ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 22/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

«ويكيليكس» مرآة للأولويات الأميركية

باتر محمد علي وردم

 الدستور

21-12-2010

لم يكن من الغريب أن تنتشر في العالم العربي الأقاويل حول وجود مؤامرة بين الموساد والمخابرات الأميركية في إظهار ونشر البرقيات السرية للسفارات الأميركية عبر ويكيليكس ، فمن يؤمن بأن هجومَ سمكة قرش على سياح في شرم الشيخ حدث بفعل مؤامرة إسرائيلية لن يستهجن وجود مؤامرة وراء ويكيليكس. وما زاد من حدة النظرية التصريح المتبجح لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والذي ذكر فيه أن مضمون الوثائق يرسخ ما حذرت منه إسرائيل حول الخطر الإيراني وأن على "القادة العرب أن يقولوا في العلن ما يقولونه في السر". تبجح نتنياهو والذي بدا وكأنه الشخصية السياسية الوحيدة في العالم التي أبدت سعادة بالوثائق ، عززته مقالات عديدة نشرت في صحف ومجلات أميركية بالذات تدعي بأن الخطر الحقيقي في المنطقة هو إيران وليس الاحتلال الإسرائيلي وأن العالم العربي يبدو مهتما بالحالة الإيرانية أكثر من إصراره على ايجاد حل للقضية الفلسطينية ، داعين الرئيس أوباما إلى عدم بذل جهد كبير في الضغط على إسرائيل بسبب "هامشية" القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم العربي.

 

الصورة إلى حد ما صحيحة ، فهنالك تركيز على الهاجس الإيراني وغياب للشأن الفلسطيني في ويكيليكس ولكن المسألة ليست مؤامرة استخباراتية لأن هذه الوثائق قد وضعت الإدارة والدبلوماسية الأميركية في حرج شديد وربما قضت على مستقبل الكثير من الدبلوماسيين الذين وصفوا بشكل غير لائق القادة السياسيين المحليين أو تدخلوا في شؤون داخلية حساسة. ولكن الوثائق تعكس بدورها أولويات الإدارة الأميركية فقد ركزت على الطلب من دبلوماسييها استقراء الآراء العربية والدولية حول إيران ولم تبذل الجهد الكافي حول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتداعيات الاحتلال على أمن المنطقة.

 

إذا أردنا استخدام هذه الوثائق كمؤشر على توجه الإدارة الأميركية سواء في عهد بوش أو أوباما سنجد أن هنالك تركيزا تاما على إيران وعلى الأوضاع الداخلية لبلدان الشرق الأوسط ، ويوجد تغييب متعمد للمسألة الفلسطينية وهذا ما يثير الإحباط فعلا حيث لم تقم السفارات الأميركية بالجهد المطلوب من أجل إيصال رسائل ومعلومات إستراتيجية حول تطورات الوضع الفلسطيني إلى وزارة الخارجية ما يدل على عدم اهتمام الإدارة الأميركية بهذه القضية مقارنة بالإدعاءات الإعلامية والسياسية.

 

لقد كانت وثائق الويكيليكس مهمة جدا ليس فقط في الكشف عن معلومات سرية وحساسة في العديد من قارات العالم بل انها ايضا تعكس وبوضوح أولويات الإدارة الأميركية الحقيقية وليس تلك التي يتم التغني بها عبر وسائل الإعلام والخطاب السياسي الأميركي وهي ستسهم في تسليط الضوء على أهم التوجهات الإستراتيجية للولايات المتحدة في السنوات القادمة ويمكن أن تستفيد منها كل دول العالم ومؤسساته المدنية المختلفة في التعامل مع هذه التوجهات مسبقا ، وهذه مسؤولية مطلوبة ايضا من كافة الدول العربية في الاستفادة التامة مما أتاحته هذه الوثائق من إطلاله على طريقة التفكير الأميركية في الدوائر الضيقة في اتخاذ القرار.

======================

الاستيطان الصهيوني جنوب الخليل

ابراهيم العبسي

الرأي الاردنية

21-12-2010

يعيش البدو الفلسطينيون جنوب منطقة الخليل على مشارف قريتي يطا والظاهرية والبحر الميت، منذ وقوعهم تحت نير الاحتلال الصهيوني عام 1948 في الكهوف والمغاور وسقائف الصفيح. ويعتمدون في معيشتهم على تربية المواشي والزراعة البدائية، ونظرا لقلة سقوط الامطار في منطقتهم يلجأ الناس الذين يعيشون في اكثر من 40 خربة الى آبار «الجمع» والينابيع القليلة لسقي مواشيهم وري مزروعاتهم، وهم راضون بهذا النوع من المعيشة القاسية فوق ارضهم التي عاش فيها اباؤهم واجدادهم لالاف السنين ولا يرضون بديلا عنهاحتى في اكثر المدن تحضرا ورفاهية.

 

ولان سلطات الاحتلال الاسرائيلي في بحث دائم عن الاراضي الفلسطينية التي يمكن ان تقيم فوقها المستوطنات للمهاجرين الجدد القادمين الى اسرائيل من شتى بقاع العالم، فقد لفتت هذه المنطقة انتباههم ووجدوا فيها ضالتهم. فبحكم عدم وجود تراخيص للسقائف والمغاور وسقائف الصفيح وكأنها تحتاج الى تراخيص عمد الارهابيون الصهاينة على هدم البيوت في بعض القرى او على الاصح هدم قرى باكملها مثل قرية العراقيب وردم الابار وتخريب المزارع مستغلين بذلك بؤس حياة هؤلاء البدو بهدف ارغامهم على ترك بيوتهم وتشريدهم فدفعوا الياتهم العملاقة وجرافاتهم المتوحشة الى هذه القرى بقصد تنظيف المنطقة منهم واعدادها لاقامة المستوطنات بعد دفع سكانها الى مغادرتها والقائهم في دروب التشرد والتيه وجعل حياتهم اكثر بؤسا وشقاء. غير ان البدو الفلسطينيين هبوا لمواجهة جنود الاحتلال والياته وجرافاته لوقف عمليات الارهاب الصهيوني هذه بعد ان نجح الارهابيون في ردم 14 بئرا وعدد من الينابع التي يفوق بعضها عمر الاحتلال.

 

ومع ان منظمات الاغاثة الدولية خصوصا الاوروبية منها اندفعت لتزويد هؤلاء الناس بالمياه لسد حاجاتهم الضرورية وتوفير المياه لري ما تبقى من مزارعهم وسقي مواشيهم عن طريق الابار الجديدة التي حفرتها لهم،الا ان قوات الاحتلال عمدت الى ردم هذه الابار وتدمير كل اسباب الحياة حول هؤلاء المواطنين ولسان حالهم يقول ليذهبوا الى الجحيم او ليعيشوا تحت الارض.

 

والجدير بالذكر ان اسرائيل كانت تفعل ذلك بصمت بعيدا عن وسائل الاعلام، اذ استغلت بعد هذه المنطفة عن الانظار، غير ان تدخل المنظمات الدولية الانسانية القى ضوءا كبيرا على ما يدور في هذه المنطقة البائسة، فافتضح امر الاحتلال لكنه ازداد تغولا وجنونا وراحت جرافاته تهدم المزيد من القرى والبيوت، فسارعت بعض المنظمات الانسانية بمساعدة السلطة الفلسطينية على بناء المدارس واعادة اشادة البيوت وحفر الابار الامر الذي دفع اسرائيل لهدم وتدمير كل ما قامت السلطة ومنظمات الاغاثة ببنائه.

 

ومع ان الخراب في هذه القرى يبدو مخيفا لكأنما ضربها زلزال، الا ان البدو يتشبثون بسقائفهم ومغاورهم وكهوفهم وارضهم ومزارعهم ومواشيهم ويمضون ايامهم في مقارعة اليات وجرافات الهدم والتدمير الصهيونية، في اصرار اسطوري على التمسك بارضهم وطبيعة حياتهم. لكن الى متى!! فامكانيات الاحتلال اكبر ولذلك لا بد من وقفه عربية ودولية مع هؤلاء الناس المهووسين بالاستيطان حتى في المناطق البدوية ووضع حد لجرائمهم العنصرية الاستيطانية.

======================

العالم العربي: احزاب حاكمة ام محكومة؟

ميشيل كيلو

2010-12-20

القدس العربي

ليس وضع الأحزاب جيدا في العالم كله. وهناك شكوك جدية في جدارة الحزب كمؤسسة وأداة نضالية تعززت بعد انهيار نمط الأحزاب التي سميت طليعية وثورية في المعسكر الاشتراكي السابق، وكانت الثقة في فاعلية لحزب الثوري قد بدأت تختفي قبل ذلك بعقود في مجتمعات غرب أوروبا الرأسمالية المتطورة، التي عجزت أصلا عن التوطن في بلدان رأسمالية عالية التقدم كالولايات المتحدة واليابان وألمانيا الغربية ... الخ، كان ماركس قد رشحها لأن تكون أول المتحولين إلى الاشتراكية، نتيجة لتفاقم التناقض الرئيسي، فيها أكثر من غيرها وقبل غيرها، بين طابع الإنتاج الاجتماعي والطابع الفردي لملكية وسائله وأدواته.

بدورها تعاني الأحزاب الإصلاحية في الغرب، التي نشأت في سياق التطور الرأسمالي من مشكلات متنوعة تتصل بطابعها وقدراتها وأدوارها، ولا يماري أحد اليوم في أن الحزبين الديموقراطي والجمهوري في أمريكا هما حزبا نخب السلطتين السياسية والاقتصادية، وأن الأحزاب الديموقراطية الاجتماعية والمسيحية في أوروبا الغربية تواجه مشكلات تكيف جدية تتصل بتمايزها واختلافها بعضها عن بعض، وبتحولها المحتمل إلى جماعات ضغط يتناقص الفارق بين الجهات التي ترتبط معها، بينما تنفض عنها المجتمعات وكتلها البشرية الكبرى، ويضمر دورها في التأثير على الدولة والمصالح السائدة، ويتعاظم التذمر من وظائفها كتشكيلات تلتحق بأفراد أقوياء تتركز مهمتها أكثر فأكثر في إيصالهم إلى سدة السلطة، حيث يشرعون في التنكر لوعودهم الاجتماعية والاقتصادية، وممارسة سياسات تخدم بالدرجة الأولى من أوصلهم إلى مراكزهم العليا من أصحاب المصالح، الذين كانوا يتوعدونهم خلال حملاتهم الانتخابية ويحملونهم مسؤولية المشكلات التي يعاني منها العاملون، أي أغلبية الشعب، ثم أسفروا عن وجههم بعد فوزهم فإذا هم جماعتهم السياسية المدافعة عنهم.

أما عندنا، نحن العرب، فإن الحزب كمؤسسة سياسية كان في معظم أشكاله وفترات نشاطه منظمة نخبوية، تأسست كي تلبي طموح نخب جديدة أو صاعدة إلى المشاركة في مغانم السلطة، لذلك تكونت من أفراد توافقوا على رؤية برنامجية أو سياسية، انضموا بعضهم إلى بعضهم في حزب، كي يبدؤوا 'معركتهم' من أجل السلطة أو في سبيل مغانمها، مدعين أن ما يفعلونه هو مصلحة شعبية هل يفسر هذا لماذا تصرفت جميع أحزابنا كأحزاب 'ثورية' / نخبوية، رغم أن بعضها أراد أن يكون ليبراليا وبعضها الآخر ديموقراطيا أو شعبيا ؟.. كانت السلطة محور السياسات الحزبية، فغاب المجتمع عنها ولم يكن هدف جهدها الرئيسي، أو كان مجرد قناة جانبية وحسب تقود إلى، أو تحسن المواقع في المعركة من أجل السلطة. ولا عجب أن كل ما له علاقة بالتنمية السياسية للمجتمعات بقي غائبا عن وعي وعقل معظم الأحزاب، إن لم يكن عنها جميعها، وأن ثقافتها وسياستها وممارستها كانت نخبوية تحت / سلطوية فوق، ولم تكن مجتمعية الخطاب ناهيك عن التوجه إلا في بدايات بعضها، علما بأن المجتمعي ما لبث أن اختفى من منظوراتها أو تلاشى، لتحل محله تراتبية تنظيمية ورؤية أيديولوجية نافية للديموقراطية والحرية، جسدتها حقيقتان:

- ان الأحزاب لم تكن ديموقراطية البنى والوعي، ومع أنها قامت على الانضمام الطوعي للأفراد المنتسبين إليها، إلا أنها لم تعرف فكرة الحزبي كفرد حر ولم تروج لها أو تقبلها، وقالت بضرب من الانضباط يخضع في الأدنى للأعلى خضوعا أعمى، في علاقة إقطاعية الجوهر جعلت الحزبي عند قادته أشبه بالمرابع عند سيده الإقطاعي، فبقي كل ما له علاقة بالحرية والديموقراطية ومسائلهما غريبا وبعيدا عن الأحزاب، وأغلق طريقها إلى الحداثة من جهة، وإلى الأخذ بفكر وواقع المؤسساتية في العمل العام من جهة ثانية، لذلك كانت في عمومها معادية بنيويا وروحيا للمجتمعية والمدنية، ورأت في الشعب مفهوما ضيقا وحزبيا جماعتها غالبا ولم تر فيه كيانا يجب أن يكون مستقلا نسبيا عن تعبيراته الحزبية هو حامل الحرية والتقدم مفهوما وواقعا، وحاضنة لا تكون بدونها سياسة أو أحزاب، ناهيك عن تنمية وعدالة ومساواة وحرية.

- أنها لم تكن أحزابا مجتمعية، وتاليا عامة، عابرة للتكوينات الجزئية، بل كانت هي ذاتها بالأحرى تكوينات جزئية في تنظيمها، وعبرت عن تكوينات دنيا، ما تحت جزئية غالبا، سواء في سياساتها أم في برامجها، لذلك نجدها تسعى إلى أمرين في آن معا: التقرب أولا من السلطة واحتلال رؤوس جسور فيها، وخاصة منها مؤسسات القوة المنظمة والرأي المؤثر أو الحاسم كالجيش، والتعبير ثانيا عن مصالح ووجهات نظر فئات يدعي كل حزب أن مصالحه هي عين مصالحها ومصالحها عين مصالح المجتمع، أو هي ستصير حتما كذلك، بعد استيلائه على السلطة.

