ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 16/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان وفي ذكرى حق العودة أيضًا

عدنان السمان

2010-12-14

القدس العربي

 صادف العاشر من كانون الأول (ديسمبر) ما اصطلح المجتمع الدولي في أجندته السياسية والاجتماعية والإنسانية على تسميته باليوم العالمي لحقوق الإنسان..

ولعلّ من المناسب جدًّا هنا أن يُشار إلى أن هذا المجتمع الدولي كان موفقًا في اختيار هذا التوقيت قبل يوم واحد من ذكرى القرار (194) الصادر في الحادي عشر من شهرنا هذا، والقاضي بوجوب عودة اللاجئين والمهَّجرين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم في العام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف ليبلغ تعدادهم اليوم وبعد أكثر من اثنين وستين عامًا على النكبة ستة ملايين لاجئ ومهجَّر تعيش غالبيتهم العظمى هنا على أرض الوطن، وأقطار الجوار، في محيط لا يتجاوز مداه عن مدنهم وقراهم مئة ميل بلغة الأبعاد والمسافات، ولا يستغرق أكثر من ساعة في حساب الزمن بلغة الدقائق والساعات.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان يُنكَّل بالبشرية، وتُذَلّ وتُهان في كثير من الأقطار والأمصار والبلدان.. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان تطفو على السطح قضايا اللاجئين والمهجَّرين والأسرى والمعتقلين السياسيين والإداريين.. كما تطفو على هذا السطح الأسود قضايا الاضطهاد، والتمييز العنصري، والفقر، والجوع، والأمية، والمرض، والتخلف، والرق، والاستبداد، والتحكم برقاب الناس، وأرزاقهم، وضرب رقابهم، ومصادرة قرارهم وإرادتهم.. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان تُحتلُّ كثير من الأوطان، وتُقمع شعوب، وتُضطهد أمم، وتسود الكون، وتنتشر فيه مع الأسف الشديد مجتمعات الأسياد والعبيد!!

وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان يستبد الفساد بهذا الكون الذي يتكاثر فيه الفاسدون والمفسدون بشكل غير مسبوق.. وتصرخ على لوحات إعلانات الحوادث وكبار الأحداث فيه صورٌ رهيبة تقشعرّ لهولها الأبدان من شتى ألوان الجريمة المنظمة، وتلك العشوائية.. مئات الأعمدة في الصحف اليومية والأسبوعية في هذا العالم تروي آلافَ الحوادث والجرائم والموبقات التي اقتُرفتْ في هذا الكون بحق أطفال ونساء وشيوخ ومرضى وفقراء وضعفاء لا يملكون لأنفسهم ضَرًّا ولا نفعًا.. ومئات العناوين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تتحدث يوميًّا عن القتل، والسلب، والنهب، والإحراق، والإغراق، والاغتصاب، وقضايا التشرد والجنوح والمخدرات.. وقصص وحكايات لا يكاد يصدّقها العقل عن ألوان من الظلم والاستبداد والقهر والعدوان ما أنزل الله بها من سلطان!!

وإذا كان المجتمع الدولي في هذا اليوم يَحتفل بالإنسان وحقوقه، فقد احتفل قبل ذلك بيوم الأسرة العربية، وبيوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وباليوم العالمي للمعاقين، وباليوم العالمي لإلغاء الرق، وكان قد احتفل قبل ذلك باليوم الدَّولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وباليوم العالمي للطفل، وبيوم التصنيع في إفريقيا وسيحتفل بعد ذلك بكثير من المناسبات والعناوين المثيرة التي تشتمل عليها أجندته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية دون أن تحقق البشرية أدنى نفع من هذا كله بل إن الرياح قد جرت في تلك الأيام بما لا تشتهي السفن: ففي يوم الأسرة العربية تجري محاولات جادّة لتفكيكها، وإفقارها، ونشر المخدرات بين صفوف أبنائها.. وفي يوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية سجّلت شعوب هذا العالم مزيدًا من البِطالة والفقر والتناحر والخصام.. وفي اليوم العالمي للمعاقين أسمعناهم أحلى الكلام، وأبقينا على أوضاعهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أبقينا على معاناتهم وآلامهم وعذابهم دون أن نفعل شيئًا مذكورًا لتحسين أحوالهم على الرغم من أن الغالبية الساحقة منهم هي من ضحايا الحروب والاعتداءات، ومن ضحايا التخلف والفقر والفساد، ومن ضحايا البيئة.. وفي هذه الحالات جميعها هم ضحايانا نحن بني البشر المخادعين المراوغين المعتدين.. ومع ذلك لم نفعل شيئًا من أجلهم!!

وإذا كان هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان يأتي متزامنًا مع ذكرى القرار (194) أو بفارق يوم واحد، وإذا كان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني قد حل محل ذكرى القرار (181) بشأن تقسيم فلسطين والذي صدر في (29/11/1947) قبل ثلاثة وستين عامًا، وإذا كان هذا القرار قد قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية، وعربية؛ فإن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في أحسن أحواله سيؤدي إلى وقوف كثير من الدول إلى جانب الفلسطينيين في إقامة دويلة متواضعة على أقل من نصف المساحة التي ضمنها القرار (181) هذا إذا وافق الإسرائيليون على ذلك، ولن يوافقوا: فالقدس الموحدة بمساحتها البالغة عشرة بالمئة من مساحة الضفة الغربية هي عاصمتهم الأبدية، واللاجئون الفلسطينيون لن يعودوا بحال من الأحوال، والمستوطنات هي المستوطنات.. وهذا باختصار شديد يعني أن شيئًا مما يريده الفلسطينيون لن يتحقق، وأن شيئًا مما يطالب به المجتمع الدولي أيضًا لن يتحقق، فلماذا كل هذا اللف والدوران؟ ولماذا كل هذه الحركات والتحركات؟ ولماذا كل هذه الأسماء والمسميات والمناسبات التي ما أدت في الماضي، ولن تؤدي في المستقبل إلا لمزيد من الخسارة، ومزيد من التشرد، ومزيد من الخيبة والفشل والتراجع والهوان؟

إن وضع القرار (194) موضع التنفيذ هو أولاً وقبل كل شيء حق تاريخيٌّ سياسيٌّ فرديٌّ أبديٌّ (لكل فلسطيني) لا يسقط بالتقادم، وهو ثانيًّا حقٌّ ضمنه المجتمع الدولي، وهو أيضًا حقٌّ أخلاقيٌّ، وهو حقٌّ إنساني، وهو إلى جانب هذا كله وكثير غيره حق لا يمكن تجاوزه والقفز عنه إذا أُريدَ لهذه القضية الفلسطينية أن تُحَلّ.. ومع ذلك فإن وضع هذا القرار موضع التنفيذ، والاعتراف المطلق بحق اللاجئين والمهّجرين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم لا يعني بالضرورة أن يعود هؤلاء جميعًا في يوم وليلة إلى بلادهم، ولكنه يعني أن لهؤلاء الحق في هذه العودة، ومن الممكن أن يعود هذا المواطن أو ذاك اليوم، ثم يعود إلى مكان عمله خارج البلاد، وقد يعود بعد ذلك، وقد لا يعود تمامًا مثل كثير من اللبنانيين المنتشرين في كل أرجاء هذا العالم.

في لبنان قرابة خمسة ملايين لبناني، وفي هذا الكون خمسة وعشرون مليونًا من اللبنانيين.. هؤلاء جميعًا لهم كل الحق في أن يعودوا إلى وطنهم في أي وقت، ولكنهم لا يعودون لأسباب متعلقة بهم، وليس لأن القانون في لبنان يمنعهم من ذلك فهل مثل هذا المثال من شأنه أن يُقنع هؤلاء الذين يريدونها دولة يهودية نقية بخطأ رأيهم؟ وهل مثل هذا الحديث الصريح الواضح من شأنه أن يبدد المخاوف والهواجس التي قد تنأى بأصحابها عن الامتثال لمبادئ الحق والعدل والعدالة؟ وهل في مثل هذا العرض حافز للمتطرفين المتعصبين للتخلي عن التطرف والتعصب والمغالاة ونظرة الاستكبار والاستعلاء على الآخرين، ولا سيما إن كانوا أصحاب الحق المبين الذي لا حلّ لكل قضايا المنطقة بدون رضاهم واقتناعهم وموافقتهم بعد حصولهم على حقوقهم التاريخية والوطنية والإنسانية في بلادهم فلسطين؟

أليس من الضروري جدًّا في هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن يعمل الناس جميعًا في هذا الكون من أجل احترام إنسانية الإنسان، ومن أجل حصول البشر جميعًا على حقوقهم كاملة غير منقوصة، ليُصار بعد ذلك لبناء مجتمع إنساني متحضر متطور متعاون متسامح ترفرف عليه رايات السلام العادل الشريف، ولا مكان فيه لجائع أو خائف أو مضطهد أو مظلوم لا نرجو ذلك.

كاتب فلسطيني

======================

تركيا : حتميات الجغرافيا.. ومسارات الأمن والنفط!

راكان المجالي

الدستور

15-12-2010

لم يكن الخريف التركي هذا العام عادياً ، بكلّ المعايير. فقد عبرت به تركيا ، سياسياً وقانونياً ، أعقد مراحل تحوّلاتها الداخلية ، التي تضعها بالفعل أمام استحقاقات مصالحها الخارجية ، على المستويين الاقليمي والدولي.

ذلك أن التعديلات الأخيرة التي أُجريت على الدستور التركي ، عزّزت صلاحيات الحكومة ، ومكّنتها من اتخاذ القرارات الخاصة بالأمن القومي ، كما أنّها وضعت حداً لتقليد كان يقضيً بأن يكون الأمين العام لمجلس الأمن القومي قائداً عسكرياً. وبالتعديلات الدستورية الأخيرة ، أصبح يقف على رأس تلك المؤسسة الالغة الأهمية مدني ، يُعيّن بقرار من مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية. وقد قيل الكثير عن التعديلات الأخيرة ، التي أقرّها المجلس على وثيقة الأمن القومي التركي السياسية ، أو ما بات يُعرف ب"الكتاب الأحمر" أو "الدستور السري" ، قياساً الى نصّها السابق ، الذي تعاد دراسته وتقييمه كل خمسة أعوام بشكل دوري. ومعروفّ ، أنّه قد سبق تلك التعديلات على "الكتاب الأحمر" ، وقبل ثمانية أشهر ، قيام حكومة حزب العدالة والتنمية بالغاء "بروتوكول أماصيا" ، الذي يمنح الجيش سلطة التدخل المباشر في الشؤون الداخلية ، ومن دون اذن من الحكومة ، في أوقات الأخطار والقلاقل الاجتماعية الكبيرة. فمن المعروف أنّ الجيش التركي منح نفسه حقّ الوصاية ، على الشعب والحكومة ، منذ اعلان قيام الجمهورية التركية (بصيغتها العلمانية) في العام 1923 ، بزعامة مصطفى كمال(أتاتورك). أما مجلس الأمن القومي ، فقد تأسس في العام 1961 ، بعد أول انقلاب عسكري في تركيا ، وذلك من أجل تمكين الجيش من امتلاك أداة قانونية ، تمنحه صلاحية التدخل في الشأن السياسي من دون اعتراضات داخلية. حيث تألّف المجلس حينها من رئيس عسكري وغالبية من أعضاء عسكريين ، أما المدنيون فيتم تعيينهم بتوصية وموافقة من العسكريين..،.

 

وكانت مهمة المجلس الفعلية هي اعادة النظر في السياسات الحكومية ، وكان من المألوف أن "تكون جلساته الشهرية مسرحاً يجلد فيه الجيش الحكومة بشأن أية قرارات أو سياسات يراها مخالفة للمبادئ العلمانية الكمالية" ، يرافقها تهديد مباشر أو خفي منه للحكومة ، بعزلها والاستغناء عن خدماتها ، فيما لو أصرت على موقفها. وقد قام الجيش بتقوية هذه الوصاية ، عبر صلاحيات اضافية غير مسبوقة تلت انقلاب العام 1997 ، من بينها "بروتوكول أماصيا" ، اضافة الى صلاحيات أخرى تضمّنها دستور العام 1981 ، الذي وضعه العسكر بعد انقلاب العام ,1980

 

لهذا ، فانّ التعديلات الدستورية الأخيرة ، والغاء "بروتوكول أماصيا" ، والتعديلات الأخيرة التي أجريت على "الكتاب الأحمر" ، تعني حدوث تحوّلات لا يستهان بها ، في تاريخ علاقة الجيش والحكومة في تركيا. وأول تلك المعاني ، أنّ الحكومة ماضية في انهاء احتكار الجيش لصفقات الأسلحة ، التي يبرمها حاليا من دون الرجوع للحكومة ، وبعيداً عن أية رقابة أو مساءلة ، اضافة الى كشف وتعديل وثائق سرية أخرى للجيش ، وعلى رأسها "الدستور السري" ، التي أعدّها بعيداً عن أعين الحكومة والشعب.

 

وبانعقاد الاجتماع الدوري الأخير ، لمجلس الأمن القومي ، برئاسة الرئيس التركي "عبدالله جول" ، وحضور رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان" ، ورئيس هيئة الأركان وقادة فروع القوات المسلحة ، وووزراء الدفاع والداخلية والخارجية ، يكون الوجود المدني في المجلس قد تعزّز ، لأوّل مرة منذ تأسيسه ، وذلك عبر زيادة تمثيل الحكومة بثلاثة من نواب رئيس الوزراء ، اضافة الى وزيري العدل والداخلية والدفاع والخارجية. وبعيداً عن الجدل الدائر حالياً ، حول تصنيفات وثيقة الأمن التركي الجديدة ، للأخطار التي تتهدّد أمنها ، بما في ذلك تصنيف الدول والمنظمات الدينية واليسارية في تلك الوثيقة ، فانّ المؤكّد أنّ تركيا تستعدّ لتحديد مسارات وأولويات مصالحها وأمنها القوميين ، في أزمان تتداخل فيها المصالح وتتبدّل وتتعقّد وتتضارب.

 

فهل يمكن اعتبار أنّ "مسألة الطاقة" ، بما فيها النفط والطاقة النووية ، ستكون معياراً لاتجاه السياسة الخارجية ، ومن بعدها مُحدّداً لوجهة الأمن القومي في المدى القريب؟ ففي وثيقة الأمن الأخيرة تمّت الاشارة الى ربط "أولويات الأمن القومي التركي والسياسة الخارجية بأمن الطاقة" ، وهذا يحدث لأول مرة..،.

 

في وثيقة الأمن القومي التركي الأخيرة ، هناك الكثير من الدلالات الجديدة ، غير أنّ قراءتها تستلزم سياقات أخرى ، غير الحماس أو الانفعال أو التعاطف ، أيّاً كانت أسبابه. وفي أبرز عناوين تلك الدلالات الحاضرة في الوثيقة الجديدة أنّها ترى:

 

- ضرورة تعزيز مكانة تركيا ، كطريق نفطي ، كأولوية استراتيجية في السياسة الخارجية.

 

- اعتبار المناطق النفطية ، والخطوط وطرق ومسارات نقل النفط ، "خطوطاً حمراء" ، بالنسبة الى الأمن العالمي ، ما يقضي بتوطيد التنسيق الأمني والاستخباري مع "روسيا" ، باعتبارها المصدر النفطي الأهم في العالم.

 

- ضرورة توسيع تركيا لدورها ونفوذها ، في دول: (ايران ، العراق ، سوريا ، روسيا ، آذربيجان ، بلغاريا ، واليونان) ، عبر متابعة التطورات السياسية والأمنية في تلك الدول ، وذلك من أجل ضمان أمن الاحتياطات والطرق النفطية.

 

- ضرورة توظيف "القيمة النفطية" ، التي تتمتع بها تركيا ، في ملف ترشيحها الى عضوية الاتحاد الأوروبي ، باعتبار أنّ أكثر من سبعين في المئة من احتياجات أوروبا النفطية ستمرّ عبر الأراضي التركية في السنوات القادمة.

 

أما المحور الأهم ، وهو ما ناقشه مجلس الأمن القومي التركي ، في اجتماعه الأخير ، وأبقاه مفتوحاً بلا حسم ، فهو "مشروع نشر الدرع الصاروخي الأمريكي داخل تركيا". فثمّة الكثير من الهواجس التركية حوله ، تتعلّق بمخاطر استهدافه دولا بعينها كايران مثلا ، بصورة علنية أو خفية ، اضافة الى تخوّفات من امكانية حصول "اسرائيل" على معلومات استخباراتية ، من خلال أجهزة الرصد والرادار التابعة للدرع الصاروخي. فهل تقوى تركيا ، العضو في حلف "الناتو" ، على رفض المشروع تماماً ، فيما اذا واصلت واشنطن ضغوطها عليها..؟ أم أنّ مجلس الأمن القومي التركي ، بتركيبته ووثيقته الجديدتين ، سيكون له رأي آخر..؟، ذلك ما تُحدّده ، عادة ، حتميات الجغرافيا ، وديكتاتورية الموارد ، ورؤى رجال السياسة التاريخيين ، حين تُفرض حقائق المصالح استحقاقاتها على الجميع ، ومن دون مواربات.

======================

فلسطين بين العولمة والاقلمة

خيري منصور

الدستور

15-12-2010

لم تكن فلسطين ذات يوم رهينة مساحتها الجغرافية وطالما تمددت او انحسرت تبعا لبعدين اساسيين في تكوينها هما التعريب والاسلمة لهذا لم تكن الحروب التي خيضت فيها او من اجلها محلية خالصة وهي من بين القضايا النادرة في التاريخ التي اتاحت لكل عربي ومسلم ان يعثر على نصيبه في الكفاح من اجلها ولعل المثال الايوبي لا يزال ساطعا في العديد من القلاع التي كانت بشكل او بآخر ذات صلة ببيت المقدس.

