.

ربما نكون قد خسرنا شعوب الشرق الأوسط ، في الوقت الذي كنا نحاول فيه كسب ولاء بعض الحكام الأوتوقراطيين ، لأننا نحن أيضا أصبحنا إمبراطورية - ولم نعد نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون.

==========================

الولايات المتحدة والانضمام مجددا إلى المجتمع الدولي

جون في. وايتبيك - «كريستيان ساينس مونيتور»

الدستور

25-1-2011

مطلع هذا العام ، عززت تشيلي اعترافها الدبلوماسي بدولة فسلطين كدولة حرة مستقلة ذات سيادة ، وذلك بعد وقت قصير من اعتراف البرازيل ، والأرجنتين ، وبوليفيا والإكوادور. (في كل من تلك الحالات ، تم الاعتراف بدولة فلسطين بوضوح داخل الحدود الكاملة لما قبل حرب عام 1967 ، بما في ذلك القدس الشرقية). أضيف اعتراف التشيلي إلى 109 من أعضاء الأمم المتحدة اعترفت بدولة فلسطين ، التي كان أعلن استقلالها في 15 تشرين الثاني عام ,1988

فيما هي ما زالت تقبع تحت الاحتلال الأجنبي المولع بالقتال ، تمتلك دولة فلسطين كافة المعايير القانونية الدولية المعتادة لدولة ذات سيادة. لم تعترف أي دولة أخرى (غير إسرائيل) بأي جزء من أراضيها باعتبارها أراض تحت سيادة دولة أخرى ، وفي الواقع ، إسرائيل أكدت سيادتها فقط على جزء بسيط من أرضها - القدس الشرقية الموسعة - ما يجعل من السيادة على باقي المناطق أمرا غير خاضع للخلاف ، حرفيا وقانونيا.

وهنا ، من المجدي الأخذ بعين الاعتبار نوعية وعدد الدول التي عززت الاعتراف الدبلوماسي بدولة فلسطين.

من بين أكثر دول العالم التسع عدد سكان ، تعترف ثمانية دول (جميعها باستثناء الولايات المتحدة) بدولة فلسطين. ومن بين دول العالم العشرين الأكثر سكانا ، تعترف 15 منها (جميعها باستثناء ، الولايات المتحدة ، واليابان ، وموسكو ، وألمانيا ، وتايلاند) بدولة فلسطين. حتى أن ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطين.

على نحو مغاير ، من بين الـ 73 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة ، التي اعترفت مؤخرا بجمهورية كوسوفو كدولة مستقلة ، هناك دولة واحدة فقط من الدول التسع الأكثر في عدد السكان (وهي الولايات المتحدة) وأربع دول فقط من الدول العشرين الأكثر في عدد السكان وهي (الولايات المتحدة ، واليابان ، وألمانيا ، وتركيا).

في شهر تموز عام 2010 ، قررت محكمة العدل الدولية أن إعلان استقلال كوسوفو أحادي الجانب لا ينتهك القانون الدولي ، لأن القانون الدولي صامت حيال موضوع قانونية إعلان الإستقلال. (وهذا يعني فقط أن إعلان الإستقلال خاضع لقرارات سياسية من الدول للاعتراف به أو لا). وردت الولايات المتحدة بدعوة جميع الدول التي لم تعترف بعد بكوسوفو للقيام بذلك فورا. بعد ستة شهور ، أربع دول أخرى فقط رأت أنه من المناسب القيام بذلك.

لو أن جامعة الدول العربية قامت الآن بدعوة الأقلية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لم تعترف بعد بفلسطين لتعترف بها فورا ، من المؤكد أن التجاوب سيكون أعلى بكثير (كما ونوعا) من التجاوب مع الطلب الأميركي الأخير بالنيابة عن كوسوفو. على جامعة الدول العربية أن توجه مثل هذه الدعوة للاعتراف.

الدول التي تضم بين 80 - 90 بالمئة من سكان العالم تعترف بدولة فلسطين ، في حين أن الدول التي تضم ما بين 10 - 20 بالمئة فقط من سكان العالم تعترف بجمهورية كوسوفو. وعلى الرغم من ذلك ، تتصرف وسائل الإعلام ، الغربية وغيرها ، كما لو أن استقلال كوسوفو حقيقة منجزة ، في حين يتم التعامل مع استقلال فلسطين بأنه طموح لا يمكن تحقيقه دون موافقة إسرائيلية - أميركية. لقد سمح معظم الرأي العام الدولي لنفسه بأن يخضع لغسيل دماغ ليفكر ويتصرف وفقا لذلك (بما في ذلك القيادة الفلسطينية في رام الله). كما في كافة جوانب العلاقات الدولية ، لا تهم طبيعة الفعل (أو الجرم) ، بل من قام بالعمل وضد من. تم غزو فلسطين وما زالت ، بعد 43 عاما ، محتلة من قبل القوات العسكرية الإسرائيلية.

في هذه الأثناء ، فيما "عملية السلام" الأبدية في الشرق الأوسط تبدو فجأة مهددة باللجوء السلمي للقانون الدولي والمنظمات الدولية ، تبنى النواب الأميركيون بالإجماع التصويت لصالح قرار اتخذته لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية وتدعو فيه الرئيس أوباما لعدم الاعتراف بدولة فلسطين ، ومعارضة أي جهود لفلسطين بالحصول على عضوية الأمم المتحدة.

لقد أظهرت الولايات المتحدة عبودية ذليلة لإسرائيل ، انعكست مجددا في غياب صوت شجاع ضد قرار البرلمان الجديد ، وفي عرض إدارة أوباما ، الذي رفضته إسرائيل ، الممثل برشوة دبلوماسية وعسكرية كبيرة لإسرائيل مقابل وقف برنامجها الإستيطاني غير القانوني 90 يوما. بعملها هذا استبعدت الولايات المتحدة نفسها بشكل فعلي من المجتمع الدولي الحقيقي ، ويمكن تعريفها كدولة تتصرف بازدراء صارخ ودائم للقانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية. على المرء أن يأمل أن تتمكن الولايات المتحدة من إخراج نفسها من الهاوية واستعادة استقلاليتها.

إذا كانت فلسطين ، داخل الحدود الكاملة لما قبل حرب 1967 ، دولة عضو في الأمم المتحدة ، وليست مجرد "أراضْ محتلة" ، فإن إنهاء الاحتلال والسلام مع بعض معايير العدالة ، حتى وإن لم يكن وشيكا ، قد يصبح فورا فقط مسألة "متى" ، ولن يعود موضع تساؤل.

