ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

أسوأ من صِفر... فلسطيني

الخميس, 09 ديسيمبر 2010

زهير قصيباتي

الحياة

لم يكن الرئيس محمود عباس تحت وطأة صدمة حين أبلغه الأميركيون فشلهم في إقناع الإسرائيليين بتجميد الاستيطان لدفع المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وحكومة بنيامين نتانياهو. فالجدار الكبير الذي يرفعه التطرف في الدولة العبرية، لصدّ محاولات جرّها الى تفاوض جدي على الدولة الفلسطينية، لا يسمح برؤية أي أفق لحل، وإن كان لا يحجب حقيقة ان الانقسام بين رام الله – الشريك «الضعيف» في السلام – وغزة المنسية لسلطتها وفقرها، ما زال أقوى أسلحة ذاك التطرف.

والنتيجة صفر لكل الجولات المكوكية التي استنفدت وقتاً طويلاً من جورج ميتشيل، وتلتها ضغوط مباشرة مارستها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، تقتطع من الوقت الفلسطيني أكثر بكثير مما تستنزف من الإسرائيليين، إن كانت تستهلك اصلاً أي مقدار من قدرتهم على الابتزاز. هم بالتأكيد في موقع من يسجل انتصاراً تلو الآخر على «ديموقراطيي» الإدارة الأميركية، بدءاً من تقليص قدرة الرئيس باراك أوباما على التلويح بأي عقاب لفورة الاستيطان اليهودي، وانتهاء بإرغام إدارته على اعتراف علني بأن هذا الملف لم يعد مطروحاً للتفاوض كأولى الأولويات.

ولا جديد في القول إن البداية كانت في صفعة انتخابات الكونغرس، حين بدا صوت اللوبي اليهودي أبرز مقترِع، كما لا اجتهاد في اعتبار تلك التجربة المرّة للديموقراطيين «بروفة» لانتخابات الرئاسة المقبلة في الولايات المتحدة. واليوم إذ يقف أوباما «محاصراً» بين ابتزاز نتانياهو وفضائح «ويكيليكس» التي تنسف ما تبقى من ثقة بين بعض العرب والديبلوماسية «الناعمة» للإدارة الأميركية، لا يملك الفلسطينيون أي حافز للثقة بأن هذه الديبلوماسية تستحق التجريب مرة أخرى. ولكن، ما البديل؟

صحيح أن أوباما يخرج حتى الآن خاسراً من معركة الوعود الكبرى لإحياء المسار الفلسطيني – الإسرائيلي الميت، لكن الفلسطينيين لا يمكنهم توهّم تسجيل نقاط، بالتقاط أدلة على تعنّت حكومة نتانياهو وعدم رغبتها في إيجاد حل يسمى «متوازناً»، أو حتى أدلة على عجز واشنطن عن تحقيق وعودها. هم ما زالوا الخاسر الأكبر، وسيبقون في موقع من يراهن على أوراق واهية، ما دام الانقسام الفلسطيني أمضى الأسلحة المجانية في يد الإسرائيلي... ولعبة ابتزاز الأميركي مفتوحة على انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة عام 2012.

يخطئ الفلسطينيون مجدداً إن علّقوا آمالاً على انتفاض أوباما في وجه ما اعتبروه صفعة إسرائيلية للرئيس الأميركي، وإذ جانَبَ عباس الحقيقة بوصف اعتراف واشنطن بالفشل بأنه «أزمة صعبة» فيما الجميع يدرك عبث التجريب مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، فمآل عودة الولايات المتحدة الى حوار الطرشان في المفاوضات غير المباشرة، نتيجته أسوأ من صفر في رصيد السلطة الفلسطينية.

هي ببساطة هروب الى أمام، محاولة فريق هيلاري كلينتون الترويج لنهج جديد يقدِّم ملفي الحدود والأمن على عقدة الاستيطان، ويرجّح ما يمنح لعبة هدر الوقت الإسرائيلية كل المدى الذي لا يبقي أرضاً للتفاوض.

