ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 03/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

النفط العربي

اسماعيل الشريف

الدستور

2-1-2011

إن من يخلع ثوبه يمُت من البرد "...".

يقول إخواننا في الخليج العربي "خليجي وافتخر" ولهم كل الحق ، وأنت عزيزي ، تستطيع أن تقول "فقير وافتخر" ، ولك كل الحق في هذا الفخر لأنكَ مع كل "ضَربَة سًلف" أو "كبسة كهرباء" أو أي سلعة تشتريها أو خدمة تستفيد منها تساهم بصورة مباشرة في التخفيف من معاناة الشعب الأمريكي ودعم اقتصاده من خلال شرائك لمخاطر القروض العقارية الأمريكية ، ولا شكَّ في أنكَ على فقركَ ساهمت بصورة فاعلة في خروج الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية الخانقة ، وزيادة صادراتها وارتفاع معدلات النمو فيها ، فكما يقول سرفانتس "من الفقير إلى الغني هناك يدان ، ومن الغني إلى الفقير هناك اصبعان".

وقبل أن تنعتني بالجنون ، دعني أولاً أن أشرح لك نظريتي،،.

يدخل النفط في جميع مناحي حياتنا ، فكل سلعة أو خدمة جزء من ثمنها نفط ، ودول الخليج الشقيقة تورّد لنا النفط - وتحقق الحكومة ربحاً جيّداً من هذه التجارة - وأنت تستهلك النفط وبالتالي يذهب إلى جيوب دول الخليج.

بقي أن تعرف أن هنالك صناديق استثمار سيادية خليجية تستثمر أموال دولها ، هذه الصناديق قامت بشراء ما قيمته 200 مليار دولار من أصول مخاطر القروض العقارية الأمريكية ، وسيتم ضخ 800 مليار دولار أخرى على مراحل لنفس الغاية ، وتم شراء جزء كبير من الديون العقارية لأكبر شركتين "فاني ماي" و "فريدي ماك" اللتين وحدهما تستحوذان على 5 تريليونات دولار كديون عقارية من إجمالي قيمة الرهونات العقارية الأمريكية البالغة 12 تريليون دولار.

وإذا لم تستوعب ما سبق فسأحاول شرحه بجملة واحدة ، أنكَ عندما تشتري النفط فإن نقودك تذهب إلى دول تقوم صناديقها الاستثمارية بشراء جزء من قروض العقار الأمريكي الذي كان سبب الانهيار الاقتصادي الكبير.

 

تبلغ قيمة جميع الصناديق الاستثمارية في العالم 5 تريليونات دولار ، من المتوقع أن تصل بحلول عام 2013 إلى 11 تريليون دولار ، ثلث هذه المبالغ يعود لصناديق استثمارية خليجية ، بقي أن تعرف رقماً حزيناً هو %10 يمثل نسبة الاستثمارات الخليجية الخارجية التي تذهب إلى دول عربية.

لا أريد أن أظهر وكأنني جاحد ، بل على العكس تماما ، فانا أقدر الدعم الذي طالما قدمه الخليج العربي ، فلدول الخليج استثمارات في الأردن تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دينار ، وحوالي نصف مليون أردني يعملون في الخليج ، يجلبون أكثر من مليار دينار أردني سنوياً ، وهذا كله له وزنه وأهميته ، والجاحد من لا ينسب الفضل لأهله.

ولكني أحث دول الخليج على زيادة استثماراتها في الدول العربية تعزيزاً للاستقرار والرخاء ، فنحن أهلهم وبُعدهم الاستراتيجي ، ومصلحتهم مصلحتنا ، ومهما قدّموا للغرب ومهما استثمروا فيه فلن يجدوا في المقابل إلا البغضاء من الأفواه وما تخفي الصدور أعظم ، وقد قرأت مقالا لفيردمان يقول فيه: أننا ندعم الإرهاب من خلال شرائنا نفط الخليج ، كما وشاهدنا صوراً لمحطات وقود أمريكية تفتخر بأن وقودها لا يأتي من الدول المسلمة الإرهابية.

بتمويل من الخليج يمكننا أن نحقق المعجزات ، ونحافظ على تماسك الدول ونحقق التنمية ونصبح في مصاف الدول المتقدّمة ونرقى للوصول إلى تطلعات الشعوب ، ولكن على الدول العربية أيضاً التزامات حتى تجذب الاستثمارات الخليجية من تحسين مناخ الاستثمار بالفعل لا بالقول ، ومحاربة الفساد والمفسدين ، فمن المعروف أن رأس المال جبان ، ولكن عندما تسري ديمقراطيات حقيقية تدار بشفافية وأنظمة وقوانين نافذة يمكن أن تشعر أحرص الاستثمارات أن أموالها في الحفظ والصون.

==========================

التشجيع المستغرب لانفصال جنوب السودان

علي الصفدي

الدستور

2-1-2011

بعد أن كان انفصال أي جزء من وطننا العربي عن موطنه الأم يُعد خطيئة قومية لتناقضه كلياً مع المبادئ العروبية التي اعتمدتها أقطار الأمة في نضالها التحرري الاستقلالي ، ولتعارضه مع شعار الوحدة الذي تبنته تلك الأقطار وجعلته محور سياساتها وسعت بعضها إلى تحقيقه بالرغم من كل المعيقات التي اعترضته والتي أُجبرت على التراجع عنه والانكفاء قطرياً على نفسها بفعل التدخلات والضغوطات الدولية ، وبعد أن كان لا أحد من القيادات أو الأحزاب العربية يجرؤ على الدعوة إلى أية حالة انفصالية لبعض الأنحاء العربية لما يلحقه ذلك من ضرر فادح بالمصالح العليا للأمة العربية يعيق استقرارها وتقدمها ، أصبح الانفصال في أيامنا يتم التمهيد له تشريعياً وكما يحدث بالنسبة لجنوب السودان ، المقبل على إجراء استفتاء انفصالي في التاسع من الشهر الجاري استناداً لقانون أقره البرلمان السوداني في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول عام 2009 ، وأصبح التشجيع عليه -الذي يثير أشد الاستغراب - يصدُر عن المعرّضين وبلادهم للتأثر السلبي المباشر بنتائجه أمثال الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي أعلن أنه سيكون أول من يؤيد انفصال الجنوب عن الشمال إذا اختار الجنوبيون ذلك وأنه ملتزم بالاعتراف بنتائج الاستفتاء ، والأغرب من ذلك أن يأتي التشجيع على الانفصال من المكلف بصون النظام العربي والحفاظ على كل شبر من الأرض العربية ، وهو أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي أعلن أن الجامعة ستبني إيجابياً على نتائج الاستفتاء وستواصل التعاون مع الجنوب حتى بعد انفصاله ، مع أن الانفصال المتوقع تقف وراءه اللوبيات الأمريكية وفق ما أكده الصادق المهدي ، كما تؤيد الدول الغربية وحلفاؤها كإسرائيل التي سعت إلى ذلك ، وقادت الحركة الشعبية وبعض دول الجوار الجنوبي حسبما أكده وزير خارجية السودان علي أحمد كرتي.

 

وقد تكون الموافقة على الاستفتاء وتقبل نتائجه بالنسبة لحكومة السودان تخلصاً من استمرارية صراع دموي مزمن بين الجنوب والشمال وامتد لأكثر من ستين عاماً مضت وراح ضحيته عشرات الآلاف من السودانيين ، إلا أن الوضع ما بين شطري السودان مرشح لتفاقم المزيد من الأزمات الجديدة ، وبروز خلافات عاصفة تبدأ بقضية (أبيي) حيث تصر الحركة الشعبية الجنوبية على إجراء تصويت حول مصيرها يسبق استفتاء التاسع من الشهر الجاري بينما تهدد حكومة الخرطوم بوقف عملية استفتاء الجنوب إذا أصرت الحركة الشعبية على موقفها من أبيي ، كما ستنشأ خلافات حول تقاسم عائدات النفط بين الجانبين وستنشب نزاعات حدودية وأخرى قبلية مسلحة بين الشمال والجنوب ، يُضاف إلى كل ذلك أن انفصال الجنوب ينطوي على مخاطر ستؤثر على مصالح مصر الاستراتيجية وحقوقها المائية في نهر النيل ، كما أن إسرائيل ستعمل على احتضان دولة الجنوب والتعاون معها وكسبها إلى جانبها بغية الإضرار بالمصالح العربية.