مع هذه الحركة المزدوجة على ما فيها من تعارض وتناقض نظري وعملي، والانعدام الفعلي لوجود أي بعد مجتمعي فوق أو طبقي، مدني وتاريخي تحت، لهذه الأحزاب، واقتصار دورها على فكرة ترى أن مشكلة السلطة هي مسألة السياسة الرئيسية، كان من الطبيعي أن تكون أحزابا تتطلع إلى السلطة قبل استيلائها عليها - أو تستأثر بها وتستبعد غيرها عنها بعد أخذها، ثم تابعة لها في آخر المطاف، مع ملاحظة مهمة هي أن من قام بأخذ السلطة في عالم العرب باسم الأحزاب كان العسكر، الذين مثلوا قوة السلطة القديمة وروح الجديدة، واحتكروا الحكم أكثر فأكثر، وابعدوا المدنيين عنه أو كيفوهم معه وحولوهم إلى ما أراد هؤلاء أن يكونوه دوما : أدوات سلطة يشاركون فيها أو يخدمونها، بصورة دائمة أو مؤقتة. عن بداية الانقلاب، كان يقال دوما إن السلطة هي سلطة الحزب، بعد أعوام قليلة صار يقال، بحق : إن الحزب هو حزب السلطة. حدث هذه لأسباب كثيرة أهمها هو أن العسكر تبينوا بسرعة عجز الحزب عن الاستيلاء على السلطة وإدارتها، لأسباب بينها ضعفه وفوات وعيه وغربته عن الواقع والمجتمع وطابعه الجزئي، فقرروا فعل ذلك بأنفسهم باسم الحزب أولا، ثم عبر الاستعانة بالحزبيين كأفراد وليس كشركاء مقررين في طور تال، دون أن يتخلوا عن اسم حزبهم باعتباره واجهة أيديولوجية تمنح شرعية سياسية ومدنية ما للسلطة الجديدة، التي أدركت أن الطبقة الوسطى هي الجهة الوحيدة التي تحمل بعض الخطورة بالنسبة لها، فلا بد إذن من عزلها عن السياسة والشأن العام، وربطها بالسلطة في آن معا، ولا مفر من استخدام الحزب كإطار تنضوي فيه يحيدها ويشلها حتى بالولاء، وكبؤرة يتم بواسطتها اصطياد عناصرها الأكثر حيوية وجلبها إلى حيث تخدم السلطة، التي تسع بذلك دوائر وجودها المجتمعي وفاعليتها الشعبية، علما بأن هذا الدور يمنع الطبقة الوسطى، في الوقت نفسه، من التواصل مع البيئة غير السلطوية والتأثير فيها، خاصة وأن نشاطا كهذا يمكن أن يخل بلعب السلطة وتوازناتها، التي كان الحزب قبل استيلائها على السلطة يقاتل ضد الحرية داخل صفوفه، فأخذت هي تقاتلها في المجتمع كله، بوسائلها وأجهزتها المنظمة، وتحت تغطية 'حزبية' دائمة.

باختصار : انقلب الحزب على السلطة التي كانت قائمة، وفي الوقت نفسه انقلب عسكره عليه فالانقلاب انقلابان:

واحد ضد الخصم السياسي، وآخر ضد الحزب الخاص، واحد أطاح بالعدو وآخر أطاح بالحزب وحوله إلى حزب سلطة كيف نفسه مع متطلباتها وبدل وظائفه، فلم يعد ناقل مطالب المجتمع إلى الحكم، بل ناقل أوامر الحكم إلى المجتمع، والمشارك في مراقبته وضبط حركته، فلا عجب أن تضخمت أحزاب السلطة عدديا إلى درجة الانتفاخ، بينما كانت تفقد استقلاليتها وقدرتها على تقرير شؤونها والنهوض بأي دور في الشأن العام، مجتمعيا كان أم سلطويا.

ومن يراقب حال الأحزاب، يجدها بلا أية فاعلية في محيطها، بل وعاجزة عن إقناع أعضائها بالقيام بأي نشاط حر أو مبادرة مستقلة من أجلها، بعد أن غدا من الصعب التمييز بين الحزبي وغيره من موظفي الأجهزة، واكتسح الفساد القيادات، ووقع انفصال طبقي وروحي بينهم وبين القواعد، واحتلت السلطة كامل المساحة التي يفترض بالحزب احتلالها، وحل رجل السلطة وكادرها وموظفها محل الحزبي في حمايتها وتنفيذ سياساتها، وتحول الأخير إلى تابع لأجهزتها أو عامل في صفوفها، وصار يعرف نفسه بدلالتها بدل تعريفها بحزبه، الذي تلاشى على وجه التقريب تأثيره في السلطة، بينما نما بالمقابل تأثيرها عليه، حتى صار واضحا لكل ذي عينين أن الحزب باق بفضلها وببقائها، وأنه لن يقوى على الاستمرار بدونها أو ضدها، ولم يعد وجوده ممكنا بعدها، فليس بوسعه الانفصال عنها، رغم ما يجره ارتباطه بضروراتها وآليات عملها وأخطائها وفسادها من سلبيات مهلكة عليه، ويورطه في مواقف ليست في مصلحته ولا تتفق مع ما تمليه أيديولوجيته عليه.

يعاني الحزب في بلداننا أزمة هيكلية حقيقية، مواليا كان أم معارضا، بسبب قوة النظام السلطوي الشمولي، الذي يعيد إنتاج المجتمع انطلاقا من مصالحه وعلى صورته ومثاله، قدر الإمكان وبما يناسبه، وبالمقابل، نتيجة لضعف المجتمعات العربية وتهافت ما نشأ فيها من تعبيرات حزبية وسياسية، كانت هشة قبل استيلائها على السلطة، وفقدت معظم دورها ووظائفها بعد ذلك، فالأحزاب المسماة حاكمة هي بالأحرى محكومة، تسيرها الآلة التي استولت على السلطة : عنيت الأجهزة السرية، التي نما نفوذها حتى صارت قوى مقررة، وحولت الأحزاب إلى أذرع وأعين لها لا علاقة ذاتية أو خاصة لها بالمجتمع ومشكلاته، ولا حق لها في طرح حتى مشكلاتها الذاتية والخاصة، التي غدت جميعها تفريعات من مشكلات سلطة تلتهم وتحيد يوميا أحزابا لطالما زعم إعلامها أنها قائدة ومسيطرة !.

باندماج الأحزاب في السلطة، وتحولها إلى فروع وامتدادات لأجهزتها، فقدت هذه طابعها الأصلي، وغدت تكوينات ذات عصبيات سلطوية تنفي العصبية الحزبية، وتدرجها في إطار ما قبل مجتمعي فئوي / قبلي / شخصي / طبقي ... الخ - وفوق حزبي / شبه دولوي في آن معا، مما يضيع هوية المنتسبين إلى الأحزاب ويجعلهم منتسبين إلى أجهزة سرية، ويضفي على الأحزاب طابعا سريا يفضح أكذوبة أنها حاكمة ومسيطرة وقائدة. ولو تابع المرء ما يمارسه الحزبيون من نشاط في ظل سلطت'هم '، لوجد أنهم لا يقومون بأي نشاط مستقل، ويخضعون لما يخضع له غيرهم من غير الحزبيين، وأن سلطتهم لا توفرهم عند الضرورة، إن خرجوا عن الدور المرسوم لهم في خدمتها.

تعيش الأحزاب العربية حالة من الانحطاط السياسي والتنظيمي وتتحمل مسؤولية كبيرة عن تدهور وبؤس الواقع العربي. في مطالع القرن العشرين، لم يكن لدينا أحزاب، وكان لدينا حركة مجتمعية قاومت الاستعمار وحققت إنجازات وطنية حقيقية. بعد نصف قرن نشأت الأحزاب ثم استولت على السلطة، فاختفى المجتمع وبدأ يتهاوى ويتفكك. يرجع هذا إلى نشأتها كتكتلات نخبوية ضعيفة، أو عديمة الجذور، في مجتمعاتها، التي كبح اندماجها الوطني والطبقي الحديث.

ويعود كذلك إلى قوة السلطة التي تستخدمها إن كانت موالية وتلاحقها إن كانت معارضة، وإلى غياب الفرد كمواطن حر ومنتج عن شأن عام صعب التعريف وقليل التبلور بدوره. ولعله من المفيد بالنسبة لأية محاولة حزبية جديدة أن تدرس أنماط الأحزاب القائمة وتجاربها، وأن تفكر لماذا وصلت جميعها إلى حيث هي الآن: في جيب السلطة أو سجونها. ولا بد أن ينشأ ذات يوم في ديار العرب حزب من نمط مغاير، رهانه المجتمع المدني والمواطنة وليس السلطة والنخبة، وحامله المواطن الحر لا الحزبي المطواع، ركيزته الرئيسية الحرية: في صفوفه وداخل المجتمع والدولة، ليست السلطة هدفه الأول بل الأخير، الذي لن يصل إليه بانقلاب عسكري أو مؤامرة، بل بانقلاب إصلاحي مديد، يخلو من العنف ويلمس المجتمع آثاره المباشرة في حياته، فيمنحه ثقته، ويؤيده دون أن يتبع له أو يسير وراءه أو يسمح له بخداعه أو الكذب عليه. عندئذ، سنكون قد وضعنا أقدامنا على طريق الحرية والوحدة والتقدم!.

' كاتب وسياسي من سورية

======================

جنوب السودان: خطر الانهيار وتداعيات النموذج الباكستاني

د. عبدالوهاب الأفندي

2010-12-20

القدس العربي

أصبح في حكم المؤكد أن يدشن استفتاء التاسع من كانون الثاني/ يناير القادم في السودان دولة الجنوب الجديدة، ولن تكون هناك احتفالات أشبه بمأتم من تلك التي سيشهدها ميلاد الدولة الجديدة.

فمثل هذا الميلاد تصاحبه وعود كبيرة بالتحرر والانعتاق، وأيضاً بانفتاح آفاق جديدة للتطور وتحسين الأوضاع العامة والخاصة. ولعل أبرز وأول ثمار الاستقلال بالنسبة لأي دولة هي تولي النخبة في تلك الدولة قيادة الدولة وتسلم المناصب العليا فيها، مع انفتاح مجالات التوظيف التي كانت محتكرة في السابق للنخبة الأجنبية أو المركزية. ولكن في حال الجنوب فإن هذه الوعود لا وجود لها، لأن التحرر قد تم فعلاً، بينما المناصب العليا هي سلفاً في يد النخبة الجديدة وليس هناك مجال لأي وظائف أو مناصب جديدة تعطي 'الاستقلال' بعضاً من نكهته الاحتفالية. بل بالعكس، سيكون هناك تكدس لا مثيل له في أي دولة مستقلة من طلاب الوظائف العليا، وعشرات الآلاف من طالبي التوظيف في ما دون ذلك، وذلك في دولة تعاني من مشاكل في البنية التحتية والطاقة الاستيعابية في القطاعين العام والخاص.

فمع إعلان استقلال الجنوب سيفقد أكثر من مائة نائب برلماني وعشرات من الوزراء المركزيين والولائيين الجنوبيين وظائفهم في الشمال بصورة تلقائية، وستواجه الحكومة الجديدة تحدي إيجاد الوظائف لكل هؤلاء الطامحين، مع كل ما سيولده هذا من إحباطات وصراعات. هناك فوق ذلك الآلاف ممن يحتلون الوظائف العليا والوسيطة في سلك الدولة، وكثير من هؤلاء سيفقدون وظائفهم، على عكس المتوقع مع ميلاد أي دولة جديدة من آمال وطموحات، خاصة أن أكبر البواعث على الانفصال كانت التغلب على ما تراه النخبة في الجنوب من إقصاء وحرمان من الوظائف والمناصب. وهذا وضع مقلوب لوقائع الاستقلال الأخرى، حين تغادر النخبة الاستعمارية إلى بلدها الأم الذي يواجه مشكلة استيعابها، بينما تنفتح أمام نخبة البلد المتحرر آفاق المناصب والوظائف. ولكن دولة الجنوب الجديدة ستكون في هذه الحالة أشبه بدولة استعمارية يحتم عليها استيعاب نخبتها العائدة من الخارج. وبالتالي ستكون فترة الابتهاج قصيرة، وبداية التأزم قريبة وعسيرة.

هذه لن تكون أكبر مشاكل الدولة الوليدة، فهناك قضايا أكبر تتعلق ببناء الدولة والأمة، وتجاوز العصبيات المؤسسية (خاصة فيما يتعلق بدور الجيش الشعبي وهيمنته على مفاصل الدولة) والقبلية والجهوية، ثم تحديات التنمية وبناء المؤسسات وتقديم الخدمات للمواطنين. وقد دفع حجم هذه التحديات والتخوف من القدرات المحدودة للحركة الشعبية على التصدي لها كثير من المراقبين إلى التصريح بمخاوفهم بأن يتحول الجنوب إلى 'دولة فاشلة'. وبحسب مجلة تايم فإن خبراء التنمية والعون الأجنبي في الجنوب نحتوا تعبير 'دولة مسبقة الفشل' لتوصيف دولة الجنوب المقبلة. وقالت المجلة عن الجنوب إنه إقليم 'ليس فيه خطوط هاتف أرضية، ولا مواصلات عامة، ولا شبكة كهرباء، ولا صناعة ولا زراعة والقليل فقط من المباني والفنادق.' إضافة إلى ذلك فإنه لا تكاد توجد في العاصمة جوبا أي شركات أو مؤسسات خاصة، وبها القليل جداً من المدارس، ومستشفى واحد متهالك. وعليه فإنها لا تمتلك أي من مقومات الدولة، وهناك احتمال كبير بحسب هؤلاء المراقبين لانهيار الدولة، وربما تجدد الحرب الأهلية.

وبالطبع فإن القيادات الجنوبية ومعظم مثقفي الجنوب يرفضون هذا التوصيف، ويعتبرون أنه من قبيل محاولات تخويف الجنوبيين من التصويت للاستقلال. أما أمين عام الحركة الشعبية باغان أموم فقد أكد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إن استقلال الجنوب لن يؤدي إلى خلق دولة فاشلة، بل بالعكس، سيؤدي إلى إنقاذ الجنوب من براثن الدولة الفاشلة، حيث أن السودان قد صنف من قبل مجلة 'فورين بوليسي' خلال الست سنوات الماضية من بين أفشل ثلاث دول في العالم. وبالتالي فإن استقلال الجنوب سيكون مخرج الجنوب من فشل الدولة وليس الطريق إليها.

