ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

دروس الاحتجاجات التونسية

رأي القدس

2010-12-30

القدس العربي

 اطاح الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بوالي محافظة سيدي بوزيد التي شهدت موجة من الاحتجاجات الصاخبة، امتدت الى عدة مدن اخرى بسبب ارتفاع معدلات البطالة، ولكن المشكلة لا تكمن في ضعف او قوة المحافظ، وانما في معالجة جذور المشكلة، من حيث اجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي تطالب بها قطاعات الشعب التونسي المختلفة.

المحافظات الجنوبية التونسية التي شهدت الاضطرابات الاخيرة تشتكي من قلة الاموال المرصودة لمشاريع التنمية التي يمكن ان توفر الوظائف للعاطلين، كما يشتكي ابناؤها، مثلما جاء في المنتديات والبيانات المنشورة على الشبكة العنكبوتية، من التمييز في الوظائف العليا، وغياب جزئي او كلي للعدالة الاجتماعية.

الرئيس بن علي تجاوب مع بعض هذه المطالب عندما رصد حوالى 15 مليون دولار لتوفير الوظائف للعاطلين في منطقة سيدي بوزيد، وتقديم اعانات لعدة اشهر لآخرين في محافظات اخرى، واقال بعض الوزراء في الحكومة المتهمين بالتقصير، وخاصة وزير الشباب، وهذه خطوات مهمة، ولكن لا بد من اتخاذ خطوات اخرى اكثر جرأة على صعيد مكافحة الفساد في البلاد، وتوسيع دائرة المشاركة في السلطة امام النخب السياسية المختلفة.

المعارضة في تونس تشتكي من مضايقات كثيرة على صعيد كبح حرية التعبير، وتبنت هذه الشكوى منظمات عالمية، من بينها 'مراسلون بلا حدود'، حيث تعرض بعض الصحافيين للاعتقال والسجن، وكذلك بعض ناشطي حقوق الانسان.

ومثل هذه الملفات بحاجة الى مراجعة جادة من قبل الرئيس بن علي الذي اكد في كل خطاباته الاخيرة حرصه على هذه الحريات واحترام حقوق الانسان.

فالدرس الابرز الذي يمكن استخلاصه من هذه الاحتجاجات والظروف المحيطة بها ان الرقابة المشددة المفروضة على حرية التعبير ووسائل الاتصال من قبل الحكومة التونسية فشلت فشلاً ذريعاً في وصول الصور واخبار الاحتجاجات الى محطات التلفزة والصحف في العالم.

فالشبكة العنكبوتية لعبت دوراً كبيراً في نشر المعلومات والصور، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي 'الفيس بوك'، واصبحت معظم محطات التلفزة في العالم تلجأ الى هذه الوسائل للحصول على الاخبار والصور. وما لا تستطيع هذه الوسائل بثه يجري ارساله وبثه عبر 'اليوتيوب'.

واللافت ان هذه الاحداث جاءت بعد نشر موقع 'ويكيليكس' العديد من الوثائق السرية والحساسة عن الفساد في تونس وتجاوزات في ميادين حقوق الانسان.

ما نريد ان نقوله انه لا توجد اسرار بعد اليوم تستطيع الانظمة العربية اخفاءها، مثلما كان عليه الحال في الماضي، ومرحلة الهروب من المشاكل والقضايا الرئيسية والمطالب الشعبية عبر كبح وسائل التعبير قد ولت الى غير رجعة، في زمن ثورة المعلومات التي نعيشها حالياً. والمأمول ان يستوعب وزير الاعلام التونسي الجديد هذه البديهية الاساسية وهو على وشك ان يباشر عمله في منصبه الجديد.

=======================

سورية في العام 2010: عودة إلى وظيفة الضابط الضامن

صبحي حديدي

2010-12-30

القدس العربي

بدأ العام بزيارة بشار الأسد إلى السعودية، لاستكمال ما كان عاهلها عبد الله بن عبد العزيز قد بدأه، في قمة الكويت الاقتصادية، من خطوات إعادة تأهيل النظام السوري، على خلفية ما يمكن أن يوفّره الأسد من خدمات للملكة، ولصفّ 'الاعتدال' العربي عموماً، في الواقع، على ساحات حساسة مثل العراق ولبنان وغزّة.

كما انتصف العام بزيارة دراماتيكة، غير مسبوقة بمعنى المعايير البروتوكولية المعتمدة، قام بها الأسد وضيفه العاهل السعودي إلى لبنان، لإسباغ صفة رسمية علنية على ما بات يُعرف ب'صيغة س  س'، السعودية  السورية، للتعاطي مع مشكلات لبنان الراهنة والآتية، وملفّ القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بصفة خاصة. ويُختتم العام بقرار، ليس أقلّ دراماتيكة، اتخذه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ثبّت فيه روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة في سورية، وذلك بموجب مرسوم يلتفّ على مجلس الشيوخ، حيث عرقل الجمهوريون التثبيت طيلة أشهر، وكانوا في هذا يتابعون سياسة 'الحرد' الدبلوماسي من دمشق، التي اعتمدها الرئيس السابق جورج بوش حين استدعى السفير الأمريكي في مطلع 2005.

دائرة سعودية  أمريكية، إذاً، لا تلغي حقيقة أنّ دمشق استقبلت عدداً من كبار الزوّار العرب والأجانب (بينهم اللبناني ميشيل سليمان، والأردني الملك عبد الله، والكويتي صباح الأحمد، والقطري حمد بن خليفة، والروسي ديمتري ميدفيديف، والفنزويلي هوغو شافيز، والإيراني محمود أحمدي نجاد، والباكستاني آصف علي زرداري، فضلاً عن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والعراقي المكلف نوري المالكي، والفرنسي فرانسوا فيون، والتركي رجب طيب أردوغان). كذلك قام الأسد بأكثر من 20 زيارة رسمية، شملت أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لعلّ أبرزها زيارته الأخيرة إلى فرنسا، والتي بدت معنية بالملفّ اللبناني والمحكمة الدولية أكثر من اعتنائها بالعلاقات الثنائية بين دمشق وباريس.

وهي، كذلك، دائرة تذكّر بسلسلة اللقاءات السورية  الأمريكية، التي تابعت طرائق الالتفاف على حال 'الحرد' ذاتها، دون الانتقال بالصلات إلى مستوى أعلى مباشر، وملموس النتائج، يرتقي بمستويات العلاقة إلى وضع طبيعي، أو تطبيعي. المثال على هذا كان اللقاء الثاني، بعد لقاء شرم الشيخ ربيع العام الماضي، بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، ووزير الخارجية السوري وليد المعلّم، في نيويورك، أيلول (سبتمبر) الماضي. وهكذا، استمعنا إلى كاترين فان دي فيت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تشدد على أن اللقاء بين كلنتون والمعلّم 'ليس مؤشراً على حدوث تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية'. في المقابل، وبعيداً عن هذه اللغة الدبلوماسية المتكاذبة، كانت مؤشرات التغيير تتجلى بوضوح في سلسلة اللقاءات بين الأسد وعدد من زوّاره الأمريكيين: وليام برنز، نائب وزيرة الخارجية، جورج ميتشل، مبعوث البيت الأبيض الخاصّ للسلام، رايان كروكر وأرلن سبكتر وجون كيري وبريان بارد ولنكن دافيز على رأس وفود رسمية تمثّل الكونغرس.

ومن جانبي ساجلت، وأساجل اليوم أيضاً، بأنّ توجهاً أمريكياً  سعودياً قد تبلور منذ الأشهر الأولى في إدارة أوباما، يميل إلى تكليف المملكة بإعادة تأهيل نظام الأسد، وتمهيد الأرض لأدوار يؤديها الأخير (لأنه قد يكون أفضل بكثير من سواه، بحكم الموقع الجيو  سياسي، وطبائع النظام، والتاريخ القريب...) في الملفّ اللبناني، الذي لا يختزن حساسية عالية خاصة بعناصره وحدها فحسب، بل يتقاطع مع ملفات أخرى تخصّ العراق وفلسطين وإيران. المقاربة بسيطة في الواقع، او هكذا تلوح في أيّ تحليل منطقي: إذا قبل الأسد إغراء العودة إلى لبنان من موقع الضامن والضابط، بتفويض سعودي  أمريكي يحظى بغمزة من إسرائيل أيضاً، فإنّ بسط نفوذ كافٍ على جميع القوى الفاعلة في لبنان، وهو أمر لا مناص من تحقيقه، لا بدّ أن يستوجب هذه الدرجة أو تلك من وضع 'حزب الله' على قدم المساواة مع سواه. ولن يكون هذا التطور، حتى إذا تحقق بمعدلات نسبية، آمناً تماماً أو مأمون العواقب على المدى القريب قبل ذاك البعيد؛ كما أنه، حتى بافتراض اتخاذ 'حزب الله' سياسات سلسة أو تكتيكية إزاءه، لن يكون مقبولاً من طهران.

وفي استنباط المعطيات التي تخدم تكريس هذا التوجه، يتذكر المرء غضبة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ضدّ السعودية، بسبب اشتراكها عسكرياً في حرب السلطة اليمنية ضدّ الحوثيين، وتقاعسها عن نجدة الشعب الفلسطيني في غزّة، وذلك في توقيت خاصّ بالغ المغزى: زيارة الأسد التصالحية إلى الجنادرية! هنالك، أيضاً، مقال تركي السديري، رئيس تحرير صحيفة 'الرياض' السعودية، الذي طالب بإعادة لبنان إلى سورية، ولم يكن ينطق عن هوى، رغم محاولته اللاحقة لتشذيب الفكرة من محتوى يستحيل تشذيبه لانه لا يفيد سوى دلالة واحدة. ولا يخفى، إلى هذا وذاك، أنّ زيارة سعد الحريري الأولى إلى دمشق كانت باكورة علامات 'تلزيم' نظام الأسد بالتعاطي مع جميع الفرقاء اللبنانيين على قدم المساواة، بل أفضل قليلاً (والبعض اعتبر أنها كانت معاملة امتياز، فاقت ما حظي به كبار حلفاء الأسد من أمثال السيد حسن نصر الله أو نبيه برّي) لخصم سابق، يحدث أنه نجل رفيق الحريري، وزعيم سنّة لبنان... غير المتوّج!

وليست مبالغة أن يتأمل المرء طبيعة التوقيت الذي جعل أوباما يصدر مرسوم تثبيت السفير الأمريكي إلى دمشق في هذه الفترة تحديداً، حيث يتوجب أن تتعاظم الإغراءات للنظام السوري كي يباشر المزيد من اجراءات الضبط والضمان في لبنان، إذْ يقترب أجل إعلان القرار الاتهامي للمحكمة الدولية. لقد دخل أوباما في معركة شدّ وجذب مع مجلس الشيوخ حول تثبيت السفير فورد منذ حزيران (يونيو) السنة الماضية، وليس دقيقاً تماماً الزعم بأنّ استعجاله في تثبيت فورد عائد إلى أنّ موازين الأغلبية والأقلية في مجلس الشيوخ سوف تنقلب اعتباراً من مطلع العام 2011، لأنها في واقع الأمر انقلبت وسوف تنقلب في شؤون أخرى أشدّ خطورة من تعيين سفير في سورية. وإذا اقتضت الحال تقديم هدية أمريكية، ذات قيمة ما، إلى النظام السوري لقاء سلسلة أدوار قادمة سوف توكل إليه، فهذا هو الوقت المناسب، وهذه  حتى إشعار آخر، ربما  هي الهدية.

وبين قمّة تُوصف بأنها 'ممانعة'، وتضمّ أحمدي نجاد ونصر الله والأسد؛ وأخرى، ينبغي استطراداً أن تُوصف بأنها 'معتدلة'، تضمّ العاهل السعودي والأسد؛ واصل النظام الرقص على حبال مشدودة بفعل أزمات خارج نطاق إرادة النظام، ولا يقتات عليها إلا بفعل ما يمنحه التحاقه بالمحور الإيراني من أوراق، مؤقتة مشروطة أياً كانت غنائمها. وتلك، كما أشرنا مراراً، معادلة مؤقتة لا تقيم أود النظام إلا على أسس خارجية، طيّارة، متغيّرة بالضرورة، ومتغايرة بين شرط سياسي إقليمي وآخر، لا سيما حين تبلغ الاستحقاقات آجالها الحاسمة، كما في الأطوار اللاحقة من الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، او تطوّرات الملفّ الإيراني، أو ما يتصاعد الحديث عنه اليوم من احتمالات لجوء إسرائيل إلى شنّ حرب جديدة في المنطقة.

وإذا كان شهر حزيران (يونيو) الماضي قد شهد الذكرى العاشرة لرحيل حافظ الأسد (1930  2000)، فإنّ شهر تموز (يوليو) الذي أعقبه شهد ذكرى انصرام عقد كامل على توريث السلطة إلى بشار الأسد، في غمرة مؤشرات جديدة (لم تكن البرقيات التي فضحها موقع 'ويكيليكس' أبرزها!) تؤكد المعطى الأبرز في حفظ نظام 'الحركة التصحيحة' على امتداد أربعة عقود: أنّ النظام تمتّع، وما يزال يتمتّع، بمساندة ذات أنساق شتى، علنية مكشوفة أو سرّية مستترة، من أطراف إقليمية ودولية فاعلة، تضمّ إيران والسعودية وتركيا، ولا تغيب عنها مصر ذاتها على نقيض من المظاهر الخادعة؛ إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، ثمّ الإتحاد الأوروبي، دون نسيان إسرائيل... كلّ هذه القوى رأت، وترى، أنّ 'الحركة التصحيحية' كانت، وتصلح اليوم، متعهدة ضمان وضبط وسيطرة، مقابل أثمان زهيدة، باستحقاقات سداد طويلة الأجل!

وفي سجلّ 'الخدمات' تلك، ثمة خسائر عسكرية فاضحة على الجبهة السورية، خلال حرب تشرين (أكتوبر) 1973، هي استطراداً مكاسب عسكرية إسرائيلية ثمينة؛ وثمّة اتفاقية خيمة سعسع التي أخرست جبهة الجولان عملياً وقانونياً، وخفّضت صنوف الأسلحة وأعداد القوّات بمعدّلات مهينة، وفرضت خطوط هدنة طويلة تخضع لتفتيش صارم تنفّذه قوات حفظ السلام وفكّ الارتباط التابعة للأمم المتحدة. وفي السجلّ وقائع التدخل العسكري في لبنان، ضدّ الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وحصار المخيمات، والوقوف موقف المتفرّج أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، ثمّ الانخراط في تحالف 'عاصفة الصحراء'. ولا تنتهي صفحات السجلّ عند اكتفاء الأسد الابن بالمعارك اللفظية أثناء العدوان الإسرائيلي البربري على لبنان، صيف 2006، وعلى غزّة، أواخر 2008.

وسبق للنظام أن وافق على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، وكان بذلك يعترف بأنّ الدولة العبرية جزء لا يتجزأ من تكوين المنطقة ومن نظام الشرق الأوسط السياسي والجغرافي. وفي سنة 1976 أيّد النظام قراراً لمجلس الأمن الدولي يدعو إسرائيل إلى الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، مقابل 'الإعتراف بحقّ الدول في العيش بسلام داخل حدود آمنة معترف بها'. وبعد ستّ سنوات وافق الأسد الأب على 'مبادرة الملك فهد' وخطّة الجامعة العربية التي اعترفت عملياً بحقّ إسرائيل في الوجود؛ وفي عام 1991 حضرت سورية مؤتمر مدريد، ودشنت سلسلة اتصالات غير مباشرة، وأخرى مباشرة، مع مسؤولين إسرائيليين، شارك فيها أمثال رئيس الأركان الأسبق حكمت الشهابي، ووزير الخارجية السابق فاروق الشرع. كان العام 2010، في ذكرى حزيران وذكرى تموز على السواء، يذكّر بهذا كلّه، دون أن تغيب البتة وقائع الإستبداد والفساد وامتهان كرامة المواطن في عيشه وفي حقوقه الأبسط، وفي اقتصار 'سياسة الإصلاح' على مدّ الذئاب السمان المتوحشة بمزيد من الأسباب، والقوانين والتشريعات، التي تتيح لهم ممارسة أقصى النهب وأشدّ أنماط امتصاص الدماء وحشية واستشراساً. وفي التقرير الرسمي الذي صدره المكتب المركزي للإحصاء، أي بشهادة من مؤسسات النظام ذاتها، شهدت جرائم الرشوة زيادة بلغت نحو 67.6 بالمئة في سنة 2009، وزادت نسبة الاختلاس بمعدّل 13.7 بالمئة، كما ارتفع تزوير الأوراق المالية بنسبة 33,5 بالمئة قياساً على العام 2008، في بلد تسهر أجهزته الأمنية على منع المواطنين من السفر، أو اختلاق عشرات التهم للصبية المعتقلة طلّ الملوحي (20 سنة) وتشويه سمعتها، أو مواصلة رفع سيف 'وهن عزيمة الأمّة' في وجه كلّ من ينبس ببنت شفة في التظلّم أو الشكوى أو المعارضة.

وهكذا، في العام 2010، كما في العام 2000، والعام 1970، تواصل 'الحركة التصحيحية' إنتاج وإعادة إنتاج أخلاقياتها، في السجون والمعتقلات، كما في مزرعة النهب والسلب، وفي ساحات الرقص على حبال تشدّها 'الممانعة' تارة ويرخيها 'الاعتدال' طوراً...

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

=======================

تونس .. أسباب الأزمة الاقتصادية

مازن حماد

الدستور

31-12-2010

يقول تقرير مشترك لصحيفة "لوس انجيلوس تايمز ومركز كارنيغي" للسلام في الشرق الاوسط ان انتحار شاب عاطل عن العمل في تونس من خلال امساكه سلكاً للضغط الكهربائي العالي وهو يصرخ "لا للبطالة" ، وما تبع ذلك من اضطرابات ، تشكل اشارات على انتشار الاحباط الذي يحس به الشباب التونسي في وقت يعاني في اقتصاد البلاد من التباطؤ.

 

ورغم ان مستوى التعليم بين الباحثين عن العمل قد تحسن ، فقد فشلت الحكومة التونسية في تنفيذ سياسات تضمن وظائف كافية لاستيعاب المنضمين الجدد الى سوق العمل ، وخاصة ذوي الشهادات الجامعية ، ونتيجة لذلك تعاني تونس من مستويات بطالة عالية تصل في المعدل العام الى %14 والى %30 لدى الشريحة العمرية من 15 الى 29 عاماً.

 

وينتهي الامر بالكثير من اصحاب الشهادات ، الى الفشل في ايجاد عمل يتناسب مع المؤهلات والتوجه بالتالي الى اطلاق مشاريع صغيرة في القطاع الخاص ما يدفعهم الى طلب المساعدات المالية من أقاربهم ، او الاقدام على الهجرة الشرعية او غير الشرعية الى الخارج. ومن المؤسف ان تكون نسبة الانتحار بين الشباب قد ارتفعت ، حيث لجأ بعضهم الى احراق انفسهم في الشوارع للفت الانظار الى حالتهم البائسة.

 

وكما ظهر خلال الاحداث الأخيرة ، فان مثل هذه الاعمال ليست المعزولة او استثنائية ، بل تعبر عن شعور دافق بالأسى بين الكثير من الشباب الذين ادركوا من فرصهم في العمل والحياة الكريمة تتضاءل باستمرار.

 

وحسب التقرير ، يعود تراجع فرص العمل الى عدة اسباب منها معاناة النمو الاقتصادي من التخصص المتزايد والاعتماد المفرط على سوق واحدة هي الاتحاد الاوروبي الذي يعجز عن مجاراة طلب تونس للوظائف. ومن الاسباب ايضا ان تونس اسست اقتصادها على القطاعات ذات المهارات المتدنية التي تعتمد على العمالة الرخيصة مثل صناعة المنسوجات والملابس ، وكذلك السياحة الموجهة الى الاوروبيين ذوي المداخيل المنخفضة او المتوسطة.

 

ولا توفر هذه القطاعات ما يكفي من فرص العمل لذوي الشهادات الجامعية القادمين الى سوق العمل. وخلال العقد الاخير ارتفعت نسبة الباحثين عن الوظائف من حملة الشهادات الجامعية ، من %20 من القوى العاملة عام 2000 الى %55 عام ,1999

 

ومن اسباب الازمة ان بيئة العمل التونسية لا تقدم سوى القليل من الحماية للمستثمرين وخاصة المحليين منهم ، وذلك لغياب الشفافية وحكم القانون. واضافة الى ذلك ، تعاني المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من فرص تمويل محدودة ، وتؤدي هذه العوامل الى تقييد المبادرات وتخفيض الاستثمار الخاص مما ينتج عنه وظائف قليلة.