في وقت لاحق من هذه السنة ، عندما تقدم دولة فلسطين طلبا لعضوية الأمم المتحدة ، يجب أن يتحلى باراك أوباما بالشجاعة للتأكيد على استقلالية بلاده وأن يتيح لها معاودة الانضمام إلى المجتمع الدولي الحقيقي بالامتناع عن استخدام الفيتو الأميركي التقليدي ضد أي تحرك للأمم المتحدة تعارضه إسرائيل ، والسماح لدولة فلسطين والشعب الفلسطيني بأخذ مكانهم الكامل والقانوني في المجتمع الدولي.

محامي في الشؤون الدولية ، ومستشار فريق المفاوضات الفلسطيني مع إسرائيل.

==========================

"رسالة" من الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي إلى بعض النخب اللبنانية

جهاد الزين

النهار

25-1-2011

قد تكون قصيدة الشاعر التونسي "ابو القاسم" الشابي "اذا الشعب يوماً اراد الحياة" اشهر قصيدة سياسية في التاريخ العربي الحديث. كتب الشاعر هذه القصيدة حسب ما ورد في نهايتها في ديوانه "اغاني الحياة"، في 16 ايلول (سبتمبر) 1933 وتَحوّل مطلعها مع تدريسها في مناهج التعليم في العديد من الدول العربية الى بيت شعر جماهيري في الثقافة الشعبية، لا في تونس فحسب بل في العالم العربي كله.

في الديوان "اغاني الحياة" قصائد واحيانا ابيات اكثر اهمية بأشواط من هذه القصيدة من الناحية الفنية. ولهذا اخترنا اليوم وبعد ان وصل استخدام مطلعها الشهير "اذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر" الى الذروة السياسية والجماهيرية مع انتفاضة تونس الاجتماعية الديموقراطية، اعادة نشرها كاملة. ولكن في الآن نفسه اخترنا قصيدة قصيرة من اربعة ابيات أرّخها الشاعر في آب 1927 ذات لغة قوية وجميلة، علّ بعض النخب اللبنانية المتحمسة والمتواطئة والمستفيدة من احتمال عودة مشروع الحرب الاهلية الى بلدنا الصغير... علها ترتدع... وبالحد الأدنى تستحي من ادوارها اللبنانية التفتيتية.

"الرسالة"

 يودُّ الفتى لو خاض عاصفة الردى وصدّ الخميس المَجْرَ والأسد الورْدَا

 ليدرك امجاد الحروب، ولو درى حقيقتها ما رام من بيْنها مجدا

فما المجد أن تُسكر الأرض بالدّما وتركب في هيجائها فرساً نهدا

 ولكنه في أن تصدّ بهمّةٍ عن العالم المرزوء، فيْض الأسى صدّا

2 صفر 1346

غرة أوت 1927

النص الكامل لقصيدة: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"

إرادة الحياة

إذا الشعبُ يوماً اراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدرْ

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر

ومن لم يعانقه شوقُ الحياة تبخّر في جوّها، واندثر

فويل لمن لم تَشُقه الحياة من صفعة العدم المنتصر

كذلك قالت لي الكائنات وحدّثني روحُها المستتر

• • •

ودمدمت الريحُ بين الفِجاج وفوق الجبال وتحت الشجر:

"اذا ما طمحتُ الى غايةٍ ركبتُ المنىَ ونسيتُ الحذر"

"ولم أتجنّب وعورَ الشّعاب ولا كُبّة اللهب المستعر"

"ومن لا يحب صعودَ الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفَر"

فعجّتْ بقلبي دماءُ الشباب وضجّت بصدري رياح أُخر...

وأطرقتُ، أصغي لقصف الرعود وعزف الرياح، ووقع المطر

• • •

وقالت ليّ الارض – لما سألت: "أيا أم هل تكرهين البشر؟":

"أبارك في الناس أهلَ الطموح ومن يستلذُّ ركوبَ الخطر"

"وألعنُ من لا يماشي الزمانَ، ويقنع بالعيش عيشَ الحجر"

"هو الكون حيٌّ، يحب الحياة ويحتقر الميتَ، مهما كبُر"

"فلا الأفق يحضُن ميتَ الطيورِ، ولا النحلُ يلثم ميْت الزهر"

"ولولا أمومةُ قلبي الرؤوم لما ضمّت الميتَ تلك الحُفر"

"فويل لمن لم تشُقه الحياة، من لعنة العدم المنتصر!"

• • •

وفي ليلة من ليالي الخريف مثقلة بالأسى والضجر

سكرت بها من ضياء النجوم وغنّيت للحُزن حتى سكر

سألتُ الدجى: هل تُعيد الحياة لما أذبلته ربيع العمر؟

فلم تتكلم شفاه الظلام ولم تترنّم عذارى السّحر

وقال لي الغابُ في رقّة محبّبةٍ مثل خفق الوتر:

"يجيء الشتاءُ، شتاء الضباب، شتاء الثلوج، شتاء المطر"

"فينطفىء السحرُ، سحر الغصون، وسحر الزهور وسحر الثمر"

"وسحر السماء، الشجي، الوديع، وسحر المروج، الشهي، العطر"

"وتهوي الغصون، وأوراقها وأزهار عهد حبيب نضر"

"وتلهو بها الريح في كل وادٍ، ويدفنها السيل، أنّى عبر"

"ويفنى الجميعُ كحلمٍ بديع، تألق في مهجةِ واندثر"

"وتبقى البذورُ التي حُمّلت ذخيرة عمرِ جميلِ، غبر"

"وذكرى فصول، ورؤيا حياةٍ، وأشباح دنيا، تلاشت زُمر"

"معانقة – وهي تحت الضباب، وتحت الثلوج، وتحت المَدر"

"لِطَيف الحياة الذي لا يُملُّ، وقلب الربيع الشذيّ الخضِر"

"وحالمةً بأغاني الطيور، وعطر الزهور، وطعم الثمر"

• • •

"ويمشي الزمان، فتنمو صروف، وتذوي صروف، وتحيا أخَرَ"

"وتُصبح أحلامها يقظةً، موشّحةً بغموض السّحر"

"تُسائل: أين ضباب الصباح، وسحر المساء؟ وضوء القمر؟"

"وأسراب ذاك الفَراشِ الأنيق؟ ونحلٌ يغنّي، وغيم يمر؟"

"وأين الأشعة والكائنات؟ وأين الحياة التي أنتظر؟"

"ظمئتُ الى النور، فوق الغصون! ظمئت الى الظل تحت الشجر!"