وقد يبدو اوسلو وملحقاته محاولة لاعادة فلسطين الى غمدها الصخري جغرافيا لكن سرعان ما انتهت المحاولة بالاخفاق ولم يكن موت اوسلو بسبب ما اطلقته عليه الدولة العبرية من نيران فقط ، بل لانه محاولة للسباحة ضد تيار التاريخ او محاولة لاجراء جراحة غليظة للذاكرة والقومية بحيث تهجع فلسطين بكل مقدساتها في زاوية مظلمة،

ان ما يجري الآن من خلال الاقتراب على اختلاف صيغة من ايران وتركيا للصراع العربي الصهيوني هو بعد ثالث للتعريب والاسلمة انه ما يمكن تسميته اقلمة القضية مقابل محاولات التدويل التي تحول فلسطين الى سوق سياسية سوداء يجري كل طرف دولي مهاراته فيها بحثا عن ربح ما ، سواء أكان اقتصاديا ام سياسيا ام حتى تبشيريا.

منذ سبعة عشر عاما وهي عمر اوسلو الذي شاخ وتدهور وهو يحبو وكل ما يحدث في فلسطين او حولها بقول بان اي حلم للاستقالة القومية من هذا الصراع محكوم عليه بالفشل مرتين مرة في فلسطين ذاتها ومرة اخرى في السياق المحلي لمن يجربون مثل هذه الاستقالة التي جعلت الاقطار العربية تتنافس في العقد الماضي على اعتبار كل بلد نفسه "اولا" الا ان هذه القضية بقيت رغم المنافسات في مكانها ليس فقط بسبب مركزيتها بل لانها تختبر منسوب ما تبقى للعرب من امن قومي ومن ذاكرة ثقافية واخيرا ما لم يبلغه الدمار بعد من الوجدان التاريخي.

ما من بلد عربي سلًم حتى الآن من تمدد الاخطبوط الصهيوني اقتصاديا او مخابراتيا او من خلال السطو على المتاحف كما حدث في العراق وما يقال الآن من تعرض نهر النيل وهو مصدر الحياة كلها لمصر للاخطار بعد تقسيم السودان له صلة مباشرة بالدور الصهيوني ومن حلموا ببلوغ نهر الليطاني كما يتضح من مراسلات بن غوريون وسعوا الى تحويل نهر الاردن قبل اربعة عقود لا يقتصر خطرهم على فلسطين وحدها وضمن مساحتها الجغرافية وقد يكون هذا كله من البديهيات القومية التي لم تكن تقبل المطارحات السجالية ذات عروبة اكثر تماسكا مما هي الآن لكن البديهيات لم تعد كذلك بعد ان تعولمت الادمغة والذاكرات ومشت الجرافات والدبابات على الخطوط الفاصلة بين ثقافات وهويات واشواق وطنية لمختلف شعوب العالم.

ولست نبوءة ان نقول بان المستقبل المنظور سوف يبرهن على بطلان الكثير من الاطروحات القائمة على الخصخصة القومية في بعديها الامني والسياسي اضافة الى البعد الاقتصادي لكن ما نخشاه هو ان يكون الاوان قد فات لاستدراك ما يمكن استدراكه خصوصا بعد ان اصبحت القضية الآن في طور الاقلمة والعولمة ، فالناشطون القادمون لفك الحصار عن غزة معظمهم من جنسيات اوروبية وامريكية وآسيوية والعرب بينهم مجرد كومبارس.. وحين يعلو الصوت التركي مهددا تل ابيب بان تركيا لن تصمت ازاء حرب اخرى ضد لبنان او حين تنافس ايران الخطاب العربي القوم في البحث عن دور في الصراع فان الاقلمة تصبح الطريق المعبّد الى عولمة.. تحذف العرب من المعادلة،،

======================

ميتشل يتحدث بلسان نتنياهو

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

15-12-2010

حين تصف الخارجية الاميركية مباحثات مبعوث واشنطن جورج ميتشل مع رئيس وزراء اسرائيل بأنها كانت إيجابية، وحين يؤكد المبعوث الأميركي أن بلاده تسعى للتوصل إلى اتفاق إطار يتم من خلاله إيجاد حلول وسط لتسوية قضايا الوضع النهائي والدفع بعملية السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل, ودعوته الجانبين لبناء ثقة جديدة والتدليل على الجدية، ويأمل في التوصل إلى نقاط مشتركة تساهم في استئناف المفاوضات المباشرة، وأنه سيسعى لتحقيق تقدم حقيقي في الأشهر القادمة وسيعمل من أجل محادثات ثنائية جوهرية بشأن المستوطنات والحدود وعودة اللاجئين الفلسطينيين, فانه يعود مع إدارة أوباما إلى نقطة البداية, ويلغي كل جولات التفاوض المباشر وغير المباشر .

بنيامين نتنياهو بعد المحادثات مع ميتشل التي تصفها واشنطن بالايجابية, يرى وجوب التوصل إلى اتفاق إطار يمهد لتوقيع اتفاقية سلام بين الجانبين من شأنها أن تضمن السلام والأمن في المنطقة, وهو بذلك يتناغم مع ميتشل في محاولاتهما العودة إلى المربع الأول, وهما يحاولان القفز على الموقف الفلسطيني المتمسك بطلب وقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بالكامل, إضافة لضرورة توفر مرجعية سياسية واضحة تشمل الإقرار بحدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية والاستعانة بقوة دولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة, وأميركا وتل أبيب تسعيان للتهرب من فكرة تحرك دولي واسع لحماية العملية السياسية, وتحاولان شطب مفعول إعلان الاتحاد الأوروبي تنديده بالاستيطان, واستعداده للاعتراف بدولة فلسطينية، حين تكون الظروف ملائمة, وهذا بالتأكيد موقف متقدم، يؤكد أن ضم إسرائيل لأي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة غير شرعي، وأن الخطوة التالية ستكون اعتراف الاتحاد الأوروبي ودول العالم بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

 

مباحثات ميتشل تأتي عشية اجتماع لجنة مبادرة السلام العربية للنظر في اتخاذ موقف إزاء المستجدات الأخيرة على مفاوضات السلام بعد الاستماع إلى عرض من الرئيس محمود عباس بشأن الاتصالات التي أجراها الجانب الفلسطيني مع الولايات المتحدة وباقي الأطراف المعنية قبل اتخاذ أي موقف عربي بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات .

 

بالتوازي مع مواقف نتنياهو, أتحفنا إيهود باراك بعد حديثه عن إمكانية تقاسم القدس بين الاسرائيليين والفلسطينيين بالدعوة لتجاوز عقبة المستوطنات والشروع في مفاوضات مباشرة حول القضايا الأساسية بشكل يمكن من التقدم إلى الأمام, كما دعا ليبرمان إلى استئناف تلك المفاوضات من دون شروط مسبقة، وبشرنا باستعداد إسرائيل لتقديم المزيد من التنازلات, ولسنا ندري ماهي التنازلات التي يمكن أن يتفضل بها على الفلسطينيين وزير خارجية اسرائيل, ولعل الوزيرين يسعيان لتجاوز دعوة روبرت سيري منسق الامم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط إلى تغيير الإستراتيجية المعتمدة، بعد رفض إسرائيل تمديد تجميد الاستيطان .

ليس تطرفاً إن دعونا السلطة الفلسطينية ولجنة المبادرة العربية الكف عن الاستماع لميتشل, بعد أن أثبت الرجل أنه يتحدث بلسان نتنياهو , وليس تطرفاً ولا ابتعاداً عن فكرة السلام إن توجهت السلطة الفلسطينية إلى المجتمع الدولي ووضعته ممثلاً بمجلس الامن أمام مسؤولياته, وطالبت العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران على أن تكون عاصمتها القدس, فقد وصلت اللعبة الاميركية إلى نهايتها البائسة.

======================

الإمبراطورية الأميركية.. هل نحتاجها؟

روبرت دي. كابلان (زميل رئيسي بمعهد «الأمن الأميركي الجديد»)

«واشنطن بوست الأميركية وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

15-12-2010

حروب العملات، والهجمات الإرهابية، والصراعات العسكرية، والأنظمة المارقة الساعية لامتلاك أسلحة نووية، والدول المنهارة، والآن تسريبات»ويكيليكس»لعدد هائل من الوثائق السرية. ما هو السبب في كل هذا الاضطراب؟ السبب ببساطة هو غياب الإمبراطورية.

فخلال الحرب الباردة كان العالم مقسماً بين النظامين الإمبراطوريين السوفييتي والأميركي.

وكانت الإمبراطورية الروسية وريثة «روسيا الكييفية» التي تكونت من اتحاد مدينتي «نوفوجورود» و»كييف» عام 862 ميلادية وسقطت عام 1169، و»دوقية موسكو الوسيطة»، وروسيا القيصرية تحت حكم سلالة «رومانوف» تسيطر على أوروبا الشرقية، والقوقاز ، وآسيا الوسطى، وتساند أنظمة في آسيا، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية.

أما الإمبراطورية الأميركية (وريثة «جمهورية البندقية البحرية»، وبريطانيا العظمى)، فقد قامت هي الأخرى بمساندة الحلفاء، وخصوصاً في غرب أوروبا وشرق آسيا، كما احتفظت بقواعد عسكرية لها في ألمانيا الغربية، وتركيا، واليابان، لإحكام الحصار على الاتحاد السوفييتي.

وعلى الرغم من أن سقوط الإمبراطورية السوفييتية، قد أثار حالة من النشوة في الغرب، فإنه قاد أيضاً لانعتاق دولة أوروبا الوسطى من أسرها، واندلاع الصراعات العرقية في البلقان والقوقاز، التي أسفرت عن مصرع مئات الآلاف من البشر، وتشريد الملايين.

كذلك، أدى سقوط الإمبراطورية السوفييتية، إلى حالة من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية في روسيا ذاتها، وإلى المزيد من التفكك في الشرق الأوسط، بعد أن فقدت بعض دوله البوصلة بعد اختفاء القطب السوفييتي.

والآن نجد أن العمود الثاني الذي كان يقوم عليه الاستقرار في الحرب الباردة – أميركا- قد بدأ هو الآخر يتقلقل من مكانه، وهو ما يحدث في نفس الوقت الذي تبرز فيه قوى جديدة صاعدة مثل الصين والهند، يدفعها الطموح إلى السعي لملء الفراغ الذي ستخلفه الإمبراطورية المتراجعة وراءها.

من المؤكد أن حدوث انهيار مفاجئ للكيان الأميركي، مماثل لذلك الذي تعرضت له الإمبراطورية السوفييتية، أمر غير وارد حالياً على الأقل؛ بيد أن ذلك لا يخفي أن هناك مؤشرات واضحة على أن الأفول التدريجي للقوة الأميركية قد بدأ بالفعل.

فالدولار الأميركي، على سبيل المثال، بدأ يفقد مكانته كعملة احتياطي عالمي، وباتت أيامه معدودة، شأنه في ذلك شأن الدبلوماسية الأميركية، التي تعرضت في الآونة الأخيرة إلى تسريبات واسعة النطاق لوثائقها السرية، سيعوق من دون شك قدرتها على العمل.

واللافت أن هذه التسريبات قد حدثت، بفعل تقنيات الاتصالات الإلكترونية المتطورة التي تعتبر بحكم طبيعتها معادية لأنظمة الحكم الإمبراطورية.

وهناك أيضا التآكل التدريجي في القوة العسكرية الأميركية البرية، المنخرطة في مهام والتزامات عملياتية حدت كثيراً من قدراتها، وهو تآكل يتوازى مع تآكل القوات البحرية الأميركية، الذي يحدث في الوقت نفسه تقريباً الذي تعزز فيه كل من الصين والهند بحريتها. وهذا التدهور مرشح للتفاقم مع تقليص الميزانية الدفاعية نتيجة للأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الولايات المتحدة لا تزال تسيطر على أجواء العالم وبحاره، وأنها ستستمر كذلك لسنوات طويلة قادمة، فإن المسافة الفاصلة بينها وبين القوى العسكرية الكبرى الأخرى في العالم آخذة في التقلص.

إن العناوين الرئيسية للعهد الجديد ستكون عناوين عن إمبراطورية تفقد نفوذها، وتتراجع قوتها البرية والبحرية تدريجياً، وتعجز عن القيام بما كانت تقوم به من قبل، بل وتعجز عن التأثير على مجرى الأحداث العالمية.

وليس في هذا أي إدانة لسياسة أوباما الخارجية، لأن الحقيقة التي لا مراء فيها، أنه ليس هناك أي بديل موثوق به للسياسات التي يواصل الرئيس انتهاجها في العراق وأفغانستان، وتلك التي يمارسها تجاه كوريا الشمالية وإيران.

ولا يجب أن يراودنا أي شك والحال هكذا، في أن النظام ما بعد الإمبراطوري الذي نعيش فيه الآن، يسمح بوقوع قدر من الاضطراب والتمزق، أكبر بكثير مما كان يسمح به عصر الحرب الباردة.

المحافظة على قوتنا الحالية من أجل إبطاء عملية الأفول في عصر ما بعد العراق وأفغانستان، يمكن أن يتم إذا تجنبنا الانخراط في المعارك البرية المعقدة، والتركيز بدلاً من ذلك على التحول إلى قوة توازن خارجية، بمعنى الوقوف جاهزين عند خط الأفق بقوات جوية وبحرية جاهزة للتدخل عندما يتعرض حلفاؤنا، والنظام الدولي للخطر.

ربما يكون ذلك في مصلحة أميركا، ولكنه يمكن أيضاً أن يشجع القوى التي تمارس البلطجة الإقليمية وخصوصاً تلك التي تمتلك أسلحة نووية مثل كوريا الشمالية.

وليس هناك شك في هذا السياق، أن القصف الذي قامت به تلك الدولة لجزيرة تابعة لكوريا الجنوبية الدولة الحليفة للولايات المتحدة، يمثل بياناً عملياً يدل على حدود القوة الأميركية والصينية، في عالم تسوده أوضاع شبه فوضوية.

في زمن الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفييتي يضع كوريا الشمالية داخل صندوق لا تقدر على الخروج منه، في الوقت الذي كانت فيه البحرية الأميركية تهيمن على المحيط الهادي، الذي تحول آنذاك إلى بحيرة أميركية. أما الآن فإن الصين التي باتت تسيطر اقتصادياً على المنطقة، وبنت قوات بحرية ذات شأن، نجحت في تحويل المحيط الهادئ من بيئة حميدة للقوات البحرية الأميركية، إلى بيئة معقدة.

أما في الشرق الأوسط، فنحن نشهد حالياً سقوطاً مدوياً للنظام الإمبريالي الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة. فالمساندة الإمبراطورية الأميركية والروسية التي كانت تقدم لإسرائيل والعرب بالتساوي، اختفت الآن، تاركة وراءها منطقة تختل فيها موازين القوى بين الطرفين، وتمارس فيها إيران نفوذاً يمتد من غرب أفغانستان شرقاً حتى لبنان غرباً، كما تشهد صعوداً لدور تركي جديد أكثر أسلامية، وأقل تحالفاً مع الغرب، يحاول أن يلعب دور قوة التوازن بين القوى المتصارعة في المنطقة. الصورة العامة التي يمكن رسمها الآن باختصار، هي صورة لقوة أميركية متراجعة، وقوة صينية بازغة تسعى لملء الفراغ في العالم «ما بعد الأميركي».

ولكن وقائع التاريخ تثبت أنه ليست هناك إمبراطورية نجحت مباشرة في ملء الفراغ الذي خلفته الإمبراطورية المتهاوية. الإمبراطورية الأميركية كانت إمبراطورية هيكلية أكثر منها إمبراطورية روحية، وعلى الرغم من أن شبكة حلفائها تشبه شبكة حلفاء الإمبراطوريات القديمة، وأن التحديات التي تواجهها تشبه إلى حد كبير التحديات التي كانت تواجه تلك الإمبراطوريات، فإن عدم رضا الرأي العام الأميركي بعد المآزق التي تعرضت لها بلاده في كل من أفغانستان والعراق، يقلص من احتمالات إقدامها على المزيد من المغامرات البرية التي تمثل جوهر القوة الإمبراطورية منذ أقدم العصور.

إن الأميركيين يفتقرون إلى العقلية الإمبراطورية، لا شك في ذلك؛ غير أن ما يجب قوله مع ذلك، هو أن تقليص انخراطنا في شؤون العالم ومشكلاته، سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة للبشرية جمعاء.

وما الفوضى والاضطراب الذي نشهدهما اليوم فليسا سوى نذير بما سيأتي به المستقبل، إذا تقاعست دولتنا عن الاضطلاع بمسؤولياتها الدولية.

======================

وثائق الخارجية الأميركية تعزز منهجية التاريخ المباشر

مسعود ضاهر

الدستور

15-12-2010

في العقدين الأخيرين من القرن العشرين سادت في جامعات فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى منهجية «التاريخ المباشر». وتم إعداد بعض أطروحات الدكتوراه وفق منهجية ترى ضرورة تجاوز فترة الثلاثين أو العشرين أو حتى العشر سنوات التي تفرضها دوائر الأرشيف على تداول الوثائق التاريخية. لكن التجربة تراجعت بسرعة بسبب العقبات التي واجهتها، وعدم ثقة الأساتذة المشرفين بأصالة الوثائق المباشرة التي يستطيع طالب الدكتوراه الحصول عليها خارج دائرة المحفوظات الوطنية. وما زالت قواعد الأرشيف الصارمة تمنع الاطلاع على كثير من الوثائق، أو تصويرها، وهي تفرض رقابة مشددة على الباحثين لمنعهم من الاطلاع على وثائق خاصة بأفراد، قد تسبب لهم أو لعائلاتهم الكثير من الإحراج، إذا تضمنت قضايا جنسية، أو رشى مالية، أو ارتباطات مشبوهة مع أعداء الوطن، وغيرها.