 

وهكذا تكون معايير السوق مقابل أهلية العمل غير متوازنة. ولتوفير المزيد من فرص العمل القادرة على مجاراة مستويات التعليم المرتفعة ، يجب توجيه الموارد نحو القطاعات والصناعات المعرفية ، واللجوء الى تنشيط الابتكار التكنولوجي والتغلب على ضعف أجواء العمل والإدارة. كما يجب تطوير آلية تمكن الاقتصاد التونسي من استيعاب الرأسمال البشري المتوفر.

 

وينصح الخبراء الاقتصاديون باللجوء الى هذه الحلول في أسرع وقت ممكن لضمان مستقبل أفضل تتوفر فيه الوظائف بصورة اكبر.

=======================

جذور الإرهاب في الديانة اليهودية

د. صالح لافي المعايطة

الرأي الاردنية

31-12-2010

الكتاب المقدس عند اليهود هو عبارة عن مجموعة اسفار جمعها رجال المجمع الاكبر بعد الرجوع من سبي بابل ويقسم الى ثلاثه اقسام: التوراة، اسفار الانبياء، الكتب او الصحف وكلمة توراة مشتقة من الفعل اورى وعلم ومنها المعلم وتعليم استعملت للتعبير عن شريعة موسى عليه السلام والتوراة عند اليهود تعني الاسفار الخمسة المنسوبة لنبيهم موسى وهي التكوين الخروج اللاويون، العدد، التثنية.

 

مارس اليهود الارهاب في العهد القديم ضد غير اليهود وتكونت مجموعات يهودية لهذه الغاية في اليونان وروما القديمة ففي ولاية يهودا الحافلة بالمتاعب انهمك الجيش الروماني في فلسطين في عهد المسيح للعمل على مواجهة مثيري المتاعب من امثال «الامبريوقراط والسيليكا ريكان» الذين يمثلون الجناح المتطرف من اليهود وتعود جذور الارهاب الصهيوني الى مئات بل آلاف السنين قبل تأسيس الكيان الصهيوني، ولو قرأنا التلمود لوجدناه يؤكد ان الارهاب اداة مشروعة في السياسة وهو بذلك يؤكد القاعدة السياسية المعروفة «الغاية تبرر الوسيلة» فعندما دخل اليهود الى اريحا تحت قيادة ملكهم يوشع في العام الألف قبل الميلاد اعملوا السيف في رقاب سكانها وكان شعارهم حينذاك القتل... القتل واليهودية تحلل القتل كوسيلة إلى الاهداف المطلوبة كما يقول عدد كبير من حاخاماتهم «ملعون من يمنع الدم عن سيفه».

 

جماعة السيكاري وهي حركة يهودية منظمة منبثقة عن طائفة «الزيلوت» وقد مارست أعمالها الإرهابية ضد الحكم الروماني وتميزت هذه الحركة باستخدامها لوسائل غير تقليدية للقتال ضد الرومان من حيث طريقة ارتكابها لأفعالها والتي كانت تتم باستخدام سيوف قصيرة تسمى «سيكا» ومنها اشتق اسمهم، كانوا يخبئونها تحت عباءاتهم كما كانوا يرتكبون أعمالهم الإرهابية في وضح النهار وأثناء الاحتفالات العامة وفي الزحام وتعددت الأعمال الإرهابية التي قاموا بها من حوادث القتل وهدم وحرق المنازل مرورا بتسميم مصادر المياه إلى حرق الوثائق وهو ما تقوم به إسرائيل حاليا وينظر معظم الباحثون إلى هذه الحركة كأول واخطر مثال لحركات وعصابات الإرهاب في الشرق الأوسط التي عرفها التاريخ ولكنهم اختلفوا في تقييمهم لها ففي حين يرى البعض انها قادت تمردا ناجحا ضد الرومان يرى المؤرخ «جوزيفوس» انهم مجموعة من اللصوص استهدفوا تحقيق مصالح شخصية متسترين بعباءة الحرية ومطالب الوطنية.

 

ورغم ما قامت به هذه الجماعات من أعمال عنف وقتل وتخريب وإرهاب الا انها لم تستطع ان تحقق هدفها وهو اعادة بناء هيكل اليهود الذي يعرف «بالمعبد الثاني» بل تم تدميره على يد الرومان في عام 70 م وتم تشريدهم فيما يسميه البعض «الدياسبورا» او مأساة قلعة «ماسادا» وكان ذلك نقطة البداية لمزيد من الصراع والتطرف الديني المحتدم حاليا في الشرق الاوسط والذي كان من مظاهره الحديثة اغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق في 25-4-1995 على يد شاب يهودي متطرف يدعى «ايجال عامير» لاعتراضه على معاهدة السلام التي وقعها رابين مع الفلسطينيين وبنفس طريقة القتل التي كانت تمارسها الجماعة تقريبا حيث اغتال رابين في وضح النهار واثناء احتفال عام واعترف الشاب اليهودي بالتهمة وكان مصمما عليها.

=======================

منعطف آخر في أفغانستان

افتتاحية «نيويورك تايمز» الأميركية

الرأي الاردنية

31-12-2010

يعتمد رحيل القوات الأميركية عن أفغانستان، من حيث التوقيت والظروف، إلى حد كبير على الجنرال الأميركي «وليام كالدويل» الرابع، الذي يقضي عيد الميلاد الثاني في كابول، بعيداً عن أطفاله الثلاثة الصغار. وباعتباره قائداً لبعثة تدريب «ناتو» في أفغانستان، فهو المسؤول عن إعداد جيش مؤهل وقوة شرطة وطنية، سوف يحلانّ (نظرياً) محلّ القوات الأميركية و«الناتو» في نهاية المطاف.

وشأن الكثير مما يجري في أفغانستان، فإن هذه الصورة ضبابية. لم يستثمر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الموارد اللازمة لبناء قوة أمن أفغانية جادة قط، لذلك كان أمام الجنرال «كالدويل» أقصر مدة لبذل الحد الأقصى من الجهد عندما تولى مهامه قبل عام واحد.

لقد أحرز فريقه مكاسب مؤثرة، وزاد قوام الجيش الأفغاني من 97 ألف جندي إلى 138 ألفاً، واتسع نطاق الشرطة الوطنية من 95 ألفاً إلى 120 ألف رجل، ويجري تشكيل قوة جوية ناشئة. ولكن لا يزال ينقصهم 700 مدرّب، ويفقدون عدداً كبيراً جداً من القوات الأفغانية المدربة بفعل الاستنزاف. وهم بحاجة إلى تخريج مزيد من الضباط بسرعة، كما أنهم يكافحون من أجل توفير مهارات القراءة الأساسية ل86 من المجندين الأميين. فإذا كان الأفغان لا يمكنهم قراءة الخرائط، حسبما قال لي الجنرال «كالدويل»، فلن يمكنهم إخبار الأميركيين بأماكنهم إذا كانوا بحاجة إلى الإخلاء الطبي في حالات الطوارئ أو الغارات الجوية. قوات «ناتو»، المدعومة ب30 ألف جندي إضافي من القوات الأميركية والوحدات الأفغانية، تُحرز تقدماً في عمليات التطهير المشتركة للأقاليم المهمة في معقل حركة طالبان..

ومع ذلك، فإن المئات من القوات الأميركية في هذه المواقع البعيدة تتعرض لإطلاق النار يومياً. تم تحقيق الكثير من خلال تصعيد كبير وضروري، في ما يتعلق بهجمات الطائرات الموجهة عن بعد التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، عبارة عن 50 عملية منذ سبتمبر الماضي مقارنة مع 60 عملية في الشهور الثمانية السابقة، على امتداد الحدود مع باكستان حيث تفر عناصر تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى ملاذاتهم الآمنة.

يجب أن يتم تصعيد كل جانب من جوانب استراتيجية شاملة، ليس فقط القتل والتدريب، والجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأميركي الأعلى لقوات «ناتو» في أفغانستان، يعرف ذلك.

وقوات حلف «ناتو» تعمل على توفير فرص من أجل حكم محلي محسّن، وأيضاً من أجل مشروعات المياه والزراعة والمدارس والعيادات الصحية المهملة منذ فترة طويلة، حتى لا يتحالف الأفغان مع حركة طالبان.

ولكن جهودهم تم تقويضها على يد الحكومة الأفغانية الفاسدة، والتي غالباً ما تفشل في إرسال الناس لتشغيل مكاتبها المحلية والإقليمية، وعينت حكاماً فاسدين أو غير مؤهلين للمقاطعات والمناطق. كذلك، فإن افتقار الحكومة إلى وجود آلية للفصل في النزاعات على الأراضي، يترك الناس معتمدين على المحاكم الدينية لطالبان التي تقيم عدالة سريعة وشعبية. إن قرار «ناتو» بمواصلة القتال حتى عام 2014، عندما يفترض أن يضطلع الأفغان بالمسؤوليات الأمنية، يبدو أنه غيّر الحسابات في اتجاه واحد. فجميع الأطراف تعرف الآن أن قوات التحالف منتشرة في كل مكان، والمسلحون يقعون تحت الضغط، «وتم توفير منصة للنجاح»، على حد قول أشرف غاني، وزير المالية السابق، ومستشار الرئيس الأفغاني قرضاي.

إننا نأمل أن يكون محقاً، لكن خمسة أيام في أفغانستان اعتبرت بمثابة تذكير بالتحديات العظمى التي لا تزال قائمة. حتى أن قادة الجيش الأميركي يقولون إن المكاسب الأخيرة قابلة للارتداد، ولن يعرفوا حتى حلول فصلي الربيع أو الصيف، ما إذا كان من الممكن تحويلها إلى مكاسب دائمة.

=======================

2010 كان عام التوتر والجمود.. فهل يكون 2011 عام التسوية والحل؟

بسام غنوم

الأمان 31/12/2010

تطغى الأجواء الضبابية على الساحة اللبنانية عشية انتهاء عام حافل بالتوتر السياسي على خلفية المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وإذا كانت بداية عام 2010 قد حملت للبنانيين الكثير من الأمل بعام يمكن ان يصل بلبنان واللبنانيين الى بر الأمان بعد الانفراج الكبير في العلاقات اللبنانية - السورية التي توجتها زيارات الرئيس سعد الحريري المتعددة للعاصمة السورية دمشق ولقاؤه الرئيس الأسد، والتي استتبعت ايضاً ببدء نشاط السفارة والسفير السوري في لبنان، فإن ما أعقب ذلك من تطورات، وخصوصاً في ما يتعلق بالقرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري واحتمال توجيه الاتهام الى عناصر من حزب الله بالمسؤولية عن جريمة الاغتيال، وما استتبع ذلك أيضاً من حملة سياسية واعلامية على المحكمة الدولية على اعتبار انها محكمة مسيسة وأداة في يد الإدارة الاميركية لضرب المقاومة وحزب الله، وبالتالي فتح ملف شهود الزور الذي تحول الى أزمة وطنية شلت الحكومة وعطلت البلاد وكادت ان تدخل لبنان في أتون الفتنة المذهبية والانفلات الأمني لولا التدخل السوري - السعودي القوي والمباشر في لبنان، ما منع الانهيار الأمني، مع بقاء التوتر السياسي على حاله، كل ذلك جعل من عام 2010 عام السير على حافة الهاوية في لبنان، في ظل تمسك كل من 8 و14 آذار بمواقفهم المعروفة من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

والسؤال الذي يطرح نفسه مع انتهاء عام 2010 هو: هل لبنان مقبل على حل سياسي في عام 2011، أم ان عام 2011 سيكون عام الفتنة والانفجار؟

هذا السؤال يسأله اللبنانيون، ويسأله كل المتعاطين بالشأن السياسي اللبناني، ما يعني ان الأجواء ضبابية وان القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن التحكم في مسيرة الأمور التي تفعل فعلها في الساحة اللبنانية وذلك لأسباب عدة:

- هناك تسليم لبناني من قبل 8 و14 آذار بالعجز عن الوصول الى حلّ سياسي لبناني داخلي لملف المحكمة الدولية وما يتفرع عنه من أمور مثل القرار الاتهامي وشهود الزور، وبالتالي فإن هذه القوى بدلاً من الجلوس معاً ومحاولة الوصول الى حلول للأزمة السياسية التي تعصف بلبنان، لجأت الى التوتير والتصعيد السياسي في ما بينها، ما انعكس سلباً على عمل «حكومة الوحدة الوطنية» التي اصبحت مشلولة ومعطلة، حتى ان التعطيل وصل الى «هيئة الحوار الوطني» نتيجة ربط الحوار بملف شهود الزور، ما أدى الى تعطل العمل الحكومي ووصول البلاد الى حافة الهاوية، وخاصة في ما يتعلق بمصالح اللبنانيين وعمل الوزارات وأجهزة الدولة المختلفة.

- في مقابل التسليم بالعجز اللبناني الداخلي عن الوصول الى حلول وتفاهمات، هناك اندفاع نحو التمسك بالمبادرة السورية - السعودية لحل الأزمة اللبنانية، وقد كان لهذه المبادرة ايجابية وحيدة حتى الآن، وهي الحفاظ على أمن لبنان واستقراره رغم حدة الصراع السياسي حول المحكمة الدولية، إلا انه رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد من أجل الوصول الي تسوية للأزمة اللبنانية والتي توجت بقمة لبنانية - سورية - سعودية في قصر بعبدا لم يحدث أي تطور حاسم على صعيد هذه المبادرة. وما تتحدث عنه مصادر الموالاة والمعارضة حيناً عن قرب الوصول الى حل، تعود وتنفيه مصادر أخرى وتؤكد ان الأمور ما زالت على حالها وان كل طرف ما زال متمسكاً بموقفه السياسي من القرار الاتهامي والمحكمة الدولية. هذا الجو حوّل مبادرة «س-س» الى ما يشبه الفزورة السياسية ان صح التعبير، ما يعني ان الأمور ما زالت عالقة وانه رغم النيات السورية - السعودية الطيبة للوصول الى حل في لبنان، فإن الأمور متعثرة لأسباب كثيرة.

- لبنان في قلب الصراع الإقليمي - الدولي الجاري في المنطقة، هذه حقيقة لم يعد بالإمكان تجاهلها. ففي عام 2010 قام الرئيس سعد الحريري بأربع زيارات لدمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، وسافر الى العاصمة الإيرانية طهران والتقى مرشد الثورة السيد علي خامنئي والمسؤولين الإيرانيين، ورغم ذلك لم تتحسن الأمور في لبنان بل زادت حدة الخلاف السياسي وتعطل العمل الحكومي عند قضية التصويت لشهود الزور، فما السبب في ذلك؟

السبب هو ان المقاربة السياسية لحل الأزمة اللبنانية كانت تنطلق من ان مجرد الانفتاح السياسي على سوريا وإيران يعني الانفراج في لبنان، وهو ما ثبت فشله لأن قضية المحكمة الدولية ليست مجرد قضية لبنانية داخلية تتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل هي قضية دولية مرتبطة بالصراع على النفوذ الدائر في المنطقة بين طهران من جهة والولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة أخرى. وقد اثبتت المواقف الأخيرة للسيد علي الخامنئي من المحكمة الدولية واعتبارها أداة أميركية للقضاء على المقاومة، وتأكيده أنها باطلة، وما أعقب ذلك من مواقف اميركية مؤيدة للمحكمة ونافية في الوقت نفسه علمها بوجود مبادرة أو تسوية سورية - سعودية للأزمة اللبنانية، بأن ما يجري في لبنان هو في حقيقته جزء من الصراع السياسي والأمني الدائر في المنطقة، وان هناك حواراً موازياً للحوار السوري - السعودي هو الحوار الإيراني - الاميركي وإذا كان الحوار الأول يجري في العلن وضمن شروط سياسية معينة أهمها الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، فإن الحوار الإيراني - الاميركي. يجري على وقع الخلاف الدائر حول الملف الإيراني النووي، وحول مستقبل سلاح حزب الله، وبالتالي فإن ذلك يجعل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. وقد أدلى سفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة جون بولتون بموقف لافت من الوضع في لبنان في عام 2011، فقال: «قريباً سيبدأ المدعي العام للمحكمة الدولية في اغتيال الحريري بإصدار القرارات الاتهامية ضد الأشخاص الذين اغتالوا رئيس الوزراء البناني الأسبق، وبات شبه مؤكد ذكر اسماء مسؤولين سوريين بارزين وآخرين تابعين لحزب الله».

وقد تؤدي هذه القرارات الاتهامية الى تجدد حرب عام 2006 بين إسرائيل و«حزب الله»، ومن المحتمل أن تشارك فيها سورية هذه المرة». وقبل ذلك قال وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ ان الأوضاع في لبنان مرشحة للانفجار في كانون الثاني 2011 بسبب صدور القرار الاتهامي. وفي مقابل ذلك قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي باقري بعد لقائه الرئيس الأسد في دمشق رداً على سؤال عن احتمال لجوء حزب الله الى العنف والقوة بعد صدور قرار المحكمة التي يتوقع ان توجه اتهامات اليه ان «اعداء لبنان يستهدفون استقرار لبنان. أما بالنسبة الى حزب الله فإن القرار والموقف الذي سيتخذه يعود اليه. والحزب قال كلمته في المحكمة وقرارها».

باختصار، لبنان مع انتهاء عام 2010 يسير على حافة الهاوية، الحلول مؤجلة والانفجار الأمني محتمل، ويبقى الرهان على وعي اللبنانيين.

=======================

متى لم تكن إسرائيل فاشية؟

سمير كرم

السفير

31-12-2010

في الرابع من كانون الاول 1948 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية في باب «رسائل الى المحرر» رسالة بتوقيع العالم اليهودي الألماني المولد الاميركي الجنسية ألبرت أينشتاين ومعه نحو مئة شخصية من اليهود وغير اليهود من كبار العلماء والمفكرين والمعنيين بالشأن العام.

الرسالة على درجة قصوى من الأهمية، وهكذا قدرتها الصحيفة، حتى اننا نلاحظ انه كتبها في 2 كانون الاول، ونشرت في الرابع منه. وهذه سرعة كبيرة في النشر اذا اخذنا في الاعتبار ان بعض رسائل القراء الى المحرر في اي صحيفة يمكن ان تستغرق شهراً لتجد طريقها الى النشر. كذلك فإن الرسالة نشرت بنصها على الرغم من انها طويلة نسبياً وتزيد كثيرا في مساحتها عن اي رسالة تنشرها نيويورك تايمز في هذا الاطار.

وهناك ملاحظة جانبية اخرى واجبة. فرسالة أينشتاين جاءت بعد اقل من عام واحد من رفضه التاريخي المعروف عرض إسرائيل عليه ان يكون اول رئيس لجمهوريتها. الامر الذي يضفي على هذه الرسالة من أينشتاين مزيداً من الأهمية بشأن رأي اينشتاين في اسرائيل وسياساتها والى اين تتجه والى اين يكون ميلها.

موضوع هذه الرسالة هو التحذير من الفاشية الصهيونية في اسرائيل.

ولقد عادت الرسالة فاكتسبت في الآونة الاخيرة اهمية كبيرة، حتى ان من الملاحظ ان أعداداً كبيرة من الكتاب اليساريين الاميركيين يسهمون الآن مجدداً في التحذير من سرعة انزلاق اسرائيل نحو الفاشية، ويبنون انتقاداتهم لسياسات اسرائيل الداخلية والخارجية على دلائل عديدة على هذا الاتجاه الخطر الذي يباعد بين اسرائيل وقيم المجتمع الاميركي، الذي تعتمد حياة اسرائيل وبقاؤها على دعمه الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي، وبطبيعة الحال دعمه الاستراتيجي العسكري.