ومع أن المخاوف من انهيار دولة الجنوب لها ما يبررها، إلا أنني أعتقد أن هناك مبالغة في تصوير هذا الخطر. فميلاد أي دولة جديدة هو حدث محفوف بالمخاطر، خاصة حين يكون ناتجاً عن انقسام دولة يتداخل سكانها، ويكون هذا الانقسام موضع خلاف بين الطرفين. ولعل النموذج الأقرب لما سيحدث في الجنوب هو نموذج الباكستان، وليس نموذج اريتريا. فاستقلال اريتريا تم بالتوافق بين حكومتي البلدين ولم تنتج عنه تحولات سكانية ضخمة، وإن كانت تداعياته وشكل الدولة التي نتجت وحرب الحدود التي خاضتها مع البلد 'الأم' ليست نموذجاً مشجعاً.

ولكن نشأة الدولة الباكستانية تشبه إلى حد كبير وضع الجنوب، حيث تم قبول انفصال باكستان على مضض من قبل النخبة في الهند، التي بذلت الكثير حتى تجعل الوحدة 'جاذبة'. وقد صاحبت الانفصال تحولات ملايين السكان بين البلدين، ومجازر راح ضحيتها مئات الآلاف. وكان إصرار الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح على الانفصال ذا دوافع قومية أكثر منها دينية، حيث أن عدداً من القيادات الإسلامية مثل أبو الأعلى المودودي زعيم الجماعة الإسلامية وأبو الكلام آزاد وعددا من العلماء وقفوا ضد الانفصال، بينما اختارت غالبية مسلمي الهند البقاء فيها بدل الرحيل إلى باكستان. والنتيجة أن باكستان هي اليوم دولة نووية، ولكن رئيسها مدان بجرائم فساد ومطلوب للقضاء، كما أنها عانت من التقسيم، وبعض ترابها محتل من قبل الهند، وكثير من أقاليمها خارج حكم الدولة، والإرهاب العابر للقارات يهدد أمنها واستقرارها.

لا يعني هذا بالضرورة أن نفس المصير ينتظر الجنوب، بل أرجح أن الدولة الوليدة ستصمد في نهاية الأمر إذا تغلبت الحكمة على سلوك قياداتها، وتحقق النجاح في توحيد الصفوف وتخفيف التوتر مع الشمال حول أبيي وغيرها من نقاط الخلاف العالقة. ولكن الأيام الأولى للاستقلال ستكون عصيبة بلا شك، وخالية من أفراح التحرر للأسباب التي أسلفنا، وسيكون 'اليوم التالي' للاستقلال يوماً ثقيلاً على حكام الجنوب القدامى- الجدد.

لكن الحل في هذه الحالة يكون باتخاذ إجراءات احترازية لدعم دولة الجنوب وحمايتها من الانهيار بدلاً من التفرج على ما سيقع أو التبرع بالتكهنات. حتى الآن فإن أعلى الأصوات التي حذرت من فشل دولة الجنوب ظلت تأتي من عمال المنظمات الطوعية الأجنبية وخبراء المعونات ودول الجوار، إضافة إلى أصوات قليلة من الولايات المتحدة (مثل مركز كارتر) ومن أوروبا. ولكن دول الجوار هي التي تخشى الاكتواء بنار انهيار الدولة في الجنوب، عبر تدفق اللاجئين أولاً وعبر انتقال العنف إلى أراضيها وتحول أراضي الجنوب إلى قاعدة لقوى قد تهدد أمنها. ولهذا فإن بعض هذه الدول قد اتخذت سلفاً خطط طوارئ للتدخل في الجنوب إذا استدعى الحال بحجة عدم السماح بأن يتحول الجنوب إلى صومال جديدة تهدد أمن المنطقة. ولكن الإشكال أن مثل هذه الخطط الاحترازية قد تصبح في حد ذاتها عاملاً لزعزعة الاستقرار في الجنوب لأنها قد تشجع التدخل المبكر أكثر من اللازم.

الولايات المتحدة ومعها بعض دول الجوار والاتحاد الافريقي حاولت إقناع قيادات حكومة الجنوب بتأجيل الاستفتاء لمنح الجنوب وقتاً أطول حتى يكون مستعداً بصورة أفضل للاضطلاع بأعباء الدولة المستقلة، إلا أن الحركة الشعبية وبقية القيادات السياسية في الجنوب رفضت هذا المقترح بشدة. وعليه لم يبق هناك حالياً سوى التعايش مع حقيقة أن الجنوب سيتحول إلى دولة ناقصة الاستعداد، وسيواجه مشاكل كبرى منذ اليوم الأول.

وإذا كانت دول الجوار تخشى مخاطر انهيار الدولة في الجنوب، فإن العواقب ستكون أسوأ بالنسبة لشمال السودان، لأن التداخل بين شطري البلاد يفوق أي تداخل مع دول الجوار الأخرى. وعليه فإن مصلحة الشمال ألا تنهار الدولة في الجنوب، مما يعني أن هناك ما يتعدى الالتزام الأخلاقي وحقوق حسن الجوار فيما يتعلق بضرورة الاجتهاد في دعم الدولة المرتقبة في الجنوب. ولكي يتحقق هذا لا بد من المسارعة في حسم القضايا الخلافية المتعلقة بمرحلة ما بعد الاستفتاء، حتى لا تتولد عنها احتكاكات تهدد استقرار الجنوب والشمال معاً. ويجب كذلك التأني في التعامل مع مواطني الجنوب المقيمين في الشمال، وعدم اتخاذ أي خطوات تؤثر سلباً على وضعهم حتى لا تحدث حركة نزوح واسعة لا طاقة للجنوب باستيعابها. يجب كذلك أن يتبرع الشمال بتقديم العون الفني في مجالات الإدارة والأمن والتدريب العسكري ومجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية وغيرها.

في نهاية المطاف فإن الروح التي يتم التعامل بها مع الأوضاع سيكون لها الأثر الحاسم في مستقبل علاقات شطري البلاد. فإذا كانت الروح هي روح تعاون وحرص على الاستقرار والمصالح المشتركة، فإنها ستولد بدورها مناخاً إيجابياً يعين الشمال والجنوب معاً على تجاوز المرحلة الحرجة القادمة. إما إذا كانت روح تشفي وتربص الدوائر وانتهاز الفرص، فإن الدمار الشامل سيحل بشطري السودان معاً. والخيار بيد القيادات في نهاية المطاف. كل ما نتمناه في هذا المقام هو أن تصدق أمانينا، لا توقعاتنا، حول الطريقة التي ستتصرف بها تلك القيادات.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

======================

هل باتت الحرب.. وشيكة ؟!

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

21-12-2010

ثمة تسخين واضح في شبه الجزيرة الكورية, اللاعبون هم انفسهم الذين قادوا حرب العام 1950, ولكن هذه المرة بدون الاتحاد السوفياتي, حيث روسيا بوتين غير معنية بالصراع مع الامبريالية الاميركية (والصين كذلك لا تتقدم الايديولوجيا على جدول اعمالها, لكن لبيجين قراءتها الخاصة المرتبطة بالأمن القومي الصيني وعدم استقرار موازين القوى, بعد أن كشفت طوكيو عن «عقيدتها» العسكرية الجديدة, حيث اتكأت الاخيرة على تصاعد الخطر العسكري الصيني, للتحلل من تعهداتها بعدم تطوير قدراتها العسكرية بعد استسلامها في الحرب العالمية الثانية, على نحو يهدد جيرانها ودعم واشنطن الآن متوفر بقوة)..

 

ورغم أن العد العكسي لحرب بين شطري كوريا لم يبدأ بعد, بل إن تراجعاً محسوباً للطرفين قد تم رصده, وخصوصاً بعد أن اعلنت سيؤول وفي شكل مفاجئ, أن مناوراتها بالذخيرة الحية ستستمر لفترة أقل من ساعتين, ثم توقفت بعد ساعة واحدة فقط, ما استدعى تساؤل المراقبين عن سر عدم استجابة كوريا الجنوبية (وبالتالي واشنطن) لنداء صيني روسي بالغاء هذه المناورة, تجنباً للتصعيد أو لمنع تدهور الاوضاع الى ما هو أسوأ (ربما لرد الاعتبار واستعادة ثقة الكوريين الجنوبيين بحكومتهم), فإن الليونة (...) التي ابدتها بيونغ يانغ عبر حاكم ولاية نيومكسيكو بيل ريتشاردسون, كانت هي الاخرى اكثر من لافتة وخصوصاً انها تجاوزت «اللين» الى ما يشبه التنازلات, والتراجع عن المواقف المتشددة التي واصلت اعلانها منذ نيسان 2009, بعد أن سحبت كل تجهيزات المراقبة لمفاعل يونغبيون, مطالبة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مغادرة البلاد..

 

ها هي - بيونغ يانغ - توافق الآن على عودة مفتشي الامم المتحدة الى الموقع الأهم في البرنامج النووي الكوري, بل انها أبدت موافقتها على تشكيل لجنة مشتركة ووضع خط هاتفي ساخن بين الكوريتين (والولايات المتحدة ايضاً).. اضافة الى سماحها بارسال قضبان الوقود النووي اللازم لتخصيب اليورانيوم الى الخارج..

 

فهل نحن أمام مناورة كورية شمالية تستهدف شراء الوقت, لتمكين الوريث الجديد, كيم جونغ اون, من تثبيت موقعه, الذي يوشك أن يتولاه؟ أم أدرك الزعيم كيم جونغ ايل, أن احتمالات المواجهة باتت اقرب من أي وقت مضى وأن الحكمة تقتضي التراجع المحسوب, بعد أن لم يعد أمام قادة كوريا الجنوبية المزيد من الوقت أو الصبر على «الصفعات» الكورية الشمالية القاسية والمهينة؟ الاولى التي تمثلت بإغراق البارجة «تشيونان» والتي حال «فيتو» صيني دون ادانة بيونغ يانغ, أما الثانية والأكثر خطورة بدلالاتها السياسية (استقالة وزير الدفاع الجنوبي) والاستراتيجية, هو القصف المدفعي الشمالي على جزيرة يونبيونغ والذي أشعل الضوء «الأحمر» في العواصم الثلاث المعنية بالأزمة الكورية, وهي واشنطن, طوكيو وسيؤول فيما أبدت موسكو قلقها, لكن بيجين أفشلت يوم امس (للمرة الثانية) محاولة اميركية لاستصدار قرار في مجلس الامن يدين قصف كوريا الشمالية للجزيرة الجنوبية..

 

الاصابع على الزناد, والاطراف المعنية كافة, لا مصلحة لها باندلاع حرب ولو محدودة, لأن لا أحد بمقدوره التكهن بالمدى الذي ستصل اليه الامور, وبخاصة أن «اللاعِبَيْن» الأهم, نقصد واشنطن وبيجين, لا تريان في هذه المرحلة أن الحسم مطلوب, أو أن اغلاق الملف الكوري المفتوح منذ نصف قرن ونيّف, يحتل اولوية على أجندتها الدولية أو في مقاربتهما الراهنة, للخروج من معادلة التحالفات والاصطفافات التي تحكم علاقات العواصم المؤثرة, في تلك المنطقة الأخطر في العالم, والتي سيتحدد فيها مستقبل القوى العظمى (القائمة الان كواشنطن وتلك الصاعدة مثل الصين والهند بالطبع, وإن كانت بعيدة نسبياً عن المحيط الهادئ, لكنها تحسب في عداد اللاعبين بهذا الشكل أو ذاك)..

 

تبدو كوريا الشمالية أكثر اصغاء للصين في هذه المرحلة, مقارنة بما كانت الأمور عليه قبل عامين (عندما طردت مفتشي الأمم المتحدة وازالت كاميرات التصوير من مفاعلها النووي الأهم يونغبيون), وبخاصة أنها تعيش مرحلة انتقالية تهيئ لصعود الابن الاصغر للزعيم الشمالي وهو «صعود» حظي بموافقة القيادة الصينية, التي تدرك هي الاخرى أهمية بيونغ يانغ في استراتيجيتها متوسطة المدى, لتجديد وتحديث ترسانتها العسكرية وخصوصاً البحرية, وهو ما يثير قلق ومخاوف اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وماليزيا واندونيسيا, رغم العبء الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي الذي تشكله كوريا الشمالية على بيجين, والتي تخشى في جملة ما تخشاه حدوث هجرة جماعية كورية شمالية لاراضيها في حال انهار النظام أو تصدّع أو لحقت به هزيمة عسكرية, رغم انها لن تسمح بذلك أقله في المرحلة الراهنة وضمن موازين القوى السائدة الان في تلك المنطقة من العالم..

======================

سوريا عمق استراتيجي ل"حزب الله"... وهو عمق لها

سركيس نعوم

النهار

21-12-2010

قبل ايام قال رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع كلاماً نقلته وسائل الاعلام على تنوعه يفيد ان اصرار فريق 8 آذار على طرح ملف شهود الزور على التصويت داخل مجلس الوزراء لم يعد في محله، لأنه حصل، وإن على نحو غير مباشر، عندما اتخذ رئيس الجمهورية ميشال سليمان المُمَثَّل في الحكومة بخمسة وزراء ووزراء "اللقاء الديموقراطي" بايعاز من رئيسه الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط قراراً بعدم مجاراة وزراء 8 آذار في موقفهم المصر على التصويت، وعندما نفذه سليمان برفع الجلسة، طبعاً رفض نواب وسياسيون من فريق 8 آذار هذا الكلام معتبرين انه ينطوي على الكثير من "التشاطر" وليس "الشطارة". ورحب به رفقاء له في فريق 14 آذار وإن من دون تعليقات مباشرة ومهمة عليه. الا ان ذلك لم يمنع كثيرين من التساؤل ليس عن حصول التصويت المباشر او عدم حصوله بل عن الموقف الفعلي لرئيس الجمهورية والزعيم الدرزي الابرز الذي أحبط للمرة الثانية على الاقل خطة 8 آذار لحسم ملف شهود الزور بالتوافق وبالتصويت اذا تعذر.