خبرت شخصيا تلك القواعد الصارمة أثناء عملي على الوثائق الأميركية الخاصة بلبنان في العام 1995. فقد تلقيت منحة بحثية من مؤسسة فولبرايت الأميركية لدراسة السياسة الخارجية الأميركية تجاه المقاطعات اللبنانية ثم تجاه الدولة اللبنانية بعد العام 1920. وبعد أن استضافتني جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة، جمعت قرابة سبعة عشر مجلدا من الوثائق المودعة في الأرشيف الوطني الأميركي، والتي تناولت الحقبة التاريخية الممتدة من 1835 حتى 1959. وبتكليف من برنامج دعم الأبحاث في الجامعة اللبنانية أعددت مؤخرا بحثا مطولا من 264 صفحة للتعريف بتلك الوثائق، وقدم إلى الجامعة عام 2010. تضمنت تلك الوثائق معلومات عامة، ووصفا دقيقا لجغرافيا بلاد الشام ومنها المقاطعات اللبنانية، ومقابلات شخصية، وتقارير لقناصل ومرسلين وخبراء وموفدين أميركيين إلى هذه المنطقة. هذا بالإضافة إلى ملفات متنوعة، ومحاضر جلسات مغلقة، وانطباعات شخصية عن بعض الأفراد والجماعات الدينية والعرقية، والأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية.

كانت تقارير كثيرة تحمل إشارة «سري للغاية»، دون أن تحمل بالضرورة معلومات ذات أهمية استثنائية. وبدا واضحاً أن تلك الوثائق تعرضت لنوع من الغربلة الدقيقة جدا. لكنني عجزت عن الحصول على ملفات خاصة، رغم تكرار طلبها. فالجواب دوما أنها «معارة» أو خارج التداول.

كان لا يسمح للباحث بإدخال أي من حاجاته الشخصية، بل يزود فقط بقلم رصاص يستخدمه داخل القاعة، ويمنع من إخراج أي وثيقة مصورة قبل إطلاع المراقب عليها، ومهرها بخاتم الأرشيف الوطني. تلك كانت تقاليد إدارة الأرشيف الأميركي قبل خمس عشرة سنة فقط. وفجأة تنشر ملايين الوثائق على موقع ويكيليكس الالكتروني، في إشارة جلية تظهر أن خللا واضحا لحق بالإدارة الأميركية من داخلها، ما سمح بتسريب هذا الكم الهائل من الوثائق في ما عرف بفضيحة ويكيليكس في استباحة المعلومات ونشرها.

تبدو الوثائق المنشورة أصلية تماما، وأنه تم تسريبها من خلال الحصول على مفتاح الدخول إلى موقع تلك الوثائق. علما أن وثائق الكونغرس الأميركي وكثير من المؤسسات الرسمية والخاصة موجودة على المواقع الخاصة بها، لكن لا يمكن اختراقها إلا بعد الحصول على المفاتيح الالكترونية التي تساعد على حجبها عن عامة القراء، دون أن تحجبها عن العاملين في جمعها وتبويبها والمشرفين عليها والمشتركين فيها.

فنشر وثائق ويكليكس إذاً يتجاوز طابع القرصنة كما يصفها البعض. فهي أبعد من ذلك، ولعلها تعبر عن صراع داخلي بين تيارين داخل القيمين على حفظ تلك الوثائق. فتيار بقي حريصاً على ضمان سريتها وتقديم الحصانة للأشخاص المعنيين، وتيار آخر يريد كشف تلك الوثائق الآن، عبر وسائل الإعلام، لفضح من تناولتهم، وتعريتهم أمام شعوبهم والعالم. بمعزل عن الجانب الفضائحي، لا يضيف ما نشر من تلك الوثائق حتى الآن الكثير من المعطيات التاريخية المعروفة لدى غالبية المهتمين بقضايا التوثيق والنشر. فمعظمها مذكرات مرسلة من السفارات الاميركية في الخارج، وهي تتضمن معلومات عامة، وملاحظات شخصية وآنية غير متكاملة، ومعطيات بسيطة يستفاد منها جزئيا في صياغة التوجهات الأساسية للسياسة الأميركية. علما أن صناع القرار الأميركي يتجاوزون تقارير الغالبية الساحقة من الدبلوماسيين الأميركيين عن القادة المحليين، لأن معظمهم يتلقى توجيهات مباشرة عند زياراتهم المتكررة إلى عاصمة القرار الأميركي في واشنطن. وذلك يطرح بعض الملاحظات الأساسية:

1- الوثائق المنشورة تركز فقط على عدد محدود من رجال السياسية، وقد نشر معظمها بناء على طلب تقدمت به بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة. ما يؤكد وجود صفقة تجارية مربحة تقوم على تحويل الفضيحة الوثائقية، إلى مادة للابتزاز السياسي والكسب المادي وليس لتعميم المعرفة وتعزيز البحث التاريخي العلمي والشمولي.

2- الوثيقة المنشورة سلاح ذو حدين. فقد تعرضت للانتقاء أولا، ونشرت بناء لطلب من مؤسسات معنية بتعميم الفضائح. في حين أن نسبة هائلة من وثائق التاريخ الاجتماعي ما زالت مغيبة، إما لعدم أهميتها الفضائحية، كما يعتقد من حصلوا عليها، وإما لمردودها المتدني في حال نشرها عبر وسائل إعلام، دفعت مبالغ باهظة للحصول عليها ضمن صفقات تجارية. فنشرت فقط وثائق فضائحية محددة تطول بعض الأشخاص، خاصة من هو في موقع المشاركة بالقرار السياسي أو العسكري، وأهملت مرحلياً فضائح آخرين.

3- لكن الوثائق الأخطر هي التي تتناول الفضائح المالية والصفقات الكبيرة للبنوك العملاقة، وحيتان المال، فهناك حروب تصفية مستمرة في ما بينهم. هذا بالإضافة إلى كشف تحالف رجال السياسة مع أصحاب الرساميل، ومافيات السلاح، والمخدرات، وشركات النفط، وشركات التبغ، وتجار الأدوية وكثير غيرهم. وليس من شك في أن كشف تلك الوثائق يقدم مادة علمية بالغة الأهمية لكتابة التاريخ المباشر، إلا أن نشرها يعرض أصحاب المواقع الالكترونية لتصفيات جسدية مباشرة، ما دامت القرارات الأساسية في صناعة التاريخ العالمي هي الآن لحيتان المال على قاعدة «من يمول يتحكم».

4- إن الكلام على سقوط هيبة الولايات المتحدة والإساءة إلى دبلوماسييها في الخارج مسألة فيها نظر. فما نشر من فضائح ويكيليكس حتى الآن أقل بكثير مما يعرفه غالبية الناس عن مضمون تقارير السفراء الأميركيين في مناطق وجودهم. كما أن الإدارة الأميركية ستسارع إلى فرض عقوبات صارمة لحماية وثائقها في المستقبل.

5- على الجانب اللبناني، أبدى مسؤولون أميركيون بعض القلق من تسريبات ويكيليكس المتعلقة بلبنان، لأن الدبلوماسية الأميركية تعلق آمالا كبيرة على نجاحها في تسويق المحكمة الدولية بعد أن فشلت في دول أخرى كالعراق، وأفغانستان، وباكستان، وكوريا، وأميركا الجنوبية، والسودان وغيرها. ومصدر القلق أن تكشف وثائق ويكيليكس زيف الحرص العلني للولايات المتحدة على أمن لبنان واستقراره في الوقت الذي تحضر فيه إسرائيل لاجتياح لبنان مجددا. لذلك هللت إسرائيل كثيرا لنشر تلك الوثائق، بعد أن نجحت حتى الآن في حجب الوثائق الخاصة بها، خشية إلحاق ضرر بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان والشرق الأوسط الجديد.

6- كشفت فضائح ويكيليكس عن إمكانية اختراق المواقع الالكترونية في الدول المتطورة جدا. وهناك حالات مماثلة لأفراد على اطلاع واسع بالعلوم التقنية العصرية اخترقوا حسابات مالية لبعض الأفراد واستفادوا منها. لكن البنوك عرفت كيف تعاقب هؤلاء بقسوة لضمان أموال المودعين. ختاما، ليس من شك في أن آفاقا جديدة فتحت مجددا لكتابة التاريخ المباشر بالاستناد إلى الوثائق التي تنشرها مواقع إلكترونية متطورة وتضعها في متناول الباحثين. وأغلب الظن أن يتزايد عدد المواقع المشابهة لموقع ويكيليكس، دون أن يقتصر عملها على نشر وثائق فضائحية لعدد من الحكام والسياسيين. وستبرز مواقع متخصصة بنشر وثائق أساسية في مختلف المجالات السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية، والتربوية. وهي تساهم في كتابة التاريخ الاجتماعي المباشر بصورة أكثر دقة وموضوعية دون الانتظار لسنوات طويلة حتى يتم الافراج عنها ووضعها في متناول المؤرخين.

======================

أوباما في "فخ الأمن"!

راجح الخوري

النهار

15-12-2010

كان في وسع الادارة الاميركية ان تبتلع الاهانة الاسرائيلية المتواصلة مرة اخيرة، وان تتيح لنفسها وللفلسطينيين على الاقل فرصة ملائمة لمراكمة موجة الادانات الدولية، التي انطلقت ضد حكومة بنيامين نتنياهو لأنها اسقطت فرصة للتسوية، ونسفت اساس المفاوضات المباشرة عندما واصلت سياسة الاستيطان قاضمة الارض والسلام معا.

كان مفيدا ترك المجال لاتساع دائرة الادانات التي بدأت اولا في الامم المتحدة، عندما اعتبرت ان اجراءات اسرائيل في القدس باطلة وان عليها ان توقف كل التدابير الآحادية، وثانيا في الاتحاد الاوروبي الذي خالف موقف اميركا التخلي عن المطالبة بوقف الاستيطان، معتبرا ان التوسع الاسرائيلي في اراضي الفلسطينيين غير مشروع بموجب القانون الدولي ويمثل عقبة امام السلام.

ولكن الادارة الاميركية التي تعرضت لسلسلة طويلة من الاهانات الاسرائيلية، طاولت الرئيس باراك اوباما شخصيا، ونائبه جو بايدن، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومبعوثه الى المنطقة السناتور جورج ميتشل وسلسلة طويلة من المسؤولين، الذين عجزوا على امتداد عامين عن ايقاف ولو جرافة اسرائيلية واحدة عن تدمير هيبة واشنطن، انتقلت من ارتكاب خطأ فادح الى الوقوع في خطأ افدح.

كيف؟

واذا كان اوباما قد ظهر كأحد الهواة او مثل احد رؤساء جمهوريات الموز، عندما قال قبل اشهر انه لم يكن يظن، انه سيواجه كل هذه العراقيل والصعوبات في سعيه الى تنفيذ مبدأ قيام الدولتين، فانه الآن يبدو كأنه جاهل، لا يعرف شيئا عن تاريخ الفشل الاميركي المتعاقب، في السعي الى ايجاد حل مقبول في الشرق الاوسط، ينهي الازمة الفلسطينية ويفتح الابواب امام سلام شامل وعادل ودائم، من شأنه بالتالي ان ينزع عن اميركا وجهها البشع في العالمين العربي والاسلامي.

ان وصول ميتشل الى المنطقة مرة اخرى، ولكن في مهمة جديدة، تقع خارج اطار وقف الاستيطان، الذي تراجعت واشنطن عن المطالبة به، انما يكشف فعلا ان ادارة اوباما تعود عشرين عاما الى الوراء، وتحديدا الى تلك الحقبة التي استمرت اكثر من عقدين من الزمن في مراوحة عقيمة، وسط الخلاف على اولويات المواضيع التي يفترض ان تشكل بنود المحادثات لوضع "اتفاق اطار" يفضي الى التسوية.

ومنذ اللحظة التي اعلنت السيدة كلينتون دعوتها الطرفين الى العمل " من دون تأخير" على القضايا الرئيسية، اي: الحدود والامن والقدس واللاجئون والمياه والمستوطنات، استعاد الاسرائيليون فورا المنطق المعروف والدائم للعرقلة والتفشيل، عندما اشترطوا ان يكون المدخل الى كل هذه النقاط بند الامن.

يعيدنا هذا الى قصة التعجيز الاسرائيلية الدائمة التي تقوم على نظرية خبيثة مفادها ان سلام الشرق الاوسط ينبع من امن اسرائيل، بينما المنطق يقول ان امن اسرائيل ينبع من سلام الشرق الاوسط.

وهكذا عندما تتمسك اسرائيل بان تحدد هي من دون اي تدخل اميركي شروط الامن التي تريدها مدخلا الى التسوية، فانها ستطالب باستسلام فلسطيني كامل لا علاقة له بالسلام من قريب ولا من بعيد. وامن اسرائيل لا يتسع لاكثر من قيام معتقل كبير للفلسطينيين وبادارة اسرائيلية... وبالتالي ها هو اوباما يقع في فخ الامن الاسرائيلي!

والمضحك – المبكي ان نتنياهو استقبل ميتشل الذي وصل الى اسرائيل ضاحكا كعادته، ربما لفرط يأسه، بالحديث عن نيته العمل من اجل "تحديد مسار جديد يتيح تحقيق السلام والامن" لكنه في الواقع المسار الذي سيسلكه اوباما في رحلة الفشل المدوي، التي بدأها في الشرق الاوسط قائلا بالعربية: "السلام عليكم" ليغادر غدا بطة عرجاء لا تفتقد الارادة في فرض التسوية بل في الاقلاع عن التدخين، وهذا همه ومعاناته الآن!

======================

"المسعى السوري – السعودي" أُرجئ أم توقّف؟

سركيس نعوم

النهار

15-12-2010

لا يزال "حزب الله" يؤكد رسمياً استمرار رهانه على المسعى الذي بدأته المملكة العربية السعودية وسوريا قبل اسابيع عدة لحل الازمة السياسية الحادة الناشبة بين فريقي 8 آذار و14 آذار. ومعروف ان السبب الرسمي للأزمة هو ملف شهود الزور الذي يرفض فريق 14 الاعتراف بأي وجود له، رغم إقرار زعيمه رئيس الوزراء سعد الحريري في حديث صحافي الى "الشرق الاوسط" السعودية بوجوده وبالضرر الذي احدثه لعائلته وللبنان والعلاقات اللبنانية السورية، والذي يصر فريق 8 آذار على احالته على المجلس العدلي. لكن معلوم في الوقت نفسه ان السبب الرسمي الآخر للأزمة نفسها هو إصرار فريق 8 آذار على إبطال "المحكمة الدولية" بقرار لبناني رغم علمه ان ذلك لن يؤثر على استمرارها في عملها كونها نشأت بقرار عن مجلس الامن. ولا يزال "حزب الله" يقول ان تقدماً حققته السعودية وسوريا لحل الأزمة المذكورة اعلاه. لكن وسائل الإعلام القريبة منه بدأت تتساءل اذا كان هذا المسعى لا يزال قائماً، او اذا كان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لا يزال ملتزماً اتفاقه مع رئيس سوريا بشار الاسد ايجاد حل لها. علماً ان هذا الالتزام قضى يوم قرره صاحبه ب"إقناع" زعيم "تيار المستقبل" الرئيس الحريري بالمخارج الممكنة من الازمة الناشبة التي اقترحتها سوريا حليفة الحزب، والتي تدعو بكل بساطة التيار المذكور الى الانقلاب على نفسه على الطريقة الجنبلاطية. وقد اكد هذا التساؤل مساء اول من امس نائب "حزب الله" نواف الموسوي عندما اشار، وفي معرض تأكيد استمرار رهان حزبه على المسعى السعودي – السوري، الى عقبة تعترض نجاح الاخير، وهي "العقبة الاميركية". طبعاً يعرف النائب الموسوي وقيادة حزبه ان لا فصل بين اميركا والعربية السعودية الدولتين الحليفتين منذ عقود طويلة، رغم ان ذلك لا يعني تطابقاً كاملاً في مواقفهما كلها. لكنه شاء ان يوحي بجدية المسعى، رغم عدم اقتناعه ربما بذلك، لأن حزبه لا يريد ان يتحمل مسؤولية اجهاض المسعى السعودي – السوري لاسباب كثيرة بعضها محلي وبعضها الآخر اقليمي وتحديداً سوري.