ونجد انفسنا مضطرين لأن ننشر هذه الرسالة بنصها، وإن كانت ستأخذ حيزاً كبيراً من المساحة المتاحة لهذا المقال. ذلك ان اهميتها تزداد في التفاصيل التي توردها والتي تردّ عملياً على السؤال الذي اخترناه عنواناً لهذا المقال: متى لم تكن اسرائيل فاشية؟

وهذا هو نص «رسالة أينشتاين» كما نشرت في نيويورك تايمز:

«الى محرري نيويورك تايمز

من بين الظواهر السياسية الأشد إثارة للقلق في زماننا ظهور حزب الحرية (تنوات هاهيروت) في إسرائيل الحديثة التأسيس، وهو حزب سياسي وثيق الصلة للغاية في تنظيمه ومناهجه وفلسفته السياسية وتوجهه الاجتماعي للاحزاب النازية والفاشية. لقد تشكل من عضوية ومن اتباع تنظيم ايرغون زفاي ليومي السابق، وهو منظمة إرهابية يمينية شوفينية (وطنية متعصبة ضيقة الأفق) في فلسطين.

والزيارة الحالية التي يقوم بها مناحيم بيغن زعيم هذا الحزب للولايات المتحدة محسوبة بوضوح لتعطي انطباعاً بالتأييد الاميركي لهذا الحزب في الانتخابات الاسرائيلية القادمة، ولتمتين الروابط السياسية مع العناصر الصهيونية المحافظة في الولايات المتحدة. إن عديدين من الوطنيين الاميركيين قد اعاروا اسماءهم للترحيب بهذه الزيارة. وليس من المتصور ان اولئك الذين يعارضون الفكر الفاشي في جميع انحاءالعالم، اذا ما تلقوا معلومات صحيحة عن سجل السيد بيغن واتجاهاته، يمكن ان يضيفوا اسماءهم وتأييدهم الى الحركة التي يمثلها.

فقبل أن يقع ضرر لا يمكن إصلاحه عن طريق مساهمات مالية ومظاهر عامة لصالح بيغن وخلق انطباع في فلسطين بأن قسماً كبيراً من اميركا يؤيد العناصر الفاشية في اسرائيل، يتعين على الرأي العام الاميركي ان يعلم بسجل السيد بيغن وحركته وأهدافهما. إن البيانات العلنية لحزب بيغن ليست بأي حال مرشداً لطابعه الحقيقي. إنهم يتحدثون اليوم عن الحرية والديموقراطية ومناهضة الإمبريالية، في حين انهم حتى وقت قريب كانوا يبشرون صراحة بمذهب الدولة الفاشية. إن الحزب الإرهابي يفضح في افعاله طابعه الحقيقي، ويمكننا ان نحكم من افعاله الماضية بما يمكن ان نتوقعه ان يفعل في المستقبل.

إن سلوكهم في قرية دير ياسين العربية كان مثالا صادماً. هذه القرية التي تقع خارج الطرق الرئيسية وتحيط بها اراض يهودية لم تشترك في الحرب، بل انها ردت ايد عربية ارادت ان تستخدم القرية قاعدة لها. وفي 9 نيسان (نيويورك تايمز) هاجمت عصابات إرهابية هذه القرية المسالمة التي لم تكن هدفاً في القتال وقتلت معظم سكانها، 240 رجلاً وامرأة وطفلاً واحتفظت بعدد قليل منهم على قيد الحياة لتستعرضهم كأسرى في شوارع القدس. لقد فزع معظم المجتمع اليهودي من هذا الفعل، وبعثت الوكالة اليهودية ببرقية اعتذار الى الملك عبد الله ملك شرق الاردن. ولكن الإرهابيين، الذين هم بعيدون عن الشعور بالعار من فعلهم، كانوا فخورين بهذه المذبحة ونشروها على نطاق واسع، ودعوا المراسلين الأجانب الموجودين في البلد ليشاهدوا الجثث المكومة والفوضى العامة في دير ياسين. إن حادث دير ياسين يمثل طابع وأفعال حزب الحرية.

إنهم يبشرون داخل المجتمع اليهودي بخليط من القومية المتطرفة والتزمت الديني والتفوق العنصري. وشأنهم شأن الاحزاب الفاشية الاخرى اعتادوا على انتهاك الإضرابات وعلى ممارسة الضغط لتحطيم النقابات العمالية الحرة. وفي توجههم الرئيسي اقترحوا قيام نقابات مؤسسية على النموذج الفاشي الايطالي. ومارسوا خلال السنوات الماضية اعمال عنف متفرقة ضد البريطانيين، وافتتحت جماعات ايرغون زفاي ليومي واشترن حكم الارهاب في المجتمع اليهودي في فلسطين. المعلمون ضُربوا لأنهم يتحدثون ضدهم، والبالغون اطلق عليهم الرصاص لأنهم لا يدعون ابناءهم ينضمون اليهم. وبأساليب العصابات الاجرامية والضرب وتكسير النوافذ والسرقات الواسعة الانتشار اخاف الإرهابيون السكان وجنوا ثمناً باهظاً.

إن اعضاء حزب الحرية لا دور لهم في الإنجازات البناءة في فلسطين. فهم لم يستصلحوا ارضاً ولم يبنوا مستوطنات وأشاحوا بوجوههم عن نشاط الدفاع اليهودي. اما جهودهم التي يروجون الدعاية لها كثيرا في مجال الهجرة فإنها ضئيلة ومكرسة اساساً لجلب مواطنيهم الفاشيين.

ان التجاوزات بين المزاعم الجريئة التي يطلقها بيغن وحزبه وإنجازاتهم في الماضي وفي فلسطين لا تحمل طابع حزب سياسي عادي. هذا هو الطابع الذي لا تخطئه عين لحزب فاشي يعد الارهاب (ضد اليهود والعرب والبريطانيين على السواء)، وإساءة تصوير الامور، كما يعد «الدولة القائدة» هي الهدف في ضوء الاعتبارات المذكورة فإن من المحتم ان تعرف الحقيقة عن السيد بيغن وحركته في هذا البلد. وإن مما يزيد الامور مأساوية ان القيادة العليا للصهيونية الاميركية قد رفضت شن حملة ضد محاولات بيغن، او حتى لفضح اخطارها على اسرائيل لأنصارها من وراء دعم بيغن.

لهذا فإن الموقعين ادناه يلجأون الى هذه الوسيلة للنشر ليقدموا عدة حقائق قليلة مناسبة فيما يتعلق ببيغن وحزبه، ويحثون كل المعنيين على ان لا يدعموا هذا المظهر المتأخر للفاشية.

نيويورك، 2كانون الاول 1948

لعل أينشتاين ومؤيديه  لو عاشوا الى الآن لوجدوا ان لا فرق بين حزب الحرية والاحزاب التي حكمت وتحكم إسرائيل طوال السنين منذ نشأتها، وأن لا فرق بين مناحيم بيغن وأي من الزعماء والقادة العسكرين الاسرائيليين الذي توالوا على حكم «فلسطين» (ظل أينشتاين مخلصاً لاسم فلسطين كما يتضح من الرسالة). لقد تجذرت الفاشية في تأسيس الاحزاب والتنظيمات الإسرائيلة. وبقيت الفاشية ونزعتها الإرهابية والعنصرية هي التي تحدد خطوط الساسة الاسرائيليين ضد العرب وضد كل من يؤيدهم. ولم يعد اليهود يتعرضون لإرهاب الفاشية الاسرائيلية فقد تعلموا الابتعاد عن تأييد حقوق الفلسطينيين والاكتفاء بتأييد سياسات حكامهم ...فيما عدا القلة التي تتمثل في اليسار الاسرائيلي وحده.

اما الهدف الذي من اجله كتبت ونشرت رسالة أينشتاين فإن شيئاً منه لم يتحقق. لم يتنبه حكام اميركا الى هذا التحذير. وأصبحوا هم الداعم الاول والرئيسي للفاشية الاسرائيلية ضد العرب وضد الفلسطينيين بشكل خاص. وبأسلحة اميركا وأموالها ارتكبت اسرائيل ما هو ابشع من دير ياسين داخل فلسطين وخارجها، بالأخص في لبنان. ترى ماذا كان يمكن لأينشتاين ان يقول عن حرب اسرائيل على غزة وعن حصار غزة الارهابي؟ ترى ماذا كان يمكن ان يرى أينشتاين ورفاقه في هجمة القوات الخاصة الاسرائيلية على سفينة تركية تحاول ايصال المساعدات الى غزة المحاصرة؟

لقد اتسعت وازدادت عمقاً وعنفاً فاشية اسرائيل بمساعدة ودعم اميركا لها من الألف الى الياء. وذهب نداء أينشتاين بالحذر من فاشية الدولة الاسرائيلية ادراج الرياح.

فهل يمكن لذاكرتنا ان تعود الى اي وقت لتجد ان الفاشية الاسرائيلية اختفت او تراجعت منذ زمن دير ياسين؟

كانت الفاشية في إسرائيل عام 1948 ممثلة في حزب، اما الآن في الايام الأخيرة من عام 2010 فإن الفاشية امتدت لتشمل الدولة الاسرائيلية في تبديات سياساتها الداخلية والخارجية، المدنية والعسكرية. فاشية اسرائيل تتبدى بكل وضوح في سياساتها ضد عرب 1948 كيف تعاملهم وكيف تحدد اهدافها الإقصائية ضدهم. وهي تتبدى ايضاً في سياسات اسرائيل ضد فلسطينيي المهجر الذين تريد ان تلغي بجرة قلم كل حقوقهم الانسانية والوطنية. وتتبدى كذلك في طريقة تعاملها مع فلسطينيي دولة فلسطين القادمة. انها تختار بنفسها من تتركه طليقاً ومن تقرر إلقاءه في السجن من دون اتهامات ومن دون محاكمات. بل تبدو فاشية اسرائيل في اشد حالات حدتها وتطرفها في طريقة تعاملها مع السلطة الفلسطينية التي نزعت عن نفسها سلاح المقاومة ارضاء لشروط اسرائيل من دون ان تحصل حتى الآن على اي مقابل. ان السلطة الفلسطينية تنفذ لاسرائيل مطالبها  اعتقلوا هذه القائمة، امتنعوا عن التدريب على هذا السلاح، اقبلوا بوجود المستوطنين على ارض الدولة التي تتفاوضون عليها ...وغير ذلك كثير.

وتاريخ الفاشية الاسرائيلية واضح بالمثل في العلاقات مع العالم الخارجي. وليس بعيدا كثيرا عن الذاكرة طبيعة العلاقات التي اقامتها اسرائيل الفاشية مع نظام حكم العنصرية البيضاء في جنوب افريقيا ابتداء من التعاون العسكري في تدريب البيض على برامج القمع البوليسي ضد الوطنيين الافارقة، الى آفاق التعاون في إنتاج وتجريب الاسلحة النووية. ولا يختلف عن ذلك كثيرا ما طبع العلاقات بين اسرائيل ونظام الشاه القمعي في ايران، وما يطبع الآن مواقف اسرائيل العدوانية ضد ايران الثورة الاسلامية.

ان فاشية اسرائيل تتبدى حتى في مناهجها للتعامل مع الدولة التي سبقت الى اقامة سلام معها. اليس استمرار اسرائيل في التجسس على مصر استمرارا للمناهج الفاشية في العلاقات مع العالم الخارجي؟

ما الذي يجعل من دولة اقامتها اصلا مشاعر الضحية لسياسات الفاشية والنازية، تتحول بمجرد ان بدأت سعيها لتكوين دولة لليهود الى دولة فاشية من رأسها الى اخمص قدميها؟

ليس ثمة من إجابة على هذا السؤال الا من طبيعة الفكر العنصري الذي هيمن على الصهيونية من بداياتها، حتى قبل ان تعرف البشرية نوعية ما يسمى بالاحزاب النازية والفاشية في عالم عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

العنصرية هي مرض اسرائيل المزمن الذي يتفاقم مع مضي السنين. والعنصرية هي المرض الذي لا يمكن مواجهته بأساليب سلمية ومهادنة. انها في ظل هذه الاساليب تزداد غلوا وبشاعة. وشعار «اسرائيل فوق الجميع» ليس معلنا صراحة ولكنه في الممارسة بكل الجدية ولأقصى مدى.

ابداً لم تكن اسرائيل غير فاشية في اي وقت ..لأنها ابدا لم تكن غير عنصرية.

=======================

اعتراف الجنرال عاموس يادلين

فادي قشوع

رئيس تحرير صحيفة الثبات

نقلا عن جريدة نورت 18/12/2010

استغربت أوساط سياسية ودبلوماسية غربية الكلام الذي قاله الجنرال عاموس يادلين؛ رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) المنتهية ولايته، والذي عُيِّن مكانه الجنرال آفيف كوخفي. كلام يادلين جاء خلال تسليمه خلفه مهامه منذ أيام، والذي جرى أمام أكثر من مراسل حربي لوسائل إعلام عبرية، والتي بدورها نقلت الحديث إلى جهات أوروبية وأميركية.

الجنرال عاموس يادلين قال: لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات ونصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من التي بدأ بها الذين سبقونا، وكان أهمها الوصول إلى "الساحر"، وهو الاسم السري للقائد اللبناني عماد مغنية. لقد تمكّن هذا الرجل - اللغز من عمل الكثير الكثير ضد دولتنا، وألحق بنا الهزيمة تلو الأخرى، ووصل إلى حد اختراق كياننا بالعملاء لصالحه، لكننا في النهاية استطعنا الوصول إليه في معقله الدافئ في دمشق، والتي يصعب جداً العمل فيها، لكن نجاحنا في ربط نشاط الشبكات العاملة في لبنان وفلسطين وإيران والعراق أوصل إلى ربط الطوق عليه في جحره الدمشقي، وهذا يعتبر نصراً تاريخياً مميز لجهازنا على مدار السنين الطويلة.

وتابع عاموس يادلين: لقد أعدنا صياغة عدد كبير من شبكات التجسس لصالحنا في لبنان، وشكّلنا العشرات مؤخراً، وصرفنا من الخدمة العشرات أيضاً، وكان الأهم هو بسط كاملة سيطرتنا على قطاع الاتصالات في هذا البلد؛ المورد المعلوماتي الذي أفادنا إلى الحد الذي لم نكن نتوقعه، كما قمنا بإعادة تأهيل عناصر أمنية داخل لبنان؛ من رجال ميليشيات كانت على علاقة مع دولتنا منذ السبعينات، إلى أن نجحت وبإدارتنا في العديد من عمليات الاغتيال والتفجير ضد أعدائنا في لبنان، وأيضاً سجّلت أعمالاً رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان، وفي حصار منظمة حزب الله.

واستطرد يادلين بسرد إنجازاته قائلاً: في إيران سجلنا اختراقات عديدة، وقمنا بأكثر من عملية اغتيال وتفجير لعلماء ذرة وقادة سياسيين، وتمكنا إلى درجة عالية من مراقبة البرنامج النووي الإيراني، الذي استطاع كل الغرب الاستفادة منه بالتأكيد، ومن توقيف خطر التوجه النووي في هذا البلد إلى المنطقة والعالم. وفي السودان أنجزنا عملاً عظيماً للغاية؛ لقد نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية، لمساعدتهم، ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حالياً على تنظيم (الحركة الشعبية) هناك، وشكّلنا لهم جهازاً أمنياً استخبارياً قادر على حمايتهم وإنجاح مشروعهم بإقامة دولة ذات دور فاعل في هذه المنطقة.

وأضاف: أما في شمال إفريقيا، فقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات جمع المعلومات في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد. أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر.

وتابع الجنرال المتقاعد: أما بين الفلسطينيين فنحن الذين أفرغنا السلطة من محتواها، وسيطرنا على معظم قادة منظمة التحرير الذي عادوا إلى أراضي سلطة محمود عباس، وشبكنا معهم أوثق العلاقات، ومنهم من ساعدنا كثيراً في عدد من الساحات العربية، ونسج لنا علاقات مباشرة وغير مباشرة مع أجهزة وقادة عرب، إلى أن أصبح جزء مهم جزءاً من عملنا، لكن الخطر الأشد مازال مصدره حركة الجهاد، التي تتمتع بسرية تامة، وتعمل داخل أراضينا بتكتّم شديد، وفي أراضي أكثر من دولة عربية، ومازالت لغزاً يجب المواصلة لكشفه، أما حركة حماس فإن الضربات يجب أن تتلاحق عليها في الداخل والخارج، فحماس خطر شديد على الدولة اليهودية، إنها تستنهض المنظومة الإسلامية في البلاد العربية والعالم ضدنا، لذلك من المفترض الانتهاء من إفشالها وتبديدها في المدة المحددة بالبرنامج المقرر في عمل جهازنا بكل دقة.

وختم الجنرال الذاهب إلى التقاعد كلامه: لقد كان لحادثة اغتيال رفيق الحريري الفضل الأكبر في إطلاق أكثر من مشروع لنا في لبنان، وكما كان للخلاص من عماد مغنية الفضل في الولوج إلى مرحلة جديدة في الصراع مع حزب الله، يجب مواصلة العمل بهذين المخططين ومتابعة كل أوراق العمل على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد صدور القرار الظني الدولي، والذي سيتوجه إلى حزب الله بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري للانطلاق إلى مرحلة طال انتظارها على الساحة اللبنانية، قبل التوجه إلى سورية؛ المحطة النهائية المطلوبة، لكي تنطلق جميع مشروعات الدولة اليهودية، بعد الإنجاز الكبير في العراق والسودان واليمن، والقريب جداً إتمامه في لبنان، كما يجب تحية الرئيسان حسني مبارك ومحمود عباس كل يوم، لما قدماه لاستقرار دولتنا وانطلاق مشاريعها.

هكذا ختم الجنرال الصهيوني المتوجِّه لمتابعة عدائه وحقده على العرب والمسلمين من موقع آخر غير إدارة (أمان) الصهيونية، على غرار أسلافه وكل الصهاينة، وهكذا أيضاً يستمر قادة عرب "الاعتدال" بالسكوت عن عار الخيانة الكبرى والصغرى للأمة، ويقبلوا تحية أعدائهم بأحسن منها، بالمزيد من العمالة والطوعية لهذا العدو.

بعد هذا الحديث المعلن نستغرب سكوت الكم الكبير والواسع من وسائل إعلام العرب عن هذا التقرير الذي أوردته أكثر من وسيلة إعلام صهيونية، وذكره أكثر من موقع إلكتروني أوروبي وعربي، وناقشته معظم الدوائر السياسية الغربية، ووُضع على طاولة معظم القادة العرب.. لكن مع الأسف الشديد لم يأخذ حقه من النقاش والتعاطي معه على أنه اعتراف كامل من القاتل للضحية.. فهل صدق شاعرنا الكبير مظفر النواب حين قال : القدس عروس عروبتكم؟ فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها...

=======================

وسطيّة التموضع السياسيّ.. هل تعني الحياديّة في الملفات الكبرى والمصالح الوطنيّة؟

وائل نجم

الأمان 31/12/2010

منذ اللحظة الأولى للانقسام السياسي الحاد في لبنان، اختارت بعض القوى السياسية التموضع في منطقة الوسط انطلاقاً من قناعاتها وخياراتها الوطنية، وإدراكاً منها لخطورة الانقسام السياسي الحاد الذي يأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً في بلد كلبنان يقوم نظامه السياسي على مبدأ التوزيع الطائفي والمذهبي للسلطات، ومنها من اعطى هذا التموضع بعداً ايجابياً من خلال إبقاء الارتباط والعلاقة الطيبة بكل الاطراف والعمل على نزع فتائل الخلاف والفتنة التي اطلت برأسها اكثر من مرة. ومنها من اعطى هذا التموضع بعداً غير ايجابي من خلال فك الارتباط بكافة الاطراف، والاكتفاء بالمواقف التي تعبر عن عدم الانضمام لأي من فريقي الانقسام، فيما التحقت قوى اخرى من فريقي الانقسام بمنطقة الوسط بعد الانتخابات النيابية في عام 2009، الا ان بعضها لم ينجح في تأكيد وسطيته، فيما برزت الوسطية في مواقف البعض الآخر وخطابه.

ومنذ اللحظة الأولى التي انتُخب فيها العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فضل الرئيس اختيار موقع الوسط بين القوى السياسية التي توافقت وتفاهمت على اختياره وانتخابه، وذلك للحفاظ على الصيغة التي انهت مرحلة الفراغ الرئاسي، والشك الدستوري، والقطيعة السياسية بين المكونات الاساسية وحتى الفرعية، وحتى يتم الاستمرار في حالة الهدوء السياسي والامني، والوصول إلى صيغة تمكّن من تجاوز الازمة المستفحلة والمستمرة، والتي باتت تنذر بما هو اصعب وأكثر خطورة رغم الحديث عن نجاح المساعي السعودية السورية في تذليل العديد من العقبات، والتوصل إلى الكثير من التفاهمات التي يمكن ان تشكل قاعدة للحل.