وبعيداً من مفردات السياسة التي لم يبقَ شيء مستوراً لتلطّفه في عملية السلام الميتة، هل يمكن السلطة أو «حماس» ان تشيح بوجهها عن تساؤل الإسرائيلي بسخرية «أي دولة فلسطينية تلك التي يعترف بها البرازيليون والأرجنتينيون؟» سلام ميت، ودولة يريدها نتانياهو وهماً، فيما «حماس» والسلطة تتباريان في اعتقالات الضفة وغزة، وفي دعاوى التعذيب وسحق حقوق الإنسان.

يتساءل الإسرائيلي متى «يفهم الفلسطيني ما فهمه الأميركي» وأقنعه بإحالة ملف الاستيطان على الرفّ وهو يدرك بالتأكيد ان كل اسلحة الصراع بين السلطة و «حماس» ضرورة لتمديد عمر تحالف المتطرفين في الدولة العبرية. وشتّان بين سلاح التخوين الفلسطيني وتمرين سلطة غزة عضلاتها بحماية الأخلاق العامة في الشارع، وبين سلاح الابتزاز الإسرائيلي لواشنطن بذخيرة «حلف المتشددين» الذي «ترعاه» ايران.

الفارق بين قلق من قنبلة «نووية» إيرانية، وخوف على أخلاق الشارع في غزة الفقراء، هو ذاته يوازي المسافة بين حلم الدولة الفلسطينية وما يفعله بعض الفلسطينيين لوأدها. وأما تلويح عباس بورقة حل السلطة، فلا يشبه إلا استخدام بندقية بلا رصاص، إذ يطلق لإسرائيل معركة التهويد من أوسع أبوابها.

========================

البديل عن فشل المفاوضات

الخميس, 09 ديسيمبر 2010

مصطفى البرغوثي *

الحياة

لم تُشْفِ رزمةُ الإغراءات والمكافآت الاميركية غليل بنيامين نتانياهو وحكومة المستوطنين التي يرأسها، بل يطالب بالمزيد. ومن يوم لآخر، تتكثف النشاطات الاستيطانية في القدس وسائر أرجاء الأراضي المحتلة.

الجاهل، أو المتجاهل، فقط مازال يعوِّل على مفاوضات مع اسرائيل. ذلك أمر مسلَّمٌ به. لكن السؤال الأساسي يبقى قائماً: ما هو البديل الذي سيُعتمد لفشل نهج المفاوضات؟

لقد وَعدت لجنة المتابعة العربية مراراً بأنها ستلجأ الى الخيارات الأخرى، ووعدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأن لديها سبعة خيارات بديلة ستنتقي منها.

فلماذا الانتظار؟ ولماذا ترك زمام المبادرة بيد نتانياهو وحكومته، ومفاوضاته التي لن تنتهي مع الادارة الاميركية – التي تشعر بالضعف والحرج – للوصول الى صيغة ممسوخة اخرى لتجميد مزعوم للاستيطان، لن يكون تجميداً بل غطاءً للتوسع الاستيطاني؟

ألم يَحِنِ الوقت لاختيار البديل؟ وفي ظل استحالة انتزاع قرار من مجلس الامن، أليس البديل الفعلي المتوفر هو الإعلان الفوري عن الدولة الفلسطينية وحدودها على جميع الأراضي المحتلة بما فيها عاصمتها القدس، ومطالبة الجميع بالاعتراف بها، واتخاذ اجراءات فعلية لفرض الامر الواقع على الأرض في مواجهة السياسة الاسرائيلية؟

لقد سبقت البرازيل - مشكورةً - الجميعَ باعترافها بالدولة الفلسطينية وحدودها حتى قبل ان تطلب منظمة التحرير الفلسطينية ذلك، ونأمل في ان تحذو الدول العربية حذو البرازيل وتسارع الى اتخاذ هذه الخطوة.

في المعادلة القائمة حالياً، ليس هناك ما يزعج اسرائيل، بل هي في قمة الارتياح، فالاميركيون ينتظرون اسرائيل، والفلسطينيون ينتظرون الادارة الاميركية، والعرب ينتظرون الفلسطينيين، واوروبا والعالم ينتظر العرب والفلسطينيين، والكل مشغول بالحديث عن بناء مؤسسات الدولة، والكل يعرف ان اسرائيل تحشرها في المجال الامني سياسياً، وتحشرها في مناطق «أ» و «ب» جغرافياً، لتكون الخلاصة ما يسميه نتانياهو سلاماً اقتصادياً وبنياناً على ما لا يزيد عن 30-40% من الضفة الغربية: من دون القدس، ومن دون الأغوار، ومن دون قطاع غزة، ومن دون سيادة، ومن دون مصادر مياه، ومن دون الاجواء والحدود والمجال الكهرومغناطيسي (بدعة نتنياهو الجديدة!).

