ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

انتهاء حقبة رئيس الموساد: اغتيال مغنية والمبحوح وتدمير المفاعل بدير الزور والتشويش على البرنامج النووي الايراني واختراق الدول العربية والحصول على الهدايا من الزعماء

زهير اندراوس:

2011-01-03

القدس العربي

تعمد صناع القرار في تل ابيب، في خطوة غير مسبوقة، السماح لوسائل الاعلام بحضور مراسم وداع رئيس الموساد المنتهية ولايته، مئير داغان، لوزراء الحكومة الاسرائيلية، وعلى الرغم من الحميمية التي ظهرت بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد، الذي عاد الى مستوطنة روش بينا، في الشمال حيث يسكن لمزاولة هواية الرسم التي يعشقها، بحسب صحيفة 'يديعوت احرونوت'، الا انّ الخلافات بين نتنياهو وداغان لم تختف بالمرة، بل على العكس، رئيس الوزراء الاسرائيلي رفض قبل عدّة اشهر الطلب الذي تقدّم به رئيس الموساد، الذي باشر اعماله رئيسا للموساد في العام 2002، بتمديد فترة ولايته لسنة اضافية.

وبحسب كبار المحللين للشؤون العسكرية والاستخبارية في الدولة العبرية فانّ القشة التي قصمت ظهر البعير كانت الفشل الذي ما يزال يلاحق اسرائيل في عملية اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي، قبل نحو عام.

كما انّ رئيس الموساد تعرض لانتقادات لاذعة لانّه اقام حوله جيشا من الخاضعين له والذين دأبوا على تسريب معلومات للصحافة العبرية لتمجيده واظهار الجهاز على انّه من انجح الاجهزة الامنية في الدولة العبرية، ولكنّ الحقيقة مختلفة عن الصورة الوردية التي حاول داغان صبغ الموساد بها، فخلافا لرؤساء الجهاز السابقين، كتب امس المحلل رونين بيرغمان في صحيفة 'يديعوت احرونوت' غيّب داغان عن سبق الاصرار والترصد التعاون الوثيق مع شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال (امان)، الامر الذي اثار حفيظة العديد من صناع القرار في المستويين الامني والسياسي، على حد سواء.

مع ذلك، يعتبر رئيس الموساد الاسرائيلي من اكثر الشخصيات الامنية تأثيرا على صنّاع القرار في تل ابيب في السياسة الخارجية.

من ناحيته كتب المعلق للشؤون العسكرية في صحيفة 'هآرتس' امير اورن ان لاسرائيل اسبابا كافية لتنفيذ عملية اغتيال عماد مغنية، بدون المحفزات الامريكية التي تصل الى 5 ملايين دولار، جائزة على قتله.

واشار في هذا السياق انه في حال تبينت صحة ما ذهبت اليه وكالات الانباء العربية فان الجائزة هي من حق مئير داغان والموساد. واعتبر ان عماد مغنية يمثل تجسيدا للعلاقة بين ايران وحزب الله، وايضا بين الايديولوجية المتطرفة لنظام ايات الله وبين ارهاب حزب الله، مشيرا الى ان لقبه رئيس الجهاز الامني (او ضابط العمليات) لا يعكس الا القليل. يذكر انه في نهاية كانون الاول (ديسمبر) يكون قد مضى على داغان في رئاسة الموساد 8 سنوات، وكان رئيس الحكومة الاسبق ارييل شارون قد قام بتعيينه في المنصب، وفي اعقاب ذلك مدد رئيسا الحكومة التاليان ايهود اولمرت ونتنياهو ولايته في منصبه.

ونسبت التقارير الاسرائيلية الى فترة داغان عدة عمليات قام بها الموساد، مثل اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية في دمشق، والكشف عما اسمته بالمفاعل النووي السوري في دير الزور، وعدة عمليات لعرقلة البرنامج النووي الايراني.

كما ينسب لداغان اقامة علاقات وثيقة مع اجهزة استخبارية موازية، اضافة الى نفوذه الكبير لدى رؤساء الحكومات الاسرائيلية. كما ينسب للموساد عملية اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، كما نشر مؤخرا ان داغان عرقل مبادرة شخصيات من خارج الاجهزة الامنية لاجراء تحقيقات في قضية امنية.

ويبدو انّ الزعماء العرب الذين يقيمون علاقات علنية وعلاقات سرية مع الدولة العبرية كانوا كرماء جدا خلال اللقاءات التي تمت بينهم وبين العديد من المسؤولين الاسرائيليين في السنوات الاخيرة، هذا على الاقل يمكن فهمه من المزاد العلني الذي ينظم في مدينة تل ابيب، والذي سيتم خلاله بيع هذه الهدايا، وهدايا من زعماء اخرين في مزاد علني نُظم من قبل الدولة العبرية. وبحسب صحيفة 'هآرتس' الاسرائيلية، التي اوردت النبأ فانّ سلاسل من الاحجار الكريمة التي تلقاها قادة الموساد الاسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) ستكون في مقدمة الاغراض المعروضة للبيع امام الجمهور الواسع، اذ انّ كل من يدفع اكثر يحصل على هدية من زعيم عربي، علاوة على السلاسل المرصعة، فانّ اسرائيل تعرض للبيع ايضا مجموعة كبيرة من السيجار الفاخر المعروف باسم كوهيبا، والذي حصل عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت، كما تعرض الحكومة في تل ابيب للبيع الة موسيقية ثمينة كان قد تلقاها رئيس الوزراء السابق ارييل شارون، بالاضافة الى ذلك يشمل المعرض ساعات ثمينة مرصعة بعلم احدى الدول الخليجية.

وكانت صحيفة 'يديعوت احرنوت' العبرية قد قالت انّ رئيس الموساد الاسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) مئير داغان يفتخر امام الزائرين الاجانب الذين يصلون الى مكتبه بالقرب من مدينة تل ابيب بالهدايا التي تلقاها من الزعماء العرب، واضافت الصحيفة انه منذ تسلمه منصبه في العام 2002 تمكن الموساد من اختراق العديد من الدول العربية. وقالت ايضا انّ الملوك والرؤساء العرب قاموا باهدائه الكثير من الهدايا، واكثرها كانت عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والاحجار الكريمة.

مع استقالته من الجيش لصقت به صفة ضابط بوهيمي يرسم ويستمع الى الموسيقى الكلاسيكية ويدخن الغليون، وهو نباتي، واعتاد التندر بالعلاقة بين اختصاصه العملاني الدموي وحقيقة كونه لا يأكل اللحوم.

وشغل داغان لعدة سنوات منصب رئيس الهيئة لمكافحة الارهاب في مكتب رئيس الحكومة. يعتبر داغان، المولود عام 1945 قبل هجرته الى البلاد، انسانا منعزلا. لا يصاحب الوزراء وكبار المسؤولين، ويتمتع بالهالة التي تحيط برئيس الموساد، كمن يعرف كل شيء. لا يقوم بزيارات اجتماعية لسياسيين ويعلق في مكتبه صورة ليهودي يقف على حافة حفرة ويطلق عليه نازي النار من الخلف. ويقول ان ذلك اليهودي هو جده.

امّا المحلل للشؤون السياسية في صحيفة 'هآرتس' الوف بن فقد كتب: عندما تمّ تعيين مئير داغان رئيسا للموساد قبل ثماني سنين، كان صدام حسين يحكم العراق، وكان ياسر عرفات سجينا في المقاطعة، ودرّس محمود احمدي نجاد الهندسة في جامعة العلوم والتكنولوجيا في طهران، كافحت اسرائيل انذاك موجة عمليات الانتحار، وهدد الجهاز الاقتصادي بالانهيار، وكانت الروح المعنوية في الحضيض. ان ارييل شارون، الذي عرف داغان من الجيش، عيّنه على رأس الجهاز السري كي يُعيد اليه الروح الهجومية، لافتا الى انّه تُنسب الى شارون مقاولة: خبرة مئير هي فصل رؤوس العرب عن اجسادهم.

==========================

روسيا والغرب شراكة في ظل القدرة المتبادلة على الإبادة

المستقبل - الثلاثاء 4 كانون الثاني 2011

العدد 3873 - رأي و فكر - صفحة 19

حمزة سعد

بنهاية العام الحالي 2010، يبرز السؤال عن مستقبل ما تم الترويج له، عملية اعادة اطلاق العلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الى واجهة الاهتمام لدى الاوساط المراقبة. ويستتبع وبشكل تلقائي بالسؤال عن مستقبل العلاقات الروسية مع كل من حلف شمالي الاطلسي والاتحاد الاوروبي؟ وذلك لان التجارب التاريخية اثبتت ان العلاقات بين روسيا وكل من الناتو والاتحاد الاوروبي الى حد بعيد نتاج للعلاقات الروسية الاميركية، والتي ترتد على ما يبدو الى سابق عهدها من البرودة بسبب التطورات الداخلية والخارجية في كل من البلدين.

يرى المراقبون ان الكشف عن فضيحة الجواسيس الروس، والذي جاء بطريقة توحي بانها كانت مقصودة، كان بمثابة الاعلان عن نهاية فصل التقارب، خاصة انه جاء بعد ثلاثة ايام من انتهاء زيارة الرئيس الروسي الى الولايات المتحدة، واختتام مفاوضات مع الرئيس الاميركي اعتبرت ناجحة. الامر الذي يعكس حقيقة ان الاستابلشمنت الاميركي هو صاحب القرار في النهاية. بغض النظر عن موقف الرئيس الاميركي الشخصي.

بوادر العودة في العلاقات بين الطرفين الى حالتها التاريخية بدأت بالظهور في شهر ايلول الماضي. عندما اعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين انه في كثير من المجالات لا يرى أي وجود لعملية اعادة اطلاق العلاقات. بالاضافة الى ذلك فقد ساهمت تصريحات الثنائي الروسي (بوتين ميدفيدف) في الاشهر الاخيرة من العام 2010، في تعزيز الانطباع عن عودة العلاقات بين روسيا والغرب الى اجواء الحرب الباردة. كونها جاءت بشكل تهديد، بدفع الامور نحو الدخول في مرحلة جديدة من سباق التسلح، في حال عدم تصديق الكونغرس الاميركي على معاهدة ستارت الجديدة. وفشل روسيا والناتو في ايجاد منظومة مشتركة للدرع الصاروخية في اوروبا.

بخلاف سابقاتها في عهد كل من غورباتشوف، ومن ثم يلتسين، وصولاً الى الفترة الرئاسية الاولى لبوتين, والتي اتسمت بتقديم التنازلات من طرف روسيا فقط. تميزت عملية اعلادة اطلاق العلاقات الحالية بتحقيق بعض الانجازات لصالح الطرفين. ولم تقتصر فقط على التغيير في الخطاب السياسي بالمقارنة مع الادارة الاميركية السابقة.

من وجهة النظر الروسية، يشار الى ان ادارة الرئيس اوباما اقدمت على ازالة بعض العوائق الاساسية امام تحسين العلاقات بين الطرفين من خلال اولاً - اعادة النظر في خطة الادارة السابقة لنشر قواعد الدرع الصاروخية في اوروبا. ثانياً - تأجيل الى وقت غير معروف تنفيذ خطط ضم جورجيا واوكرانيا الى الناتو. ثالثاً الموقف المحايد في انتخابات الرئاسة الاوكرانية عام 2009.

في المقابل قدمت روسيا تنازلات مهمة لملاقاة الادارة الاميركية الجديدة. فخلال زيارته الاولى الى موسكو في تموز 2009 حصل الرئيس اوباما على موافقة الكرملين على السماح للقوات الاميركية باستعمال الاجواء الاقليمية لروسيا لنقل العتاد الحربي الى افغانستان. والاهم من ذلك التغيير الجذري في الموقف الروسي تجاه الملف النووي الايراني, والموافقة على قرار فرض العقوبات.

لكن المراقبين يشككون في قدرة هذه الايجابيات المرصودة في العلاقة بين الطرفين على تحقيق تقدم ملموس في الملفات الاستراتيجية العالقة منذ عقود بينهما. اذ انها ليست المرة الاولى على مسرح العلاقات الدولية، حيث نشهد من حين الى اخر, فصلاً من التقارب والتعاون التكتيكي لتحقيق بعض المصالح المتبادلة.

في 19/11/1985 كان اول لقاء في جنيف بين غورباتشوف وريغان، حينها انطلقت ما سمي بالبريسترويكا السوفيتية التي وضعت حدا للحرب الباردة, والصراع الايديولوجي، وساهمت عملياً في انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه. الا انها لم تجد حلا لجملة قضايا ما زالت عالقة بين الطرفين . اولها - قضية الحد من انتشار الاسلحة الاستراتيجية ما زالت بنداً اول على جدول المفاوضات بالرغم من مرور 25 عاما على طرحها. في هذا الصدد يشار الى تبادل المواقع بين الطرفين حيال هذه القضية . انذاك وانطلاقا من احساسه بالتفوق في مجال الاسلحة التقليدية , كان الاتحاد السوفييتي مبادراً ليس فقط للحد من انتشار الاسلحة النووية بل الى الغائها كلياً. في المقابل كانت الولايات المتحدة ومن خلفها الناتو تعارض ذلك لانها تريد تعويض تخلفها في الاسلحة التقليدية من خلال تعزيز ترسانتها النويية . لكن تراجع النفوذ الروسي عسكرياً واقتصادياً، وتفوق الولايات المتحدة في مجال الاسلحة التقليدية، دفع باوباما الى اخذ موقع المبادر ورفع شعار غورباتشوف (عالم خال من الاسلحة النووية)، في حين تبدو روسيا متحفظة، نظرا لما تشكله ترسانتها النووية من ضمانة لسيادتها وموقعها على الساحة الدولية. وكما يبدو فان الازمة الاقتصادية ارخت بظلالها على استراتيجيات الطرفين، فكلاهما لم يعد قادراً على زيادة ميزانية التسلح، ويرى في ترسانته النووية الملاذ الاخير لحفظ موقعه على الساحة الدولية.

ثانياً- كذلك فان خطة انشاء الشبكة المضادة للصواريخ، مشروع الرئيس ريغان، باتت اليوم تهدد مصير العلاقات بين الطرفين اكثر من ذي قبل، نظرا لخطرها من وجهة النظر الروسية. فروسيا ترى ان الهدف منها حرمانها من ورقة الصواريخ الباليستية.

ثالثاً - توسيع حلف الناتو شرقا، كقضية فرضت نفسها على جدول العلاقات المتبادلة بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي, ولا زالت حتى الوقت الراهن مصدر نزاع بين الطرفين.

رابعاً- بالرغم من كل التصريحات المتبادلة على الصعيد الرسمي والتي تشدد على انهاء حالة العداء، يبقى ان نشير الى ان هذا التوصيف لا ينطبق على الرأي العام في البلدين، فلطالما ابدى الاميركان معارضتهم للتقارب مع روسيا، في حين لقي كلام القادة الروس مؤخرا عن سباق تسلح جديد تصفيقاً حاراً في اوساط ممثلي الشعب.

اخيراً فإن التوقيع على اتفاقية ستارت الجديدة, لا ينفي حقيقة احتفاظ الطرفين بترسانة نووية ضخمة, ولا يبدد التساؤل حول مبرر بقائها لديهم. خصوصاً اذا ما اخذنا بالاعتبار انخفاض مستوى التهديد بحرب نووية, وعدم وجود مشكلة دولية بحاجة الى هذا الكم من العتاد. الامر الذي يدفع الى الاعتقاد بان القاعدة التي تحكم العلاقة بينهما ليست توازن الرعب بقدر ماهي توازن القدرة على ابادة الاخر.

==========================

أسئلة الفاجعة

فهمي هويدي

السفير

4-1-2011

تستدعي فاجعة الإسكندرية عددا من الأسئلة التي ينبغي أن نفكر في الإجابة عنها، لكي نواجه عواقب ما جرى فضلا عن أن نفهمه. لكن قبل أي كلام في الموضوع لا بد من أن نقرر أنه أيا كانت الخلفيات والذرائع، فإن رفض الحدث الإجرامي واستهجانه، يظل فرض عين على كل مواطن في مصر، بل على كل عربي خصوصا إذا كان مسلما.

(1)

أدري أن التطرق إلى الموضوع قبل اتضاح معالمه لا يخلو من مغامرة. على الأقل بالنسبة لي. لان هذا المقال يسلم مساء الأحد أو صباح الاثنين على أبعد الفروض، ولأنني أكتب هذه السطور يوم الأحد، فلم يكن معروفا على وجه الدقة من هم الفاعلون، ولا ما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بواسطة سيارة مفخخة كما تقول بعض المصادر، أو عن طريق حزام ناسف تمنطق به انتحاري كما ذكرت بعض المصادر الأمنية.

مع ذلك فالذي لا شك فيه ان هذا الأسلوب في ارتكاب الجرائم جديد على مصر بصورة نسبية. أعني أنه إذا كانت قد جرت في السابق (عام 1993) محاولة اغتيال بواسطة سيارة ملغومة لرئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي، فإن تلك المحاولة لم تنجح إلا في قتل طفلة صغيرة (شيماء)، غير أن الأمر اختلف تماما هذه المرة. فترتيب الجريمة بدا محكما، وضحاياها كثر، أما مقاصدها فالشر فيها مضاعف. ذلك أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء إذا كانت قد استهدفت تصفية بعض الحسابات مع النظام، فإن الجريمة الأخيرة تصب في وعاء شق الوطن.