كل ذلك يدفع اللبنانيين الى اثارة اسئلة كثيرة تتعلق بحقيقة الموقف السعودي اليوم من المسعى الذي بدأه الملك عبدالله مع الرئيس الاسد لحل ازمة ملف الشهود الزور واستطراداً ملف المحكمة الدولية في لبنان. لكن هل من اجوبة مفصّلة ودقيقة عن اسئلتهم؟ طبعاً الاجوبة المفصّلة والشاملة والدقيقة، ستبقى غائبة، لأن "طبع" العربية السعودية ليس منفتحاً كفاية للتحدث علناً عن سياساتها وديبلوماسيتها. وهذا امر لمسه اللبنانيون والعرب منذ عقود. ولأن براعة سوريا تقضي بتسريب ما يلائم مصالحها ومخططاتها من اخبار ومعلومات وتحليلات وان كانت مجتزأة، وخصوصاً اذا كان قصدها إبقاء مسعاها مع السعودية مستمراً اقتناعاً منها بقدرتها على تحقيق المزيد من المكاسب بواسطته. الا ان القليل من المعلومات المتسرّبة عن الموقف السعودي وخصوصاً عن "المسعى المشترك" ومدى استمراره، من جهات عربية واجنبية واسعة الاطلاع، يشير الى امور عدة. منها ان العاهل السعودي كان صادقاً في مسعاه لحل ازمة لبنان المستجدة بالتعاون مع سوريا، وإن قيادة الاخيرة اقنعته بصيغة ظهرت طلائعها في "الشرق الاوسط"، وان الموافقة على هذه الصيغة من فريقي لبنان اي 8 و14 آذار كانت قريبة. ومنها ايضاً ان غالبية المسؤولين السعوديين على تنوع مراتبهم، وكلها عالية، لم يكونوا تماماً في الجو التفصيلي لمسعى الملك رغم معرفتهم العامة به. ولم يعترضوا على ذلك لأن الملك هو الحاكم. لكنهم اظهروا وطبعاً داخل الغرف المقفلة عدم ارتياحهم الى ما يجري. ومنها ثالثاً، دخول الولايات المتحدة على الخط وشرحها للعاهل السعودي خطورة ما يفعله ليس على لبنان فحسب بل ايضاً على دولته ومنطقته. ذلك ان نتائج مسعاه الذي حددت سوريا اطاره ومضمونه ستصب في مصلحة المحور السوري – الايراني وستتضرر السعودية والخليج كثيراً من ذلك. ومنها رابعاً، الوعكة الصحية التي اصابت العاهل السعودي فأفسحت امامه في مجال، لا التراجع عن مسعاه، بل مراجعة ما قام به حتى الآن. ويقال انه توصل الى استنتاجات انطوت على اقتناع بأن اخطاء قد تكون ارتُكِبت. واعطته الوعكة فرصة تأجيل بت "المسعى المشترك"، وربما تعطيه النقاهة لاحقاً، وخصوصاً اذا كانت خارج المملكة، الفرصة للاستمرار في التأجيل في انتظار صدور القرار الاتهامي الدولي. ومنها خامساً، معرفة العاهل السعودي ان المملكة وفي ظل الظروف الصحية لكبار القادة فيها، وتنوّع المواقف بينهم، والاستهداف الذي تتعرض له، لا تحتمل ترف التزام امر وعدم تنفيذه، ولا التزام أمر غالبية مراجعها غير مقتنعة به. ومنها سادساً واخيراً، شعور مرجع لبناني حليف لسوريا وبعد "اتصال اطمئناني" الى صحة العاهل السعودي ، ان تغييراً ما في موقفه قد حصل. وطبعاً اطلعت العاصمة السورية على هذه الاجواء.

هل يعني ذلك ان لبنان سائر نحو "المشكل" بسبب عدم تسوية ملف "شهود الزور"؟

ربما، ذلك ان المعلومات التي وردت من باريس عن محادثات الرئيس الاسد مع الرئيس نيكولا ساركوزي افادت باختصار شديد ان لا إمكان للبحث في اي شيء او لالتزام اي شيء قبل صدور القرار الاتهامي، وذلك قد يحصل خلال اسابيع او اشهر. وهي فترة كافية لقيام كل متضرر من الانتظار، او لكل مستعجل على التخلّص من المحكمة، او لكل رافض لالغاء المحكمة، بالاعمال التي يعتقد انها تحقق اهدافه، مما يجعل لبنان ارضاً مفتوحة لصراع الجميع على تناقضهم.

======================

النسر الحارس.. الخطة الأطلسية السرية للهيمنة على البلطيق

بقلم : نتالي نوغيريد‏

لوموند

ترجمة

الأربعاء 15-12-2010م

ترجمة : حسن حسن

الثورة

بعد الحرب الروسية- الجورجية عام 2008 ساور دول البلطيق القلق من عودة العلاقات بين واشنطن وموسكو. وعليه فقد قرر حلف شمال الأطلسي ادراجها سراً ضمن منظومته الدفاعية.

لقد كانت هذه واحدة من موجات الصدمة للحرب الروسية- الجورجية والتي ظلت زمناً طويلاً غير ظاهرة للعيان. فدول البلطيق الثلاث لاتفيا وأستونيا وليتوانيا عشية تجدد النزاع بين روسيا وجورجيا في صيف 2008 خافت على أمنها الوطني فسارعت تستنجد بالحلف الأطلسي مطالبة إياه بالانضواء تحت رايته الدفاعية درءاً للمخاطر واتقاءً لأية أزمة قد تنجم عن تلك الحرب. وبناءً عليه تواصلت المباحثات السرية بين الحلفاء خلال عام 2009 قبل التوصل إلى قرار نهائي بشأن المخططات العسكرية المتعلقة بالحلف مابين شهر شباط وآذار 2010.‏

نقطة التحول تلك ظهرت في الرسائل الدبلوماسية الأميركية التي حصلت عليها ويكيليكس وبالتشاور مع صحيفة «لوموند» وقد جاءت بمثابة طلقة من الحلف الأطلسي على الاندفاعة العسكرية الروسية نحو جورجيا وكذلك رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما طمأنة دول أوروبا الشرقية والوسطى التي أبدت مخاوف حيال ردة الفعل الروسية المتوقعة وكذلك ألا تتم عودة العلاقات الثنائية بين واشنطن وموسكو على حسابها.‏

في الأساس جاءت المخططات الجديدة لتسد ثغرة وتملأ فراغاً. فعندما أدرج الحلف دول البلطيق ضمن منظومته الدفاعية عام 2009 لم يرَ ضرورة وضع خطة نوعية للدفاع عنها، وذلك تفادياً لخلافٍ عميق مع موسكو، لكن بعد الحرب الروسية-الجورجية تضاعفت ضغوط الدول الأعضاء الجديدة داخل الحلف.‏

واقعياً قرر الحلف الأطلسي نشر مظلته الدفاعية لتشمل دول البلطيق وضمها إلى الخطة التي كان قد وضعها الحلف لبولونيا «العضو منذ 1999 وقد أطلقوا على تلك الخطة «النسر الحارس» وقد أرفقت هذه الخطوة بأوامر مشددة لالتزام التحفظ والكتمان.وقد أشارت إحدى البرقيات الأميركية المرسلة في كانون أول عام 2009 إلى هذا الأمر بالقول: «إن أي حديث علني عن تلك الخطط سيلحق ضرراً بقيمتها العسكرية» وأن وجودها «سيجعل دعم الحلفاء من الناحية السياسية أكثر صعوبة وسوف تؤدي إلى انقسام داخل الحلف وسيقود إلى عودة أجواء التوتر بين الحلف وروسيا».‏

ومع ذلك فقد أعطى الرئيس أوباما إشارة البدء في نيسان 2009 خلال خطاب ألقاه في العاصمة التشيكية براغ. والتي أعرب حينذاك عن رغبته دعم الفقرة الخامسة من معاهدة الأطلسي والتي تحدد مبدأ التضامن بين الحلفاء. لكن الرئيس الأميركي تفادى الإشارة إلى صراحة إلى دول البلطيق كمستفيدين أساسيين من هذه الفقرة وكذلك الإشارة إلى أن روسيا كتهديد قوي للمصالح الأميركية حيث قال«علينا العمل معاً داخل الحلف على وضع خطط دفاعية تمكننا من مواجهة التهديدات الجديدة مهما كان مصدرها»‏

بولونيا التي بدت أنها تفاوض تدريجياً أعربت وعلى نحو مفارق عن العديد من التحفظات ليس لأنها المشروع غير القائم بل لأنها تريد أن تضمن مشروعها الدفاعي خشية أن يأتي«ضعيفاً» وألا يكون مرتبطاً بأمن الأعضاء الآخرين في الخلف.‏

وتظهر أيضاً الوثائق الأميركية بأن يجب التغلب على حالة التردد لدى ألمانيا، والحريصة كل الحرص على تمهيد السبيل لإقامة أفضل العلاقات مع موسكو. وتصف كذلك برقية مؤرخة في آب2009 إلى أي حد بلغ اهتمام برلين بفكرة « وضع خطط للدفاع عن دول البلطيق ضد أي عدوان روسي محتمل». لكن ألمانيا،وإخلاصاً لسياستها الشرقية ، فهي تريد« تقريب وجهات النظر بين الحلف وروسيا».‏

ويضيف دبلوماسي أميركي لكن«الالمان يدركون جيداً أن جهودهم للتوافق مع روسيا، سوف تثير كثيراً من الشكوك لدى العديد من دول أوروبا الشرقية» . ولكي تبعث برسائل طمأنة لهؤلاء ، اقترحت ألمانيا أن تقوم الطائرات الألمانية بدوريات فوق منطقة البلطيق، وهو نظام مراقبة كان قد اتفق عليه الحلفاء عام 2004 لتعويض غياب القوات الجوية في دول البلطيق.‏

ومنذ ذلك الحين والمسؤولون في تلك الدول ماانفكوا يصرون على الحلف لاتخاذ تدابير واسعة ودائمة بهذا الشأن. في أيلول 2009 تكثف المفاوضات بين الحلفاء كرد على المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا وبيلاروسيا على طول الحدود البولونية والتي أطلقت عليها«غرب2009» وهذه التدريبات قامت على أساس سيناريو مفترض حيث ستجد موسكو نفسها مضطرة للتدخل بالدبابات والقوات البرمائية لصد «هجمات » بولونية ضد بيلاروسيا .ونطاق هذه المناورات لم يسبق لها مثيل منذ عهد الاتحاد السوفييتي السابق. وهذه المناورات بالنسبة لأوروبا الوسطى بمثابة محاولة جديدة من جانب روسيا لردعها وتخويفها في كانون أول 2009 جرى اقرار الخطط الدفاعية ، وقد أبرزت الرسائل الأميركية شعور الارتياح لدى المسؤولين في دول البلطيق. أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الاستونية، قال معلقاً أمام وفد رسمي من البنتاغون كان يزور أستونيا في 15 كانون أول 2009‏

« إنها هدية عيد الميلاد قبل أوانها».‏

دول البلطيق اطمأنت، ،وصار بوسع الحلف الأطلسي الاعلان خلال قمة لشبونة التي عقدت في 20 تشرين ثاني 2010 عن استئناف الحوار مع روسيا الذي علق منذ حرب الأيام الخمسة في القوقاز، وقد أبرزت «الرسائل» الأميركية فحوى ومضمون هذا القرار.‏

======================

الجمهوريون قادمون

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

15-12-2010

لو استمر أوباما على النهج الذي يتبعه حاليا، فإنه يفتح الباب على مصراعيه لعودة اليمين الأمريكي للسيطرة على مقاليد الأمور بالكامل، وربما بشكل أكثر قسوة وتطرفا مما كان عليه الحال من قبل. فهو بأدائه هذا، خصوصا بعد انتخابات الكونغرس الأخيرة، يضخ أوكسجين الحياة في رؤى الحزب الجمهوري وتوجهاته بعد أن رفضها الأميركيون.

 

فانتخابات 2008 الرئاسية، كانت بمثابة صحيفة إدانة لرؤى وتوجهات اليمين. فهي مثلت إدانة للحروب الاستباقية والأحادية، وغطرسة القوة في السياسة الخارجية. والوضع الاقتصادي البائس الذي جرت الانتخابات في سياقه، كان أيضا نتيجة واضحة للسياسات الكارثية التي اتبعها اليمين والتي بدأت منذ عهد ريغان مرورا حتى بكلينتون الديمقراطي ووصولا لبوش الابن.

 

وبسبب كل تلك الكوارث الداخلية والخارجية، تنامت حركة واسعة كانت موجودة في الواقع قبل انتخابات 2008، ولكنها اختارت في تلك الانتخابات أن تدعم أوباما فوقفت وراءه وحملته حملا للبيت الأبيض.

 

وحين تولى الرئاسة امتلك أوباما مجموعة من الأوراق، التي عادة ما تمكن واحدة أو اثنتان منها فقط، أي رئيس أميركي من أن يحدث تحولات كبرى. فهو جاء للحكم وسط كارثة اقتصادية، في وقت تحتل فيه بلاده بلدين كبيرين، وتعاني من علاقات متوترة مع الأصدقاء قبل الأعداء.

 

وهو جاء للرئاسة محمولا بزخم شعبي هائل، وأغلبية مريحة لحزبه في الكونغرس بمجلسيه، فضلا عن أغلبية شعبية واضحة تتوق للتغيير. كل ذلك كان يسمح لأوباما بأن يحكم كزعيم سياسي يعلو فوق الأحزاب وصراعاتها، ويتبنى سياسات جريئة تتناسب مع فداحة الأزمات، مثلما فعل روزفلت في الثلاثينات أو حتى ريغان في الثمانينات.

 

لكن ما حدث كان مفاجأة لأنصار أوباما. فبدلا من أن يفعل أيا من ذلك، إذا به يحيط نفسه بفريق عمل من الوجوه التقليدية التي عملت مع كلينتون، وبدلا من أن يتبنى سياسات جريئة تتناسب مع التفويض الشعبي الواسع، إذا به يحكم وكأنه فاز بأغلبية ضئيلة تستلزم البدء من نقطة وسط للتوفيق مع خصومه الجمهوريين. غير أن الجمهوريين كانوا قد أعدوا العدة منذ اللحظة الأولى، لهزيمة أوباما وحرمانه من أي إنجاز.

فهم ناصبوه العداء بالمطلق ورفضوا التوفيق معه، فاضطر هو لتقديم سلسلة من التنازلات المكلفة، بل وعقد صفقات مع أعتى جماعات المصالح لتمرير أجندته.

وقد دفع أوباما ثمنا باهظا لتلك الاستراتيجية البائسة، فهي أحبطت أنصاره بينما لم تلطف مطلقا من موقف خصومه تجاهه. باختصار؛ خسر أوباما أنصاره بتخليه عنهم، ولم يكسب اليمين.

ومن هنا، توارت حركة أوباما وبرزت حركة أخرى، يمينية هذه المرة، هي حركة حفل الشاي. وكانت النتيجة هي انتخابات تشريعية خسر فيها حزب أوباما الأغلبية في مجلس النواب، واحتفظ بأغلبية أضعف في مجلس الشيوخ. وكانت تلك النتيجة نابعة من حالة الإحباط التي عمت في أوساط الديمقراطيين عموما، وأولئك الذين عملوا بكل طاقتهم لانتخاب أوباما تحديدا.

فقد انحسرت بشدة في انتخابات الكونغرس نسبة تصويت من جاؤوا بأوباما للحكم من الشباب والأقليات، بينما خسر نصف أصوات المرأة وهجرته أصوات المستقلين. بعبارة أخرى؛ أحجم أنصار أوباما عن التصويت أو هجروه، فحسمت أصوات اليمين المعركة لصالح خصومه. والانتخابات لم تقدم دليلا واحدا على أن الناخبين وافقوا على برنامج الجمهوريين، بينما قدمت ما يؤكد أنهم رفضوا أداء الديمقراطيين.

 

معنى ذلك كله، أن قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة قراءة دقيقة، تقدم لنا عنوانا مهما مؤداه أن أزمة أوباما الحقيقية جوهرها تخليه عن مناصريه. لكن مرة أخرى، اختار أوباما بعد الانتخابات أن يستكمل الخط نفسه.

 

وبدلا من أن يعيد النظر في تجاهله لأنصاره وقاعدة حزبه الأساسية، إذا به يدخل في مفاوضات مع الجمهوريين أدت للاتفاق على مد العمل لمدة عامين بالخفض الضريبي الهائل الذي كان قد صدر في عهد بوش، بما في ذلك الخفض الضريبي الذي تتمتع به الشريحة الأعلى من الأغنياء.

 

وهو الخفض الضريبي الذي عارضه أوباما بشدة في حملته الانتخابية للرئاسة، وتعهد بعدم مده لتأثيره الكارثي في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. ليس ذلك فقط، بل هاجم أوباما أنصاره حين عارضوا مد الخفض الضريبي، بدلا من أن يحاول احتواءهم.

 

أكثر من ذلك، صارت إدارة أوباما تتحدث عن بقاء احتلالها لأفغانستان إلى عام 2014 على الأقل، وتصف التاريخ الذي كانت قد حددته لنفسها قبل ذلك للانسحاب أي 2011 بأنه غير قابل للتنفيذ.

 

ويبدو أن أوباما في اتباعه ذلك النهج، يتبنى قراءة أخرى للانتخابات التشريعية يوعز له بها مستشاروه، مؤداها أن عليه حتى يعاد انتخابه أن ينجرف مزيدا نحو اليمين، تماما كما فعل كلينتون بعد أن مني حزبه بهزيمة مماثلة في انتخابات 1994 التشريعية، وتبشره تلك القراءة بأن كلينتون حين فعل ذلك أعيد انتخابه في 1996 بسهولة.

 

لكن الحقيقة أن السياق جد مختلف. فالسياسات اليمينية التي تبناها كلينتون، وبعده بوش، هي المسؤولة عن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يواجهه أوباما اليوم. ثم إن كلينتون فاز بأغلبية ضئيلة في انتخابات 1992 فرضت عليه التوفيق مع خصومه، بينما فاز أوباما بأغلبية مريحة كانت تسمح له بحرية حركة أكبر.

 

لكن خطورة النهج الذي يتبعه أوباما، تكمن في أنه يزيد من إحباط أنصاره الذين من المنتظر أن يتخلوا عنه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهناك دعوات بالفعل لتأييد مرشح ديمقراطي غيره.

 

غير أن الأخطر من ذلك، هو أن أوباما بانحنائه للجمهوريين يضفي الشرعية على رؤاهم الفكرية والسياسية، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديها في أية انتخابات رئاسية، سواء من جانب أوباما أو غيره من الديمقراطيين، خصوصا إذا ما عجز الرئيس الديمقراطي الحالي عن تحقيق إنجازات كبرى، وفق رؤى حزبه لا رؤى خصومه.