ان العملية الوحيدة الجارية حقاً على الارض هي تصفية عناصر القضية الفلسطينية وتصفية مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، واستبدالها بحكم ذاتي محدود في «بانتوستان»، وفي اطار تكريس نظام التمييز العنصري الاسرائيلي (الابارتهايد).

وبكلمات أخرى: ما يجري بناؤه، او ما تسمح اسرائيل ببنائه، هو ما اصطلح على تسميته «الدولة ذات الحدود المؤقتة»، وهو اسم مضلِّل، لأن المقصود جعل ذلك الحل دائماً وليس مؤقتاً.

لم تشهد قضية الشعب الفلسطيني في تاريخها ابداً هذا القدر من التآمر ولا هذا القدر من التواطؤ، كما لم تشهد الساحة الفلسطينية من قبل، وذلك من مسببات الحالة التي نعيشها، هذا القدر من التفتت. وكل محاولة لرأب صدع الانقسام الفلسطيني تجابه بضغوط خارجية لا أول لها ولا آخر، وبلاءات وفيتوات لا غرابة فيها، لأن أصحابها هم انفسهم أصحاب المشروع المذكور اعلاه، الذي من أهم مقومات نجاحه ابقاء الفلسطينيين منقسمين، ضعفاء، مشغولين بهموم لقمة العيش عن التفكير بمصيرهم الوطني ومستقبل ابنائهم وبناتهم، ومعرَّضين لعملية كَيٍّ لوعيهم غير مسبوقة، لإشعارهم باليأس والإحباط.

وهذا ليس نمطاً جديداً. رأيناه في أواسط الثمانينات، ورأيناه اواسط التسعينات، قبل ان يبلغ السيل الزبى. لكن هذا كله ليس سوى جزء من الصورة. ولربما كان في اغلبيته من مكونات الصورة الرسمية بمختلف هياكلها وعناصرها. ومقابلها هناك صورة أخرى، شعبية، لشعب متمرس لم تعد تنطلي عليه الاحابيل وان بدا صامتاً عنها.

صورة لعناصر توحُّد غير مسبوقة بين الفلسطينيين اينما كانوا، سواء داخل اراضي 1948، او في الضفة والقدس وغزة، او في الشتات والمهجر. وَحَّدتهم نفس القوة التي عملت على تقسيمهم، بإخضاعهم جميعاً لنظام التمييز العنصري تحت شعار يهودية الدولة.

صورة لنهوض رائع لشباب وشابات فلسطين في مختلف انحاء العالم، بعد ان اجتازوا معاناة اهلهم وتشردهم وفقرهم، وتعلموا، ونضجوا، وأعادوا اعتناق قضيتهم الوطنية. وصورة لحركة عالمية ناهضة متضامنة مع فلسطين وقضيتها العادلة، ومؤمنة بما قاله نيلسون مانديلا: «إن قضية فلسطين هي قضية العدالة الانسانية الأولى في العالم»، حركة بدأ تأثيرها يمتد من الشعوب الى الحكومات، كما رأينا في موقف البرازيل والارجنتين.

صورة لحركة تنهض من القاعدة من بين الشعوب، لتجعل معظم جنرالات اسرائيل وقادتها يخافون السفر الى بلد كبريطانيا، ويخشون محاكم جرائم الحرب التي ستلاحقهم في كل مكان.

صورة لحركة جعلت متطوعين شعبيين يحققون ما عجزت عنه الحكومات والدول بكسر الحصار على غزة.

إنها الصورة نفسها للنضال نفسه الذي حرر جنوب افريقيا من نظام الأبارتهايد، وحرر الهند من الاستعمار، وحرر الاميركيين الافارقة من التمييز العنصري. إسمها إرادة الشعوب، وهي ما سماها غرامشي «تفاؤل الارادة في مواجهة تشاؤم العقل».

