ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 27/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

حال الأمة .. السودان نموذجا

يوسف الحوراني

الرأي الاردنية

26-12-2010

أيام قليلة تفصل السودانيين عن انتزاع الجنوب من جسد بلدهم السودان، ففي التاسع من الشهر القادم ( كانون الثاني 2011 ) سيقرر الجنوبيون الإنفصال، والمؤشرات تؤكد هذه النزعة لديهم وهم الذين عانوا من سيطرة الشمال على كل الثروة وإهمال مدنهم وقراهم وحرمانهم من التنمية وحقوقهم الديمقراطية.

محمد حسن البشير رئيس الجمهورية السودانية، بعد أن خرجت الأمور من بين يديه مع سبق الإصرار، يحاول أن أن يخفف من ألم الشعب السوداني الذاهب الى الانفصال بعد أن كان ذا تاريخ شعب واحد، بتعبير يخلو من المسؤولية بأن ما سيجري « ليس نهاية العالم «، ومحاولا تقديم إغراءات متأخرة من أجل « الوحدة الجاذبة « بوعد بإقتسام الثروة بعد ان مارس ضدهم الحرمان.

إنفصال الجنوب السوداني عن شماله، ليست نهاية المشهد السوداني، فقد سمعنا قبل أيام تصريحات لنائب والي اقليم كردفان عبد العزيز الحلو الداعية للإنفصال وكذلك فعل حاكم إقليم النيل الأبيض الذي طالب بإنفصال إقليمه عن السودان، ناهيك عن رغبة الأحزاب والقوى السياسية في دارفور بإتخاذ مثل هذه الخطوة.

يرى نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، بعد فوات الآوان، أن مخاطر انفصال جنوب السودان تؤدي إلى « تمزيق هذا البلد وقطع أوصاله وفتح الأبواب للتدخل الخارجي الواسع»، مؤكدا على وجود مخطط لتقسيم السودان إلى أربع دويلات، فيما اتهمت بعض الأطراف السياسية السودانية المؤتمر الوطني الحاك والحركة الشعبية في الجنوب سعيهما الى تقسيم السودان الى تجمعات قبلية واثنية.

الولايات المتحدة الأمريكية ، صاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي لم يبدأ مع غزو العراق، والممتد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية مع مخطط سايس – بيكو وبداية تشكل الأحلاف في المنطقة، سعت الى تفتيت المنطقة كخطوة لإضعاف أي طموح في بناء منظومة عربية موحدة أو متحدة يمكن أن تشكل قوة حقيقة في مواجهة إسرائيل وحماية الثروات النفطية العربية من الإستنزاف والسرقة، هي ، أيضا، صاحبة مشروع « القرن الإفريقي الكبير « وكان الاهتمام الأمريكي بالسودان كجزء من المشروع قد أخذت تظهر ملامحه في عام 1995 وأصبح أحد الأهداف الإستراتجية الجيوسياسية الأمريكية في أفريقيا، ( اتذكرون تعهدات مادلين اولبريت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق بدعم إنفصال الجنوب ماديا وسياسيا أثناء زيارتها لأفريقيا في تشرين الأول عام 1999 ) حيث ظهرت جليا القيمة الإقتصادية للمنطقة بتوفر إحتياطات نفطية وثروات معدنية على جانب كبير من الأهمية ولما تتمتع به المنطقة من ثروات مائية، يمكن أن تشكل أداة ضغط على مصر وهو ما حدث مؤخرا من قبل دول منابع النيل في اجتماع كينشاسا العاصمة الكونغولية الداعي الى ضرورة حصول كل من مصر والسودان على موافقة هذه الدول على أية مشاريع تقام على النهر.

الحديث عن حال الأمة كالحديث عن حادث مروع تطايرت فيه أشلاء العشرات نتيجة لتهور السائق أو لسوء تقديره لحالة الطريق أو لعدم قدرته على القيادة الواعية والذكية، والدائرة المتوترة والحافلة بالمشاكل التي تبدأ بفلسطين الى العراق فاليمن والى السودان ولا تنتهي بلبنان، تظهر أن حال الأمة في أسوأ أوضاعها، والنظام الرسمي العربي يعاني من فداحة الإنهيار السياسي، وغير قادر على حل مشكلاته الداخلية وفيما بينه، ولم يعد قادرا الإرتقاء الى مستوى التحديات المصيرية التي تواجهه وقد تخلى عن استخدام كل الأوراق التي يملكها وتوظيفها لمواجهة هذه التحديات، وبدا كعاجز منكفأ نحو ذاته قطريا، ومستسلما لواقع التشرذم والتفكك وإدارة الظهر كليا لما يجري حوله ومتخليا عن أن يكون فاعلا في إطاره الإقليمي.

============================

بين حكومة انتعاش الأمل في العراق... ومسار الأفق المسدود في الشرق الأوسط!

إعداد: حسن ولد المختار

الاتحاد

26-12-2010

الآمال المعلقة على الحكومة العراقية الجديدة، وتراجع فرص اجتراح تسوية في الشرق الأوسط، وانتصار أوباما السياسي بالتصديق على اتفاقية "ستارت الجديدة"، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

أمل في العراق

علقت افتتاحية لصحيفة لوموند على انتعاش الآمال في بغداد بعد تشكيل الحكومة العراقية هذا الأسبوع، ونيلها مصادقة البرلمان، مشيرة إلى أن الوقت ما زال مبكراً، مع ذلك، للقول إن بلاد الرافدين قد تجاوزت بالفعل الأزمة السياسية المزمنة التي ارتمت فيها، والمخاض العسير الذي عرفته طيلة التسعة أشهر الماضية، أي منذ استحقاق الانتخابات التشريعية. وخلال تلك الأشهر التسعة ظل العراق مسرحاً محتدماً للتجاذبات الداخلية بين الكتل السياسية، والضغوط الإقليمية والدولية، على نحو أنهك هذا البلد الخارج من ست سنوات من الحرب الأهلية، والمتميز بشدة تنوع واختلاف مصالح واستقطابات مكوناته السكانية بما يجعل التوفيق بينها أمراً بالغ الصعوبة. فهنالك الاستقطاب وخطوط الصدع الغائرة مذهبيّاً وعرقيّاً، بين الشيعة والسنة العرب، وهنالك استقطاب إثني بين العرب والأكراد. وهنالك التأثيرات الإقليمية. وفوق هذا لم تتكشف انتخابات مارس الماضي نفسها عن أغلبية واضحة. بل كرست عمليّاً ظهور كتلتين كبيرتين: من جهة تحالف شيعي يقوده رئيس الوزراء المالكي، ومن جهة أخرى قائمة "العراقية" العلمانية التي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ويدعمها السنة. وبعد طول مخاض واصطفافات ماراثونية، تمكن المالكي أخيراً من الاحتفاظ بمنصبه على رأس الحكومة مع عملية إشراك موسعة للقائمة "العراقية"، لينتهي كل ذلك بتشكيل حكومة تعتبر في نظر المراقبين تشكيلة "وحدة وطنية". ولكن على رغم ذلك تشكلت هذه الحكومة وهي ناقصة العدد حيث بقيت حقائب مهمة معلقة، كما أن التوافق الذي بنيت عليه يبقى هشاً أيضاً. وأكثر من هذا أن احتفاظ المالكي بمنصبه إنما تم التوافق عليه باعتبار أن علاوي سيتولى منصباً مستحدثاً هو رئاسة "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية"، ولكن لا أحد حتى الآن يعرف على وجه الضبط الدور المنوط بهذه الهيئة الجديدة، وإن كان السنة عموماً يؤكدون أنها ستكون جهة تنفيذية مخولة باتخاذ القرارات، في حين أن الشيعة يؤكدون أن سلطتها ستكون استشارية، فقط لا أكثر. وتمضي لوموند في افتتاحيتها مؤكدة أن بقاء المالكي، الشيعي، على رأس الحكومة، والطالباني، الكردي، في رئاسة الجمهورية، وأسامة النجيفي، السني، في رئاسة البرلمان، إنما يؤكد تمكن العراق من تكريس اقتسام موسع للسلطة بين شرائحه السكانية الثلاث الكبرى. وكان الرئيس الأميركي قد هنأ نفسه على النجاح المتحقق في العراق، بمناسبة تشكيل حكومة المالكي ومنحها الثقة، معتبراً أن ذلك يشكل عمليّاً خطوة بالغة الأهمية على طريق استعادة الحياة طبيعيتها في بلاد الرافدين، وأن هذا الإنجاز سيساعد على تسريع وتيرة أجندة الانسحاب الأميركي، إلا أن رحيل بقية الجنود الأميركيين ال50 ألفاً الباقين حتى الآن في العراق يتوقع ألا يكتمل قبل نهاية العام المقبل 2011. وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالتذكير بأن العراق عانى من الحروب منذ ثلاثة عقود، وهذا ما جعل سقف الآمال المعلقة الآن على حكومة المالكي مرتفعاً، لجهة إلحاح استعادة أجواء التعايش والسلام الاجتماعي، والشروع في العمل على طريق التنمية وإعادة الإعمار.