 

فمخاطر الانفصال عديدة ومتشعبة ، وستجر وراءها حالات أخرى من الانفصال عن السودان ، ومن التفتيت المتواصل لوحدة أراضي الوطن العربي ، الأمر الذي يتطلب التصدي له وإدانته بدلاً من الترحيب به والتشجيع عليه.

==========================

«أرض الميعاد»: مظاهر سلبية.. أو.. تحولات معاكسة؟

د. أسعد عبدالرحمن

الرأي الاردنية

2-1-2011

«أرض الميعاد».. حلم كبير ظلت الحركة الصهيونية تسعى لاقناع يهود العالم، على مدار عقود، أنه مخطط قابل للتطبيق. الا أنه، في الفترة الاخيرة، تلاشى هذا الحلم من أعين وقلوب عديد اليهود، فيما أدار آخرون ظهورهم له بعد أن تبين لهم استحالة تحقيقه. فالسنوات القليلة الماضية تظهر تراجع مؤشرات الهجرة الى إسرائيل، وارتفاع معدلات الرحيل والهجرة المعاكسة منها الى بلدان أخرى أكثر أمنا ورفاهية. وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعدت وكالة الأنباء الفرنسية تحقيقاً حول الهجرة اليهودية المعاكسة من إسرائيل وتحولاتها، فاعترف بعض مغادري إسرائيل إلى ألمانيا، مثلا، بتوديعهم «حلم أرض الميعاد» ووعوده إلى حيث الخدمات الحياتية التي تهيؤها لهم الحكومة الألمانية.

 

يقول البروفيسور (غابي شيفر) في مقال حديث له: «يشعر كثير من اليهود بصلة عاطفية ب (أرض اسرائيل) لكن ليس باسرائيل. أكثر اليهود مقتنعون بأن اسرائيل ليست مركز (الشعب اليهودي) وأنه لا حق لها البتة التدخل في شؤونهم وفي شؤون التربية اليهودية. وبحسب استطلاعات للرأي لا تُقتبس في اسرائيل، يكشف أكثر اليهود الذين اندمجوا تماما في المجتمع الامريكي عن عدم اكتراث مطلق بما يقع في اسرائيل». وفي 4/10/2010 كتب البروفيسور الفخري في جامعة حيفا (أرنون سوفير) مقالا في «هآرتس» أعاد النظر في احصائيات المكتب المركزي الاسرائيلي للإحصاء، قال فيه: «ما الذي يبهج في معطيات المكتب المركزي للاحصاء سنة 2010؟! تبين لي أنه فيما يتعلق باليهود داخل اسرائيل فانهم يمثلون 75.5% من السكان، وكانت تلك النسبة تصل الى 79.2% في العام 1998 والى نسبة 81.7% في العام 1988. وبكلمة اخرى، فان نسبة اليهود بين سكان اسرائيل تتضاءل باستمرار، رغم تدفق حوالي مليون مهاجر اليها على مدى العقدين الفائتين». أما صحيفة «وول ستريت جورنال»، في تقرير لمراسلها في القدس المحتلة (توبياس باك) الذي أثار فيه مشكلة انخفاض أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل وهواجس احتمال تفوق الفلسطينيين على اليهود عدديا، فقد قالت ان انخفاض أعداد المهاجرين اليهود – خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا- يشكل خيبة أمل لقادة إسرائيل الذين أوجدوا دولتهم على أساس عقيدة تقول إن على جميع اليهود العيش في دولة خاصة بهم. وينقل على لسان رئيس «الوكالة اليهودية» (ناتان شارانسكي): «إن موضوع التركيبة السكانية في إسرائيل والحفاظ على اليهود كأغلبية سكانية سبب غير كاف لإقناع اليهود بالهجرة إلى إسرائيل، لذلك فان على القادة اليهود الاعتراف والعيش مع حقيقة وجود الشتات اليهودي». ويقول (اينات فيشباين) في مقال صريح: «تظهر الرسوم البيانيَّة مسار نمو إسرائيل وكيف كان ينبغي أن تكون بالمقارنة مع الدول الغربيَّة, وأين هي في الوقت الراهن، مظهرة كيف كانت إسرائيل تنمو بشكلٍ مثير للإعجاب حتى السبعينيات, بل وتقترب من أمريكا، وفجأة بدأ المنحنى يهبط بقوة في الرسم البياني المعروف باسم «حرب يوم الغفران», التي تبين لاحقًا أنه مثل الفيروس الذي لا يمكن لأحد علاجه، ومن حينها لم يعد الرسم البياني قادرًا على استعادة صعوده السابق».

 

لقد قاد الخوف من فقدان الأغلبية اليهودية في إسرائيل (وسط محيط متزايد من العرب) إلى تكثيف محاولات اقناع يهود العالم الهجرة إلى إسرائيل من جهة، وسن قوانين عنصرية من جهة أخرى تستهدف فلسطينيي 48 وتسعى إلى إجبارهم على الرحيل. فكل ما تخطط له القيادات الإسرائيلية، منذ تأكد تراجع الهجرة إلى إسرائيل وتعاظم الهجرة المعاكسة في 2008، هو عمليات استقطاب «يهود الخارج» لرفع منسوب اليهود داخل «إسرائيل» بفضل الأزمة الديمغرافية التي تؤرق أصحاب الحلم الصهوني وتظهر مأزق الصهيونية ومشروعها في فلسطين تجاه هذه المسألة. واليوم، ومع تعاظم الهجرة الوافدة إلى «إسرائيل» والمعاكسة منها، يتزايد التشكيك اليهودي بجدوى المشروع الصهيوني وكذبة «أرض الميعاد». بل إن ذلك التشكيك يتعزز بما جاء في تقرير «وول ستريت جورنال» على لسان (شارانسكي) نفسه من ان «أيام الهجرة الجماعية قد ولت»، الأمر الذي يفتح المجال على تغير مظاهر تقلص التفوق العددي من مجرد مظاهر.. إلى تحولات نوعية!

======================

عصر التفتيت والأصابع اليهودية

فؤاد حسين

الرأي الاردنية

2-1-2011

ليس من قبيل عقلية المؤامرة التطرق الى الدور اليهودي في العمل على تفتيت السودان وغيره من البلدان العربية، فالأدبيات التي أفصحت عن ذلك أصبحت من الكثرة بحيث يصعب حصرها، وهي لا تتحدث عما رسم ويرسم للسودان بل أبعد من ذلك، بحيث يتم إعادة رسم خارطة الوطن العربي من جديد، وخنق أي دولة عربية ترى الصهيونية فيها خطرا على كيانها ولو بعد عشرات السنين، وهو ما يدخل في إطار التخطيط الإستراتيجي طويل الأمد في حين نحن نعجز حتى عن قراءة تلك الأدبيات وإن قرأنا فربما لم نفهم ما ترمي اليه وإن فهمنا نغرس رؤوسنا في الرمال وكأن الأمر لا يعنينا.

 

ففي عام 1982 م نشرت مجلة «كيفونيم» التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، وثيقة بعنوان «استراتيجية إسرائيلية للثمانينات»، وكان أهم ما ورد في تلك المذكرة الرغبة الصهيونية في تفتيت العراق وتقسيم وفصل جنوب السودان، واللعب على وتر الطائفية في لبنان، وفي العالم العربي.

 

وفي التسعينات أصدر مركز ديان للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب كتاب (إسرائيل وجنوب السودان)، يشرح خلفيات مساندة الصهاينة للحركة الانفصالية في جنوب السودان، ذكر فيه المؤلف صراحة أن الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء المنطقة تقوم على تشجيع وحث الأقليات في المنطقة للتعبير عن ذاتها، للحصول على حق تقرير المصير والانفصال عن الدولة الأم. هذا الكتاب الخطير الذي كتبه ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشى فرجى، يدور محوره حول التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي، والتي تتلخص في نظرية أمريكية طبقها كلينتون مع السودان فيما بعد تقوم على «شد الأطراف ثم بترها» على حد تعبير الكاتب الصهيوني، بمعنى مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر)، لإضعاف العالم العربي وتفتيته، وتهديد مصالحه في ذات الوقت. ويتضمن الكتاب تفاصيل دقيقة عن أسماء الدول التي تغلغل فيها ضباط الموساد في أفريقيا كي يحيطوا بالسودان، وأسماء الصهاينة الذين شاركوا في الخطة، وكيف وصل الأمر لحد السيطرة على أجهزة الأمن في عدة دول إفريقية مثل إثيوبيا وغيرها، فضلاً عن السعي لإقامة عدة قواعد عسكرية موجهة ضد الدول العربية مثل القاعدة البحرية في ميناء «مصوع» عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بالإضافة إلى القواعد الجوية في كل من إثيوبيا وكينيا، والتواجد الجوى في غينيا وفي المنطقة المجاورة لحدود السودان وغيرها الكثير!! كما يتضمن الكتاب تفاصيل دقيقة للغاية عن كيفية التواصل مع قادة حركة التمرد في جنوب السودان.