إلى جانب رئيس الجمهورية، فضّل رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الخروج من حالة الاصطفاف السياسي الذي كان قائماً، ليتموضع في منطقة الوسط إلى جانب رئيس الجمهورية دون ان يكون واحداً من فريقه، وقد كلّف جنبلاط هذا التموضع الجديد بعض المواقف التي كادت تفسد علاقته بحلفاء الامس، حتى كادت تصل إلى اقرب الحلفاء، رئيس الحكومة سعد الحريري في بعض المناسبات. واراد جنبلاط من خلال مواقفه المستجدة من المحكمة الدولية ومن «شهود الزور» ومن السلاح ان يتقدم من الفريق الآخر ببراءة ذمة عن المرحلة السابقة التي كان فيها أكثر الاطراف شدة وقسوة وتطرفاً في هذه الملفات، ما جعل بعض الاطراف يرى فيها أنه تحوّل عن منطقة الوسط التي أرادها إلى المنطقة التي يصنّف فيها أنه في منطقة الخصوم، من دون ان يعني ذلك كسب ودّ هؤلاء وثقتهم.

في موقع آخر، حاول الرئيس نبيه بري الخروج ايضاً من الاصطفاف الثنائي إلى منطقة وحالة أكثر رحابة، وحاول كسر هذا الاصطفاف، إلا نه اتخذ موقفاً بين موقعي دعاة الوسطية وفريق المعارضة الذي كان ينتمي إليه، فلم يعد ضمن ذاك الفريق الذي كان فيه، ولم ينتقل إلى منطقة الوسط إلى جانب سليمان وجنبلاط وآخرين، بل هو أعاد التذكير في أول محطة تحد له في بعض الملفات بأنه من صناع قوى 8 آذار التي خرجت من تحت عباءته ومن دارته في عين التينة، ليؤكد انه لم يخرج من هذا الاصطفاف حتى الساعة، رغم رغبته في ذلك نظراً للخسائر التي تلحق به جراء هذا الاصطفاف، وخاصة على مستوى الشعبية التي باتت تتمتع بها حركته وحتى رصيده الشخصي بعدما كان الرقم الاول والاصعب في المكوّن الذي يمثله.

بعض القوى الاخرى اختارت منذ اللحظة الأولى للانقسام السياسي في البلد الاعتدال في الخطاب، والوسطية في الطرح والموقف، وقد دفعت جزءاً من رصيدها لاعتمادها هذا الخطاب وهذا الطرح. وابرز هذه القوى التي حافظت على علاقة مع فريقي الانقسام، الجماعة الاسلامية التي أبرزت من جديد طرحها الوسطي والمعتدل، وموقفها النابع من قناعاتها، مع كونها لم تكن يوماً جزءاً من فريقي الانقسام، ولم تصبح ايضاً جزءاً من فريق الوسط المعروف اليوم، وإن كانت ترتبط بكل من الذين يقدمون انفسهم خارج إطار الانقسام والاصطفاف بعلاقات طيبة ووطيدة.

لكن هناك ملفات وقضايا لا تقبل منطق الوسطية والحياد السلبي الذي يفتح المجال لتجاوز القانون والدستور، ويضرب عرض الحائط بكل الحقائق والمسلمات. فمن غير الطبيعي على سبيل المثال أن يكون المرء حيادياً ووسطياً حيال الصراع مع «العدو الصهيوني»، وان يخرج إلى منطقة الحياد السلبي وكأن الامر لا يعني اللبنانيين، ولا يتهددهم في امنهم وكيانهم، وبالتالي لا بدّ من الانحياز في مثل هذه الحالة إلى خيار الدفاع عن الوطن.

وكذلك بالنسبة الى ملفات أخرى قد تتهدد مصير البلد من خلال اصرار البعض على اقحامها في متاهات السياسة او في اماكن أخرى هي ليست من اختصاصها وعبر تجاوز القانون والدستور والقسم الذي اقسم به الكثيرون. والاهم انه كيف يمكن إنساناً ان يكون حيادياً ووسطياً امام التهديدالذي يصيب مصالح الناس، وقد وصلت الاوضاع إلى حالة مأساوية صعبة، ومع ذلك يرضى البعض من خلال الوسطية تجاهل هذه المصالح؟

إن المطلوب من قوى الوسطية، او ممن يعتبر نفسه كذلك، ان ينحاز إلى مصالح الناس وامن البلد، فأمام ذلك لا تنفع الوسطية ولا الحياد، وخاصة أن الذين هددوا مراراً بالعودة بالبلد إلى مربع الحرب الاهلية غير قادرين اليوم على ذلك، ولا يملكون الجرأة على اتخاذ موقف معرقل.

=======================

حقوق الإنسان وعصر الويكيليكس

أ.د. محمد قيراط

التاريخ: 31 ديسمبر 2010

البيان

أكثر من ستين سنة مرت على ذلك اليوم التاريخي لتحرير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما هي الدروس وما هي العبر- وأين نحن من واقع هذه الحقوق- وهل حقا استفادت الإنسانية من دمار الحربين العالميتين، ورضخت لمنطق التعايش السلمي والتكافل الإنساني العالمي- !

 

منطق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يقوم أساسا على المفهوم الواضح والنقي للعدالة في المعاملة والمقاييس والمعايير، وعدم التمييز والتفرقة بين الشعوب والأعراق والأجناس، سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية. العقود الستة الماضية تشير إلى انتهاكات وتجاوزات عديدة، تفننت فيها الدول نفسها التي شاركت في تحرير الإعلان، والتي نصبت نفسها مسؤولة عن البشرية جمعاء، لكن وفق وجهة نظرها ورؤيتها هي!

 

يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر من كل سنة بذكرى ميثاق حقوق الإنسان الذي وضع سنة 1948، والعبرة ليست في الذكرى بقدر ما هي في التطور التاريخي لهذا الميثاق، ولممارسة حقوق الإنسان في أرض الواقع. والملاحظ أنه منذ البداية الأولى، أي سنة 1948، كانت الانطلاقة خاطئة وكانت هناك ازدواجية في المقاييس والمعايير، حيث أنه في تلك الحقبة كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار، ولم يتطرق لها الميثاق ولم يولها أي اعتبار. ما هو الوضع في أيامنا هذه، أيام النظام الدولي الجديد والعولمة والعصر الرقمي وثورة المعرفة- وما الوضع ونحن في نظام القطبية الأحادية- وهل تمت عولمة ميثاق حقوق الإنسان- أم أن هناك فاعلين في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم- وهل بإمكاننا الكلام عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان-

 

ما يمكن قوله أن حقوق الإنسان، مثلها مثل الديمقراطية ومصطلحات عديدة أخرى، أصبحت سلطة تمارس وتوظف في لغة السياسة والدبلوماسية، وتستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سكة صانعي القرار في النظام الدولي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ميثاق حقوق الإنسان منذ ظهوره، اتسم بثغرات ومصطلحات مبهمة وتناقضات عديدة، تختلف مع قيم الكثير من المجتمعات ومعتقداتها الدينية وتقاليدها وعاداتها الخ. وإذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان وإلى الثورة الفرنسية تحديدا، نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن، بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة في المجتمع على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية، وهذه الأمور، مع الأسف الشديد، قائمة وموجودة داخل الدول وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمرة (بفتح الميم)- وهل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة ومسيطر عليها خارجيا من قبل دولة أو دول أو نظام دولي-

 

إشكالية حقوق الإنسان معقدة، ومن أهم التناقضات التي يعيشها العالم في هذا المجال، ما يلي:

 

- نلاحظ أن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي نصّبت نفسها رقيب وحامي حقوق الإنسان في العالم، تضرب عرض الحائط بهذا المبدأ في بلدها وداخل حدودها، عندما يتعلق الأمر بالأقليات، مثل السود والهنود الحمر (السكان الأصليين لأميركا) والأقليات الأخرى ومنهم العرب، ونلاحظ كم من مواطن عربي اتهم وسجن وطرد من أميركا، دون محاكمة ودون أدلة قاطعة ودون عدل ولا شرع. وما ينسحب على أميركا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة الأخرى. ففرنسا مثلا، في تعاملها مع المسلمين ومع مواطني شمال إفريقيا، تبتعد كليا عن حقوق الإنسان، وعدم الاعتذار للجزائر وغيرها من الدول التي استعمرتها، تبقى وصمة عار على دولة تدعي «الحرية  الأخوة  المساواة» في شعاراتها وأدبياتها السياسية.

 

- نلاحظ كذلك أن الدول الفاعلة في النظام العالمي، تساند وتدّعم أنظمة مستبدة ودكتاتورية في العالم الثالث، وهذا يتناقض جذريا مع مبدأ حقوق الإنسان، حيث تنعدم الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والتعبير والفصل بين السلطات. بل إن دولا غربية تدخلت لإطاحة نظم انتخبت بطريقة ديمقراطية في العالم الثالث، فمبدأ حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية ينتهي عندما تبدأ مصالحها.

 

نلاحظ أن هذه الدل، أيضا، تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، أو بالاغتيالات الصهيونية المتكررة لقيادات وشخصيات فلسطينية وعربية.. وحتى غير عربية، مثل الكونت برنادوت. وهكذا أصبح مبدأ حقوق الإنسان وسيلة في يد الدول القوية، للضغط وإدارة شؤون العالم وفق ما تمليه عليها مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، بل إن بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسيان، قد تم تسييسها وانحازت لدول ولمصالح وأيديولوجيات معينة، على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس حدودا ولا جنسيات. فكيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالشعوب المستضعفة، عولمة همها الوحيد هو سلطة المال والسياسة والقوة! التحدي يكون أساسا في القيم الإنسانية والأخلاقية، وإذا سيطرت ثقافة انعدام الأخلاق وانعدام القيم على علاقات الشعوب والدول، فسيكون المصير هو الانهيار والموت البطيء، وهذا ما أكدته ويكيليكس من خلال التسريبات التي كشفت فضائح العلاقات الدبلوماسية بين الدول الكبرى وباقي دول العالم، وانعدام الأخلاق والقيم الإنسانية في العلاقات الدولية.. وإذا ذهبت الأخلاق ذهبت الأمم والشعوب.

=======================

في مستقبل العلاقات العراقية الإيرانية

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 31 ديسمبر 2010

البيان

يعتبر تشكيل الحكومة العراقية بعد مخاض عسير وطويل، مؤشراً مهماً على مستقبل علاقات العراق مع كل من الولايات المتحدة وإيران وتركيا، وعدد من الدول العربية المجاورة للعراق، أبرزها المملكة العربية السعودية. فهذه الأطراف هي الأكثر حضوراً في الساحة السياسية العراقية، والأكثر أهمية في تعيين مساراتها. بلغ تنافس هذه الأطراف على مساحات النفوذ المتاحة في ساحات العراق المختلفة، أشده أثناء الحملة الانتخابية النيابية الأخيرة، واكتسب بعداً أكثر أهمية بعد ظهور نتائج الانتخابات والبدء في لعبة لي الأذرع لتشكيل الحكومة الجديدة، وفق ما أفرزته تلك الانتخابات من استحقاقات. وكان هذا التنافس الشديد أحد أسباب تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، وأحد أسباب خروجها بهذه التشكيلة الضعيفة غير المتناسقة، والتي لم يخف رئيس الوزراء نفسه مشاعر الإحباط وعدم قناعته بها. وظفت هذه الأطراف، غير العراقية، قنوات مختلفة ومتنوعة لكسب النفوذ والتأثير على مسارات مستقبل العراق، فإضافة إلى البعد الأيديولوجي، بظلاله العرقية والطائفية المقيتة، الذي كان حاضراً بقوة في حلبة الصراع، كان هناك حضور قوي وفاعل جداً للمال السياسي. كما لم يتردد من يقف خلف العمليات الإرهابية في أداء دوره ليثبت حضوره في المشهد.

 

لقد نجحت هذه الأطراف جميعاً، بهذا القدر أو ذاك، في وضع بعض البصمات على هيكل الحكومة الجديدة، وأسهمت في وضع الشروط على مسارات سياساتها على مدى السنوات الأربع المقبلة، إلا أن أياً من هذه الأطراف لا ينظر بعين الرضا إلى هذه الحكومة ولا يرى فيها أداة مضمونة لتنفيذ أجندته.

 

هناك حضور كثيف لأطراف عديدة في المشهد السياسي العراقي، ولكن في ظل غياب العراق نفسه عن مشهده، فالمتنافسان الرئيسيان على النفوذ فيه هما الولايات المتحدة وإيران. الأولى هي أداة التغيير والتدمير، والثانية هي أداة التأثير والتدمير. نفوذ الولايات المتحدة في العراق هو نفوذ القوة العسكرية التي لا تجارى ولا أحد قادر على أن يتحداها، إلا أنه نفوذ بعيد عن الجسد العراقي، على العكس من النفوذ الإيراني المتغلغل في هذا الجسد. ورغم أن مصالح الدولتين متناقضة ومواقفهما متعارضة على أكثر من صعيد، إلا أنهما قد وجدا ما لا يختلفان عليه وهو شخص رئيس الوزراء، رغم أنه ليس الخيار الأفضل لأي منهما.

 

هناك بعض التوافقات بين الأجندتين الأميركية والإيرانية، رغم أنها ليست بالوضوح الكافي الذي يمكن وسائل الإعلام من رصده بسهولة. فحين تتلاقى مصالح الطرفين حول شأن معين في العراق، لا تتوانى إيران عن إسناد الولايات المتحدة لأن ذلك يعزز موقعها في العراق.

 

لكلا الطرفين حلفاء عراقيون لا مناص من اللجوء إليهم، لتنفيذ أجندة على درجات متفاوتة من الأهمية داخل المجتمع العراقي، حلفاء الولايات المتحدة ضعفاء من حيث النفوذ قلائل من حيث العدد، في حين أن حلفاء إيران هم الأقوى نفوذاً والأكثر عدداً. الأجندتان مختلفتان ومتناقضتان، فأجندة إيران غطاؤها ديني بنكهة طائفية، في حين أن أجندة الولايات المتحدة ليبرالية بنكهة ديمقراطية. وكلتا الدولتين تسعيان للحصول على مساحة أوسع من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وإلى منفذ أوسع للوصول إلى ثروات العراق الوفيرة.

 

سجل كل طرف قدراً من النجاح، إلا أن الولايات المتحدة كانت أقل قدرة في استخدام الفيتو لرسم هيكل الحكومة العراقية الجديدة، مقارنة بإيران التي نجحت في تحقيق نجاحات أكبر في هذا الصدد. ولكن قدرات إيران بقيت غير كافية للعمل على فرض حكومة أكثر قرباً إليها، لكنها كافية لتعطيل أو إضعاف بعض التوجهات الأميركية. ومع أن الولايات المتحدة قدمت هدية ثمينة لإيران باحتلالها للعراق وإسقاط النظام العراقي الذي وقف بحزم ضد طموحاتها في التوسع غرباً، إلا أن طهران بقيت تنظر بخوف وتوجس إلى ما جرى، وهي ترى نفسها قد أصبحت مطوقة من الشرق ومن الغرب بالقوات الأميركية. وفي سياق التعقيدات التي تشهدها علاقاتها المتشنجة مع الغرب، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة، لا يستبعد أن تصبح الهدف الثالث. لذا باشرت طهران، مدفوعة بوازع الدفاع عن النفس، إلى وضع استراتيجية دفاعية وهجومية في آن واحد، ساحتها الرئيسية هي العراق، واللاعبون فيها عراقيون بالدرجة الأولى. وتستند هذه الاستراتيجية إلى عدة محاور:

 

- تقوية نفوذها الاقتصادي في العراق، من خلال نشاطات تهدف إلى ربط قوي للسوق العراقية بالاقتصاد الإيراني.

 

- تعزيز نفوذها الأيديولوجي بتوظيف المذهب في النشاطات الاجتماعية على نطاق واسع.

 

- تقديم الدعم الكبير للأحزاب والمنظمات ذات الطابع الديني المذهبي، التي تحالفت معها إبان حربها مع العراق.

 

- جعل احتلال العراق وبقاء القوات الأميركية فيه مهمة صعبة محفوفة بالمخاطر من جهة، ومكلفة للغاية للخزانة الأميركية من جهة أخرى، من غير الدخول في مواجهات مباشرة مع هذه القوات.

 

- العمل على خلق قدرات انتقامية كامنة داخل العراق، تعمل على إشغال الولايات المتحدة ووضع الصعوبات أمامها لمنعها من مهاجمة إيران، عن طريق دعم ميليشيات ومنظمات معادية للنظام القائم في العراق.

 

استراتيجية كهذه لا تصطدم بمصالح الولايات المتحدة فحسب، بل تلحق أضراراً بليغة بمصالح العراق أيضاً، وتحرج حلفاءه وتبعدهم عنه. فما هي حظوظ نجاحها في المرحلة المقبلة في ظل ظروف تجد إيران نفسها في أكثر من مأزق على أصعدة مختلفة محلية وإقليمية ودولية-

 

لم تحقق طهران من النفوذ في الحكومة العراقية الجديدة، ما تطمح له وما حققته في الحكومة التي انبثقت إثر انتخابات 2005 حين حصدت الأحزاب الحليفة لها، الكردية والعربية، غالبية الأصوات وصنعت حكومة على مزاجها. فالمشهد السياسي العراقي قد طرأ عليه بعض التغيير، ولا بد أن ينعكس ذلك على العلاقات العراقية الإيرانية، التي من المتوقع أن تشهد تراجعاً في الدور الإيراني في العراق على أكثر من محور. فلم يعد حلفاؤها السابقون بنفس الدرجة من القوة، ولم يعودوا بنفس درجة القرب منها من جهة ثانية، وأصبح الشارع العراقي أقل انسياقاً وراء وهم الحصول على الحقوق والمكاسب عن طريق الاصطفاف الطائفي الذي رعته من جهة ثالثة.

=======================

أسانج أطلق صفارة الإنذار فقط

آخر تحديث:الجمعة ,31/12/2010

محمد الصياد

الخليج

 “صفارة إنذار” هو تدبير مستحدث في السنوات القليلة الماضية ضمن حزمة من التدابير والضوابط التي توفر للمؤسسات والشركات إدارة حصيفة ونوعية للموارد وأداء متميزاً يكفل لها تحقيق أهدافها وبضمنها صيانة أصولها والمحافظة عليها وتحقيق معدلات الربحية المستهدفة، وذلك في إطار يسمى بأنظمة حوكمة الشركات .

 

والمقصود ب “صفارة الإنذار” هو قيام الشركة بوضع خط ساخن بتصرف كافة العاملين فيها لإتاحة الفرصة لأي واحد فيها بالتبليغ عن أية مخالفة، سواء أكانت رشوة أو فساد أو اختلاس، وتنبيه المسؤولين للخطر الذي تمثله مثل هذه المخالفات على مصلحة الشركة ومصلحة الاقتصاد الوطني الذي يمكن أن تتأثر سمعته من جراء مثل هذه المخالفات خصوصاً لدى وكالات التصنيف الدولية .

 

بهذا المعنى فإننا لو أمعنا النظر جيداً بما قام به مؤسس موقع “ويكيليكس” الأسترالي جوليان أسانج من نشر لوثائق سرية أمريكية تتعلق بالأسرار التي تلف تطبيقات السياسة الأمريكية الخارجية في أنحاء مختلفة من العالم، خصوصاً في البلدان والمناطق التي غزتها واحتلتها القوات المسلحة الأمريكية (العراق وأفغانستان تحديداً) والأخرى التي تشن فيها عمليات هي مزيج من الحرب السرية والعلنية (باكستان واليمن مثلاً)، وأسرار أخرى تتصل بحقيقة المواقف والسياسات الأمريكية من قضايا عالمية تصل بمؤسسات ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة وأنظمة حكم في العوالم الأول والثاني والثالث وغيرها نقول لو أمعنا النظر فيها بتمعن فسنجد أنها نسخة طبق الأصل من تطبيقات قواعد وأخلاقيات الحوكمة، إنما هذه المرة على صعيد كلي قياساً لصعيد تغطيتها الجزئي المتعلق حصراً بالشركات والدوائر المؤسسية الحكومية . فالحديث يدور هنا أي في حالة صاحب فكرة “ويكيليكس” عن صفارة إنذار ل “الشركة الأم” التي يمكن أن نتمثلها هنا في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية الصراعية التي تنتظمه .