إخفاق في الشرق الأوسط

الكاتب لوران زكيني كتب في صحيفة لوموند مقالاً تحليليّاً بعنوان "الإخفاق الأميركي يهدد أمل السلام في الشرق الأوسط"، قدم في بدايته صورة متشائمة عن فرص تحقيق السلام، واصفاً مسرح العملية الآن، بعد مرور سنتين على دخول أوباما البيت الأبيض، بأنه يشبه حقل حطام دبلوماسي حقيقي. فبعد ما أطلق أوباما بواعث أمل قوية بسبب النبرة القوية الإيجابية في خطابه بالقاهرة في يونيو 2009، أدت العراقيل والعقبات المتكاثفة لاحقاً إلى تآكل رصيده السياسي لدى الإسرائيليين، والفلسطينيين، والدول العربية. واليوم إذ يعود مبعوثه جورج ميتشل في جولة ماراثونية أخرى إلى المنطقة، إنما يفعل ذلك بروح لاعب متعب تطلب منه إعادة اللعبة المنهكة ذاتها للمرة الألف. وهو في نظر محاوريه يكرس الاعتراف بالفشل الذي توصلت إلى الاعتراف به من قبل وزير الخارجية هيلاري كلينتون في 10 ديسمبر. وحين اصطدمت التحركات الأميركية خلال الأشهر الماضية بعقبة استمرار التوسع في الاستيطان، بدت أيضاً في موقف لا يسمح لها بإقناع الطرف الفلسطيني بالتخلي عن شرط وقف الاستيطان، لأن الموقف الفلسطيني -والدولي- صلب في هذه النقطة بالذات، حيث يستحيل استمرار التفاوض من أجل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في وقت يتم فيه الاستيلاء على الأراضي التي ستقام عليها هذه الدولة المنشودة. بل إن تصريحات الوزيرة كلينتون المعارضة لأية تحركات فلسطينية من جانب واحد، خاصة فيما يتعلق بإعلان الدولة وانتزاع الاعتراف الدولي بها، أحبطت الفلسطينيين، الذين اعتبروا أنها موالية للطرف الإسرائيلي، بشكل يتعذر معه أن تتمكن من فرض تسوية للنزاع في الأفق المنظور. وفي مقابل انعدام الفاعلية الأميركية انفتحت شهية نتنياهو لقضم المزيد من الأراضي من خلال الاستمرار في الاستيطان بوتيرة محمومة، ليجد بذلك شعبيته وقد ارتفعت في استطلاعات الرأي، في صفوف شارع إسرائيلي تتغول فيه أكثر التيارات تطرفاً ويمينية، وتجتاحه تظاهرات التعصب واللاتسامح. ويتساءل الكاتب، أخيراً: إذا كانت أميركا قد أثبتت بالفعل عجزها عن لعب دور الدركي القادر على فرض السلام، فهل جاء الآن، يا ترى، دور أوروبا للتأثير بشكل أكثر فاعلية وحيوية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسهام أقوى وأنجع في جهود الدفع بالعملية السلمية؟ لعل آخر ما يستحق الذكر في هذا الصدد، يقول الكاتب، هو مطالبة 26 مسؤولاً أوروبيّاً سابقاً بضغط أوروبي على إسرائيل، بما في ذلك إعطاؤها مهلة محددة للامتثال لقرارات الأمم المتحدة، وإلا يكون من اللازم اتخاذ تدابير ضدها. ولكن هذه الشجاعة في مواجهة إسرائيل التي تنتاب المسؤولين الأوروبيين بعد مغادرة مناصبهم، ينسفها تردد القارة العجوز عموماً في خوض مثل تلك المواجهة، وفي الأذهان هنا رد فعل الاتحاد الأوروبي على استفزاز العودة إلى الاستيطان، في بيان بارد صدر يوم 13 ديسمبر الجاري، واكتفى بمجرد التعبير عن الأسف اللفظي، وبعبارات خشبية محسوبة بعناية.

"ستارت 2": انتصار لأوباما

أجمعت الصحف الفرنسية -تقريباً- على اعتبار المصادقة على اتفاقية "ستارت الجديدة" في مجلس الشيوخ الأميركي، هذا الأسبوع، انتصاراً كبيراً لأوباما في مجال السياسة الخارجية. في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن هذه المصادقة تشكل خبراً ساراً لأوباما وللعالم، وخاصة أنها جاءت في ظرف يجد الرئيس الأميركي فيه نفسه بحاجة إلى انتصار سياسي بعد صفعة الانتخابات النصفية التي تعرض فيها الحزب "الديمقراطي" لتصويت عقابي أفقده السيطرة على إحدى غرفتي الكونجرس. ومن شأن هذه المصادقة في مجلس الشيوخ أن تسهل مهمة سياسة الانخراط مع روسيا التي يتبعها أوباما، كما أنها جاءت كبادرة تعاون وتفاهم بين أوباما ومنافسيه "الجمهوريين" في الكونجرس الذين بادلهم بالموافقة على تمديد خطة بوش للتخفيض الضريبي، ومما يزيد أهمية هذه المقايضة أن أوباما يسعى إلى نوع من تكريس سياسات الثنائية الحزبية، فيما يتعلق بالديباجات الكبرى من سياساته الداخلية والخارجية. وفي الأخير اعتبر الكاتب أن ما تحقق من فتح قنوات تفاهم ثنائية الاتجاه مع "الجمهوريين" يمكن أن يحسب أيضاً ضمن إنجازات الأمين العام للبيت الأبيض الجديد "بيت روز" الذي حل في هذا المنصب بعد استقالة "رام إيمانويل". أما صحيفة ليبراسيون فقد اعتبرت أن المصادقة على "ستارت 2" بأيام قليلة قبل موعد أعياد الميلاد، شكّل هدية لا تقدر بثمن لسيد البيت الأبيض، وأكثر من ذلك أن 13 من المشرعين "الجمهوريين" صوتوا إلى جانبه، ليحقق بذلك إنجازاً مهمّاً في السياسة الخارجية، سيدعم موقفه السياسي الداخلي والخارجي معاً.

=============================

 كيف يمكن مواجهة الأزمة المالية العالمية؟

الأحد, 26 ديسيمبر 2010

السيد يسين *

الحياة

هناك إجماع بين المفكرين على مستوى العالم على أن الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية وامتدت آثارها إلى كثير من الاقتصاديات العالمية بحكم الاعتماد المتبادل الذي يميز اقتصاد العولمة هي الأخطر في تاريخ الرأسمالية الحديث.

 

وهذه الخطورة التي نجمت عن انفجار فقاعة الاقتصاد الافتراضي الذي قام على أساس المضاربات والقروض تتمثل أساساً في انهيار عشرات البنوك والشركات والمؤسسات المالية الكبرى مما اضطر الحكومة الأميركية بقرار من الرئيس أوباما إلى ضخ أكثر من 700 بليون دولار لإنقاذ هذه الشركات.

 

وهذا التدخل الحكومي الواسع المدى في الاقتصاد يشير كما عبرنا من قبل بوضوح في كتابنا «أزمة العولمة وانهيار الرأسمالية» (القاهرة: نهضة مصر، 2008) إلى أننا في الواقع نواجه ليس أزمة مالية فقط ولكن أزمة اقتصادية عنيفة. ونعني بذلك على وجه التحديد السقوط المدوي للرأسمالية المنفلتة التي دفعت إليها سياسات الليبرالية الجديدة.

 

وهذه الرأسمالية المنفلتة كانت تمنع الدولة من أي تدخل في مجال الاقتصاد على أساس النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي رافقت الرأسمالية منذ نشأتها، وهي أن السوق الذاتي التنظيم هو الذي يبنى على آلية العرض والطلب التي ستدير الحياة الاقتصادية.

 

سقط هذا النموذج، وأصبح تدخل الدولة ضرورياً لإنقاذ الاقتصاد، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ابتداع نموذج اقتصادي جديد يستطيع أن يحدد معايير تدخل الدولة في الاقتصاد، وهذه في الحقيقة هي المشكلة التي تحير علماء الاقتصاد في العالم ولم يجدوا لها حلاً حتى الآن.

 

وفي تقديرنا أنه لا يمكن تصور أي حلول للأزمة من دون رسم خريطة معرفية لملامح الاقتصاد في القرن الحادي والعشرين. وتولى كثير من الكتب المتميزة رسم هذه الملامح ولعل من أبرزها الكتاب الذي حرره كل من وليام هلال وكينيث تايلر والذي صدر عام 1999 بعنوان «اقتصاد القرن الحادي والعشرين: آفاق اقتصادية اجتماعية لعالم متغير». وصدرت للكتاب أخيراً (عام 2009) عن «المنظمة العربية للترجمة» ترجمة عربية ناصعة قام بها الدكتور حسن عبد الله بدر والدكتور عبد الوهاب حميد رشيد.

 

لو ركزنا على الفكرة المحورية التي يقوم عليها هذا الكتاب الذي حررت فصوله المتعددة مجموعة من أبرز علماء الاقتصاد لقلنا إن ثورة المعلومات الحالية من شأنها أن تخلق أنظمة جديدة للاقتصاد السياسي، تماماً كما فعلت الثورة الصناعية التي خلفت الأنظمة الاقتصادية القديمة والتي تتحول الآن لكي تصبح الأنظمة الاقتصادية الجديدة وتؤسس على أساس المعلومات من ناحية، وتسعى من ناحية أخرى إلى بناء اقتصاد المعرفة، والذي سيكون هو عماد مجتمع المعرفة الذي سيخلف مجتمع المعلومات العالمي. والفكرة الأساسية الثانية هي أن التحولات الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية العالمية تدعو إلى ضرورة إنشاء علم اقتصاد جديد قادر على التصدي للمشاكل المستحدثة في عالم سريع التغير.

 

وإذا أردنا أن نشير إلى أبرز التحولات الاقتصادية لقلنا إنها تتمثل في أن عصر العولمة أدى إلى أن تمارس الأقاليم المختلفة والصناعات المتعددة عملها في ظل اقتصاد عالمي يقوم أساساً على الاعتماد المتبادل.

 

وإذا كان الكثيرون من المفكرين الاقتصاديين يعتبرون الاعتماد المتبادل «نعمة» في ذاته نظراً للفوائد التي تترتب عليه لكل الأطراف، إلا أنه يعتبر من ناحية أخرى «نقمة» نظراً لشيوع التلوث عبر الحدود والمحيطات، والتغير المناخي العالمي وتدمير طبقة الأوزون، وانتشار أنواع متعددة من الإنفلونزا وغيرها من الأوبئة المنتقلة بين أرجاء المعمورة.

 

وحدد العالم الاقتصادي ستيرنبرغ ثمانية مفاهيم للتحول الرأسمالي أدت إلى صياغة المشهد الاقتصادي العالمي الراهن. وهذه المفاهيم تنحصر في ثمانية تحولات رئيسية.

 

المفهوم الأول، هو أن تعقيد الوضع الصناعي أدى إلى زيادة الحاجة للمعلومات ولذلك عملت النشأة والحكومات على تجهيز وتحمل مخاطرة التدفق السريع والمتزايد باستمرار للمعلومات.

 

والمفهوم الثاني، أنه في إطار المجتمع الصناعي أدركت منشآت الأعمال أنها تكسب أساساً من تشكيل رغبات المستهلكين.

 

والمفهوم الثالث، أنه في أعقاب رأسمالية صناعية وسعة التجارة الدولية تعددت العملات بجهات متعددة الجنسية وعالية. وتخلت المنظمات والأفراد عن الرؤى الضيقة الأفق بعدما توافر لها التنوع وأصبحت تشارك في ثقافات متعددة في اقتصاد عالمي.