======================

مفاوضات بلا موضوع

آخر تحديث:الأربعاء ,15/12/2010

ميشيل كيلو

الخليج

أعلم الأمريكيون أهل السلطة الوطنية الفلسطينية أنهم عجزوا عن إقناع “إسرائيل” باتخاذ قرار يوقف أو حتى يجمد الاستيطان، وأخبروهم بكل صفاقة أنهم اقتنعوا بدورهم أن وقف الاستيطان ليس ضرورياً لنجاح المفاوضات بشأن إقامة الدولة الفلسطينية . وبما أن المفاوض الفلسطيني كان قد أعلن مراراً وتكراراً أنه لن يعود إلى طاولة المفاوضات، إذا لم يتوقف الاستيطان تماماً وفي كل مكان من الأرض المحتلة بما في ذلك القدس الشريف، فإن النبأ الأمريكي سبب حرجاً شديداً للسلطة، جعل أبا مازن يتحدث لأول مرة عن عزمه على حل السلطة، لأن كرامته لا تسمح له أن يكون رئيس سلطة لا وجود لها، كما قال، بينما قيل بالمقابل أن صائب عريقات سيزور واشنطن للقاء الوزيرة كلينتون التي تعمل على إيجاد مخرج من الحالة الراهنة، يعلم القاصي والداني، وتخبرنا التجربة العملية، أنه سيكون موجهاً نحو انتزاع تنازل فلسطيني جديد يجعل استئناف التقاط صور “المتفاوضين” أمراً ممكناً .

 

قبل الإجابة عن السؤال حول ما يمكن أن ينتج عن مفاوضات لم تعد الأرض موضوعها بسبب استمرار الاستيطان وتكثيفه، يجب طرح سؤال مهم هو: ما معنى عجز أمريكا عن إقناع “إسرائيل” بتجميد الاستيطان؟ وهل سيتبدل هذا العجز إن ذهب عريقات إلى واشنطن أو لندن أو عاصمة بلاد واق الواق؟

 

بداية، أمريكا ضعيفة في الشرق الأوسط عامة وبلاد العرب خاصة، وهي بسبب ضعفها عاجزة عن الضغط على “إسرائيل”، أو بالأصح هي عازفة عنه، لأن حاجتها إلى الصهاينة أكبر اليوم مما كانت في أي وقت مضى . لقد قال كاتب هذه المقالة هذا الكلام وردده طوال عام التفاوض الماضي، وأكد أن المفاوضات لن توقف الاستيطان، لأن أمريكا بحاجة إلى قوة “إسرائيل” في الصراعات الدائرة داخل المنطقة وحولها، ولن تغامر بإغضابها، رغم تعامل نتنياهو معها بعجرفة وازدراء، وتحديه ليس فقط هنا، في منطقتنا، بل هناك، في قلب واشنطن . وإذاً، لا تمتلك أمريكا إرادة الضغط على “إسرائيل”، وليس في أولوياتها إجبارها على الانسحاب من أراض محتلة قد تستخدمها في أية لحظة للهجوم على لبنان أو إيران أو سوريا أو . . أو . هذا هو موقفها اليوم، وسيبقى موقفها إلى فترة غير قصيرة، فلا أمل من التفاوض، لا لأن التفاوض ليس أداة صراع، بل لأنه محكوم بموقع كل طرف من أطرافه، وموقع الفلسطينيين والأمريكيين ضعيف، بينما “إسرائيل” مرتاحة، تتحدى وتتجبّر في ظل الحدود الآمنة والضعف العربي، وتنوع وتشعب الصراعات على المنطقة، وتبدل أولويات تل أبيب وانتقالها إلى الشرق والشمال: إيران وتركيا، حيث تنشط لإقامة محاور وتحالفات جديدة تطوق من خلالها الدولتين، وترسي أسس صراع طويل ضدهما قد لا يخلو من العنف . لو كنت محل الدكتور عريقات، لما زرت واشنطن، لأن حاجتها إلى “إسرائيل” تمنعها من تقديم أي شيء قد يفضي إلى دولة فلسطينية، لا يوجد منها اليوم أي شيء على الأرض، وقد تكون درباً نحو الهاوية، في ظل الانقسام والضعف الفلسطينيين والتهافت العربي والصراعات التي تتخطى العرب، مع توطد نظام إقليمي جديد ركائزه إيران وتركيا و”إسرائيل”، العرب ليسوا طرفاً فيه بل واحدة من ساحات صراعاته، الضارية والمديدة .

 

أعود الآن إلى السؤال الأول: ماذا يمكن أن ينتج عن التفاوض؟ بداية أود إيراد معلومة لا يعرفها إلا قليلون: في عام 1978 التقى مسؤول فلسطيني حالي كبير جداً مستشار كارتر لشؤون الأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي، فقال هذا له ما معناه:” الحقوا حالكم، وإلا أكل الاستيطان الأرض فلا يبقى لكم ما تقيمون عليه الدولة . أوقفوا كفاحكم المسلح وابدأوا التفاوض، وإلا ضاع كل شيء، استغلوا فرصة أن أمريكا تريد إقامة دولة فلسطينية، وأنها تدرك الآن خطورة المشروع الصهيوني على مصالحها الكونية وأمنها القومي” .

 

بعد ثلاثين عاماً ونيف، تغير خلالها الخط وأوقف الكفاح المسلح واعترف قادته ب “إسرائيل”، وقبلوا أقل من نصف مساحة قرار التقسيم، وقدموا جميع أنواع التنازلات، لم يتوقف الاستيطان ولم تعد الأرض، والدولة التي كانت حلماً ووعداً صارت فخاً، والفلسطينيون الذين كانوا موحدين بالتنوع انقسموا إلى فرق تناقضاتها وخلافاتها مدمرة، بينما تضعضع وضع أمريكا وتعنترت “إسرائيل” بما منحتها وتمنحها واشنطن بالذات من أسباب القوة والقتل . كانت مساحة المستوطنات عام 1978 لا تكاد تذكر، وكان عدد المستوطنين أقل من ثلاثين ألفاً، والمساحة اليوم تقارب 17% من أرض الضفة، بينما يبلغ عدد مستوطني القدس والضفة نحو نصف مليون، معظمهم من أشد أنواع الصهاينة تطرفاً وعدوانية، فعلى أي شيء يتفاوض الفلسطينيون؟ وهل بوسع أحد منهم تجاهل حقيقة أن كلام بريجنسكي كان فخاً أريد منه نزع سلاحهم وتمزيق وحدتهم وزجهم في متاهات السياسات الدولية والصراعات العالمية، وإمساك ورقتهم لاستخدامها ضد مصالحهم العليا قبل كل شيء، وعلى رأسها دولتهم السيدة والحرة والمستقلة .

 

لم يعد التفاوض مجدياً، ليس لأنه ليس وسيلة غير نضالية كما يقول بعض المتطرفين، بل لأنه يفتقر اليوم، وسيفتقر غداً أكثر، إلى ميزان القوى الذي يجعله مجدياً وقادراً على تحقيق نتائج تتفق مع تطلعات شعب فلسطين ومصالحه الوطنية، فلا بد أن تتجه أنظار الفلسطينيين إلى إقامة ميزان قوى ملائم قبل أي تفاوض، أو أن يستغل التفاوض لهدف رئيس هو إقامة وتمرير ميزان قوى كهذا، أسوة بما فعله الأمريكيون و”الإسرائيليون” من خلال التفاوض الذي استغلوه لتدمير الطرف الفلسطيني وتمزيقه، وإقامة ميزان قوى أتاح للصهاينة مواصلة الاستيطان وتمرير الوقت الضروري للاستيلاء على مزيد من الأرض التي صارت عملياً “إسرائيلية”، ويفترض التفاوض نظرياً وكلامياً أنها أرض دولة فلسطينية لم يعد لها من سند في الواقع، ما دام استمرار الحال الراهن سيجعل منها سلطة في وضع أشد سوءاً من وضع السلطة الحالية، لأنها ستكون بلا أي أرض .

 

إذا بدأ الدكتور عريقات مفاوضات أخرى، فإنه سيكون كمن يفاوض على تحقيق الواقع الذي يمنع قيام الدولة الفلسطينية، ويساعد العدو على تنفيذ سياساته التوسعية، وذلك لسبب جلي هو أن المفاوضات تكون دون وقف الاستيطان بلا موضوع، إلا إذا كانت الوعود الكلامية الفضفاضة هي هذا الموضوع، وكان الطرف الفلسطيني المفاوض يعتقد أن الشهداء كانوا يقاتلون من أجل وعود كلامية كاذبة قدر ما هي معسولة .

 

ليت الدكتور عريقات يعلن من واشنطن إعادة “العاصفة” إلى الحياة، ويخبر الأمريكيين و”الإسرائيليين” أن فلسطين ستنبع من فوهة البندقية، وأنها لن تأتي بعد اليوم من طاولة المفاوضات، بل من عمليات ستجعل الصهاينة يذوقون من جديد طعم دمائهم . ليته يقول هذا وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية التي جعلت رئيس وزراء العدو شامير يحتج في مؤتمر مدريد على ارتدائه لها، على أن يركب الطائرة بعد ذلك مباشرة ويعود إلى وطنه، من دون أن يتنازل ويقابل أحداً من المسؤولين في واشنطن .

 

إنها مفاوضات بلا موضوع، ولن تكون لها جدوى في الشروط الراهنة، حيث يبدو بجلاء أن العدو استأنف مشروعه الصهيوني الكبير والتاريخي لابتلاع فلسطين من البحر إلى النهر اليوم، وما وراءه غداً، وأنه يحققه على حساب وهم اسمه الدولة الفلسطينية، لن يرى النور أبداً لأسباب بينها أن السلطة لا تعرف كيف تقاتل من أجلها، بجميع الوسائل الممكنة بما فيها العمل المسلح، الجدي والحقيقي والمستمر، وليس الدعائي والمزايد والمتقطع .

 

تغلق المفاوضات من موقع الضعف الطريق أمام الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتغدو بلا موضوع أكثر فأكثر، وتضع فلسطين من جديد حيال سؤال المصير الذي سبق أن أجابت عنه بأنهار من الدماء والتضحيات والآلام، منذ إطلاق رصاصة فتح الأولى . لا بد ألا يكون التفاوض من الآن فصاعداً أولوية النضال الوطني، وأن يستعاد رد حجازي وأبو عمار في الأول من يناير/ كانون الثاني عام ،1965 لتبدأ من جديد وتتواصل معركة “شعب الجبارين”، الذي عجز الصهاينة عن هزيمته خلال قرن ونيف، ولن ينتصروا عليه اليوم أيضاً، بسلاح أمريكا أو بسلاحهم، إن هو توحد وقرر العودة إلى الميدان، لانتزاع حقوقه، على أشلاء الاستيطان والمستوطنين .

 

يقف صاحب القرار الفلسطيني على مفترق طرق، أما قراره فهو سيكون على قدر هائل من الخطورة، لأنه سيأخذ شعبه ووطنه إما إلى ما بعد فلسطين، وإما إلى ما بعد الصهاينة . ومن يدري، فربما تعود فلسطين، التي كانت رافعة النضال العربي بعد هزيمة عام 1967 إلى موقعها هذا، لتعيد إلى العرب حضورهم ووزنهم، بعد أن لعبت نظمهم دوراً خطيراً في إفقادها دورها ووزنها، وأسهمت أفظع إسهام في إيصالها إلى حيث هي الآن: ضعيفة ومغلوبة على أمرها، تفاوض دون جدوى من موقع من يقامر بمصيره .

======================

المهم ابتعاد الفلسطينيين عن العنف...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

15-12-2010

المهم أن يتصرف الفلسطينيون من منطلق أن تراجع الإدارة الأميركية أمام الحكومة الإسرائيلية ليس نهاية العالم وأنه لا تزال لديهم خياراتهم في حال التزامهم الابتعاد عن العنف. فإدارة باراك اوباما لم تفاجئ أحداً، خصوصاً الجانب الفلسطيني. لعلّ أفضل ما في هذه الإدارة أنها تعترف بفشلها حيث تفشل وحين تتأكد من ذلك بالملموس. تبين لها أن ليس في استطاعتها الوقوف في وجه حكومة بنيامين نتنياهو وأن كل المحاولات التي بذلها الرئيس الأميركي ليظهر في مظهر الرئيس المختلف عن سلفه جورج بوش الابن باءت بالفشل. كلّ ما في الأمر أن نتنياهو أقوى من المقيم في البيت الأبيض. تنبع قوته من أنه قادر على الضغط على الرئيس الأميركي في واشنطن دي. سي. نفسها، وربما من داخل مقر الرئاسة.

كانت الانتخابات الجزئية التي جرت الشهر الماضي وأدت إلى خسارة «الديموقراطيين» الأكثرية في مجلس النواب وفقدانهم الأكثرية المريحة في مجلس الشيوخ نقطة تحول بالنسبة إلى الإدارة. ربّما اكتشف اوباما متأخراً، أن بناء سياسته على كل ما هو مختلف عن سياسة بوش الابن لا يمكن أن يشكل سياسة. في كل الأحوال، قد يكون أهم ما اكتشفه أن ليس في استطاعته الذهاب بعيداً في المواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذه الظروف بالذات، خصوصاً بعدما تبين له ان السياسة العدوانية التي تمارسها حكومة بيبي تلقى تأييداً في الكونغرس.

باختصار شديد، لم يحسن باراك اوباما إدارة لعبة التعاطي مع إسرائيل. ثمة من يقول ان الفلسطينيين لم يساعدوه في ذلك. ولكن ما لابدّ من الإشارة إليه في هذا المجال أن الجانب الفلسطيني لا يتحمل أي مسؤولية في شأن كل ما له علاقة بوقف الاستيطان. سارع الرئيس الحالي فور دخوله البيت الأبيض، قبل أقل من عامين، إلى التركيز على الاستيطان وأهمية وقفه. كان عملياً وراء اصعاد الفلسطينيين إلى أعلى الشجرة في شأن الربط بين التفاوض ووقف الاستيطان، فراح يحاول انزالهم منها بهدوء وتؤدة بعدما تبين له أن هناك في إسرائيل من هو على استعداد للذهاب بعيداً في المواجهة وأن إدارته لا تمتلك العدة اللازمة لمواجهة من هذا النوع. بكلام أوضح، ليس في البيت الأبيض حالياً رجل اسمه جورج بوش الأب اسم وزير خارجيته جيمس بيكر واسم مستشاره لشؤون الأمن القومي الجنرال برنت سكوكروفت. بدأ المحيطون بباراك اوباما ينفضّون من حوله وهو لا يزال في منتصف ولايته الأولى. هناك اسئلة تطرح منذ الآن فحواها هل هو رئيس لولاية واحدة لا يشبه سوى جيمي كارتر، وهل سيكون حتى قادراً على أن يكون مرشح «الديموقراطيين» بعد أقل من عامين من الآن، علماً أن الرئيس الذي يمضي ولاية أولى في البيت الأبيض يتحول إلى المرشح الاوتوماتيكي لحزبه في نهاية الولاية؟ قد يجد اوباما، في حال لم يتحسن الاقتصاد، في وضع يمكن أن يفرض عليه التخلي حتى عن السعي إلى إعادة انتخابه بعدما أثبت، أقله إلى الآن، أنه عاجز عن وضع سياسة خارجية متكاملة وسياسة داخلية تعيد للأميركي العادي حداً أدنى من الثقة بالاقتصاد. في النهاية ما سيحدد مصير أول رئيس أسود للولايات المتحدة هو الاقتصاد ولا شيء غير ذلك. الأكيد أن ذلك ما دفعه إلى الهرب من المواجهة مع الحكومة الإسرائيلية والانصراف إلى ما هوه أكثر فائدة له، أي الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة.

لا شك أن باراك اوباما يعرف قوة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. هذا اللوبي واجه بوش الأب في العام 1992 ومنعه من الحصول على ولاية ثانية. لكن ما لا يمكن أن نتجاهله في الوقت ذاته، أن إدارة بوش الأب ذهبت بعيداً في المواجهة مع اليمين الإسرائيلي الذي كان يمثله وقتذاك اسحق شامير. مثلما حصل تغيير في واشنطن تمثل في انتصار بيل كلينتون على جورج بوش الأب، حصل تغيير في إسرائيل وحلّ اسحق رابين مكان اسحق شامير. كانت تلك فرصة لا تعوض للفلسطينيين كي يخوضوا مغامرة السلام... فكان «اتفاق اوسلو» الذي وقعه ياسر عرفات مع اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض خريف العام 1993.

السؤال الان ماذا سيفعل الفسطينيون؟ لا شك أنهم في وضع لا يحسدون عليه بعد ما حشرتهم واشنطن في زاوية المفاوضات غير المباشرة في وقت ستتابع حكومة نتنياهو ابتلاع الأرض عن طريق الاستيطان. لعل المسؤول الإعلامي في «فتح» السيد محمد دحلان، وهو عضو اللجنة المركزية ل «الحركة» أفضل من لخص الوضع. اعترف قبل أيام بأن لا أمل في تحقيق أي تقدم ما دامت الحكومة الإسرائيلية الحالية في السلطة. لكن دحلان دعا في الوقت ذاته إلى تفادي العودة إلى العنف، أي إلى عسكرة الانتفاضة، داعياً إلى مقاومة شعبية بالوسائل السلمية للسياسة الإسرائيلية.