في هذا الصدد ثمة تشابه يخطر على البال، إذا صح ان وراء جريمة الإسكندرية عناصر تنتمي إلى تنظيم القاعدة أو تستخدم أساليبها. ذلك ان محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي في التسعينيات اتهم فيها تنظيم «طلائع الفتح»، الذي يتبنى فكرا أقرب ما يكون إلى فكر القاعدة، الذي يخاصم الجميع ويعلن الحرب عليهم.

ذلك لا ينفى ان الحادث الذي وقع في مصر جديد واستثنائي، فيه اصداء لما يحدث في العراق بين الفئات المتصارعة، أو ما يحدث في باكستان بين متطرفي الشيعة والسنة، أعني أنه يعبر عن استهانة شديدة بحياة البشر، بقدر ما يعبر عن نزوع إجرامي ليس مألوفا عندنا، وإذا فهمنا أن حادثة الأقصر التي وقعت في عام 1997 وقتل الإرهابيون فيها 59 سائحا أريد بها ضرب السياحة في البلد، إلا أن ما جرى في الإسكندرية بدا أبعد أثرا، من حيث أنه يفتح الباب واسعا لاشعال حريق في الوطن، إذا تكررت أمثال تلك الحوادث لا قدر الله.

(2)

ثمة محاذير يتعين الانتباه إليها في تناول الموضوع كي لا نقع في الغلط. فنخطئ في تقييم الفاجعة، بما يجعلنا نعالج المنكر، فنتورط في ما هو أشد انكارا. من تلك المحاذير ما يلي:

÷ إننا ينبغي أن نضع الوطن نصب أعيننا، بحيث لا نتعامل مع ما جرى من منظور طائفي، فاستهداف الأقباط هو بالدرجة الأولى عدوان على الوطن ينبغي أن يرد بمنتهى الحزم والشدة، ذلك ان كل إنسان في هذا البلد له حقوقه وكرامته التي تعد صيانتها من أوجب الواجبات. ليس لانه قبطي أو مسلم، ولكن لانه مواطن يتساوى مع غيره من المواطنين في الحقوق والواجبات.

÷ إننا ينبغي أن نقاوم بكل قوة قسمة البلد إلى مسلمين وأقباط، بحيث تكون ملة المرء أمامه وليست في قلبه. وهو المحظور الذي أصاب العراق فقسمه بين الشيعة والسنة، وضرب لبنان يوما ما حين اقتتل المسلمون والموارنة في الثمانينيات، ثم أطلت الفتنة المذهبية برأسها هناك حتى نجح الدساسون في غرس بذور الشقاق بين السنة والشيعة. ولئن ظللنا نقول إن مصر بلد مختلف في تاريخه وجغرافيته الأمر الذي صهر المصريين وذوب تبايناتهم في مجرى النيل ودلتاه، فإن الحفاظ على النسيج الواحد ينبغي أن يصبح الشغل الشاغل لكل من يهمه أمر الوطن.

÷ إننا ينبغي أن نعطي الجريمة حجمها الحقيقي. فهي ليست عدوانا من المسلمين على الأقباط، ولكنها جريمة اتهم فيها نفر من المسلمين. والذين يوجهون الاتهام إلى عموم المسلمين بسبب ما جرى في الإسكندرية، يغذون الفتنة ويؤججون نارها. وهم لا يختلفون كثيرا عن الإدارة الأميركية التي وضعت المسلمين في قفص الاتهام بعد أحداث 11 سبتمبر، وكانت النتيجة كما نرى، إذ أعلنت الحرب على الإرهاب، فجرى تعميم الإرهاب وانتشرت منظماته. وهو ما يسوغ لنا أن نعمم الإدانة والاستنكار على أولئك النفر من الغاضبين الأقباط، الذين انفعلوا بما جرى فرشقوا مسجدا قريبا وخرجوا في تظاهرات ضد المسلمين في الإسكندرية.

÷ إننا ينبغي ألا نستدرج للوقوع في فخ الكارهين والمتعصبين، الذين ينتهزون كل فرصة للتنديد بالمسلمين والتحريض على الإسلام. وهم الذين سبق أن استثمروا أجواء ما سمى بالحملة ضد الإرهاب لتحقيق مرادهم ومطاردة التدين في كافة مظاهره ومظانه. ولست أشك في ان الذين ارتكبوا جريمة الإسكندرية وفروا لهؤلاء ذريعة قوية للاستمرار في مسعاهم، وهو الجهد الذي اثبتت التجربة انه يشوه صورة الإسلام حقا، لكنه يستفز جماهير المتدينين، ويغذي تيارات المتطرفين بما يجعلهم أكثر نقمة على المجتمع وأشد خصومة له.

÷ إن الغمز من تنامي الظاهرة الدينية بين المسلمين، وتحميلها المسؤولية عن وقوع أمثال الفاجعة التي نحن بصددها، يعد نوعا من الابتزاز الخبيث، الذي يدعوهم إلى التخلي عن عقائدهم، وهو ما شهدناه مؤخرا في تنديد آخرين بمظاهر التدين المنتشرة، وفي الالحاح على تقديم فكرة الدولة المدنية، بحسبانها نقيضا للتدين ودعوة إلى الخلاص من تبعاته والتحلل من التزاماته. ذلك ان معالجة الانحراف بالتدين أو اساءة استخدام الدين، لا تكون بالانتقاص من التدين أو الطعن في التعاليم، فالانحراف وارد بكل قيمه، وإذا سرنا وراء منطق هؤلاء فسوف ننتهي إلى انهيار منظومة القيم كلها، بما يقودنا إلى جحيم لا قبل لنا به.

(3)

الاسئلة التي تستدعيها الفاجعة بعضها يتعلق بوقائع وتفاصيل الحدث، والبعض الآخر ينصب على المناخ العام الذي وقع فيه الحدث. في الشق الأول نلاحظ أن البيانات الرسمية تحدثت عن دور للخارج في ارتكاب الجريمة، وذلك استنتاج مفهوم نظرا لطبيعتها الاستثنائية ولتشابها مع نمط من الجرائم يرتكب في العراق بوجه أخص، لكنه يثير ثلاثة اسئلة أحدها يتعلق بحجم الدور الذي أسهم به الخارج في ما جرى، وهل هو في حدود استلهام الأفكار أم التمويل والتدريب والتنظيم. الثاني يتعلق بقابلية الداخل للاختراق والتجاوب مع مخططات الخارج، أما السؤال الثالث فهو حقيقة الجهة الخارجية التي أسهمت في المشهد، وماذا كان لتلك الجهة أو الجهات أذرع أو أصابع في مصر. وهل تلك الأصابع مقصورة على الإسكندرية وحدها، أم إنها واصلة إلى مناطق أخرى في داخل البلد.

ثم إننا ينبغي ان نعطي لدور الجهات الخارجية حجمه الحقيقي، ونفرق بين مخططات الاختراق التي تدبر في الخارج، ومدى قابلية الداخل للاختراق، والخارج بعيد عنا وليس في متناول أيدينا فضلا عن ان سعي البعض لاثارة الفتنة في مصر أمر مفهوم، لكن الذي ينبغي أن نعنى به هو توفير الحصانات الممكنة للداخل، لكي يستعصي على الاختراق، وهو ما يثير اسئلة أخرى عديدة حول الجهد الذي يبذل لتوفير تلك الحصانات، وحول هوية الفاعلين، وكيف تشكل إدراكهم وأين. وهل أتحنا لهم خيارات وفرصا أفضل، فاختاروا الاسوأ والاتعس، أم اننا أوصدنا الأبواب في وجوههم فانزلقت أقدامهم في ذلك الخيار الاتعس؟

من ناحية أخرى، فإن ما جرى في الإسكندرية يذكرنا برسالة إلكترونية وجهها إلى مصر في مستهل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من يسمون أنفسهم دولة العراق الإسلامية، ودعت الرسالة إلى اطلاق سراح سيدتين مصريتين تردد انهما تحولتا إلى الإسلام ثم احتجزتهما الكنيسة في أحد الأديرة ولم يظهر لهما أثر بعد ذلك. وهددت الرسالة باستهداف المسيحيين في مصر وفي دول أخرى في المنطقة، إذا لم يستجب للطلب خلال 48 ساعة. كانت الرسالة مفاجئة خصوصا انها الأولى من نوعها، وأعلن في مصر أن الأجهزة الأمنية المعنية سوف تضعها في الاعتبار. ورغم ان الاحتياطات الأمنية لا تحول بالضرورة دون ارتكاب الجرائم أو القيام بعمليات إرهابية، إلا أن ثمة تساؤلا عن مدى توفر تلك الاحتياطات في احتفالات عيد الميلاد بوجه أخص، وهذا التساؤل يثيره خبر مفصل نشرته جريدة «الشروق» في عدد أول كانون الثاني/ يناير تحدث عن «استعدادات مكثفة لتأمين احتفالات عيد الميلاد». وفي الخبر تفاصيل عن قيام الأجهزة الأمنية بتكثيف استعداداتها في منطقتين أساسيتين هما محافظات الصعيد التي تعاني من التوتر بين الأقباط والمسلمين، والمناطق السياحية في جنوب سيناء. ولا ذكر لأي استعدادات مماثلة في الإسكندرية، التي لها تاريخ في التوتر الطائفي، ثم إنها تعد أحد معاقل الحركة السلفية في مصر. ناهيك عن انها ظلت تشهد خلال الأسابيع الأخيرة تظاهرات بعد صلاة الجمعة رفعت خلالها شعارات ونداءات بخصوص السيدتين المذكورتين.

إذا صح خبر جريدة «الشروق» فهو يعني أن ثغرة أمنية تخللت ترتيبات تأمين احتفالات عيد الميلاد في الإسكندرية، الأمر الذي يثير السؤال التالي: هل كان يمكن أن يختلف الأمر لو تم تداركها؟ لقد قرأت أن عشرة آلاف جندي استنفروا لتأمين احتفال اليهود الإسرائيليين بما يعتبرونه مولد «أبو حصيرة» في محافظة البحيرة بدلتا مصر، الأمر الذي يستدعي السؤال ذاته مجددا؟

(4)

ما الذي سلح أولئك القتلة بالجرأة التي جعلتهم يقدمون على جريمتهم البشعة في مصر؟ يلح على هذا السؤال طول الوقت، ضمن اسئلة «المناخ» الذي وقعت فيه الواقعة. هل كان يمكن أن يفعلوها لو أنهم وجدوا المجتمع المصري عفيا ومتماسكا ومستنفرا طاقاته وقواه لبناء حاضره ومستقبله. أم أنهم رأوه مفككا ومغيبا وفاقدا الأمل في الحاضر والمستقبل؟

طوال الأشهر الماضية كان بوسع الراصد أن يرى كيف كان الوطن مغيبا في إدراك النخبة، في حين ظل المجتمع مغيبا عن الوطن. كان همُّ القائمين على الأمر منصبا على كيفية الاستئثار بالسلطة وإقصاء الناقدين والمعارضين، والانتصار عليهم في حرب أهلية عبثية كان الوطن هو المهزوم الأول فيها. نجح الحزب الوطني في اقصاء الآخر من مجلسي الشعب والشورى، ونجحت السلطة في تأديب الإعلاميين وتخويف المراسلين وغواية وتدجين المثقفين، ونجحت الشرطة في قمع المعارضة وملاحقة المدونين. وفقد الناس ما تبقى لهم من ثقة في الأحزاب التي عانى بعضها من الاحتراب الداخلي، كما حدث مع التجمع والناصري وأصاب رذاذه الوفد والإخوان المسلمين. ولم تسلم من الداء الحركة الوطنية للتغيير. (أضف إلى ذلك عوامل أخرى مثل العبث بالدستور وإهدار قيمة القانون، وتبني السطة للتزوير وتحول البلطجة إلى قيمة اجتماعية معترف بها عمليا، ثم الجرأة على الدولة من جانب بعض الرموز إلى حد الجهر بتحديها وابتزازها. وحين يعانى البلد من الفراغ السياسي الذي يصادر مشاركة المواطن في المجال العام. كما يعاني من فراع فكري وثقافي تهان في ظله الثوابت الوطنية والدينية، وحين تتقطع القواسم المشتركة بين الناس بحيث يضيق صدر الوطن بأهله. الذين يفتقدون الأمل في إصلاح الحاضر ولا يرون في ما بينهم حلما مشتركا يتطلعون إليه. حين يحدث ذلك كله فهل يمكن اعتباره مناخا جاذبا ومغريا للمغامرين من دعاة الفتنة وأمراء الدم؟

لست ضد التعبير عن مشاعر الحزن والتضامن والمواساة، لكن ينبغي أن يكون واضحا في أذهان الجميع أن الجرح أكبر من الجريح، وأن الذي يحتاج إلى حماية وإنقاذ حقا هو الوطن الذي أصابه الوهن، بعدما انفرط عقده وفقد عافيته. ففقد معها حلمه ودوره.

==========================

ملف أفغانستان والحرب على إيران!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

4-1-2011

ادى فتح ملف أفغانستان في الثمانينيات، إلى ظهور شقوق واضحة في الموقف الغربي من إيران، وخاصة بين موقف الرئيس كارتر وموقف رئيسة الوزراء تاتشر، إذ أدى احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران، إلى تفكير أميركي جدي بشن حرب على إيران، لتخليص حوالي 400 موظف ودبلوماسي أميركي متحجزين لدى طلاب جامعة طهران. خاصة وأن بقاءهم في وضعهم الشاذ سيؤدي إلى سقوط الرئيس كارتر في انتخابات الرئاسة .. الأمر الذي حدث فعلاً.

 

لقد عارضت رئيسة الوزراء السيدة تاتشر في شن هذه الحرب. وكانت حجتها أنه بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان فإن أيَّ حرب على إيران ستضعف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وستبدو الولايات المتحدة اشبه في سلوكها بالاتحاد السوفياتي.

 

والغريب في ذلك الوقت، أن الرئيس كارتر جهز حملة استخبارية عسكرية محمولة على طائرات هيليوكبتر لمباغتة الطلاب الإيرانيين، وتحرير موظفي السفارة منهم، ونقلهم بهذه الطائرات إلى السفن الحربية في الخليج. لكن الحملة اجهضت بالارتباك الداخلي الذي مرت به في منطقة صحراوية وسقوط احدى الطائرات، وفشل الأخرى في انقاذها.

 

والانسحاب من العملية, حتى دون معرفة الايرانيين بها لاكثر من 48 ساعة على انتهائها وفشلها!!

 

فشل الرئيس كارتر, واصرار السيدة تاتشر على عدم شن حرب على ايران, اديا الى تداعيات مر فيها التحالف الغربي بما يوازي الازمة الداخلية الغربية, ونجاح السوفيات في اقامة نظام موال لهم في افغانستان.

 

لم يفهم الرئيس كارتر لماذا اصرت تاتشر على موقفها. مع ان بريطانيا وفرنسا واسرائيل شنوا حرباً على مصر عام 1956 دون موافقة الامم المتحدة. وكانت موازية للتدخل السوفياتي العسكري في المجر.. في الوقت ذاته. وهنا تلاحظ الوثائق ان موقف الرئيس الاميركي ايزنهاور من العدوان الثلاثي لم يكن مختلفاً عن موقفه من التدخل السوفياتي في المجر. وان الرجل الشجاع رغم معركة رئاسة الجمهورية تحدى اللوبي الصهيوني, وأمر بن غوريون بالخروج من غزة وسيناء.. بالقوة ذاتها التي اصر فيها على انسحاب بريطانيا وفرنسا من مصر.

 

هل كان موقف السيدة تاتشر نوعاً من الانتقام للموقف الأميركي عام 1956؟!. أم انها كانت تراهن على انجاح المرشح الجمهوري رونالد ريغان على حساب مرشح الديمقراطيين المتردد؟!.

 

ندعو إلى قراءة متأنية للملف الأفغاني. فقد كان الجميع يتحدث عن ضرورة عدم اضعاف الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلا فيما يخص الحروب التي شنتها إسرائيل على ثلاث دول عربية... واحتلالها لإجزاء من أراضيها!!. فمجلس الأمن وقراراته والجمعية العمومية وتوصياتها كانت مجرد تمرين خطي على تحدي إسرائيل للرأي العام العالمي، ولميثاق المنظمة الدولية!.

==========================

ثروات البحر المتوسط تحدد مستقبل المنطقة..

حسان القطب

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

نقلا عن المركز اللبناني للأبحاث

الجمعة 31 كانون الأول 2010

ثروات البحر المتوسط تحدد مستقبل المنطقة..