 

ف “صافرة” فريق “ويكيليكس” أرادت تنبيه الرأي العام العالمي إلى وجود انتهاكات بالغة الخطورة للقانون الدولي ولأعمال قتل وتعذيب وفساد وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، متورطة فيها حكومات دول قائدة في النظام الدولي لطالما رفعت عقيرتها “دفاعاً” عن حقوق الإنسان وذرفت دموعها (التماسيحية) على تلك الحقوق المهدرة .

 

كان لا بد لهذا الكشف المدوي أن يسبب صدمات هائلة للعالم بأسره . صدمة للرأي العام الدولي الذي هاله حجم تلك الانتهاكات الجسيمة و”وزن” المتورطين فيها، وقبل ذلك صدمة لكبار المتورطين فيها، ولا سيما الولايات المتحدة التي تعتبر صاحبة الامتياز والحق الحصري في اختراع ما يسمى بمقاربة “العلاج بالصدمة”، فإذا بجهة أخرى هي جماعة موقع “ويكيليكس” تستخدم نفس المقاربة في إحداث حجم الدوي المطلوب للفت أنظار العالم . أي أن الولايات المتحدة التي لطالما سعت لإقناع بقية العالم بنجاعة وفعالية “سلاح” العلاج بالصدمة، قد خلقت من حيث لا تدري من “استوعب درسها” ولم يجد سوى اقتراح سلاحها الوجيه لمعالجتها به هي أيضاً .

 

وكان لا بد له ل (الكشف المدوي إياه) أن يُوجِد (بكسر الجيم) من جديد سوقاً رائجة لنظرية المؤامرة وأن يعيد إنعاشها، خصوصاً في منطقتنا العربية التي تمسكنت مع القراءات والتحليلات السهلة التي تتطلب جهداً فكرياً وعصفاً ذهنياً “مرهقين” .

 

فما الذي فعله جوليان أسانج لكي تطالب “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة برأسه؟

 

هل لأنه أراد القول، من خلال إغراقه مواقع المعرفة بآلاف الوثائق المصنفة أمريكياً على أنها سرية أراد القول هذه حقيقة أمريكا وهذا هو وجهها الآخر المخفي؟ أم لأنه في التفاصيل أجبر زعامات “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة وقياداتها على فضح المفهوم الأمريكي للإرهاب والمتمثل في أن كل من يعارض أمريكا وسياستها فهو في نظرها إرهابي، وذلك اعتباراً بتصنيفها جوليان أسانج على أنه إرهابي؟

 

وأيضاً في التفاصيل . . تفاصيل عنوان كشف الوجه الآخر للولايات المتحدة لأنه اضطرها لفعل ما لم تفعله ربما إلا نادراً، وهو التعبير العلني، وبأبشع الصور وأكثرها فجاجة، عن ضيق صدرها بالنقد وعدم تقبلها للرأي الآخر وازدرائها بحرية التعبير، وهي التي لطالما شنفت الآذان بدفاعها عن “قدسية” هذه القيم والمبادئ؟

 

ربما يكون فعل كل ذلك، وربما يكون قد آذى وألحق ضرراً فادحاً بالنظام السياسي في الولايات المتحدة وبطبقتها الحاكمة على قاعدة الثنائية الحزبية الحصرية . ولكن جوليان أسانج هو ابن النظام الكوني المتصاهر والمتكامل الذي أنشأته امبراطوريات الرأسمالية العالمية . وهو لم يعمل من خارج إطارها ونطاقها أو أنه استخدم أدوات ووسائل غير تلك التي اخترعتها وأنشأتها .

 

ثم إن علينا أن نتذكر هاهنا أن جوليان أسانج الذي أزعجهم باستخدامه إحدى أدواتهم، ظل يحظى بالتقدير والتكريم منذ أن أطلق موقعه الشهير “ويكيليكس” في عام ،2006 حيث حاز في عام 2008 جائزة مجلة ال “إيكونومست” لمقاومة الرقابة، وحاز في عام 2009 جائزة منظمة العفو الدولية في مجال حقوق الإنسان والصحافة بفضل كشفه لعمليات الاختفاء السري والقتل العشوائي للمعارضين في كينيا .

=======================

اتفاق «س. س» والهجوم على سليمان

الجمعة, 31 ديسيمبر 2010

وليد شقير

الحياة

يقفل العام 2010 بالنسبة الى لبنان على تراجع نسبي في التوترات التي شهدها، والتي أنتجت شللاً وانكماشاً اقتصاديين وخللاً في عمل مؤسسات الدولة، بفعل التجاذب السياسي الذي عطّل عجلتها الخاضعة أصلاً لمنطق الحصص الطائفية، والمصالح الضيقة، تحت عناوين الشعارات السياسية الكبرى التي تُستغل من أجل الكسب الرخيص وصغائر الأمور.

 

والأمل الوحيد للبنانيين هو في تظهير الاتفاق الناجز بين السعودية وسورية، حول سبل معالجة الأزمة اللبنانية الناجمة عن الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتداعيات المستمرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أكثر من 5 سنوات.

 

والواقع انه على رغم ان تظهير هذه التسوية المنتظر مع مطلع العام 2011، سيسمح بانتقال لبنان الى مرحلة جديدة تتيح استئناف نشاط مؤسساته ولو نسبياً، بدلاً من شللها الحالي، فإن هذا لا يعني بالضرورة اختفاء هذه التوترات في شكل كامل، لا سيما ان صدور القرار الاتهامي عن الادعاء العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان سيدفع بالمتهمين الى خطوات في سياق الدفاع عن أنفسهم، تبقي البلد عرضة للتجاذب الداخلي والإقليمي. إلا ان اتفاق «س. س» الذي يتغنى القادة اللبنانيون بأهميته، وينشدونه منذ سنوات، سيكون ضابطاً لردود الفعل ووسيلة احتواء للتوترات المحتملة التي يمكن ان يفرزها في سياق رفض فريق المعارضة للاتهامات التي سيتضمنها.

 

وإذا كان اتفاق «س. س» المنتظر يقوم على الفصل بين مسار المحكمة وبين مسار العلاقات الداخلية اللبنانية، وأدوار القوى الإقليمية والدولية المعنية بالداخل اللبناني كساحة نفوذ كانت ميداناً للصراعات الخارجية خلال السنوات الخمس الماضية، فإنه يقود الى تموضع جديد للقوى المحلية والقوى الخارجية على هذه الساحة.

 

ومع ان الاتفاق الموعود، الذي يقول القادة العارفون انه منجز، لم يعلن بعد، فإن القوى المحلية والخارجية أخذت تتهيأ لما بعده، من زاوية التنافس على الأوزان والأحجام والنفوذ والأدوار في المعادلة الجديدة التي ستنتج منه.

 

ويسود الاقتناع الضمني لدى فرقاء لبنانيين كثر، بأن التموضع الجديد يقضي بتكريس حجم قوى عدة، في مقدمها رئيس الحكومة سعد الحريري، وبتقليص نفوذ قوى أخرى اقتضت المرحلة السابقة تقدمها على المسرح السياسي. بل ان مواقف بعض القوى المحلية الراهنة، هي من باب التحسب للمرحلة المقبلة لاستشعارها بوجوب حماية موقعها، أو بحاجتها الى الإفادة من الفرصة للتقدم على منافسيها.

 

وليس بعيداً من ذلك، الهجوم الذي تعرض له موقع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وموقفه من الصراع الدائر خلال المرحلة السابقة على التوصل الى الاتفاق، الذي سيترافق تطبيقه، إذا أُعلن، مع صراع الأحجام والأوزان. وتشكل الساحة المسيحية حلبة أساسية لهذا الصراع، ورئاسة الجمهورية منها، ما يجعل هجوم زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على سليمان في هذا الإطار، من دون ان يلغي ذلك مخاوف قوى وطموحات أخرى على الساحة الإسلامية.

 

فقوى المعارضة تعتبر ان اتفاق «س. س» سيكرّس لسورية دوراً ونفوذاً معترفاً بهما من الفريق الثاني في الاتفاق، أي السعودية، ومن الدول الأخرى التي ساندته، وبأن لا بد لحلفاء دمشق من ان يقطفوا ثمار هذا التكريس، في مقابل اعتقاد قوى الأكثرية و14 آذار ان التسوية لا تعني تفويضاً جديداً لسورية لإدارة التوازنات الداخلية كما في السابق، أي قبل العام 2000.

 

تلغط الدائرة الضيقة من الوسط السياسي اللبناني بالكثير من التوقعات والمراهنات، لمرحلة ما بعد الاتفاق، ومقابل الاعتقاد بأنه يؤدي الى احتواء الصراع السني – الشيعي في لبنان في شكل مريح لدمشق، فإن صراع المواقع على الصعيد المسيحي قد يكون عنوان المرحلة. ويذهب البعض الى حد الحديث عن التغيير الحكومي وتعديل الحصص فيه مسيحياً، فمقابل اعتقاد الرئيس سليمان ان لبنان «يدير شؤونه بنفسه منذ عام 2008 امنياً وإدارياً»، يعتبر بعض القادة المسيحيين من حلفاء دمشق، أنه حان وقت قطاف ثمار وقوفهم الى جانبها، الى درجة عودة بعضهم الى النغمة القائلة بأن سليمان لن يكمل ولايته، وإلى توقع تغيير جذري على الصعيد المسيحي، تفسره مقاطعة الدعوات الرئاسية الى إحياء هيئة الحوار الوطني، وهذا يعيد لبنان الى صراع شبيه بالعقد الذي سبق عام 2005 والذي كان عنوانه تهميش قوى مسيحية لها حجمها ووزنها.

=======================

تركيا 2011

سمير صالحة

الشرق الاوسط

31-12-2010

وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو كان متواضعا عندما وقف أمام رجال الإعلام يقول إن تركيا حققت جميع الأهداف التي وضعتها لنفسها في سياستها الخارجية لعام 2010. تركيا، وحتى نكون منصفين مع «الخوجا»، حققت أكثر مما كانت تريده وتتطلع إليه.

هو نصحنا في مطلع العام أن نرصد تركيا داخليا وخارجيا عن قرب، فميزة هذه السنة ستكون كما قال ترجمة الكثير من النظريات والبرامج المرسومة على الورق إلى ورشات عمل حقيقية وعقود واتفاقات في اتجاه أكثر من دولة وعاصمة وتكتل إقليمي، وكان له ما أراد.

هو قال لنا كذلك إن تركيا ستعتمد لغة المصارحة والمصالحة في الداخل والخارج التي ستحملها إلى أبعد بقاع الأرض، وكان له ذلك أيضا من خلال عشرات الزيارات والاستقبالات لقيادات ودول لم يكن الأتراك يعرفون عنها شيئا أو يسمعون باسمها حتى.

إنجازات تركيا في سياستها الخارجية سهلت لها تعزيز مواقعها وتوسيع رقعة نفوذها وتزايد مصداقيتها عربيا وإسلاميا. حكومة العدالة والتنمية نجحت في إعادة الأتراك إلى قلب الشرق، هذه الجغرافيا التي تناسوها وأهملوها لسنوات طويلة فأهملتهم هي الأخرى. أنقرة وحتى لو لم تقطع الكثير من المسافات التي تقربها من العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فإنها لم تقطع معه رغم الكثير من الانتقادات الداخلية والغربية التي تتحدث عن المماطلة في تنفيذ الوعود والتعهدات المقدمة.

حكومة العدالة والتنمية نجحت خلال عام 2010 في حماية مقعدها الدائم أمام أكثر من طاولة حوار إقليمي ودولي وأخذت مكانها بين الدول الاقتصادية الكبرى في العالم وأثبتت قدرتها على الاتصال والتواصل مع قيادات ودول متخاصمة أو متباعدة وتقريب وجهات النظر بينها دون أن تتعرض لأي انتقادات أو اعتراضات بسبب أسلوبها هذا.. لا بل إن البعض من المفكرين والمحللين السياسيين العرب والإسلاميين انتقد ابتعادها عن إسرائيل وطالبها بإعادة تحسين العلاقات معها، لأن أنقرة قد تكون فرصة مهمة في فتح الطريق أمام السلام الإقليمي وإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي، حيث فشلت حتى الآن الكثير من الدول الكبرى.

اليوم ونحن على أبواب عام 2011 نقول إن القيادات التركية وعدتنا أن يكون العام الجديد أيضا مثيرا مميزا غنيا بالحركة والمفاجآت، وأنها ستخيب آمال المراهنين على لعب ورقة «مشكلة الفكر العثماني» واحتمال وقوع أزمات سياسية واجتماعية سيكون سببها رجب طيب أردوغان الذي سيعمل على تغيير شكل النظام، وإبعاد وعزل العلمانيين، وتحجيم دور المؤسسة العسكرية أكثر فأكثر، وتجميد ملف العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كما يريد أن يرى البعض. وهي قالت لنا أيضا إن التجديد والتغيير واستكمال عمليات الإصلاح والتحديث ستستمر رغم تعنت البعض ورفض البعض الآخر. ربما حكومة أردوغان تستفيد داخليا هنا وإلى أبعد الحدود من ضعف المعارضة الداخلية وتشرذمها وافتقادها للمشاريع والبدائل السياسية والإصلاحية التي تضعها أمام المواطن التركي، لكنها ودون شك تستفيد إقليميا أيضا من غياب اللاعبين القادرين على قراءة ما تشعر به وتقوله قواعدها الشعبية وترجمة ما تريده عمليا. ومع ذلك لا يمكننا أن نتجاهل أن عام 2011 سيحمل ملفات ساخنة داخلية وخارجية كثيرة تنتظر تركيا، فأكرادها رفعوا شعار الحكم الذاتي في الأيام الأخيرة، والقبارصة اليونان يتصلبون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين وقيادات الدياسبورا الأرمنية في محاولة الصمود والتصدي، لا بل الرد في الكثير من الأماكن التي يجدون أن أنقرة قابلة للاختراق فيها.. لا بل إن البعض مثل إسرائيل والكثير من العواصم الأوروبية وربما الكثير من قيادات البيت الأبيض أيضا، يراهن على وقوع ما هو ليس في الحسبان في منتصف يونيو (حزيران) المقبل خلال الانتخابات النيابية العامة في تركيا، حيث يفترض أن حكومة العدالة والتنمية ستضعف وتخسر الانتخابات وتغادر السلطة، وأن ائتلافا حكوميا جديدا سيتسلم القيادة ويرجع الأمور إلى سابق عهدها، و«يعيد» تركيا داخليا وخارجيا إلى مسارها الصحيح الذي ابتعدت عنه مع حكومة أردوغان. لعبة الكر والفر ورسم السيناريوهات السوداء حول تركيا، أفضل ما يمكن للبعض أن يفعله، تماما كما فعل وهو يودع عام 2009 ويستقبل عام 2010، فحل به ما حل ب«جحا» تركيا الذي خرج في عز الشتاء بثياب صيفية رقيقة دفعت أحدهم إلى تنبيهه بأنه سيصاب بالبرد إذا لم يبدل ملابسه، ولما حل به المرض قصد الرجل يقول: لقد عرفت أنني سأمرض، فقل لي ما الذي سيحل بي بعد الآن!

=======================

واقعية أوباما وأوهام الكونغرس

السبت, 01 يناير 2011

مصطفى زين

الحياة

ستيفن فورد سفير أميركي في دمشق. الكونغرس الديموقراطي والجمهوري عرقل تعيينه عشرة شهور كاملة. حجته أن سورية لم تنفذ مطالب واشنطن. المطالب أصبحت معروفة للجميع، منذ ابلغها وزير الخارجية السابق كولن باول إلى الرئيس بشار الأسد بعد احتلال العراق، أي منذ سبع سنوات. وملخصها إبعاد سورية عن إيران، ووقف تسليح «حزب الله» والفصائل الفلسطينية المعارضة، خصوصاً «حماس»، وعدم التدخل في الشؤون العراقية واللبنانية. والتخلص من الأسلحة الكيماوية وكل سلاح يستطيع مواجهة إسرائيل.

 

باختصار كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تغيير الطبيعة الجيواستراتيجية لسورية. وكان لديها خطة لتنفيذ قانون «محاسبتها» الذي اعتمده الكونغرس. وكان البيت الأبيض يعتبر احتلال العراق بداية لهذا التغيير فالآلة العسكرية كلها اصبحت في المنطقة، وجورج بوش لا تنقصه الحماسة الدينية الغيبية لارتكاب المزيد من الحماقات. وكانت سورية الثانية على قائمة الدول المعرضة للغزو أو التخريب من الداخل، وعبر البوابة اللبنانية التي خيِل إليهم وإلى كثيرين، أنها أصبحت مشرَعة لكل قادم من واشنطن أو تل أبيب، خصوصاً بعد عام 2005 ، وأن النظام السوري آيل إلى السقوط.

 

في تلك المرحلة كان مشروع الشرق الأوسط الجديد في أوج اندفاعته. وكان المحافظون الجدد ممسكين بمفاصل الإدارة، من البيت الأبيض إلى مجلس الأمن الوطني إلى وزارتي الدفاع والخارجية. وكانت إسرائيل تصوغ خريطة المنطقة بما يتلاءم مع مصالحها. كتب وزير دفاعها شاؤول موفاز يومها :»لدينا قائمة طويلة نفكر بمطالبة سورية بتنفيذها. ونفضل أن تتولى الولايات المتحدة هذا الأمر».

 

متسلحاً بالإنتصار العسكري في العراق، وبحشد أكثر من 150 ألف جندي على الحدود السورية وحاملات الطائرات في المتوسط، حمل باول الشروط الإسرائيلية إلى الأسد الذي رأى في تنفيذها استسلاماً تاماً للإرادة الأميركية، وكأنه انهزم في الحرب من دون أن يخوضها، خصوصاً ان باول لم يقدم إليه أي مقابل، بل وضعه أمام خيارين: الإعتبار مما حصل في العراق ومصير صدام حسين، أو مما حصل في ليبيا عندما فتح معمر القذافي ترسانته الوهمية أمام واشنطن ورضخ لكل مطالبها من دون نقاش.

 

بعد سبع سنوات على احتلال العراق، وخمس على قطع واشنطن علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق، ما زال الكونغرس وبعض ممن في البيت الأبيض يتصرف كأن شيئاً لم يتغير، لا في أميركا ذاتها ولا في الشرق الأوسط، وتبدو سياسة هذا البعض جامدة لا علاقة بها بالبراغماتية الأميركية المعروفة. لم يلاحظ هؤلاء أن جيشهم ينسحب من العراق. ولم يعن لهم شيئاً عدم قدرة إسرائيل، وقدرتهم، على الإنتصار في حربها على لبنان عام 2006 ، تمهيداً لزعزعة الوضع في دمشق. ولم يلاحظوا التغيير في سورية، ولا تمتين علاقاتها أكثر مع إيران، ولا علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا التي تغيرت أيضاً. كل ذلك لم يعن شيئاً لهؤلاء لأنهم يبنون سياستهم على أساس الدوغما اليهودية الإسرائيلية، وليس على أساس المصالح الأميركية.

 

آخذاً هذه المتغيرات في الإعتبار، استغل الرئيس باراك أوباما فرصة وجود الكونغرس في إجازة فاتخذ قراراً بتعيين فورد سفيراً له في دمشق. وضمَن البيت الأبيض إعلان الخبر عبارات توحي بأنه متمسك بسياسة الإدارة السابقة، منها أن السفير يحمل رسائل حازمة إلى سورية، تكرر بعضاً من شروط باول. لكن الكونغرس احتج معتبراً ذلك «مكافأة» للقيادة السورية، على رغم استمرارها في سياستها السابقة. ويستعد لخوض معركة مع الرئيس، وابتزازه لزيادة الدعم لإسرائيل.

 

فورد سيصل قريباً إلى دمشق. تعيينه لم يكن «مكافأة» ولا إنذاراً، بل اعتراف بالمتغيرات.

=======================

الحروب المقبلة حول المياه!

السبت, 01 يناير 2011

سليم نصار *

الحياة

وصفت مجلة «ايكونومست» ازمة شح المياه في العالم بأنها اخطر من أزمة النفط، لأن المياه ستصبح قريباً اندر من النفط وأغلى.