المتشائمون هم الذين راهنوا فقط على ما يسمى بالمفاوضات، فلا شيء فيها يبعث على التفاؤل. والمتفائلون هم الذين يراهنون على ارادة الشعوب وتراث شعب لم يكسره قرن من القمع والتآمر وعمليات الاحتيال، والذين يملكون مشروعاً بديلاً عماده المقاومة الشعبية والوحدة الوطنية واستنهاض حملة لفرض العقوبات على اسرائيل.

* الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

========================

تركيا المعاصرة: صراع الكمالية والمواريث

آخر تحديث:الخميس ,09/12/2010

يوسف مكي

الخليج

في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة التركية حراكاً مكثفاً، باتجاه تغيير المعادلة السياسية التي سادت، منذ نهاية الحرب الكونية الأولى، وعبّرت عن نفسها بالانتقال من سلطة السلطان إلى الدولة الدستورية العلمانية التي تكفلت المؤسسة العسكرية برعايتها وحمايتها . لقد مثل التوجه الجديد للسياسة التركية، وبشكل خاص، منذ العدوان “الإسرائيلي” الواسع الأخير على قطاع غزة، انعطافاً قوياً في الموقف التركي، باتجاه تعضيد العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، ومغادرة للتحالف الذي استمر أكثر من خمسة عقود بين تركيا والكيان الصهيوني .

الموضوع الذي يركز عليه هذا الحديث هو أسباب التحول في المزاج السياسي الشعبي، باتجاه العودة إلى الجذور . هل تعني التطورات الأخيرة، محاولة لترميم الكمالية أم أنها بداية نهايتها؟

 

في هذا السياق، نذكر أن تاريخ تركيا المعاصرة يعود إلى عام ،1923 حين أسس مصطفى كمال أتاتورك، الجمهورية . وكان ذلك تتويجاً للانقلاب السياسي الذي قادته حركة الاتحاد والترقي على السلطان عبدالحميد عام 1909 .

 

منذ ذلك الحين، اتجهت تركيا بسياساتها نحو تبني نظام أهم مرتكزاته الفصل بين الدين والدولة، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاحتكام إلى الدستور . وعلى صعيد السياسة الخارجية، اتجهت تركيا نحو إقامة علاقات قوية مع الغرب . ومنحها موقعها دوراً مركزياً أثناء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، كونها تمثل الطرف الأعلى من القوس الذي يطبق على الاتحاد السوفييتي . لكن هذه الأهمية تراجعت إثر سقوط المنظومة الشيوعية .

 

لم تنعم تركيا المعاصرة بالأمن، فقد شهدت عدة انقلابات، وغيرت من أنظمتها السياسية، وعانت من عواصف وأزمات كثيرة . وكان في مقدمة الأزمات التي بقيت ضاغطة، ولاتزال على الأوضاع الداخلية، محاولة انفصال الأكراد المقيمين على امتداد الهضبة الجنوبية عن الدولة التركية . لقد مضى على بروز هذه المسألة قرابة تسعين عاماً، وتسببت في فقدان عشرات الألوف من الضحايا، وأفرغت الخزينة التركية من مدخراتها .

 

وقد أسهمت هذه الأزمة، مع عوامل أخرى، في تردي علاقة تركيا بأوروبا الغربية، وحرمانها من الالتحاق بالسوق الأوروبية المشتركة، والانضمام للاتحاد الأوروبي . لكن تركيا بقيت دائماً عضواً نشطاً في حلف الأطلسي، بزعامة واشنطن .

 

هناك أيضاً، الصراع بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، وقد تسبب في إحداث شروخ كبيرة في العلاقة بين تركيا واليونان، وقد تصاعد الصراع بين البلدين، بعد الاجتياح العسكري التركي لشمالي قبرص، وتهجير سكانه عام 1974 .