 

ولمحدودية مساحة المقالة سأكتفي أخيرا بالإشارة الى محاضرة لوزير الأمن الإسرائيلي، آفي دختر القاها في الرابع من تموز عام 2009 عن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه كل من لبنان، وسوريا، والعراق، وايران، ومصر والسودان نشر نصها معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي قال فيها حرفيا عن السودان: «اسرائيل سبق أن حددت وبلورت سياساتها واستراتيجياتها تجاه العالم العربي بصورة تتجاوز المدى الحالي والمدى المنظور. ورأى الاستراتيجيون الاسرائيليون وقتها أن السودان، بموارده الطبيعية الكبيرة، ومساحته الواسعة، وعدد سكانه الكبير، اذا ترك لحاله، وسوف يصبح قوة هائلة تضاف الى قوة العالم العربي. فعلى الجهات المختصة الاسرائيلية أن تحاصر السودان في المركز وفي الاطراف بنوع من الازمات والمعضلات التي يصعب حلها». وضرب مثلا على ذلك بقوله: «إن تدخلنا في دارفور وتصعيد الاوضاع فيها كان حتميا. فنحن نضع نصب اعيننا دائما خلق سودان ضعيف ومجزأ وان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق آرييل شارون كان هو صاحب فكرة تفجير الاوضاع في دارفور.»

==========================

عاجل من تل أبيب إلى طهران .. وعواصم أخرى

جلال عارف

التاريخ: 02 يناير 2011

البيان

ما الذي حدث لكي تغير إسرائيل موقفها من الملف النووي الإيراني بصورة مفاجئة، وعلى غير كل التوقعات التي كانت تنتظر التصعيد من جانب تل أبيب، لأسباب عديدة في مقدمتها صرف الأنظار عن فشل المحاولة السياسية للرئيس أوباما للتوصل إلى «تسوية تاريخية» للصراع العربي/ الإسرائيلي، بسبب الموقف المتعنت لحكومة إسرائيل، والتي قد ترى في اندلاع حرب جديدة طريقاً للهرب من أي استحقاقات للسلام، وفرصة لتثبيت الأمر الواقع على الأرض بالتوسع في الاستيطان في الأرض المحتلة، واستكمال مخططات تهويد القدس، والتي ترى أيضاً في سيطرة اللوبي اليهودي على الكونغرس الأميركي طريقاً لفرض «أجندة» تتلاءم مع السياسة التي سعت منذ البداية إلى تضخيم الخطر الإيراني، وحث إدارة أوباما على اعتباره الأولوية الأولى لسياستها في المنطقة، وبالتالي تأجيل أي حديث عن حل مطلوب للقضية الفلسطينية؟!

 

هكذا كانت كل الجهود الإسرائيلية تسير نحو تضخيم الخطر الإيراني، وضرورة تحرك الولايات المتحدة لضرب أي فرصة لامتلاك إيران للسلاح النووي، والتلويح بإمكانية التحرك الإسرائيلي المنفرد إذا لم تتحرك أميركا..

 

الآن يتغير كل ذلك.. ويأتي الإقرار الإسرائيلي بأن «إيران لن تتمكن من امتلاك السلاح النووي قبل ثلاث سنوات»، وبأن «برنامجها النووي يواجه العديد من التحديات والصعوبات التكنولوجية، ولذلك فإنه لم ينجح»!

 

وأهمية هذا الخطاب الجديد، أنه لا يأتي من مسؤول لا يفهم في قضايا الأمن، أو من وزير علاقته الوحيدة بالأمن أنه كان «حارس أمن» في الكباريهات، مثل وزير الخارجية ليبرمان.. بل يأتي من وزير الشؤون الاستراتيجية «موشيه يعالون»، بكل خبرته كقائد سابق لجيش إسرائيل لا يمكن اتهامه بالجهل بالشؤون العسكرية ولا ب«الاعتدال».. لا سمح الله!

 

وبالطبع، لا يمكن أن تكون التقديرات الاستراتيجية قد تغيرت بين يوم وليله! ولا يمكن أن يكون اغتيال عالمين أو ثلاثة من علماء الذرة الإيرانيين، هو السبب في انتقال الملف النووي الإيراني من موقع «الخطر العاجل»، إلى موقع «الخطر المؤجل» ولثلاث سنوات مرة واحدة! وأيضا لا يمكن أن يكون السبب هو تعطل أجهزة كمبيوتر إيرانية هاجمتها فيروسات خطيرة، وألقيت الاتهامات  من جانب طهران  عن هذا الهجوم على أميركا وإسرائيل.

 

السبب في هذه الحالة، إما أن يكون هجوما عسكريا قد دمر منشآت إيرانية نووية وعطل البرنامج النووي الإيراني، وهو أمر لم يحدث. وإما أن يكون قرارا إسرائيليا بوقف التصعيد ضد إيران، وبالتالي التسليم بالتقديرات الأميركية عن المدى الذي وصل إليه البرنامج الإيراني، وهي التقديرات التي ترى أن أمامها بعض الوقت للتعامل مع هذا الملف قبل أن يصل لمرحلة الخطر. وهنا يكون السؤال: لماذا قررت إسرائيل أن «تقتنع» الآن بما كانت ترفض إعلان «اقتناعها» به، رغم أنها كانت تعرف الحقيقة منذ البداية؟!

 

هل هي «رسالة طمأنة» لواشنطن بأن إسرائيل لن تبادر بالتصرف منفردة، وإشعال حرب تقود المنطقة لكارثة، وهو ما كان يهدد به بعض مهاويس اليمين الإسرائيلي؟.. لا أظن ذلك، فتل أبيب تعرف جيداً الخطوط الحمراء في علاقتها بالإدارة الأمريكية مهما كانت قوة اللوبي اليهودي الأمريكي، وتدرك أنه ليس بمقدورها الدخول في مواجهة مع طهران  بكل احتمالاتها وآثارها  دون إذن ودعم (بل ومشاركة) الولايات المتحدة، التي تعرف أن مثل هذه المواجهة  لو حدثت  ستقود المنطقة كلها إلى كارثة ستمتد آثارها إلى العالم أجمع.

 

من ناحية أخرى، هل يمكن أن تكون رسالة الطمأنة موجهة إلى طهران بتوقف الضغوط الإسرائيلية (وبالتالي ضغوط اللوبي الصهيوني الأميركي) على إدارة أوباما لاعتماد الحل العسكري مع إيران، بدلا من السياسة الحالية التي تفاوض وتضغط وتفرض العقوبات لتغيير الموقف الإيراني، وترى أن ذلك يكفي في هذه المرحلة، وأن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن التدخل العسكري الذي لا ترحب به إدارة أوباما وقيادات الجيش الأميركي وتعرف آثاره المدمرة؟ والأهم: هل تكون هذه الرسالة الإسرائيلية الموجهة لطهران، إشارة إلى أن المباحثات (السرية والعلنية) بين واشنطن وطهران قد وصلت إلى أساس لاتفاق يضمن استمرار التعاون الأميركي  الإيراني في ملفي العراق وأفغانستان، ويضمن فيه كل فريق مصالح الطرف الآخر في المنطقة.. ومن هنا يأتي التحرك الإسرائيلي لاستباق الأمور وتهيئة المناخ لمرحلة جديدة ستختلف فيها حسابات كل الأطراف؟

 