وعزت المجلة أسباب هذه الظاهرة الطبيعية الى سلسلة عوامل طارئة، قالت إنها ستؤثر في احتياجات 7 بلايين نسمة يشكلون حالياً عدد سكان الأرض.

 

علماً أن عدد سكان العالم منذ ستين سنة، لم يزد على بليونين ونصف البليون نسمة. ولكنه وصل الى 6 بلايين في نهاية سنة 2000. ثم قفز خلال السنوات العشر الماضية الى 7 بلايين. ويتوقع خبراء الإحصاء ان هذا الرقم سيصل بعد اربعين سنة، الى 9 بلايين نسمة. وهذا ما دعا وكالة الغوث التابعة لمنظمة الامم المتحدة، الى التحذير من نتائج الانفجار السكاني، مذكرة بأن هناك اكثر من بليون جائع ومحروم من المياه النظيفة العذبة.

 

من الملاحظات اللافتة التي اوردها البنك الدولي في تقاريره السنوية، ما يؤكد اهتمام الدول الكبرى بتأمين الغذاء لمواطنيها من طريق المحاصيل الزراعية. فالصين مثلا تستهلك 70 في المئة من كميات مياهها على قطاع الزراعة. في حين تتفوق عليها الهند في هذا المجال، لأن 90 في المئة من مياهها تذهب للزراعة. ويبدو ان الولايات المتحدة بدأت تحذو حذو هاتين الدولتين، بدليل انها تخصص ما نسبته 41 في المئة من كميات المياه لديها لتنمية قطاع الزراعة.

 

ومثلما تشكل كمية المياه في جسم الانسان نسبة 60 في المئة من وزنه... فإن مياه المحيطات تشكل ايضاً ما نسبته 60 في المئة من مساحة الارض.

 

وأجمع خبراء في المياه والبيئة اثناء عقد «المنتدى العربي» في الاسكندرية، على ان الشعوب العربية في حاجة الى معلومات اكثر شفافية تجنباً لمخاطر الجهل بأهمية المياه والبيئة.

 

ويشير برنامج الامم المتحدة الانمائي، الى ان المواطنين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، يحصلون على ألف متر مكعب من المياه سنوياً، أي اقل بسبع مرات من المعدل العالمي. وتؤكد التوقعات ان تتقلص هذه النسبة الى 460 متراً مكعباً فقط بعد اربعين سنة نتيجة لتأثير تغير المناخ وازدياد نمو السكان. وقد أدى الجفاف في سورية خلال السنوات الخمس الماضية، الى نزوح أعداد كبيرة من منطقة الجزيرة الى دمشق والمدن الاخرى.

 

وذكر تقرير صدر عن الامم المتحدة، ان الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ أدت الى نزوح عشرين مليون نسمة قبل سنة، ومثل هذا الرقم المخيف يوازي اربعة أضعاف الذين نزحوا بسبب الحروب الاهلية.

 

وتبين دراسات الخبراء ان منطقة الشرق الاوسط تستهلك ما نسبته 85 في المئة من المياه. ومع تقلص هذه الكمية يستحيل على المزارعين الفقراء كسب عيشهم، الامر الذي يدفعهم للنزوح الى المدن.

 

وفي منتدى الاسكندرية، اعترف مدير عام وزارة المياه والبيئة في اليمن علي عطروس، بأن بلاده تشكو من نقص شديد في المياه، وأن أعداداً كبيرة من المواطنين تستعد لمغادرة القرى بسبب ندرة المياه ولاعتبارات بيئية. كذلك طالب سفير العراق في روما حسن الجنابي بضرورة ايجاد حلول سريعة لمشكلة المياه التي تشكل في نظره، تهديداً للأمن القومي.

 

لهذا السبب وسواه اطلقت المملكة العربية السعودية قبل عشر سنوات، جائزه الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمياه. وهي جائزة متعددة الاهداف، حددها رئيس مجلس الادارة الأمير خالد بن سلطان، بالاستراتيجية المتكاملة. وشدد اثناء ترؤسه الاجتماع السادس لمحافظي المجلس في الرباط، على اهمية سن قوانين وقائية واجتراح سياسة مائية ناجعة تضبط الأنماط الاستهلاكية وتحارب التبذير المائي.

 

وقال أمين عام المجلس العربي للمياه صفوت عبدالدايم، ان التكنولوجيا الحديثة هي البديل المتاح للتغلب على نقص مصادر المياه في العالم العربي بسبب تزايد عدد السكان واتساع رقعة الإعمار. وذكر عبدالدايم ان تقنية تحلية مياه البحر اصبحت الوسيلة المعتمدة في دول الخليج العربي.

 

وفي هذا السياق، اعلن وزير المياه والكهرباء السعودي عبدالله الحصين، ان تطوير القطاعين يتطلب خمسمئة بليون ريال على مدة عشر سنوات.

 

تحت عنوان: «سياسة حرق الارض»، كتبت مجلة «منظمة العفو الدولية» مقالة بينت فيها كيف يؤثر النقص المزمن في المياه بطريقة سلبية في وجوه الحياة الاساسية لدى المجتمع الفلسطيني بما فيها النظافة والزراعة والصناعة وتربية المواشي.

 

وذكرت المجلة ان الاستهلاك اليومي للفرد الفلسطيني لا يزيد على 70 ليتراً، في حين يستهلك الفرد الاسرائيلي اربعة اضعاف هذه الكمية. ويبدو التفاوت جلياً بين المجتمعات الفلسطينية والمستوطنات الاسرائيلية التي تحظى بأحواض السباحة ومزارع وسيعة مروية بمياه غزيزة.

 

وفي المناطق النائية من الضفة الغربية هناك اكثر من مئتي ألف فلسطيني لا يستطيعون الوصول الى المياه الجارية. لذلك يتم شراء المياه بأسعار مرتفعة وتنقل بواسطة الصهاريج.

 

علماً ان الجيش الاسرائيلي يمنع سائقي الصهاريج من بلوغ القرى النائية. كما يدمر الاحواض الخاصة بجمع مياه الأمطار. وبما انه يحظر نقل المياه من الضفة الى غزة، فإن القطاع المعزول يعاني مشاكل الصرف الصحي التي تصب في البحر الابيض المتوسط من دون معالجة.

 

افاد بيان رسمي صدر عن حكومة نتانياهو يقول انها وافقت على بناء اكير مصنع في العالم لتحلية مياه البحر، بهدف تلبية حاجات الاسرائيليين من مياه الشرب.

 

ويندرج بناء هذا المصنع في اطار خطة تستمر سنوات، وتقضي بأن يؤمن البحر 40 في المئة من مياه الشرب المستهلكة في اسرائيل. ونقل البيان عن بنيامين نتانياهو قوله: هناك عجز سنوي بمئات ملايين الامتار المكعبة بين حاجاتنا ومواردنا المائية. ومثل هذه الشبكة من المصانع، يمكن ان تدفع البلاد الى خفض اعتمادها في شكل كبير على موارد المياه الجوفية ونهر الاردن وبحيرة طبرية.

 

وفسر المراقبون كلام نتانياهو بأنه يصب في مصلحة استقدام مليون يهودي من فرنسا وروسيا والارجنتين، وأنه من واجب الدولة توفير مياه الشفة والري لهم.

 

وعرضت صحف اسرائيل تفسيراً آخر يقول ان الدراسات التي وضعها «حزب الله» حول سرقة مياه لبنان، ستدعم موقف وزارة الموارد المائية والكهربائية لإقامة سد لتجميع مياه الحاصباني والفروع والجداول التي تصب فيه عند نقطة تسمى «عريض المطيلب».

 

والمعروف ان نهر الحاصباني ينبع من المنحدرات الشمالية الغربية لجبل الشيخ الذي يعتبر الخزان الرئيس لنهر الاردن.

 

ويجمع المؤرخون على القول ان القرارات التي صدرت عام 1964 عن مؤتمر القمة، كانت من اهم اسباب حرب 1967. وقد تقرر في القمة اقامة مشاريع وسدود على بعض الأنهار لمنع وصولها الى بحيرة طبرية، خزان المياه في فلسطين المحتلة.

 

لهذه الاسباب وسواها تحتاط اسرائيل لاحتمالات بناء مشروع سد لتجميع مياه نهر الحاصباني وفروعه، خصوصاً اذا أمنت صواريخ «حزب الله» حمايته ضد أي اعتداء محتمل.

 

ويؤكد الخبراء ان قرار الحكومة الاسرائيلية اقامة اكبر مصنع في العالم لتحلية المياه، لم يكن اكثر من خطة استباقية، لتأمين حاجات السكان في حال نفذت الدولة اللبنانية وعدها باسترجاع المياه المسروقة بقوة السلاح.

 

عام 1855 اطلق ضابط بريطاني يدعى وليام الن، فكرة فتح طريق بحرية بديلة الى الشرق من طريق وصل البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر عبر المرور بالبحر الميت. ويهدف ذلك المشروع الى ضخ المياه من البحر الاحمر الذي يبلغ علوه 140 متراً قبل ان تتدفق نزولاً الى «البحر الميت» الذي ينخفض 400 متر عن مستوى البحر. وكانت الحكومة الاردنية قد اعربت عن رغبتها في تمويل تحلية نصف كمية المياه البالغة 200 مليون متر مكعب سنوياً كنوع من المساعدة على حل ازمة المياه المتفاقمة.

 

هذه السنة تعرض المشروع للانتقاد من المعارضة السياسية الاسلامية، في الاردن كونه يفيد اسرائيل اكثر مما يفيد الاردن.

 

كما ان مصر لم ترحب كثيراً بتنفيذه خلال هذه المرحلة، لأنها مشغولة بالحصول على حصتها من مياه النيل، ولأن ارباكها بمسألة مياه البحر الاحمر سيضعف اهتمامها الموزع على جبهتين. وتصر القاهرة على تأمين حصتها من مياه النيل والبالغة 55.5 مليون متر مكعب سنوياً.

 

وكانت دول المنبع السبع (رواندا والكونغو وكينيا وتنزانيا وأوغندا وأثيوبيا وبوروندي) قد حاولت تعديل الاتفاقية التي يتم بموجبها تنظيم التعاون المشترك لتحقيق مصالح دول المنبع ومصالح مصر والسودان باعتبارهما من دول المصب. ومن المؤكد ان الحكومة المصرية قد استفادت سياسياً من موقفها الصلب للتأثير في الشارع.

 

بقي ان نذكر ان الأمن المائي العربي المشترك، اصبح مهدداً بانتقاص كمياته، الامر الذي يدفع شعوبه للضغط على الحكام من اجل تأمين حلول يعجز الحكام عن ايجادها.

* كاتب وصحافي لبناني.

=======================

نافذة من الأمل للدفاع الأوروبي

آخر تحديث:السبت ,01/01/2011

خافيير سولانا

الخليج

بعد أن أصبحت الميزانيات في أوروبا شديدة الإحكام في وقتنا الحاضر، باتت المخاوف بشأن الدفاع الأوروبي في نمو متزايد، ولكن من عجيب المفارقات هنا أن التطورات التي شهدها عام 2010 تعطينا بارقة أمل للمستقبل .

 

إن اتفاقية الدفاع الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني بين فرنسا والمملكة المتحدة تتألف في واقع الأمر من معاهدتين تغطيان النشر المشترك لقوات البلدين المسلحة، والردع النووي، والتجهيز المحسّن والاتصالات . وتحظى هذه المبادرة بالدعم السياسي الراسخ من جانب قادة البلدين، وهي تعبر عن انعقاد العزم في كل من البلدين على التوحد في التصدي للتهديدات المشتركة .

 

وبتنفيذ هاتين المعاهدتين على النحو الصحيح فمن الممكن أن يشكلا سابقة واعدة ومبشرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي بالكامل . ومن خلال تجاوز الحدود الوطنية فإن هاتين المعاهدتين ترسمان مسار مستقبل الدفاع الأوروبي، وتساعدان على تحديد مسار العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي .

 

ولكي نحكم على قيمة هاتين المعاهدتين على نحو أفضل يتعين علينا أن نتذكر السياق الذي أبرمتا فيه . في عام 1998 أشار إعلان سانت مالو بواسطة الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير إلى عزم البلدين على تعزيز أمن الاتحاد الأوروبي وقدراته الدفاعية . والواقع أن المملكة المتحدة التي كانت مترددة في مستهل الأمر في تقبل أوروبا التي تمتلك قدرة عسكرية مستقلة، تعلمت من التدخل في كوسوفو أن الاتحاد الأوروبي لابد أن يكون قادراً على الاستجابة للأزمات بسرعة وكفاءة .

 

وكان إعلان سانت مالو بمثابة الإشارة إلى أن القوى العسكرية الرائدة في الاتحاد الأوروبي على استعداد لتنمية سياساتها الدفاعية المستقلة، ولو بشكل كامل الاستقلال عن حلف شمال الأطلسي . والواقع أن هذا الحلف اعترف من خلال اتفاقيات برلين، التي يسّرت استخدام موارد الحلف في تنفيذ مهام في إطار سياسة الدفاع والأمن الأوروبية، بنضوج هذه السياسة على مدى العقد الماضي . والواقع أن الاتحاد الأوروبي تولى تنفيذ 24 مهمة في أوروبا وإفريقيا وآسيا، تختلف في طبيعتها ونطاقها وأهدافها، وتجمع بين السبل العسكرية والمدنية .

 

واليوم، بات الاتحاد الأوروبي مطالباً بتنفيذ مهام معقدة في ظل ظروف غير مواتية . وفي هذا السياق، يتعين على أوروبا أن تستفيد من دروس نجاحاتها في الماضي، ويتعين علينا، نحن الأوروبيين، أن نستجيب بسرعة وفعالية . ولابد أن تكون المهام الدفاعية أكثر قدرة على التكيف، وأكثر سرعة، وأن تكون متعددة الجنسيات ومتعددة الوسائل، وينبغي لها أن تركز على الاستقرار والأمن، بصرف النظر عن الوضع الأمني أو طبيعة النزاع .

 

ورغم ذلك، فمن الواضح أن الدفاع الأوروبي يناضل الآن بقوة من أجل تدبير الموارد المالية العامة . فضلاً عن ذلك فإن أحدث استطلاع أجرته مؤسسة “يوروباروميتر” يشير إلى أن الدفاع هو آخر ما يشغل به الأوروبيون أذهانهم .

 

وهنا على وجه التحديد يصبح الاتفاق الفرنسي البريطاني شديد الأهمية . إن المعاهدتين تشكلان محاولة للموازنة بين العمل والطموح في سياق الأزمة الاقتصادية، والتقشف المالي، والتحولات الدفاعية الواسعة النطاق، وزيادة الاعتماد المتبادل، والتهديدات العالمية من الإرهاب والانتشار النووي إلى تغير المناخ، وندرة الموارد، والأوبئة التي أصبح التعامل معها مستحيلاً بالجهود الفردية . وتشكل هاتان المعاهدتان سابقة بالنسبة للمملكة المتحدة، وتمهدان الطريق أمام رؤساء الوزراء في المستقبل لإحراز التقدم في هذا الاتجاه .

 

والواقع أن تعزيز القدرات العسكرية لكل من البلدين يعمل بشكل غير مباشر على تعزيز القدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي بالكامل، ولا شك في أن السعي إلى التضافر والتآزر والكفاءة، كما يوضح هذا الاتفاق، قد يتحول إلى قوة دافعة لوكالة الدفاع الأوروبية . وبوسع البريطانيين الآن أن يعتبروا وكالة الدفاع الأوروبية جزءاً من الإنفاق الدفاعي، ولكن إذا أردنا تعريفها على نحو أفضل فنستطيع أن نقول إنها تشكل مصدراً للمدخرات لكل بلدان الاتحاد الأوروبي .

 

إن التضامن والاتفاق على الأهداف السياسية من بين الاهتمامات الأكثر إلحاحاً في عصرنا، وقد يشكل التحالف الجديد بين فرنسا والمملكة المتحدة خطوة تاريخية نحو ترشيد الإنفاق الدفاعي وليس نحو تجريد أوروبا من صفتها العسكرية، والأمر برمته يعتمد على المسار المختار .

 

من غير المرجح أن تبادر بلدان الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في أوقات الأزمات المالية، ولكن إذا أدركت كل من فرنسا والمملكة المتحدة مدى ارتباط إبرازها لقوتها بقوة أوروبا عموماً، وإذا تعاون البلدان بشكل متبادل وعملا على توسيع نطاق هذا التعاون لكي يشمل بلداناً أوروبية أخرى وفقاً للصيغة المنصوص عليها في المعاهدتين فقد يكون بوسعنا في النهاية أن نشهد الاتحاد الأوروبي القادر على الاضطلاع بدوره الدفاعي الذي ينتظره منه المجتمع العالمي، ومن خلال فرض قدر أعظم من الكفاءة والتعاون، فقد تتولد عن المحنة فوائد جمة .

 

والواقع أن هذا المسار قادر أيضاً على تهدئة المخاوف الأمريكية بشأن انخفاض الإنفاق على الدفاع الأوروبي . إن المعاهدتين بين فرنسا وبريطانيا لا تعالجان الالتزامات إزاء منظمة حلف شمال الأطلسي، والتي تشكل اهتماماً أساسياً بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك لأن أي خفض في أعداد القوات الأوروبية المنتشرة في الخارج يعني حتماً عبئاً اقتصادياً أثقل تتحمله الولايات المتحدة .

 

بيد أن الاتفاق الفرنسي البريطاني يعني ضمناً إحراز التقدم نحو العمل العسكري الأوروبي المشترك، سواء في أوروبا أو على الساحة الدولية، وهو ما من شأنه أن يشجع الولايات المتحدة . وينطبق الشيء نفسه على حقيقة أن المبادرة تأتي من قوتين عسكريتين كبيرتين في أوروبا (يشكل مجموع إنفاقهما الدفاعي نصف مجموع ما تنفقه قارة أوروبا بالكامل)، وكل من البلدين لديه مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .

 

وكل هذا يشكل جزءاً من تحول المجتمع عبر الأطلسي المستمر من مجموعة من المنظمات المصممة للدفاع عن الأرض ضد معتد معروف إلى كيان أكثر مرونة وديناميكية، وسوف يشكل إنشاء إدارة مشتركة وإصلاح القدرات الدفاعية التقليدية تحدياً ذا شقين: أحدهما وظيفي ويرجع إلى المخططات التقليدية للمنظمات الدفاعية، والآخر سياسي نظراً لضرورة التنازل عن سيادة الدول .

كان الاتفاق الفرنسي البريطاني في عام 2010 مؤشراً مشجعاً وواعداً لعام 2011 وما بعده: فهو يشكل خطوة على طريق وعر شاق يتعين علينا أن نسير عليه نحو قدر أعظم من الأمن الأوروبي .

الممثل الأعلى الأسبق للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن، والمقال ينشر باتفاق مع “بروجيكت سنديكيت”.

=======================

رياح الفشل

طلال عوكل

التاريخ: 01 يناير 2011

البيان

مع نهاية العام الثاني بعد فوز باراك أوباما بمقعد الرئاسة، وما يقرب من سنتين على الجهد الكبير الذي بذلته الإدارة الأميركية من أجل إحياء عملية السلام، تعود الأمور إلى ما كانت عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل أسوأ بكثير مما كانت عليه. يتراجع الدور الأميركي، ومعه تتراجع آمال الكثيرين ممن راهنوا على طفرة حماسية أصابت الرئيس أوباما، الذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار التغيير، لكن التغيير لم يحصل سوى في الخطابات الرنانة الواعدة التي أطلقها من القاهرة، والعاصمتين التركية والإندونيسية.

 

ويبدو أن إدارة الرئيس أوباما قد أخذت بخط التراجع المنظم والمتدرج، أمام تطرف وتعنت الحكومة الإسرائيلية، التي وظفت كل أدواتها الفاعلة في الولايات المتحدة، لتحجيم الطموحات المتسرعة، وربما غير المدروسة جيداً، للرئيس الذي يترتب عليه مراعاة إسرائيل وجماعات الضغط في الداخل الأميركي، إن كان عليه أن يتطلع لولاية رئاسية ثانية.

 

لقد وظفت إدارة الرئيس أوباما، الكثير من الإمكانيات، وقدمت لإسرائيل الكثير من الوعود والإغراءات، ومارست الكثير من الضغط على الفلسطينيين والعرب، لكن كل محاولاتها لتحقيق التسوية خلال السنوات الأربع من ولاية أوباما الرئاسية، قد ذهبت أدراج رياح التعنت الإسرائيلي.