كان مهماً أن يتفادى دحلان، الذي دخل رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) في خلاف معه، أي نوع من التصعيد مع الرئاسة الفلسطينية في الظروف الراهنة خصوصاً. كان واضحاً أن هناك رغبة في تجاوز الصغائر والانصراف إلى ما هو أهم من ذلك بكثير، أي مواجهة الاحتلال. في النهاية، لا وجود لمنطق من أي نوع كان للسياسة الإسرائيلية. لابدّ للاحتلال من أن يزول حتى لو كانت الإدارة الأميركية عاجزة عن تقديم أي دعم للشعب الفلسطيني وقضيته المحقة. المهمّ أن هناك قراراً فلسطينياً بعدم الاتكال على أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة. المهم عدم السقوط في فخ التصعيد والشعارات الفارغة التي تطلقها «حماس» ومن لفّ لفها. الفلسطينيون وحيدون في المواجهة. هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أنهم بدأوا يدركون للمرة الأولى أن المقاومة السلمية وبناء مؤسسات الدولة هما السلاح الحقيقي في المعركة الحالية. من قال ان ليس لكل مرحلة سلاحها؟

كاتب لبناني مقيم في لندن

======================

تركيا: دور الوسيط في الشرق الأوسط

الاربعاء, 15 ديسيمبر 2010

هيو بوب *

الحياة

< أثارت سياسة تركيا الجديدة في الشرق الأوسط الجدل والقلق في الغرب. ويعود ذلك في شكل جزئي إلى أن قادة حزب «العدالة والتنمية» قدموا انخراط تركيا المفاجئ مع المنطقة بلغة شعبوية ودينية، كما أنهم سلطوا الضوء على دفء علاقاتهم الشخصية مع الزعماء المسلمين. بالإضافة إلى أنه كلما تحسنت علاقات تركيا مع الدول الإسلامية، كلما بدت علاقتها مع إسرائيل في حالة تدهور.

وطالما كانت لتركيا أسباب وجيهة للحد من خلافاتها مع إيران والعراق وسورية، كون هذه الدول الثلاث مصادر الهجمات والتخريب السياسي لتركيا. وتخشى تركيا أن تؤدي المخاوف العالمية من برنامج إيران النووي الى جولة جديدة من العقوبات الدولية أو القيام بعمل عسكري ضد إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى كبح نمو اقتصادها وزعزعة استقرار المنطقة الذي تعتمد تركيا عليه على نحو متزايد. ومع أن الحكومة التركية لا تزال تعارض بشدة انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، إلا أنها تعتقد أن الوسيلة الأمثل لمنع الانتشار المحتمل هي الإقناع، وليس التهديد. كما أنها ترى أن إقامة علاقات أفضل مع جيرانها ستعطيها المزيد من النفوذ في المنطقة ومكانة على الساحة العالمية.

وعلى رغم أن أنقرة صاغت استراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط حتى الآن على أسس اقتصادية في المقام الأول، إلا أن هذه السياسة تنطوي على طموح للتحرك في اتجاه التقارب السياسي. فالعديد من حكومات الشرق الأوسط التي عادة ما تفضل الحفاظ على علاقات ثنائية قوية مع القوى العظمى البعيدة، مثل فرنسا أو روسيا أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، تنفتح الآن على تركيا. وحتى إيران أعربت عن اهتمامها ولو نظرياً بهذا الاندماج العملي.

كان الإجراء الأول الذي اتخذته تركيا نحو الاندماج الإقليمي هو تخفيف بعض القيود المفروضة على السفر. فقد ألغت تأشيرات الدخول لمواطني الأردن ولبنان وليبيا وسورية. (أما الإيرانيون فكان بإمكانهم أصلاً الحصول على تأشيرة دخول لدى وصولهم). كما تم افتتاح معبر حدودي جديد بين تركيا وسورية في عام 2009 وفتحت طرق جوية جديدة بين تركيا ومدن في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى تحديث وإعادة فتح خطوط السكك الحديد بين تركيا وسورية والعراق في شباط (فبراير) الماضي. وستضاف قريباً خدمة القطار السريع بين مدينتي غازي عينتاب في جنوب شرقي تركيا وحلب في شمال سورية، وهما المدينتان اللتان تعتبران مركزين تجاريين مهمين. وقد تم إنجاز خطوط سكك حديد جديدة بين سورية والأردن مؤخراً، ويجري التخطيط لإنجاز المزيد من هذه السكك بين الأردن والسعودية على مسار سكة طريق الحجاز إبان الإمبراطورية العثمانية.

ويعمل حزب «العدالة والتنمية» على تطبيع العلاقات مع الأكراد في شمال العراق منذ بضعة سنوات، ويعود ذلك نوعاً ما إلى رغبة تركيا في الوصول إلى حقول الغاز في كردستان العراق. الأمر الذي قد يساعدها على تنويع مصادر طاقتها، بالإضافة إلى تغذية خط أنابيب نابوكو الذي سيصل تركيا بأوروبا الوسطى. ومن المتوقع إكمال مد خط أنابيب غاز منخفض القدرة يمتد من مصر من طريق الأردن إلى سورية وصولاً إلى الحدود التركية قريباً. ويذكر أن تركيا تزود شمال العراق بالطاقة الكهربائية منذ سنوات، وتزود سورية بالطاقة الكهربائية أيضاً منذ عام 2009. وتتم حالياً دراسة خطط لإنشاء شبكة كهرباء تربط سبع دول شرق أوسطية.

أما الخلاف الدائر حول بناء تركيا للسدود على نهري دجلة والفرات، فهو يفتح المجال تدريجاً لمناقشة استراتيجيات ري مشتركة. وتتصدر أخبار المنظمات التركية غير الحكومية التي تمول المدارس في المنطقة أو تعمل على كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة عناوين الصحف. وفيما تواصل تركيا تحرير اقتصادها، تقوم الشركات التركية بالانتقال إلى مصر وسورية. فيما تقوم وسائل الإعلام التركية وشركات الترفيه بتأسيس جذورها في أسواق الشرق الأوسط.

ونتيجة لذلك يزداد التنسيق على المستوى الرسمي بين الحكومة التركية وحكومات الشرق الأوسط. ففي عام 2009، قامت تركيا والعراق والأردن ولبنان وسورية بتحويل اجتماعات كبار الوزراء إلى «مجالس تعاون استراتيجي» رفيعة المستوى. كما وافقت هذه الدول في حزيران (يونيو) على بدء تحويل مناطق التجارة الحرة الثنائية إلى مناطق تجارة حرة متعددة الأطراف. واستثمرت تركيا قدراً كبيراً من رأسمالها الديبلوماسي لزيادة مكانتها في المؤسسات والمنابر المتعددة الأطراف في الشرق الأوسط. وحصلت على مقعد مراقب في جامعة الدول العربية، واستضافت وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في إسطنبول. كما فاز التركي أكمل الدين إحسان أوغلو بقيادة منظمة المؤتمر الإسلامي. وبالإضافة إلى توفير المساعدة المدنية والعسكرية لبعثات حلف شمال الأطلسي في البلقان وأفغانستان، ساهمت تركيا بتقديم السفن وألف جندي ومهندس إلى القوة الموقتة التابعة للأمم المتحدة في لبنان. كما حصلت على مقعد في مجلس الأمن الدولي.

لعل الخطر الأكبر يكمن في أن تسيء تركيا فهم الدعم الجديد من جيرانها في الشرق الأوسط وتعتبره بديلاً عن تحالفها الطويل والراسخ مع أوروبا والغرب، لأنه التحالف الأكثر أهمية من حيث التجارة والاستثمار والتفاعل الاجتماعي. وعلى بلدان الشرق الأوسط أن تذكّر أنقرة بأنها تفضلها أن تظل صوتاً متعاطفاً من داخل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، لا أن تصبح دولة شرق أوسطية محبطة وممنوعة من دخول المجالس الغربية.

* مدير برنامج تركيا وقبرص في «مجموعة الأزمات الدولية»

======================

روسيا والصين في مواجهة اليابان وأميركا

الاربعاء, 15 ديسيمبر 2010

فيودور لوكيانوف *

الحياة

لحظة هدأت العاصفة بين روسيا واليابان جراء زيارة ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي، جزر الكوريل، برزت مشكلة جديدة، إثر اختراق طائرتين حربيتين روسيتين، «إيل – 38»، الأجواء فوق اضخم مناورات عسكرية بحرية اميركية – يابانية. وبعثت الحادثة هذه القلق والتساؤل في واشنطن وطوكيو. وهذا يشير الى ان الوضع في آسيا مبهم وغير مستقر.

فنظام كوريا الشمالية ينازع من أجل البقاء. ولا تقتصر آثار منازعته على الداخل الكوري الشمالي، بل يبلغ أثرها دول الجوار. وترمي مناورات «السيف الحاد» الدورية الى حمل طوكيو وسيول على توطيد التعاون مع أميركا. وتخشى واشنطن محاولات اليابان اغلاق القواعد الاميركية، في جزيرة اوكيناوا، على وجه التحديد.

وتسعى اليابان في تنويع سياستها الخارجية. ولذا، شعرت بأنها محاصرة من الجهات المختلفة. وتفاقم النزاع حول الجزر، في الخريف الماضي، مع الصين وروسيا جراء الخلاف على جزر الكوريل هما حلقتان من سلسلة واحدة. ويبدو أن موسكو وبكين متواطئتان على «اسقاط» طوكيو.

والتواطؤ هذا هو من ثمار نهج القيادة اليابانية الحالية المتقلب وغير المحترف. وترتب عليه توتر العلاقات مع روسيا والصين. وتعقّد الوضع عندما لجأت بكين الى حظر تصدير المعادن النادرة الى اليابان. فالحظر هذا فاجأ اليابان والولايات المتحدة، وأصابهما بالصدمة. فلم يسبق أن لجأت بكين الى ادوات اقتصادية من اجل الانتقام السياسي.

والصين بدورها متوترة جداً من الوضع القائم بين الكوريتين. فهي عاجزة عن ادارة الخلاف بينهما ادارة مجدية وفعالة، على رغم انها اقنعت الاطراف كلها باستحالة حل مشكلة كوريا الشمالية. وتضغط واشنطن على بكين لحمل بيونغ يانغ على تحسين سلوكها. وعلى رغم انها أبرز حماته، لا تستطيع بكين ارغام النظام الكوري الشمالي على تغيير سياسته. وهي ترفض الضغط عليه من طريق حظر الصادرات الى كوريا الشمالية خشية ان يؤدي ذلك الى زعزعة الاستقرار في المنطقة والانزلاق الى نتائج غير واضحة. وهذا اكثر ما تخشاه اليصن، على رغم أنها تدرك ان الحفاظ على الاستقرار في عهد نظام بيونغ يانغ الحالي يصبح اكثر صعوبة.

والتوتر المتنامي بين الولايات المتحدة والصين هو، اليوم، من أبرز العوامل في السياسة الاقليمية. وترفض بكين ميل واشنطن الى حل نزاعات المنطقة على الجزر والمياه والاراضي من طريق التوسل بأواليات الديبلوماسية الدولية غير الأحادية والمتعددة الاطراف. وترى ان حوض بحر الصين الجنوبي يتبع سيادتها. ويعود قلق اميركا الى «حساسيتها» وانفعالها، وهي أضخم قوة عظمى بحرية، امام محاولات تقييد الملاحة البحرية.

وترى الصين وكوريا الشمالية ان المناورات المشتركة بين الولايات المتحدة وكل من اليابان وكوريا الجنوبية تتهدد مصالحهما، وأنها اعلان للحرب على بيونغ يانغ من أجل زرع نظام موالٍ للاميركيين في كوريا الشمالية. والمسعى هذا هو جزء من الاستراتيجيا الجديدة الساعية في الحفاظ على النفوذ الاميركي في المنطقة، وفي «تقييد التهديد الصيني المتعاظم». وحجم القوة المشتركة في المناورات يوحي بأن واشنطن تأخذ في الحسبان احتمال التدخل الصيني، اذا وقعت الحرب.

ولم يستوعب أحد، الى الآن، مغذى تحليق روسيا بطائراتها في اجواء مناورات الآخرين، وعزمها على اعادة بعث اسطول البحر الهادئ قوةً مستقلة في آسيا – المحيط الهادئ. وتتضامن موسكو مع بكين في المسائل الاقليمية. ولذا، يرحب بعض المسؤولين الصينيين بأداء موسكو دوراً فاعلاً في ملف كوريا الشمالية.

ولا يؤدي اسهام روسيا الديبلوماسي اسهاماً راجحاً في منطقة آسيا – المحيط الهادئ الى تعاظم نفوذها. فهي، وعلى خلاف اوروبا، لا تسعى في بلوغ مآرب خفية في المنطقة هذه، بل في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية. وهذا مفيد في الاحوال كلها. ولكن انتخاب موسكو دوراً ثانوياً في منطقة يرجح أن ترتقي أبرز ساحة سياسية في القرن الواحد والعشرين، لا يبشر بمكاسب سياسية او اقتصادية.

 * محلل سياسي، عن «غازيتا رو» الروسية، 9/12/2010، إعداد علي ماجد

======================

هل بدأت حرب مياه النيل؟

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

15-12-2010

لا يحتاج المرء إلى الاطلاع على ما ورد في إحدى وثائق «ويكيليكس» - عن أن مصر لديها مخاوف من تأثير انفصال جنوب السودان على حصتها من مياه النيل، وأنها لذلك سعت لإقناع واشنطن بالمساعدة على تأجيل استفتاء الجنوب - لكي يعرف أن هذا الملف مرشح للكثير من التعقيدات التي قد تجعله في مستقبل غير بعيد يطغى على ما عداه من قضايا. فمن يسمع التصريحات، ويتابع التحركات المحمومة، ويرصد التوتر المتزايد تحت السطح، يراوده إحساس بأن حرب مياه النيل قد بدأت بالفعل.

رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي الذي تقود بلاده حملة منظمة للمطالبة بإعادة توزيع مياه النيل وتعديل الاتفاقيات القديمة، أطلق رصاصة تصعيدية عندما خرج أخيرا بتصريحات قال فيها إن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه النيل. وكشف عن حجم الأزمة الكامنة تحت السطح عندما اتهم مصر بأنها تدعم جماعات متمردة لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا بسبب الخلافات بينهما حول قضية المياه. وزاد على ذلك بقوله في المقابلة التي أجرتها معه وكالة رويترز أواخر الشهر الماضي: «لا أخشى أن يغزو المصريون إثيوبيا فجأة، فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلا ليحكي نتيجة فعلته، ولا أعتقد أن المصريين سيختلفون عمن سبقهم، وأعتقد أنهم يعلمون ذلك». هذا الكلام الذي خلا من اللهجة الدبلوماسية المعتادة، يشير إلى أن هناك أزمة حقيقية، وأنها دخلت طورا جديدا يستخدم لغة الحرب، بين أكبر لاعبين في هذا الملف. فإثيوبيا تعد أهم رافد من روافد نهر النيل، إذ تجلس على منبع النيل الأزرق الذي يرفد نهر النيل بأكثر من ثلثي مياهه وتربته الخصبة، كما أنها الدولة التي تشهد واحدة من أعلى معدلات ارتفاع السكان، بحيث سيبلغ عدد سكانها 113 مليونا بحلول عام 2025 لتصبح ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، متجاوزة بذلك مصر. وقد عرفت إثيوبيا خلال الثلاثين عاما الماضية مجاعات وموجات جفاف جعلتها تقوم ببناء خمسة سدود ضخمة خلال العشر سنوات الماضية لتسهم في إشعال القلق بشأن ملف مياه النيل، وكيفية التوفيق بين الاحتياجات المتزايدة لدوله والموارد المائية والطبيعية المحدودة.

مصر من جانبها تعتبر المستهلك الأكبر لمياه النيل وتعتبره شريان حياتها الرئيسي، ولذلك تتحدث عن هذا الملف باعتباره قضية حياة أو موت. ورغم أنها تعتبر إثيوبيا المحرك الرئيسي للمطالبات بإلغاء الاتفاقيات القديمة التي تحكم توزيع مياه النيل والتوصل إلى اتفاقية جديدة تعطي دول المنبع حصة أكبر مما يعني حتما خفض حصة مصر، فإنها ردت بدبلوماسية على تصريحات زيناوي مفضلة عدم الانجرار وراء التصعيد. وبعد أن أبدت استغرابها من التحذير الإثيوبي، قالت القاهرة إنها لا تعتبر الحرب خيارها في ملف مياه النيل وإنها تعمل باستراتيجية الحوار والتفاوض لحل المشكلات، مؤكدة أنها في حال عدم التوصل إلى حلول فإنها تتبنى ضمن خياراتها اللجوء إلى القانون الدولي لحماية ما تعتبره حقوقا تاريخية موثقة باتفاقيات دولية. وبعد أن نفت اتهام زيناوي بأنها تدعم جماعات متمردة لزعزعة استقرار إثيوبيا، اتهمته بأنه وراء الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه خمس من دول المنبع هي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا، وأيدته الكونغو الديمقراطية وبوروندي لكنهما تحفظتا على التوقيع مفضلتين عدم التصعيد مع دولة المصب مصر، ودولة التكوين السودان (باعتبار أن النيل يتكون في السودان من التقاء النيلين الأزرق والأبيض إضافة إلى نهر عطبرة).

وكانت القاهرة قد بدأت تحركات مكثفة باتجاه الدول الموقعة على الاتفاق الإطاري بهدف إفشال ما تراه تحركا إثيوبيا لعزلها ولإجبارها على إعادة التفاوض بشأن تقاسم مياه أطول أنهار العالم. وقد نجحت التحركات المصرية باتجاه الكونغو الديمقراطية وبوروندي، لكنها لم تتمكن من وقف توقيع الدول الخمس الأخرى على الاتفاق الذي لو نفذ فسيعني حتما فتح مواجهة خطيرة بين دول النيل على أساس أنه سيقوض الاتفاقيات القديمة ويجعل كل دولة تتصرف لوحدها، أو يقسم هذه الدول إلى كتلتين متعاديتين إلى حد التلويح بالحرب.

في الوقت ذاته تتابع مصر بقلق تطورات السودان وتتخوف من أن دولة الجنوب التي ستنشأ بعد استفتاء العام المقبل قد تنحاز إلى دول الاتفاق الإطاري خصوصا أن هناك علاقات قوية بين الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وبين إثيوبيا وكينيا وأوغندا التي دعمت العمل المسلح والدبلوماسي للحركة على مدى سنوات طويلة قبل توقيع اتفاق السلام وبعده. وحتى لو لم تقف دولة الجنوب في صف المواجهة الذي تتبناه دول الاتفاق الإطاري، فإن مجرد قيامها سيفتح باب التفاوض حول كيفية تقاسم المياه خصوصا بعد أن قالت بعض الدوائر إن حصة الدولة الجديدة يجب أن تكون من حصة مصر والسودان معا أو من حصة السودان وحده.