هل من جواب او أجوبة عن تساؤل كهذا؟ او هل من تعليق او تعليقات عليه؟

يجيب العارفون ومتابعو الاوضاع اللبنانية بتشابكاتها الاقليمية والدولية عن ذلك بالقول اولاً، ان موقف رئيس الجمهورية والذي اعتبره جعجع حاسماً في ملف شهود الزور ليس نهائياً. ويجيبون ثانياً بأنه لن يكون نهائياً الا بعد توصل سوريا والعربية السعودية الى تسوية للملف المذكور ولمشكلات اخرى مرتبطة به واكثر صعوبة منه تقنعان بها فريقي الصراع الداخلي اي 8 و14 آذار. وهذا امر لم يحصل بعد، علماً ان هناك تناقضاً بين العارفين والمتابعين حيال مدى تقدمه حتى الآن. ويجيبون ثالثاً، بأن عدم توصل سوريا والسعودية الى تسوية واستمرار سليمان في التروي والهدوء وعدم اتخاذ مواقف حادة وابقاء الباب مفتوحاً امام كل الاحتمالات لا بد ان يدفعه الى الاختيار سواء كان عدم التوصل المذكور نتيجة تجدد الخلاف بين هاتين الدولتين، او نتيجة اقتناعهما بعجزهما عن التفاهم لاسباب اقليمية من جهة ودولية من جهة اخرى. والاختيار لا يعني فقط السير في التصويت بل يعني ان عليه ان يحدد لوزرائه اذا كانوا فعلاً كذلك، واذا لم يكن بعضهم مخترقاً، الجهة التي سيصوتون الى جانبها 8 او 14. ويجيبون رابعاً، بأن العلاقات بين سليمان والقيادة السياسية العليا في سوريا جيدة، رغم عدم اعتبارها اياه "حليفاً" وفق مواصفاتها للحليف، وينطلقون من ذلك الى الاشارة الى انه ما كان ليكرر تأجيل التصويت لو لم تكن موافقة عليه أو متفهمة لدوافعه. وموافقتها هذه لا بد أن تكون نتيجة اتصالات ومشاورات مع الخارجين الاقليمي والدولي، ولا بد أن تكون لها علاقة بخوفها من اندلاع فتنة او حرب مذهبية تؤذيها كما تؤذي حلفاءها اللبنانيين رغم احتمالات تحقيقهم نجاحات أولى فيها. ويجيبون خامساً، بأن سليمان سيحسم موضوع التصويت على ملف شهود الزور كما على القضايا المتفرعة منه يوم تحسم القيادة السورية المشار اليها قرارها النهائي.

اما الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط، فان العارفين ومتابعي الاوضاع اللبنانية انفسهم، يشبّهون موقفه والى حد كبير بموقف الرئيس سليمان. فهو ينسق بدقة مواقفه مع دمشق، وسيتخذ القرار النهائي حول الموضوع المذكور اعلاه فور اتخاذها في شأنه القرار الذي يؤمن مصالحها اولاً ثم مصالح لبنان او بالاحرى مصالح حلفائها فيه. طبعا يفضّل الزعيم الجنبلاطي ان يكون موقفه نتيجة تسوية سورية – سعودية، لأن علاقاته "جيدة" مع المملكة، ولأن خسارتها قد لا تُعوّض على اكثر من صعيد. لكنه في النهاية عملي و"براغماتي" اي يمشي مع الأقوى والقادر على ممارسة سياسة العقاب والثواب. الا ان "عمليته" هذه قد تضعه في شيء من الارتباك وخصوصاً اذا برز نوع من الاختلاف بين موقف كل من "حزب الله" واستطراداً راعيته ومؤسسته ايران الاسلامية وسوريا الاسد حول الموضوع المطروح. ذلك ان الحزب هو الاقوى على الارض في لبنان. وسوريا استعادت حضورها والنفوذ فيه وكذلك دورها بواسطته اولاً ثم بمساعدة حلفائها الآخرين. طبعاً لا أحد من هؤلاء يعرف اي موقف قد يتخذه جنبلاط في هذه الحال. لكنهم يكادون ان يجمعوا على ان المواجهة الجارية، وخصوصاً على صعيد المحكمة سواء داخل لبنان أو في المنطقة أو مع المجتمع الدولي، لن تسمح لطهران ودمشق والحزب ابن الاولى وحليف الثانية بترف الاختلاف الفعلي، ذلك لأنهم كلهم في "الدق" وسيبقون كذلك سواء ذكر التقرير الاتهامي الدولي أسماء البعض منهم أو أحجم عن ذلك.

في اختصار يفضل الرئيس اللبناني ميشال سليمان تلافي كأس الاختيار المرة. ويفضّل الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط الامر نفسه. لكن ماذا عن "حزب الله"؟ هل يقبل تسوية لا تحميه تماماً؟ وهل يقبل الاعتراف بحقيقة او بالاحرى بقاعدة عامة هي ان "الصغير" في أي ملف، وعذراً لهذا التعبير، لا يستطيع ان يملي سياسته على كباره وخصوصاً اذا كان مدينا لهم رغم ما قدمه اليهم، ورغم قوته الهائلة التي تمكنه اذا اراد من مواجهة الضغوط الحليفة والعدوة في آن واحد؟

طبعاً لا يمتلك أحد أجوبة عن هذه الاسئلة أو التساؤلات. لكن تمكن الاشارة الى ان سوريا الأسد بالنسبة الى "حزب الله" وشعبه هي عمق استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه. علماً ان لبنان "النافذة" فيه كلمة "حزب الله" وشعبه هو عمق استراتيجي صريح بل ضروري لها ايضاً.

======================

المسلمون البريطانيون يلجأون إلى العلاقات العامة من أجل الانخراط في المجتمع

ريمونا علي

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

17 كانون الأول/ديسمبر 2010

www.commongroundnews.org

لندن – لم يكن العقد الماضي سوى تحدٍ للمسلمين في بريطانيا. ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الرهيبة في مدينة نيويورك والسابع من تموز/يوليو في لندن، وقع أتباع ثاني أكبر ديانة في العالم عرضة وبشكل قاسٍ تحت أضواء الإعلام. بدا الوضع قاتماً، إلا أن بصيصاً من الأمل نجا من العاصفة. كان تركيز الجاليات المسلمة في المملكة المتحدة على التعافي والشفاء، والبناء والانخراط أكثر من أي وقت مضى، بينما برزت مشاريع المجتمع المحلي على مستوى الجذور عبر الأمة.

 

بعد تسع سنوات من الهجمات على أمريكا، وخمس سنوات من هجمات لندن، هل تحسّن الوضع بالنسبة للبريطانيين المسلمين؟

 

تصعب الإجابة بأي قدر من الدقة. إلا أن استطلاع اليوغوف YouGov الذي تم مع نهاية شهر أيار/مايو 2010 كشف أن واحداً من كل بريطانيين إثنين يربط الإسلام مع التطرف والإرهاب. ويعتقد 6% فقط أن الإسلام يشجّع العدالة. ويعتقد 67% أن الإسلام يشجّع ظلم المرأة، ولا يوافق 41%، أو "لا يوافقون بشدة" مع فكرة أن للمسلمين أثراً إيجابياً على المجتمع البريطاني.

 

وقد قامت المنظمة الخيرية الجديدة، مؤسسة دراسة الإسلام Exploring Islam Foundation، التي تأسست من قبل مجموعة من المهنيين البريطانيين الشباب المهتمين بعمق بالمنظور العام لدينهم، قامت بتكليف القيام بهذا الاستطلاع. وتسعى المنظمة، التي تهدف إلى تحدّي المنظور الخاطئ عن الإسلام ونشر الوعي بقيمه ومساهماته العالمية إلى البناء على الجهود المحلية الممتازة للعديد من المسلمين والمنظمات الإسلامية. وقد ساد الشعور بأن الوقت قد حان لوضع الإسلام في التيار الرئيس للمنظور العام.

 

أطلقت مؤسسة دراسة الإسلام أول حملة إعلامية لها وعنوانها "ألهمَني محمد" في حزيران/يونيو 2010. عرضت مبادرة العلاقات العامة المقدامة أولاً حملة دعائية تغطي ثلاثة مواضيع حمل لواءها النبي محمد (ص): حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة. تم وضع صور لمسلمين مرتبطين بكل واحدة من هذه القيم في نظام المواصلات البريطاني: في نظام مواصلات الأنفاق ومواقف الحافلات (الباصات) وأسطول سيارات التاكسي المعروفة في العاصمة.

 

أطلقت حملة "ألهمني محمد" كمّاً هائلاً من الاهتمام محلياً وعالمياً، وجرت تغطيتها في مئات وسائل الإعلام من الشرق الأوسط إلى المكسيك ومن نيويورك إلى نيوزيلاندا لتصل إلى ملايين الناس. تسلّم الموقع 200,000 زيارة في أول أسبوعين من إطلاقه حيث زاره أشخاص من 160 دولة وجرى بحثه في مدونات وعلى التويتر ومواقع التشبيك الإلكترونية.

 

وانهالت الرسائل الإلكترونية من مسلمين عبّروا عن فخرهم بحملة عبّرت أخيرا عن قيَم الإسلام الحقيقية. شكّلت حملة "ألهمني محمد" مؤسسة صاغت جيداً الثقة المتنامية كجزء من الهوية البريطانية المسلمة.

 

كانت استجابة إعلام التيار الرئيس إيجابية بشكل هائل، حيث ساهمت الحملة حتى في مضمون البرامج، مثل برنامج "السؤال الكبير" في البي بي سي،الذي طرح التساؤل: "هل يحتاج الإسلام لعلاقات عامة أفضل؟" امتدح المشاركون في هذا البرنامج، بمن فيهم الشاعر بنيامين زفانية وكبير محرري New Statesmen مهدي حسن، امتدحوا الحملة على أنها مثال ساطع من العلاقات العامة من أجل الإسلام. وعلى المستوى الفردي، ورغم وجود العديد من المدوّنات التي احتفلت بالمناسبة من خلال التعبير عن مشاعر معادية للإسلام، كان هناك مدونات كذلك ثمّنت نجاح المؤسسة. أرسل أحدهم رسالة إلكترونية قال فيها: "لست مسلماً، وقد ألهمني عملكم إلى حد بعيد".

 

ورغم أن النتائج التي توصّل إليها استطلاع YouGov كانت مثبطة للهمّة، إلا أن الأمر يعود إلينا نحن المسلمين المقيمين في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى لأن نكون إيجابيين، لإظهار الالتزام والقناعة بدلاً من الاستهداف، ولأن نستمر بمساهماتنا القيّمة تجاه تقدّم المجتمع البريطاني.

 

بعد التجاوب الإيجابي مع حملتها الافتتاحية، تتطلع المؤسسة قدماً إلى الحملة التالية والتي ستنطلق في كانون الثاني/يناير من العام القادم، مركّزة على تاريخ من التعايش والتعاطف بين المسلمين واليهود، وهي علاقة هامة وحساسة، غطت السياسة الجغرافية إلى حد بعيد على تاريخها.

 

سوف تعلن الحملة الثانية وعنواها "الصفحات الناقصة" عن التضامن مع يوم ذكرى المحرقة في 27 كانون الثاني/يناير، وتظهر كيف تسير معاداة السامية ضد تعاليم الإسلام. ومن العناصر الرئيسية لهذه الحملة استضافة المصوّر الفوتوغرافي الأمريكي اليهودي نورمان غيرشمان من مؤسسة Eye Contact التي تشجّع على التسامح العالمي من خلال استخدام تصوير الأشخاص، ليتحدث عن كتابه "بيسا: المسلمون الذين أنقذوا يهوداً أثناء الحرب العالمية الثانية". وسوف تتشارك المؤسسة مع جامعات في جولة محاضرات خاصة، موفرة منتدى لجمعيات المسلمين واليهود عبر المملكة المتحدة لنجتمع معاً في استضافة هذه المبادرة الحيوية.

 

قد يكون العقد الأخير مفعماً بالتحديات، إلا أنه شجع كذلك حالات من بناء الجسور والعمل الإيجابي. ورغم أن النظر إلى الوراء قد يبرز خليطاً من الحزن والعرفان لهذه الجهود، يمكن للمسلمين البريطانيين أن ينظروا الآن نحو مستقبل يملؤه الأمل والتصميم.

 

تقف بريطانيا في مقدمة أوروبا في تنوعها المزدهر، وتشكل هذه فرصة للمجتمعات البريطانية المتعددة لتجتمع معاً في الحوار والتناغم. ما زال هناك الكثير الذي يجب عمله، ولكن الخطوات الأولى قد تم عبورها على الأقل.

ـــــــــ

* ريمونا علي هي مديرة الحملات في مؤسسة دراسة الإسلام ونائبة المحررة السابقة لِ "إمل"، وهي مجلة حول أسلوب حياة المسلم مركزها لندن.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

======================

إذا كان "باطلاً ولاغياً"... لماذا التأزيم ؟

راجح الخوري

النهار

21-12-2010

عندما يقول آية الله علي خامنئي إن اي قرار يصدر عن المحكمة الدولية يعتبر "لاغياً وباطلاً"، فإنه لا يضيف شيئا الى ما يكرره السيد حسن نصرالله وحلفاؤه في المعارضة، من انه يجب الغاء اي قرار اتهامي قد يصدر فحسب، بل يجب اسقاط المحكمة الدولية، التي قال خامنئي ايضا انها أداة اميركية – اسرائيلية.

حسناً، ولكن عندما تصبح المحكمة وقراراتها التي لم يصدر اي منها بعد "لاغية وباطلة"، فلماذا تستمر أزمة الاحتقان المتصاعد في لبنان؟ وعلى اي اساس يستمر تعطيل دورة الحياة السياسية والطبيعية في البلاد، وشل الدولة وفرملة عمل الوزارات والمؤسسات، الى درجة بات الوضع عندنا يشبه سفينة مخطوفة مشلولة القيادة ضيّعت الاتجاهات والموانئ، يغرق اهلها في الانقسام الذي قد يقودهم الى الفتنة، والدفة متروكة والمركب والركاب على شفير قاع الغرق؟

عملياً عندما تكون قرارات المحكمة "لاغية وباطلة"، فهذا يعني ان احداً لن يأخذ بها، وان ليس هناك من قوة ستذهب لتنفيذ ما قد تطلبه هذه القرارات، وخصوصا اذا كان الامر يتصل بتسمية عناصر من "حزب الله" وطلب مثولهم امام المحكمة!