"ظمئتُ الى النبع، بين المروج، يغنّي، ويرقص فوق الزهَر!"

"ظمئتُ الى نغمات الطيور، وهمسِ النسيمِ، ولحن المطر،"

"ظمئتُ الى الكون! أين الوجودُ وأنّى أرى العالم المنتظر؟"

"هو الكونُ، خلف سبات الجمود، وفي أفقِ اليقظات الكُبَر"

• • •

"وما هو إلا كخفق الجناح حتى نما شوقُها وانتصر"

"فصَدّعت الارضَ من فوقها وأبصرت الكونَ عذبَ الصُوَر"

"وجاء الربيعُ، بأنغامه، وأحلامه، وصباه العطر"

"وقبّلها قُبلاً في الشفاه، تعيد الشباب الذي قد غَبَر"

"وقال لها: قد مُنحتِ الحياة، وخُلّدتِ في نسلكِ المدخَر"

"وبارككِ النورُ، فاستقبلي شباب الحياة وخصبَ العُمُر"

"ومن تعبد النورَ أحلامه، يباركُهُ النورُ أنّى ظهر"

"اليكِ الفضاءَ، اليكِ الضياءَ، اليكِ الثرى، الحالمَ، المزدهر!"

"إليكِ الجمالَ الذي لا يَبيدُ! إليكِ الوجودَ، الرحيبَ، النضر!"

"فميدي - كما شئتِ - فوق الحقول، بحلو الثمار وغضّ الزهَر"

"ونادي النسيمَ، وناجي الغيومَ، وناجي النجومَ، وناجي القمر"

"وناجي الحياةَ وأشواقها، وفتنةَ هذا الوجود الأغر"

• • •

"وشفَّ الدجى عن جمالٍ عميقٍ، يشُبُّ الخيالَ، ويّذكي الفكَر"

"ومُدّ على الكون سحرٌ غريبٌ، يُصَرّفه ساحرٌ مقتدر"

"وضاءت شموعُ النجوم الوِضاءِ، وضاع البخورُ، بخور الزهَر"

"ورفرف روحٌ، غريبُ الجمال بأجنحةٍ من ضياء القمر"

"ورنَّ نشيدُ الحياة المقدس في هيكلٍ، حالمٍ، قد سُحر"

"وأعلن في الكون: أن الطموح لهيبُ الحياة، وروحُ الظفر"

"إذا طمحتْ للحياة النفوس فلا بدّ أن يستجيبَ القدر!"

26 جمادى الاولى 1352

16 سبتمبر 1933

==========================

"الانقلاب" يستكمل مقتضياته

زيّان

النهار

25-1-2011

لا أحد ينكر أن ما يشهده لبنان، ومنذ استقالة وزراء المعارضة السابقة، هو أشبه بانقلاب مدروس ومُعَدّ له بدقّة متناهية، يستكمل مقتضياته وترتيباته عَبْر الاستشارات النيابيَّة الملزمة التي باتت كالمكتوب الذي يُقرأ من عنوانه.

لكنه انقلاب سياسي ودستوريُ، لا يحتاج الى بلاغات، ودبّابات، وتطويق سرايات واذاعات، قرَّره ونسَّق وسائله ومساره ومندرجاته "حزب الله" وحلفاؤه، خارجيين وداخليين ممن ليسوا في حاجة الى تعريف.

ومع ان الاستشارات لم تصل بعد الى خواتيمها التي باتت شبه معروفة، فمن المرجح، إن لم يكن من الأكيد ان النجاح لن يكون بعيداً من متناوله. وخصوصاً بالنسبة الى الرئيس المكلف الذي ستوكل اليه قيادة المرحلة المقبلة.

إنما بالتكافل والتضامن مع الشركاء والحلفاء الأساسيّين.

من تحصيل الحاصل أن يكون التعامل مع انقلاب كهذا بالسياسة وأساليبها، وتقاليدها، ووفقاً للقوانين والنصوص الدستوريَّة، وفي ضوء الأقوال والتعهّدات المعلنة قبل اتخاذ المواقف النهائيَّة.

واستناداً الى ما صدر عن السيّد حسن نصر الله والرئيس نجيب ميقاتي. وبالنسبة الى التشكيلة الحكوميَّة، ونهجها، وسياستها، وتوافقيتها، وبرنامج عملها في مختلف الحقول، بلوغاً بيت القصيد حيث تقيم المحكمة الدوليَّة الخاصة بلبنان.

من حق أفرقاء 14 آذار، كما من حق "تيّار المستقبل" والرئيس سعد الحريري اتخاذ المواقف التي يعتقدونها متناسبة مع تطلُّعاتهم، ومنسجمة مع نهجهم وسياستهم، ومع حرصهم على الأمن والاستقرار وكل ما من شأنه تعبيد الطريق أمام عودة الحياة الطبيعية... ولو تدريجاً.

وحتى تدريجاً، وبالنقطة.

كما من حقهم وواجبهم، انسجاماً مع مندرجات اللعبة البرلمانيَّة والمنهجيَّة الديموقراطيّة، إلزام "الحكام الجدد" ما تعهدوه سابقاً ولاحقاً، مما يتصل في الدرجة الاولى والأخيرة بالوفاق الوطني، والحوار والتشاور والتفاهم على كل المواضيع والقضايا الخلافية.

وما سيلي لاحقاً في البيان الوزاري، الذي على أساسه ستطرح الحكومة الجديدة الثقة بنفسها وبرنامجها.

صحيح ان في الوقت متّسعاً لقول الكثير، ولتبيان كل الحقائق والوقائع التي رافقت هذه المرحلة العاصفة والمزلزلة، إلا أنَّ من المهم، والمهم جداً، وسريعاً، نزع فتيل الانفجار والفتنة، وسحب كرة النار وبرميل البارود من الشوارع والزواريب، تمهيداً لسحبه من النفوس والمخابئ والكواليس.

سعد الحريري كان سباقاً، وجازماً، في رسالته الى اللبنانيين، ووعده للناس بعدم اللجوء الى الشارع بالغاً ما بلغت التطورات السياسيَّة. وهذا وعد صادق، ويأخذ به اللبنانيون.

فعلى الفريق "الانقلابي" المتجه الى تسلّم السلطة أن يسارع الى تطمين اللبنانيين لهذه الجهة، وأن يعد ويلتزم ويحافظ على البلد وعلى أمن الناس وسلامة الوطن.