 

والمفهوم الرابع، أن التدويل المتزايد للتجارة الذي ميز العالم الصناعي دفع لكي تفقد التنظيمات المعاني التقليدية لمبدأ فصل السلطات الحكومية والمنافسة الخاصة وظهرت صور جديدة للشراكة تهدف إلى إعادة التأكيد على الثروة الوطنية من خلال التقنية المتقدمة.

 

والمفهوم الخامس، أن المنشآت العملاقة لقطاع الأعمال اكتسبت قدرة على الحركة تتجاوز حدود البلاد وصارت تهيمن على الحكومات الوطنية والمحلية.

 

والمفهوم السادس، أن المجتمع الصناعي القديم عجل بحالة عدم اليقين إلى حد انهيار المنظمات الصناعية «الفوردية» ولذلك شكل المنظمون الأذكياء جيلاً جديداً من منشآت لها تخصصات مرنة.

 

والمفهوم السابع، أن مجتمع القرن العشرين ساعدنا بالممارسات المتنوعة التي دارت في سياقه على توسيع آفاق الشخصية الإنسانية بحيث تتجاوز أبعاداً متعددة كانت تحد من حركة الإنسان مثل الانتماء إلى طبقة اجتماعية معينة أو الاندراج تحت جنسية محددة، وتكونت ولاءات جديدة عالمية.

 

والمفهوم الثامن والأخير أن التغيرات في المجتمع الصناعي وما أدت إليه من حراك اجتماعي وثقافي واسع المدى قد مثلت تهديدات لكثير من التكوينات الاجتماعية التقليدية مثل العشائر والأعراف والأديان مما أدى إلى ردود أفعال اتسمت بتبني معتقدات أصولية متشددة.

 

في ضوء ذلك كله ينبغي التساؤل عن صورة المستقبل. وهناك اجتهادات لافتة في هذا المجال عرضها بذكاء عالم الاقتصاد وليام هلال حين تحدث عن ثلاثة أسس لصورة المستقبل الاقتصادي العالمي.

 

الأساس الأول، هو إحكام السيطرة على الطاقة الهائلة للمعرفة. ولذلك نجد في كثير من المنشآت والشركات بروزاً لإدارة جديدة هي «إدارة المعرفة» التي أصبحت أهم إدارة في أي شركة. ذلك أنه سيتوقف على مدى قدرتها استيعاب المعرفة واستهلاكها بل إنتاج المعرفة ذاتها، وقدرة الشركة على المنافسة العالمية.

 

والأساس الثاني، يتعلق بظاهرة سائدة في العالم اليوم وهي ظاهرة Complexity والتي صيغت بصددها نظريات متعددة. وهي تقوم على أساس أن النظام العالمي يتسم اليوم بعدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بأوضاعه.

 

والحل المقترح لا يقوم – كما كان الحل قديماً – من خلال التوجيه من أعلى القيادات والسيطرة، بل من خلال إعطاء الحرية التنظيمية لجماهير العاملين وشحذ قدراتهم على الإبداع.

 

والأساس الثالث والأخير هو الاعتماد على إبداع المعرفة التي تنجح في التيسير البارع لعالم معقد بصورة غير متناهية.

 

غير أن كل هذه المتطلبات مع أهميتها البالغة لا تكفي لمواجهة التحولات الاقتصادية الراهنة، لأن العالم في حاجة إلى نموذج معرفي اقتصادي جديد يبنى على أساس التراث الفكري الخصب لنخبة من كبار المفكرين الاقتصاديين الذين أغنوا القرن العشرين بإبداعاتهم العلمية.

هذا موضوع مهم يستحق أن نتابعه.

* كاتب مصري

============================

انهيار الاتحاد السوفييتي.. وتزييف التاريخ

برنارد هنري ليفي (فيلسوف فرنسي)

 «نيويورك تايمز الأميركية»

الرأي الاردنية

26-12-2010

نحن بصدد تأسيس أسطورة جديدة، تقول «بسقوط جدار برلين الذي لم يوقعه أحد»، والسبب حسب مروجي الأسطورة أنه لا أحد منا كان يعرف اللحظة نفسها التي سيتهاوى فيها الجدار ومعه منظومة بأكملها من الشمولية والقمع، ولأن كل ما جرى كان من طبائع الأمور، أو ربما لأن سلسلة الأحداث التي قادت إلى السقوط وما صاحبها من ظروف تاريخية، ساهمت في تبلورها، تبقى عصية على الفهم وغير قابلة للاستيعاب ليبقى السقوط في هذه الحالة أمراً عادياً إلى حد التفاهة.

ورغم كل ما جرى مع تلك التحولات الكبرى بما فيها ثورة إسقاط الجدار التي سارت على خطى جميع الثورات الكبرى في التاريخ، ورغم القطيعة مع وتيرة الحياة اليومية الذي أحدثه سقوط الجدار والتغيير الجوهري في مواعيدنا، يتم التعامل مع الحدث وكأنه من البديهيات، وقد ساهم في ترسيخ الفكرة حالة الارتباك الفكري وعجز البعض عن تقديم تفسير تاريخي متماسك للأحداث التي قادت إلى الثورة وسقوط جدار برلين، ولأنه على غرار باقي الثورات تجد نفسها معلقة في التاريخ باعتبارها طفرة من طفرات الطبيعة التي تتمرد على السياق العادي للأمور وتخرج عن سيرورة التاريخ وعن خطيتها المستقيمة.

 وحتى عندما تبدت المعجزة أمام أعيننا شاخصة بكل ملامحها، ورأينا شعوب الدول الصغيرة في أوروبا الشرقية تنعتق وترفع النير الثقيل من على كاهلها وتعيد كتابة التاريخ وانتزاع مصيرها من بين براثن الغطرسة والظلم، رأى البعض أن الأمر كله عادي وبديهي.

لكن أن يتمادى المراقب في خلاصته التسطيحية لحدث سقوط الاتحاد السوفييتي، وعدم إيلائه الأهمية التي يستحق، بل وإخراجه من حيز التفكير معللاً ذلك باستحالة الوقوع، فإن ذلك أمر يسيء للتاريخ.

وبعبارة أخرى إن الزعم بأن العالم لم يكن مستعداً لاستيعاب الطابع المضطرب للأحداث التي صاحبت سقوط الاتحاد السوفييتي بكل ما كان يمثله من قوة، أو التفكير في أن مجرد قيام ثورة على هذا الصعيد لم يكن ممكناً، يجافي بل يناقض الحقيقة، وهو أيضاً يخالف تجارب الأشخاص، الذين عاشوا في خضم الأحداث واستطاعوا استشراف سقوط الاتحاد السوفييتي، إما من خلال معايشتهم الشخصية التي طبعتها القسوة والألم تحت نظام شمولي، أو من خلال التفكير والتأمل الذي مارسه بعض المفكرين، وخلصوا إلى أن النهاية المستحيلة هي بالفعل قادمة وعلى مرمى البصر.

وفي هذا السياق أتذكر كُتاباً من «شالاموف» إلى «سولزينستين» تنبؤوا بانهيار الشيوعية، كما أتذكر هؤلاء الرجال والنساء المعارضين مثل «أندري أمالريك» الذي ألف عام 1970 كتاباً بعنوان واضح لا يقبل الجدل «هل سيعيش الاتحاد السوفييتي حتى 1984” ما يعني أن النهاية كانت محسومة ولم يبقَ سوى تدقيق التاريخ.

ومازلت أذكر الدور الذي لعبه هؤلاء المثقفون والمعارضون الشجعان في تعبئة الغرب وشحذ همته للاستمرار في مكافحة الأنظمة الشمولية وفضح الخدعة التي مارسها الاتحاد السوفييتي، بل وبث الثقة ليس فقط في كشف الوجه القبيح للنظام الشمولي، وإنما أيضاً في إمكانية إسقاطه.

وأستحضر هنا الكاتب «كورنيليوس كاستورياديس»، الذي اعتبر في كتابه الأخير أن بذور انهيار الاتحاد السوفييتي تكمن في ثناياه، متمثلة في توسيع الآلة العسكرية وتفشي أمراضها داخل الجسم السوفييتي مشبهاً ذلك بالسرطان الذي ينخر الذات من الداخل، والذي سينتهي به المطاف إلى القضاء عليه نهائياً.

وأضيف أيضاً إلى ثلة المثقفين اسم «جون فرانسوا ريفيل»، الذي ما كانت لتزعجه في الأصل الإغراءات الشمولية أحياناً ضمن الأنظمة الديمقراطية لو لم يرَ بعينيه معاناة زملائه تحت النظام السوفييتي، بل إن المثقفين الذين اختاروا المداهنة ومسايرة الإمبراطورية ما كانوا ليختاروا الانتحار الأخلاقي والقيمي لو لم يعرفوا في قرارة أنفسهم أن النظام الشيوعي في طريقه إلى الزوال.

 أما الفيلسوف «ميشال فوكو» فقد كان يقول إن جميع التشكيلات والصيغ الخطابية والسياسية لا بد أن تلاقي الموت، كما كان لديها تاريخ وموعد مع الحياة، وأتذكر أيضاً البابا «يوحنا بولس الثاني»، الذي استدعى قصة ظهور مريم العذراء التي أعلنت موت الاتحاد السوفييتي وكل ما يرمز إليه، وهي رؤية شاهدها ثلاثة أطفال عام 1917 مبشراً بأن ساعة الحرية باتت وشيكة، وتحملني ذكرياتي إلى الزيارات المتعددة التي قمت بها إلى تشيكوسلوفاكيا وبولندا وألمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي وكيف أن الناس هناك كانوا آنذاك أقل انخداعاً بالأساطير السوفييتية، وأنها لم تعد تلهم شيئاً عدا الخوف والرعب، لا سيما بعد الجبن والتقاعس الذي لمسوه في «العالم الحر»، الذي باع قيمه من أجل سلام مستحيل.