سبق إعلان إسرائيل عن اكتشاف حقل للغاز حين أعلنت شركة «نوبل أنرجي» الشريكة في التنقيب عن الغاز والنفط في حقل (لفيتان) عن هذه النتائج التي توصلت إليها فحوصاتها الميدانية، والتي أشارت إلى أن مخزون هذا الحقل يجعله الاكتشاف الأهم في مجال الطاقة في العالم في العقد الأخير... سبق هذا التصريح، الإعلان عن توقيع اتفاقية سرية بين إسرائيل وقبرص تنص على تحديد المياه البحرية بين الطرفين شرقي الأبيض المتوسط بهدف تقاسم حقول الغاز الطبيعي المحتمل اكتشافها هناك... وقد تم توقيع هذه الاتفاقية بين عوزي لانداو، وزير البنية التحتية الإسرائيلي، وماركوس كيبريانو، وزير خارجية قبرص، في ختام مفاوضات استغرقت عدة أيام بين الطرفين.. وهذا الإعلان استدعى رد فعل تركي غاضب أدى إلى استدعاء الخارجية التركية السفير الإسرائيلي في أنقرة جابي ليفي، وأبلغته استياء أنقرة الشديد من الاتفاقية التي وُقعت مؤخرًا بهدف تقاسم البترول وحقول الغاز الطبيعي، المحتمل اكتشافها في المنطقة... وأكّدت الخارجية التركية معارضة أنقرة لتوقيع مثل هذه الاتفاقية قبل تسوية القضية القبرصية بشكل عادل وشامل... وباشرت مصر أيضاً تحركات دبلوماسية في أعقاب إعلان التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين كل من إسرائيل وقبرص، وأكدت الخارجية المصرية أن «اتصالات تتم الآن بين كل من القاهرة ونيقوسيا حول هذا الموضوع»... أما الحكومة السورية فلم تعلق على الأمر بالمطلق، خاصةً وان رئيسها منشغل في عقد لقاء قمة مع بعض المواطنين اللبنانيين لدراسة الوضع الداخلي اللبناني، وحتى لا تعطل أو تشوش على عملية السلام المتوقعة أو المفترضة بينها وبين إسرائيل.. رغم أن النفط السوري في طريقه للنضوب والوضع الاقتصادي السوري بحاجة لدفعة قوية للخروج من أزمته..

أما في لبنان وبعد أن تم تعطيل عمل الحكومة بملف شهود الزور الوهمي والمفتعل بهدف تعطيل عمل الحكومة وشؤون الناس بهدف تهديد المجتمع اللبناني والدولي للتراجع عن دعم المحكمة الدولية، فقد استيقظ الرئيس بري ومحمد رعد نائب كتلة حزب الله على ضرورة تفعيل عمل الحكومة ... فقط...!! فيما يتعلق بقضية استخراج النفط والغاز من الحيد البحري اللبناني قبل أن تستولي عليه إسرائيل..وحذر (بري عبر جريدة السفير الموالية لحزب الله.. من أن استمرار اللامبالاة الحكومية حيال الملف النفطي سيثير الريبة حول حقيقة الدوافع الكامنة خلفها).. وأوضح (بري أن المدير العام التنفيذي للشركة الايطالية «enny» زاره في عين التينة وأبلغه أن شركته أجرت دراسة حول بئر نفطي واحد في المياه اللبنانية وتبين لها أن قيمته توازي 76 مليار دولار أميركي)... لم نسمع يوماً أن بئراً نفطيا أو محتوى أي منجم معدني أخر قد تم تقييمه بالمال أو بالدولار بل بالطن أو بالبرميل أو بالمتر المكعب..إلا في لبنان حيث قام الرئيس بري ومن باب حرصه على المال العام بتقييم قيمة البئر بالدولار دون الالتفات إلى السعر المتغير لبرميل النفط أو المتر المكعب من الغاز..

من الواضح أن دول شرق حوض البحر المتوسط قد بدأت في التفكير في كيفية استغلال الثروات النفطية المتوافرة في عمق البحر المتوسط...وهذا ما يتطلب استقراراً سياسياً في دول المنطقة وبالتحديد في قبرص ولبنان وقطاع غزة..حيث أن الاستقرار متوافر في كل من سوريا وإسرائيل وتركيا ومصر.. المشكلة القبرصية من الممكن معالجتها نتيجة تداخل المصالح التركية والاتحاد الأوروبي، وهذه الأزمة لم تشهد توتراً مسلحاً منذ عقود والمفاوضات حول تسويتها تسير بهدوء بين شطري قبرص ودون عوائق تهدد السلم الدولي أو بين تركيا واليونان..أو بين تركيا والاتحاد الأوروبي.. ومشكلة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.. وإن كان يشهد توتراً أمنياً ومناوشات مسلحة بين الحين والأخر.. فإنه لا يبدو إلى الآن حلاً قريباً في الأفق، سواء بين القوى الفلسطينية المتفاوضة في القاهرة وذلك بضغط من دمشق وطهران بهدف أبقاء الجرح الفلسطيني نازف والشعب الفلسطيني غير قادر على تحديد وتحقيق مصيره بنفسه..أو بين حكومة غزة والمجتمع الدولي الذي يصر على تجاهل حصار سكان غزة والمعاناة الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها سكان القطاع..هذا القطاع الذي يشكل بؤرة تفجير محتملة أو أنه على وشك الدخول في حرب وشيكة على غرار الحرب الماضية (الرصاص المسكوب) والتي أمعنت فيها إسرائيل قتلاً وتدميراً بسكان القطاع وبنيته التحتية... فلا يبدو أن حكومة القطاع قد تشكل خطراً أو عائقاً على أية عملية تنقيب أو استخراج للنفط أو الغاز..كون تسليح مقاتلي قطاع غزة لا تتجاوز الصواريخ القصيرة المدى المصنوعة محلياً.. ثم إن حكومة حماس قد أعلنت وعلى لسان محمود الزهار أحد قادتها البارزين التزامها بالتهدئة طالما التزمت بها حكومة إسرائيل، وهذه إشارة إيجابية تقرأها دول المنطقة والعالم بموضوعية وبهدوء كونها مؤشر استقرار لا تفجير وتعطيل..

لكن يبقى الوضع اللبناني غير مستقر وينذر بالانفجار أو هكذا يبدو، حيث لا يزال الفريق المتحالف مع سوريا وإيران يهدد بافتعال الصراعات الداخلية وفتح الجبهات مع القوى اللبنانية الأخرى إن لم ترضخ لشروطه ومطالبه وإن لم تستسلم له بالكامل ودون قيد أو شرط..مما يعطل ويمنع الحكومة التي يشارك فيها هذا الفريق من العمل ومتابعة شؤون المواطنين.. وحتى من إقرار الميزانية العامة لعام 2010، الذي نوشك على وداعه.. ومن التحضير لميزانية العام 2011، فكيف في الانخراط في ترسيم الحدود البرية مع سوريا والحدود البحرية مع فلسطين المحتلة... وفي حين يطالب حزب الله ونبيه بري (الضغط على الأمم المتحدة لترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة خشية من أن تكون إسرائيل قد مدت يدها على آبارنا مستغربا تقاعس «اليونيفيل» على هذا الصعيد) لا ريب هناك تجاهل واضح ومقصود من هذا الفريق في طلب ترسيم ما تبقى من حدود برية متنازع عليها في مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا.. ربما لأن لا نفط ولا غاز ولا ثروات طبيعية متوافرة فيها..؟؟ فإن هذا الطلب يشكل ولا شك اعترافا رسمياً بالحدود الدولية البحرية لدولة إسرائيل بما يتناقض مع المواقف المعلنة من حزب الله في عدم الاعتراف بالكيان الغاصب.. وهذا الترسيم سوف يساعد دون شك، هذا الكيان على استخراج ثروات فلسطين المحتلة وحرمان الشعب الفلسطيني من ثروته الطبيعية..؟؟

لا شك في أن الأيام القادمة تحمل مفاجآت كثيرة، وثروات منطقة شرق البحر المتوسط قد ترسم وتحدد مستقبل المنطقة برمتها، فالعالم بأسره متعطش للطاقة التي يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، والعديد من الصراعات والحروب والاحتلال في العراق وأفغانستان وتقسيم السودان المتوقع وغيرهم، كانت في جانب منها بهدف وضع اليد على مخزونات النفط والغاز واليورانيوم المتوافرة في هذه الدول التي يتم استخراجها اليوم أو التي سوف يتم قريباً.. ولبنان احد هذه الدول التي تقع اليوم على جزءٍ مهم من موارد الطاقة إلى جانب الدول المجاورة، ولا يمكن استخراج واستثمار هذه الموارد دون وجود استقرار امني وحكومة مركزية قوية قادرة على حكم البلاد وفرض الأمن وحماية السلم الأهلي والاستقرار الداخلي والحدود الدولية وموارد البلاد وثرواتها..لأن الخلل في لبنان حتماً سوف ينعكس سلباً على الدول المجاورة والمتلهفة لاستخراج النفط والغاز لاستثمار هذه الموارد في تعزيز النهوض الاقتصادي فيها، والدول الراغبة في تامين موارد نفطية هي في أمس الحاجة إليها.. لذا على القوى اللبنانية التي لا تمارس سوى سياسة التعطيل والإفقار والتجويع وخدمة المشاريع الإقليمية والمصالح الدولية أن تلتفت لمصالح هذا الوطن وشعبه، لأننا في حال عجزنا عن تامين الاستقرار اللازم والمطلوب لاستثمار هذه الثروات لن تتردد القوى الكبرى والفاعلة الدولية والمحلية في وضع اليد علينا وعلى ثرواتنا لاستثمارها بما يخدم مصالحها لا مصالحنا.. وليبقى بري وحزب الله يبحثون في ملف شهود الزور الذي افتعلوه.. ليكونوا شهود زور على ما آلت إليه البلاد من حال اقتصادية صعبة وفوضى سياسية مقبلة...

==========================

كل الشياطين هنا.. التاريخ الخفي للأزمة المالية

الشرق الاوسط

دانيال غروس

4-1-2011

يمكن أن تملأ جهاز «آي باد» بكل الكتب والوثائق وملفات الوسائط المتعددة والعروض المنسدلة والعروض الإلكترونية التي تم إنتاجها عن الانهيار المالي الكبير في عام 2008. ويمكن أن نتفهم موقف القراء الذين يشعرون بقلق كبير عندما يفكرون في أننا نحتاج لكتاب آخر عن الأزمة المالية، مثلما نحتاج إلى موقع إلكتروني آخر مخصص للسياسة.

ولكننا نحتاج بالفعل إلى كتاب «كل الشياطين هنا»، للمؤلفان بيتاني ماكلين وجو نوكيرا،

لأنه حتى في ظل استمرار تكشف الأزمة - خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تم رفع قضية مدنية ضد شركة المحاسبات «إرنست & يونغ» بسبب دورها المزعوم في انهيار مصرف ليمان براذرز - يتورط البعض داخل واشنطن في محاولات متعمدة لإساءة قراءة الأحداث.

 

وصوت كل الأعضاء الجمهوريين المعينين في اللجنة الفيدرالية للتحقيق في الأزمة المالية خلال الشهر الماضي ضد استخدام كلمات مثل بورصة «وول ستريت» في التقرير النهائي للمجموعة. وبعد انتخابات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدأ أعضاء جماعات الضغط المصرفية في التخطيط مع الكونغرس المقبل رقم 112 للتراجع عن الإصلاحات الفاترة التي طبقت بعد الأزمة. لذا، فقد وصل هذا التاريخ المقروء والتوجيهي بشكل عال للأحداث والعقلية التي أججت لهيب الأزمة المالية التي اشتعلت في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2008 - في الوقت المناسب بعدة طرق.

 

وتعامل بيتاني ماكلين وجو نوكيرا، الزميلان السابقان في مجلة «فورتشين» مع عنوان كتابهما حرفيا؛ حيث تم عرض الشخصيات المدرجة في بداية الكتاب بطريقة رائعة حول 100 شيطان. وكان ماكلين، وهو كاتب مشارك في مجلتي «فانيتي فير» و«سليت»، ونوكيرا، وهو كاتب عمود في جريدة «نيويورك تايمز» مستعدان للتضحية بالسرعة والشهرة لصالح جودة الكتابة والقصة المحكمة ومتعددة الطبقات. وبخلاف الكثير من الكتابات السريعة التي دونت عن الأزمة المالية، يتميز كتاب «كل الشياطين هنا» بأنه مكتوب بإحكام وطريقة منهجية لا تلجأ للإثارة المتعمدة. ولكن المعلومات التي تم الكشف عنها في الكتاب صادمة مثل المعلومات الواردة في معظم الكتب السابقة المعمرة بشكل أقل.

 

وعلى مدار ثلاثين عاما أو ما يقارب ذلك، حدث أن ساهمت القروض العقارية والأنشطة المستعرة بشكل متزايد التي تحيط بها في إصابة النظام الكامل بالعدوى وإفساده - مثل المصارف والمنظمين والمشاريع التي تمولها الحكومة والسياسيين على كلا الجانبين. وهناك صور جيدة للشياطين الذين نعرفهم بالفعل مثل أنجيلو موزيلو، المؤسس والداعم القوي لشركة «كانتري وايد فايننشيال»، بسبب مجموعة من الأمور المثيرة للامتعاض والرغبة في السيطرة والغطرسة؛ وستانلي أونيل من شركة «ميريل لينش»، وأول رئيس تنفيذي أسود لشركة سمسرة كبرى، والذي كان يتعجل جمع شركته للأرباح التي اكتسبها عمالقة آخرون في بورصة وول ستريت؛ وجيم جونسون وفرانكلين راينيس، الرئيسيان التنفيذيان لشركة الرهون العقارية العملاقة «فاني ماي» التي تدعمها الحكومة، واللذان يتمتعان بدهاء سياسي.

 

ويعرض لنا المؤلفان أيضا بعض اللاعبين الجدد المخادعين مثل رونالد أرنول، التي بقيت أعماله حتى الآن خفية إلى حد كبير. وكتب المؤلفان: «على الرغم من أن شركاته لم تتلق مطلقا اللوم الذي سوف ينهال خلال فترة لاحقة على شركة (كانتري سايد)، كان أرنول بالفعل في مجال الرهون العقارية».

 

وكان أرنول، الذي ولد في باريس عام 1939، يبيع الزهور في الشوارع بولاية كاليفورنيا قبل أن يبدأ عدة مشاريع تجارية، كان من بينها شركة «لونغ بيتش للرهون العقارية»، وهي شركة للتسليف العقاري استدعت ممارساتها التجارية رديئة الخضوع تحقيقا فيدراليا في عقد التسعينات من القرن الماضي.

 

ووقع أرنول صفقة مع ديفال باتريك، مساعد المدعي العام في إدارة كلينتون (وحاكم ولاية ماساتشوستس في الوقت الحالي)، أنكرت شركة «لونغ بيتش» بمقتضاها الادعاءات ووافقت على دفع مبلغ مليون دولار أميركي للمنظمات الوقفية المتخصصة في تثقيف المستهلكين. وبعد اختفاء شركة «لونغ بيتش»، أسس أرنول حزمة من شركات التسليف العقارية من بينها شركة «أميريكويست» و«آرغنت» اللتان جسدتا أسوأ الممارسات في هذه المهنة، مثل زيادة قيمة المنتجات بشكل مفاجئ وتقديم حوافز خلال المعاملات المصرفية الهاتفية للسماسرة، في تجاهل كبير للشروط التنظيمية.

 

وبحلول عام 2005، كانت ثروة أرنول، الذي حافظ على ملكيته الخاصة لشركاته، تقدر بنحو 3 مليارات دولار وحل في المرتبة الثالثة والسبعين على قائمة مجلة «فوربس» لأغنى 400 شخص في العالم. واستثمر أرنول بعضا من أرباحه العقارية في السياسة، حيث تبرع بشكل كبير لدعم قضايا الحزب الجمهوري. ورشح ديفال باتريك أيضا لشغل منصب في مجلس إدارة إحدى شركاته التجارية بمرتب مرتفع.

 

وفي عام 2006، وعندما خضعت إمبراطورية أرنول العقارية للتدقيق القانوني والصحافي مجددا، لم تمنعه هذه الخطوة من الحصول على تمويل من مصرف سيتي غروب أو من أن يتم ترشيحه بواسطة الرئيس جورج دبليو بوش كسفير للولايات المتحدة لدى هولندا. وكان عضو مجلس شيوخ أسود، شاب من ولاية ألينوي، متحفظا بشكل مبدئي على دعم ترشيحه لهذا المنصب، ولكنه أشار بقوله: «تلقيت خطابا من ديفال، الذي يعتبر بالفعل صديقا شخصيا جيدا بالنسبة لي». وفي شهر فبراير (شباط) وبعد شهر من إعلان شركة «أميريكويست» عن التوصل إلى تسوية قيمتها 325 مليون دولار مع المدعي العام للولاية، وقبل أربعة أشهر من إغلاق الشركة لأبوابها بشكل أساسي، تم تأكيد ترشيح أرنول لشغل منصب السفير الأميركي لدى هولندا.