أم أن الرسالة الإسرائيلية هي جزء من مخطط يستهدف إغلاق كل أبواب الحديث عن تسوية سياسية مع الفلسطينيين، تحقق «حل الدولتين» الذي يلقى تأييداً عالمياً متزايداً وترفضه الحكومة الإسرائيلية، وتدرك في نفس الوقت استحالة بقاء الأوضاع الحالية على جمودها، ومن هنا تحاول إيجاد البديل.. سواء بطرح مقترحات تعرف أنها مرفوضة سلفا حول الحلول المؤقتة، أو بممارسة الضغوط على الإدارة الأميركية لتضغط بدورها من أجل إعادة أبو مازن للتفاوض، أو بالتلويح لدمشق باستعدادها لاستئناف التفاوض وأنها جاهزة لاستحقاقات التسوية معها، وهنا يكون التغيير في الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، خطوة مزدوجة على هذا الطريق.. فهو، من ناحية، رسالة لدمشق بأن استئناف التفاوض مع إسرائيل لن يكون على حساب علاقتها بإيران، ولا تمهيداً لشن حرب  أصبحت مؤجلة  عليها. وهو أيضا رسالة لطهران بأن التفاوض على المسار السوري لن يكون على حسابها، ولن يكون الهدف منه محاصرتها تمهيداً لضربها، وأن عليها أن تعيد حساباتها في ضوء الإعلان الإسرائيلي الذي يدعم موقفها في المباحثات حول الملف النووي، ويرفع عنها الكثير من الضغوط!

 

و.. الأسئلة كثيرة، والاحتمالات مفتوحة، وكلها تؤكد على مشروعية ما طالبت به دولة الإمارات من أن تكون دول الخليج والدول العربية في قلب عملية التفاوض على الملف النووي الإيراني، وكذلك على المطلب العربي بإنهاء الوضع الاستثنائي لإسرائيل وإخضاع ملفها النووي للرقابة الدولية، كخطوة أساسية نحو شرق أوسط خال من السلاح النووي.. وأيضاً من الاحتلال واغتصاب الحقوق المشروعة، تحت سمع وبصر عالم يخضع لمنطق القوة، ويسكت عن الحق ما دامت الضحية تحمل الهوية العربية.

========================

عقيدة روسية لأمن الطاقة

جانا بوريسوفنا

التاريخ: 02 يناير 2011

البيان

عندما ترتبط كلمة العقيدة في روسيا بقطاع معين، فإن هذا يعني أن هذا القطاع يحتل أولوية وأهمية كبيرة في اهتمامات الدولة، والمصطلح يعتبر من موروثات المرحلة السوفييتية، وكان أول استخدام لكلمة «عقيدة» في الاتحاد السوفييتي مرتبطاً بالاستراتيجية العسكرية، وأيضاً ارتبط بعمل جهاز الاستخبارات «كي جي بي»، لكن لم يكن في المجال الاقتصادي مكان لهذا المصطلح، وذلك بحكم أن الاقتصاد السوفييتي كان موجهاً توجيهاً سياسياً في الداخل وفي إطار الكتلة الاشتراكية، ومحاصراً تماماً في الخارج. حتى التصنيع الحربي السوفييتي العملاق الذي كان يحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الأميركي، لم تكن له استراتيجية محددة لإنتاجه وتسويقه في الخارج، بل كان خاضعاً تماماً للتوجهات السياسية، وكذلك الطاقة ومصادرها الهائلة في روسيا؛ من نفط وغاز وفحم وطاقة نووية.

 

لم تكن روسيا التي كانت تملك الإنتاج الأكبر عالمياً في مصادر الطاقة، تملك الحق في وضع استراتيجية عامة لإنتاج وتسويق ثرواتها من مصادر الطاقة، نظراً لإغلاق الأسواق العالمية في وجهها، الأمر الذي كان يدفعها بحكم التوجهات الأيديولوجية، إلى إهدار هذه الثروات بتوزيعها بأقل الأسعار أو حتى إعطائها مجاناً، ليس فقط للدول الصديقة ذات التوجه الاشتراكي أو الموالية لموسكو، بل حتى للخصوم السياسيين والأيديولوجيين. وكلنا نذكر خط الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية في سنوات السبعينات الماضية، والذي كان يحمل اسم «مير» أو «السلام»، وينقل الغاز الروسي لتلك الدول دون مقابل.

 

ورغم أن هذه المرحلة انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي وتحرر الاقتصاد الروسي وتحوله إلى سياسات اقتصاد السوق، إلا أن روسيا الحديثة ما زالت تعاني من موروثات الحقبة السوفييتية، خاصة في مجال الطاقة، حيث ما زالت مصادر الطاقة الروسية من النفط والغاز تصل لبعض الدول المجاورة بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وخاصة للجمهوريات السوفييتية السابقة، رغم أن بعض هذه الجمهوريات ليس على وفاق تام في التوجهات السياسية مع روسيا، وأحياناً كثيرة تعمل ضدها.

 

مثل هذه السياسات أصبحت محل نقد كبير داخل روسيا، وأصبحت مرفوضة، ليس فقط من المعارضة السياسية ورجال الأعمال في القطاع الخاص، بل من جهات رسمية على أعلى المستويات في الدولة، لدرجة أنه من الشائع والمتداول الآن على الساحة السياسية في روسيا، وجود خلاف جوهري بين رأسي الدولة، الرئيس ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، حول هذه القضية بالتحديد، حيث يرى الرئيس ميدفيديف أن على روسيا أن تتخلص من كل أعباء والتزامات الحقبة السوفييتية وتنتهج نهجاً جديداً تماماً، خاصة في المجال الاقتصادي، بينما يرى رئيس الوزراء بوتين أنه لا يمكن في روسيا الفصل بين السياسة والاقتصاد، وقد عبر بوتين صراحة عن ذلك أكثر من مرة، قائلاً «إننا لسنا تجاراً يحكمنا السوق، بل نحن دولة كبيرة لها مصالحها السياسية في كل أنحاء العالم، ولا يمكن لنا أن نتعامل مع جميع الدول على أنها مجرد زبائن لنا». وكان بوتين، عندما قال هذا، يتحدث عن سوق السلاح، لكن من الواضح أن هذه السياسة تطبق أيضاً في مجال الطاقة، سواء النفط أو الغاز الطبيعي أو حتى الطاقة النووية التي تبيعها روسيا بأسعار مختلفة لأكثر من خمسين دولة في العالم، الأمر الذي يضر أحياناً بسمعة روسيا ومصالحها في الأسواق العالمية.

 

ولكن يبدو أن الأمور على وشك التغيير، وأن توجهات الرئيس ميدفيديف أصبحت أكثر قبولاً في المجال الاقتصادي، حيث كانت لدى ميدفيديف اعتراضات دائمة على سياسة تصدير النفط الخام الروسي بكميات كبيرة للخارج، ودون عقيدة ولا استراتيجية محددة، بل بخطط ووسائل مختلفة ومتعددة حسب الدول المستوردة، وكان ميدفيديف يصر دائماً على ضرورة التوجه لتصنيع النفط الروسي في الداخل، من خلال تطوير صناعة البتروكيماويات الروسية التي تعاني من تخلف كبير ولم تخضع لأي تطوير منذ الزمن السوفييتي، بينما كان بوتين يصر على سياسة تصدير الخام لتحصيل أكبر كم من العوائد المالية، في ظل ارتفاع أسعار النفط وفي ظل عدم إقبال الاستثمارات الأجنبية على قطاع الطاقة الروسي.

 

من الواضح أن توجه الرئيس ميدفيديف هو الذي غلب مؤخراً، حيث كلف الرئيس الروسي الحكومة بوضع عقيدة لأمن الطاقة وتحديد التدابير الملحة لتحقيقها في إطار التوجهات التي وضعها الرئيس نفسه، وقال ميدفيديف في اجتماع مجلس الأمن الروسي منتصف ديسمبر المنصرم: «من البديهي أننا نحتاج إلى منظومة كاملة من التدابير التي تسمح بتنظيم الأمور وتتيح تحديث قطاع الوقود والطاقة الروسي»، مضيفاً أن الاحتياطيات المؤكدة من النفط والغاز في روسيا تُستنفد تدريجياً، ولكنها لا تزال كافية إلى حد كبير. وقال الرئيس إن استنفاد قدرات روسيا من النفط والغاز، قد يؤدي إلى خلل في إمدادات الطاقة وفي اقتصاد روسيا ككل.