واذا كان القرار الاتهامي الذي يشكل محور الانقسام والخلاف في لبنان لم يصدر بعد، وقد ادى الى ما ادى اليه من تعطيل لدورة الحياة السياسية والطبيعية في لبنان، فإن القول الآن من طهران، بعد الضاحية الجنوبية، إن القرار لاغ وباطل، يفترض على الاقل ان ينهي التعطيل المتدحرج الذي راكم امام حكومة الوحدة الوطنية، من غير شر، اكثر من 350 ملفاً تتعلق بشؤون المواطنين ومطالبهم ودور الدولة في ما عليها من خدمات حيالهم، وقد بلغ الامر حدود العجز قانونياً عن دفع الرواتب في بعض القطاعات، وحرمان المرضى الاستشفاء لأن معاملات بعضهم تحتاج الى قرارات وزارية وتواقيع معينة.

وبغض النظر عن القول إن قرار المحكمة لاغ وباطل، وكيف يمكن ان ينعكس هذا القول على دينامية الاتصالات السورية – السعودية التي تبحث عن تسوية او مخرج ينهي الازمة اللبنانية، فإن من الضروري ان يقرأ الجميع كلام خامنئي بطريقة منطقية وهادئة، وخصوصا عندما يقول: "آمل ان يقوم جميع الاطراف في لبنان بحكمة وتعقّل بما يجب، كي لا يتحوّل هذا الموضوع الى مشكلة"، وهذا كلام ممتاز.

لكن من الواضح تماماً ان من يلوّح بقيام مشكلة وما يتجاوز حدود المشكلة الى التهديد بانقلاب الاوضاع رأسا على عقب ليس سعد الحريري. لا كوليّ للدم ولا كرئيس حكومة بلد متعوس اغتيل رئيس وزرائه (والده) رفيق الحريري بهدف اغتيال الوطن كله!

لم يهدد اهل القتيل الشهيد وكل اهالي القتلى الشهداء الآخرين بأي شيء، لا بل دأبوا على الدعوة الى الحوار والتفاهم والاتفاق على صيغة تحمي لبنان من اي تداعيات قد تدفع البلاد الى الاضطراب والفتنة نتيجة الاحتقان المتزايد قبل القرار الاتهامي، فكيف بعده؟

ولقد اصر رئيس الحكومة على تكرار الدعوة الى الحوار متمسكا بمد اليد. تعب من مد اليد. فهل كثير اذا قلنا إن هذا السلوك يتجاوز عين الحكمة وعين التعقل اللذين دعا اليهما خامنئي؟

لم يهدد بمشكلة، لم يعبس قط. حافظ على ابتسامته ولو كطير يرقص مذبوحاً من ألمين: ألمه على فجيعة بيته، وألمه على جروح لبنان ودولته التي تتمزق يوما بعد يوم.

لم يصرخ ولم يهدد. لم يرعد ولم يزبد. وقف مبشراً بالحوار والتفاهم وقارعا ناقوس الوحدة الوطنية ولا من يسمع!

الآن عندما يقرأ المواطن اللبناني ان "ثمة خطوات عملية عليه السير بها" يحار بكل بساطة في ما آلت اليه "المطالب" والامور، وقد وصلت حد تحميله شخصيا مسؤولية ما قد يحصل (!) ولكأن المحكمة الدولية تعمل في قريطم لا في لاهاي. أو لكأنه قادر على ان يقطع شعرة من أمرها!

هل يمكن مطالبة سعد الحريري بمزيد من التعقل والحكمة والمحافظة على الهدوء والدعوة الى الحوار والتفاهم؟ رحمة الله على ايوب، لقد نفد كل المخزون الانساني الممكن من هذه الفضائل، ولم يعد مطلوبا منه إلا ان يدخل شرنقة نعمة النسيان ونعمة التصديق، التصديق فعلاً انه لم يكن هناك رئيس حكومة ووالد اسمه رفيق الحريري، وانه لم يقتل اصلا. وإن صح انه كان موجودا وقتل، فلا يعلم من قتله إلا ربه سبحانه وتعالى. اما الامم المتحدة ومجلس الامن والمحكمة الدولية وكل هذه المنظومة، فمجرد مؤامرة اميركية – اسرائيلية، كل ما يصدر عنها باطل ولاغ.

======================

التخبط الغربي في أفغانستان

 بقلم :صحيفة «اندبندنت» البريطانية

البيان

21-12-2010        

عندما زار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أفغانستان، أخيراً، عاد بتفاؤل متحفظ. فقد تحدث عن إحراز تقدم مطّرد في ولاية هلمند، وأشار إلى إمكانية أن تبدأ القوات القتالية البريطانية بتقليص وجودها في وقت مبكر من العام المقبل، مع انسحاب كامل يتواصل حتى عام 2015.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أجرى الرئيس الأميركي باراك أوباما مراجعة للإستراتيجية الأميركية في أفغانستان. وتشير الإستراتيجية إلى «المكاسب التكتيكية» في قندهار وهلمند، بعد وصول المزيد من القوات وتطبيق أساليب أشد عنفاً منذ فصل الخريف.

في الأيام الأخيرة، رغم ذلك، تلقى أعضاء الكونغرس الأميركي تقارير استخبارية رسمية بشأن كل من أفغانستان وباكستان، ترسم صورة مختلفة إلى حد كبير، وأكثر قتامة.

إن تردد باكستان، أو عجزها عن إغلاق ملاذات المسلحين في المنطقة القبلية التابعة لها، حسبما تشير هذه التقارير، يعني أن القوات الغربية يمكن ألا يكون أمامها سوى فرصة محدودة للنجاح.

وفي ظل ترك الحدود مفتوحة بشكل أساسي، فإن المسلحين يتحركون بحرية انطلاقاً من باكستان، ويزرعون القنابل ويلحقون التخريب بالقوات الأميركية، ثم يفرون إلى باكستان للحصول على الملاذ والإمدادات الجديدة. وما يعنيه هذا السيناريو، رغم أن هذا لا يتم الإفصاح عنه، هو أن الحرب في أفغانستان تستعصي على الإنهاء.

والآن يكاد يكون من غير المألوف أن تتضارب تقييمات استخباراتية وعسكرية متباينة. تميل أجهزة الاستخبارات إلى النظر في الجانب المظلم، في حين إن المؤسسة العسكرية، ليس فقط في الولايات المتحدة، أفضل ما تشتهر به هو التفاؤل. وهذا الاختلاف ليس بالأمر السيئ.

لا بد أن يتمتع الرئيس ومساعدوه من صناع القرار بالاستفادة من الأحكام التي تعكس اطلاعاً بقدر المستطاع. وعندما يتوقف عدم التجانس ويتم تثبيت منظور واحد، فإن أكبر الأخطاء تميل للحدوث، والعراق وأسلحته غير الموجودة يقدمان مثالا نموذجيا في هذا الصدد.

إن مثل هذه الانقسامات العامة، رغم ذلك، تنطوي على أخطار. خلال ما يقرب من عامين في منصبه، اكتسب أوباما شيئا من سمعة التراجع «المهني».

والاستعراض المبدئي الذي قام به بخصوص أفغانستان، امتد لعدة أشهر قبل التوصل إلى قرار بالتسوية ينتمي إلى الحلول الوسط، ونشبت خلافات جوهرية خطيرة على الملأ. ولم يكن هذا لصالح أي من رئاسة أوباما أو لوضع الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث أوحى بالضعف، سواء أكان ذلك على نحو منصف أم لم يكن.

ولكن مشكلات أوباما لم تكن جميعها من صنعه، حيث خضع لسلسلة من سوء الحظ الشديد. فقد عانى قائد القيادة المركزية الأميركية آنذاك، الجنرال بترايوس، من نوبة اعتلال صحية في الوقت ذاته الذي كان أوباما في أمس الحاجة لعرض قوي لسياساته.

وبعد ذلك، أظهر قائد القوات الأميركية في ذلك الوقت، الجنرال ماكريستال، حالة مذهلة من الافتقار للحرص والحذر في انتقاد رؤسائه السياسيين، الأمر الذي أفضى إلى اقالته بعد فترة وجيزة. الآن، مع الموت المفاجئ لريتشارد هولبروك، فقد أوباما مبعوثه الخاص إلى أفغانستان وباكستان ومستشاراً رئيسياً. ي

مكن القول إن هولبروك قد تم تهميشه إلى حد ما، في الوقت الذي جاء الجيش ووزارة الخارجية على نحو متزايد إلى الواجهة. ومع امتلاكه توليفة خاصة من الصرامة والدهاء، وسجله الحافل بمهام غاية في الصعوبة، فإن هولبروك ليس من السهل أن يحل محله أحد.

وكانت الميزة الرئيسية التي حظي بها، هي الخصلة نفسها التي جعلته لا يحظى بشعبية في العديد من الدوائر: جاهزيته الخادعة لقول الحقيقة غير المستساغة للسلطة.

من خلال تعيينه هولبروك مبعوثا خاصا له في أفغانستان وباكستان، أظهر أوباما تقديرا مبكراً للترابط الداخلي الذي يجعل من أي شيء يقارب النصر في أفغانستان أمراً مراوغاً. ولكن بعد عامين تقريبا من الاستراتيجيات المنقحة باستمرار، وفقدان الحكمة المتراكمة لهولبروك الآن، فإن مهمة أوباما تبدو صعبة كعهدها أبداً.

======================

ماذا بعد "مصرع" التعددية الثقافية؟       

آخر تحديث:الثلاثاء ,21/12/2010

سعد محيو

الخليج

شعار واحد يجتاح أوروبا هذه الأيام من أقصاها إلى اقصاها: “التعددية الثقافية” ماتت، فلندفنها سريعاً . للتذكير: التعددية الثقافية هي الفكرة بأنه يجب الاعتراف بالثقافات والهويات الدينية والقومية المختلفة، والاحتفاء بها بوصفها وسيلة ناجعة لتعزيز تماسك المجتمع . وقد تبنّت معظم الدول الأوروبية هذا المبدأ منذ أربعة عقود، خاصة للتعاطي مع المشكلات التي فرضها وجود جاليات عمالية إسلامية كبيرة فيها .

 

الأمور في البداية بدت وكأنها تسير على ما يرام . لكن ثلاث ظواهر ظهرت معاً وتقاطعت معاً في حقبة التسعينيات لتغيرّ طبيعة هذا المشهد السعيد:

 

الظاهرة الأولى، الأزمات الثقافية، ثم حالياً الاقتصادية، التي تعيشها أوروبا، والتي جعلتها تفقد الثقة بنفسها، خاصة بسبب انحدارها النسبي بالمقارنة مع صعود آسيا . هذا علاوة على فشلها في بلورة هوية أوروبية قارية جديدة تحل مكان الهويات القومية ال27 التي يتشكّل منها الاتحاد الأوروبي . ولأن فاقد الشيء لايعطيه، لم يعد في وسع أوروبا الفاقدة للهوية وللثقة بالنفس أن تُعطي الأقليات فيها حساً بالانتماء أو شعوراً بالاطمئنان عبر التعايش السلمي في إطار التعددية الثقافية .

 

الظاهرة الثانية، هي صعود طبعة جديدة من عملية الإحياء الإسلامي تتسم، على عكس شقيقتها الليبرالية الانفتاحية والإصلاحية في أوائل القرن العشرين (محمد عبده، الكواكبي، علي عبدالرازق)، بالانغلاق الثقافي والنزعة العنفية، وتدعو مع هنتينغتون إلى انفصال الحضارات وحروبها .

 

الظاهرة الثالثة، هي عولمة ثورة الاتصالات التي جعلت الشبان المسلمين المهاجرين أكثر صلة بكثير بأشقائهم في العالم الإسلامي منهم بشركائهم في المواطنة الأوروبية . وهذا ما خلق بالتدريج “أمة إسلامية افتراضية” عابرة للقارات، تدفع المهاجرين المسلمين إلى البحث عن حلول في إطارها، بدل العمل على الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية .

 

هذه الظواهر الثلاث كانت قيد العمل في السنوات الأخيرة، وهي ترجمت نفسها في النهاية في قيام الدول الأوروبية، الواحدة تلو الأخرى، بإعلان الوفاة السريرية للتعددية الثقافية وإحلال شعار “الادماج الشامل” للمهاجرين مكانها (أو على الأقل تسفيرهم وإقفال باب الهجرة أمام أي مهاجرين جدد) .

 

هذا ما فعلته قبل أيام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كانت في السابق من أشد أنصار التعددية، فباتت الآن من ألد خصومها . وهذا ما تفعله الآن هولندا والسويد والدنمارك وإيطاليا التي بدأت تُصدر تباعاً سلسلة قوانين تفرض على “المواطنين الأجانب” الالتزام بقيمها وتقاليدها الخاصة وعدم الحديث في الأماكن العامة سوى باللهجة القومية للبلد المعني . وهذا بالطبع من دون تناسي نيكولا ساركوزي الذي وصل أصلاً إلى قصر الإليزيه من وزارة الداخلية، بفضل رفضه القاطع للتعددية الثقافية .

 

هل تملك السياسة الأوروبية الجديدة المستندة إلى إدماج الأقليات قسراً فرص نجاح ما؟

 

كلا، إلا بالطبع إذا ما عادت أوروبا إلى “حلولها النهائية” النازية والفاشية القديمة، عبر تقديم المزيد من الدعم لحركات اليمين المتطرف الجديدة التي تعلن الحرب جهاراً نهاراً على الإسلام وبقية الأقليات الدينية والأثنية . وهذه ستكون نهاية تعيسة لعصر الأنوار الذي لطالما أدّعت أوروبا أنه إسهامها الأكبر للحضارة البشرية بسبب إعلائه من شأن القيم الإنسانية والعقلانية، والحريات والديمقراطية، والمساواة والعدالة .

لكن، هل ثمة مخرج ثالث بين تعددية ثقافية محتضرة وبين أحادية ثقافية انتحارية؟ أجل . ما هو؟

======================

قبل أن يسقط المغرب من الذاكرة المشرقية       

آخر تحديث:الثلاثاء ,21/12/2010

فهمي هويدي

الخليج

كون مشاكلنا في المشرق أكثر من الهم على القلب، لا يغفر لنا أن نسقط المغرب من حسابنا، ونتركه نهباً للطامعين والكائدين والمتفرنسين .

 

(1)

 

أتحدث عن دول المغرب، وليس المملكة المغربية وحدها التي أمضيت فيها أياما خلال الأسبوع الماضي كانت مليئة بالحوار والدهشة، ما أقنعني بأن المغرب يزداد بعداً وعزلة عن المشرق، وأن ذلك حين يتم تحت أعيننا وبرضا أو عدم اكتراث من جانبنا، فإننا نصبح بغير حاجة إلى أعداء يتآمرون لإحداثه .