==========================

فدراليات الشرق الأوسط .. «مستقبل الوهم»

طارق الدليمي

السفير

25-1-2011

كانت الولايات المتحدة تركز في تثبيتها للعناصر الأساسية «للعملية السياسية» تحقيق مسألتين: «الأولى» الاستقرار الأمني وقدرتها الميدانية على تحاشي اللجوء إلى العمل المسلح المضاد للقوى التي ما زالت تستهدفها عسكرياً. «الثانية» الاستقرار السياسي الذي يمنح «العملية السياسية» طاقات إضافية لتحويلها إلى محطة علاقات هامة ذات طابع «مرحلي» مباشر، يتطور بمرور الزمن إلى حالة من «الشراكة» الإستراتيجية الكاملة في كل الميادين. لذلك فإن أميركا في حرصها على هذين العاملين، تبدو من خلال المنظار الساذج، غير مكترثة لعقابيل «العملية السياسية» وجانبها الانتخابي والوزاري، ولا سيما بخصوص تفاقم تأثيرات العوامل الإقليمية وتزاحمها وأنشطاراتها المتنوعة وصعود وانخراط قوى جديدة،وتحديدا تركيا، والتلازم المتوقع مع هبوط قوى اخرى.

من هنا فإن المراكز الأميركية المهتمة بالشأن العراقي، تعتقد أن «نادي» الكوندومينيوم السياسي المشرف على مسيرة «العملية السياسية» بقيادة الإدارة الأميركية يتحمل دائماً وضمن صيغة «الطوائفية السياسية» للقنصل السابق «بول بريمر» أن تدخل في ردهاته قوى جديدة تتوفر عندها الشروط الملائمة والرغبات المعلنة او الخفية في التوافق مع المشروع الأميركي العام. وعليه، فإن هذه المراكز لا تناقش فقط أهمية هذا «النادي» بقدر ما تربط ذلك من خلال نزعاته المادية العضوية العراقية ومحتواه الاقليمي الفعلي. ولا بد من التذكير ان الذي يأخذ أكثر أيضاً من مساحة الاهتمام السياسي ـ التحليلي، هو صفة «العضوية» هذه في الكوندومينيوم ومدى استعدادها لترسيخ الوظيفة المسبقة الصنع وقدراتها في تمثل المصالح الأميركية عبر عثورها على العلاقة اليومية المناسبة مع مؤسسات «العملية السياسية» الدستورية والمركزية في البلاد.

ولا ريب أن التفصيلات العامة والخلافات الخاصة بين هذه المراكز والمعاهد التحليلية تتعلق دائماً بالخيارات العريضة التي تواجه الإدارة الأميركية وصلتها المباشرة مع المخطط الاستراتيجي للمؤسسة الموجهة في واشنطن. وفي المرحلة «الانتقالية» في الوضع الأميركي يمكن مشاهدة هذه «الخلطة» السياسية بالتواتر وذلك ضمن الخط العام لانتقال الصلاحيات الدستورية في المناخ التشريعي أو في الخطط السياسية المقبلة والمرتبطة مع بروز ملامح الإدارة المقبلة. ومن خلال الاستقراء البياني، قد توجد تناقضات تبدو حادة بين الفريق «الديموقراطي» والمجمع «الجمهوري» لكن هذه التعارضات تنهار أمام وحدة المصالح الثابتة. إن الترحيب العام لدى القوى المختلفة الاميركية بالوقائع العراقية الجديدة لم يكن خفياً من الناحية الإعلامية أو في اجتماعات غرف السجال المغلقة.

إن المراكز البحثية تركز الآن على عناصر جوهرية في المرحلة المقبلة وهي تتضمن العوامل القديمة والمضافة أيضاً، وهي:

أولاً: استمرار «العملية السياسية» وتطويرها وتغذيتها بدماء جديدة، ومن النــاحية العـملية الدور المهم «للطوائفية السنية» ومدى اندفاعها اليومي مع الخطة العامة والمفصـلة. ويلاحظ ان الإدارة تركز على القطاع العشائري بشكل يثير الالتفات.

ثانياً: الحفاظ على التوازن العام بين «المكونات» البريمرية من جانب ومنح هذه المكونات إمكانيات جديدة وطاقات ذاتية لتنمو في اتجاهاتها الخاصة وترعى أولوياتها الشعبية المحلية، بحيث لا تتعارض مع أهمية المركز في دوره المستديم. ومن الجلي أن هذه الاهتمامات قد وصلت إلى مرحلة من النضج «البدائي»، بدأت تتضح من خلال كلمات بارزاني حول «تقرير المصير» والإصرار السياسي لحزب الدعوة على «إقليم البصرة» في جنوب العراق، والاكتراث غير العادي بمرحلة جس النبض وبناء المستلزمات المطلوبة لطرح مشروع «الإقليم السني» من خلال امتحانات إعلامية مبهرة أو اختراقات سياسية متداولة أو محطات سجال «بيروقراطية» تمت بصلة مباشرة إلى مسألة «النفط والغاز» وقضية توزيع الموارد، والعلاقة بين المركز والمحيط، بخصوص الإشراف على العقود الاقتصادية مع الشركات العالمية، وتنفيذ ذلك في مجالات الإنتاج والنقل والتسويق، وتثبيت هذه «الموارد المالية» في الخطة العامة للميزانية المالية السنوية وانعكاساتها المحلية في المحافظات عموماً أو في المحافظات المتعلقة بالمشروع «الفدرالي» الخاص.

ثالثاً: إقامة علاقة محورية بين هذه الخطط السياسية المذكورة وبين عاملين آخرين:

1/ الوجود العسكري الأميركي، قوته، إمكانياته وحدود انتشاره وتركزه السياسي ـ الجغرافي. 2/ «البيروقراطية» المدنية الأميركية المتوفرة في المباني «الدبلوماسية» في (السفارة والتفصليات) أو خارج هذه الحدود الممتدة إلى تخوم العلاقة اليومية مع «المؤسسات» الرسمية الحكومية أو «المؤسسات» الخاصة الأهلية والمدنية التي سعت ونجحت في تشييدها قوى الاحتلال منذ أكثر من خمس سنوات سابقة. إن المعارك ضارية وحاسمة في هذه الميادين. ولن تكون الإدارة الأميركية متردده أو رحيمة في هذه الجوانب المصيرية. وعليه فإن نظرة الإدارة إلى «العامل» الكردي المتفجر إعلاميا من الزاوية الرسمية لن يكون مقتصرا على العلاقة الأميركية ـ الكردية الخاصة وإنما تكون شاخصة بأبصارها إلى المعركة القادمة حول «المصير» التاريخي لهذه «المكونات» الموجودة في الحالة «العراقية» والتي يمكن، ويجب، أن يعثر عليها في «الحالات» الأخرى العربية وغيرها!