 

لم يعد ثمة مجال للتفاؤل، ولم يعد ثمة وقت تصرفه الإدارة الأميركية بدون طائل على ملف شديد التعقيد، وبات عليها أن تبحث عن ملفات أخرى أقل تعقيداً، عسى أن يؤدي النجاح في معالجتها، إلى تعزيز فرص الرئيس الوحيد الأسود الذي تدخل قدماه البيت الأبيض.

 

من العبث الحديث عن تناقض المصالح الأميركية والإسرائيلية، وعبث المراهنة على إرادة أميركية تعلو فوق الإرادة الإسرائيلية، فحين تكون الدولة الفلسطينية والتسوية مصلحة أميركية قومية واستراتيجية، يكون لإسرائيل القدرة على إرغام الإدارة الأميركية لمراجعة حساباتها، وتكييف مصالحها واستراتيجياتها مع المصالح والاستراتيجيات الإسرائيلية.

 

أما وقد بدأ الجهد الأميركي إزاء إحياء ودفع عملية السلام بالتراجع، فإن الظروف باتت مهيأة أكثر لإسرائيل القوية، لأن تملي على الآخرين أجندتها وأولوياتها.

 

في ظل تراجع ثم توقف الدور الأميركي بعد فترة قصيرة، فإن الطبيعة لا تقبل الفراغ، ومن يملك القوة والإرادة هو الأقدر على ملء الفراغ، فطالما أن جعبة الفلسطينيين والعرب خاوية من الخيارات الحقيقية، فإن جعبة إسرائيل مليئة بالخيارات.

 

ليست مصادفة، أن تتزامن نهاية العام، ونهاية الجهد الأميركي الحقيقي إزاء دفع عملية السلام، مع الذكرى الثانية للحرب المجرمة التي شنتها إسرائيل في السابع والعشرين من ديسمبر 2008 على قطاع غزة، وألحقت دماراً واسعاً لا يزال شاهداً على ظلم الحصار، وتواطؤ المجتمع الدولي، وعجز الفلسطينيين والعرب، وأن يتزامن ذلك مع تصعيد إسرائيلي سياسي وعسكري واستيطاني.

 

على الصعيد السياسي، يعلن بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته المأفون أفيغدور ليبرمان، مناورة سياسية مكشوفة الأبعاد والأغراض، فهو لا يرى إمكانية لدفع عملية السلام إلا إذا وافق الفلسطينيون على واحد من خيارين، أحلاهما علقم. يعرض نتنياهو حلاً مرحلياً بعيد المدى، استدعاه من جعبة رئيس الحكومة السابق أرئيل شارون، وإما أن يمضي إلى أبعد مدى، حتى لو أدى ذلك إلى الإطاحة بائتلافه الحكومي القائم، إذا وافق الفلسطينيون على يهودية الدولة. وفق الخيار الأول الذي يطرحه نتنياهو، لا أمل للفلسطينيين بأكثر من كيان على مساحة 42٪ من الضفة الغربية، وذلك استناداً لتفسير كان شارون قد قدمه حين طرح هذا الخيار عام 2001. أما الخيار الثاني فهو يعني بالنسبة للفلسطينيين قراراً بالانتحار الذاتي، من حيث أن الموافقة على يهودية دولة إسرائيل، تعني شرعنة سياسة الترانسفير، عدا عن كونها تجتث حق عودة اللاجئين من الجذور، ودون ضمان موافقة إسرائيل على بقية الحقوق الفلسطينية. الحديث عن هذه الخيارات، يساوي في أبعاده قراراً صريحاً بأن إسرائيل ترفض اليوم وغداً، أي حل سياسي من شأنه أن يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، حتى استناداً إلى ما توافق عليه الولايات المتحدة من هذه الحقوق. يترافق هذا التصعيد السياسي مع تصعيد وتهديدات إسرائيلية عسكرية بشن عدوان واسع آخر على قطاع غزة. من أجل ذلك وفي إطار التحضير لهذا العدوان، تقوم إسرائيل بحملة علاقات دولية للتحريض على الفلسطينيين، وتقدم تقارير كاذبة مبالغا فيها، عن القدرات العسكرية لفصائل المقاومة. مجنون فقط هو من يصدق ما تدعيه إسرائيل، من أن حماس نقلت قواعدها الصاروخية إلى سيناء، وكأنها تحرض مصر لاتخاذ إجراءات ضد الحركة التي تسيطر على قطاع غزة. أما من يصدق الادعاء الإسرائيلي بوجود خمسمائة مدرب أجنبي في القطاع، فإنه فاقد العقل. إن إسرائيل تصعد من فزاعة الأمن على حدودها مع قطاع غزة، وجنوب لبنان، وسياسياً ضد السلطة الفلسطينية، مستثمرةً حالة الانقسام والصراع الفلسطيني، وحالة الانقسام والصراع العربي، من أجل خلق المزيد من الوقائع على الأرض، بما يفتح المجال أكثر لمواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967. أما على صعيد الاستيطان والتهويد، فحدث ولا حرج، إذ لم يعد بمقدور المتابعين لأمور السياسة، ملاحقة الإعلانات والإجراءات الاستيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وفي القدس التي يتهاوى فيها الوجود الفلسطيني ورموزه شيئاً فشيئاً.

 

هكذا تستعيد إسرائيل المبادرة، وتربك خصمها الفلسطيني والعربي، الذي يتغذى على ردود الفعل، والمبادرات المجزوءة، وبطيئة الحركة، ولا تستجيب للتطور السريع الذي يميز السياسة الإسرائيلية.

 

لقد أعلنت الولايات المتحدة عملياً عجزها وفشلها في دفع عملية السلام وتحقيق تسوية، وابتلعت إدارة الرئيس أوباما وعودها ومواقفها، وأعلنت إسرائيل بوقاحة عن جوهر وأبعاد وأهداف سياساتها، وعن وسائلها العدوانية لتحقيق تلك السياسات، فيما يختلف الفلسطينيون والعرب على تحديد أولوياتهم وتجديد خياراتهم واستراتيجياتهم، لمقابلة التحديات التي تنتظرهم خلال العام الجديد.

=======================

عام العلاقات السورية  التركية

حسين العودات

التاريخ: 01 يناير 2011

البيان

كان عام 2010 عام العلاقات المميزة والمزدهرة بين سوريا وتركيا، فقد اتسعت فيه هذه العلاقات وتنوعت، وشملت الجوانب الاقتصادية والسياسية والسياحية والاجتماعية والثقافية أيضاً، بما لم تشهد له مثيلاً علاقات سوريا مع أي بلد آخر في العقدين الماضيين وفي عام واحد.

 

فقد تضاعف عدد السياح المتبادل بين البلدين، وزاد حجم التبادل التجاري زيادة متسارعة، وكذلك حجم الاستثمارات، وفتحت منافذ حدود برية جديدة، وتم تفعيل منافذ قائمة سابقاً، وزاد عدد رحلات الطيران، وألغيت سمات الدخول بين البلدين، وأصبحت الزيارات المتبادلة لسكانهما أمراً ميسوراً. وأقيمت الأسابيع الثقافية والندوات «التاريخية» في كل منهما، وكتب الكتاب مذكرين بالعلاقات التاريخية، وطالب بعض «المثقفين» بإعادة دراسة هذه العلاقات بين البلدين في العهد العثماني، والسعي لكتابة تاريخ جديد عن ذاك العهد، وحاول بعضهم تبرير الاستبداد العثماني السلطاني، ونادى البعض الآخر بتبرئة السلطان عبد الحميد الثاني نفسه من الاستبداد والجرائم التي ارتكبها نظامه في حق العرب والأتراك على حد سواء.

 

وعلى النطاق السياسي الراهن، ما زالت السياسة السورية تنوه بأهمية الدور التركي الإقليمي، وتسهل القيام به وإنجاحه، وتصر على أولوية الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، والرعاية التركية للمفاوضات السورية  الإسرائيلية غير المباشرة. وشكل البلدان مجلساً أعلى لدراسة القضايا الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك، والإشراف على حسن تنفيذ الاتفاقات والمواثيق، وتبادل المسؤولون في البلدين الزيارات على مستوى الرؤساء ورؤساء الوزارات، إضافة إلى الوفود ورجال المال والأعمال، وأسست غرف تجارية وصناعية مشتركة وتم توقيع (51) اتفاقية ووثيقة تصاريح نوايا ومذكرات تفاهم، وكل هذا في العام (2010).

 

قبل عشرة أيام زار رئيس الوزراء السوري أنقرة ووقع (11) وثيقة جديدة، تضمنت اتفاقيات للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والخدمات الاجتماعية ورعاية الأطفال، وأربع مذكرات تفاهم في مجال توليد الكهرباء وتوزيعها، والطاقات المتجددة، واتفاقات أخرى في مجال تطوير عمل المصالح والسجلات العقارية، والتعاون بين مجلس النقد والتسليف التركي والمصرف المركزي السوري، وفتح فرع لبنك تركي في سوريا، وتمويل مشاريع تنموية بمبلغ (250) مليون دولار، واتفاقية تعاون في مجال حماية البيئة، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الإسكان، وربط شبكة الغاز الطبيعي بين البلدين، وفتح منافذ حدودية جديدة. والأهم من هذه الاتفاقيات والوثائق جميعها، هو الاتفاق على وضع حجر الأساس ل «سد الصداقة» على نهر العاصي، ذلك أن بناء سد للنفع المشترك على هذا النهر، يتجاوز الجانب الاقتصادي ليطاول الجانب السياسي والتاريخي.

 

إن تطور العلاقات غير المسبوق هذا، والمملوء بالإيجابيات والنشاطات في كل جانب واتجاه، والذي بدأ قبل بضع سنوات، وكانت اتفاقات هذا العام تتويجاً له، شمل جميع جوانب العلاقات، لكنه تجاهل أمرين تجاهلاً ملحوظاً، واهتم بأمرين آخرين اهتماماً خاصاً. وكان التجاهل والاهتمام كلاهما لصالح تركيا.

 

فما تجاهلته الاتفاقات أو جهلته أو سكتت عنه ولم تصر على تغييره، هو عدم الإقرار التركي بأن نهر الفرات نهر دولي، فما زالت تركيا حتى الآن تعتبره نهراً تركياً محلياً، وهذا ينعكس على توزيع مياه النهر بين تركيا وسوريا والعراق. والفرق كبير جداً بين الحصص إذا كان النهر نهراً دولياً أو محلياً. ولذلك تحدد تركيا وحدها الآن كمية المياه التي تجري فيه، والكمية الذاهبة إلى سوريا والعراق (أي تحدد لوحدها حصة كل من البلدين)، وتصر على ذلك لئلا يطبق القانون الدولي على توزيع مياهه، وتسمح الآن بتمرير 500م3 في الثانية فقط في هذا النهر، وقد بنت عليه سدوداً مثل «سد أتاتورك»، يمكنها أن تخزن كامل مياهه. والأمر الثاني الذي تم تجاهل حله وما زال معلقاً، هو أملاك السوريين على طول الحدود السورية التركية من الجانب التركي، والتي تتصرف فيها الحكومة التركية منذ انهيار الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

 

أما الأمران اللذان تم الاهتمام بهما، فهما اتفاقية التعاون في مجال الإرهاب، أي مشاركة سوريا في ملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي، الذي تعتبره الحكومة التركية حزباً إرهابياً، وتقدم سوريا بذلك مساعدة لتركيا. ومن البديهي أن هذا التعاون هام جداً للسياسة التركية. والأمر الثاني شديد الأهمية، هو الاتفاق على وضع حجر الأساس ل «سد الصداقة» على نهر العاصي، فمن المعلوم أن نهر العاضي نهر سوري ينبع من سلسلة جبال لبنان الشرقية، ويجتاز سوريا في اتجاه الشمال ليصب على ساحل محافظة اسكندرون، وكانت الحكومات السورية المتعاقبة ترفض أي تعاون مع تركيا يتعلق بهذا النهر، لأن تدويل النهر سيعني الاعتراف بأن اسكندرون أرض تركية، ومجرد قبول وضع حجر الأساس على هذا النهر لبناء سد يستفيد منه الطرفان، يعني اعترافاً سورياً بتتريك الاسكندرون، وهذا الأمر كان معلقاً (ومرفوضاً من سوريا) منذ عام 1939 أيام قام الانتداب الفرنسي بضمه إلى تركيا، وحتى الآن. وقد يشكل اعتبار العاصي نهرا دولياً سابقة تستفيد منها إسرائيل في مطالبتها باعتبار نهر اليرموك نهراً دولياً أيضاً، وهذا ما رفضته سوريا دائماً وما زالت ترفضه.

 

لقد بلغت العلاقات بين سوريا وتركيا أبعاداً كبيرة جداً، عمقاً واتساعاً، وأسست لتعاون في مختلف المجالات يصعب فصمه، ولا شك أن مجالات التعاون هذه وتطبيقاتها التي ربما كانت تتجاوز حتى ضرورات الجوار، ستكون لها تأثيرات على علاقاتهما المستقبلية، وعلى الاستراتيجية الإقليمية لكل منهما.

=======================

مهمات أميركا الخاسرة

ويليام فاف (محلل سياسي أميركي)

 «تريبيون ميديا سيرفيس»

الرأي الاردنية

1-1-2011

لقد أصبح ممكناً التفكير في أنه قد حان الوقت لإعلان وقف تلك الحملة الأميركية الواسعة التي هدفت إلى تشكيل واقع سياسي جديد في كل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وإلحاق هزيمة عسكرية ساحقة بحركة «طالبان»، والقضاء على التطرف وإلقاء القبض على بن لادن أو قتله، ثم بناء عالم رأسمالي جديد يشع بالديمقراطية وقيم الحرية في مجتمعات المنطقتين المذكورتين.

 وقرب الإعلان عن وقف هذه الحملة، ربما يأتي سريعاً ومفاجئاً على نحو لم يكن المرء يتصوره مطلقاً.

والحقيقة أن هذه الحملة قد فشلت عمليّاً، فهي تتراجع كل يوم بدلاً من أن تتقدم. وهذا ما يؤكده واقع العراق بما يسوده من فوضى سياسية وانقسامات طائفية وعرقية، على رغم تحريره من شمولية النظام السابق من قبل الولايات المتحدة، بتكلفة باهظة جدّاً تجاوز فيها الضحايا من القتلى المدنيين مئة ألف قتيل، وتشريد نحو مليوني مواطن من العراق، جراء العنف والاضطرابات الأمنية التي زعزعت حياتهم.

وحسب ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» فربما تطالب القوى المعارضة لحكومة المالكي، بانسحاب كامل للقوات الأميركية، لوضع حد لما يوصف بالانتشار الدائم للقوات الأميركية هناك.

وفي منتصف شهر ديسمبر الجاري أعلنت إدارة أوباما عن نتائج مراجعتها لسياسات أفغانستان، وهي المراجعة التي أجريت بهدف تشذيب وضبط استراتيجية واسعة للفوز بالحرب. ولكن لم يُجرِ واضعو التقرير أية تغييرات جوهرية على البرنامج الأميركي المتمثل في استراتيجية الحرب، بينما أشاروا إلى أن الحرب الدائرة على مقاتلي «طالبان» تحقق نجاحاً نسبيّاً في بعض الجوانب، وتسير على نحو أسوأ في جوانب أخرى.

 كما ذكر تقرير المراجعة أن العلاقات مع باكستان تسير نحو الأسوأ. وفي الوقت نفسه تقريباً، صدر تقرير «التقويم الاستخباري القومي» وجاء فيه أن الوكالات الاستخبارية القومية جميعها تتفق على خسارة أميركا لحربها في أفغانستان.

ومن جانبها أكدت واشنطن عزمها على سحب قواتها من هناك، اعتباراً من شهر يوليو المقبل، ما يشير إلى نيتها «فتنمة» الحرب، أي أن تترك للأفغان تولي شؤونهم الأمنية بأنفسهم، مثلما فعلت سابقاً في فيتنام.

وعلى أية حال، فإن هذا مطلب كانت قد طالبت به سلفاً نسبة تزيد على 50 في المئة من المواطنين الأميركيين.

 وحسب نتائج استطلاع رأي عام أجرته صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً، فإن نسبة 60 من الأميركيين على الأقل ترى ألا طائل من الحرب، وأنها لا تستحق الاستمرار فيها.

وهناك من يشير إلى أن واشنطن ستلقي بمسؤولية عودة حركة «طالبان» إلى السلطة مجدداً في كابول -عقب انسحاب القوات الأميركية- على حكومة كرزاي، نظراً لعدم كفاءتها وانتشار ممارسات الفساد بين بعض أعضائها.

وفي واشنطن نفسها، هناك من ينوي القول بحلول شهر يوليو المقبل، إن أوباما قد طبق ما أوصى به الخبراء، غير أن تلك التوصيات قد فشلت عمليّاً. والحقيقة أن الفاشل هنا ليس أوباما، وإنما سياسات الجنرال بترايوس، وكذلك سياسات إجماع الرأي في واشنطن. ولو كان لأوباما ما يكفي من الإرادة السياسية، لغسل يديه تماماً من الحربين اللتين استمرتا في ولايته، وبذالك يكون قد حل مشكلة عجز الموازنة الفيدرالية بضربة واحدة، وكسب عقول وقلوب الأميركيين في حملة انتخابية رئاسية ثانية.

 ولكن لم يعد مرجحاً الوصول الآن إلى نهايات سعيدة كهذه. ف»البنتاجون» وصناع السياسات الخارجية في واشنطن يصرون على مواصلة أميركا لجهودها الحربية بهدف السيطرة الدائمة على المنطقة بأسرها.

ولا تزال تسود في واشنطن ذات الذهنية المنادية ببناء الديمقراطية «وبناء الأمم» -وهي الذهنية التي انطلقت في عهد الرئيس «الديمقراطي» الأسبق كلينتون، ثم تواصلت عقب هجمات 11 سبتمبر في عهد بوش.

 ويسري تأثير هذه الذهنية حتى في أوساط أكثر واضعي سياسات واشنطن الخارجية واقعيةً.

ومما يذكر في هذا المقام أن «جون ميرشايمر» -الأستاذ بجامعة شيكاغو- قد كتب مقالاً تحليليّاً رئيسيّاً نشر في العدد الأخير من مجلة «ذي ناشونال إنترست». وفيه قدم نقداً ممتازاً للكيفية التي أقحمت بها أميركا نفسها في هذا المأزق الآسيوي الخطير. ويمضي قائلاً: «إنه لا سبيل لواشنطن سوى مواصلة هيمنتها المستمرة على آسيا، منعاً لحلول أي منافس آخر لها في محلها». والمقصود بهذا المنافس الدولي هو الصين. ويستطرد الكاتب مؤكداً أنه: «ليس ثمة قائد أميركي واحد يقبل بتحويل الصين لجهودها الاقتصادية إلى جهود عسكرية بهدف فرض هيمنتها على منطقة شمال شرقي آسيا»، ليستنتج أن على واشنطن تبني سياسات تسمح بوجود قواتها العسكرية بعيدة عن أفق شرقي آسيا، ولكن بشرط أن تكون القوات على أتم الاستعداد للتدخل في أي وقت ضد الصين.

وفي رأيي الشخصي أن في هذا القول تهويلاً كبيراً للطموحات الصينية. كما أن فيه تبسيطاً شديداً لما يعتقد بقدرة الصين على تحويل قوتها الاقتصادية إلى قوة عسكرية بين عشية وضحاها، مع العلم أن الاقتصاد الصيني لا يزال تابعاً للاقتصادين الأميركي والأوروبي، وأن الصين لا تزال تعتمد على التكنولوجيا الخارجية.

 ففي ظل شروط كهذه، كيف لنا أن نتصور قدرة الصين على تحويل قوتها الاقتصادية إلى عملاق عسكري، سرعان ما يبسط هيمنته على القارة الآسيوية، ويناطح الجبروت العسكري الأميركي؟ فليس ثمة «واقعية» في سياسات واشنطن الخارجية، ولا في تهويل الدور الصيني.