والحقيقة أننا أمام الاتحاد السوفييتي السابق وما كان يمثله كنا نخلط بين أمرين: الجبن والتقاعس، بين عدم رغبتنا في رؤية ما يجري وصم آذاننا عن الأصوات القادمة من الشرق وبين المعرفة الموشاة بالصمت، هذا التباين الانتهازي في المواقف تفسره الطريقة التي تعامل بها أمثال جيسكار ديستان مع شعوب أوروبا الشرقية عندما أوصدوا الأبواب في وجوههم، وأيضاً تاتشر وميتران اللذين بذلا كل ما يستطيعان لضمان عدم توحد الألمانيتين لحماية ما تبقى من النظام السابق، ولا ننسى أيضاً ذلك الموقف المتخاذل للعديد من المثقفين سواء في الولايات المتحدة، أو في أوروبا الذين لم يروا فيما يجري على الضفة أخرى ما يثير الانتباه وتغاضوا عن المفارقة الكبيرة التي تضع شعوب أوروبا الشرقية ضمن ثقافة وحضارة تختلف عنهم.

لقد أخطأ كل من اعتقد بأن صمت الناس وتهامسهم في الخفاء كان نوعاً من القبول والرضا، والحال أنهم كانوا ينتظرون فقط الفرصة المناسبة وشرارة الانطلاق ليجهروا أمام الإمبراطور، أو بمعنى أصح أمام الديكتاتورية، بأنه عار ومن دون ملابس.

عندما نستعرض هذا الخلط بين الصمت والإذعان، واستبعاد السقوط، ثم عند حدوثه الاستخفاف بالتضحيات والمآسي التي دفعت في اتجاهه، إننا عندما نقصي الدور المحوري للمعارضين والمثقفين الذين كتبوا بدمائهم على صفحات التاريخ وتنبؤوا بانهيار الديكتاتورية نتجاوز ارتكاب الخطأ إلى اقتراف الذنب في حق التاريخ، والخطأ هو ليس في أسطورة السقوط، بل في بث الأكاذيب وتزييف الواقع الذي بدوره يُقصي التضحيات ويلغي التاريخ، وهي طريقة لا أخلاقية في محو عقود من الصراع والآلام مهدت الطريق لانتهاء عصر الشمولية في أوروبا الشرقية، وإذ أشعر بالغثيان عندما أسمع الكليشيهات نفسها عن انهيار الاتحاد السوفييتي والتعامل معه كبديهة، أو استبعاد حدوثه تماماً، فإني أيضاً أنحني إجلالا وتقديراً لمن رأوا سقوطه في الأفق وصارعوا من أجل تقريب ساعته.

=============================

مراوحة أطلسية في الوحول الأفغانية     

آخر تحديث:الأحد ,26/12/2010

غسان العزي

الخليج

على فراش الموت قال ريتشارد هولبروك، المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان، إنه ينبغي وقف الحرب الأفغانية . كان هولبروك على حق، والجميع في الولايات المتحدة وخارجها يعرفون أنه يتحتم إنهاء هذه الحرب وفي أسرع وقت، لكن كيف؟ لقد فتح الرئيس أوباما باب النقاش على مصراعيه في العام الماضي بحثاً عن استراتيجية جديدة لحلف الأطلسي في أفغانستان أعلنها في أواخر العام الماضي وكلّف الجنرال ماكريستال بتطبيقها . هذا الأخير قدم استقالته (أجبر على ذلك) في يونيو/حزيران الماضي ليتسلم مكانه الجنرال ديفيد بترايوس . رغم ذلك كان عام 2010 الأكثر دموية في الحرب الأفغانية الدائرة منذ نهاية عام ،2001 كما أن هذه الحرب أضحت اليوم الأطول من بين كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها المعاصر .

 

وكالمعتاد كان على الإدارة الأمريكية أن تعلن بلسان رئيسها عن مراجعتها السنوية لاستراتيجيتها المتعلقة بمسرح هذه الحرب والذي أضيفت إليه باكستان، فأصبح يسمى المسرح الأفغاني الباكستاني . بالطبع لم يكن مفاجئاً أن يعلن الرئيس أوباما أنه كان على حق حينما قرر في العام الفائت إرسال تعزيزات من 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، حيث تسير الحرب على الطريق الصحيح وتحقق تقدماً مهماً ضد تنظيم “القاعدة” وطالبان في البلدين المذكورين، كما قال في خطاب وجهه من البيت الأبيض .

 

لكن أوباما لم يستطع الإنكار في الوقت نفسه بأن “الحرب في أفغانستان ما زالت عملاً صعباً للغاية ( . . .)، وأن التقدم يأتي ببطء وبثمن غال ( . . .) وهو هش ويمكن أن يتراجع”، مؤكداً ما ورد في التقارير الأمريكية العديدة وفي تصريحات وزير الدفاع ووزيرة الخارجية بأن ثمة عقبات كثيرة لا تزال تعترض طريق استراتيجيته التي يتطلب نجاحها المزيد من الجهود الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية .

 

والحقيقة أن المشكلة الأساسية التي لا تزال تواجه حلف الأطلسي في أفغانستان هي التعاون الباكستاني الضروري والذي من دونه لا فوز أمريكياً ممكناً في هذه الحرب . ورغم كل التطورات الدراماتيكية التي عصفت بباكستان منذ عام 2001 ومعظمها كان ناتجاً بالتحديد عن الاحتلال الأطلسي لأفغانستان وتداعياته على المحيط الإقليمي، فإن الجيش الباكستاني بقي متردداً في التعاون الحقيقي الفعال مع الأمريكيين وذلك بسبب هاجس يسيطر عليه وهو النزاع مع الهند . فهذا الجيش ينظر بعدم الرضا إلى التعاون الأمريكي مع الهند في غير مجال لاسيما النووي في وقت يمارس فيه الضغوط على الحكومة الباكستانية التي تصل أحياناً إلى حدود التهديدات المضمرة . كما أن الدبلوماسية الأمريكية لا تفعل شيئاً لجهة البحث عن حل سياسي للنزاع في كشمير في وقت تتعاظم فيه القوة الهندية من كل النواحي، وتبتعد فيه إمكانية العثور على حل سياسي لهذا النزاع الموروث من بدايات الحرب الباردة .

 

لقد كان من المستغرب أن يلمح الرئيس أوباما إلى التقصير الباكستاني، وأن يبدي كثير من المسؤولين الأمريكيين إحباطهم من عدم التعاون الكافي للاستخبارات الباكستانية معهم وهي صاحبة النفوذ الكبير المعروف في باكستان . وكان الجيش الباكستاني قد نشر 140 ألف جندي على الحدود مع أفغانستان بهدف التصدي لجماعات طالبان و”القاعدة” وغيرهما من الحركات المسلحة التي يقول الأمريكيون للباكستانيين إنها لا تهدد أمريكا وحلفاءها فحسب ولكن الأمن الباكستاني نفسه قبل كل شيء، وبالتالي فمن مصلحة إسلام آباد قبل غيرها القضاء عليها .

 

لكن باكستان تخشى قبل كل شيء من النفوذ الهندي المتنامي في أفغانستان أقله من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن الاستخبارات الباكستانية تشعر بأن عليها أن تعمل على ترسيخ وتوسيع نفوذها لدى القبائل الأفغانية بدل أن تعمل على استفزازها إرضاء للأمريكيين، وعليها أيضاً أن تكون حاضرة في كل مفاوضات أفغانية أطلسية حول مستقبل البلاد . والأمريكيون يعرفون ذلك، من هنا تحاشى أوباما توجيه النقد المباشر للحكومة الباكستانية والدعوة فقط إلى المزيد من التعاون .

 

وكانت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها أوباما في ديسمبر/كانون الأول 2009 تقضي بإرسال تعزيزات إلى الساحة الأفغانية مع تجديد الوعد بالانسحاب منها في غضون عام 2014 على أن يبدأ هذا الانسحاب في أواسط عام 2011 تمهيداً لتسليم الأفغانيين قمرة قيادة بلادهم . لكن المشكلة أن الفساد المستشري في صفوف الطبقة السياسية الأفغانية يجعلها عاجزة عن الحلول محل الأطلسيين المنسحبين ما يعزز المخاوف من عودة حركة طالبان لملء الفراغ كونها القوة الأقوى على الأرض والتي تقاوم الاحتلال وتكبده الخسائر فتجبره على التفكير في الانسحاب . ولكن طالبان ليست وحدها في الساحة الأفغانية لاسيما بعد أن صار هناك جيش وشرطة وأمن ومخابرات وطبقة سياسية جديدة موالية للغرب . وهذا ما يعزز احتمال نشوب حرب أهلية يعرف الجميع منذ اللحظة أنها ستنتهي لمصلحة طالبان، ما يعني عودة المشكلة الأفغانية إلى المربع الأول بعد سنوات الاحتلال الغربي الطويلة .

 

أما الانتخابات الرئاسية الأمريكية فستجري قبل إتمام هذا الانسحاب، وهناك من يراهن على أن الحرب الأفغانية ستكون سبباً بخسارة أوباما هذه الانتخابات، كما كانت الحرب العراقية سبباً بخسارة الجمهوريين الانتخابات الماضية، لاسيما أن أوباما أعلن أن الحرب الحقيقية على الإرهاب تكمن في أفغانستان وليس العراق . وقد يصيب المراهنون في هذا المجال أو قد يخطئوا لكن في الانتظار من المؤكد أنه في السنوات المقبلة سوف يبقى الأمريكيون وحلف الأطلسي يتخبطون في الأوحال الأفغانية وبعد انسحابهم المزمع في عام 2014 فإن العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل نهاية عام 2001 هي المرجحة .

حرب جديدة خاضها الأمريكيون من أجل لاشيء .

=========================

أمريكا والمفاوضات والفشل

آخر تحديث:الأحد ,26/12/2010

ناجي صادق شراب

الخليج

لعل السبب الرئيس وراء فشل عملية السلام حتى الآن هو احتكار أمريكا لعملية السلام في الشرق الأوسط، فلا قامت الولايات المتحده بالدور المطلوب كراع رئيس للمفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، ولا سمحت لغيرها من الدول الأخرى الرئيسة في المنطقة بالقيام بما هو مطلوب منها . فالصراع العربي “الإسرائيلي” صراع مركب وممتد، وتتعد قضاياه، وتتداخل الأبعاد الإقليمية والدولية فيه، ولذلك فالخطوة الأولى تكون في تحقيق تقدم في المفاوضات، وانهاء الاحتلال “الإسرائيلي” وقيام الدولة الفلسطينية، وإمكانية تحقيق تسوية نهائية تكمن في قيام الأطراف الإقليمية والدولية بدورها حسب قربها أو بعدها من الصراع . ففي صراع مركب وممتد، لا يمكن لدولة مهما توفرت لديها القدرة والنفوذ أن تحقق التسوية المطلوبة، والسبب بسيط ذلك أن الأطراف الأخرى إقليمية أو دولية ستؤثر في موقف أطراف الصراع المباشرين . والخطأ الثاني الذي وقعت فيه السياسة الأمريكية أن موقفها قد ارتبط منذ البداية بالموقف “الإسرائيلي”، وهو ما أفقدها المصداقية من ناحية، والانحياز للموقف “الإسرائيلي” من ناحية أخرى .