==========================

الشيخة حُسيْنة.. وتجريف الهويّة في بنغلاديش

الامان 31/12/2010

لعلَّ من يتتبَّع الأوضاع في بنغلاديش خلال عامين من حكم زعيمة رابطة عوامي الشيخة حسينة واجد يشعر بأن البلاد مقدمة على أزمة شديدة نتيجة حالة الاستقطاب القصوى بين الفرقاء السياسيين وتبنِّي الحكومة الحالية نهجاً إقصائيّاً ضد أغلب ألوان الطيف السياسي والديني في واحد من أكبر البلدان الإسلامية من حيث عدد السكان.

وفي ظل الإجراءات القسريَّة التي تتبناها ضد الدستور في محاولة منها لتجريف الهوية الإسلامية للبلاد، حظرت قيام أي أحزاب دينية وإلغاء أي مصطلح إسلامي، ما أدى إلى حظر عشرات الأحزاب الإسلاميَّة وفي مقدمتها «الجماعة الإسلامية» ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد.

ولم تكتفِ حسينة بذلك، بل شنت حملة اعتقالات شديدة في صفوف خصومها السياسيين، وفي المقدمة منهم الإسلاميون على خلفيَّة معارضتهم لسعيها إلى علمنة البلاد وإعادة العمل بدستور عام 1972 الذي صيغ إبان حكم والدها وهيمنة الشيوعيين والعلمانيين على حكم البلاد بعد انفصالِها عن باكستان، ودخلت في مواجهات شرسة مع حزب المعارضة الرئيسي «الوطني» بزعامة خالدة ضياء، عبر شن حملة اعتقالات في صفوف منتسبيه والعمل على فتح ملفات قياداتِه وتلفيق تُهم بالفساد لأنصاره، نهايةً باستصدار حكم من المحكمة العليا بطرد زعيمة الحزب ورئيسة الوزراء السابقة من مبنى حكومي مخصص لها منذ عشرات السنين.

 

نزعة انتقاميَّة

وهيمنَ الطابع الثأري على سبل إدارة الشيخ حسينة لشؤون البلاد، وبرز الطابع الانتقامي في تصفية حساباتها على من تعتقد أنهم قتلة أبيها الشيخ مجيب الرحمن، أو ما يُطلق عليه البانغو باندو أو «أبو البنغال» بعد انقلاب عسكري دموي قاده الجنرال ضياء الرحمن عام 1975، إذ خالفت جميع القوانين وانتزعت أحكاماً بالإعدام تم تنفيذها على عشرات من العسكريين المتورّطين في قتله وتصفية أسرهم، رغم تجاوز أعمار أغلبهم العقد الثامن، وأمعنت في إزالة جميع المظاهر الإسلاميَّة من الدستور البنغالي، وفي مقدمتها نصّ البسملة وبنود تتحدث عن المرجعيَّة الإسلاميَّة للبلاد.

وتجاوزت زعيمة حزب رابطة عوامي جميع الأعراف بالدخول في مواجهة مع الجميع، وفي الطليعة منهم مطيع الرحمن نظامي زعيم الجماعة الإسلاميَّة وتقديمه للمحكمة، وتكرَّر الأمر ذاته مع عشرات من أبرز رموزها، كأن حسينة تأخذ ثأرها من الإسلاميين الذين كانوا في مقدمة المناوئين لرغبة والدها في الانفصال عن باكستان، وتابعت ذلك بإغلاق عشرات من المدارس الدينيَّة باعتبارها تشكلُ مقارّ لتفريغ جماعات متطرفة وإرهابيَّة بحسب وجهة النظر الحكومية، بل واصلت الشوط بحظر حزب التحرير وحركة الجهاد الإسلامي, لتورطهما في دعم مجاهدي كشمير المناوئين للهند، التي تعتبرها زعيمة عوامي أهم حلفائها.

 

أجواء مضطربة

وقد خلَّفت إجراءات الشيخة حسينة الإقصائيَّة داخل البلاد أجواء مضطربة, بدت بشائرها في تنظيم أحزاب المعارضة والقوى العماليَّة إضرابات متتالية في العاصمة دكا وميناء تشيتاجونغ وغيرها من المدن، ما أصاب البلاد بالشلل، اعتراضاً منهم على التعديلات الدستوريَّة وعلى تردِّي الأوضاع الاقتصاديَّة، وعجز الحكومة عن إخراج البلاد من عثرتها، فضلاً عن الغضب الشديد إزاء التحالف المشبوه بين حزب رابطة عوامي والهند.

وسارعت نيودلهي الخطى بمحاولة السيطرة على كافة مفاصل البلاد الثقافية والإعلاميَّة عبر عددٍ كبير من القنوات الفضائيَّة الهنديَّة الساعية لتذويب الهويَّة الإسلاميَّة والمنظومة الأخلاقيَّة للشعب، بما تبثُّه من برامج مشبوهة فضلاً عن تأسيس مئات الجمعيات «الخيريَّة» الهندية لاستغلال أية كارثة تلحق بالبلاد لاكتساب أرضية جديدة بضوء أخضر من الحكومة، بالتوازي مع تورط مئات المنظمات التبشيرية العاملة في طول البلاد وعرضها في ممارسات تهدف لنشر ثقافة الردة عن الإسلام وإغراء ملايين البنغال باعتناق الكاثوليكية تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المزرية.

 

مدّ هندوسي - تبشيري

وفي الوقت الذي تتمتع فيه المنظمات التبشيرية بحريَّة غير مسبوقة في العمل في الساحة البنغاليَّة فإن حكومة الشيخة حسينة تتعامل بنهجٍ معادٍ مع جميع المنظمات الإسلاميَّة، سواء المحليَّة أو القادمة من بلدان عربية، ما أجبر بعضها على مغادرة البلاد، وفرضت إجراءات أثارت استياء الجميع بحظر كتب الإمام أبو الأعلى المودودي في جميع مكاتب البلاد بحجة «مكافحة الإرهاب»، رغم أن هذه الكتب توجد في طول البلاد وعرضها منذ عقود دون أن يثير أحد هذه الاتّهامات التي تعكس رغبة الشيخة في تجفيف منابع الهوية الإسلاميَّة لبنغلاديش، علَّها تنالُ رضا واشنطن ونيودلهي ومعها مليارات الدولارات من المعونات والاستثمارات القادرة على انتشال الاقتصاد من النفق المظلم.

تزامن تقارب حكومة حزب رابطة عوامي مع الهند كذلك مع تصاعد التوتر مع باكستان، ودخول علاقات البلدين النفق المظلم، فإسلام أباد لا تخفي ضيقها الشديد من غضّ حكومة دكا الطرف عن تنامي النفوذ الهندي، بل وإبرامها مشاريع مائيَّة ونفطيَّة مع نيودلهي تضر بمصالحها، بل إن تقارير استخباراتيَّة باكستانيَّة أكَّدت أنها تراقب الأوضاع في بنغلاديش عن كثب لمحاصرة مخاطر التحالف الهندي مع زعيمة رابطة عوامي علي أمن واستقرار باكستان.

ويزيد من وطأة الموقف أن تدهور العلاقات بين بنغلاديش وباكستان توافق مع دخول العلاقات بين بنغلاديش العالم العربي في حالة برود غير مسبوقة، وهو أمر ينسجم مع ثوابت الحزب وزعيمته الداعمة لعلاقات أوثق مع جارتها الكبرى الهند، فانقطعت زيارات كبار المسؤولين البنغال إلى دول المنطقة بعد سنوات من علاقات وثيقة بين الطرفين خلال حكم الحزب الوطني بزعامة البيغوم خالدة ضياء.

مقامرة باتجاه المستقبل

وطبقاً للمعطيات السابقة فإن حكومة الشيخة حسينة تقامر حين تصرُّ على الدخول في مواجهة مع التيارات والأحزاب الإسلاميَّة وحتى القوى الوطنيَّة الرافضة لارتمائها في أحضان الهند وتحويل البلاد الى تابع لنيودلهي ما يهدِّد بانفجار الأوضاع في البلاد واندلاع حرب أهليَّة تكرّر السيناريو الأفغاني والباكستاني، ما سيعطي الفرصة لقوى راديكاليَّة إسلاميَّة، سواءٌ في الداخل أو في دول الجوار، للانتقال الى جبهة جديدة تخفف الضغوط المفروضة عليها من الأمريكان والناتو في أفغانستان وباكستان المجاورتين، ما يقود أمن واستقرار البلاد إلى الهاوية.