إن النزعات «الانفصالية» المطروحة، مباركة في واشنطن ـ تل أبيب، وهي تديرها بدقة وبصبر تاريخي فعال. وهي تعتقد أن توسع «نادي الكوندومينيوم» العراقي والدخول «التركي» الظاهر إليه، سيكون عوناً لها في الخطط المستقبلية القادمة. وسوف تستند إلى جهوده في إعادة صياغة مشروعها التاريخي «الشرق الأوسط» والمتبدل جلده الخارجي حسب الإيقاع العام للمنطقة والثابت محتواه الاستراتيجي حسب المصالح الامبريالية العالمية والاقتصاد السياسي للولايات المتحدة.

إن المتابع لتفاصيل «الإخراج» السياسي لأزمة تشكيل الحكومة لا بد أن يصل إلى نتائج ملموسة ومرتبطة مع السيناريو العام للإدارة الأميركية وقدراتها على الموافقة على الشروط الخاصة «الحميدة»، بالنسبة لها، لعناصر «الكوندومينيوم» الإقليمي، وقد حفرت الإدارة الأميركية هذا المجرى الداخلي من خلال نسج علاقة خاصة بين «المؤسسات الشرعية» الدستورية القائمة وين الرغبات العامة «الخبيثة» لدول «الكوندومينيوم» الإقليمي. وفي مقدمة هذا الانجازات المطلوبة ربط الأهمية الاستثنائية الجديدة «للبرلمان» وحيويته «الطائفية السنية» مع المناخ العربي المتراجع والدور التركي الممتد. إن توازن «الطائفية الشيعية» بالإقليم الإيراني- العربي في مركزها الأساسي «الحكومة»، سيكون معادلاً «للطائفية السنية» بالإقليم التركي ـ العربي في مركزها الحيوي «البرلمان» ، والذي سيكون في العلاقة التكتونية «الحكومة ـ البرلمان» هو السقف الصلب الذي يحمي عملية المحاصصة الطوائفية من زاوية ويدرء عنها مخاطر «الاثنية الكردية» من الزاوية الأخرى. إن كل الأقاويل الإعلامية من الجانب الكردي حول «كركوك» تكذبه المعلومات المهمة التي نشرت في الصحافة التركية حول الاتفاق الكردي ـ التركي، على بقاء «كركوك» في حالة «فدرالية» خاصة، خارج المطالب الكردية وبنفس الوقت بمعزل عن الإدارة المركزية المباشرة لبغداد. ولقد تم تشكيل لجنة مشتركة كردية ـ تركية برئاسة السفير التركي في بغداد / مراد اوزجليك/ منذ 24 حزيران في / 2010، وتم تثبيت هيكلية هذه اللجنة من خلال لقاء «كريم سنجاري» وزير داخلية السنجق مع «بشير التاي» وزير الداخلية التركي والوصول إلى اتفاق أولي حول بقاء «فدرالية كركوك» مستقلة للعشر السنوات القادمة.

كما أن الحكومة التركية وفي ذروة وهج العثور المفاجئ على «الحل السحري» لتشكيل الحكومة في 11/ 11/ 2010، كانت قد عقدت مؤتمراً منحته صفة خاصة في مناقشة الوضع «العراقي» وعلاقته مع الأمن السياسي والاستقرار الإقليمي في 10/ 11/ 2010في منطقة «هاتاي» وهي الاسكندرونة تاريخياً. وكان الحضور مكتملاً من الوفود السياسية والأكاديمية لمعظم دول الجوار العراقية وتلك المهتمة بالشأن العراقي والتي تتمتع بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة. واللافت للانتباه أن الشيخ «سالار الحفيد» أحد أعمدة البنية العشائرية الكردية في العراق كان حاضراً في المؤتمر وممثلاً عن «مشروع ولاية الموصل» الذي سبق أن أسس في تركيا عام 1992 واستمرت نشاطاته، ولحد الآن، والعناية به غير المباشرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا، والرعاية المباشرة للإدارات الأميركية المتتالية. علماً أن هذا «المشروع» يجمع بين الفعالية «السياسية» ذات الطابع «الاقلياتي» الشرق أوسطي، وفي الصميم «المسألة الكردية»، وكذلك الاهتمام المفصل بالموارد الموجودة في هذا الإقليم الكبير «ولاية الموصل» والتي تشتمل على المياه والنفط والغاز وبقية المعادن «الإستراتيجية» الأخرى وكذلك المشاريع الإنمائية والاقتصادية المتعددة والمرتبطة مع الإستراتيجية العامة للدولة التركية وطموحاتها المركزية للدخول في الوضع العضوي الأوروبي سياسياً واقتصادياً. ولنا الحق الكامل في الفضح أخيراً، وليس آخراً، بأن القوى «الطوائفية والعرقية» المهمة والأساسية المنخرطة في «العملية السياسية» موافقة كلياً على هذه المشاريع المبيتة وتنسجم مع مصالحها الطوائفية والعرقية الأنانية، كذلك فإن الانهيار الفعلي للحركة «الوطنية» العراقية وفساد وضيق أفق وتخلف بعض مكوناتها السابقة والمتعاونة مع الغزو والاحتلال قد خلق فراغاً كبيراً في لوحة المواجهة مع الاحتلال الأميركي ومخططاته الإستراتيجية.

[ سياسي وكاتب عراقي

==========================

فرصة لحزب العمل

المستقبل - الثلاثاء 25 كانون الثاني 2011

العدد 3893 - رأي و فكر - صفحة 20

لم يفض انسحاب ايهود باراك ومؤيديه الأربعة من حزب العمل إلى انتهاء الحزب. فاستطلاع "هآرتس ديالوغ" الذي نشر يوم الخميس الماضي أظهر أنه لا يزال للعمل طاقة انتخابية كامنة، وهو يمكنه ان يصل حتى الى عشرة مقاعد في الانتخابات المقبلة، اذا ما وقفت على رأسه عضوة الكنيست شيلي يحيموفتش. في جلسة مكتب العمل، الذي انعقد لاول مرة منذ الانشقاق، شارك نشطاء عديدون عادوا بعد غياب طويل، وتسجل في العمل مئات المنتسبين الجدد. المخاوف من انشقاق اضافي للكتلة في الكنيست تبددت في هذه الأثناء.