هذه التعقيدات ستضاف إليها مشكلات أخرى إذا راعينا تحذيرات خبراء البيئة الذين يشيرون إلى أن العقود المقبلة ستشهد ارتفاعا في معدلات الحرارة وانخفاضا في منسوب الأمطار في عدد من دول العالم من بينها بعض دول النيل. ولعل أسوأ سيناريو هو استمرار التصعيد بين دول حوض النيل خصوصا أن هناك سباقا دوليا على الموارد في أفريقيا، كما أن هناك أطرافا تراقب الموقف وقد تجد فيه فرصة لتأجيج صراعات وحروب.

======================

الحل البرازيلي للقضية الفلسطينية

عبد المنعم سعيد

الشرق الاوسط

15-12-2010

يبدو لي أن رأي الرئيس بشار الأسد في مسار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية على درجة كبيرة من الصواب عندما انتقد الفلسطينيين لأنهم ربطوا بين التفاوض والمستوطنات، بينما كان الواجب هو التركيز على الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 أو الحدود التي تخطتها إسرائيل باحتلال أراض بالقوة المسلحة. ومن الناحية الدبلوماسية والسياسية فإن ذلك عطل المفاوضات وأعطى لحكومة نتنياهو الفرصة لتحقيق هدفين معا: استمرار الاحتلال، والتوسع في بناء المستوطنات في الوقت نفسه. ولتأكيد قوله هذا أكد الرئيس السوري على أن سورية لا تثير موضوع المستوطنات عند التفاوض مع الإسرائيليين، لأن الانسحاب من الأراضي المحتلة يعني بالضرورة زوال الاستيطان تماما كما جرى في مصر أثناء مفاوضاتها مع إسرائيل.

المشكلة مع الطرح السوري - مع سلامته المنطقية - أنه لم يؤد إلى تحقيق الانسحاب من المرتفعات السورية المحتلة، ومن ثم لم يزل الاستيطان وظل الحال على حاله لأكثر من أربعين عاما. ومعنى ذلك أن القضية برمتها تحتاج إلى منهج آخر مركب يسمح بتحريك القضية سواء على جبهة الجولان أو الجبهة الفلسطينية حيث الأرض لا تزال محتلة، والمستوطنات لا تزال تتوسع.

هذا المنهج يأخذ الفكرة السورية المصرية الأصلية، ويضيف لها فكرتين أخريين: واحدة عربية سبق لجميع العرب القبول بها وهي المبادرة العربية؛ والأخرى برازيلية جاءت من سان باولو وقوامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 4 يونيو 1967 على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. الفكرة العربية تعني في جوهرها أن حدود يونيو 1967 ليست حدودا للدولة الفلسطينية فقط، بل هي أيضا حدود للدولة الإسرائيلية، أي إنها تطبيق جديد لقرار التقسيم وفقا للمتغيرات التي وردت عليها بعد حرب يونيو، ولكن لا شيء بعد، فهوية الدولة الإسرائيلية تخص دولة إسرائيل وليس غيرها، ولا يوجد ما يدعو أبدا للقبول الآن بفكرة تبادل الأراضي التي كانت سوف تحل لإسرائيل مشكلة 82% من المستوطنين. فقد أتيحت الفرصة لإسرائيل وأضاعتها باستمرار الاستيطان وتهويد القدس.

الفكرة ببساطة هو أنه طالما مضت على عملية السلام - منذ استئنافها - أربعة أشهر في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي من دون نتيجة حتى الآن؛ بل أكثر من ذلك جرى دفن عملية السلام وحل محلها البحث عن وقف مؤقت لعمليات الاستيطان لثلاثة أشهر تحصل إسرائيل مقابله على ثمن فادح، ويعلم الجميع أنه لا يوجد لديها - كما لا يوجد لدى إدارة أوباما - الشجاعة لتغيير الوضع القائم، فليكن الوضع إذن هو خلق واقع دولي جديد جاء من البرازيل هذه المرة يقوم على دولتين تفصلهما حدود عام 1967 دون زيادة أو نقصان.

نقد هذه الفكرة واضح منذ الوهلة الأولى وهو أنه لن يغير من الأمر الواقع شيئا وكل ما سيفعله هو أنه سوف يوقف عملية السلام. ولكن عملية السلام متوقفة منذ بدايتها، ومنذ فقدت الولايات المتحدة القدرة على الوفاء بوعودها لوقف الاستيطان. وما دام الأمر أنه سواء كانت هناك عملية سلام أم لا فإن الاستيطان سوف يستمر بهدف تغيير الأمر الواقع، فإن الأكثر عملية هو تحريك العالم في موقف سياسي وأخلاقي تجاه الدولة الإسرائيلية تجعل ضمها للقدس الشرقية، والأراضي الفلسطينية دون أي تأييد قانوني.

المسألة هنا ذات طبيعة تصاعدية، وببساطة العالم لم يعد كما كان، ولا يوجد الآن من هو على استعداد للتضحية بمصالح الأمن الدولي بسبب دولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على سبعة ملايين نسمة 20% منهم من العرب الفلسطينيين. وما نحتاجه هو فكرة متكاملة واضحة تعترف بدولتين ضمن حدود واضحة ومعلومة بلا مداورة أو مماحكة وتأخذ طريقها من خلال منظمات معروفة من الجامعة العربية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الاتحاد الأفريقي إلى دول مجموعة برشلونة إلى دول أميركا الجنوبية وكل الدول الصديقة والراغبة في سلام عادل وشامل وحقيقي، وهو ما يعرضه العرب بالفعل، حتى نصل إلى الأمم المتحدة وجمعيتها العامة ومجلس الأمن فيها.

نعلم منذ البداية ولأسباب تخصها أن الولايات المتحدة، وربما بعضا من دول الاتحاد الأوروبي، ودولا صغيرة هنا وهناك سوف ترفض هذا الاتجاه وتسعى إلى إحباطه بوسائل شتى. ولكن مثل ذلك هو جزء من عملية التفاعل والتفاوض بين الدول العربية والولايات المتحدة، ولم يكن الموضوع كلامنا وحدنا بل كان موقف أوباما في القاهرة عندما أكد على مركزية القضية الفلسطينية للأمن الدولي. ولا يوجد لدى العرب ما يطلبونه للتعاون من أجل الحفاظ على الأمن الدولي سوى حل القضية الفلسطينية بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في الرابع من يونيو 1967. غير ذلك فإن على الولايات المتحدة حكومة وشعبا أن تعرف أن الدول العربية لا يمكنها أن تكون جزءا من هذه الحماية دون حل لمشكلة أساسية تقدم فيها الدول العربية اعترافا واضحا بالدولة الإسرائيلية ضمن حدود معلومة تجعلها دولة من دول المنطقة وليس إمبراطورية في قلبها تجثم على صدر شعب عربي.

ونعلم أيضا أنه بين العرب من يرون أن مثل هذا المنهج السياسي والدبلوماسي لا طائل من ورائه، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. ولكن مثل ذلك ليس موضوعنا هنا، والاستراتيجيات العسكرية لا تتم مناقشتها في صفحات الصحف، ومن يطرحونها على أية حال عليهم معرفة أن الحل العسكري العربي لم يستخدم حتى الآن بنجاح إلا في تقسيم الساحة الفلسطينية إلى كيانين فلسطينيين.

رسالة البرازيل لا ينبغي تجاهلها أبدا في العواصم العربية المختلفة، ليس فقط لأن البرازيل لاعب دولي مهم، ولكن لأنها تمثل اتجاها جديدا في العلاقات الدولية تمثله دول مثل الأرجنتين والمكسيك والهند والصين وجنوب أفريقيا. هذه الدول جزء مهم من النظام الاقتصادي الدولي، وهي جزء من عملية الإنقاذ له من الأزمة الاقتصادية العالمية، وببساطة لديها أوراق مهمة تستعد لاستخدامها لأنها ببساطة لا تريد للأمن الدولي أن يتعرض لأخطار بالغة تتعرض فيها إمدادات النفط للتخبط، وحركة التجارة للاعتراض بأشكال مختلفة. فإذا كانت الولايات المتحدة لأسباب تاريخية وسياسية لا تستطيع تنفيذ ما وعدت به الدول العربية فإن هذه الدول لا توجد لديها عقد تاريخية، ولا أثقال أخلاقية تفرض عليها السير في الركاب الإسرائيلية مهما كانت طاغية أو باغية.

الحكمة هنا أن الرسالة البرازيلية جاءت من حيث لا يحتسب أحد، لأن النظام الدولي يتغير بأسرع مما نتخيل أو نتصور، وفي كل نظام دولي هناك أخطار ينبغي تجنبها، وفرص يجب أن لا تضيع. ما نحتاجه هو حكمة وعزم

======================

الجولان تحت الاحتلال الحلقة (4) : استيطان غني ومدلل.. ولكنه لم ينجح في تحقيق أهدافه

ماذا يجري في الجولان السورية بعد 43 عاما من احتلالها

الشرق الاوسط

15-12-2010

الحكومات الإسرائيلية على اختلافها حاولت جعل الاستيطان في الجولان مغريا جدا للمواطنين اليهود

تل أبيب: نظير مجلي

قلنا لنتعرف على الاستيطان اليهودي في الجولان ونعرفكم عليه من الداخل. لكن الأمر لم يكن سهلا. فكل مستوطنة هنا محاطة بأسلاك شائكة، ولها بوابة عليها حارس يسألك إن كنت قد دعيت من طرف أحد ما في المستوطنة. ويؤكد لك أن المسؤولين ليسوا في المستوطنة، بل كل واحد منهم مشغول في عمله خارجها. فلم يكن أمامنا سوى دخول بلدة كتسرين، أكبر المستوطنات التي تعتبر عاصمة الاستيطان في الجولان.

هنا لا توجد أي مشكلة للعربي أن يتجول، حتى بين البيوت. فهذه مدينة مفتوحة. تضم مناطق سياحية ومركزا تجاريا كبيرا ومناطق صناعية ومتحفا ومكاتب حكومية تقدم الخدمات لليهود والعرب على السواء، وفيها «لجنة مستوطنات الجولان»، التي تعتبر القيادة العامة للمستوطنات في المنطقة والمسؤولة عن 33 مستوطنة أقيمت فيها منذ الاحتلال سنة 1967. وأول ما يبادرون به إليك، هو الرواية التاريخية اليهودية لهذه المنطقة. فأنت تسأل عن أولى المستوطنات اليهودية في الجولان، ونقصد مستوطنة «مروم جولان»، التي بنيت بعد شهر فقط من الاحتلال، وتحديدا في 14 يوليو (تموز)، فيعودون ألوف السنين إلى الوراء، قائلين لنا ما يقال لكل زائر لهذه المنطقة، من السياح الأجانب والإسرائيليين على السواء، بأن الاستيطان الأول أقيم قبل نحو خمسة آلاف سنة: «ملك إسرائيل داهود احتل مملكة آرام (دمشق) وعين عليها واليا. الملك سليمان عين 12 وزيرا، بينهم وزير في الجولان. مملكة إسرائيل حاربت طوال 150 سنة في 8 حروب مع مملكة آرام، ودارت الكثير من المعارك في الجولان. دائما ما كانت هذه المنطقة ذات أهمية زراعية مميزة، فيها زرعوا القمح والشعير وربوا الخيول والأبقار. وفي السنة الحادية والثمانين قبل الميلاد حرر القائد اليهودي ألكسندر يناي الجولان وجعل من مدينة جملا، عاصمة لمملكته. لقد عاش اليهود في كل العصور في الجولان. في أعقاب حرب 1967 اكتشفنا آثار 300 بلدة يهودية و27 كنيسا يهوديا. في فترة الاحتلال الفارسي ثم العربي، هرب غالبية اليهود، ولكن بلدة كتسرين ظلت قائمة حتى سنة 749 ميلادية. وبقي اليهود في بانياس حتى بعد هذه الفترة، وتركوها فقط عند الغزو الصليبي. وبعدها بقي الجولان مهجورا نحو ألف سنة، كان خلالها تحت سيطرة عصابات غزو بدوية. فقط في سنة 1878 تمكن الأتراك من إعادة توطينه فجلبوا الشركس ثم الدروز والتركمان والمغاربة وغيرهم من الأقليات للسكن فيه».

ويواصل المرشد السياحي من لجنة مستوطنات الجولان الرواية اليهودية لتاريخ الجولان، أمام وفد سياحي هولندي، فيقول إن اليهود حاولوا العودة إلى الجولان في عام 1886، حيث قدم بعض أهل صفد للاستيطان فيه وفي حوران، لكن باشا دمشق طردهم بعد سنتين. وفي سنة 1891 اشترى البارون روتشيلد 100 ألف دونم من أراضي الجولان، فسكن فيها يهود قدموا من روسيا ورومانيا وبلغاريا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، ولكن الباشا طرهم هم أيضا. وفي سنة 1905 استوطن يهود في البطيحة شمال شرقي بحيرة طبرية، لكنهم هجروا المنطقة عند انتشار الأمراض.

وتشير إلى كيف حاول اليهود التأثير على تقسيم الوطن العربي في اتفاقية «سايكس بيكو» وطلبوا إبقاء 45 ألف كيلومتر مربع من أراضي الجولان تحت الانتداب البريطاني لتبقى جزءا من فلسطين، قاصدين عمليا مصادر المياه بالأساس. وتدعي أن سورية كدولة لم تعش في الجولان سوى 21 عاما، من سنة 1946 لدى حصولها على الاستقلال وحتى عام 1967. بينما إسرائيل تحتفظ بالجولان منذ 43 سنة.

قلنا للناطقة بلسان مجلس محلي كتسرين، فيكي بدريان، إن العالم كله يعتبر الجولان منطقة سورية محتلة، والعالم يعرف التاريخ جيدا. ورؤساء الحكومات الإسرائيلية الستة الذين تولوا الحكم منذ عام 1992 وحتى اليوم، باستثناء أرييل شارون، (إسحق رابين، وشيمعون بيرس، وبنيامين نتنياهو، وإيهود باراك، وإيهود أولمرت)، وافقوا جميعا على مبدأ الانسحاب الكامل من الجولان مقابل السلام الكامل مع سورية ولم يحرزوا اتفاقا بسبب خلافات تفصيلية أو لأسباب ظرفية مثل مقتل رابين وسقوط باراك وأولمرت وهكذا. وكل هؤلاء الرؤساء يعرفون جيدا التاريخ ويرددون هم أيضا الرواية اليهودية. فلماذا الإصرار إذن؟

فراحت تروي أنها نمت وترعرعت هنا منذ ثلاثين سنة وأنها لا تعرف مكانا آخر سواه وأنها مثل المستوطنين جميعا تتمنى البقاء في الجولان إلى الأبد لأنها تجد هناك كل حياتها. فذكرناها بأن هناك 110 آلاف جولاني هربوا أو طردوا من الجولان لدى احتلاله سنة 1967 وأصبح عددهم نصف مليون شخص يعيشون كلاجئين (أو باللغة السورية «نازحين»). وإن أي سعادة للسيدة بدريان تكون على حساب تعاسة هؤلاء السوريين. فكيف تنظر إلى الموضوع من الناحية الضميرية؟

فأجابت: «أنت لا تستطيع أن تكون نزيها مع الجميع. ولا تستطيع أن تحقق كل ما تريد. أنا أحكي لك قصة إنسانية في بيتي. ابني يخاف الكلاب. وعلي أن أرسله إلى المدرسة كل يوم. ولكنني أريد له أن يعتمد على نفسه ولا يكون مرتبطا بي أو بوالده. فقررنا أن يذهب وحده إلى المدرسة. إلا أنني لم أرتح للقرار. خفت عليه. فصرت أتركه يذهب وحده وأسير وراءه بسيارتي من دون أن يشعر، فهكذا يكون معتمدا على نفسه وأكون مطمئنة عليه. هذا حل منطقي أليس كذلك؟ ولكن، هل تعتقد أننا نستطيع اللجوء إلى هذا الحل في كل جوانب حياتنا ومشكلاتنا؟ لا بالتأكيد».

واختتمت: «لكل شعب يوجد كبار يقررون باسمه. إنني واثقة من أن كبارنا وكبارهم سيتوصلون في النهاية إلى تسوية سلمية. هذا الموضوع بصراحة لا يشغلني اليوم، لأنني أتصرف وكأننا باقون هنا إلى الأبد. ولكن ما يقرره الكبار سيكون مقبولا علينا».

المسؤولة الأردنية اتصلت

* الحكومات الإسرائيلية على اختلافها حاولت جعل الاستيطان في الجولان مغريا جدا للمواطنين اليهود. فقد خصصت للمستوطنات أراضي شاسعة تتيح بناء بيوت فاخرة بأسعار البيوت الفقيرة في تل أبيب. كل بيت يقوم على قطعة أرض مستقلة. الحكومة توفر مجانا إعداد البنية التحتية. صاحب كل بيت يحصل على قروض سهلة جدا، يتحول قسم منها إلى هبات. وهذا عوضا عن طبيعة المنطقة الخلابة، جو نقي من التلوث، طقس مريح الصيف فيه صيف والشتاء فيه شتاء، مرافق استجمام كثيرة توفر برك السباحة والقاعات الرياضية والبرامج الفنية والثقافية. أماكن عمل مغرية.