 

ورغم انفتاح تركيا على الغرب، فإن المشاعر الدينية، للمجتمع التركي، شهدت اتساعاً كبيراً، خاصة بعد اتخاذ الدول الغربية، مواقف سلبية من تركيا، بعد اجتياح جزيرة قبرص . وبرز ذلك في ردود فعل شعبية غاضبة، على الحصار الذي فرضته الإدارة الأمريكية على العراق، واستخدام قواعد حلف شمال الأطلسي بالأراضي التركية، لمهاجمة العراق . وقد ألهبت الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الفلسطينيين، ومن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، مشاعر الغضب لدى الشعب التركي المسلم، وأسهمت في تصاعد دور الإسلام السياسي ووصوله، إلى الحكم في دورات انتخابية عديدة .

 

كانت أوضح هذه التطورات قد برزت في احتضان تركيا المتكرر لمؤتمر القدس، وعقده على أراضيها . وقد حضر اجتماعاته آلاف الأتراك، وشارك فيه مئات من المثقفين العرب وعدد كبير من مختلف البلدان الإسلامية . وبرز ذلك أيضاً، في الرعاية التركية لقوافل الحرية التي اتجهت إلى قطاع غزة قبل عدة شهور لكسر الحصار المفروض على القطاع، ما أدى إلى تدهور العلاقة بين تركيا و”إسرائيل”، التي بقيت قوية منذ اعترفت تركيا بها عام 1948م .

 

لقد بلغت العلاقة بين تركيا والكيان الصهيوني حد تمكين المقاتلات “الإسرائيلية” من الوصول إلى قواعد تركيا العسكرية، في مختلف المناطق . وقد جرى تجميد هذه الاتفاقية، بعد الهجوم الصهيوني على قوافل الحرية .

 

ماذا تعني هذه التطورات؟ هل هي تراجع عن السياسة التركية، التي ارتبطت ببروز الكمالية؟ أم أننا نمر بحقبة قصيرة متعدية في التاريخ التركي، تعود بعدها تركيا إلى سعيها الحثيث للالتحاق بالقارة الأوروبية؟

 

الإجابة عن هذه الأسئلة تطرح بحدة أسئلة أخرى، لا تقل وجاهة: هل فعلاً حسم الشعب التركي خياراته في السابق، في التوجه إلى الحضارة الغربية، بديلاً عن موروث السلطنة العثمانية، والحداثة بديلاً عن الأصالة؟

 

لعلنا نجادل في هذا السياق، أن نداءات العصرنة، بقيت مقتصرة في الأغلب على البناء الفوقي للدولة التركية، ولم تتعمم أفقياً لتشمل الطبقة الوسطى، حيث النخب الثقافية، المأخوذة بسحر الشرق، ومواريثه الفكرية والدينية . إنها لم تشمل أيضاً، قاع المجتمع حيث الأغلبية العظمى من شعب تركيا، تلتزم الدين الإسلامي الحنيف، عقيدة وأسلوب حياة .

 

لقد أدى ذلك إلى حالة ارتباك مستمرة، بين ما يتطلع إليه البناء الفوقي، من توجه نحو العصرنة، والبعد عن ثقافة الإسلام، واستبدال اللاتينية بالحروف العربية، وبين ما تلتزم به القواعد العريضة من شعب تركيا، تجاه الموروث الأصيل للإسلام . وربما لا نتجاوز الواقع حين نستنتج أن ما شهدته تركيا المعاصرة من توترات وعدم استقرار، وانقلابات عسكرية متكررة، وسقوط حكومات وبروز أخرى، وحل البرلمان، وتعليق للدستور، مرده الخلل في معادلة العصرنة والأصالة .

 

وقد رأينا ذلك يعبر عن ذاته، في اقتراب بعض الحكومات التركية من الدول العربية والإسلامية وابتعاد أخرى، عن ذلك، وتبنّيها لسياسات تجعلها تلتصق أكثر فأكثر بالغرب وبالكيان الصهيوني . هذه المراوحة هي تعبير عن صراع داخلي تركي بين النزعتين . وكانت المعادلة ولا تزال كما يلي: عندما يتمكن الكماليون من الوصول للسلطة، تبتعد تركيا عن محيطها العربي والإسلامي، وتتصاعد وتيرة العمل على الارتباط السياسي والجغرافي بالقارة الأوروبية . والعكس صحيح، فعندما يفشل الكماليون في الوصول للحكم، تقترب تركيا أكثر فأكثر من عمقها الديني والثقافي، وتكون أكثر ارتباطاً بالجنوب والشرق .