فتحت جريدة “الصباح” فوقعت عيناي على العنوان التالي: المغرب والجزائر: من يقرع طبول الحرب؟ فتحت صحيفة أخرى فصادفت حواراً لأحد قادة الحزب الاشتراكي الموحد تحدثت عناوينه عن أن الجزائر لن تعرف الاستقرار في حالة الحرب على المغرب، وفي صحيفة ثالثة قرأت بياناً لحزب الحركة الشعبية دعا إلى “استبدال خيار السلم والمهادنة والدبلوماسية مع الجزائر بخيار التصدي، وحتى المواجهة العسكرية إذا لزم الأمر” . إلى جانب هذه العناوين وجدت في الصحف المغربية أخباراً أخرى عن صفقات سلاح بقيمة تجاوزت الملياري دولار عقدتها الجزائر مع روسيا، وعن صراع في الجزائر بين معسكرين، أحدها يحبذ شراء السلاح الروسي، والثاني منحاز أكثر إلى شركات السلاح الفرنسي . وكان واضحاً من الإشارات أن ذلك السلاح يدخل ضمن الاستعدادات للمواجهة العسكرية، التي تتحدث عنها الصحف . بل قرأت أيضاً أن شحنات من ذلك السلاح أرسلت عبر الحدود إلى جبهة البوليساريو، التي تساندها الجزائر وتدعمها .

كان ذلك السيل من الأخبار مفاجئاً لي مرتين، مرة لأنه حاصل وواصل إلى تلك الدرجة المفجعة من الاحتشاد والتأهب . ومرة ثانية لأننا لا نجد له صدى في المشرق، لا في وسائل إعلامنا ولا في دوائر “القمة”، ولا حتى في إطار جامعة الدول العربية التي يفترض أن يسارع أمينها العام إلى زيارة البلدين، لإطفاء مقدمات الحريق قبل أن يتفاقم .

سألت، فانتقد الجميع موقف الجزائر من دعم جبهة البوليساريو الداعية إلى الانفصال عن التراب المغربي، لكن الآراء اختلفت في تشخيص الأسباب وراء ذلك، فمن قائل إن هناك تطلعات إلى ثروات منطقة الصحراء، وقائل إن الجزائر التي تطل على البحر الأبيض تريد منفذاً لها إلى المحيط الأطلسي، ولا سبيل إلى ذلك إلا باختراق منطقة الصحراء، وقائل إن التنازع بين البلدين ليس حول الصحراء فحسب، ولكنه أيضاً حول زعامة منطقة المغرب العربي، كما أن الفرنسيين والأمريكيين ليسوا بعيدين عنه .

(2)

 

في حين كانت الصحف تتحدث عن الأزمة مع الجزائر، وجدت البرلمان المغربي هائجاً على إسبانيا ومتهماً وسائل إعلامها بالتزوير والتدليس، بل وارتفعت فيه أصوات داعية إلى قطع العلاقات مع مدريد . كنت أعرف أن هناك مشكلة معلقة بين البلدين لم تجد حلاً منذ أكثر من خمسة قرون، أعني بذلك مشكلة سبتة ومليلية اللتين احتلتهما إسبانيا وضمتهما إلى ترابها، ولا تزال ترفض الجلاء عنهما رغم تعلق أهلهما المغاربة بوطنهم الأم . وهي مشكلة تكاد تماثل قضية الجزر الاماراتية الثلاث، التي تسيطر عليها إيران . والمشرق بحكوماته لم يأت على ذكر سبتة ومليلية في أي وقت، حتى أصبح المغرب يقف وحيداً أمام إسبانيا، ولم يستطع أن يتوصل إلى حل للإشكال حتى الآن .

لم تكن مشكلة البلدين هي موضوع الأزمة، وإنما كانتا في خلفيتها ممثلة في حالة التوتر والمرارة وسوء الظن . وفهمت أن الأمر متعلق بموضوع الصحراء، ذلك بأن هجوماً من بعض الصحراويين الغاضبين وقع على بعض رجال الشرطة المغاربة في منطقة “العيون” أسفر عن مقتل 11 شخصاً من عناصر الشرطة . ولكن بعض الصحف الإسبانية قلبت الآية، ونشرت قصة مفبركة عن قمع الشرطة المغربية للصحراويين، واستشهدت في ذلك بصورتين تبرزان قسوة وبشاعة القمع الذي مارسته الشرطة . وأحدثت التقارير التي نشرت بهذا الخصوص أثرها السريع في أوساط الإعلام الإسباني وفي موقف البرلمان الأوروبي، حيث اتجه الرأي الساند إلى إدانة المغرب والتنديد بسلوكه “الوحشي” واضطهاده للصحراويين . وتبين في ما بعد أن الصور مزورة، وأن واحدة منها كانت لجريمة قتل وقعت في الدار البيضاء، والثانية كانت لأطفال من ضحايا الهجوم “الإسرائيلي” على غزة . ولم يكن لأي منهما صلة بأحداث الصحراء أو ما جرى في العيون . وحين انفضح الأمر على ذلك النحو ثارت ثائرة المغاربة ونواب البرلمان، واحتجت الحكومة، لأنهم اعتبروا اختيار تلك الصور والتنديد بالمغرب بناء عليها تعبيراً عن سوء النية وتعمد الإساءة والتشهير .

بعد يوم من وصولي إلى فاس تابعت على شاشة التلفريون مظاهرة هائلة خرجت إلى شوارع الدار البيضاء، قيل إنها ضمت ثلاثة ملايين شخص، وشاركت فيها كل القوى السياسية، وقد رفعت شعارات الاحتجاج والإدانة “ضد تعنت الحزب الشعبي الإسباني اليميني، الذي تعمد أسلوب التلفيق والتزوير والكذب ضد أهم القضايا الوطنية في الساحة المغربية”، كما ذكرت صحيفة “الشروق” المغربية في إشارتها إلى قضية الصحراء .

 

كانت المظاهرة حاشدة حقاً، لكن نجاحها لم يشف غليل بعض المثقفين، فتعددت كتاباتهم مثيرة أسئلة من قبيل: ماذا بعدها؟ وهل يكفي الغضب لحل مشكلة الصحراء؟ وهل يتطلب الأمر مقاربة من نوع آخر تحل الإشكال مع المغرب والجزائر؟ وحدهم كانوا يتساءلون، ووحدهم كانوا يجيبون . لكن حواراتهم ظلت محكومة بحدود المغرب ولم يكن لها صدى يذكر في فضاء المشرق .

 

(3)

 

في كل مكان ذهبت إليه كنت أرجو ممن التقيهم أن يحدثوني باللغة العربية . حدث ذلك في الفندق والمطعم والسوق والتاكسي وصولاً إلى شرطة المرور والحمالين، الذين يتزاحمون في المطار . ولم يكن ذلك جديداً عليّ لأن فرنسة اللسان المغاربي كانت أهم إنجاز حققه الاحتلال، الذي سحب عساكره وترك لغته لكي تبقي على الاحتلال وتكرسه . وكانت المفارقة أن اللغة الفرنسية منيت بهزيمة نسبية، وصارت تتراجع في مواطنها (كما تحدثت لوموند دبلوماتيك في عددها الصادر في أول ديسمبر الحالي) إلا أنها ما زالت ثابتة القدم ومهيمنة في المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا على الأقل، المتغير الذي لاحظته هذه المرة في المغرب تمثل في أمرين، الأول أن الحديث بالفرنسية صار وباء ولم يعد مجرد مرض عارض، والثاني أن الثقافة الأمازيغية أصبحت تحتل موقعاً متقدماً في لغة الخطاب العام . والأمازيغية لهجة البربر التي كانت في الأصل منطوقة ثم تحولت إلى مكتوبة، وأصبحت هناك قناة تلفزيونية ونشرات إخبارية ناطقة بها، وتولى رعاية هذا المد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . وهو أمر لا غضاضة فيه طالما أن 30% من ذوي الأصول البربرية في الجمهور المغربي لا يتكلمون العربية . إلا أن المشكلة أنه في حين تتقدم الفرنسية والأمازيغية فإن التراجع مستمر في حظوظ اللغة العربية حتى ظهرت جماعات دعت إلى اعتماد الدارجة المغربية محل العربية الفصحى، واعتبارها لغة وطنية بدلاً من الفصحى .

المدافعون عن العربية الفصحى يقاومون ما يسمونه “تسونامي” الفرنسية . وقد نددوا بوزير التعليم حين تحدث في مؤتمر صحافي باللغة الفرنسية . وأثاروا ضجة في وسائل الإعلام حين وجدوا أن الكلمات والخطب التي ألقيت في عيد الاستقلال كانت كلها بالفرنسية، واعتبروا أن تلك المفارقة دليل على أن استقلال المغرب لا يزال منقوصاً . وسمعت من بعضهم أن الدوائر الرسمية لا تزال منحازة إلى الفرنسية في مكاتباتها، حتى إن نشرات الأخبار والبرامج الحية تقدم باللغة الفرنسية في أوقات الذروة . أما النشرات والبرامج العربية فيتم بثها في الأوقات، التي يضعف الإقبال فيها على المشاهدة .

 

حين ناقشت الأمر مع من أعرف من المثقفين المغاربة ارتأى أكثرهم أن المغرب العربي كله يواجه أزمة هوية، وأن رياح التغريب والتفتيت تعصف به بقوة . وقالوا إن انصراف المشرق واستغراقه في همومه ومشكلاته ترك المجال واسعاً لانطلاق كل من يريد أن يعبث بمقدرات المغرب وهويته .

 

سألت عن المقصود بهؤلاء، فقال أكثر من واحد إن أهم اللاعبين في المغرب العربي الآن هم الأمريكيون والفرنسيون و”الإسرائيليون”، والعرب يأتون كأفراد سائحين للصيد . وانتقد بعضهم موقف الإعلام العربي، قائلين إن الإعلاميين يفضلون الذهاب إلى دول الخليج والنفط ولا يجدون في دول المغرب ما يجذبهم أو يغريهم . وبسبب هذا الغياب فإن منطقة المغرب أصبحت في إدراك المشارقة مهرجانات فنية وغنائية وفرقاً لكرة القدم، ومشاحنات ومكايدات بين المشجعين لهؤلاء وهؤلاء، أما المجتمعات بتحدياتها ومشكلاتها وحراكها . فهي بعيدة عن إدراك المشارقة .

 

قلت إن تراخي المشارقة في متابعة ما يجري في المغرب قصور لا مفر من الاعتراف به، لكننا يجب أن نقر أيضاً بأن ثمة ضيقاً في دول المغرب بحرية الإعلام، وهو ما تمثل في إغلاق مكاتب قناة “الجزيرة” في تونس والمغرب والجزائر .

 

رد واحد قائلاً إن منظمات المجتمع المدني احتجت وعارضت إغلاق مكاتب “الجزيرة” . وهو ما لا ندافع بدورنا عنه . وما دمت قد ذكرت “الجزيرة” فقد لاحظنا أن الحوار الأخير، الذي أجرته القناة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل حين تطرق إلى أوضاع العالم العربي، فإنه لم يشر بكلمة إلى بلاد المغرب، حتى المذيع محمد كريشان، وهو تونسي، فاته أن يسأله عنها، الأمر الذي جاء شاهداً على أن المغرب لم يعد حاضراً حتى في بال كبار المثقفين المشارقة .

 

(4)

بقيت عندي كلمتان . الأولى أن للصورة في المغرب وجهاً آخر لا ينبغي تجاهله . ذلك أن التحديات التي أشرت إليها إذا كان قد استسلم لها البعض، خصوصاً في ما تعلق بالتغريب والتطبيع، إلا أن هناك أيضاً من تصدى بشجاعة ونبل مشهودين . ذلك أن في المغرب فئات ومنظمات ما زالت قابضة على الجمر، ومستبسلة في الدفاع عن هوية المغرب ورافضة التغريب والتطبيع . لكن تلك الفئات التي لا تملك إلا رفع الصوت والإعراب عن الغضب، تحتاج إلى دعم ومساندة نظرائها في المشرق، خصوصاً المثقفين المهجوسين بهموم الأمة والحادبين على مصيرها .

 

الكلمة الثانية تتعلق بالمناسبة التي أتاحت لي هذه الإطلالة على المشهد المغربي . ذلك إنني ذهبت مدعواً إلى المؤتمر السنوي لمنتدى فاس حول حوار الحضارات والتنوع الثقافي، الذي شارك فيه مثقفون وخبراء من العالم العربي وأوروبا وآسيا والولايات المتحدة . ومما قلته في المناقشات إن ثمة عملاً يجب أن ننجزه قبل أن ننخرط في الحوار مع الحضارات الأخرى . يتعلق بحوارنا الداخلي في الساحتين الوطنية والعربية . وضربت مثلاً بالقطيعة بين المغرب والجزائر . التي لا نستطيع ولا ينبغي أن نتجاهلها وننشغل بالحضارات الأخرى . قلت أيضاً إن مشكلة التنوع الثقافي أصبحت مثارة في بعض الدول الأوروبية بأكثر منها عندنا . ونموذج فرنسا وألمانيا وسويسرا وهولندا دال على ضيق الصدر بالآخر تتسع دوائره في الأوساط الأوروبية، التي دأبت دولها على أن تلقننا دروساً في أهمية القبول بالآخر .

 

لم يكن ذلك أهم ما قيل في المنتدى بطبيعة الحال، لأنه تطرق إلى أمور كثيرة أرجو أن يتاح لي أن أتطرق إليها في مرة لاحقة بإذن الله .

======================

أسئلة إيرانيّة

الثلاثاء, 21 ديسيمبر 2010

حازم صاغيّة

الحياة

كيف يوصف البلد، أيّ بلد، الذي يعيش، خلال أقلّ من عشرة أيّام، الأحداث التالية:

- على صعيد التناقضات داخل السلطة: عزل وزير الخارجيّة بطريقة معهودة في أنظمة الانقلابات العسكريّة، أي حين يكون في زيارة إلى الخارج، من دون إبداء أيّ سبب واضح للعزل. هذا ما حصل لوزير خارجيّة إيران السابق منوشهر متّقي فيما كان في أفريقيا. الوزير السابق وصف القرار بأنّه «غير إسلاميّ» و «غير ديبلوماسيّ» و «هجوميّ» ويقع «خارج ممارسة السياسة». حليفه وأستاذه رئيس البرلمان علي لاريجاني ثنّى على ذلك بالقول: «الطريق الصائب هو أن يترافق التغيير (قاصداً تغيير متّقي) مع الحصافة ومع لحظ الكرامات، وليس إبّان زيارة».