لقد تطورت الصناعة والزراعة والسياحة في الجولان خلال السنوات الأربعين الماضية بشكل هائل. إنها تضم ست محميات طبيعية يمكن مشاهدة حيوانات برية كثيرة فيها، مثل الغزلان والخنازير البرية والطيور الجارحة. شلالاتها وأنهرها تحولت إلى مناطق يؤمها المستجمون وعشاق الرياضة البحرية. فيها 700 مصلحة زراعية يشتغل فيها نحو 1200 عامل أجير عدا عن أصحابها. وفيها 24 مصنعا تشغل 860 عاملا. و207 مصالح تعمل لخدمة السياحة تشغل 720 عاملا بالأجرة. و180 مصلحة تجارية تشغل 600 عامل. و1820 عاملا في سلك التعليم.

أبرز المصانع في المستوطنات هي مصانع النبيذ الفاخر التي تسمى هي أيضا الجولان، وتنتج ما يعادل 7500 طنا، تزود إسرائيل بمقدار %21 من احتياجات السوق. ويشكل نبيذ الجولان نسبة %38 من صادرت النبيذ الإسرائيلية. كما تنتج المستوطنات نصف كمية المياه المعدنية التي تباع في إسرائيل. ولهذا، فأينما تتجه في المنطقة تجد شعارات أعدها المستوطنون تقول: «الجولان.. بلد النبيذ والماء». وتنتج مستوطنات الجولان %23 من إنتاج الذرة في إسرائيل (20 طنا في السنة)، و%40 من لحوم الأبقار في السوق الإسرائيلية، و%6 من إنتاج الحليب (66 مليون لتر)، و%30 من إنتاج التفاح (30 ألف شجرة)، و%41 من إنتاج القطن، و%50 من إنتاج الكرز (600 طن)، و%32 من إنتاج البطاطا (7000 طن)، و%28 من إنتاج البيض (3000 طن).

خلال تجوالنا في المنطقة الصناعية في كتسرين، دخلنا مصنعا لإنتاج الصابون، بغية التعرف على أحد أسرار نجاح هذا الفرع الاقتصادي بالذات في هذه المنطقة، رغم بعدها الكبير عن منطقة المركز. إنه لا ينتج الصابون العادي، بل يستخرجه من عَكَر الزيتون (الجفت)، ويستخرج أيضا مواد تستخدم كريمات لمقاومة التشقق في جلد أصابع اليدين للمسنين ولمكافحة هرم جلد الوجه وغيرها من الكريمات الصحية وقد سجل إنتاج مصنعه كاختراع عالمي وفاز بجائزة منظمة «كليتيك» العالمية في الحفاظ على البيئة بفضل هذا الاختراع. يملك المصنع أفنير طلمون، وهو ضابط كبير سابق في الجيش الإسرائيلي، درس في الجامعة تاريخ الشرق الأوسط وتخصص في الشأن العراقي، ولكنه يحب الكلام أكثر عن سورية التي يتابع كل شيء فيها.

* ربما أنك تهتم بسورية حتى تعرف إلى أي وقت يمكنها الصبر من دون الجولان..

- كلا، إنني مهتم بالشؤون العربية عموما، وبالشأن السوري بشكل خاص. بل قل إنني مهتم بالشأن الإسرائيلي ومن هنا اهتمامي بسورية، أقرب جارة لي.

* وما رأيك في مستقبل الجولان؟

- لأقل لك أولا إنني مواطن منضبط. إذا قالوا لي في القيادة ارحل عن الجولان لأننا سننسحب في إطار اتفاقية سلام، فسوف أنسحب وأرحل من دون تردد. وإذا قالوا لي اترك كل شيء وحارب ضد سورية، فإنني لن أتردد وسأحارب. لكنني أعتقد أن كلا الخيارين ليس صحيحا. فلا الحرب ولا الانسحاب. أنا أعتقد أن هذه المنطقة يجب أن تكون كما هي عليه اليوم، حتى في ظروف السلام. ف«السلام مقابل السلام» هو الحل للمعضلة.

* وكيف تطلب ذلك وهي أرض سورية محتلة بقوة الحرب في سنة 1967، كما تعلم ولا بد، فأنت درست تاريخ الشرق الأوسط؟

- أنت تقول الرواية العربية. ولكن لدي رواية أخرى تقول إن هذه الأرض كانت يهودية ألوف السنين وقد عدنا إليها. ولكن، لماذا نخوض النقاش على هذا النحو. فهناك روايتان، عربية ويهودية لتاريخ الجولان. العرب لا يقبلون الرواية اليهودية، واليهود لا يقبلون الرواية العربية. فإذا بدأنا بالتاريخ، فلن نتوصل إلى شيء. تعال نطرح الموضوع من باب آخر. من باب الجيرة الحسنة والتعاون لما فيه مصلحة الطرفين. فما الذي جلبته الحرب لنا أو لسورية. ما الذي استفدنا منه جراء بث الكراهية؟ الانشغال بالكراهية يضعف الإنسان. فلو تحدثنا عن التعاون، فهناك إمكانيات بلا حدود وتعود فقط بالفائدة على الجميع. سورية بلد زراعي، لديه كميات هائلة من كروم الزيتون. ولكن إنتاجها من الزيتون ضعيف نسبيا، مع أن الزيتون السوري، كما هو معروف، من أفضل أنواع الزيتون في العالم. هل لديك فكرة، كم نحن نستطيع في إسرائيل مساعدة سورية في هذا المجال؟ فنحن لدينا قدرات وتكنولوجيا عالية بمقدورها مضاعفة الإنتاج عدة مرات.

وهنا يكشف لنا طلمون قصة مع مسؤولة أردنية، يقول إنها اتصلت به (الاسم في ملف التحرير) عندما فاز بالجائزة العالمية، وقالت له إنها تدير مؤسسة اتحاد حقول الزيتون في كل من سورية والأردن ولبنان. وسألته كثيرا حول الاختراع، ثم عرضت عليه أن يتم التعاون بينهما. ولكن في مرحلة ما اهتمت بمعرفة مكان سكناه في إسرائيل. فأجابها بأنه «في بلدة كتسرين اليهودية»، ففهمت أنه في الجولان السورية المحتلة، ولم تعد تتصل به ولم ترد على مكالماته الهاتفية.

ويعلق: «من تعتقد الخاسر من هذه القطيعة؟ هل تعرف ما الذي نفعله في مصنعنا؟ نحن نأخذ العكر من الزيتون وبدلا من إلقائه كنفايات في مختلف المناطق التي تضر بالبيئة، لأنه يحتوي على مواد مؤكسدة، نأخذها ونعالجها ونصنع منها كل هذه المنتوجات التي تعود علينا بالفائدة صحيا واقتصاديا وتعزز الثقة بقدراتك العلمية. هل تعرف كم هو حجم العكر في سورية الذي يذهب إلى المجاري ويلحق أضرارا بالأرض. وهذا نمودج واحد. فهل تعرف كم من المجالات يمكننا التعاون معهم فيها؟».

* هذا السؤال نفسه يوجه أيضا لإسرائيل. فلماذا لا يكون التعاون بعد أن يحصل كل ذي حق على حقه؟

- لأننا مختلفون حول هذا الحق. وعلينا أن نكف عن دفع الخسائر، بسبب التمسك بهذا الحق أو ذاك. لنترك هذه المسألة 40 أو 50 سنة فعندها يكون الحديث عن حقوق في عهد السلام أمرا مضحكا.

* ولكن.. هل نجح المشروع؟

طلمون تكلم بثقة واضحة، في مصنعه الذي يديره بنفسه، ويستقبل فيه عشرات الزائرين الإسرائيليين والسياح الأجانب. مثله التقينا كثيرين، ولكن غالبيتهم يتعاملون مع المستقبل باعتدال أكثر منه. يقولون: «السلام هو الأمر الأهم. فإذا كان رحيلنا عن الجولان يضمن السلام فإني لن أتردد في الرحيل ولن أقاوم قوات الإخلاء كما فعل المستوطنون في قطاع غزة. لكن بشرط أن يكون ذلك سلاما مقنعا مع ترتيبات أمنية تضمن عدم نشوب حرب أخرى»، يقول عوفر ميسيكر، وهو عامل اجتماعي في مستوطنات الجولان.

ويضيف ميسيكر أن الاستيطان اليهودي في الجولان أمر مؤقت في نظره: «قد لا يكون رأيي مقبولا في الجولان، ولكن أنا نفسي لم أسكن في هذه المنطقة بهدف العيش مكان لاجئين سوريين مشردين اليوم في سورية. هذه ليست أخلاقي. أنا هنا من أجل وضع حد للاعتداءات السورية على بلدات الشمال. لقد ولدت في كيبوتس (تعاونية) تعرض لقصف يومي من الجيش السوري قبل عام 1967. كانت حياتنا كابوسا رهيبا. فكرهنا سورية وصرنا نرى فيها العدو الأكبر. أنا أذكر أنني قلت لمعلم المدنيات في الثانوية إنني أخاف من السوريين أكثر من النازية. وبعد الحرب تغير الوضع، واليوم يوجد أمان أكثر من أي وقت مضى. وبما أننا نعرف أن الانسحاب هو شرط للسلام، نقول تعالوا ننسحب ولكن بعد توفر شروطنا للسلام».

* وحتى ذلك الحين؟

- حتى ذلك الحين نبني ونعمر في الجولان ونجعلها «فاترينة» جميلة تعبر عن قدرات إسرائيل العالية في الزراعة والصناعة وتحويل الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء.. ونبني البيوت الفاخرة في المستوطنات ونعيش ونتمتع بالحياة وندافع عن حقنا كبشر في هذه الحياة.

* لكن مشروع الاستيطان في الجولان لم ينجح. فالخطة التي وضعها المستوطنون الأوائل تحدثت عن عشرات ألوف المستوطنين، وفي الآونة الأخيرة سمعتكم تتحدثون عن خطة لجلب 100 ألف مستوطن، بينما عدد المستوطنين اليهود في الجولان لم يصل إلى 20 ألفا، رغم خطط الاستيطان الكثيرة والمغريات الكثيرة عبر 43 سنة.

- هذا صحيح. ولكن المسألة ليست مسألة عدد فحسب.

بين المستوطنين 4 عائلات عربية

* من جهتها، تقول لجنة مستوطنات الجولان ردا على السؤال نفسه، إن هناك حملة تقوم بها منذ عشر سنوات لمضاعفة عدد المستوطنين، وإن هناك بوادر نجاح بارزة لهذه الحملة، حيث قدمت 1350 عائلة جديدة خلال الفترة.

وبشكل مفاجئ رفضت الناطقة بلسان اللجنة أن نقول «استيطان يهودي»، وكشفت أن هناك أربع عائلات من مواطني إسرائيل العرب (فلسطينيي 48) تسكن في كتسرين. وقالت إن هذه العائلات اشترت بيوتها في المستوطنة وتتعايش مع الجيران اليهود بشكل ممتاز. وأضافت: «عدة عائلات عربية تجاوبت مع حملتنا، فاستقبلناها أحسن استقبال وتعاملنا معها كما نتعامل مع العائلات اليهودية ونظمنا لها جولة في المستوطنات التي يمكن أن تناسبها وقدمنا لها العروض التي نعرضها على الجميع ولكنها للأسف لم ترجع». ووصلنا إلى إحدى هذه العائلات العربية. وفي البداية رفضت التجاوب. ثم وافقت شرط عدم نشر أسماء. وتبين أن رب كل فرد من هذه العائلات يعمل في الجولان وأنهم بحثوا عن الاستقرار لكي لا يسافروا يوميا من قراهم ومدنهم البعيدة: «أنا شخصيا كدت أموت في حادث طرق خلال سفري من بلدي في مرج ابن عامر إلى الجولان. فقررت البحث عن وسيلة لتقليص سفري اليومي إلى مكان العمل. فوجدت الطريقة الأفضل والأقل تكلفة هي في السكن هنا. فاشتريت بيتا وسكنت».

* وهل أنت مرتاح في السكن؟

- جدا.

* أين يتعلم أولادك؟

- هنا.

* بالعبرية؟

- أجل، ووالدتهم تحرص على تدريسهم اللغة العربية.

* وكيف تعيشون مع الجيران من المستوطنين اليهود؟

- بشكل جيد ومن دون مشكلات تقريبا. المستوطنون اليهود في الجولان مختلفون عن المستوطنين في الضفة الغربية. فهنا لا يوجد متطرفون. ولا تشعر بالعنصرية إلا فيما ندر.

* وهل تتحدثون مع الجيران اليهود حول مستقبل الجولان؟

- بالتأكيد. دائما نتحدث في السياسة. أعتقد أن السلام ممكن هنا أكثر من أي مكان آخر.

* كيف؟

- من دون كيف.

* غدا: أهالي الجولان أحبطوا مخطط إسرائيل لإقامة دولة درزية

========================

وصايا بريمر لنيغرو بونتي

الكاتب سلام الشماع

الاثنين, 13 ديسمبر 2010

جريدة البلاد البحرينية

31/ أغسطس / 2010

في الوصايا والنصائح التي أعطاها (بول بريمر) الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال، إلى (جون نيغرو بونتي) قبيل التحاق ألأخير سفيرا للولايات المتحدة في بغداد في المنطقة الخضراء، تظهر نظرة المحتلين إلى هؤلاء ألعراقيين الذين أختاروهم حيث تتعرى حقيقة نظرة عدم ألأحترام بل وألأحتقار نحوهم.

وحسب ما أوردته الواشنطن بوست والصحف الامريكية الاخرى ان بريمر لم ينسى أن يسدي لزميله الدبلوماسي نيغرو بونتي بعض النصائح ويطلب منه ان يدوّن في مفكرته الشخصية كيفية التعاطي مع هؤلاء الذين أوكلت إليهم واشنطن إدارة العملية السياسية نيابة عنها وذلك بملاحظة الوصايا التالية:

1 إياك ان تثق بأيّ من هؤلاء الذين آويناهم واطعمناهم، نصفهم كذابون، والنصف الاخر لصوص.

2 مخاتلون لا يفصحون عما يريدون ويختبؤون وراء اقنعة مضللة.

3 يتظاهرون بالطيبة واللياقة والبساطة، والورع والتقوى، وهم في الحقيقة على النقيض من ذلك تماما، فالصفات الغالبة هي: الوضاعة والوقاحة وإنعدام الحياء.

4 إحذر أن تغرك قشرة الوداعة الناعمة فتحت جلد هذا الحمل الذي يبدو حميميا وأليفا ستكتشف ذئبا مسعورا، لا يتردد من قضم عظام أمه وأبيه، ووطنه الذي يأويه، وتذكر دائما ان هؤلاء جميعا سواء الذين تهافتوا على الفتات منهم أو الذين التقطناهم من شوارع وطرقات العالم هم من المرتزقة ولاؤهم الاول والأوحد لانفسهم.

5 حاذقون في فن الاحتيال وماكرون كما هي الثعالب لاننا أيضا دربناهم على ان يكونوا مهرجين بألف وجه ووجه.

6 يريدون منا أن لا نرحل عن العراق ويتمنون أن يتواجد جنودنا في كل شارع وحي وزقاق وأن نقيم القواعد العسكرية في كل مدينة وهم مستعدون أن يحولوا قصورهم ومزارعهم التي اغتصبوها إلى ثكنات دائمية لقواتنا، لأنها الضمانة العملية الوحيدة لاستمرارهم على رأس السلطة، وهي الوسيلة المتوفرة لبقائهم على قيد الحياة، لذلك تجد أن هذه الوجوه تمتلئ رعبا ويسكنها الخوف المميت لانها تعيش هاجسا مرضيا هو (فوبيا انسحاب القوات الامريكية) الذي لا ينفك عنها ليلا ونهارا، وقد أصبح التشبث ببقاء قواتنا أحد أبرز محاور السياسة الخارجية لجمهورية المنطقة الخضراء..

7 يجيدون صناعة الكلام المزوق وضروب الثرثرة الجوفاء مما يجعل المتلقي في حيرة من أمره، وهم في الأحوال كلها بلداء وثقلاء، ليس بوسع أحد منهم أن يحقق حضوراً حتى بين أوساط زملائه وأصحابه المقربين.

8 فارغون فكرياً وفاشلون سياسياً لن تجد بين هؤلاء من يمتلك تصوراً مقبولاً عن حل لمشكلة أو بيان رأي يعتد به إلا أن يضع مزاجه الشخصي في المقام الأول تعبيراً مرضياً عن أنانية مفرطة أو حزبية بصرف النظر عن أي اعتبار وطني أوموضوعي.

9 يعلمون علم اليقين بأنهم معزولون عن الشعب لا يحظون بأي تقدير أو اعتبار من المواطنين لأنهم منذ الأيام الأولى التي تولوا فيها السلطة في مجلس الحكم الإنتقالي المؤقت أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من مادة استعمالية وضيعة في سوق المراهنات الشخصية الرخيصة.

10 يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب، لذلك هم شرهون بإفراط تقودهم غرائزية وضيعة، وستجد أن كبيرهم كما صغيرهم دجالون ومنافقون، المعمم الصعلوك والعلماني المتبختر سواء بسواء، وشهيتهم مفتوحة على كل شيء: الاموال العامة والاطيان، وإقتناء القصور، والعربدة المجنونة، يتهالكون على الصغائر والفتات بكل دناءة وامتهان، وعلى الرغم من المحاذير والمخاوف كلها فايإك أن تفرّط بأي منهم لأنهم الأقرب إلى مشروعنا فكراً وسلوكاً، وضمانةً مؤكدة، لإنجاز مهماتنا في المرحلة الراهنة، وإن حاجتنا لخدماتهم طبقا لاستراتيجية الولايات المتحدة، مازالت قائمة وقد تمتد إلى سنوات أخرى قبل أن يحين تاريخ انتهاء صلاحيتهم الافتراضية، بوصفهم (مادة استعمالية مؤقتة) لم يحن وقت رميها أو إهمالها بعد..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