 

ذلك لا يعني أن الحكومات التركية، غير الكمالية، لم تكن حريصة على استمرار علاقتها بحلف الأطلسي، أو أنها ترفض وجود قواعد عسكرية أمريكية فوق أراضيها . لقد كانت تلك العلاقات، خلال الحرب الباردة، صمام أمان لحمايتها من احتمالات التدخل السوفييتي . على أن ذلك لم يكن وحده السبب في حرص الحكومات التركية المتعاقبة على استمرار علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية وبأوروبا الغربية .

 

إن الحكومات التركية، على اختلاف توجهاتها السياسية، تدرك حجم التحديات التي تواجهها في الداخل، وفي محيطها الإقليمي . فهناك الأزمة الكردية، والأزمات الاقتصادية المستعصية . وهناك أيضاً اتهامات بخروقات مستمرة لحقوق الإنسان، واضطهاد للأقليات القومية والدينية . وكانت التقارير تنشر من وقت لآخر، من منظمات حقوقية مختلفة، مشيرة بأصابع الاتهام للحكومات التركية، وبشكل خاص ما يتعلق بموضوع معاملة السجناء السياسيين، وفي المقدمة منهم أعضاء الحزب الوطني الكردستاني، الذي يطالب بالانفصال، وإقامة دولة كردية .

 

وعلى الصعيد الإقليمي، أخذت الأزمة التاريخية بين الأرمن والأتراك، كثيراً من سمعة تركيا، فقد استمر الأرمن في توجيه اتهامات صريحة لها، بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وعمليات إبادة وتهجير بحقهم . وصدرت عشرات الأفلام السينمائية والروايات والكتب التي تحكي قصة الإبادة . وشكلت القضية، حاجزاً نفسياً يحول دون تجاوز واقع الكراهية بين الشعبين الجارين . وهناك الصراع مع اليونان حول قضية قبرص، حيث يتقاسمون العيش في تلك الجزيرة، ويرى الأتراك في وجودهم بالجزيرة القبرصية عمقاً استراتيجياً مضافاً، ليسوا مستعدين للتخلي عنه . ولذلك دخلوا في حروب ومواجهات إلى جانب القبارصة الأتراك . وتعرضت علاقاتهم مع اليونان لتوترات وصدامات متكررة، بسبب من هذه الأزمة .

ما هي انعكاسات هذه الأحداث على التطورات الأخيرة بالمسرح السياسي التركي؟ سؤال سيكون محور مناقشتنا في الحديث المقبل بإذن الله تعالى .

========================

أوباما وبولتون والحل الأمريكي

آخر تحديث:الخميس ,09/12/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد استوعب جيداً درس انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب)، وحكام الولايات التي جاءت بمثابة هزيمة كبرى للحزب الديمقراطي لصالح الحزب الجمهوري المنافس، وإشارة شديدة السلبية لفرص الرئيس أوباما للتجديد لفترة رئاسية ثانية، بدأ التنافس الشديد حولها من الآن .

 

أهم هذه الدروس بالطبع هو درس الانحياز المطلق للكيان الصهيوني، وأن أي محاولة للإنصاف أو لدعوة السلام مرفوضة، إن لم تكن “إسرائيلية” . فالإنصاف والانحياز يجب أن يكون بالمطلق ل “إسرائيل”، أما السلام فيجب أن يكون سلاماً “إسرائيلياً”، أي سلاماً يحقق أهداف ومصالح الدولة الصهيونية التي بدأت تتركز الآن في تحويل الكيان إلى دولة يهودية، بما يعنيه ذلك من التوسع الاستيطاني والتهويد لكل فلسطين كهدف، أو لأوسع وأهم المناطق في الضفة الغربية (تكتيكياً)، وتفريغ “إسرائيل” من أهلها العرب، وضم القدس وإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى شرط الأمن في العلاقة مع دول الجوار وفي ترتيب العلاقة مع الفلسطينيين .