 

ونظريا، كان من المفترض أن تعمل شركات أرنول لصالح الشعب والحكومة الأميركية – وكيف يمكنهم بطريقة أخرى تبرير الإعانات الهائلة التي حصلوا عليها في شكل التخفيضات الضريبية والتمويل الحكومي شبه المضمون؟

 

وفي الواقع، كان الأباطرة يعملون، حسبما أوضح ماكلين ونوكيرا، من أجل تحقيق أغراض خاصة. وبينما هاجم المؤلفان التصريحات الغريبة للجناح اليميني التي تقول إن شركتي «فاني ماي» و«فريدي» هما المسؤولان بمفردهما عن أزمة الرهون العقارية، فإنهما أظهرا بالتفصيل الدقيق كيف كانت الشركتان قادرتين على مواجهة الضغوط التنظيمية.

 

وأكدا بشكل مقنع أن الأشخاص المكلفون حماية النظام المصرفي لا يزالون يتعامون بشكل متعمد عن المخاطر التي تهدد هذا النظام. (وأشار المؤلفان إلى أن مذكرات ألان غرينسبان لم تتضمن عبارة «الرهون العقارية» أو «التسليف الجشع». وقالا إن النظام تحرك لصفع أي شخص تظاهر أو أثار أسئلة جادة حوله).

 

وتوفي أرنول خلال شهر مارس (آذار) عام 2008، ولكن عددا كبيرا من الشياطين لا يزالون يوجدون معنا. ويمكن أن تخلف أعمالهم الشيطانية الشريرة وراءها مشكلات تستعصي على الحلول السهلة (أو حتى الصعبة). وتوصل ماكلين ونوكيرا إلى أن مشروع قانون دود - فرانك للإصلاح المالي لم يفعل أي شيء لتغيير وضعية شركتي «فاني ماي» و«فريدي ماك»، وقالا: «سبب تغافل التشريع عن ذكر الشركتين هو عدم قدرة أي فرد على تقرير ما يجب أن يتم فعله».

 

ويختتم المؤلفان كتابهما «كل الشياطين هنا» فقط قبل بداية العمل بالفعل، مثل كتاب عن معركة «بيرل هاربور» التي انتهت في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1941. ولكن الكتاب يستحق القراءة إلى حد كبير بفعل استنتاجاته المدينة وحرفية مؤلفيه.

 

ونسج ماكلين ونوكيرا خيوطا تبدو غير مترابطة من القصة إلى نسيج محكم ومترابط منطقيا. وبينما تبدأ فصول الكتاب مثل بدايات المواضيع الإخبارية في مجلات المنوعات على غرار: «ستانلي أونيل أراد أن يراه، يا له من أمر غريب!».، فإن هذا السرد بني بواسطة كتاب ماهرين بدرجة فائقة من الاهتمام والرعاية. ومن العار أننا لا يمكن أن نتحدث بالمثل عن مهنة الرهون العقارية في الولايات المتحدة.

* مؤلف كتاب «أموال خرساء: كيف أفلست عقولنا العظيمة الأمة» وكاتب عمود في موقع

«ياهو فاينانس»

* خدمة «واشنطن بوست»

==========================

تكفينا «لعنة» واحدة نتقاسمها جميعا.. «يا للعار»!

القدس الأثنين يناير 3 2011

محمد جلال عناية

يعتبر سقوط القدس وتدميرها سنة ٧٠ ميلادية، على يد الرومان، نهاية الدولة العبرية ونهاية الوجود اليهودي في فلسطين.

 

كان المال سبب العداء بين الرومان واليهود، واشتعال الحرب اليهودية في فلسطين.

 

تشدد الحكام الرومان في جمع الضرائب من اليهود، وكان اليهود يكرهون دفع الضرائب، مع أن الامتناع عن دفع الضريبة جريمة عقوبتها الموت. فقد كان لروما جيوش جرارة عالية التجهيز وتحتاج للكثير من النفقات.

 

يرجع المؤرخ اليهودي الشهير «يوسيفوس» السبب في المصائب التي نزلت باليهود عام ٧٠ الى تعاليم «يهوذا الجليلي». فلقد الحقت «يهودا» بالامبراطورية الرومانية عام ٦ م، وفي ذلك العام أمر الامبراطور آغسطس باجراء احصاء للسكان لفرض الضرائب عليهم، عند ذلك بدأ «يهوذا الجليلي» في تحريض اليهود على الامتناع عن دفع الضرائب.

 

كانت فلول المتطرفين اليهود التي فرّت من القدس قد اتجهت الى قلعة «ماسادا» بقيادة «اليعازر» احد احفاد يهوذا الجليلي، وتحصنوا بها مدة ثلاث سنوات، وعندما سقطت القلعة في يد الرومان، انتحر اليهود المحاصرون فيها خوفا من التعرض للصلب على يد الرومان.

 

بسقوط القدس في يد الرومان، وزوال الدولة اليهودية، تيقن اليهود من عدم جدوى الحروب، وتشتتوا في بلاد كثيرة، وبعد تدمير الهيكل استعاض اليهود عنه بالكنيس، وعاشوا الفي سنة بعد تدمير الهيكل الثاني دون ان يشعلوا حربا.

 

يقول الكاتب اليهودي الاميركي هوارد فاست: «في ظل الحكم العربي بدأ العصر الذهبي ليهود اسبانيا».

 

لقد عاش اليهود آخر عصورهم الذهبية على امتداد ثلاثة قرون من الحكم العربي في اسبانيا، حيث نجوا من الابادة، واصبح بامكانهم السفر والتنقل، واعادوا بناء الكنس «جمع كنيس» التي دمرها القوطيون.

 

ومن كان منهم قد تحوّل الى النصرانية عاد الى اعتناق يهوديته من جديد.

 

تشير مصادر يهودية الى ان جماعة الدومينيكان بدأت حملة العداء لليهود في اسبانيا، والدومينيكان جماعة من الرهبان الكاثوليك اسسها القديس «دومينيك» عام ١٢١٦م.

 

كان السبب وراء اندفاع اليهود الى اعتناق المسيحية هو خوفهم من التشرد بعد ان سدت في وجههم السبل في اوروبا، حيث سبق لهم ان طردوا من انجلترا وفرنسا والمانيا.

 

كانت «مارانوس» هي التسمية الشائعة لليهود الذين اعتنقوا الديانة المسيحية في اسبانيا، واليهود غير المتنصرين هم الذين اطلقوا هذه التسمية التي تعنى «الخنازير» لتحقير من تحول منهم الى المسيحية.

 

ان اليهود الذين تنصروا ظلوا يهودا، حيث اظهروا قيامهم بالشعائر المسيحية، ولكنهم في خلواتهم مع انفسهم ومع عائلاتهم في بيوتهم كانوا يفعلون شيئا مختلفا «هوارد فاست ص ١٨٦».

 

لقد وقفت الكنيسة ضد المارانوس بسبب تنصرهم الكاذب، وقد أدى هذا بالدومينيكان للتشدد في ملاحقة من تثبت عليه الهرطقة فيحرقونه علي السفود ويصادرون ممتلكاته، وكانت رائحة لحم اليهود المحترق تنتشر في اجواء المدن والقرى في قشتالة وآراغون في اسبانيا.

 

وفي آب ١٤٨٣م تم تعيين «توماس دي توركمادا» المقرّب من الملك فرديناند والملكة ايزابيلا، كبيرا للمفتشين في قشتالة، ثم امتد نفوذه فيما بعد الى انحاء اخرى من اسبانيا، وظل اسم «توركمادا» رديفاً للرعب والتعصب والقسوة التي ارتبطت بمحاكم التفتيش.

 

لقد اججت الحملات الصليبية نيران الغضب على اليهود في اوروبا.

 

وفي المانيا شوهدت جثث الآلاف منهم طافية في نهر الراين، وباشرت الحملة الصليبية الاولى مهمتها بذبح اليهود في حوض هذا النهر، وفي انجلترا كان اتباع ريتشارد قلب الأسد يقتلون كل من يقع في ايديهم من اليهود.

 

عندما انتشر الطاعون في اوروبا، ساورت الالمان الشكوك بأن اليهود قد سمموا آبار المياه، فقامت حملة لابادة اليهود في اكثر من مائتي مدينة وقرية، وتزعم مصادر يهودية ان بعض اليهود كانوا يقتلون في اوروبا للتملص من دفع الديون المستحقة لهم، ولنهب ممتلكاتهم.

 

كان للثورة الفرنسية تأثير ايجابي على اوضاع اليهود في اوروبا والعالم (١٧٨٩)، فقد اصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية (١٧٩١) قانوناً يساوي بين سكان البلاد في حقوق المواطنة.

 

في عام ١٨٠٧، عقد في باريس المجلس اليهودي الاعلى «السنحدريم» بطلب من نابليون بونابرت، فانعقد «السنحدريم» وصدرت عنه قرارات كان منها: «ان اليهود الفرنسيين لم يعودوا يشكلون آمة، وانهم تخلوا الى الابد عن مشروع الهجرة الجماعية الى فلسطين».

 

في سبيل المحافظة على حقوقهم المدنية في اقطار الغرب (الاوروبي - الاميركي) فإن اليهود تخلوا عن المطالبة باقامة دولة يهودية، لانهم رأوا ان هذه المطالبة لا تتفق مع قرار السنحدريم الذي التزموا به، وانها تثير الشكوك في صدق ولائهم كمواطنين في الدول التي ينتمون اليها، ولذلك كف اليهود عن الاشارة الى العودة الى صهيون في صلواتهم.

 

ولكن على عكس المتوقع، فإن تحول اليهود الى مواطنين في الدول الغربية قد وفر لهم الفرصة لاحياء الفكرة الصهيونية، واخذوا يتكتلون حول هذه الفكرة ويستجمعون قواهم لتنفيذها.

 

في منتصف القرن التاسع عشر، كان عدد اليهود المقيمين في فلسطين لا يتجاوز خمسة آلاف نسمة، اي ١٪ من عدد السكان العرب البالغ نصف مليون نسمة.

 

كان اليهود من المستعربين الذين يتحدثون اللغة العربية، ويتمتعون بالامن والسلام نتيجة قبولهم في المجتمع العربي، وكانت دوافعهم للمجيء الى فلسطين دينية بحتة، اما للعبادة، او قضاء الايام الاخيرة والموت في الارض المقدسة.

 

حصلت دول اوروبا الغربية نتيجة وقوفها الى جانب تركيا خلال حرب القرم، على امتيازات لمواطنيها في الامبراطورية العثمانية تحت حماية قناصل بلادهم، وفي عام ١٨٦٤، استطاعت بريطانيا ان توسع هذه الحصانة حتى تشمل اليهود في فلسطين.

 

شجعت هذه الامتيازات اليهود الاشكناز على الهجرة الى فلسطين، فكان لهذه الهجرة وقع سيء على اليهود السفارديم المقيمين في فلسطين، الذين رأوا في القادمين الجدد من اليهود الاشكناز عنصر تهديد لاستقرارهم ، وعلاقاتهم السلمية بالعرب في فلسطين.

 

لا بد من استخدام مقاييس سياسية، حتى نعي كأمة عربية، وكشعب فلسطيني، الموقف الذي نحن عليه لأننا امة ضالة سياسياً، وشعب مشتت وطنياً.

 

نريد ان نصب على رؤوسنا ماء بارداً منذ البداية، حتى نعي ما نحن فيه من بلاء، وهو اننا جعلنا من الديمقراطية خامس المحرمات بعد «الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله». (البقرة ١٧٣)، ومع ان «الديمقراطية» من صادرات الغرب الا انها تؤسس للعدالة، ولا تذهب بالعقل.

 

انطلق المشروع البريطاني الاستعماري لاحتلال فلسطين، والصهيوني الاستيطاني لتشريد شعبها من نقطتين متتابعتين، الاولى اطلقها ثيودور هيرتزل بكتاب الدولة اليهودية ١٨٩٦، وبمؤتمر بال Basel (١٨٩٧).

 

والثانية اطلقها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور (١٩١٧) من خلال تصريحه الذي وعد بالتهيئة لاقامة وطن قومي (National Home) لليهود في فلسطين.

 

ومن هنا بدأت معركة الاعوام الثلاثين (١٩١٧ - ١٩٤٧)، بين حفنة من ابناء الامة العربية محاصرة داخل طوق الانتداب البريطاني في فلسطين، تقطعت بهم السبل عن الاتصال والتواصل مع العواصم العربية الشامخة من حولهم، القاهرة وبغداد ودمشق، فعجزوا عن ادراك الحقيقة ووقعوا ضحية الخديعة الأخوية.

 

عندما بدأت المنازلة بين الديمقراطية الغربية الهجينة التي تجمع، وبين الاستبداد العربي ذي الحسب والنسب الذي يفرق، كان الزمن غير الزمن، فإن احفاد عمرو بن كلثوم وعمرو بن العاص اصبحوا نواطير من المرتزقة لدى البريطاني، يحدد لهم مهماتهم، وينقدهم اجرهم.

 

لم يعد اليهود هم اليهود في حواري اليهود، وفي معازلهم، بل وفرت لهم الديمقراطية الغربية الفرصة ليصبحوا انجليز وألمان وفرنسيين وأمريكيين، وآخرين غيرهم.

 

فحاربوا كمواطنين في جيوش اوطانهم، واكتسبوا الخبرة العسكرية، هذا الى جانب استيعابهم للعلوم، واتقانهم للتكنولوجيا في مجال الصناعة والابتكار، وامتلكوا خزائن المال في نيويورك، ومن هناك ومن اماكن غيرها، تقاطروا الى فلسطين زرافات ووحداناً بتجيهزات كاملة، فاحالوها الى اسرائيل.

 

لم يكن هؤلاء من الاعداء في نظر انظمة الحكم العربية الاستبدادية ذات الحسب والنسب، بل سارع الاشقاء الى تشتيت الفلسطينيين، وشل قواهم، ومحو هويتهم الفلسطينية، وعزلهم عن التواصل مع الشعوب العربية حتى لا يتفشى وباء الوعي السياسي في صفوف هذه الشعوب.

 

فيا ويل هذه الامة التي أصبح فيها العدو الغريب ضمانة للاستقرار، وتعاملت مع الفلسطيني القريب كعدو يهددها بالفوضى والدمار، وهنا تكفينا «لعنة» واحدة نتقاسمها جميعاً.. «يا للعار»!.

==========================

اقتصاديات الهوة العميقة

بول غولغمان

الشرق الاوسط

4-1-2011

هناك معلومة واحدة تنضح بالحكمة الاقتصادية آمل أن يستوعبها الناس هذا العام، وهي: رغم أننا توقفنا أخيرا عن السقوط، فإننا ما نزال قريبين للغاية من قاع هوة عميقة للغاية.

 

ولا بد أن البعض يسأل: لماذا أشرح هذه النقطة؟ لأنني لاحظت أن الكثيرين بالغوا في ردود أفعالهم تجاه الأنباء الاقتصادية السارة الواردة مؤخرا. وما يثير قلقي على نحو خاص مخاطرة أن نغرق في حالة من التفاؤل المدمر للذات – بمعنى؛ أخشى أن ينظر صانعو السياسات إلى بضعة مؤشرات اقتصادية إيجابية، ويقرروا اتخاذ خطوات تدفعنا مجددا للانزلاق نحو القاع.

 

وتوحي المؤشرات الإيجابية، المتنوعة ما بين تحقيق مبيعات جيدة نسبيا بموسم العطلات وتراجع الطلبات الجديدة للحصول على إعانة بطالة (أخيرا وصلنا لمستوى أقل عن 400.000 طلب أسبوعيا)، بأن حالة التقشف في النفقات التي أعقبت انفجار الفقاعة الاقتصادية الكبرى ربما تكون قد أوشكت على نهايتها أخيرا.

 

ولا تبدي نشاطات البناء والتشييد مؤشرا على العودة لمستويات فترة الفقاعة، ولا توجد أي دلائل على أن الأسر المثقلة بالديون تعاود سيرتها القديمة المتمثلة في إنفاق كل ما تجنيه من مال. إلا أن كل ما كنا بحاجة إليه لتوفير دفعة متواضعة للاقتصاد نحو استعادة عافيته هو وقف تراجع نشاطات البناء ووقف زيادة معدلات الادخار - ويبدو أن هذا يتحقق بالفعل. وقد شرع الخبراء الاقتصاديون في طرح توقعاتهم، والتي يبدو منها أن تحقيق نمو يصل إلى 4% أصبح أمرا محتملا.

 

ومع ذلك، تبقى هناك جوانب سلبية. إن ما يهم الأسر الأميركية هو أرقام الوظائف، وليس إجمالي الناتج الداخلي. وعندما تبدأ من معدلات بطالة تبلغ قرابة 10%، فإن المطالب الحسابية اللازمة لخلق الوظائف - أي حجم النمو الذي تحتاجه للعودة لوضع مقبول على صعيد التوظيف - تبدو هائلة.

 

أولا، يتعين علينا تحقيق نمو يبلغ نحو 2.5% سنويا لمجرد التوافق مع معدلات الإنتاجية والنمو السكاني المتصاعدة، وبالتالي نحول دون ارتفاع البطالة. لذلك، كان العام الماضي من الناحية الفنية فترة استعادة نشاط اقتصادي، رغم أنه بدا شبيها بالركود، حيث كان إجمالي الناتج الداخلي ينمو، لكن ليس بسرعة كافية لخفض معدلات البطالة.