 

- على صعيد الاقتصاد ومفاعيله السياسيّة: وقف الدعم عن الطاقة والموادّ الغذائيّة بما فيها الخبز. أسعار النفط سوف ترتفع على الإيرانيّين بنسبة أربعة أضعاف دفعة واحدة! المراقبون لاحظوا أنّ موجات العقوبات الأربع المتتالية بدأت «تعضّ»، على عكس ما يقوله النظام.

 

ما يعزّز الملاحظة هذه أنّ إيران إحدى أغنى دول العالم بالنفط، ومع هذا رُفع الدعم الرسميّ عن النفط. بعض المراقبين ذكّروا بالتظاهرات الغاضبة التي أعقبت تقنين الوقود في 2007 وما صاحبها من إحراق للعشرات من محطّات الوقود.

 

- على صعيد التهديدات الخارجيّة والأمنيّة: القائد العسكريّ الأميركيّ الأدميرال مايك مولن يعلن، بلهجة حازمة، أنّ بلاده «تتعامل ببالغ الجدّيّة مع التزاماتنا الأمنيّة في منطقة الخليج»، مضيفاً، من البحرين، أنّ «هناك مخاطر جدّيّة على السلام والاستقرار هنا (في الخليج)، وأنّنا لا نملك أسراراً في ما يخصّ قلقنا حيال إيران». وفي واشنطن، يحضّ عدد من المسؤولين في ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إدارة الرئيس الحاليّ باراك أوباما على شطب منظّمة «مجاهدين خلق» من لائحة الإرهاب. هؤلاء المسؤولون السابقون باتوا، بعد الانتخابات النصفيّة، يملكون ثقلاً أكبر في صنع سياسات بلدهم.

 

قبل أيّام قليلة على ذلك، نفّذت جماعة «جند الله» السنّيّة عمليّة إرهابيّة في الجنوب الشرقيّ من إيران أودت ب39 قتيلاً، فيما كانت تتردّد أخبار، تعزّزها تصريحات رسميّة، عن تردّ كبير تشهده العلاقات الإيرانيّة – الباكستانيّة.

 

- على صعيد الصيت والسمعة: تستدعي السنغال سفيرها في إيران معتبرةً أنّ طهران لم تقدّم تفسيراً مُرضياً لشحنة أسلحة تمّ ضبطها في نيجيريا، ربّما كانت في طريقها إلى جنوب السنغال حيث هناك حركة تمرّد يصفها سنغاليّو الشمال ب»الانفصاليّة».

 

البلد الذي يعاني هذا كلّه ليس، على الإطلاق، في حال صحيّة. إنّه يستدعي قلق أحبّائه وحلفائه.

 

لكنْ في هذه الغضون، هل تسمح الأحداث والتصريحات أعلاه، مأخوذةً بكليّتها، بتفسير كلام رئيس البرنامج النوويّ الإيرانيّ علي أكبر صالحي، بُعيد تولّيه مهمّاته على رأس وزارة الخارجيّة، من أنّ أولويّته الكبرى تعزيز العلاقات مع السعوديّة وتركيا. والأهم: هل تسمح بتفسير خروجه عن لهجة طهران، العدائيّة عادة نحو الغرب، بدعوته إلى «تفاعل إيجابيّ» مع الاتّحاد الأوروبيّ.

 

وبالمعنى ذاته، هل يمكن أن نقرأ بالعين الشكّاكة نفسها تصريح محمود أحمدي نجاد الأخير لتلفزيونه الرسميّ، من أنّ مفاوضات جنيف مع دول مجموعة 5+1 كانت «جيّدة جدّاً»، وأنّها «تناولت بعناية ملخّصاً عن الاجتماعات، وكانت هناك نقاط إيجابيّة»، وأنّه «حان الوقت، بالنسبة إليهم (الأوروبيّين)، للانتقال من سياسة المواجهة الى سياسة التفاهم، حيث الجميع سيخرجون منتصرين معها». هذا كلام غير نجاديّ بالمرّة.

 

واستطراداً، هل يمكن، على النحو نفسه، أن نقرأ ما يصفه بعض المراقبين بميل مستجدّ إلى التهدئة في لبنان؟.

======================

إيران.. اغتيال العلماء المبتعدين

محمد إقبال

الشرق الاوسط

21-12-2010

تركت سلسلة الانتفاضات الشعبية في إيران، التي بدأت من يونيو (حزيران) 2009 ومستمرة حتى يومنا هذا، وراءها سلسلة تداعيات أخرى أيضا علاوة على كسرها لشوكة ولي الفقيه خامنئي، وشاهدنا مقطعا من هذه التداعيات وغيرها في انتفاضة 7 ديسمبر (كانون الأول) الطلابية في أنحاء إيران. وجزءا مما تركته سلسلة الانتفاضات وضوح رؤية انحدار وإسقاط الديكتاتورية الدينية في إيران أكثر فأكثر، فقد بدأت شريحة البيروقراط والعلماء بالابتعاد عن الحكام لكي لا تتم محاكمتهم مع رموز النظام في مستقبل قريب. وكانت حالات الهروب جانبا من هذه التداعيات، وآخرون فضلوا البقاء في إيران ولكنهم كانوا يعبرون بشكل ما عن مواقفهم المعارضة إزاء الممارسات القمعية داخل إيران.

ولم يكن النظام ليحتمل حالات الابتعاد هذه التي كانت مرهقة له. وفيما يتعلق بالعلماء النوويين في ‌إيران بشكل خاص كانت أشد وطأة على النظام، حيث كانت الاطلاعات (الاستخبارات) الإيرانية تأخذ القوة الكامنة في داخل هؤلاء العلماء على محمل الجد والخطورة بسبب أهمية المعلومات التي يحتفظون بها، لذا فهؤلاء العلماء المبتعدون عن النظام ومشكلاته هم أول من يتعرض للتصفية حتى وإن لم يقصدوا الفرار من إيران. وكان للاطلاعات الإيرانية في هذه التصفيات يد طولى وعمليات القتل المتسلسلة في تسعينات القرن الماضي كانت نموذجا منها. ولهذا بدأت الاطلاعات باتخاذ الإجراءات اللازمة. وقبل نحو سنة وتحديدا في صباح يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2010 تم اغتيال مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران في عملية تفجير دراجة نارية ملغومة من خلال نظام السيطرة عن بعد.

وحينها لم يكن قد مضى سوى أسبوعين على اندلاع انتفاضة عاشوراء العارمة في 28 ديسمبر 2009 وكان الموضوع قابلا للفهم بشكل كامل. وعلى الرغم من أن النظام الحاكم وكعادته الدائمة اعتبر في البداية أن «مجاهدين خلق» و«سي آي إيه» و«الموساد» هم الذين يتحملون المسؤولية عن هذا الاغتيال فإنه لم يمض يوم وتبدد كل ما صنعه، وعلى سبيل المثال قالت قناة «العربية» إنه «تناقلت مختلف وسائل الإعلام الدولية والمعارضة صورة لقائمة حيث ندد الجامعيون الإيرانيون، ومن ضمنهم مسعود علي محمدي، بقمع الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل». وبهذا التوقيع وقع مسعود محمدي على حكم إعدامه. والجدير بالذكر أنه كان واقع الحال الدائر على نفس النمطية الممنهجة، فقد وضعه النظام بعد مدة قصيرة على رف النسيان ولم يذكر شيئا عن منفذي الاغتيال، وذلك بعد إطلاق كثير من المغالطات والأقوال المتهافتة والمتضاربة!

والآن ثلاثة تفجيرات متزامنة في طهران، والهدف ثلاثة من العلماء النوويين.. وأدت حالتان من التفجيرات إلى اغتيال خبيرين عاملين في المشروع المقيت لإنتاج أسلحة نووية، قام النظام الحاكم بنشر سلسلة من الأخبار الملفقة والمتضاربة لتضبيب الأجواء في محاولة لمنع كشف العناصر والدوافع التي تقف وراء هذه الاغتيالات وأسبابها وأهدافها الحقيقية، الأمر الذي ينم في حد ذاته عن مخطط مدروس وعملية مفتعلة مقترنة بحالات كثيرة من الاصطناع والتناقض.

وفي الوقت الذي كان فيه الادعاء العام في إيران وقائد قوات الأمن الداخلي يصرحان: «إنه لم يتم القبض على أي مشتبه فيه ولم يتبن أحد مسؤولية هذا الحادث»، أكدت وكالة أنباء «فارس» التابعة للحرس الثوري الإيراني خبر اغتيال أستاذين جامعيين على يد «مجاهدين خلق»، وعقب ذلك بدأت بنشر أخبار «تصحيحية» و«تكميلية» لتعتبر فيها أن أميركا و«الكيان الصهيوني» هما اللذان يقفان وراء هذه الاغتيالات! وبدوره نسب مكتب أحمدي نجاد هذه الاغتيالات إلى «الصهاينة الإرهابيين ورعاتهم المستكبرين» واعتبرها مرتبطة بالتصريحات الأخيرة لرئيس جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6) حول توظيف جواسيس بالإضافة إلى البيان الجديد الصادر عن البرلمان الأوروبي والداعي إلى ضرورة سحب أسماء الجماعات الإرهابية المعادية لإيران (ويقصد «مجاهدين خلق») من القائمة السوداء الأميركية. واستمرت المسرحية، حيث اعتبر وزير الداخلية الإيراني هذه المرة أيضا أن «سي آي إيه» و«الموساد» هما اللذان يتحملان المسؤولية عن هذه الاغتيالات. وأعلنت قناة «شبكة خبر» التلفزيونية التابعة للنظام الإيراني أن «هذه الاغتيالات تأتي إثر فشل أميركا والكيان الصهيوني في تعطيل مشروع إيران النووي السلمي بواسطة إرسال فيروس ستوكس نت»!

وقال عميد الحرس، ساجدي نيا، أحد قادة قوات الأمن الداخلي إن وزارة الدفاع هي التي كانت تتولى حماية الشخصين المذكورين (وكالة أنباء «مهر» للنظام الإيراني - 29 نوفمبر /تشرين الثاني 2010) الأمر الذي يؤكد أنهما كانا يعملان في مشروع الأسلحة النووية الذي تشرف عليه وتديره وزارة الدفاع.

ولكن السبب الرئيسي لذكر اسم «مجاهدين خلق» الإيرانية، يكمن في إصدار قرار في البرلمان الأوروبي تأييدا ودعما للمعارضة الإيرانية. وقد شنت إيران حملة تشهير وبث أكاذيب كثيرة ومنها إلصاق عملية اختطاف الطائرة وقتل الخبراء النوويين ب«مجاهدين خلق» وبهذا تحاول أن تلتف، حسب ظنه، على نتائج وتداعيات هذا القرار الذي يطالب فيه الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة بشطب اسمهم من قائمة الإرهاب ويطالب الأمم المتحدة بتأمين حماية

======================

المشهد الانتخابي العربي 2010

د. عبد الخالق عبد الله

الشرق الاوسط

21-12-2010

يستحق عام 2010 الذي يوشك على الانتهاء أن يطلق عليه اسم عام الانتخابات العربية. فقد شهدت ست دول عربية انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، ومارس نحو 60 مليون عربي حقهم في التصويت والترشيح والانتخاب خلال هذا العام. وبعيدا عن البكائية العربية المزمنة، فإن انتخابات 2010 هي أفضل ما يمكن الحصول عليه، ومن المهم استثمارها من أجل تعزيز الإصلاح الديمقراطي، في واقع عربي يعج بثالوث الطغاة والغلاة والغزاة.

بدأ عام 2010 بالانتخابات العراقية التي جرت في ظل ظروف أمنية صعبة، وشارك فيها 6218 مرشحا، بينهم 1800 امرأة لشغل 325 مقعدا في مجلس النواب. كانت الانتخابات العراقية من أكثر الانتخابات العربية شفافية وشهدت مشاركة شعبية واسعة تجاوزت نسبتها 62 في المائة.

وفي أبريل (نيسان) 2010 جرت انتخابات رئاسية وتشريعية في السودان، في ظل مقاطعة أحزاب المعارضة التي شككت في سلامة إجراءاتها. لكن معهد كارتر لمراقبة الانتخابات أكد أن الانتخابات السودانية تمت في أجواء «مقبولة» من النزاهة وكانت المشاركة كثيفة في الشمال والجنوب السوداني المقبل على الانفصال.

وفي مايو (أيار) 2010 بدأت الانتخابات البلدية في لبنان بمشاركة 3.3 مليون ناخب، و7 آلاف مرشح، بما في ذلك 466 مرشحة تنافسن على الفوز ب3507 مقاعد في 313 بلدية في عموم لبنان. وعلى الرغم من التخندق الطائفي، والاحتقان السياسي الذي يعيشه لبنان، أقر الجميع بنزاهة الانتخابات اللبنانية. أما البحرين فقد شهدت خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انتخابات تشريعية وبلدية صاخبة انتهت بفوز كبير للمستقلين، وفوز غير متوقع للمعارضة ممثلة في جمعية «الوفاق» التي حصلت على 18 مقعدا، وهزيمة ساحقة لتيار الإخوان المسلمين ونواب التيارات الدينية السلفية.

وشهد الأردن خلال عام 2010 انتخابات برلمانية وصفتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» بأنها «أكثر الانتخابات العربية نزاهة وشفافية»، حيث تم تجديد المجلس النيابي بنسبة الثلثين تقريبا، وهو أمر غير مسبوق في المشهد الانتخابي العربي المعاصر. لكن غلب على الانتخابات الأردنية الطابع العشائري الذي عاد بقوة إلى الواجهة السياسية، على حساب تراجع ملموس للأحزاب القومية والتيارات الإسلامية. وكان الحضور النسائي قويا، مشاركة وترشيحا وفوزا، حيث حصلت المرأة الأردنية على 11 في المائة من إجمالي مقاعد المجلس النيابي السادس عشر.

أما آخر الانتخابات العربية وأكثرها تسييسا وضجيجا فقد كانت الانتخابات المصرية التي شارك فيها 5181 مرشحا منهم 380 مرشحة، يمثلون 18 حزبا سياسيا بما في ذلك الوفد والتجمع والحزب الناصري والإخوان المسلمون. لكن على الرغم من الضجيج السياسي والإعلامي، كانت المشاركة الشعبية متواضعة كل التواضع ولم تتجاوز 10 في المائة في أحسن الأحوال. وانتهت الانتخابات المصرية، التي وصفها البعض بأنها «الأفضل»، في حين وصفها البعض الآخر بأنها «الأسوأ» في تاريخ مصر الانتخابي، بحصول الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على أغلبية كاسحة بلغت 420 مقعدا من أصل 518 مقعدا في مجلس الشعب.