 

هذا الدرس من المؤكد أن أوباما استوعبه، فالشواهد أمامه تؤكد ذلك، فالجمهوريون فازوا في الانتخابات الأخيرة بشعارات التنديد بسياسة أوباما نحو “إسرائيل”، وبمواقفه الليّنة وغير الحاسمة مع إيران، والذين فازوا بالمقاعد والرئاسات في مجلس الكونغرس ولجانه الأساسية هم صقور المحافظين الجدد، وأصدقاء “إسرائيل” المقربون .

 

الآن وبعد انتخابات التجديد النصفي، أصبح جون بانير رئيساً لمجلس النواب، وأصبح إريك كانتور زعيماً للأغلبية الجمهورية الجديدة في المجلس، وهما من خلال هذين الموقعين أصبح في مقدورهما التحكم بدرجة كبيرة، واعتماداً على الأغلبية الجمهورية، في توجيه جلسات المجلس وجدول أعماله، ومشروعات القوانين، ما يعني أن توجهات الكونغرس ستكون في الاتجاه الذي يخدم “إسرائيل”، وأن الرئيس أوباما سيجد نفسه أمام أحد خيارين، إما المزايدة على ولاء أغلبية الكونغرس ل “إسرائيل”، والانقلاب على نفسه وعلى سياساته، وبالذات إزاء موضوع “حل الدولتين” ورفضه للتوسع الاستيطاني، والبدء في نهج سياسة أكثر انحيازاً ودعماً ل “إسرائيل” لإنجاح مشروعاته داخل الكونغرس، وتصحيح أجواء الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو انتخابات الكونغرس بعد عامين من الآن، أو أن يدفع أثماناً فادحة لسياسة التردد في مجاراة أجواء الانحياز ل “إسرائيل”، ويخسر فرصة تجديد رئاسته لدورة أخرى ثانية، ويدفع حزبه الديمقراطي إلى خسارة جديدة بعد عامين . بولتون يدخل الآن منافساً مبكراً للرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد أعلن عزمه على ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عن الحزب الجمهوري، وفي أول إطلالته بادر إلى إعلان خطة هجومية قادرة على “تقزيم” سياسات الرئيس أوباما، وبالذات في الملفين الرئيسيين بالنسبة له: الملف الفلسطيني والملف الإيراني، فقد حرص على أن ينعى “حل الدولتين” الذي يتبناه الرئيس أوباما كحل أمثل لما يسمى الآن ب “النزاع الفلسطيني “الإسرائيلي”” (المصطلح الذي أصبح بديلاً للصراع العربي الصهيوني) وطرح بديلاً له هو “حل الدول الثلاث”، واعتبر في حديث مع صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية، أن “النموذج الكامل لحل الدولتين فشل، فليس هناك أي أحد من الجانب الفلسطيني يمكن الثقة به، وبأنه سيقدم الالتزامات الضرورية لتحقيق السلام، أو سيتمكن من تحقيقه مستقبلاً” .

 

أوباما يجد نفسه الآن في موقف شديد الضعف، وحتماً لن يفرط في فرص نجاحه في الانتخابات القادمة، ومن ثم فإن الأرجح أنه سيتحول إلى الاتجاه الآخر، أي تسويق مواقفه الخاصة برفض سياسة الاستيطان، والتلكؤ في السير قدماً في خيار حل الدولتين، وهذا يعني أن الدعم الأمريكي للمفاوضات سيجري تجميده، أي أن الاستيطان سينطلق والمفاوضات هي التي ستتجمد، ولقد ظهرت مؤشرات ذلك في ما كشفه مسؤول فلسطيني بأن الإدارة الأمريكية أبلغت السلطة الفلسطينية بفشل جهودها لدى “إسرائيل” لتجميد الاستيطان، كما ظهرت في تعليق فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على مقال جرى سحبه سريعاً من موقع وزارة إعلام السلطة بعد ضغوط أمريكية، كان يؤكد إسلامية حائط البراق، ورفض العلاقة المزعومة لليهودية . فعلى الرغم من سحب هذا المقال فقد أدان كراولي هذا المقال، ورفضه رفضاً تاماً، واعتبره استفزازياً جداً، ولا يراعي الحساسيات، واعتبر الحديث عن “إسلامية حائط البراق” شكلاً من أشكال نزع الشرعية عن “إسرائيل” .

إدارة أوباما تنقلب على نفسها، والفلسطينيون والعرب مازالوا في انتظار الحل الأمريكي الذي ربما لا يكون إلا جون بولتون .