 

ومن شأن تحقيق نمو بمعدل يفوق 2.5% خفض معدلات البطالة بمرور الوقت. لكن تبقى المكاسب غير متكافئة مباشرة مع معدلات النمو لأسباب متنوعة. وتاريخيا، تطلب الأمر نقطتين مئويتين إضافيتين في النمو خلال عام لتقليص البطالة بمعدل درجة مئوية.

 

والآن، لننظر للأمر من وجهة نظر حسابية، ولنفترض أن الاقتصاد الأميركي سينمو بمعدل 4% سنويا بداية من الآن وسيستمر على هذا المنوال لسنوات عديدة قادمة. حينئذ، ستعتبر الغالبية ذلك أداء ممتازا، بل وربما ازدهارا اقتصاديا. وقطعا يفوق ذلك تقريبا جميع التوقعات الاقتصادية التي اطلعت عليها.

 

بيد أن القواعد الحسابية تشير إلى أنه حتى مع تحقيق هذا النمو، ستبقى معدلات البطالة قريبة من 9% بنهاية هذا العام، وأكثر من 8% عند نهاية 2012. ولن نقترب من القضاء على البطالة إلا قرب أواخر الفترة الرئاسية الأولى لساره بالين.

 

الآن، دعونا نتحدث بجدية. إن ما ينتظرنا خلال السنوات القليلة القادمة، حتى حال تحقيق معدلات نمو جيدة، هو معدلات بطالة كانت لتعد منذ فترة ليست ببعيدة كارثية - ذلك لأنها كارثية بالفعل. وخلف هذه الإحصاءات الجافة يكمن مشهد واسع من المعاناة والأحلام المحطمة. وتشير الدلائل الحسابية إلى أن هذه المعاناة ستستمر لأمد بعيد.

 

إذن، ما الذي يمكن فعله للإسراع من عملية التعافي البطيئة تلك؟ أي نظام سياسي متعقل كان لزاما عليه إنشاء نسخة حديثة تليق بالقرن ال21 من «إدارة تعزيز العمل»، بحيث تتولى توجيه العاطلين للقيام بالعمل الذي يتعين إنجازه، وهو إصلاح وتحسين بنيتنا التحتية المتهالكة. لكن في ظل النظام السياسي القائم الآن، نجد أن السيناتور المنتخبة كيلي أيوت، تلقي الخطاب الأسبوعي للحزب الجمهوري الذي تزامن مع أول أيام العام الجديد، معلنة أن «المهمة الأولى هي وقف إهدار واشنطن للمال».

 

من المنظور الواقعي، يتمثل جل ما يمكن أن نأمله من وراء السياسة المالية عدم إقدام واشنطن بهمة على تقويض تحرك الاقتصاد نحو استعادة عافيته. وعلينا أن نحذر بشكل خاص من منتصف مارس (آذار)، فبحلول ذلك الوقت ربما ستكون الحكومة الفيدرالية قد وصلت للحد المسموح للديون وسيحاول الحزب الجمهوري إجبار الرئيس أوباما على إقرار تقليص النفقات على نحو يضر الاقتصاد.

 

ويخالجني القلق أيضا إزاء السياسة المالية، فمنذ شهرين أعلن مصرف الاحتياطي الفيدرالي خطة جديدة لتعزيز النمو في الوظائف عبر شراء سندات طويلة الأجل. في ذلك الوقت، اعتقد كثير من المراقبين أن عملية الشراء الأولى التي بلغت قيمتها 600 مليار دولار ليست سوى بداية القصة. لكن الآن يبدو أنها النهاية، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى محاولة الجمهوريين الضغط على المصرف كي يتراجع، وكذلك لأن ورود أنباء اقتصادية جيدة نسبيا يوفر ذريعة لعدم اتخاذ أي تحركات.

 

بل إن هناك احتمالا كبيرا أن يزيد مصرف الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة في وقت لاحق من العام الحالي - أو هذا على الأقل ما تعتقده سوق البيع الآجل على ما يبدو. وسيعد الإقدام على ذلك في مواجهة معدلات بطالة مرتفعة ومعدلات تضخم عند مستواها الأدنى بمثابة أمر جنوني، لكن هذا لا يعني أنه لن يحدث.

 

وعليه، أعود للنقطة الأصلية التي وددت تناولها وهي أنه يغض النظر عن المؤشرات التي تحملها الأنباء الاقتصادية الأخيرة، فإننا ما نزال قريبين من قاع هوة سحيقة. ونأمل أن يتفهم صانعو السياسات ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»

==========================

 العرب... والعقد الجديد

الإثنين, 03 يناير 2011

جميل الذيابي

الحياة

ودع العالم عام 2010، واستقبل 2011، مسجلاً بداية عقد جديد بعد انقضاء العقد الأول بعد الألفية الثانية وما صاحبها من إرهاب وأزمات. بدأ العالم عد «خرزات» عقد جديد ربما يكون أكثر حزناً وألماً من العقد الماضي، وربما يكون نافذة للتفاؤل والأمل.

 

لا يهمني كيف تعامل العالم مع السنوات العشر الماضية من القرن ال21، بقدر ما يهمني كيف هي حال العالم العربي، وهل نحن مهيأون للمضي قدماً وتغيير الواقع «التعيس» الذي يهدد حياتنا ومصائرنا وآمالنا؟

 

العالم العربي يئن ويترنح من عام إلى عام ويتوشّح بالسواد، وتلبد سماءه غيوم وضباب، لعدم وجود حصانة للإنسان واستمرار سوء التنشئة وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتقلّص الحريات واستلاب الحقوق، إضافة إلى تمدد الحركات الإرهابية وتزايد أعداد المتطرفين والمؤدلجين، حتى تمكّنت منه الحركات «الميليشاوية» وانتفخت أوداج الرعاع وضعفاء العقول باسم الدين.

 

لم تشأ مصر (أم الدنيا) أن تستقبل العقد الجديد من دون أن ينتج الإرهاب مسرحية دموية جديدة ضحيتها من الأقباط الذين أوصى بهم الرسول الكريم خيراً. إنها جريمة «مأسوية» تستهدف السلم الأهلي والتنوع المصري الذي ظل صامداً طوال التاريخ. منذ فترة والمخاوف تتزايد من فتنة داخلية بين مسلمين وأقباط، إلى جانب مشكلات كالفقر والبطالة والتراجع الثقافي.

 

في فلسطين، الشعب يعاني من التشرّد والاضطهاد وظلمات المستقبل، فيما السلطة لا تزال مشغولة بإدارة صراعات داخلية وانقسام وتشظي بين «فتح» و»حماس»، ما جعل قضية التحرير واغتصاب الأرض آخر الأولويات فيما المعاناة الشعبية تتسع وحياة الناس تتحول من جحيم إلى جحيم مقيم.

 

في العراق، إيران تفعل ما تشاء و»الديموقراطية» التي بشّر بها الأميركان لا تزال «عرجاء» لم تتح النجاح وامتلاك مفاتيح اللعب إلا لإيران ورجالاتها والجماعات الإرهابية، فيما الشعب العراقي استبدل معاناته من «ديكتاتورية - صدامية» إلى فوضى أمنية وحياة بائسة وقتل يستبيح الناس في المساجد والكنائس والطرقات والأسواق.

 

في لبنان اختلاف مذهبي وتناحر طائفي تتخاطفه أجندات إقليمية، فتزيد النار حطباً، فيما يبني «حزب الله» دولته ويحوّل لبنان إلى أشبه بمخزن كبير للسلاح الإيراني، لفرض إرادته وأجندته، حتى أصبح السلاح «بعبعاً» يخيف به أبناء جلدته ويضعه على كل طاولة مفاوضات.

 

في السودان، تتغيّر الجغرافيا والتاريخ وينشطر إلى شمالي وجنوبي، فيما لا يزال «الأخ» البشير يهتف ويعد بما لا يملك.

 

الصومال ينزف من حرب أهلية إلى حروب مركبة، والشعب مسكون بكوارث ونكسات يشعلها أبناؤه لتقيم على أرضه «الغابرة».

 

في تونس، يتجه الشعب إلى صناعة ثورة جديدة باسم البطالة، ما يهدد تونس «الخضراء بمستقبل «رمادي».

 

يسمع العرب بدولة اسمها جزر القمر، عضو في جامعة الدول العربية، لكنهم لا يعرفون عن أحوالها ومآلها، صراعات وثقوب في جدارها تغري المتربصين باستغلالها لتحقيق أجنداتهم على أرض عربية.

 

في اليمن، يتمرد الحوثيون من جهة ويتحرك دعاة الحراك الشمالي من جهة، وتستغل «القاعدة» سوء الأوضاع الداخلية وتعمل في تضاريس «وعرة» على التجنيد والتخطيط للإرهاب بغية تفجير العالم مجدداً، فيما الحكومة تفقد مساحات التحرك الآمنة وتبقى حلولها «ضعيفة».

 

بين دول الخليج العربية شك وريبة، اتفاقات شكلية وخلافات «صامتة». مواقف سياسية خليجية تبدو متوافقه لكنها متباينة، والآراء متعددة على رغم الاجتماع على طاولة مجلس تعاون واحد، لكن الخلافات تبقى موجودة «وترحل «خجلاً» من قمة إلى قمة.

 

العالم أجمع يتعرّض للإرهاب وتزهق أرواح بريئة، لكن في العالم العربي، تكون التهمة جاهزه إما أن يكون العدو الصهيوني أو «القاعدة» التنظيم الجاهز منذ سنوات لتبني أية عملية إرهابية وجريمة دموية تشوّه روح الإسلام.

 

العالم الغربي على رغم الجراحات التي مني بها من أعمال إرهابية وما واجهه من أزمات مالية لا يزال يوقظ العقل ويعمل ليقدم ابتكارات طبية وعلمية وتقنية تفيد الإنسان، إذ شهد العام الأخير فقط، ثورة تكنولوجية في شتى المجالات التقنية لتقديم آخر ما توصّل إليه العلم، إذ طُرح جهاز ال «آي باد» وحواسيب محمولة وهواتف ذكية، مثل «آي فون 4»، و»غالاكسي»، و»إن 8»، إضافة إلى ابتكار عقاقير طبية عدة، فيما تبقى مساهمة العقل العربي في الابتكار التقني والتكنولوجي والعلمي والطبي «غائبة»، وإنما تحاول استخدام المنتجات الحديثة لإحداث الأضرار وتفجير الأبرياء كما حدث في مؤامرة «الطرود المفخخة».

 

يبدو أن لا أمل يلوح في أفق العقد الجديد، طالما بين العرب والمسلمين من يحرّض على الإرهاب ويموّله ويدعمه ويحضّ على التكفير والتفجير، وفي ظل وجود حكومات ينخر الفساد المالي والإداري في عظامها، وتستمر في التضييق على الحريات ولا تكترث بالحقوق الإنسانية، ووجود شعوب تصمت عن «الغوغائية» ويتراجع تفكيرها ويضيق أفقها من يوم إلى يوم.

 

لا عزاء، إلا بثورة تطلق العنان للعقل وتشجع الابتكار وتؤازر الحقوق وترفض تكميم الأفواه الصادقة، وتنبذ المزايدات والفتن والشعارات المضللة بعمل تتوازن فيه الحمية الشعبية والإرادة السياسية للصمود في وجه المتشددين ودعم المواهب والعقول النيّرة نحو بناء مجتمعات فاعلة، لإسقاط أفكار المتطرفين وموال الأغبياء الداعي إلى تغييب العقل.

==========================

قطبيات اقتصادية متعددة!

ميشيل كيلو

2011-01-03

القدس العربي

منذ الأزمة الاقتصادية الأخيرة، التي بدأت عام 2007 ،وتواصلت بأشكال مختلفة إلى اليوم، شنت الصين هجوما اقتصاديا دوليا كاسحا غطى العالم كله، نوعت وسائله وأشكاله وركزته على دور مالي / نقدي استهدف ضمان توازن واستقرار الوضع المالي الدولي، خاصة في البلدان المتقدمة، حيث تحولت إلى مشتر رئيس للسندات والأسهم، وإلى مشارك فاعل في كثير من هيئات ومؤسسات اتخاذ القرار والمواقع الاستشارية من جهة.

وحفزت نمو اقتصاد الدول الفقيرة وسعت إلى تعزيز مشاركتها في الإنتاج والتجارة الدوليين، إما عبر سد فراغات ظهرت فيها عقب الأزمة وما لازمها من تراجع اقتصادي عام، أو تعزيز قدرتها على الإنتاج والاقتراض، في سياق جهد جلي استهدف توسيع السوقين الصينية والدولية، باعتباره الرد الناجع على تقلصهما بسبب الأزمة، التي تطلب التخلص منها ضخ مئات مليارات الدولارات في سوق الصين الداخلية، ومثلها في أسواق بلدان نامية كثيرة ومتقدمة محددة، بحيث ظهر مشهد كوني مباغت حده الأول انكفاء وإلى حد ما تراجع دول العالم المتقدم إلى داخل حدودها، لمعالجة أزمة كادت تطيح باقتصادها، وحده الثاني اندفاع صيني هائل الأبعاد غطى العالم بدرجات بدا أنها تتناسب مع أوضاع مكوناته المختلفة، غادرت بكين معه حدودها الخاصة وأثبتت تحولها إلى رافعة رئيسة لاقتصاد عالمي أخذ يتعين أكثر فأكثر بسياساتها ومصالحها، بعد أن كانت طيلة قرابة ثلاثة عقود ورشة تابعة بصورة كبيرة له، وخاصة لبلدانه المتطورة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ما هي معاني هذا التحول، الظاهر لكل ذي عينين؟ أظن أن هناك معاني عديدة تستحق التوقف عندها، أهمها اثنان:

1 أن العالم لم يعد مقتسما بين الدول الرأسمالية المتقدمة، كما كان يقال دوما، وأن فيه مكانا لكل مجتهد ومصمم وراغب في التقدم، وأن إعادة ترتيب أوضاعه ممكنة بما أن صورته الراهنة لم تعد نهائية، بل هي صورة عالم ينتقل بسرعة وثبات إلى حال مغايرة قيل الكثير عن القوى الوسيطة التي ظهرت فيها، ثم بينت الأزمة أن واحدة منها،هي الصين، لم تعد وسيطة بل غدت قوة اقتصادية عظمى بمعنى الكلمة، وأن بوسعها كقوة محض اقتصادية لعب دور كوني وسيلته الرئيسية الاقتصاد، الذي اكتسب بفعل الأزمة وأزمة العالم العامة أهمية تفوق أهمية أي دور سياسي أو عسكري يمكن لدولة كبرى أن تمارسه اليوم، فالعالم لم يكن مقتسما إذن، ولا يعاد اليوم اقتسامه، والصين لا تعيد تعريفه وإنما توسعه وتتوسع فيه وتضمه إلى عوالم ودوائر إنتاج وتبادل جديدة، بالتفاهم مع حكوماته وخدمة لمصالح مشتركة. هذا الواقع الجديد هو، بلا مبالغة أدنى مبالغة، تغير ثوري يعدل أدوار وأحجام القوى في عالمنا، ويبدل معنى وطبيعة العلاقات الدولية، تحتل فسحة مهمة فيه المصالح المشتركة بين قوة كبرى وبلدان فقيرة اقتصاديا فقدت معظم مكانها ومكانتها في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، اقتصاد المركز الذي خلق هوامش وقرر مصيرها، لاكها ثم بصقها، وأعاد إنتاجها حسب مصالحه، وها هي الصين تحاول إعادة إدخالها إلى نظام مختلف من الإنتاج والتبادل، لأن مصالحها تتطلب ذلك، واقتصادها ليس موجها نحو الطبقات الوسطى وحدها، كما هو حال اقتصاد الدول الرأسمالية المتطورة.

2 أن العالم لم يعد وحيد القطبية اقتصاديا، بل صار متعدد الأقطاب مع ميل أولي إلى بروز الصين كقطب يفوق في أهميته معظم البلدان المتطورة، فهو أكثر فأكثر القطب المقابل للقطب الأمريكي. هل هي ثنائية قطبية أمريكية/ صينية نهائية؟

نعم، شريطة أن لا ننسى أن فارق القوة الاقتصادية بين الدولتين العظميين وبين بقية الدول يرجح على فارق القوة السياسية والعسكرية، وأنه هو الذي يحتم الميل إلى جعل الاقتصاد رافعة لدور الصين الدولي، كما يحدث بالفعل منذ ظهرت قدرتها على التوسع المباغت في كل مكان من العالم، بما في ذلك أمريكا نفسها، المغلقة أمامها سياسيا وعسكريا. مع الأزمة، بدأ الاقتصاد يلعب الدور المقرر والرئيسي في علاقات وأحجام الدول، وأخذ يتراجع أمامه واقع جعل هذا الدور وظيفة تنجم عن تضافر عوامل متعددة / متكاملة تتعلق بالوزن السياسي / العسكري / الاستراتيجي/ الثقافي للدولة، وكذلك بطريقة الحياة وأنماط الاستهلاك فيها. بما أن تضافر هذه العوامل لم يسد ويبرز في أية دولة كما برز وتحقق في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخاصة عقب انهيار السوفييت، فإن تعاظم دور الاقتصاد الصيني سيأكل بالضرورة من مكانة أمريكا كرمز لتكامل القوة الحديثة، وتاليا من دورها العالمي وقدرتها عل التحكم العسكري، وسينافس اقتصادها الموجه أساسا نحو الطبقات الوسطى والغنية داخل وخارج حدودها، وسيقيد نمط السياسة الدولية التي تطورت منذ قامت دولة الأمة بعد معاهدة فستفاليا عام 1648، وأوصلتها الولايات المتحدة إلى ذروتها، وكان يظن أنه ستستمر إلى فترة لا نهاية لها، بسبب انفرادها بالعالم وبالقطبية السياسية، لكن الأزمة والحرب في العراق وأفغانستان بينتا أنها بحاجة إلى إعادة بنينة هي حاجة حقيقية إلى حد أن أمريكا لم تعد قادرة على تجاهلها أو القفز من فوقها، والدليل دعم الصين لإصلاحاتها المالية، ومطالبتها برفع سعر عملتها كي يتمكن الاقتصاد الأمريكي من منافسة اقتصادها. نحن، على الأرجح، في بداية زمن جديد سيكون مختلفا عن أي زمن سبقه.