الانتخابات ليست على الابواب، والمنضمون يعبرون عن احتجاج ضد باراك اكثر مما يعبرون عن حملة سياسية منظمة. ولكن كل المؤشرات تدل على أنه ثمة لحزب العمل مكان في الساحة السياسية الإسرائيلية اذا ما أعاد تنظيم صفوفه حول طريق وزعيم، وقاد من داخل الكنيست الصراع ضد حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو وشركائه، افيغدور ليبرمان، ايلي يشاي وايهود باراك.

إن ضعف حزب كديما، الذي يمتنع عن الدخول في سجال ايديولوجي مع نتنياهو والذي يؤيد بعض اعضائه مشاريع القوانين العنصرية لليبرمان، يمنح فرصة كبيرة لهيئة معارضة صغيرة، متكتلة ومصممة. هذه هي فرصة حزب العمل لترميم نفسه ولبلورة صوت مميز الذي يمكن تلمس انعدام وجوده في الكنيست الحالية.

الانشقاق يحرر حزب العمل من الصراع بين معارضي باراك ومؤيديه، والذي كان على رأس جدول أعماله في السنتين الاخيرتين. فأعضاء الكنيست الثمانية الذين بقوا في الكتلة قد يكونون متنازعين فيما بينهم، ولكن لا يوجد بينهم خلاف حول الطريق. كلهم يؤيدون السلام مع الفلسطينيين، انقاذ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

اذا ما تمكن اعضاء الكنيست الثمانية من التعالي على المشاكل الشخصية، ولا سيما اذا ما نجحوا في التكتل خلف زعيم او زعيمة بدلا من تنغيص حياتهم، مثلما فعلوا لكل رؤساء الحزب في العقد الماضي - فسيكون بوسع كبار رجالات حزب العمل ان يقيموا حركة اشتراكية - ديمقراطية حقيقية. يمكنهم أن يتوجهوا الى جمهور المقترعين الذين يريدون إسرائيل اخرى، منفتحة على العالم ومتساوية، فيعرضون عليهم بديلا عن الشوفينية والانطواء لنتنياهو وليبرمان. إسرائيل بحاجة اليوم اكثر من أي وقت مضى الى مثل هذه الهيئة السياسية، ولحزب العمل توجد فرصة لفعل ذلك.

==========================

توابع ما بعد الثورة التونسية

المصدر: صحيفة «إندبندنت» البريطانية

التاريخ: 25 يناير 2011

البيان

أعطت الجامعة العربية منذ فترة طويلة، الانطباع بأنه لا توجد مشكلات داخلية حقا لدى البلدان الأعضاء لديها، وأن المشكلة الوحيدة تتعلق، فقط، بمسألة وضع حد للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والاعتراف الدولي بقيام دولة فلسطينية. ولكن خطاب أمين عام الجامعة عمرو موسى، مؤخراً، أمام مؤتمر القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ، ينطوي على لهجة مختلفة تماماً، حيث قال: «إن (الثورة التونسية) ليست ببعيدة عما يدور في أذهان الجميع، فالمواطن العربي وصل إلى مرحلة لم يسبق لها مثيل من الغضب والإحباط. والأنفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والكساد العام».

وبدلا من أن ينحو باللوم على الولايات المتحدة أو الغرب عموماً، فقد دعا موسى الجامعة والقادة العرب إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة العلل المتراكمة. والنتيجة هي الحاجة إلى ملياري دولار للمساعدة في تخفيف آثار البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وغيرها من مصادر التوتر الاجتماعي. وحثّ موسى على إحداث «نهضة عربية» لانتشال الناس من شعورهم بالإحباط.

كلمة موسى، والهمة التي امتزجت بمساهمات القادة العرب، بدءاً من السعودية والكويت، توضح السرعة والوضوح في استيعاب الرسالة من ثورة تونس. وكان من قبيل المصادفة انعقاد مؤتمر القمة مباشرة عقب الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، حيث تلوح في الأفق بوادر الاضطرابات الكبيرة في تونس. ومع ذلك فإن مستقبل تونس ليس فقط هو الذي يقلق بعض القادة العرب، ولكن مصيرهم أيضاً.

هذا الاهتمام، رغم أنه جاء متأخراً، فهو قائم على أساس سليم. صحيح أن جميع دول المنطقة متباينة، إلا أنها إلى حد ما، تشترك في العديد من الخصائص مع تونس. فهي تضم شبانا صغار السن، وهناك ارتفاع في معدل البطالة وتفشي الفساد، والتفاوت الإجمالي في الثروة والتعليم والحريات المدنية المهملة، وكلها تفاقمت أخيراً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ويعتبر هذا المزيج في أي مكان من العالم، باروداً قابلا للاشتعال، ولن يطفئ المال وحده الغضب الشعبي، وبالتأكيد لن يطفئه مبلغ الملياري دولار التي تعهدت بها الجامعة العربية. ومع أنه لا يزال هناك عدم يقين في ما يتعلق بالتطور الذي ستصل إليه الثورة التونسية، فإن ما أظهرته القمة العربية الأخيرة، يدل على أن هذه الحالة من الشكوك قد انتشرت إلى أبعد من حدود تونس.

تماماً مثل «حزب الشاي»، يتعين على هؤلاء المتظاهرين في شوارع تونس، أن يسألوا أنفسهم: هل يمكننا أن نظل كمجموعة احتجاج من المواطنين اليقظين، أم أننا يجب أن ننتقل من الاحتجاج إلى السلطة؟

تنبثق الثورة الشعبية في تونس من أطروحة تتعلق بإدارة جميع الأمور. فقناديل البحر ليست لديها أدمغة بالمعنى العادي، رغم أن لديها جهازا عصبيا معقدا نوعا ما. فلو أنك قطعت ذراع قنديل البحر، فسوف ينمو له ذراع جديد. ويمكن للبعض أن يكرر نفسه من مجرد وجود عضو واحد فقط، فالحركات دون قائد، مثل قناديل البحر.

إن حركة الاحتجاج في تونس لها السمات نفسها. فعندما يقضي الرصاص والضرب على أحد المشاركين في الاحتجاج، سوف يتقدم شخص آخر. فهل لها أدمغة تسيرها؟ هل هناك شخص مسؤول؟ حين تبحث بعناية لمعرفة ما إذا كان شخص واحد أو مجموعة ما صغيرة، هي التي تقود الثورة، فلن تجد أي دليل. ولو طالعت الصحف التونسية باللغة الفرنسية على شبكة الإنترنت، حيث أصبحت الآن حرة في النشر من دون رقابة، فالنتيجة أيضاً دون جدوى!