 

واحتكار أمريكا لعملية السلام مقصود به التماثل مع الموقف “الإسرائيلي”، وحيث إن “إسرائيل” تربط المفاوضات بالأمن، والتمسك بالبناء الاستيطاني، وتجريد الدولة الفلسطينية من مقوماتها السيادية، فالموقف الأمريكي لم يخرج عن الموقف “الإسرائيلي”، وهذا من شأنه أن يفقد الطرف الفلسطيني والعربي عموما الثقة بالموقف الأمريكي، وبدلا من التركيز على التوصل إلى حلول وسط .

 

فالولايات المتحدة تقوم فقط بإدارة المفاوضات من دون التركيز على مضمون العملية ذاتها . والولايات المتحده بدلاً من القيام بدور الوسيط المحايد والمؤثر والمتوازن، تقف موقفاً مناقضاً لذلك، وتمارس ضغوطها على الفلسطينيين والعرب كمخرج لها من عدم قدرتها على ممارسة نفوذها وتأثيرها في “إسرائيل” . وكبديل لعدم قدرتها تنتهج سياسة الحوافز والضمانات والوعود التي تقدمها للحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة في محاولة منها لإقناعها بإبداء قدر من المرونة والاستجابة لما تستوجبه عملية السلام من استحقاقات . فالمعضلة التي لم تتفهمها الولايات المتحده أنها لا تريد أن تشغل نفسها بها هي أن “إسرائيل” هي الدولة المحتلة، وهي من تمنع قيام الدولة الفلسطينية، وهي من تأسر آلاف الفلسطينيين في سجونها، وهي المطلوب منها أن تقدم تنازلات لا الطرف الفلسطيني الذي يقع تحت الاحتلال، فبدلاً من حل هذه المعضلة تقوم بتعقيدها أكثر من خلال تبني الموقف “الإسرائيلي”، وتقوية “إسرائيل” . وبالتالي بدلاً من أن ترشد الولايات المتحده سلوك “إسرائيل” نحو السلام، تدعمها في معالجة قضية السلام من منظور القوة البحتة . ولعل من أكثر الأخطاء التي وقعت فيها السياسة الأمريكية، أنها وقفت في طريق الشرعية الدولية، وعملت على تعطيلها باستخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرار يدعو لفرض قرارات الشرعية الدولية على “إسرائيل”، وإلزامها، وصولاً إلى إمكانية تطبيق العقوبات عليها، مثلها مثل أي دولة أخرى .

 

تدرك الولايات المتحده أن قرارات الشرعية الدولية لا قيمة لها، وتبقى فارغة المضمون من دون إلزام الدول المعنية بها، واحترامها، والأمثلة كثيرة التي طبقت فيها قرارات الشرعية وتمت من خلالها تسوية منازعات دولية معقدة وصعبة . ولذلك فاستخدام حق الفيتو هو عمل ضد السلام، ويتعارض مع الدور الأمريكي المفترض، ما يفسر لنا استمرار “إسرائيل” في عدم احترامها لهذه القرارات، وفي استمرار الصراع، وبصورة أكثر تعقيداً عن ذي قبل . إذ إن حق النقض هذا قد أشعر “إسرائيل” بأنها معفية من العقوبات الدولية، وبالتالي منحها حرية العمل والاستمرار في تهويد ومصادرة الأراضي الفلسطينية . وخطورة هذا الحق أنه لم يعطل قرارات الشرعية الدولية فقط، بل زاد من تفاقم وصعوبات القضايا التفاوضية، وهذا ينطبق على قضية القدس والمستوطنات وقيام الدولة الفلسطينية، ولو طبقت الشرعية الدولية قراراتها ولو مرة واحدة، لما وصلنا إلى ما آلت إليه مثلاً قضية الاستيطان أو القدس .

 

ومن أسباب الفشل الأمريكي إخضاع عملية السلام لاعتبارات السياسة الأمريكية الداخلية بدلاً من التقيد بمقتضيات وطبيعة وخصائص الصراع العربي “الإسرائيلي”، فقد تعاملت أمريكا مع الصراع وكأنه غير موجود، وكل هذا جعل الدور الأمريكي يفقد مصداقيته، وتأثيره، وهذا الضعف والتحيز انعكس في الموقف، غير المبرر في الإعلان أنها قد أوقفت جهودها في الضغط على “إسرائيل” لتجميد وليس تفكيك الاستيطان لمدة ثلاثة شهور فقط، ومن دون أن تحمل “إسرائيل” أي مسؤولية . وعليه بقدر تحرر الدور الأمريكي من كل هذه السلبيات بقدر فعالية هذا الدور، وبقدر الاقتراب من التوصل إلى تسوية تقربنا من إنهاء الصراع وهو دور يبدو أنه بعيد المنال .

أستاذ العلوم السياسية / غزة

============================

فوضى في سوق النفط العالمي

التاريخ: 26 ديسمبر 2010

جانا بوريسوفنا

البيان

مع ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ كان من المتوقع أن تلجأ الدول أعضاء منظمة أوبك إلى زيادة إنتاجها من أجل تعويض خسائرها في فترة الانخفاض في السعار في العام الماضي، ولكن هذه الدول لم تفعل ذلك بل قررت في اجتماعها الأخير الحفاظ على مستوى الإنتاج على ما هو عليه، وكأنهم لا يريدون أن يحدثوا أية اضطرابات في السوق، وأن يحافظوا على استمرارية نسب الارتفاع القائمة والبطيئة كما هي، بعد أن ثبت لهم من التجارب السابقة أن الطفرات السريعة في ارتفاع الأسعار عادة ما يتبعها انهيارات سريعة أيضا،

 

والحقيقة أن سوق النفط العالمي لم تعد تحكمها قرارات منظمة أوبك وأعضائها أو قرارات المنتجين الكبار من خارجها مثل روسيا وغيرها، بل على خلاف باقي أسواق العالم نلاحظ أن سوق النفط قرارها في يد المستهلكين الكبار أكثر من المنتجين أنفسهم.

 

من المعروف أن روسيا هي ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط بعد المملكة السعودية، ونظرا لأن روسيا ليست عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فإنه لا بد من التنسيق بين الجهتين حتى يمكن توجيه أسواق النفط العالمية، ولم يكن لهذا التنسيق وجود في فترة التسعينات من القرن الماضي، نظرا للظروف التي كانت تمر بها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ومع استعادة الدولة سيطرتها على معظم إنتاج النفط في روسيا، ومع تحسن ظروف الإنتاج فيها واستخدام تقنيات التنقيب والاستخراج والنقل الحديثة، ظهرت روسيا كبائع أول للنفط في العالم ينافس السعودية، وأحيانا يتفوق عليها في التصدير كما حدث في مطلع العام الجاري، الأمر الذي بات يشكل مشكلة واقعية لمنظمة أوبك، رغم أن الطرفين لا يصرحان بوجود أية مشاكل بينهما، ولكن هذا من قبيل الدبلوماسية وإخفاء المشاكل، ونظرا لأن معظم دول أوبك على علاقات طيبة مع روسيا على المستويات الأخرى فإنه أحيانا تطمع هذه الدول في أن تطرح طلباتها بصراحة على روسيا، ومن أهم هذه الطلبات في الشأن النفطي أن تلتزم روسيا بسقف الإنتاج الذي تحدده أوبك، وعادة ما يكون لدى أوبك أمل في أن تستجيب روسيا لطلباتها، ولكن الأمور على ما يبدو ليست بهذه السهولة.

 

وقد أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك عبد الله سالم البدري، في منتصف سبتمبر الماضي أثناء فعالية جسر تلفزيوني بين موسكو وفيينا، أن روسيا قد تضطر مستقبلا إلى تخفيض معدلات زيادة حجم استخراج النفط. ومع ذلك لم يشأ البدري أن يكشف عن أية خلافات في الرأي بين المنظمة وموسكو، حيث صرح بأن المنظمة لا ترى مشكلة قادمة من روسيا حتى الآن.

 

هذا التفاؤل من قبل أمين منظمة أوبك لا مبرر له، حيث سبق لوزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو أن تنبأ بأن يتجاوز حجم استخراج النفط في روسيا في العام الحالي 500 مليون طن، وقد تم استخراج 494 مليون طن من النفط في روسيا في عام 2009 بزيادة نسبتها 1,2٪ مقارنة بعام 2008.

 

وقد يندهش البعض بسبب عدم التزام روسيا بما تقرره أوبك، ولكن تجارب الماضي القريب هي التي دفعت لهذا، ففي الوقت الذي كانت أسعار النفط تنهار بشدة، كانت دول أعضاء في منظمة أوبك تتعمد زيادة إنتاجها من النفط دون أي مبرر، وكانت روسيا ترجو منهم أن يتوقفوا عن زيادة الإنتاج حتى لا تنهار الأسعار أكثر، ولكن لم يكن أحد يستمع إليها، ولم تكن الضغوط الغربية وحدها هي التي تدفع هذه الدول إلى زيادة إنتاجها، بل كان بعض هذه الدول يتعمد من تلقاء نفسه زيادة الإنتاج، بهدف تعويض الخسائر الناتجة عن انخفاض الأسعار، دون مراعاة لباقي المنتجين، ومازالت هذه الدول حتى الآن تمارس هذه السلوكيات في سوق النفط العالمية، حيث تطرح في الأسواق كميات أكبر بكثير من السقف المتفق عليه داخل المنظمة، الأمر الذي جعل روسيا كمنتج كبير لا تعير أي اعتبار لقرارات أوبك حول تحديد سقف الإنتاج، خاصة وأن لروسيا ظروف خاصة ومختلفة تماما عن الدول أعضاء أوبك، سواء في ظروفها السياسية والإستراتيجية وتعاملاتها مع باقي الدول، حيث تضطر أحيانا لمنح النفط لدول مجانا بدون مقابل كمساعدات، أو تعطيه بأسعار مخفضة مراعاة لظروف هذه الدولة أو تلك، وهي الأمور التي لا تعرفها الدول أعضاء أوبك.