وفي النهاية، تبقى كلمة مفادها أن بنغلاديش مقبلة على مسارين لا ثالث لهما، الأول يتمثَّل في اشتعال حرب أهلية بين الفُرقاء تعيد الى الأذهان المواجهة بين إسلام أباد وطالبان باكستان، ما يحمل تحدياً خطيراً لوحدة واستقرار البلاد، فيما لا يستبعد دخول الجيش على خطّ الأزمة وإعادة الحكم العسكري لمنع انفجار البلاد. وبين هذين المسارين تبدو الساحة البنغاليَّة حبلى بصراعاتٍ ومواجهاتٍ يصعب التكهن بنتائجها.

==========================

يمهل ولا يهمل   

آخر تحديث:الأحد ,02/01/2011

روتي تايتل

الخليج

في الأسبوع الماضي أدين الدكتاتور السابق الجنرال خورخي فيديلا وصدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة للدور الذي أداه في “الحرب القذرة” في الأرجنتين في سبعينيات القرن العشرين، بما في ذلك تعذيب وإعدام سجناء عزل، بيد أن هذه الجرائم ارتكبت قبل عقود من الزمان، فما المغزى الذي قد نستقيه من صدور مثل هذا الحكم بعد هذه السنوات الطويلة وبعد عودة الديمقراطية إلى الأرجنتين؟

 

لقد أصبحت محاكمة فيديلا وغيره من الجناة ممكنة بموجب سابقات أحكام قضائية رائدة أسستها محكمة حقوق الإنسان للأمريكتين، فقد قضت المحكمة بإهمال صكوك العفو الممنوحة للقادة السياسيين والعسكريين في الأرجنتين وغيرها من البلدان في المنطقة كجزء من الانتقال إلى الديمقراطية، ولقد ارتأت المحكمة أن المساءلة عن الجرائم التي يرتكبها الطغاة تُعَد حقاً من حقوق الإنسان، وبالتالي فإنها تنسخ الحصانة التي اكتسبها العديد من الحكام المستبدين في أمريكا اللاتينية كشرط للسماح بالتحولات الديمقراطية .

 

وأخيراً قضى القرار الصادر عن المحكمة الإقليمية في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول بإبطال قانون العفو البرازيلي الصادر في عام 1979 الذي قضى بحماية المسؤولين العسكريين من المقاضاة عن الانتهاكات التي ارتكبت أثناء الحكم العسكري الدكتاتوري الذي جثم على صدر البلاد طيلة 21 عاماً . ولقد أعلنت المحكمة أن أحكام قانون العفو البرازيلي التي تمنع التحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ومعاقبة هذه الانتهاكات لا تتفق مع المعاهدة الأمريكية . والأثر القانوني لهذا القرار يتلخص في إلزام المسؤولين آنذاك بتحمل المسؤولية عن الاختفاء القسري في الأرجنتين لسبعين من الفلاحين في إطار حملة مكافحة العصابات المسلحة .

 

وفي هذه الحالات لجأ الضحايا والمحامون الناشطون والمنظمات الحقوقية إلى محكمة حقوق الإنسان الإقليمية بعد استنفاد كافة الخيارات المتاحة في الداخل، إذ كانت الثقافة السياسية والقانونية المحلية لا تزال غير مستعدة لمواجهة أشباح الماضي الاستبدادي، فأخيراً أصدرت المحكمة العليا في البرازيل على سبيل المثال قراراً بتأييد دستورية قانون العفو، نال دعم الحكومات البرازيلية المتعاقبة، التي كانت جميعها بما في ذلك إدارة لويز ايناسيو لولا دا سيلفا من يسار الوسط حريصة على تجنب السعي إلى مساءلة النظام الدكتاتوري العسكري السابق عن الجرائم التي ارتكبها .

 

وفي الأرجنتين، حتى تحت حكم الرئيس راؤول الفونسين، أول رئيس منتخب ديمقراطياً بعد الحكومة العسكرية، فإن عمليات الإعدام التي تمت خارج نطاق القانون على أيدي قوات الشرطة تشكل ثلث جرائم القتل في البلاد . كما ارتكبت الأجهزة الأمنية في بيرو انتهاكات مماثلة أثناء التسعينيات، وهي الجرائم التي يدفع ثمنها الآن الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري .

 

وكل هذا يدل على هشاشة وضعف السيطرة المدنية والمؤسسات، على الرغم من ثلاثين عاماً من الديمقراطية . والواقع أن الأنظمة الديمقراطية الجديدة تواجه العديد من التحديات السياسية، والاقتصادية في كثير من الأحيان . ومن الواضح أن تحميل الشرطة والأجهزة الأمنية المسؤولية عن تصرفاتها قد يشكل مهمة عصيبة بشكل خاص في السنوات المبكرة من عمر أي نظام ديمقراطي جديد وهش، ولكن عدم التنازل عن المساءلة، على الرغم من مرور الزمن، يُعَد بمنزلة رسالة بالغة الأهمية حول حقوق الإنسان، والطبيعة المتميزة لهذه الانتهاكات باعتبارها “جرائم ضد الإنسانية” .

 

إن المسألة ليست مجرد إرث خاص بأمريكا اللاتينية، ففي الكثير من الأحيان أثبت الزعماء السياسيون وأهل النخبة العسكرية والأمنية دهاءهم وإصرارهم على تجنب العدالة بقدر ما أظهروا خبثهم ووحشيتهم في ارتكاب فظائعهم، ولا ينبغي لهم أبداً أن يكونوا على يقين من قدرتهم على استئناف حياتهم سالمين من الأذى والعقاب . والمحكمة الجنائية الدولية لا تطبق مبدأ سقوط العقوبة بالتقادم، ونحن مستمرون عن حق في ملاحقة ومحاكمة مرتكبي المحرقة .

 

بعد مرور السنين لا يصبح العقاب فقط على المحك، بل الحقيقة السياسية أيضاً، وهو الأمر الذي يتطلب وضع حدود للمبررات الرسمية للقمع، فقد صور النظام العسكري في الأرجنتين “الحرب القذرة” كأنها حرب ضد “الإرهاب” المزعوم، في محاولة لإخفاء حقيقتها بوصفها حملة اضطهاد تعسفية وحشية ضد المواطنين الذي يعتنقون إيديولوجيات مختلفة وينتمون إلى خلفيات طبقية مغايرة .

 

إن هذا الدرس المستفاد من الحكم الصادر في حق فيديلا، يسوغ ويبرر الجهود الرامية إلى ترسيخ حكم القانون على مستوى العالم، وينبغي للطغاة في كل مكان وعدد ليس بالقليل من الديمقراطيين أن يستعدوا، فالعدالة قادمة مهما تأخرت .

===========================

في العام 2010 غاب الاتحاد الأوروبي عن العالم

آخر تحديث:الأحد ,02/01/2011

غسان العزي

الخليج

لطالما عبر الأوروبيون عن طموحهم أن يتكلموا بصوت واحد في المحافل الدولية . ومن المفترض أن هذا الطموح قد تحقق بالفعل في العام ،2010 لكن منذ تعيين كاترين اشتون رئيسة للدبلوماسية الأوروبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 إلى تأسيس “جهاز العمل الخارجي الأوروبي” وتعيين موظفيه الكبار بعد ذلك بعام واحد، فإن الدول الأوروبية لم تبرهن على قدرة فائقة على التضحية بالمصالح الآنية على مذبح المصلحة الأوروبية العليا، كما أن أشتون نفسها لم تبين عن كفاءة منقطعة النظير أو عن فهم عميق للرسالة التي تحملها أو للمهمة الصعبة التي كلفت بها .

 

إن تشكيل جهاز خاص بالدبلوماسية الأوروبية وإن كان تقدماً يصعب تصوره في الأمس القريب فإنه لا يعني أن الاتحاد الأوروبي بات يحظى بسياسة خارجية مشتركة . إذ إن معاهدة برشلونة نفسها والتي دخلت حيز التنفيذ في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2009 بعد مفاوضات طويلة مضنية، لا تقدم تصوراً واضحاً للسياسة الخارجية التي ينبغي أن تكون واحدة في أوروبا .