==========================

الانتفاضات العربية والمصائر المجهولة

د. نسرين مراد

التاريخ: 25 يناير 2011

البيان

منذ بداية القرن العشرين، شهدت الساحة العربية الشعبية انتفاضات متنوعة، تكثفت في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية. هنالك انتفاضتان فلسطينيتان رئيسيتان، إلى جانب عدد لا حصر له من الانتفاضات الجانبية والفرعية والهامشية. هذه جميعاً لم تحقق الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني. السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى عجز القيادات الفلسطينية عن تسيير دفة الأمور واستغلال القدرات الشعبية الهائلة المتاحة، لصالح القضية الفلسطينية. بالذات أدى تسلسل الأحداث إلى تكوين كيان سياسي إداري، عالة على الغير في كل شيء.

في الدول العربية حدثت انتفاضات عدة، منها السرية التي لم تصل أخبارها إلى وسائل الإعلام، ومنها ما تسرب إلى وسائل الإعلام رغماً عن الاحترازات الأمنية المشددة والتعتيم الإعلامي الشامل. عادة ما تُسحق تلك الاحتجاجات بأقصى وحشية ممكنة، ويُرسَل القائمون بها وعليها ليواجهوا مصائر «معلومة مجهولة»؛ تتلخص في الموت أو السجن، أو النفي القسري أو الاختياري.

هنالك انتفاضات «أرغفة الخبز» العارمة في معظم الدول العربية. هذه الدول قادتها أنظمتها السياسية والإدارية المحلية «الفاسدة»، والتدخلات الخارجية، إلى الاعتماد شبه المطلق على مساعدات وواردات الغذاء الخارجية. استُخدمت شرطة مكافحة الشغب الخاصة، من ذوي التدريب الخاص المتميز، للإجهاز على «مثيري أعمال الشغب»، وإنهاء انتفاضاتهم بأقصى سرعة وسرية ممكنة. هنالك انتفاضات مصغرة هنا وهناك، وهذه عادة ما تحدث في السجون. الأسباب كثيرة، منها تنامي الاضطهاد، وتنوّع وتشديد طرق التعذيب والتنكيل. الاكتظاظ وسوء المعاملة ونقص، بل انعدام الخدمات الأساس في تلك السجون، أدت بالبعض إلى اقتحام «جدران الموت»، عبر التعرض لرجال الأمن المدججين بالسلاح الذين يديرون شؤون السجون. ثمة انتفاضات أخرى حدثت في المؤسسات التعليمية العالية، بسبب تنامي نسبة الوعي عند المتعلمين. هذا ما حدا بالبعض إلى إعلان التمرد والانتفاض في وجه هيكل السلطة الرسمية، المعروف بقسوته وجبروته.

أخيرة، وليست آخرة، انتفاضات الشعوب العربية العارمة في الزمن الحالي، هي انتفاضة الشعب التونسي الأبي. باتت معروفةً للعالم مجموعة الأسباب التي حدت بالشعب التونسي لإعلان التمرد العام على السلطة «المنتخبة من خلال صناديق الاقتراع!».

كغيرها من الانتفاضات العربية والدولية عبر التاريخ، فلقد شكّل خليط «الفساد والتسلط والإقصاء والفقر والجوع والاضطهاد والتنكيل»، العمود الفقري لإعلان انتفاضةٍ اجتماعيةٍ عارمةٍ.

الانتفاضة أو الثورة التونسية، تواجه بدورها مصيراً مجهولاً. الأسباب كثيرة، ومنها عدم وجود قيادة مركزية متكاملة، موثوق بها شعبياً. قيادة حكيمة ناضجة، تلتحم مع الجماهير الثائرة، وتري الأخيرة طريقها نحو النصر النهائي.

تتوزع القيادات الحالية العشوائية المتباينة، بين الداخل والخارج. غالبية هذه القيادات انتفاعية انتهازية، تهوى الحصول على مراكز ومناصب في «العهد التونسي القادم المرتقب». قيادات جديدة، مزيج من داخل النظام السياسي السابق وأخرى من خارج الأوطان، تأثرت الأخيرة بثقافات دول المهجر، بعد أن مكثت فيها عقوداً. منذ بداية البداية يتسابق هؤلاء القادة الجدد، بل المخضرمون، لشغل مناصب رؤساء الدولة والوزارة، وحقائب الوزراء، ومقاعد مجلس النواب.

سبب آخر ثمة مهم في جعل مصير الانتفاضة التونسية مجهولاً، هو عجز الشعوب العربية الأخرى المكبّلة، عن تقديم يد العون الحقيقي لشقيقتها التونسية. ذلك ما يجعل التونسيين يشعرون باليتم والعزلة، والخذلان من قبل الشعوب الأخرى، خاصة المجاورة منها.

منذ خروج جنين الانتفاضة التونسية، باتت تونس محاطة بنظامين سياسيين معاديين لطموحات التونسيين الثورية. أحدهما يخاف من انتقال عدوى الانتفاضة التونسية إلى مرابع شعبه، والثاني لا يرى ضرورة لحدوث انتفاضة هي أقرب إلى أعمال فوضوية متسرعة طائشة!

العالم الخارجي، وبالذات الغربي، لا يقل شؤماً على حركات الشعوب الثورية. لا تزال الدول الغربية متمسكة بإرثها الثقافي الاستعماري، وأنفاسها ونظراتها الإمبريالية تجاه الشعوب الضعيفة؛ هذا وإن بدت إعلامياً عكس ذلك. لا تريد أن ترى فاتحة لجسم عربي حقيقي، ينهض من بين ركام المؤامرات وحملات التصفية والقمع والتهميش والتنكيل. تريد هذه الدول إبقاء المارد العربي على حاله، نائماً أو في حالة غيبوبة أو شلل أو موت سريري. في كل هذا وذاك، مكتوب على شعوب الانتفاضات العربية المتتالية أن تحسب، وتظل تعيد الحسابات.