 

ورغم هذا حاولت روسيا أن تقدم مشروعات للتنسيق مع أوبك، ولكن على ما يبدو فإنه كان هناك في الغرب من يضغط دائما للحيلولة دون التقارب بين روسيا وأوبك، وأيضا داخل أوبك نفسها من لا يرغب في التعاون مع روسيا.

 

والمشكلة أن الدول أعضاء أوبك لا تفكر في التنسيق والتفاهم مع روسيا في مسائل الإنتاج والتسويق، إلا عندما تحتاج هي إلى ذلك، دون مراعاة لمصالح روسيا. وقد يكون نفس العيب موجود لدى روسيا أيضا، حيث أن موسكو لا تتحمس كثيرا للتنسيق مع أوبك إلا في حالة وجود مشاكل أو تهديدات تضر بمصالحها في أسواق النفط.

 

وهذه المسألة تشكل حلقة مفرغة بين الطرفين يصعب ملؤها، وإذا لم يصل الطرفان إلى تفاهم وتنسيق بينهما في ظروف ملائمة لكليهما معا، فإنه من الصعب عمليا الحديث عن تحكمهما معا في توجيه أسواق النفط العالمية، التي ما زال كبار المستهلكين فيها هم الذين يملكون القرار ويفرضونه على كبار المنتجين.

=============================

الكارثة أكبر من تقسيم السودان

التاريخ: 26 ديسمبر 2010

جلال عارف

البيان

تبدو كل الأطراف وكأنها في سباق محموم قبل أيام من استفتاء جنوب السودان.. الرئيس السوداني عرض التنازل عن نصيب الشمال في البترول للجنوب إذا اختار البقاء في سودان موحد، والحركة الشعبية المسيطرة على الجنوب والتي تقود التحرك نحو الانفصال، تطلب أن تحافظ على سيطرتها الكاملة على الجنوب وجيشها المستقل وأن تتبادل موقع رئاسة الدولة مع الشمال.. أي تطلب الجنوب كاملاً ونصف السلطة في الشمال! ورؤساء مصر وليبيا وموريتانيا يجتمعون في الخرطوم مع البشير وسلفاكير، في محاولة لاجتياز المرحلة الصعبة بأقل الأضرار.. بينما أميركا تلقي بكل ثقلها لإنجاز المهمة وتحقيق الانفصال، والرئيس الأميركي يبعث برسائل للزعماء العرب والأفارقة، ليؤكد على الموقف الأميركي الذي يرفض وضع أي عراقيل تمنع السياسة الأميركية من تحقيق «نجاح» انتظرته طويلاً، وبعض الدول الإفريقية المجاورة في حالة استنفار سياسي وعسكري (وبالتنسيق مع واشنطن)، لاستكمال جهد سنوات من التدخل والدعم لقوى الانفصال في جنوب السودان، وإسرائيل حاضرة وتستعد لحضور أكبر بعد ولادة دولة الجنوب الجديدة، التي أعلن مسؤولوها مبكراً استعدادهم للاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات الوثيقة معها في كل المجالات.

 

الإدارة الأميركية تتعامل مع الأمر بكل جدية، وتعتبر «إنجاز المهمة» وانفصال الجنوب، انتصاراً كبيراً في سياستها الخارجية، في وقت تعاني فيه من الفشل في أكثر من مكان.

 

وقد كان انفصال الجنوب قراراً أميركياً قبلته حكومة السودان حين وقعت اتفاق «نيفاشا»، في محاولة للخروج من أزماتها التي تكاثرت في الداخل والخارج؛ من حرب أهلية في الجنوب تستنزف مواردها وتمنع استثمار ثرواتها، إلى حرب أخرى في دارفور تهدد بتكرار المأساة ووضعت الرئيس السوداني في موقف المطلوب للمحاكمة الدولية، إلى اتهامات بالتعامل مع الإرهاب الدولي، إلى علاقات متوترة في الداخل مع أحزاب الشمال، وفي الخارج مع دول الجوار. وهكذا استغلت واشنطن كل ذلك، ومارست كل الضغوط، وبذلت كل الجهد لإفشال المبادرات العربية والإفريقية لحل النزاع، وأبرزها المبادرة المصرية  الليبية، ومبادرة «الإيغاد»، لتفرض بعد ذلك الانفصال من خلال اتفاق «نيفاشا»، ثم باغتيال «جون غارانغ» القائد السابق للحركة الشعبية، والذي كان وجوده يبقي اختيار الوحدة قائماً حتى مع صعوبته.

 

ورغم كل الأخطاء التي ارتكبها الحكم في السودان، أو التي ورثها عن عهود سابقة، فإن هذا لا يبرر التجاهل العربي لمصير هذه الدولة الهامة في المنظومة العربية، والذي أتاح للولايات المتحدة تنفيذ رؤيتها التي لن تنتهي بانفصال الجنوب، بل ستنطلق منه إلى أهداف أكبر داخل السودان وفي كل المنطقة. صحيح أن الكثير من النظم العربية كان واقعا تحت ضغوط داخلية وخارجية، وصحيح أن الهجمة الأميركية التي بدأت مع غزو العراق، كانت تخطط لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية وفقاً للمصالح الأميركية (والإسرائيلية بالطبع)، وصحيح أن العديد من النظم العربية كان في موقف دفاع.. كل هذا صحيح، ولكنه لا يبرر الانصراف العربي عما جرى ويجري في السودان بكل آثاره الخطيرة على المنطقة، ولا يبرر ترك قضايا هذه الدولة المحورية في نظامنا العربي وفي علاقاته مع إفريقيا، رهينة الضغوط والمؤامرات الخارجية من ناحية، والممارسات الداخلية الخاطئة من ناحية أخرى، ولا يبرر تعامل العالم العربي مع انفصال الجنوب كأنه قضاء وقدر، ثم انتظار الأسوأ بعد ذلك!

 

والأسوأ قادم في حروب داخل دولة الجنوب وحولها، وفي حروب الشمال التي تهدد بتفتت ما تبقى من السودان إلى دويلات، وفي انكشاف خطير لأمن مصر وتهديد خطير لمواردها المائية من النيل، وفي تكريس الفصل بين العرب وإفريقيا، ووضع الحواجز بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي، وفي تأكيد مزاعم حتميه الصدام بين الإسلام وغيره من العقائد واستحالة التعايش بينها، ثم.. في فتح الباب أمام المزيد من الانقسامات التي تهدد عالمنا العربي، من العراق إلى اليمن ومن المغرب إلى الخليج، والتي لا تستثني دولاً راسخة، مثل مصر والجزائر والمغرب والسعودية!!

 

الأسوأ قادم.. إذا لم نتصدّ له بشراسة، وإذا لم ندرك أن انفصال جنوب السودان ليس هو الحل.. لا للسودان ولا للعرب ولا لإفريقيا.. فلا جنوب السودان سيصبح جنة لأبنائه في غيبة ارتباط وثيق بالشمال، ولا شمال السودان سيتحرر من أعباء الجنوب، إلا لمن يريدون الاستمتاع بجلد النساء لارتداء «البنطلون»، ولا يجلدون من قادوا السودان إلى مأساة يتفتت فيها الوطن!

 

الأسوأ قادم إذا لم نتحرك.. والحركة ممكنة بلا شك، ورغم كل الضغوط والمؤامرات فإن كل الإمكانيات العربية ينبغي أن توضع على الفور من أجل إنهاء كل النزاعات في شمال السودان، ثم ترك الأمور لتهدأ في الجنوب، انتظاراً للحظة يعود فيها الجميع إلى الوحدة التي تضمن حقوق كل المواطنين وتحقق المصالح المشتركة لهم. ونقطة البداية في ذلك أن يعترف الجميع بما ارتكبوه من أخطاء، فلا يمكن أن تكون نهاية عشرين سنة من التبشير بحكم إسلامي رشيد، أن تضيع دولة من أجل «بنطلون امرأة»، ولا يمكن أن ينتهي حلم «غارانغ» بسودان واحد تحكمه المساواة ويجسد الحلم بالتكامل الإفريقي العربي.. إلى تقسيم السودان إلى أشلاء دولة وتكوين قاعدة لتنفيذ مخططات أميركا أو مؤامرات إسرائيل.

 

التحرك العربي  ولو تأخر  ضروري وممكن، والدول الإفريقية، حتى تلك التي تشارك في التآمر على وحدة السودان، تعرف أن الطلقة التي تسددها لوحدة السودان سترتد عليها، وأنها حين تنتهك المبدأ الذي أرساه مؤسسو منظمة الوحدة الإفريقية (وفي مقدمتهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر)، بعدم المساس بالحدود بين الدول الإفريقية رغم أي نزاعات، فإنها تفتح أبواب جهنم التي أراد الاستعمار الأوروبي أن يتركها للجميع.

 

فليتحرك العرب قبل فوات الأوان، وقبل انتقال عدوى التقسيم إلى مناطق أخرى، وقبل ترسيخ القبول العربي بما يقرره الآخرون. فليتحرك العرب بيقين أن جنوب السودان سيعود لشماله، وأن شمال السودان يستطيع التغلب على مشاكله، وأن الاعتراف بالفشل  سودانياً وعربياً  أمر واجب، وأن معالجة هذا الفشل ضرورية وممكنة.. وساعتها سيدرك أشقاؤنا في السودان أن الحل لا يرتبط ب»بنطلون» امرأة، بل بنظام يجسد أفضل ما في العروبة وما في الإسلام، حين يحتضن الكل في وطن واحد يتسع لكل أبنائه، وينشر رسالة الحرية والمساواة.

============================

العودة الى حق العودة

عرفات حجازي

الدستور

26-12-2010

د. سلام فياض ، هذا الانسان الذي جاء للشأن الفلسطيني من خلال القضايا الحسابية خاصه عندما اشتد الخلاف بين الشهيد ياسر عرفات عندما كان رئيسا للسلطة الفلسطينية وبين رئيس وزرائه في ذلك الحين محمود عباس وكان الخلاف بينهما حول الشؤون الحسابية وطريقة صرف الرواتب لرجال الشرطة الذين لم يكن احد يعرف عددهم.