 

صحيح أنه جرى اجتياز خطوة مهمة عندما تم تعيين شبكة من 136 سفيراً أوروبياً في العالم، وأنه تم تشكيل مركز لإدارة الأزمات تحت قيادة مكتب “وزيرة الخارجية” الأوروبية أشتون، لكن ذلك لن يحل المشكلة المزمنة، فالاتحاد الأوروبي لا يزال يمارس تأثيراً محدوداً في الساحة العالمية . وفي العام 2010 كان الغائب الأكبر عن الملفات الدولية الاساسية، في الشرق الأوسط، حيث دارت مفاوضات غير مباشرة ثم مباشرة فلسطينية “إسرائيلية”، فشلت بسبب عجز الولايات المتحدة عن إقناع حليفها “الإسرائيلي” بتجميد مؤقت للاستيطان . وكان يمكن للاتحاد الأوروبي أن يؤدي دوراً إيجابياً لو كان له ثقل أكبر في الميزان الدولي . كذلك فإنه لم ينجح في مساعدة واشنطن في صراعها مع طهران في الملف النووي . وهو ينسحب تدريجياً من أفغانستان بعدما انسحب من العراق . وينبغي البحث جيداً كي نعثر للاتحاد على إنجاز دولي واحد، ربما يكمن في المساعدة على تحقيق تقارب بين صربيا ومقاطعتها القديمة كوسوفو التي أضحت دولة مستقلة .

 

وهكذا ففي غياب سلطة فاعلة في الساحة الدولية يمكن لكاترين اشتون الاستناد إليها فإنها لابد أن تشعر بضعف شديد عندما تنبري للدفاع عن المصالح أو السياسات الأوروبية . فبماذا يمكن لها التهديد في الواقع؟ هل سلاحها الماضي سيكون نسخة عن معاهدة لشبونة مثلاً؟ وسيلة الضغط التي يمكن أن تلجأ اليها؟ هل تكون بإغلاق سفارة أوروبية في بلد ما؟ في الماضي القريب أدى الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في المفاوضات العالمية حول التغير المناخي، لكن فشل قمة كوبنهاغن في ديسمبر/كانون الأول 2009 قضى على ما كان عالقاً من أوهام في رؤوس بعض الأوروبيين . وقد تاثرت كثيراً معنويات أوروبا وثقتها بنفسها جراء ذلك، فمهما كانت أهمية دول في الاتحاد مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا، فهي لا تستطيع أن تمارس ثقلاً حاسماً في الساحة الدولية من دون الاتحاد ككل . فالحقيقة التي يعرفها الجميع أنه بعد الحرب العالمية الثانية فقدت هذه القوى الأوروبية الكبرى مكانتها السابقة كمركز للعالم . والاتحاد الأوروبي اليوم أضعف من أن يقود هذا العالم وأكبر من أن يبقى معزولاً عما يجري فيه، وهذه معضلة حقيقية يعيشها بصعوبة بالغة . فمع ناتج داخلي إجمالي يزيد على الثمانية والعشرين في المئة من الناتج الاجمالي العالمي يمكن وصف الاتحاد الأوروبي بأنه عملاق اقتصادي، لكنه قزم سياسي . وبذلك نفهم لماذا تفضل الولايات المتحدة أو البرازيل أو الصين أو روسيا على سبيل المثال، أن تتعاطى بشكل منفصل مع كل دولة أوروبية بدل أن تتكلم مع الاتحاد كوحدة موحدة .

 

لقد انشغل الاتحاد الأوروبي في العام المنصرم بالأزمة المالية التي ضربت دولاً عديدة فيه وكادت تطيح باليورو، وهي أزمة خطرة هددت وجوده وصرفته عن السياسة الخارجية . لكن غياب هذه الأخيرة لم يكن في يوم من الايام بسبب الأزمة الاقتصادية أو المالية أو ما شابه . إنه يكمن في عدم الاتفاق على هوية الاتحاد نفسه، هل هو كونفيدرالية دول، أم فيدرالية على غرار الولايات المتحدة أم مجرد سوق كبير كما يريد البريطانيون؟ ينبغي على الاتحاد أن يحل أزمة الهوية هذه ويقرر ما إذا كان يريد الاستمرار في التوسع إلى البلقان، وما إذا كان يفكر جدياً في ضم تركيا مستقبلاً أم الاكتفاء بشراكة استراتيجية وعلاقة مميزة معها، وما مستقبل العلاقة مع الأمريكيين لاسيما في حلف الأطلسي . وغير ذلك من القرارات التي لابد منها قبل أن يصبح بالإمكان الشروع في بناء حد أدنى من السياسة الخارجية أولاً والدفاعية تالياً .

 

هذا كله بعد التأكد من مصير العملة الموحدة، وهي النجاح الأوروبي الأبرز، والتي على بقائها بات يتوقف بقاء الاتحاد نفسه على قيد الحياة .

========================= 

جاسوس للموساد... الصمت الرسمي المدوي

زين الشامي

الرأي العام

2-1-2011

منذ أيام تناولت العديد من وسائل الاعلام العربية، وبعض وكالات الانباء قضية في غاية الاهمية من ناحية الأمن القومي العربي تتعلق بالمصري طارق عبد الرزاق عميل جهاز الموساد، وقد تابعنا جميعا ما كتبته الصحافة المصرية عن سير التحقيقات وآخر تطورات القضية.

لكون ان هذا المتهم، حسب الصحافة المصرية، قد تتطرق باعترافاته عن تجنيده خبيرا كيميائيا سوريا، او ضابطا من جهاز الاستخبارات السورية، توقعنا ان تتناول الصحافة السورية هذه القضية باهتمام كونها تتعلق بالأمن الوطني ولأنها لم تعد سرا بعد كشفها في الاعلام المصري والعربي والدولي، كذلك ترقبنا ان يصدر موقف رسمي يوضح ملابسات القضية وما حصل، من هو هذا الخبير الكيميائي، وهل هناك ذيول اخرى للقضية، والى ماذا افضت التحقيقات السورية، وغيرها المئات من الاسئلة، لكن للأسف لم نسمع شيئا وكأن الذي يجري، يخص دولة اخرى تتموضع على كوكب المريخ.

عرفنا من خلال وكالة الانباء الفرنسية ان الكيميائي السوري المتهم بالتعامل مع اسرائيل هو الدكتور «ايمن الهبل» مدير معهد الكيمياء التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية الذي يعمل تحت ادارة مكتب القائد العام للجيش والقوات المسلحة. لكن الاعلام في سورية لم يقل ان كان ذلك صحيحا ام لا، كذلك لم يخرج موقف رسمي يصدق او يكذب او ينفي او يصحح ما تناقلته الوكالة الفرنسية.

بعد يوم او يومين سمعنا وقرأنا معلومات اضافية ومختلفة عما عرفناه سابقا وما تناولته وسائل الاعلام عن ذلك الكيميائي السوري، هذه المرة نشرت «اليوم السابع» المصرية الجزء الثاني من تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا في القضية التي باتت

معروفة إعلاميا بقضية «جاسوس الفخ الهندي»، والمتهم فيها طارق عبد الرازق.

التفاصيل الجديدة في التحقيقات تعلقت «بالجاسوس السوري» وقد تحدثت عن عميل يدعى «صالح النجم»، ونلاحظ هنا ان الاسم اختلف عن اسم الكيميائي، المعلومات الجديدة قالت ان «النجم» يعمل عقيداً في المخابرات العسكرية السورية وهو المسؤول الأول عن الملف النووى السوري، وان إسرائيل «سعت لتجنيده منذ 13 عاما ولم تسنح لها الفرصة إلا وقت تلقيه العلاج في أحد المستشفيات بباريس، حيث توطدت العلاقة بينه وأحد عملاء الموساد، وبدأت قصة تجنيده بعد اللعب على نقاط ضعفه من عشقه للمال والنساء».

المتهم المصري عرض وقائع في غاية الأهمية تتعلق بالمفاعل النووي السوري، الذي تم تدميره عام 2007، حيث أكد أنه حصل على معلومات في غاية الأهمية من الضابط السوري تتمثل في تفاصيل دقيقة عن كيفية بناء وعمل المفاعل وكيفية تخصيب اليورانيوم ودفن النفايات السامة الخطيرة. لكن رغم ذلك، لم يخرج شيئا من الصحافة السورية ولم نسمع موقفا رسميا يؤكد او ينفي او يصحح، ليثلج صدورنا.