حققت الصين في السنوات الأخيرة الثلاثة ما تحققه الدول عادة خلال عقود ثلاثة: تحولت إلى مركز أنقذ اقتصاد آسيا الشرقية في نهاية القرن الماضي من انهيار مالي محتم وقف الين الياباني عاجزا حياله، ثم لعب في سنوات الأزمة الأخيرة وما زال يلعب إلى يومنا هذا وأكثر من أي وقت مضى دورا حاسما في إنقاذ الاقتصاد العالمي، بما فيه الأمريكي، بينما أنجز نقلة نوعية مهمة في الداخل بدلت جوانب مهمة من طابعه، حولته من اقتصاد يعتمد على التجارة الخارجية، مفاتيحه بيد الآخرين، هو اقتصاد تصدير، إلى اقتصاد يعتمد عليه الآخرون، تحتل سوقه الخاصة المكانة الأولى بين زبائنه، بعد أن تفرد، رغم الانكماش الاقتصادي الدولي العام، بتحقيق توسع إنتاجي ومالي غطى العالم، وانخرط في منافسة شديدة وناجحة مع أمريكا واليابان على مصادر المواد الأولية، وخاصة منها النفط، وأقام مشاريع عملاقة في بلدان كثيرة بين أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، نالت بعض الدول العربية نصيبا وافرا منها (مصر والسودان والجزائر والإمارات) ووظف استثمارات هائلة في كل مكان، خاصة في البلدان المتقدمة، واشترى مؤسسات وشركات كاملة في قطاعات النقل والتقدم التقني والعلمي، ودفع بعلاقاته مع العالم المتأخر إلى حدود شراكة بعيدة الأمد، مغلبا الحسابات الاقتصادية على غيرها، ومحددا من خلالها علاقاته السياسية والدولية وإستراتيجياته، بينما تميزت مواقفه من الأزمة الاقتصادية عن غيرها من مواقف الدول المتقدمة، التي قصرت الجزء الأعظم من جهودها على إصلاح القطاع المالي والمصرفي، حين ابتدع علاجا كليا جوهره توظيف قرابة تريليون دولار أمريكي في توسيع وتحديث بنيته التحتية وقطاعاته الاقتصادية وصناعاته الإلكترونية ومؤسساته الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، ورفع القدرة الشرائية للمواطن، الذي عادت الأزمة عليه بمنافع متنوعة ملموسة. بالمقابل، خصصت الصين قسما مهما من فوائضها النقدية قدرت بحوالي ثلاثة تريليونات دولار أمريكي - لتوسيع إنتاجها وحضورها الاقتصادي في العالم الخارجي وتعزيز التبادل التجاري معه، وليس أمرا قليلا بالنسبة إلى الاقتصاد الدولي أن الصين والهند قررتا زيادة تجارتهما إلى 120 مليار دولار سنويا، بينما ستبلغ التجارة بين الصين وباكستان مئة مليار دولار أمريكي خلال أعوام قليلة قادمة.

انتهى زمن القطبية الاقتصادية الواحدة، وتراجعت القطبية السياسية في مركزها الأمريكي وعلى نطاق العالم. وبينما استخدمت الصين بانفتاح وهجومية الأزمة الاقتصادية، نراها تتعامل بتحفظ مع الميدان السياسي، حيث تتخذ مواقف حذرة رغم القبول العالمي والأمريكي الضمني والصريح بدور متعاظم تلعبه في الشؤون الدولية، بل ومطالبتها بذلك. من المفهوم طبعا أن تكون الصين حذرة، فهي تضع نصب عينيها على الدوام التجربة السوفييتية، التي رجحت السياسة على الاقتصاد وأفرطت في استخدامها، وحملت أعباء مغامرات عقيمة وغير مضمونه النتائج في أماكن كثيرة من العالم، فكانت النتيجة فشل نظامها في الداخل رغم نجاحاتها الخارجية المدوية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

لا يستقر عالمنا على حال .

ويبدو أن الصين تكرر المرء اليوم في وجه أمريكا شعار كلينتون خلال حملته الانتخابية ضد جورج بوش، الذي كان قد أعلن قيام نظام القطبية السياسية الواحدة، وأوكل إلى أمريكا وحدها مهمة إدارة العالم، فواجهه كلينتون بكلمات أربع تسببت في هزيمته خلال الحملة الانتخابية عام 1991، رغم انتصاره في حرب الكويت على العراق وانهيار السوفييت: إنه الاقتصاد، أيها الغبي!.

' كاتب وسياسي من سورية

==========================

حوارات في واشنطن: ما الذي يمنع تحويل "حزب الله"

من مشكلة في لبنان إلى "مشكلة" لسوريا ؟

جهاد الزين

النهار

4-1-2011

عاد الزميل جهاد الزين من رحلة عمل الى العاصمة الاميركية واشنطن هدفت الى متابعة وتغطية بعض الانشطة الديبلوماسية والبحثية وبصورة خاصة المتعلقة بلبنان وسوريا والعراق ومصر وفلسطين والشرق الاوسط عموما.

وبناء على مواعيد مسبقة بواسطة السفارة الاميركية في لبنان، التقى في وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن كلا من السيدة مارا رودمان نائبة المبعوث الاميركي الخاص للشرق الاوسط السيناتور جورج ميتشل ورئيسة فريق موظفي المبعوثية في وزارة الخارجية والمكلفة بهذه المهمة من الوزيرة هيلاري كلينتون والى جانبها السيدة سحر خوري كينكانون المساعدة الرئيسية في مكتب المبعوثية. كذلك التقى السيد جون ب. دوروشيه مدير مكتب الشؤون العراقية ثم السيدة نيكول د. شامبين مديرة مكتب شؤون مصر والمشرق (Levant) في وزارة الخارجية. ورافقت الديبلوماسية في قسم الصحافة في ادارة شؤون الشرق الادنى في الوزارة أميرة اسماعيل الزميل الزين في هذه اللقاءات.

كما أدارت في وقت آخر السيدة آلان ليبسون مديرة "مركز ستيمسون" البحثي في واشنطن لقاء مع الزين شارك فيه عدد من الباحثين والخبراء الاميركيين في عدد من دوائر الشرق الاوسط من مراكز أبحاث مختلفة هم هنري باركي الاستاذ في جامعة ليهاي والباحث المتخصص في الشؤون التركية في مؤسسة كارنيغي، وروبرت غرينييه من المؤسسة البحثية "أي آر. جي. بارتنر" وكريم سادجادبور المختص في الشؤون الايرانية والباحث في مؤسسة كارنيغي وكايت سيلي نائبة الرئيس لشؤون الاتصالات والبرامج في "مؤسسة الشرق الأوسط" (ميدل ايست انستيتيوت) والباحث اندرو تابلر في "مؤسسة واشنطن للشرق الأدنى" والباحث في الشؤون العراقية نبيل التكريتي في "جامعة ماري واشنطن" ومنى يعقوبيان المستشارة في "مؤسسة الولايات المتحدة للسلام" وأندرو هوك من مركز ستيمسون.

في هذا اللقاء تبادل الزميل الزين طرح الاسئلة والآراء والتقييمات و"الاختلافات" مع وعلى الخبراء المشاركين.

وفي وقت لاحق التقى الزين الدكتور ستيف هايدمان أحد نواب رئيس "مؤسسة الولايات المتحدة للسلام" والاستاذ في جامعة جورجتاون والباحث السياسي في قضايا العالم العربي ومؤلف كتابين معروفين حول تطور سوريا الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي المعاصر وآخر حول البنى السياسية في الشرق الاوسط.

… إضافة الى تغطيات ونشاطات أخرى بينها حضور حفل منح جوائز تكريم من وزيرة الخارجية الاميركية لشركات اميركية عاملة في دول نامية وبينها شركة عاملة في رام الله والضفة الغربية (وغزة) في ظل "الشراكة" مع "السلطة الوطنية الفلسطينية".

هنا تقرير عن حصيلة هذه الحوارات يُكتب وفقا لاتفاق مسبق حسب "قاعدة شتهام هاوس" التي لا تنسب الآراء لأشخاص محددين وإنما تنقل جو الحوارات.

لا تشبه قوة الكلام في دعم "المحكمة الخاصة من اجل لبنان" في واشنطن... سوى قوة الكلام ضد هذه "المحكمة" في طهران! فإذا كان الديبلوماسيون الاميركيون الذين يتاح لزائر واشنطن لقاؤهم بين مكاتب وزارة الخارجية المكتظة حريصين على لهجة عالية وحاسمة في موضوع ضرورة صدور "القرار الظني" ثم انعقاد المحكمة، فإن هذه اللهجة تبدو بالارتفاع نفسه بل حتى احياناً أعلى في اوساط معظم الخبراء والباحثين الاميركيين المنتشرين في المراكز البحثية المعنية بقضايا الشرق الاوسط ولبنان.

في هذا المناخ المتصلّب، الرسمي وغير الرسمي، حول مسألة "المحكمة" يمكن للمراقب ان يلاحظ:

1 – انه سواء قيل الامر مباشرة او غير مباشرة، فهو انعكاس للصراع الايراني – الاميركي الذي يسيطر على النظرة السائدة الاميركية للوضع في لبنان.

2 – لهذا لا يشعر المراقب ان فكرة تلافي "الحرب الاهلية" الداخلية كنوع من التسوية الواقعية المطروحة بين "المحكمة" و"الاستقرار" يجري التسليم بها بسهولة في اوساط محدثيك الاميركيين، ديبلوماسيين وباحثين حتى ان البعض قد يسارع في حال تشديدك على أولوية تلافي الحرب الاهلية الى اتهامك فوراً بال"رضوخ لارهاب منطق حزب الله". لكن العديدين عندما يتجاوز الامر هذا السجال يعمدون الى سؤالك بهدوء: الى اي حد تعتقد ان "حزب الله" يقوم بعملية "بَلْف" في تهويله بخطر الانفجار اذا صدر "القرار الظني"؟

3 – الى حد بعيد، بل ربما بشكل كامل، لا تزال اللهجة السلبية او التشكيكية التي يسمعها الزائر في الاوساط الديبلوماسية الاميركية حيال سوريا مرتبطة او ناتجة عن تعقيدات النظرة الاميركية الى السياسة الايرانية في المنطقة بما فيها لبنان. فقبل اعلان توقيع الرئيس باراك اوباما على تعيين السفير الاميركي في دمشق، يتكوّن لدى الزائر في لقاءات وزارة الخارجية الانطباع ان الشكوى الرئيسية، ان لم تكن الوحيدة، من السياسة السورية هي استمرار تمرير القيادة السورية عبر الاراضي السورية لاسلحة "نوعية" ل"حزب الله"، ويلفت النظر كم تتكرر صفة "نوعية" في وصف هذه الاسلحة... باعتبارها – في الخطاب الاميركي – سبب الاستياء في واشنطن من دمشق الذي ظهر فجأة في الاشهر الاخيرة وانعكست جديته – اي الاستياء – في تبنيه من قبل "صديق سوريا" السيناتور جون كيري.

4 – قرار تثبيت السفير في دمشق يعزز المعلومات التي تتناقلها بعض المصادر القريبة من وزارة الخارجية الاميركية والتي تقول ان الاتصالات غير المعلنة بين ادارة اوباما ودمشق لم تنقطع خلافاً لما كان يبدو في الظاهر وبصورة خاصة في فريق السيناتور جورج ميتشل، المبعوث الخاص للشرق الاوسط الذي يبدو منشغلاً في ملف التسوية الفلسطينية الاسرائيلية بشكل اساسي. لكن نائبه فردريك هوف قام ببعض الزيارات السرية الى دمشق في الفترة الماضية، في سياق من الواضح انه ادى الى اعادة تحسن في العلاقات.

المهم هنا انه لا شكوى يمكن سماعها في واشنطن في موضوع السلام مع اسرائيل كمبرر لتوتر العلاقات مع سوريا. وحتى لو ان نظرية "رفض مكافأة النظام في سوريا" الموروثة من العهد السابق، عهد الرئيس جورج دبليو بوش لا تزال حاضرة بصورة كبيرة وتحول ربما دون تقدم اكبر في العلاقات الثنائية، فإن موضوع هذه النظرية لم يعد كما كان في السابق متصلاً بملفات مختلفة وانما اصبحت محصورة عملياً بكل ما يتعلق بالملف الايراني، باعتبار ملف "حزب الله" العسكري اللبناني جزءاً منه.

واذا كان قريبون من وزارة الخارجية الاميركية حريصين على التشديد على ان جهود البحث الاميركي – حتى التفصيلي – في ملف السلام السوري – الاسرائيلي لم تتوقف وهي مستمرة فليس هناك انطباع يمكن ان يتولّد في اجواء هذه الاوساط عن اي احتمال لاختراق في هذا الملف يسبق الملف الفلسطيني – الاسرائيلي قابل للتوقع.

في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وفي اكثر ايامه تطرفاً، سادت نظرة الى موضوع "الجولان" على ان اي عمل او حلّ يؤدي الى اعادته لسوريا سيشكل "هدية" للنظام السوري. وكما اشرنا اعلاه فإن هذه النظرة مستمرة التأثير رغم ان ادارة الرئيس اوباما قد كسرتها جزئياً لفترة في عدد من المواضيع: منها العلاقات الثنائية ومنها الملف اللبناني.

الخطورة ان تكون هذه النظرة، او "نظرية المكافأة" اي ضرورة "عدم مكافأة النظام في دمشق" على سلوكياته السياسية سيما الممانعة لواشنطن، لا تزال تلعب دورها في الملف الاساسي المتعلق بالتسوية السلمية لتغطية التصلب الاسرائيلي. فإذا كان الرفض الاسرائيلي اصبح مفضوحاً في مساهمته في عرقلة مسار التسوية مع الفلسطينيين، المعتبر الملف الاول في الصراع العربي – الاسرائيلي، فإن الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل لا تشعر بأي ضغط ملحّ يدفعها الى الذهاب في تفعيل ملف السلام مع سوريا.

عند هذه النقطة ثمة غموض يستشعره الزائر في اللقاءات بين تركيز الديبلوماسيين الاميركيين الدائم على ملف "حزب الله" في لبنان على المستويين السياسي والعسكري وبين عدم حماس الخطاب الاميركي الفعلي لاي دور مباشر لسوريا في تهيئة مناخ تجاوز او حتى حل لهذا الملف. على الاقل عدم اعطاء الانطباع بوجود إلحاح لدور سوري في حل مباشر – او سريع؟ - له. هذا اذا لم نتحدث عن "الحل السوري" المنشود في هذا الموضوع بعد فشل الحلول الاسرائيلية (2006) واللبنانية (2008) والدولية حتى الآن (1701 و"المحكمة"). أكثر ما يمكن أن يسمعه الزائر هو تكرار الكلام العام عن السعي لإبعاد سوريا عن إيران!

كل هذا و"هاجس حزب الله" يمكن ان يصل بأحد الباحثين الاميركيين (وهو شخص رصين وباحث جدي) الى السؤال التالي فجأة:

"... وماذا لو امتلك "حزب الله" امكانات نووية بصورة من الصور"!

كان تعليقي – وليس جوابي – على السؤال مع الزميل (والزميلة الاميركية) انه اذا كان الامر يصل الى هذا الحد الكابوسي بالنسبة لقوة تابعة للنفوذ الايراني في منطقتنا، فلماذا عدم اعطاء اولوية ملحة ل"الحل السوري"... الذي على الأقل يُحوّل "حزب الله" في حال تبنيه (اي تبني الحل السوري) من مشكلة في لبنان الى "مشكلة" لسوريا. لكن قاعدة هذا "الحل السوري" واضحة: سلام سوري – اسرائيلي يعيد الجولان المحتل بكامله الى السيادة السورية واسس هذا الحل حتى التقنية جاهزة منذ عهد الرئيس بيل كلينتون.

فيأتي الجواب: هذا مخطط (A) وماذا بعده؟

الجواب البديهي، ايضاً الذي لا اظن ان ايران تستطيع ان ترفضه ببساطة عندما يتعلق بمسألة استراتيجية بالنسبة لمستقبل بل حتى لبقاء حليفها السوري: تحييد تام للبنان في ظل الاستعادة السورية لاراضيها المحتلة في الجولان. هذا هو منطقياً مخطط (B).