 

وعندما جاء د. فياض عن طريق البنك الدولي او عن طريق اللجنة الرباعية او اية جهة دوليه اخرى لتنظيم الحسابات التي كانت تدور حولها اتهامات الفساد وقد نجح فياض في ضبط الحسابات وبقي قريبا من اجهزة السلطة يحاول اصلاح ما يمكن اصلاحه حتى اكتسب سمعة وثقة الفلسطينيين لان كل فلسطيني كان يعتقد ان اتفاقية اوسلو هي اتفاقية ساقطة وهي لم تحقق الا مصالح الاسرائيليين ولكن كانت هناك اسوأ من قضية اوسلو كانت قضايا الفساد وهي التي نخرت العمود الفقري للشعب الفلسطيني عندما تحولت القضية الى ان من يكسب اكثر هو الاشطر والى ان من اصبح رصيده اكبر هو الدرفيل الذي لا يقيم وزنا لاحد،.

 

العمق السياسي

عندما اطلعت على اول تصريح للدكتور فياض في احدى الصحف الاسرائيلية الذي يقول فيه: ان قضية حق العودة يجب ان لا تقلق اسرائيل لان الخطوات الاسرائيلية لن تحقق اهدافها ما لم يرافقها تفاوض حول الحل الدائم الذي ينهي الاحتلال؟،.

 

فماذا يعني هذا الكلام الذي تحدث فيه د. فياض لاول مره في العمق السياسي.. هل هو يطمئن اسرائيل بدون الاخذ بعين الاعتبار للشأن الفلسطيني أن المفاوضات مع إسرائيل عادة تنتهي بتحقيق المصالح الإسرائيلية وهل تنتهي هذه المرة أيضاً بالتنازل عن حق العودة كما جرى التنازل عن أخطر القضايا التي بقي معظمها سرياَ؟،.

 

وهل يعرف د. فياض ان اسرائيل استطاعت ان تفرض في اوسلو على الفلسطينيين التخلي عن حق العودة عندما اجبرتهم عن طريق المفاوضات الغاء الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تقول الماده الخامسه فيه بكل صراحة: الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون اقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من اخرج منها او بقي فيها وكل من ولد لاب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين او خارجها هو فلسطيني عربي ولا شك ان من يتخلى عن الميثاق الوطني فانه في نظر د. فياض وفي نظر العالم انه قد تخلى فعلا عن حق العودة وهو امر لم يوافق عليه الشعب الفلسطيني مهما كانت الضغوط ومهما كانت الاغراءات،.

 

اتفاقية جنيف

ولان السلطة الفلسطينية ومن ورائها اسرائيل تأكد لها ان الغاء الميثاق الوطني الفلسطيني لم يستطع الغاء حق العودة من ضمير كل فلسطيني كان لاجئا او مقيما مما دفع بالسلطة واسرائيل ان تضغط اكثر على الغاء حق العوده فجاءت اتفاقية جنيف التي اكدت كل الدراسات بانها اخطر الاتفاقيات على القضية الفلسطينية لانها في حقيقة الامر جاءت تجسيدا للتطلعات الاسرائيلية والاكثر تنكرا للحقوق الفلسطينية واعطت اليهود اكثر مما كان يحلم به مؤسس الحركة الصهيونية هيرتسل واكثر ما كان يعمل له مؤسس الدولة الاسرائيلية بن غوريون فهذه الاتفاقية تدعو بكل صراحة الى اجبار الفلسطينيين التخلي عن حقوقهم التاريخية غير القابلة للتصرف بشكل نهائي وبشكل يبدو انه طوعي وشرعي.

والذي لابد ان يعترف به كل مفاوض فلسطيني هو ان اسرائيل يهمها في مقدمة اهتماماتها ان تضمن تحقيق المخطط الصهيوني باجلاء كل فلسطيني عن ارض فلسطين فكيف بعودة فلسطيني من منفاه ولهذا فقد حمل كل زعماء اسرائيل شعارات قد تبدو مختلفة الا انها كلها تصب في قناة واحدة وهي اجلاء كل الفلسطينيين من وطنهم.

 

ثوابت لا بد منها

فان على د. فياض الذي ارجو ان يكون حديثه عن حق العودة زلة لسان تماما كما جاء هذا الحديث فيما بعد عن حق المقاومة التي اصبحت الحل الوحيد لبقاء الشعب الفلسطيني في وطنه بعد ان اختارت اسرائيل حياة العدوان والقتل والتدمير وسيلة لاقامة دولة يهودية ليس للعرب فيها وجود؟. والذي يتابع د. فياض وجولاته المكوكية الان في محاولات لاظهار صورة حسنة عن الحكومة الحالية ، من المؤكد انه يعرف ان الشعب الفلسطيني يدرك ان هناك تنازلات قاسية قدمها بعض المفاوضين لهؤلاء الاعداء الذين يحاولون الاستيلاء على كل فلسطين ولكن هذا الشعب الصابر القابض على الجمر لا زال يضع في جدول اعمال زمانه التصميم على استعادة كل حق مغتصب.

=============================

نهاية عام.. والقلق الشامل يسيطر علينا

بلال الحسن

الشرق الاوسط

26-12-2010

نهاية عام.. بداية عام.. أبرز ما فيها أن القلق يسيطر على المنطقة العربية برمتها. إضافة إلى هذا القلق، تعيش كل دولة عربية على حدة. علاقتها مع الدول المجاورة لها لا تتجاوز قضايا الحياة اليومية. أما السياسة، وأما التخطيط المشترك، وأما الرؤية للمستقبل، فتكاد تكون غائبة، هذا إذا لم نتحدث عن عداوات تخفي تحتها ما تخفي. وحين تحدث مشكلة في بلد ما، يتخذ البلد المجاور وضعية المراقب، يتفرج من بعيد على مشكلة تحدث في مكان ناء، حتى لو كانت تلك المشكلة تمس صميم أمنه القومي.

لا نتحدث هنا عن مشكلات عادية، بل نتحدث عن تقسيم لدول قائمة، تقسيم يمتد من العراق إلى اليمن إلى السودان. ونتحدث عن صراعات طائفية مستجدة، تمس بلدانا عرفت بتعاليها على النزعات الطائفية.

أما إسرائيل فهي موجودة دائما في كل حدث عربي سيئ، موجودة كشيء قائم بذاته، أو موجودة كوكيل أعمال لدولة عظمى. الدول العظمى تخطط، وإسرائيل تتولى التنفيذ. وأخطر ما في الأمر، نمو مزاج سياسي وفكري لدى بعض الدول العربية، ولدى بعض النخب الثقافية العربية، أخذ يعبر عن نفسه بالانزعاج كلما برز الحديث عن إسرائيل. يريد في عقله الباطن تنحية إسرائيل جانبا، وعدم التركيز عليها أو الاهتمام بها، وكأن إسرائيل لم تعد خطرا.

التقسيم.. هم أساسي يضرب المنطقة العربية، ولا أحد يهتم به أو يدرس نتائجه.

العراق معرض للتقسيم، بل هو يعيش تقسيما مكرسا بدستور وضعه حاكم أميركي (هل تذكرون بريمر؟). تقسيم يتحدث عن ثلاثة أقاليم، تبدو في الظاهر أمرا جغرافيا، لكنها تنطوي في العمق على تقسيم طائفي، ثم على تقسيم إثني، فيه عرب هنا، وأكراد هناك، وإسرائيل حاضرة في الحالتين، تقتل العلماء في جانب، وتساعد على قيام كيان كردي يعطيها موقعا جغرافيا تطل منه على منطقة استراتيجية شاسعة.

واليمن معرض للتقسيم، أحيانا بفعل عوامل داخلية، وأحيانا أخرى بفعل تدخلات أجنبية. أحيانا تبرز العوامل الطائفية، بينما تبرز أحيانا عوامل الانقسام المجتمعي. تبرز ظاهرة الحوثيين، في حرب مستمرة ضد السلطة، أو نحو السلطة. ولا يتورع الجميع عن القول بأنها الحرب الخامسة أو السادسة، وهنا تتحول إلى حرب إقليمية تمس الجوار، وتستدعي تدخل الجيش السعودي. وما إن تخمد ظاهرة الحوثيين حتى تبرز ظاهرة «الحراك الجنوبي». وجنوب اليمن مشهور في التاريخ العربي المعاصر بأنه قاد ثورة ضد الاستعمار البريطاني، وصنع عبرها الاستقلال. ونقيضا لهذا التاريخ المشرف، ها هو الآن حراك يرفع شعار الانفصال.

أما السودان فقد أصبح على أبواب التقسيم، تقسيم تقف وراءه دول عظمى، تدعي أنها ترفع شعار الديمقراطية، ولا يهمها من الديمقراطية إلا أن يكون الاستفتاء مدخلا للانفصال. وما إن يبدأ الاستعداد ليوم الاستفتاء حتى يبدأ «الخبراء» الإسرائيليون في الوصول إلى مدينة «جوبا» عاصمة الجنوب مباشرة. أما السلاح فيصل عبر مدينة «بانجيه» عاصمة أفريقيا الوسطى.. يصل بالطائرات وتنقله الشاحنات إلى جوبا. وما إن يتكرس التقسيم حتى يبدأ الحديث عن اقتسام مياه النيل، وعن حصة مصر في هذه المياه، ويبدأ توجيه النصائح لحاكم السودان كي يحترم نتائج الاستفتاء. وعند الاستفتاء سيصفقون له لأنه يحترم نتائج الديمقراطية. أما البلد ومصيره فهذا شأن آخر.

وبعد انفصال جنوب السودان سيبدأ الحديث عن ملف التقسيم الثاني في منطقة دارفور. ولماذا لا يحدث أيضا هذا التقسيم ما دام سيتم بطريقة ديمقراطية شفافة ترضى عنها الدول لعظمى؟

إن من شأن هذا المشهد العربي، ونحن لم نشر إلا إلى جزء صغير منه، أن يثير الخوف والقلق لدى كل دولة عربية مجاورة أو غير مجاورة، ولدى كل حاكم عربي يهتم باستقرار الوضع داخل بلده. لكن رد الفعل العربي يثير الحيرة حقا. فلا أحد يهتم. ولا أحد يدعو لتحرك ما، وكأن السياسة أن تهتم بما يحدث داخل عاصمتك، أما ما يحدث خارج العاصمة، فهو أمر يخص حرس الحدود، يتعامل معه رجال الشرطة كما يتعاملون مع المهربين والمتسللين.