لا نعرف بالضبط ما الدوافع الرسمية وراء الاحجام الرسمي عن اطلاع الرأي العام في سورية بما حصل. فما حصل هو قضية رأي عام بامتياز تهم كل مواطن سوري.

من ناحية ثانية، ان قضايا التجسس بين الدول حصلت دائما عبر التاريخ، وما زالت تحصل، وستبقى، وكلنا نعرف ان الدول الكبرى المعروفة بقوة اجهزتها الامنية والاستخباراتية غالبا ما تعلن بين الفينة والاخرى عن مثل هذه القضايا، وتتعامل معها وسائل الاعلام مثلها مثل اي خبر آخر، فلا شيء يستدعي السرية والتكتم او حتى الخجل.

ثم من ناحية ثانية، ان حصل وقام الاعلام السوري الرسمي بنشر الرواية الرسمية، فإننا جميعا سنصدقها، لأننا جميعا نحب ان نقرأ اخبار بلدنا ونتابع قضايانا الحساسة من خلاله وليس من خلال الصحافة الاخرى، لأننا وحدنا من يفترض ان نملك الرواية الصحيحة عن قصة «العميل السوري» حيث من غير المعقول ان نقرأ قضية تهم امننا الوطني من خلال الصحافة المصرية او الاسرائيلية او غيرها.

ثم انه وطننا جميعا، والحقيقة يجب ان تكون ملك الجميع في مثل هذه الشؤون الحساسة والخطيرة.

كاتب سوري

=======================

لماذا تتفكك الدول؟

جابر حبيب جابر

الشرق الاوسط

2-1-2011

على هامش الحديث عن تفكك الدولة السودانية الحديثة، يميل البعض إلى لوم «المؤامرة» الدولية، بوصفها أسهل التبريرات وأفضلها في تجنب لوم ومراجعة الذات. نحن في منطقة لم تعتد مراجعة الذات أبدا، والماضي لدينا مقدس دائما، وبالتالي فإن أي تعامل نقدي معه يستثير من النقد الكثيرَ، لأنه يتهم في الغالب بإثارة الفتنة والمشاعر. وفي الحقيقة، إن الخائفين الدائمين من المراجعة هم أصحاب السلطة، والفتنة بالنسبة إليهم هي أي شيء قد يتحدى مقولاتهم ومنطقهم. ولكن أولئك الذين يفضلون «المؤامرة» الدولية كتبرير، لا يقولون لنا كيف يمكن لتلك المؤامرة أن تفكك مجتمعا متجانسا ويرفض التفكك. إن بذور هذا التفكك قائمة أصلا، وما نسميه نحن المؤامرة الدولية هو وجود مصالح لدول كبرى في دعم التفكك أو في قبوله أو في عدم الاعتراض عليه. مؤخرا تحدثت ال«نيويورك تايمز» في افتتاحيتها، عن خطر أن يمضي الكرد في العراق إلى الانفصال، ووصلت إلى حد حث المسؤولين الأميركيين على إيصال رسالة إلى الكرد مفادها أن أي انفصال أحادي أو ضم أحادي لكركوك، سيعني نهاية الدعم الأميركي لهم. إذن، إذا كان هذا كلام صحيفة تعتبر من أكثر الصحف نفوذا وقربا من الطبقة السياسية الأميركية، فمعنى ذلك أن هناك مؤامرة دولية لمنع تفكك العراق، إذا أردنا أن نجاري أتباع نظرية المؤامرة.

المؤامرة الدولية في العقل العربي، هي أن تتفق مصالح قوى خارجية على تحقيق هدف معين، وليست هنالك مشكلة في هذا التعريف، ولكن إن قبلنا به علينا أن نتذكر أن معظم الدول العربية اليوم قد تشكلت بمؤامرة دولية، وأن الإمبراطورية العثمانية تفككت بمؤامرة دولية، وأن الحفاظ على وحدة الكثير من دولنا، التي تستعر فيها النزاعات والأحقاد والضغائن، هو مؤامرة دولية أيضا. بمعنى أنه دائما كانت وستكون هناك أطراف خارجية لديها مصالح قد تلتقي أو تفارق مصالحنا، وهي قد تستثمر إشكالياتنا وصراعاتنا، ولكن من النادر أن تكون تلك القوى قادرة على فرض خيار معين علينا إن لم نكن نحن جاهزين لهذا الخيار. هل للغرب مصلحة بتجزؤ السودان؟ ربما، ولكن ذلك ليس سببا كافيا للإجابة عن السؤال: لماذا سيتجزأ السودان، ولماذا معظم الكرد يتمنون، في قرارة أنفسهم، أن ينفصلوا عن العراق وتركيا وإيران وسورية، فبعد كل شيء أليسوا أيضا قومية واحدة تشتكي من «مؤامرة دولية» أبقتها مفككة؟!

بالطبع، كما أن الكثير من أصحاب نظرية المؤامرة الكرد يتجاهلون حقيقة أن الصراعات الكردية - الكردية كانت أحد أهم الأسباب التي حالت دون ظهور حركة قومية كردية موحدة، وأن البريطانيين استثمروا الصراع بين الجماعات والعشائر الكردية والأغوات والفلاحين، لمنع ظهور كتلة سياسية كردية موحدة، وكما أن نظام البعث وظف بعض العشائر الكردية في ضرب الحركة المتمردة المسلحة هناك، فإن الكثير من أصحاب النظرية نفسها من العرب يتجاهلون أن انقساماتنا الاجتماعية المستندة إلى المصالح والهوية الفرعية، وفشلنا في وضع أطر سياسية ومؤسساتية وثقافية ناجحة في استيعابها، هي التي تضع بذور التفكك الذي قد يصادف أنه يلتقي مع مصالح قوة أو قوى خارجية معينة، وقد يصادف أنه يتعارض مع تلك المصالح. فعندما مالت القوى الخارجية إلى إبقاء العراق موحدا بحدوده الراهنة، كان القوميون الكرد يلعنون المؤامرة الدولية التي فرضت عليهم أن يكونوا أقلية في دولة غالبية سكانها من العرب، وعندما فرضت القوى الخارجية نفسها المنطقة الآمنة التي مهدت لانفصال كردي فعلي بعد عام 1991 صار العرب يلعنون المؤامرة الدولية التي تريد تجزئة العراق!

عندما عرّف ماكس فيبر الدولة بأنها «مجتمع بشري يدعي بنجاح احتكار الاستخدام الشرعي للقوة المادية في إقليم معين»، فإنه أشار إلى عنصرين رئيسيين لبقاء الدولة؛ الأول أن تكون هي المحتكرة لاستخدام القوة في إقليمها، والثاني أن ينظر إلى هذا الاستخدام بوصفه شرعيا. والشرعية هنا تعني أن تنجح الدولة في إقناع مواطنيها بأنها «دولتهم»، وبالتالي بأن لها الحق في أن تفرض القانون. وعندما تفشل الدولة في تحقيق هذا الإقناع ولا ينظر إليها المواطنون بوصفها «دولتهم»، فإنها تصبح مجردة من «الشرعية» ويغدو ممكنا تحديها من قبل آخرين لا يرون لديها شرعية تمثيلهم، وفي الكثير من الحالات في منطقتنا فإن الدولة بفقدانها للشرعية تلجأ إلى القوة المادية العارية والقمع ليس لتحقيق الإقناع، بل لفرض الخضوع. وهي قد تنجح في ذلك طالما كانت الظروف المحيطة، ولا سيما «القوى الخارجية»، لا تمانع أو تدعم هذا القمع، ولكن حالما تتغير ميول القوى الخارجية الكبرى، فإن القمع يغدو غير مجد وتحديه أكثر يسرا.

عندما دخلت القوات الأميركية للعراق عام 2003 من دون مواجهة مقاومة شعبية لما يمكن اعتباره احتلالا أجنبيا، كان السبب الرئيسي لذلك هو أن الدولة في العراق كانت قد فقدت أي شرعية وأصبحت مجرد قوة عارية، وسهل الإطاحة بها بمجيء قوة مادية أكبر. الدول تفشل أو تتفكك إذا ظلت حكوماتها ترى في القوة وسيلة وحيدة للحفاظ عليها، وإذا فشلت في أن تكسب الشرعية وتقنع الناس بأنها دولتهم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