=======================

الموقف الأميركي من تجميد الاستيطان

د. هايل ودعان الدعجة

الرأي الاردنية

1-1-2011

يخشى المراقبون ان يكون التغيير الذي طرأ على موقف الولايات المتحدة من عملية السلام مؤخرا، وتخليها عن مطالبة اسرائيل بتجميد الاستيطان مدة ثلاثة اشهر كشرط من شروط استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، بمثابة تراجع او اعادة ترتيب اوراق سياسية من قبل الادارة الاميركية في كيفية التعاطي المستقبلي مع المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين  والإسرائيليين على خلفية النتائج التي تمخضت عنها انتخابات الكونجرس النصفية التي شهدت انتصارا لافتا للحزب الجمهوري، بفعل تأثير اللوبي الاسرائيلي ودوره في قلب الموازين الانتخابية الاميركية حسب ما يعتقد على خلفية الموقف الاميركي من مفاوضات السلام التي احتلت الاولوية على اجندة ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما. ما يضع الامور امام احتمال ان تكون هذه النتائج قد بعثت باشارة الى الرئيس اوباما وادارته وحزبه الديمقراطي عن صورة النتائج التي يمكن ان تكون عليها الانتخابات الرئاسية القادمة. الامر الذي من شأنه اثارة الشكوك حول مدى جدية الولايات المتحدة وحياديتها وقدرتها على قيادة المساعي والجهود السلمية. وما من شك ان مثل هذا الانطباع او الجو العام الذي يغلف موضوع السلام من شأنه ان يمنح الجانب الاسرائيلي فرص اكثر نحو التهرب من استحقاقات السلام، ويدخل المفاوضات في نفق مظلم لا احد يعرف مداه. عدا عن الحرج الكبير الذي بدأت تشعر به الادارة الاميركية جراء فشلها في اقناع طفلها الاسرائيلي المدلل في اتباع تعليماتها وتوصياتها، المعززة باغراءات وامتيازات امنية وعسكرية بمليارات الدولارات. ما دفع توماس فريدمان الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الى التعبير عن احباطه من التصرفات الاسرائيلية بالقول، ان اسرائيل التي اعطيناها بلايين الدولارات عبر 50 عاما ودافعنا عنها دون تردد في المحافل الدولية، كان يفترض بها ان ترد ايجابيا على طلب الولايات المتحدة بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة اشهر.

 

واللافت ان الرئيس الاميركي اوباما، وبدلا من التنبه الى سلبية ما اقدم عليه بخصوص موضوع تجميد الاستيطان على صورة بلاده ومكانتها ونفوذها، وانعكاس ذلك سلبا وضعفا وتراجعا في موقف ادارته ودورها في العملية السلمية امام الرأي العام الدولي، تجده يدفع بالامور الى مزيد من الغرابة والحرج عبر الاتكاء او محاولة الضغط على الجانب الفلسطيني، وتحميله مسؤولية ما يحدث، لتبرير تعاطي ادراته السلبي مع التعنت الاسرائيلي من ملف الاستيطان. كقوله ان عمليات الاستيطان ايام الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات كانت اكبر باربع مرات، وان ذلك لم يعرقل المفاوضات. مضيفا بانه لم يكن للجانب الفلسطيني في السابق مشاكل مع مواصلة الاستيطان خلال محادثات السلام. حتى انه يبدي استغرابه من قرار السلطة الوطنية الفلسطينية رفض التفاوض مع اسرائيل في حال استمرارها ببناء المستوطنات. كذلك الحال بالنسبة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون، التي ترى ان واشنطن ليس بامكانها فرض الحل. وحتى لو تمكنا  تضيف كلنتون  فاننا لن نفعل ذلك حيث ان المفاوضات هي السبيل الوحيد.

=======================

ثقافة المجالات

ديفيد بروكس

الشرق الاوسط

1-1-2011

تشجع الحياة الأكاديمية على التخصص والتفكير التقني، لكن هناك بعض الحقول الأكاديمية التي يكون فيها هذا الأمر أكثر من مجرد فلسفة. لكن الحقل الذي ينبغي أن يكون محل اهتمام كل فرد غالبا ما يكون هو الأمر الأكثر غموضا.

لكن الفلاسفة الشجعان، أحيانا، يقفزون خارج مساراتهم المهنية ليضيئوا مشاعل النور إلى عدد أكبر من الجماهير. وقد فعل هيوبرت دريفوس، من جامعة بيركلي، وشون كيلي دورانس، من جامعة هارفارد، هذا للتو، من خلال كتابهما الجديد «كل الأشياء لها بريق». وأخذ كل من دريفوس وكيلي جولة ذكية وواسعة عبر تاريخ الفلسفة الغربية. وتكمن أهمية كتابهما في الطريقة التي يضيء بها حياة اليوم وللنصيحة المثيرة للجدل حول كيف يمكن أن نحيا هذه الحياة.

وقد بدأ دريفوس وكيلي كتابهما بفكرة فيكو القديمة في أن كل عصر له عدساته الخاصة التي يرى الناس من خلالها هذا العالم. وفي العصور الوسطى، على سبيل المثال «كان كل ما في وسع الناس هو النظر إلى أنفسهم على أنهم محددون أو مخلوقون بواسطة الله». ويبدو أنهم كانوا يفترضون أن قدر الله يتحكم في جميع جوانب حياتهم بالطريقة نفسها التي تتحكم في قوانين الفيزياء في الكون.

وخلال القرون الماضية، عشنا في عصر العلمانية، وهذا لا يعني أن الناس لم يكونوا متدينين، بل إنه لم تكن هناك مجموعة مشتركة من القيم نقوم بقبول حقائقها غير قابلة للاختبار. وفي عالمنا الحالي، فإنه على الأفراد أن يصنعوا - أو يعثروا على - فهمهم الخاص.

وقد أدى افتراض دريفوس وكيلي هذا إلى حزن واسع الانتشار؛ لأن الأفراد عادة ما يكونون غير قادرين على صنع حياتهم من الألف إلى الياء؛ لذلك فإن الحياة الحديثة مليئة بمشاعر التردد والقلق. والناس غالبا ما يفتقدون الأسس التي يعتمدون عليها في اتخاذ قراراتهم الأكثر أهمية.

ويعاني دريفوس وكيلي ضيق الأفق المعتاد بين كامبريدج/ بيركلي. ويفترضان أنه لم يعد هناك من يعتقد الآن في الحقيقة الخالدة. ويكتبون وكأن أفضل من يعبر عن كل المشكلات الأخلاقية للولايات المتحدة هو الروائي ديفيد فوستر والاس. ولكنهما يشيران إلى شيء مهم عندما يقومان بوصف الطريقة - أكثر بكثير مما كانت عليه في العصور الماضية - التي نهضت بها الرياضة لملء الفراغ الروحي.

على الرغم من عدم استقرارهم روحيا، فإن الكثير من الناس يشعرون بسعادة كبيرة خلال اللحظات السحرية التي توفرها لهم الرياضة في كثير من الأحيان. ووصف كل من دريفوس وكيلي الحالة المزاجية والسعادة التي اجتاحت حشدا في استاد يانكي عندما ألقى لو جيهريج - الرجل الأكثر حظا على قيد الحياة - كلمته، أو الفرحة التي اجتاحت الحشود في استاد ويمبلدون عندما أنهى روجيه فيدرر واحدة من أعظم مبارياته.

وكتبا قائلين: إن أكثر الأشياء الحقيقية في الحياة تلك التي تأخذنا أكثر بشكل جيد. ويطلقان على هذه التجربة «السعادة». إننا نصل إلى حالة «السعادة» في الساحة الرياضية، في الاجتماعات السياسية الحاشدة أو حتى في لحظات سحرية من السعادة أثناء العمل أو السير عبر الطبيعة.

ويقول دريفوس وكيلي: إنه يجب أن يكون لدينا الشجاعة لا لنبحث عن بعض التفسير الوحدوي والاستبدادية للكون، بدلا من ذلك، ينبغي أن نعيش مدركين على السطح، ونقبل لحظات السعادة التي يمكن أن نشعر بها مثلا، أثناء حفل موسيقي أو أثناء المشاركة في نشاط هادف مثل صنع فنجان رائع من القهوة.

وعلينا ألا نتوقع أن تجمع هذه التجارب لتشكل «معنى متكاملا للحياة». وخبرات السعادة جماعية وغير متوافقة. وينبغي لنا أن نرسخ بدلا من ذلك روح الامتنان والإعجاب بالأمور الكثيرة الرائعة التي يمنحها لنا الكون.

ولست متأكدا من أن هذه الطريقة في الحياة ستكون مرضية لمعظم القراء. معظم الناس لديهم شعور قوي بوجود كائن أسمى فوقنا، ترتبط به الحقائق الأبدية، على الرغم من أنهما، دريفوس وكيلي، لا يعطياننا أساسا مقنعا نستطيع من خلاله التمييز بين حالة السعادة التي يشعر بها من يشارك في تظاهرة لنشطاء الحقوق المدنية وتلك التي كان يشعر بها المشاركون في تظاهرات النازية.

وربما يسهم دريفوس وكيلي في قلب أسلوب نظرتنا للعالم.. إن هناك روايات رسمية نتناقلها حول ثقافتنا، وتدور حول أن كل فرد هو ربان سفينته. لكن على الصعيد العملي، طوعا أو كرها، نعيش على نحو يتعارض مع هذه الرؤية الرسمية. وتتسم أنشط مؤسساتنا بطابع جماعي، ليست فردية أو دينية. وهي تسهم في خلق الانسياب الجماعي وبناء منشآت مثل استاد رياضي ومسرح موسيقي وتنظيم مسيرة سياسية ومسرح ومتحف ومطعم بارز. حتى الكنيسة غالبا ما تتعلق بالانسياب الجماعي أكثر من ارتباطها بالفكر الديني.

والملاحظ أن النشاطات التي تقابَل بالرفض باعتبارها مجرد تشتيت للانتباه هي في حقيقتها المحور المركزي. إن الحياة الحقيقية تدور في معظمها حول سلسلة من موجات الانسياب، وليس حول معنى واحد متناغم.

وبإمكاننا إما التمرد ضد هذا الجنوح السطحي، وإما أن نفعل مثل دريفوس وكيلي ونسير مع التيار، معترفين بحقيقة أن الحياة المستقلة أمر مستحيل، والتحول لمشاركين حساسين في موجات الانسياب الجماعي التي توفرها الحياة. ويوضح هذا الاختيارات القائمة أمامنا.

إن هذا الكتاب يحمل رفضا للفردية المفرطة التي سادت العقود الكثيرة الماضية، ويؤكد الحرية الروحانية. إنه مبشر بفلسفات المستقبل. إن ثقافتنا تحددها مجالات ومناطق، ولم تصل هذه الفكرة بعدُ لأسلوب تصورنا لأنفسنا.

======================

كوت ديفوار نموذج لأزمة الحكم داخل أفريقيا

جينداي فريزر ونيكولاس برغروين

الشرق الاوسط

1-1-2011

يمثل رئيس كوت ديفوار لوران غباغبو الصورة النمطية للزعيم الأفريقي المتمسك بالسلطة، والبعيد عن مواطنيه، والمتجاهل لإرادتهم التي عبروا عنها.

وتأتي هذه الدراما في صورة صراع شخصي على السلطة بين غباغبو، الذي لم ينتخب بصورة سليمة، ولكنه يحكم كوت ديفوار منذ 10 أعوام بعد انتخابات معيبة في عام 2000، والحسن واتارا، المرشح الرئاسي الذي اختاره 54% من الناخبين الإيفواريين من خلال انتخابات إعادة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) ليكون الرئيس المقبل للدولة. وقد اتخذ العالم قرارا صائبا بالوقوف إلى جانب اختيار الشعب. ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وفرنسا غباغبو إلى نقل السلطة إلى واتارا.

ولكن هذا التركيز على العيوب الشخصية للزعماء يخفي المشكلة الأكبر المتمثلة في انفصال جذري بين المؤسسات السياسية الحديثة داخل أفريقيا وتجمعاتها الإثنية ومؤسساتها العرفية. ويعد هذا الانفصال، الذي يتبدى داخل كوت ديفوار، لب أزمة الحكم داخل القارة الأفريقية. وتمثل الدول الأفريقية المعاصرة هجينا ضعيف الأداء يضم عادات وثقافات محلية امتزجت بنماذج عربية وأوروبية للحكم وصلت من خلال الغزو والاستعمار والهجرة.

وبدلا من مجرد السعي من أجل حلول على المدى القصير إثر التداعيات العنيفة للانتخابات، ربما يكون معقولا بدرجة أكبر البحث عن وسائل لمنع أزمات مستقبلية متأصلة في نظم سياسية عاجزة عن العمل داخل أفريقيا.

وتظهر الأزمة الراهنة داخل كوت ديفوار هوة عميقة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي، وفاقم الوضع توترات إثنية - نتيجة لحدود استعمارية رسمت من دون الوضع في الاعتبار تكامل التجمعات الإثنية الأفريقية. ومنذ أن قسمت حدود كوت ديفوار مجموعات إثنية رئيسية لها وجود هام في الدول المجاورة، أصبحت كل أزمة داخلية بمثابة أزمة إقليمية.

وانتهز سياسيون التقسيمات عبر الدول لديهم رغبة في استغلال التعصب الإثني والشيفونية الإقليمية من أجل الوصول إلى السلطة. وعلى سبيل المثال، منع قائد الانقلاب الجنرال روبرت جوي واتارا من خوض انتخابات 2000 اعتمادا على قوانين مواطنة إيفوارية إقصائية كانت تهدف إلى منع الشماليين من حق الانتخاب على اعتبار الأصل الأجنبي.

وإذا تمكن واتارا من الوصول إلى سدة الحكم، وهذا أمر محتمل، فإن التحدي الأكبر الماثل أمامه يتمثل في إعادة توحيد دولة لا تزال منقسمة على نفسها بسبب إرث حرب أهلية تعود إلى 2002. ويعني ذلك تناول الهوية الوطنية وقضايا مواطنة وإصلاح لوائح ملكية الأراضي، وتقليل بعض سلطات الرئاسة من أجل إيجاد حكومة أكثر تمثيلا وشمولا.

وبالنسبة إلى كوت ديفوار، كما هو الحال داخل أي مكان آخر، من المهم بصورة خاصة أن يخلق هذا التحول المزيد من الروابط مع شرائح كبرى من سكان تحكم حياتهم اليومية مؤسسات عرفية أفريقية.

وما ينطبق على كوت ديفوار، ينطبق على الكثير من الدول الأخرى. ومع عملية إعادة المؤسسات الحاكمة داخل أفريقية يجب أن تضع في الاعتبار أولويات أربع جميعها ينطبق على كوت ديفوار:

أولا: يجب استبدال العرف السياسي الأفريقي المعتمد على «كبير القوم» من خلال قوانين جديدة وترتيبات تحقق توازنا للقوة بصورة أفضل بين مؤسسات حكومية مستقلة، وذلك بهدف تحقيق مساءلة حقيقية. وينص دستور الجمهورية الثانية (2000) داخل كوت ديفوار على رئاسة قوية في إطار فصل بين السلطات، ولكن يسيطر الرئيس على النظام السياسي، كما هو الحال داخل معظم الدول الأفريقية.

وداخل كوت ديفوار تقوم الجمعية الوطنية المكونة من غرفة واحدة والتي يبلغ عدد أعضائها 225 عضوا بتمرير تشريعات يقدمها الرئيس، وتتصرف في الأغلب بصورة حزبية، وتوافق بلا تدبر على ما تطلبه الرئاسة. وتواجه الدولة مشكلة تمزق، وهي كبيرة بالدرجة التي تدفع إلى التفكير في إصلاحات دستورية بهدف إيجاد برلمان من غرفتين به غرفة دنيا منتخبة ويضاف إليها غرفة عليا للهيئات العرفية والمواطنين البارزين الذين يمثلون المصالح الأوسع للمجتمع، وتكون بمثابة عنصر استقرار يساعد على المضي قدما فيما يتعلق بالوحدة الوطنية.

ويعد تقوية الجناحين التشريعي والقضائي داخل الحكومة مدخلا إلى تحقيق توازن في السلطة، وسيخلق مقدارا أكبر من المحاسبة وبهذا يكفل انسجاما وطنيا أكبر.

ثانيا: يجب توزيع السلطة والثروة على مختلف أنحاء المجتمع لجعل الحكومة أقرب من المواطنين، فالسلطة داخل أفريقيا لا تتركز فقط في مكتب الرئيس، ولكن داخل المدينة العاصمة أيضا. ويعد توزيع الموارد والسلطات على المستوى الوطني من المركز إلى الهيئات الإدارية والمنتخبة المحلية عنصرا هاما من أجل الحد من الفساد والتأكيد على توفير الخدمات بصورة فعالة.

وقد يساعد إشراك الهيئات العرفية بهذه الطريقة على تعزيز الشرعية وزيادة الوجود الحكومي على مستوى القرى. وسوف يعزز التركيز على التنمية الريفية، ولا سيما الاستثمار داخل القطاع الزراعي، هذا التحول في السلطة، حيث يوجد بالقطاع الزراعي ما يصل إلى 70% من السكان النشطين اقتصاديا داخل أفريقيا.

وتعد كوت ديفوار المنتج الرئيسي للكاكاو في العالم، ويمثل القطاع الزراعي 24% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشارك نسبة تتراوح بين 60 - 70% من الإيفواريين في شكل من أشكال النشاط الزراعي.

ثالثا: يمثل التعليم والتدريب على المهارات من أجل بناء المستقبل اعتمادا على ناخبين ممكنين وعلى دارية شيئا هاما. ويحظى ذلك بأهمية خاصة داخل كوت ديفوار، حيث ستواجه الحكومة الجديدة تحدي العثور على منافذ منتجة لمسلحين سابقين وميليشيات جرى تفكيكها حتى لا يصبحوا عناصر تستخدم في أي دورة أخرى من اللغط السياسي الذي أثير لأول مرة مع وفاة الرئيس فيليكس هوفويه بوانييه عام 1993.

وأخيرا، الانضباط والانسجام المجتمعي بدرجة أكبر هو الحل الوحيد لخلافات قائمة منذ وقت طويل فاقمها سياسيون أفارقة يعبئون تجمعات إثنية من خلال سيناريوهات لا تقبل سوى تنفيذ كافة المطالب بهدف الاستحواذ على السلطة. ومن الواضح أن ذلك سيستغرق وقتا، حيث إن هذه الممارسة السياسية متأصلة داخل دولة مثل كوت ديفوار، فقد كان الرئيس الثاني هنري بيدي يشعر برهاب الأجانب إزاء الشماليين المسلمين، ولذا منع منافسه الحسن واتارا عام 1995 قبل الإطاحة ببيدي نفسه من خلال انقلاب نفذه الجنرال جوي عام 1999. لقد أشعل بيدي عود ثقاب ما زال يحرق الإيفواريين حتى وقتنا الحالي. ويجب على واتارا البدء من خلال الترويج والدعوة إلى مصالحة وطنية ومشاركة الجميع.

وعلى ضوء التحديات التي تواجهها أفريقيا، ليس مدهشا أن ينظر الكثير من الزعماء اليوم إلى الشرق والغرب على حد سواء من أجل نموذج للحكم، حتى في الوقت الذي يسعون خلاله إلى استعادة طرائق محلية بعينها. وعلى الرغم من أن الأفارقة سوف يستفيدون بالتأكيد من حكم القانون وحماية الحريات الفردية والفصل بين السلطات فإن الحقيقة هي أن الانتخابات التعددية لم تقدم نتائج قوية أو تحول دون وقوع العنف. وعلى ضوء ذلك، يبدو أن النموذج الصيني، بتأكيده على الانسجام الاجتماعي والاستقرار السياسي والنمو السريع، مناسب للكثيرين، ولا سيما في الوقت الذي يزداد فيه الوجود الصيني داخل القارة.

وأفضل أمل بالنسبة إلى أفريقيا هو العثور على طريق وسط للحكم شامل يعتمد على مشروعية وسائله الخاصة، ويستعير سمات من الشرق والغرب لمواجهة تحدياته. وربما يكون الحل الأفريقي صورة هجينا أخرى للحكم، ولكنها صورة وضعها الحكام أنفسهم بدلا من أن تفرض من الخارج.

جينداي فريزر: مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون أفريقيا في الفترة من 2005 حتى 2009، وأستاذ بجامعة كارنيغي ميلون.

نيكولاس برغروين: رئيس معهد نيكولاس برغروين المتخصص في دراسة أفكار جديدة للحكم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