==========================

ثورة أكثر دموية من الياسمين

إريك غولدشتاين

الشرق الاوسط

25-1-2011

القصرين – تونس - في هذا الركن القاحل من جنوب تونس بالقرب من الحدود مع الجزائر، تبدو «ثورة الياسمين» تسمية غير موفقة لانتفاضة شعبية نجحت في طرد الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد. قد تشير كلمة «الياسمين» إلى فيلات الطبقة المتوسطة في العاصمة، التي تغطت الجدران المحيطة بها بكرم عنب ذي رائحة عطرة. تسمية الثورة بـ«ثورة الياسمين» قد تشير إلى مفكرين وفنانين ومهنيين نجحوا في إذلال وهزيمة الدولة البوليسية من خلال الخروج في مسيرات جماعية.

هناك حقا طبقة متوسطة كبيرة في تونس، ولعب المتعلمون ميسورو الحال إلى حد ما دورا أساسيا في إسقاط النظام. لكن في ولاية القصرين وعدة مدن محيطة بها تعتبر نفسها مهد الثورة، كانت القصة عن الدم لا الياسمين. لقد جمعت لجنة «هيومان رايتس ووتش» أسماء 17 من أهل القصرين الذين تم إطلاق النار عليهم من قبل الشرطة خلال مظاهرات الشوارع في الفترة من 8 إلى 10 يناير (كانون الثاني). وقد قتل ستة خلال الفترة نفسها في مدينة تاله الأصغر، التي تبعد 25 ميلا باتجاه الشمال. وفاق عدد من قتل في هاتين المدينتين العدد الرسمي لمن قتلوا في أنحاء البلاد البالغ 21، وهو الرقم الذي أعلنته حكومة بن علي قبل وقت قصير من انهيار النظام. ولم يعرف بعد عدد القتلى، على وجه الدقة. لكن في الغرب توفي خمسة في الرقاب واثنان في منزل بوزيان. وفي قلب المنطقة تقع سيدي بوزيد التي شهدت إضرام بوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) وهو ما أشعل الثورة. وكذلك أطلقت الشرطة النيران على متظاهرين في العاصمة، لكن كانت المنطقة الجنوبية لها النصيب الأكبر من الإصابات. وبحسب المجلس المحلي، فقد بلغ عدد القتلى في أرجاء البلاد 78، وتم إعلان الحداد عليهم لمدة ثلاثة أيام.

القصرين هي تونس الأخرى، حيث يقول أكثر الناس إن مطلبهم الرئيسي هو الحصول على وظيفة، والشعار الذي رفعوه هو «خبز وماء.. بن علي لا». لم يكن الإحباط الذي يعانيه أهل المنطقة معروفا، لأنه حتى سقوط بن علي، لم يكن يستطيع أي صحافي أجنبي أو باحث حقوق إنسان زيارة هذه المنطقة الداخلية. فإذا لم ترصدك الشرطة السرية وتعيدك، فلن تجد أي مواطن على استعداد للتحدث بصراحة، خوفا من التحقيق معه بقسوة أو ما هو أسوأ. وأكد لي ذلك عدة مواطنين من سكان المنطقة الذين ينعمون الآن بفرق عمل تلفزيونية تصور ثورتهم وفقرهم، ومنهم مراسلون صحافيون من التلفزيون التونسي بعد ولادته مرة أخرى، حيث لم يكن يذهب إلى المنطقة خلال حكم بن علي الاستبدادي الذي دام 23 عاما، إلا لتصوير مراسم افتتاح.

لقد جذبت ولاية القصرين إليها الأنظار بالطريقة الصعبة، فقد تحدثت وزملائي مع عائلات وشهود عيان ومسؤولين طبيين وآخرين هنا، وفي تاله الأسبوع الماضي، وأخبرونا كيف كانت شرطة مكافحة الشغب القادمة من خارج المنطقة تستخدم الذخيرة الحية ضد المتظاهرين وتضربهم بعنف في بطونهم وعلى رؤوسهم وظهورهم. أكثر المظاهرات كانت سلمية، لكن كان الشباب في مظاهرات أخرى يشعلون النيران في إطارات السيارات، ويلقون أحجارا وأحيانا قنابل المولوتوف. لكن تشير الروايات التي سمعناها هنا إلى أن قوات الأمن كانت تطلق النيران بهدف القتل حتى في المواقف التي لم تكن تعد خطيرة، مثل عندما قذف بعض الشباب الحجارة على قوات الشرطة وأحرقوا إطارات سيارات لاستخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفرقة السكان الذين كانوا يشاركون في تشييع جنازة شاب في 10 يناير.

وأثارت طلقات النار المميتة غضب التونسيين في مختلف أنحاء البلاد. فأن تعرف أنك تعيش في دولة بوليسية شيء، وأن ترى الشرطة تقتل وتصيب أهلك شيء آخر. في أعمال شغب الخبز عام 1984، نزل سكان القصرين، الذين هم آباء الشباب الذين قاموا بالثورة الشهر الحالي، إلى الشارع ودفعوا ثمنا باهظا. منذ أن تولى بن علي الرئاسة عام 1987، لم ير التونسيون الشرطة تقتل متظاهرين بهذا الشكل، لسبب بسيط وهو أن الشرطة كانت نادرا ما تسمح للمظاهرات بأن تبدأ.وعندما لم ينجح قمع الشرطة في وضع حد للاضطرابات، الجنرال رشيد عمار، قائد الجيش، رفض أن يأمر قواته بإطلاق النار على المتظاهرين. ويقول سكان القصرين إنه بعد ظهيرة يوم 10 يناير، الجيش حل محل قوات مكافحة الشغب في المدينة على نحو مفاجئ. ومنذ ذلك الحين تولى الجنود أمر المظاهرات المستمرة دون حوادث جلل. وقدم مصدر طبي، مطلع في القصرين، دليلا شرعيا على أن قوات الشرطة كانت تطلق النيران على المتظاهرين بهدف قتلهم، لكنه طلب مني عدم ذكر اسمه. وقال: «لا ندري مصدر الثورة؟ من قتلوا كل هؤلاء الناس ما زالوا طلقاء، ومعهم بنادقهم». شعر سكان المنطقة بقدر أكبر من الراحة، لكن لا يزال الكثير منهم يطالبون، بالإضافة إلى المزيد من فرص العمل، بمعاقبة الذين قتلوا أبناءهم وإخوانهم.

ليست العائلات الحزينة هي فقط التي تهتم بأمر المساءلة. إذا أنشأت تونس جهازا أمنيا يحترم حقوق الإنسان ليحل محل ذلك الجهاز القائم على التعذيب والإرهاب، فهي بحاجة إلى محاكمته وعمل ملف كامل شعبي للدماء التي تم دفعها من أجل «ثورة الياسمين».

* نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في «هيومان رايتس ووتش»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