هنا ينتقل النقاش الى التوجهات الايرانية في حلقات تقييم الباحثين الاميركيين:

ألم يظهر من ماضي، الماضي القريب، النظام الايراني رغم سيطرة المحافظين الاكثر تشدداً عليه، قابلية للبراغماتية العالية؟ هناك مثلان، واحد مضى عليه الوقت وهو ان ايران المعادية لاميركا كانت اول دولة تفتتح سفارتها في كابول فور اقصاء القوات الاميركية وحلفائها لنظام "طالبان" والثاني شديد الاهمية ومستمر وهو المتمثل ب"الحلف غير المقدس" القائم في العراق الحالي بين ايران وواشنطن والذي ظهر بأكبر تجلياته الواقعية في تكريس حكومة نوري المالكي كمعبّر عن هذه الثنائية الاقليمية – الدولية والمرتكزة على المثلث الداخلي القوي: مرجعية السيد السيستاني – الاكراد بحزبيهما الرئيسيين – المالكي. واذا كان الديبلوماسي الاميركي المعني يبتسم حين يُقال له ما الذي يمنع نوعاً ما من هذه التفاهمات مع ايران في لبنان وعبر سوريا طالما انكم "تفعلونها" في العراق؟ ألا تفعل المملكة العربية السعودية حالياً شيئاً من هذا القبيل في لبنان وان كانت تستبعده عراقياً حتى الآن؟! أليس هذا التمايز "اللبناني" – وليس في المنطقة التي تشارككم السعودية تماماً ضغطكم على ايران فيها – هو الذي يجعل الديبلوماسيين الاميركيين المعنيين يمتدحون الموقف المصري "الحاسم" في دعم "المحكمة الخاصة من اجل لبنان" بينما تبدو علامات التحسّر على "التردد" السعودي حيالها؟ يجيب "المصدر" الديبلوماسي الاميركي بأن هذه السياسة في العراق هي لصالح الشعب العراقي واستقراره عبر دعم قيام حكومة وحدة وطنية. لكن من السهل الرد على هذا المنطق: ولماذا لا يكون كذلك في لبنان لصالح الشعب اللبناني الذي يخشى اندلاع الحرب الاهلية؟ ام لان الاولوية الاميركية في العراق هي لتأمين انسحاب هادئ عام 2011 وتثبيت مصالح نفطية ضخمة بدأ تنظيمها لتشهد ازدياداً كبيراً في الطاقة الانتاجية – اساساً - كما في التصدير الى حد كلام الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في الحكومة الجديدة ووزير النفط السابق والرجل الرئيسي في تنظيم وتنفيذ استراتيجية العقود الجديدة مع الشركات الدولية... كلامه عن ارقام من شأنها خلال سنوات ان تنافس الانتاج السعودي نفسه؟

احد الاجوبة المهمة التي لها معنى دقيق ويسمعها الزائر من بعض الخبراء هي ان الولايات المتحدة كدولة عظمى، لا تستطيع التهاون في موضوع "المحكمة الخاصة" لان الامر يتخطى لبنان نفسه ويتعلق بسياسة عامة على المستوى العالمي لها معاييرها والتزاماتها؟

على ان هذا النوع من المحاججات التفصيلية والاشمل لا تلغي ان بامكان الجزء المتعلق بالتفاهمات الواقعية التي تقيمها واشنطن هنا او هناك مع بعض اعدائها كما مع ايران في العراق، بامكانه بالنسبة للدولة العظمى ان يتعايش مع خط ضغط استراتيجي على ايران. لعل اطاره الاكثر سخونة هو الخليج والعقوبات الاقتصادية لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي. وهو ضغط تقوده اميركا واوروبا باسم "النظام العالمي" ويبدو ان العديد من فصوله تدور حالياً بشكل غير معلن... منها "كساد" بعض كميات نفط ايرانية معروضة في "اعالي البحار" بأسعار جعلتها عروض خليجية (سعودية – اماراتية – كويتية) مرتفعة جداً لان هذه العروض الخليجية جاءت بأسعار مخفضة لا تُقاوم.

• • •

اذن لا بد من تكرار السؤال في نهاية هذا التقرير:

ما الذي يمنع واشنطن من ان تساهم في تحويل "حزب الله" من مشكلة في لبنان الى "مشكلة بناءة" لسوريا؟

وهذا سؤال لا يصح طرحه الا على الادارة الاميركية وحدها..!

==========================

نتنياهو وليبرمان والادوار المرسومة!

عبدالله محمد القاق

الدستور

4-1-2011

 كثيرا ما ادلى وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بتصريحات معادية للعرب والمسلمين وللسلطة الفلسطينية ولتركيا بوجه خاص متهما الجميع بأنهم ضد السامية او المفاوضات الجادة مع اسرائيل.. او عدم وجود شريك حقيقي في السلطة واتهامه على وجه الخصوص رئيس الوزراء التركي ووزير الخارجية بأنهما "كذابان" فيما يأتي نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ويعلق ان هذه التصريحات لا يجدر التعليق عليها عربيا او دوليا او محليا لانها لا تعبر عن وجهة النظر الحكومية الاسرائيلية.

 

ان هذه الادوار مرسومة بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية لان نتنياهو يخشى من تفنيد اقوال ليبرمان الشوفيني والعنصري ولا يستطيع مواجهته باعتبار ان له خمسة عشر نائبا في الكنيست ويمكن من خلالهم رفع شبكة الامان عن نتنياهو بالانسحاب من الحكومة وحل هذه الحكومة الاسرائيلية العنصرية.

 

فهذه الادوار لم تكن جديدة بل انها ادوار محددة بصورة مستمرة لان هناك تخطيطا بين المعارضة والحكومة الاسرائيلية لاثارة هذه القضايا العنصرية والخلافية لاظهار اسرائيل انها ديمقراطية.. ولا يوجد غيرها في العالم.. خاصة عندما يقول ليبرمان "ان السلطة الفلسطينية ليست ديمقراطية لانه لا توجد انتخابات مقررة في فلسطين وعندما يتهم السلطة بانها لا تريد السلام العادل والشامل في المنطقة فضلا عن تأكيده عن ان القدس هي العاصمة الابدية لاسرائيل.

 

فاذا كان نتنياهو ينتقد اليميني المتطرف ليبرمان لتصريحاته فانه كذلك ينتقد ايضا باراك وزير خارجيته عندما ادلة بتصريح في الامم المتحدة قال فيه "لا بد من التفاوض حول وضع القدس" فهذه الاجوار كلها معدة اعدادا جيدا بين المعارضة والحكومة للتأكيد على ان الديمقراطية هي وراء تباين الآراء والافكار والرؤى بينما في فلسطين فان السلطة تريد امام العالم تهميش المعارضة وعدم السماح باعلان صوتها من اجل افهام العالم ان لا صوت يعلو على السلطة او المفاوضات العبثية التي بدأت منذ اكثر من عشر سنوات ولم تحقق للشعب الفلسطيني سوا المزيد من الاستيطان وفرض الحصار الجائز على غزة والضفة الغربية والاعتقالات اليومية المباشرة والحد من اتخاذ اي قرار يهدف الى اعادة المفاوضات مع وقف الاستيطان ولو كان هذا الامر جزئيا مما يتطلب التصدي الفلسطيني والعربي للمحاولات الاسرائيلية الرامية الى سحب هويات المقدسيين وحرمانهم من ابسط حقوقهم الانسانية.. فضلا عن العمل على رص الصفوف في هذا العام الجديد لمنع المستوطنين من طمس معالم القدس والاحياء العربية بتغيير اسمائها الى يهودية عبرية.

 

هذه الاعمال التي يدافع عنها نتنياهو ويجسدها ليبرمان في احاديثه للسفراء الاسرائليين في اجتماعهم السنوي في مدينة القدس تؤكد ان اسرائيل تنتهج خطة مرسومة من اجل استمرار الاوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون والتهديد بهدم حوالي خمسين الف بيت عربي في مدينة القدس بينها عشر آلاف بيت منها بحجة البناء بدون ترخيص.

 

ان هذه الادوار الاسرائيلية تدل على مدى التغول الاسرائيلي على ايدي الجماعات الاسرائيلية المتطرفة لاضفاء الطابع اليهودي على المدينة والتي تعاني من اجراءات تهويدية متكررة في هذه المدينة المقدسة واسطة العقد بين المدن في هذا العالم.. والتي هي احوج اليوم من اي وقت مضى الى وقفة حقيقية جادة في وجه الظلم والاستبداد والعنصرية والفاشية التي يطلقها ليبرمان حتى تبقى عربية والتأكيد على اهمية القدس مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم الى مسجدها وصخرتها ويستعيد فتح الخليفة عمر بن الخطاب لها وهذا يعني انه لا سلام ولا استقرار بدون القدس.

 

فتصريحات ليبرمان التي تكرس سياسة البناء في مدينة القدس لاقامة عشرات الوحدات السكنية ومطالبته بتهويد المدينة وتهجير سكانها انما تهدف الى نسف جهود السلام وتقف عائقا امام تحقيق الاستقرار في المنطقة فضلا عن كونها تشكل ستارا لاسرائيل وعاملا لتضليل الرأي العام العالمي.

 

واذا كنا ننتقد ليبرمان او نتنياهو او باراك على مواقفهم في السلام العادل والشامل ورغبتهم في استمرار الاحتلال فان من البدهي القول ان القرار الذي اتخذه مجلس النواب الامريكي في السابع عشر من الشهر الماضي بشأن رفض اقامة الدولة الفلسطينية انما يشكل موقفا امريكيا جديدا منحازا لاسرائيل وتصرفا غير لائق لدولة كبيرة اعلن رئيسها اوباما حرصه على توفير الامن والاستقرار واقامة السلام العادل في المنطقة وهذا الموقف الامريكي الجديد الذي يتناغم مع تصريحات ليبرمان لا يختلف عن وعد بلفور المشؤوم عندما تصرفت بريطانيا بما لا تملك على حساب اصحاب الحق الشرعيين فاعلنت فلسطين وطنا قوميا لاسرائيل.

 

ان هذا الوضع الاسرائيلي تجاه المناطق الفلسطينية يؤكد على ان المجتمع الدولي والامريكي والرباعية ايضا ينفذون قرارات هؤلاء المتطرفين العنصريين من الاسرائيليين ويوضح ان هذا المجتمع عاجز عن الحركة ويكتفي بالشعارات وتأييد "حل الدولتين" هذه الاعمال والتصريحات الاسرائيلية المرسومة كشفت للجميع هذا الوجه القبيح للاستعمار الاسرائيلي للشعب الفلسطيني والعجز الامريكي الذي يسلم منطقتنا الى الفراغ او الارهاب وهذا ما يستدعي من الفلسطينيين توحيد مواقفهم وانهاء خلافاتهم وان تكون وحدتهم هي الطريق الامثل والاشمل لهزيمة المشروع الاسرائيلي الامريكي الرامي لاحتلال الاراضي لان هذه الوحدة وانهاء الخلافات بين فتح وحماس وكل الفرقاء الفلسطينيين تعتبر السبيل الوحيد للرد على الاسرائيليين ولوقف سيل الاتهامات من نتنياهو او باراك او ليبرمان تجاه هذا الشعب فاستمرار الانقسام بين الفصائل تعطي الفرصة لهؤلاء الصهاينة المتطرفين للاعلان عن انهم حققوا النصر امام الفلسطينيين.. بل ان هذه الوحدة الفلسطينية خطوة لتعرية اسرائيل وديمقراطيتها المزيفة التي يعلن عنها نتنياهو وتُظهر ضعف المجتمع الاسرائيلي وخوفه من التعايش مع العرب والمسلمين.

 

وكما قال الكاتب والسياسي البريطاني باتريك سيل بان سياسة اسرائيل المتطرفة لن تتيح لها تأمين مستقبلها الطويل الامد لانها اعتادت على ثقافة قائمة على الافلات من العقاب وهذا الوضع غير قابل للاستمرار اذ يجب محاسبتها على تصرفها غير القانوني ويتعين عليها ايضا ان تعي ان صراعها مع العرب قد تفاقم وتحول اليوم الى صراع مع العالم الاسلامي بأسره.

==========================

المشروع الروسي والتراجع الأميركي

التاريخ: 04 يناير 2011

ليونيد ألكسندروفتش

البيان

يبدو أن روسيا تراجعت عن فكرة الدعوة لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط لديها، فقد أعلنت موسكو أن الدعوة لعقد مؤتمر على أرضها للتسوية الشرق أوسطية يتطلب ظروفا أكثر ملاءمة، وأن الأمر يتطلب تحقيق تقدم ملموس في إقامة حوار عربي/ إسرائيلي، خاصة أن المفاوضات الإسرائيلية/ الفلسطينية المباشرة التي استؤنفت تحت رعاية أميركية، دخلت مأزقا حقيقيا، وفي مثل هذه الظروف لا بد من استيعاب ما يحدث في المنطقة أولا، ثم تفعيل العمل السياسي.

 

لقد شعرت روسيا في الفترة الأخيرة أن الدور الأميركي في الصراع العربي/ الإسرائيلي، قد تراجع وفقد الكثير من فاعليته، وأن واشنطن نفسها تشعر بالفشل في القيام بدور حاسم، أو حتى التوصل لشكل توافقي يحفظ ماء وجهها أمام العالم. هذا التراجع الأميركي أعطى الإيحاء للبعض بأن هذه فرصة جيدة لروسيا للتقدم بمشروعها لاستضافة مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، ومن خلال هذا المؤتمر تفرض روسيا نفسها كبديل للراعي الأميركي. لكن موسكو لا ترى أن هذا الأمر ممكن أو حتى مطلوب في الوقت الحاضر، فالروس يرون أن دورهم في الشرق الأوسط لا يمكن أن يعود لما كان عليه في زمن الاتحاد السوفييتي، وتعلم روسيا جيدا أن لا أحد في المنطقة يريد ذلك، ولا حتى العرب أنفسهم، ناهيك عن إسرائيل التي ترفض ذلك تماما. ولهذا رأت موسكو أن من الأفضل التراجع عن مشروع استضافة مؤتمر السلام الآن بالتحديد، حتى لا يتصور أحد أنها تطرح نفسها كبديل للراعي الأميركي، وفضلت أن تطرح مشروعا آخر بديلا يتلاءم مع الظروف الحالية، من خلال توسيع الرباعية الدولية في الشرق الأوسط، بضم قوى جديدة إقليمية ودولية تكون لها المقدرة على أداء دور فعال في النزاع.

 

وقد لا تبدو واضحة دوافع الجانب الروسي في تبني هذا المشروع، لكن الأمر يرتبط بأن الأدوات التقليدية للتعامل مع قرارات الشرعية الدولية لم تعد كافية، وبات من الضروري تفعيل أدوات إضافية، وتكمن أهمية هذه الأدوات في زيادة الضغط على جموح طرفي النزاع، وتحديدا الطرف الإسرائيلي.

 

لم يعد خافيا على كافة أطراف المجتمع الدولي أن حكومة تل أبيب تتعمد إفشال الجهود الدولية لتسوية أزمة الشرق الأوسط، وتستغل في تحقيق ذلك الاحتكار الأميركي لعملية السلام في المنطقة، استنادا للتحالف الاستراتيجى بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وهو تحالف من نوع خاص، لا يمكن أن تحققه حكومة تل أبيب مع أي دولة أخرى، كما لا تستطيع أي دولة أخرى، بخلاف الولايات المتحدة، أن تقيمه مع إسرائيل.

 

ولسنا في معرض مناقشة هذا التحالف وتاريخه وجوانبه، الغامض منها والمعروف والمستتر، ولكننا نركز على أهمية المقترح الروسي في ظل هذا الوضع. ولا شك أن ضم دول ذات نفوذ في المجتمع الدولي، مثل الهند وتركيا والصين، وربما إيران والسعودية ومصر، لا بد وأن يفرض على اللاعب الأميركي شروطا جديدة تتعلق بمصالحه مع هذه الدول، خاصة أن هذه الدول لها مصالح مباشرة في استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط، بحكم تعاونها ومصالحها الاقتصادية مع دول المنطقة. بل إن انضمام هذه الدول لدائرة الوساطة الدولية، سيكون في الغالب رصيدا للجانب العربي، فليس خافيا على أحد مواقف هذه الدول المساندة لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وحقه في بناء دولته المستقلة على أرضه، وأن يختار العاصمة التي يراها لهذه الدولة، هذه الحقوق التي ثبت أن واشنطن ليست متحمسة لها، وأن أقصى ما تسعى له هو التهدئة بين الطرفين ومظاهر الدبلوماسية التوافقية، وأيضا وقف الاستيطان، وشتان ما بين وقف الاستيطان الذي تريده واشنطن، ومنع الاستيطان الذي يريده العرب، فالحلول كلها عند واشنطن مؤقتة وليست حاسمة.