كانت قوة السلطة والثروة حاضرة في انتخابات 2010. فقد جرت هذه الانتخابات في ظل إنفاق سخي من قبل رجال المال والأعمال، وفي ظل قيود تشريعية محبطة، وتجاوزات إجرائية كثيرة، وظروف أمنية وسياسية صعبة. ومهما كانت نزاهة انتخابات 2010 فإنها لن تغير كثيرا في الحكومات والعقليات والنخب السياسية الحاكمة.

والمؤكد أن هذه الانتخابات لم تجعل العالم العربي أكثر ديمقراطية مما كان عليه عام 2009. فالدول العربية هي من أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، وأقلها ديمقراطية وحرية. لقد تحدث تقرير التنمية الإنسانية العربية 2001 عن «عجز الحرية» في العالم العربي. وبعد مرور عقد على صدور التقرير لم تتسع كثيرا مساحة الحرية في الواقع العربي، بل إن جميع المعطيات تشير إلى أن عجز الحريات سيستمر طويلا، ولا يبدو أن هناك أملا في تجاوزه قريبا، خاصة بعد أن تراجع الحماس الشعبي والدفع الرسمي للانفتاح الديمقراطي.

صورة الحريات في العالم العربي قاتمة، ووضع الإصلاح السياسي متعثر، وجميع التحفظات على الانتخابات العربية الراهنة والسابقة واللاحقة مشروعة. لكن على الرغم من كل دوافع الإحباط والتشاؤم والتشكيك المحق، فإنه لا ينبغي إطلاقا الاستخفاف بانتخابات 2010، أو التقليل من شأنها.

لم تكن هذه الانتخابات كرتونية وصورية، بل كانت مختلفة في المجمل عن الانتخابات العربية السابقة التي تنتهي عادة بنتائج محسومة سلفا لصالح المرشح الواحد، والحزب الحاكم بنسبة 99.99 في المائة. وباستثناء الانتخابات المصرية، المثيرة للجدل والتي فاز فيها الحزب الحاكم بنسبة 80 في المائة، تمت الانتخابات العربية الأخرى في ظل مشاركة شعبية واسعة، ومساحة أوسع من الحرية والشفافية، واهتمام إعلامي عربي وعالمي غير مسبوق.

انتخابات 2010 خطوة متواضعة جدا لكنها ضرورية جدا في التحول الديمقراطي البطيء. لم تأت هذه الانتخابات من فراغ ولم تكن هبة من الأنظمة القمعية، بل هي خلاصة تضحيات وضغوط إصلاحية تراكمية، وتعبر عن نضج سياسي ووعي حقوقي أعمق. والأهم من كل ذلك هو توظيف الشرائح الشبابية لوسائل الاتصال الحديثة، والوسائط المتعددة، كمواقع الإنترنت، والمدونات وشبكات التفاعل الاجتماعي، لتداول الأخبار والمعلومات والآراء، والتأثير بالتالي في المشهد الانتخابي العربي الذي هو اليوم أكثر تنوعا ونضجا من أي وقت آخر. لقد تمت الانتخابات في كل من العراق، والسودان ولبنان والبحرين والأردن وحتى في مصر في ظل مساحة أوسع من الحرية، وأسهمت بدورها في رفع سقف الحريات في هذه الواحات المتناثرة من العالم العربي.

المهمة الرئيسية في مرحلة ما بعد انتخابات 2010 هي استثمار هذا الزخم الانتخابي من أجل تفكيك بنية السلطة السياسية العربية العتيقة كشرط من شروط إحياء المشروع النهضوي العربي الذي طال انتظاره.

* أستاذ العلوم السياسية

======================

الاقتصاديات العربية ومرحلة ما بعد الأزمة

د. هنري عزام

الشرق الاوسط

21-12-2010

لقد شهدت مرحلة ما بعد الأزمة المالية تغيرات اقتصادية هيكلية على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية. فلقد اقتنع الجميع بأنه ليس هناك بديل للنظام الرأسمالي، كما أن الدولار سيبقى عملة التداول والاحتياط الرئيسية، وسيشهد الاقتصاد العالمي معدلات نمو وتضخم أقل مما كانت عليه قبل الأزمة، كما أن أسعار الفائدة على العملات الرئيسية ستبقى متدنية ومعدلات البطالة مرتفعة نسبيا. غير أن اقتصاد السوق سيشهد عهدا جديدا يتسم برقابة أكثر فعالية وتشريعات مالية صارمة وتشدد أكثر في منح الائتمان. ولقد فقد المتعاملون الثقة بقدرة السوق على مراقبة نفسه بنفسه بنفسه (the light touch approach to regulation)، ولا ينظر الآن إلى التشريعات والقوانين على أنها تعيق من تطور الأسواق، إنما أصبحت شرطا أساسيا لأداء اقتصادي متوازن. هذه هي بعض ظواهر الوضع الطبيعي الجديد للاقتصاد العالمي أو ما يسمى (New Normal)، وهناك عدة عناوين رئيسية لهذا الوضع الجديد سنركز هنا على أربعة منها نظرا لأهميتها في هذه المرحلة.

أولا، هناك تحول في القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق ففي التسعينات كانت الاقتصادات المتقدمة تشكل نحو 70% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أما اليوم فحصتها تراجعت إلى نحو 50% في الوقت الذي ارتفعت فيه حصة الدول الناشئة من 10% في التسعينات إلى 25% حاليا. الرابحون من هذا التحول هم أصحاب السيولة النقدية أو الموارد الطبيعية أو الذين لديهم القدرة على الإنتاج بأسعار تنافسية دون الإسراف في الاستهلاك خاصة الممول عن طريق القروض. فالدول الناشئة مثل الصين والهند، والبرازيل، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وماليزيا، وجنوب أفريقيا وغيرها يتوقع أن تحقق معدلات نمو مرتفعة للأعوام القادمة ابتداء من 6.5% في المعدل هذا العام مقارنة مع نمو لا يزيد على 1% بمنطقة اليورو واليابان و2.5% لأميركا، فالدول النامية ستكون هي قاطرة النمو للاقتصاد العالمي، كما أن دخل الفرد لهذه الدول يتوقع له أن يرتفع خلال السنوات القادمة بمعدلات تصل إلى أكثر من خمسة أضعاف مثيلاتها في الدول المتقدمة.

هناك أيضا تفاقم في المخاطر السيادية لعدد من الدول المتقدمة خاصة في أوروبا وتحسن في مخاطر الدول النامية، وكل هذا سينعكس على تكلفة الاقتراض لهذه الدول وأسعار صرف عملاتها. إذ سيتقلص الفرق بين العائد على السندات التي تصدرها الدول النامية مقارنة مع مثيلاتها للدول المتقدمة، ويتوقع أن تحافظ أسعار صرف العملات الرئيسية على معدلات تداول ضمن هامش محدد (1.20 - 1.40 للدولار مقابل اليورو) و(80 إلى 90 للين مقابل الدولار)، في حين ستشهد أسعار صرف عملات العديد من الدول الناشئة ارتفاعا تدريجيا مقابل العملات الرئيسية الأخرى ليشكل ذلك أحد التغيرات الهيكلية المستجدة في مرحلة ما بعد الأزمة. وحتى يتم فك ارتباط العديد من هذه العملات، خاصة العملة الصينية والكورية بالدولار، سيبقى الطلب على الذهب مرتفعا والذي أصبح ينظر إليه كعملة تشبيهية للاقتصاديات الناشئة ومؤشر قيادي لأسعار صرف عملاتها، وقد يكون ذلك أحد أسباب الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب في وقت لا يشهد فيه الاقتصاد العالمي أي ضغوطات تضخمية أو حروب مقلقة تجعل من الذهب الملاذ الآمن للاستثمار، كما أن ارتفاع الذهب جاء خلال فترات زمنية شهدت صعودا وهبوطا في أسعار صرف الدولار واليورو على السواء.

ثانيا، إن الطلب العالمي على النفط سيواصل نموه خلال السنوات العشر القادمة، وتشير الدراسات إلى أنه بحلول عام 2020 ستستأثر القارة الآسيوية على نسبة 60% من هذا النمو. ويتوقع أن يرتفع عدد السيارات في العالم بنسبة 50% خلال العشر سنوات القادمة ليصل إلى 1200 مليون سيارة مقارنة مع 800 مليون سيارة حاليا. كما أن عدد سكان العالم سيزداد خلال هذه الفترة بنحو مليار نسمة إضافة إلى تحقيق المزيد من البشر لمستويات معيشة أفضل. والنفط الذي تراوح سعره هذه السنة بين 75 - 90 دولارا للبرميل يتوقع أن يحافظ على قوته مدعوما بتنامي الطلب في أسواق الدول الناشئة. من هنا صح القول بأن الأزمة المالية الحالية ليست أزمة «عالمية» بقدر ما هي أزمة اقتصادات العالم المتقدم.

إن تنامي اعتماد دول المنطقة العربية على الإيرادات النفطية سنة بعد سنة سيبقيها رهينة للإنفاق العام ولاقتصاد النفط. وبعد أن حققت هذه الدول فائضا في موازينها العامة عندما كان سعر برميل النفط أقل من 30 دولارا، عاد بعضها ليسجل عجزا العام الماضي مع أن سعر برميل النفط ارتفع إلى نحو 62 دولارا في المعدل. كما أن الدول العربية غير المنتجة للنفط أصبحت هي الأخرى معتمدة على تدفقات رؤوس الأموال من الدول الخليجية وعلى تحويلات العاملين من أبنائها في هذه الدول والتي وصلت العام الماضي على سبيل المثال إلى نحو 7.7 بليون دولار لمصر و3.8 بليون دولار للأردن.

ثالثا، ستكون الرقابة الفعالة والقدرة على تجنب الأزمات قبل حدوثها من أهم مظاهر المرحلة المقبلة. فبالإضافة إلى السياسة النقدية والرقابة على المصارف، يتوقع أن نرى توسعا في مهام البنوك المركزية ليشمل الإشراف على كافة نشاطات الإقراض بغض النظر عمن يقوم بهذا النشاط، سواء بنوك، أو شركات وساطة، أو صناديق استثمار، أو مؤسسات تمويل عقارية أو تمويل تأجيري وغيرها، والتنسيق الكامل في هذا المجال مع هيئات أسواق رأس المال.

الهدف هو تمكين الهيئات الإشرافية على إدارة المخاطر النظامية (Systemics Risk) من الحفاظ على الاستقرار المالي في أسعار الأصول، حيث إن معظم الفقاعات عقارات أو أسهم أو سلع أو غيرها تنشأ بسبب المضاربة والطلب المكثف الناتج عن زيادة حجم الائتمان المقدم لشراء هذه الأصول. فالإدارة السليمة لهذا الائتمان ووضع ضوابط واضحة ومنظمة له يساعد على تنفيس الفقاعات قبل أن تنفجر.

رابعا، لقد أظهرت الأزمة مدى ارتباط أسواق أسهم دول المنطقة بالأسواق والتطورات العالمية، ويتوقع لهذا الارتباط أن يتعمق أكثر مستقبلا. ولقد لاحظنا مؤخرا كيف أن موجات الارتفاع أو الهبوط تبدأ في الأسواق المتقدمة وتنتقل تباعا بين أميركا وأوروبا وآسيا وصولا إلى منطقتنا. فالتحركات في أسعار الأسهم المحلية، خاصة الخليجية منها، أصبحت تعكس بشكل متزايد حركة الأسواق الخارجية، بما فيها أسواق أسهم الدول النامية. وكلما زاد حجم الاستثمار المؤسسي المحلي أو الأجنبي في أسواقنا المالية، زادت نسبة الترابط هذه. ولقد أخذ المساهمون يتابعون أداء الأسهم العالمية كمؤشر قيادي للأوضاع الاقتصادية العالمية وما لذلك من تأثير على أسعار النفط وبناء على ذلك يتعاملون مع أسواق أسهم دول المنطقة، متجاهلين في كثير من الحالات المعطيات الخاصة بأداء أسهم الشركات المدرجة محليا. لقد أصبح واضحا أن القطاع العام سيلعب دورا متزايدا على الساحة الاقتصادية العالمية والمحلية. هناك عودة دراماتيكية للحكومات والتي أصبح مطلوبا منها الآن أن تكون المراقب والضامن والمقرض والمالك للشركات التي تأثرت سلبيا بالأزمة. والتحدي يكمن في كيفية إبقاء القطاع الخاص في دفة القيادة، مع إعطاء القطاع العام دورا أكبر وأكثر فعالية في الإشراف والتنظيم والمراقبة، وبهذا نستطيع الحفاظ على المنجزات التي تحققت خلال العشرين سنة الماضية في منطقتنا من انفتاح، وزيادة المنافسة وكفاءة التسعير، واتباع نظام الحكومة الرشيدة للشركات ضمن غيرها من الإنجازات.

يبقى السؤال الأهم وهو: هل ستستفيد دول المنطقة من تحسن إيراداتها النفطية لبناء قطاعات إنتاجية وخدماتية أخرى ولمواصلة عملية الإصلاح الاقتصادي والإنفاق أكثر على البحث والتطوير لكي تكون قادرة على العطاء والتفاعل مع الوضع الطبيعي الجديد؟ صحيح أن عددا من مؤسسات القطاع الخاص ما زال مثقلا بالديون وبحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعه المالية والائتمانية، غير أن هذا القطاع هو المؤهل لقيادة عملية النمو، والمطلوب من الحكومات توفير البيئة الاقتصادية والمناخ الملائم للاستثمار والذي يشمل الاستقرار المالي والنقدي، سيادة القانون، توفير الأمن، وجود أسواق رأسمالية فاعلة، احترام حقوق الملكية والحد من الفساد والبيروقراطية ضمن غيرها من الشروط. وعلى القطاع الخاص عدم القبوع في انتظار أن يتحقق السلام بين العرب وإسرائيل أو أن تخرج الحكومات من تقوقعها أمام مصالحها الضيقة، بل عليه أخذ المبادرة في عملية التكامل والاندماج والتركيز على الإبداع لإحداث التغير والذي إن تحقق سيضع الدول العربية في مرتبة الدول الصاعدة الأخرى.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