السياسة العربية تفتقد إلى الاستراتيجية. تفتقد إلى التفاهم المشترك. وباستثناء حدثين في السنوات الخمس الأخيرة، يكاد مشهد السياسة العربية يكون جامدا، أو غائبا، أو غير مكترث. الحدث الأول تمثله سورية التي تكاد تكون الآن اللاعب السياسي الوحيد في المنطقة. تراقب التغيرات وتدرسها. تتحدث عن استراتيجية «البحار الخمسة»، وتقوم بعشرات الزيارات لدول مجاورة لتلك البحار وتتفاعل معها. تراقب الوضع الإقليمي والقوى الناشئة فيه، من إيران إلى تركيا، وتنسج معها علاقات تفاعل يومي. والحدث الثاني تمثله السعودية من خلال مبادرات الملك عبد الله، سواء مبادراته من أجل الحوار (الحوار الداخلي، وحوار الأديان، وحوار الحضارات)، أو مبادرته من أجل تجاوز الخلافات العربية وبناء حالة تضامن على أنقاضها، لكن هذه المبادرات لم تجد من يتلقفها، أو من يبني عليها، باستثناء التشارك السعودي - السوري الذي يحاول معالجة الوضع في لبنان، ليمنع الانفجار الداخلي، أو ليمنع نمو الدور الإسرائيلي ضده. باستثناء ذلك لا شيء يتحرك في الوطن العربي الكبير، وإذا حدث وتحرك قادة ما باتجاه السودان مثلا، فهو تحرك متأخر، أشبه بزيارات التعزية أو بزيارات التهنئة بالعيد. ومن الملاحظ أن هناك زيارات عربية لا تأتي، إلا بعد أن يكون هناك موقف أميركي يدعو هذا الطرف للتهدئة، أو لقبول الأمر الواقع، ثم يتحرك من يتحرك لإقناع المعنيين بذلك. ثم يقنعون أنفسهم بأن هذه هي السياسة.

تكاد هذه الصورة، لحالة التقسيم الذي يهدد دول المنطقة (ولن يقتصر التهديد عليها بالضرورة)، ولحالة غياب التفاهم أو التضامن أو الرؤيا الاستراتيجية المشتركة، تصيب المواطن باليأس، وتصيب الحكومات بالشلل، وتصيب الدول بالجمود القاتل. وجمود الدول قد يعني في النهاية الانفجار أو الانهيار.

هل يمكن الحديث هنا عن مخرج؟ يمكن طبعا. ويمكن أن يأتينا المخرج من أفريقيا. لقد عاش العرب لسنوات يدعمون أفريقيا، ويشجعون حركاتها الاستقلالية، ويساعدون حكوماتها في عمليات البناء. ولكن.. ها نحن الآن نحتاج إلى أفريقيا بحثا عن مخرج لمشكلاتنا.

أوجدت مشكلات أفريقيا «لجنة الحكماء». يلتقون كلما تأزم الوضع في بلد أفريقي ما، ويحاولون مساعدته في إيجاد الحل. ويبدو أن العرب يحتاجون الآن إلى «لجنة حكماء»، تلتقي، وتتحاور، وتبحث، وتقترح الحلول.

لجنة حكماء؟ نعم. لكنها تحتاج إلى قادة، وتحتاج إلى مبادرة، وتحتاج إلى رؤية. ونحن المواطنين جميعا، ننتظر من يبادر. ويا ويل من لا يبادر.

=========================

الإنترنت يكشر عن أنيابه

إيان بريمر وباراغ خانا

الشرق الاوسط

26-12-2010

خلال عام 2010 تبددت كل الشكوك في أن أمن شبكة الإنترنت أصبح الآن يمثل مشكلة جيوسياسية. لقد عرفنا من المراسلات الدبلوماسية التي كشف عنها موقع «ويكيليكس» أنه بدءا من أوروبا، وصولا إلى منطقة الشرق الأوسط والصين، وما بعد ذلك، تواجه واشنطن وقتا أصعب مما تصورنا في سعيها للحصول على ما تريد. وجعلت التسريبات في حد ذاتها الأمور أكثر حساسية، ولم يقتصر الأمر على وضع بعض أصدقاء أميركا في وضع محرج، بل تعدى ذلك إلى إذكاء نظريات تآمر تقول إن الولايات المتحدة كانت نوعا ما وراء تسريب هذه المراسلات.

لكن لا يعد ما حدث مع «ويكيليكس» القصة المهمة الوحيدة المتعلقة بالإنترنت خلال عام 2010، بل كان هناك أيضا الخلاف العلني بين شركة «غوغل» والصين، والحرب على أجهزة «بلاك بيري» داخل الهند ومنطقة الخليج العربي، والظهور المفاجئ في يوليو (تموز) لفيروس أُطلق عليه اسم «ستوكس نت» يبدو أنه استهدف وعمل على تقويض المنشآت النووية الإيرانية.

لقد عرفنا أيضا أن الهجمات الإلكترونية لم تعد مجرد سلاح يستخدمه المراهقون والمجرمون التافهون، بل أصبحت جزءا من الترسانة الوطنية. وفي الواقع، أظهر موقع «ويكيليكس» أنه يمكن لأي وغد إلكتروني أن يكون محيرا ولا مركزيا مثل تنظيم القاعدة. وفي الواقع، فإنه كما الحال مع تنظيم القاعدة، ستبقى مشكلة «ويكيليكس» معنا لأعوام. وربما يكون ذلك مجرد إشارة إلى ما سيحدث لاحقا.

ربما لن يتم إلقاء القبض على أسامة بن لادن حيا، لكن من سوء الحظ بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، فإن مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج، سيقضي الكثير من الأيام داخل المحكمة. وإذا ما تمت مقاضاته داخل الولايات المتحدة، فسوف يصفه البعض بأنه شهيد الإنترنت الأول في العالم. وعلى عكس بن لادن، سيعامله الكثير من الأميركيين بالأساس كشخص فريد من نوعه أو كبطل حرية التعبير. وسيدافع حلفاؤه - وهم فيلق من القراصنة الذين استوحوا أفعالهم من «ويكيليكس» - عن الحرية من خلال المزيد من عمليات الانتقام الإلكترونية. ويمكن أن يخلق ذلك قضية مشتركة. وبصيغة أخرى، فإنه حتى الآن تخشى واشنطن من أن يصبح بعض الإرهابيين قراصنة. لكن ربما يجب أن نشعر جميعا بالقلق من أن يصبح بعض القراصنة إرهابيين.

وعلاوة على ذلك، فإن المعلومات التي نشرها موقع «ويكيليكس» عن السياسة الخارجية الأميركية ستكون لها آثار على علاقات دولية.

وربما كانت باكستان وراء الإطاحة برئيس محطة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية داخل إسلام آباد، وإعادته على الفور إلى أرض الوطن. ومما يثير القلق بدرجة أكبر احتمالية أن يكون قرار حكومة الأرجنتين بالانضمام إلى البرازيل في الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة رد فعل، ولو جزئيا، على رسالة مسربة جاء فيها تشكيك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون في الصحة العقلية للرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. ويأتي ذلك على الرغم من العلاقات التقليدية بين الأرجنتين وإسرائيل. ومن المحتمل أن يستمر الدمار الذي نال من العلاقات الأميركية الأرجنتينية. وبعد ذلك، هناك المخاطر التي يطرحها «ويكيليكس» أمام الشركات، فعندما وافقت شركات متعددة الجنسيات مقرها الولايات المتحدة، منها «ماستر كارد» و«باي بال»، على مطالب الحكومة الأميركية بمنع تعاملات مالية خاصة بموقع «ويكيليكس»، سرعان ما تعرضت هذه الشركات إلى هجمات منع الخدمة من جانب قراصنة متعاطفين مع قضية «ويكيليكس». ونتيجة لذلك، فإن هذه الشركات والكيانات الأخرى المماثلة ستكون أكثر اعتمادا على حكومات من أجل الحصول على معلومات بشأن مثل هذه الهجمات (وكيفية الحماية منها). في الماضي لم يكن استعداد الشركات لتقديم معلومات حساسة إلى الحكومة الأميركية أمرا ذا أهمية كبيرة لهذه الشركات، حيث لم تكن تواجه عدوا إلكترونيا قويا قادرا على شن هجمات متطورة. لكن يبدو أن مجموعة «مجهول»، التي ترد على التهديدات ضد أسانج، لديها إمكانيات أكبر.

وقد تعني تداعيات هذه المشكلة بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات قيودا جديدة على العولمة نفسها. وإذا بدأت الشركات في البحث عن ملاذ آمن من خلال بناء مجتمعات على شبكة الإنترنت وراء بوابات، وبعيدة عن الطريق المعلوماتي السريع، ستزداد صعوبة الحصول على المعلومات. وبينما تسعى شركات التقنية بدرجة أكبر إلى الحصول على حماية من الهيئات الأمنية الحكومية، ستكون المبيعات العالمية وخطط التوسع أكثر اعتمادا على القواعد التي تحكم الأمن القومي.

وحتى الآن لم يكشف موقع «ويكيليكس» عن أسرار صناعية مهمة، لكن على ضوء التركيز على المراسلات الدبلوماسية الأميركية تذكرنا هذه الحقيقة ببساطة بأن السفارات الأميركية تلعب دورا أصغر في تعزيز التجارة الأميركية. وإذا ما سُرّبت مجموعة مماثلة من الرسائل من حكومات فرنسية ويابانية، فإن التداعيات التجارية ستكون أكبر. لذا ربما لن يمر وقت طويل قبل أن نرى مجموعة من التسريبات - مسروقة من حكومات أو شركات - تحدث ذعرا داخل الأسواق وتؤدي إلى تراجع أسعار الأسهم وتقوض كيانات مثل «أوبك». وكما تظهر الأحداث الدرامية المستمرة المرتبطة بجوليان أسانج، ستسعى حكومات بجد من أجل إدارة مثل هذه المشكلات. لكن ستكون التحديات أكبر بالنسبة إلى الشركات، حتى لو كانت هذه الشركات ثرية.

أخذ موقع «ويكيليكس» حرية المعلومات إلى مستوى جديد تماما خلال 2010. ويمكن فقط تخيل التداعيات التي سنراها خلال 2011.

* إيان بريمر رئيس مجموعة «أوراسيا»

وباراغ خانا زميل باحث بارز في مؤسسة «أميركا الجديدة»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