 

في نفس الوقت، ترتبط الدول التي ترى روسيا أهمية انضمامها للوساطة الدولية، بمصالح ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل ولها علاقات ومصالح مع إسرائيل يمكن أن تكون قناة للحوار، وأيضا وسيلة للضغط على حكومة تل أبيب.

 

إلا أن هذا المقترح لا يجب أن يفتح الطريق أمام ما يطرحه البعض عن ضرورة البحث عن حلول بديلة لتسوية أزمة الشرق الأوسط وإلغاء ما هو قائم، لأن هذا الطرح يضر بمسيرة التسوية، ويفتح الباب للعودة بالأزمة إلى نقطة الصفر، أي لمرحلة إعلان دولة إسرائيل، مما سيؤدي لتفجير الوضع في الشرق الأوسط. كما أن هذا التوجه سيكون بمثابة شهادة وفاة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي لعبت دورا أساسيا في التسوية السلمية، على مدار عشرات السنين.

 

الواقع أن المشروع الروسي يحتاج لدعم من الدول العربية نفسها قبل إسرائيل، فإذا كانت الدول العربية تسعى بجدية لتسوية الأزمة المتفجرة، يجب عليها أيضا أن تكسر الاحتكار الأميركي لمسيرة العملية السلمية. هذا الاحتكار الذي ثبت بالدليل القاطع أنه عاجز عن إخراج التسوية من مآزقها. ويجب على العرب أن يثقوا في روسيا كطرف أكثر موضوعية وحيادية في التعاطي مع أزمة الشرق الأوسط، التي تهدد بتفجير حرب ضارية في المنطقة، خاصة وأن روسيا لها علاقات متساوية وجيدة مع كافة الأطراف، بما فيها إسرائيل، كما أنها ليست صاحبة مصلحة خاصة ولا طرفا في أي نزاع في المنطقة.

==========================

ساحل العاج ورهانات المجتمع الدولي

تاريخ النشر: الثلاثاء 04 يناير 2011

الاتحاد

بعد أن أقدم على تمديد فترته الرئاسية لخمس سنوات إضافية قرر رئيس ساحل العاج، لوران جباجبو، فجأة تنظيم انتخابات رئاسية معتقداً أن النتيجة محسومة لصالحه، وبأنه سيكون الفائز الأوحد في الانتخابات ليتوج رئيساً لفترة أخرى.

 

لكن يبدو أن حسبات البيدر والحقل جاءتا مختلفتين تماماً وذُهل جباجبو عندما أظهرت النتائج فوز منافسه الحسن وترا الذي حصل على 54 في المئة من أصوات الناخبين. وبدا أنه يتقدم بخطى واثقة نحو الرئاسة، لولا أن الرئيس المنتهية ولايته، جباجبو، أصر على عدم التنازل، وأعلن نفسه وبصفة أحادية أنه رئيس البلاد مهما كانت النتائج، ومهما كانت الإرادة الشعبية.

 

ولم ينفع في إقناع "جباجبو" أن اللجنة العليا للانتخابات قضت بفوز الحسن وترا ولا حتى التنديدات الدولية لاغتصابه الواضح للسلطة، الذي يريد "جباجبو" تكريسه في البلاد، حيث اتفقت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا ومعهم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا"الإيكواس" والاتحاد الأفريقي على الاعتراف بفوز الحسن وترا، وإدانة التمسك الغريب بالسلطة من قبل "جباجبو" الذي ضرب بعرض الحائط الشرعية الديمقراطية في تأكيده على أن ما يهمه هو البقاء في السلطة مهما كانت الوسائل.

 

ومنذ الإعلان عن النتائج، دخلت البلاد في طريق مسدود تنذر بتفجر الوضع وتجدد أعمال العنف ثم عودة الحرب الأهلية التي دمرت البلاد في العام 2002، فجباجبو ورغم كل الضغوط الداخلية والخارجية مازال مصراً على البقاء في السلطة، وربما لهذا السبب سماه معارضوه "بالخباز" لمناوراته العديدة وضربه الخصوم بعضهم ببعض للحفاظ على الرئاسة، وهو يبدو أنه يفضل ترؤس بلد في أزمة، بل ربما على شفا الانهيار والدمار، على أن يقر بوضعه كرئيس سابق لبلد معافى وبعيد عن الأزمات.

 

والرئيس "جباجبو" بكل هذا الإصرار على الرئاسة والإمساك بالسلطة إنما يعول أولاً على بعض قادة الجيش الذين يستمر دعمهم له، لا سيما اعتماده على تململ المجتمع الدولي وفقدانه الاهتمام بما يجري في ساحل العاج حتى يستمر في السلطة، فهو يأمل أنه بعد موجة الانتقادات والإدانات الغربية والأفريقية والمناشدات العديدة له بتغليب مصلحة البلاد على مصلحته الضيقة أن الأمر في النهاية سيرسو على لا شيء، وسيعترف له المجتمع الدولي بالشرعية، لذا يعتقد أن كل ما عليه القيام به في هذه المرحلة، هو تحمل الانتقادات مهما كانت لاذعة وصم أذنيه عن المطالب الدولية مهما كانت مشروعة، لا سيما وأنه لن يكون الرئيس الأفريقي الوحيد الذي يسرق الانتخابات ويستولي على السلطة بحكم الأمر الواقع والإصرار على عدم التنازل.

 

على سبيل المثال، فإنه رغم كل الضغوط الدولية والانتقادات المتوالية، استطاع رئيس زيمبابوي روبرت موجابي، الاستمرار رئيساً للبلاد غير آبه بالتنديدات الدولية التي لم تجدِ نفعاً في زحزحته من السلطة، وقد كانت واضحة الألاعيب التي لجأ إليها لتزوير الانتخابات والانتهاكات التي دلت على عدم شرعية نتائجها. ويسعى "جباجبو" على غرار "موجابي" إلى اللعب على عامل الوقت لتخفيف شدة الضغوط من جهة وعلى استخدام ورقة السيادة الوطنية في وجه القوى الأوروبية وتذكيرها دائماً بماضيها الاستعماري للتشكيك في نواياها تجاه البلاد، رغم أن الحالة بسيطة، ولا تعدو رغبته في تجاوز نتيجة الانتخابات والإصرار على البقاء في السلطة.

 

لكن المشكلة بالنسبة لجباجبو التي ربما لم يلتفت إليها في محاولة التشبه بموجابي هو الاختلاف الكبير بين الرجلين، ذلك أن موجابي لديه على الأقل الشرعية التاريخية، التي وإنْ كانت لا تبرر استيلاءه على السلطة من خلال تزوير الانتخابات، إلا أنها تعطيه مكانة المناضل الذي جلب الاستقلال للبلاد، وحافظ بهذه الطريقة على وجاهته في القارة الأفريقية، رغم أساليبه الاستبدادية، هذه الشرعية غير متوفرة لجباجبو؛ والأكثر من ذلك أن المجتمع الدولي، فيما يتعلق بساحل العاج، أظهر توافقاً غير مسبوق، وأثبت نفسه كقوة دولية ضاغطة دون انقسامات، وهي من المرات القليلة التي يتفق فيها العالم الغربي مع باقي الدول بما فيما التكتلات غير الغربية مثل الاتحاد الأفريقي على كلمة سواء، الشيء الذي يضفي المزيد من المشروعية على تصريحات المجتمع الدولي ومطالباته لجباجبو بالتنحي.

 

وفي هذا الإطار يتعين الإشادة بثبات الأمم المتحدة التي لم تخضع لمطالب "جباجبو" بسحب قواتها لحفظ السلام المنتشرة في البلاد، بل بالعكس تم التمديد لها لولاية جديدة، كما أن المدعي العام المقيم في محكمة الجنايات الدولية أعلن عن مراقبته للوضع الجاري في ساحل العاج ورصده لأعمال العنف ما بعد الانتخابات في إشارة واضحة للقائمين على السلطة بأنهم تحت أعين المجتمع الدولي، وقد يُتابعون قضائياً في حال حدوث أي تجاوزات أمنية.

 

لكن كيف لهذه الأزمة الناشئة في ساحل العاج أن تنتهي؟ حسب السيناريو الأكثر تشاؤماً، فإن البلاد قد تنزلق نحو العنف والمواجهة بين أنصار الرجلين، وهو ما سيؤدي بالبلاد إلى الدمار، أما السيناريو المثالي الذي يتوق له المجتمع الدولي، وبخاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تريد الاستقرار وعدم اندلاع العنف، فهو موافقة "جباجبو" على مغادرة البلاد وعودة الشرعية بتنصيب الحسن وترا رئيساً للبلاد. وهناك سيناريو آخر يمكن الرهان عليه هو ظهور انشقاقات داخلية في صف "جباجبو" بعدما يدرك مؤيدوه داخل السلطة، لا سيما الجيش، أن البلاد مقبلة على كارثة اقتصادية وأمنية إنْ هم استمروا في مواقفهم، ما قد يدفعهم في النهاية إلى الضغط على "جباجبو" لقبول الحلول المقترحة من المجتمع الدولي والتوصل إلى اتفاق يحفظ له ماء وجهه مع رجوع الشرعية الديمقراطية إلى مستحقيها، ولا شك أن مثل هذا المخرج سيلقى ترحيباً من جميع الأطراف الدولية والإقليمية لأنه لا أحد يفضل استخدام القوة للإطاحة ب"جباجبو" لما ينطوي عليه ذلك من زعزعة للاستقرار في ساحل العاج ودخول البلاد دوامة العنف والحرب الأهلية التي لن يكون من السهل إيقافها.

==========================

"طريق ثالث" لفلسطين

روبرت إم. دانين

زميل أول دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ب"مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"

تاريخ النشر: الثلاثاء 04 يناير 2011

الاتحاد

أدى فشل الجهود التي بذلتها إدارة أوباما على مدى عامين كاملين لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالجلوس على مائدة المفاوضات، إلى حجب الضوء عن مقاربة فلسطينية ثورية لتكوين الدولة وتحقيق السلام مع إسرائيل، حققت نجاحاً مشهوداً.

 

في شهر سبتمبر الماضي وبينما كان أوباما يستضيف نتنياهو، وعباس في البيت الأبيض، أصدر فياض بياناً مقتضباً مصاغاً بلغة لا توحي بما ينطوي عليه من أهمية، يعلن من خلاله بداية العد التنازلي للإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة خلال عام، ومعدداً فيه الخطوات العملية التي يجب القيام بها حتى تصبح تلك الدولة حية وقادرة على العمل بشكل كامل. وهذا الجهد الذي يبدأ من القاعدة وينتهي للقمة، يعكس شيئاً، لا يمكن بحال وصفه بأنه أقل من مقاربة ثورية جديدة لإقامة دولة فلسطينية.

 

لما يقرب من قرن من الزمان، كان الكفاح المسلح هو الشعار الرئيسي الذي ترفعه الحركة الوطنية الفلسطينية دوماً، وذلك قبل أن يتم استبداله بخيار مفاوضات السلام بعد اتفاقيات أوسلو في العام 1993، على الرغم من أن ذلك الخيار، لم يعنْ أبداً أن العنف والإرهاب قد جري التخلي عنهما تماماً. والمقاربة الثورية الجديدة التي طرحها فياض تعني أن هناك طريقاً ثالثاً، أو صيغة براجماتية للغاية، قد ظهرت في سياق الحركة الوطنية الفلسطينية.

 

استراتيجية فياض ببساطة تتمحور حول الاعتماد على النفس، وتمكينها، وتركيزه الرئيسي في تلك الاستراتيجية ينصب على الحكم الرشيد، والفرص الاقتصادية، وإقرار القانون والنظام للفلسطينيين، وبالتالي للإسرائيليين وهو ما يعني إزالة أي حجج قد تستند إليها إسرائيل في إطالة أمد احتلالها للأراضي الفلسطينية. وال"فياضية" ترمي إلى نبذ كافة أشكال العنف، وتغيير مدركات الجميع بشأن ما هو ممكن وما هو غير ممكن في مجرى الصراع.

 

منذ أن تولى فياض منصبه عام 2007، تمكن الاقتصاد الفلسطيني من الإقلاع. فأرقام صندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدل النمو في الضفة الغربية قد وصل إلى 8.5 عام 2009 قبل أن يزداد تدريجياً ليصل إلى 11 في المئة في الجزء الأول من عام 2010. كما ظل الإنفاق الحكومي داخل حدود الميزانية ولم يتجاوزها، وأدى تطبيق قانون الضرائب إلى زيادة الحصيلة الضريبية للحكومة بمعدلات فاقت ما كان مقدراً. أما نسبة البطالة التي كانت قد وصلت إلى 20 في المئة عام 2008 ، فقد هبطت بمقدار الثلث تقريباً. كما تم بناء ما يزيد عن 120 مدرسة على مدى العامين الماضيين وإنشاء ورصف 1100 ميل من الطرق، وتأسيس شبكات مياه طولها 900 ميل.

 

كان هدف فياض من كل ذلك تحسين حالة الفلسطينيين حتى يكونوا جاهزين للدولة التي يفترض أن تصبح حقيقة واقعة بحلول عام 2011؛ ويمكن القول إنه قد تمكن من تحقيق هذا الهدف من الناحية الاقتصادية والمؤسسية.

 

منتقدو فياض يخشون من أن تكون المقاربة التي يتبعها ساذجة على الرغم من نبل الغاية التي يسعى إليها. فهم يرون أن إسرائيل لن تنهي احتلالها أبداً بما يسمح للفلسطينيين بتحقيق النجاح فيما يطمحون إليه. كما أن بعض الفلسطينيين يرون أن فياض يقوض، فيما يقوم به، جهد السلطة الفلسطينية الرامي لتأمين كافة أراضي الضفة الغربية والقدس، وأنه من خلال مشروعه ذلك، يوافق على إنشاء دولة تقوم فقط على ما هو أقل من مساحة 40 في المئة من الضفة الغربية والتي تقع في الوقت الراهن خارج دائرة السيطرة الإسرائيلية تاركاً غزة في قبضة "حماس" وبعيداً عن سيطرة السلطة.

 

وهذا القلق لا يقوم على أساس في الحقيقة، لأن فياض أعلن مراراً وتكراراً أن دولة فلسطين التي ستقوم يجب أن تضم الضفة الغربية بكاملها، وقطاع غزة، والقدس الشرقية وأن يكون خط الهدنة الذي كان قائماً قبل حرب يونيو 1967 هو حدودها.

 

من جانبهم يعارض قادة "حماس" الجهود التي يقوم بها فياض، طالما أنه يصر على وجود قوة أمنية واحدة يتم نشرها في شوارع الضفة الغربية - التابعة للسلطة الفلسطينية - من أجل منع العنف بكافة أشكاله.

 

وفي رأينا أنه كلما ازدادت حكومة فياض قوة، وكلما نجحت في إنجاز العديد من النتائج على الأرض، كلما تحسن وضع السلطة الفلسطينية، وازدادت بالتالي قدرتها على إضعاف "حماس"، وتقليص ما تتمتع به من جاذبية لدى العديد من قطاعات الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن.

 

هناك العديد من الأشياء التي يتعين إنجازها سواء بواسطة الفلسطينيين أو عن طريق إسرائيل، وبواسطة المجتمع الدولي كذلك من أجل تعزيز الجهد الذي يقوم به فياض. فإسرائيل يجب أن تتخلى عن موقفها المتذبذب تجاه فياض، وتعترف أمام الجميع بأن مبادرته تمثل فرصة حقيقية، وأنها لن تجد شريكاً للسلام أفضل منه ومن الرئيس الفلسطيني.

 

ويعترف فياض أنه لا يسعى لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، ويعترف كذلك أن الشراكة الإسرائيلية ضرورية، إذا ما أُريد الوصول لنهاية ناجحة وسلمية للصراع العربي- الإسرائيلي. وإسرائيل يمكن أن تساعد في هذا المجال من خلال السماح لقوات الأمن بالتوسع لتتمكن من السيطرة على تلك المناطق من الضفة الغربية التي يحظر فيها تواجد السلطة الفلسطينية وقواتها في الوقت الراهن.

 

إن ذلك كله سيثبت أن الدولة الفلسطينية ستكون إضافة مهمة، وليس تهديداً لإسرائيل، وذلك من خلال تحقيق الأمن الكامل في مختلف شوارع ومناطق الضفة الغربية والحيلولة دون سيطرة "حماس" على مقدرات الأمور.

 

في الوقت نفسه يجب على منتقدي فياض التوقف عن إبداء استيائهم من النتائج التي تحققها حكومته على الأرض، وأن يتخلوا عن الطرق التي اتبعوها في الماضي وثبت فشلها مثل" الكفاح المسلح" أو مناشدة الدول الأخرى تقديم المساعدة على إقامة دولة.

 

ويجب على المجتمع الدولي أن يمد يد المساعدة في هذا الجهد من خلال تكريس قدر أكبر من الاهتمام والتركيز على مقاربة فياض الثورية. بالطبع لن يتمكن فياض بمفرده من حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، لأن ذلك الصراع لن يحله سوى اتفاقية مقبولة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن ال"فياضية" تساعد من دون شك على دعم ومساندة هذا الجهد، وإعداد الأرضية للسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية بطريقة لا تستطيع المفاوضات وحدها، ولا الكفاح المسلح وحده، القيام بها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