========================

إيران والعرب واختصار المسافات

بقلم :د. عمر عبدالعزيز

البيان

9-12-2010

احتمال أن تتحول إيران إلى دولة نووية، مقرون واقعياً بكونها دولة إسلامية متشاطئة مع العرب في دول الخليج العربي، ومتواشجة مع الجغرافيا التاريخية والدينية للجزيرة العربية والعالم العربي بكامله، الأمر الذي يعكس البُعدين معاً.

فإيران النووية احتمالاً هي إيران خليجية بامتياز، وهذا يعني أن ما يجري في إيران ينعكس على دول مجلس التعاون والجزيرة العربية، اليوم وغداً وبعد غد.

والانعكاسات المحتملة تقاس بترمومتر التوتر في العلاقات بين إيران والإدارة الأميركية الراهنة، التي تلهث وراء حرق المراحل قبل الزوال المحتمل لعرّابيها المتصهينين في الانتخابات الرئاسية القادمة.

وفي المقابل، لا تُخفي طهران نواياها المتعلقة بالإقليم الجغرافي المجاور، إذا ما شنّت الولايات المتحدة حرباً «نارية» على إيران، فقد صرّحت القيادات الإيرانية أكثر من مرة.

بأن دائرة الحرب لن تقف عند تخوم الحدود الإيرانية، وأن حركة التجارة الدولية عبر مضيق هرمز ستكون عرضة للتوقف، فيما تصبح آبار النفط العربية في الضفة الأخرى من الخليج مساحة إضافية لتدوير معادلة الحرب.

ما زال ماراثون الكر والفر على عهده بين الإدارة الأميركية وطهران، فبالقدر الذي تزايدت فيه الضغوط الدبلوماسية الأميركية على إيران، سارعت إيران في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل لتصل إلى «منزلة بين المنزلتين»، بل إن الأمر قد بلغ خواتمه، عطفاً على تصريحات إسرائيلية تقول بأن في وسع إيران إنتاج قنبلة نووية في القريب العاجل.

لقد قطعت إيران شوطاً في الإنتاج النووي الإيراني لأغراض سلمية، وبالتالي فإن اختصار المسافة الزمنية بين الإنتاج السلمي والحربي ستصبح من باب تحصيل الحاصل، فإيران تتوفّر الآن على ثلاث منشآت نووية عملاقة.

وتنجز المزيد والمزيد من التقدم التقني على درب التخصيب وإنتاج الماء الثقيل، وتشارف عملياً على اختصار المسافة بين الجنة والنار! بين فوائد الإنتاج النووي السلمي، والنيران الحارقة المميتة للإنتاج النووي الحربي.

هذه الحقيقة الموضوعية التي ترتعب منها إسرائيل، وضعت إدارتي البيت الأبيض وتل أبيب في مأزق حقيقي، فيما بادر حكماء أوروبا الغربية إلى تقديم النصائح العملية لليمين الأميركي المتفلّت، والذي ما زال مؤثراً في السياسة الخارجية الأميركية.

 

قبل مدة صرح رئيس الوزراء الايطالي (السابق) «رومانو برودي»، ناصحاً الإدارة الأميركية بالبحث عن طريق آخر لمعالجة المشكلة النووية مع إيران، وهكذا فعل وزير الخارجية الفرنسي حينها، مستبعدين معاً خيار الحرب ومعتبرين أنه أسوأ الخيارات وأكثرها مدعاة للقلق.

 

يمكن قراءة المشهد النووي سلماً وحرباً، عطفاً على ما يجري الآن في إيران، فعلى المستوى الداخلي الإيراني، وبالترافق مع صعود مجد السلطة الدينية وتقلّص الفارق الزمني والسياسي بينها والسلطة السياسية، نتيجة تعمْلق الرئيس احمدي نجاد وتعزيز مواقع «الملالي» في البرلمان والأجهزة التنفيذية، فإن خيار التراجع الإيراني أصبح أبعد من أي وقت مضى.

 

ولعل تطورات ما بعد حربي العراق وأفغانستان، وضعت الترمومتر السياسي الإيراني في محرقة المشاهدة الحزينة لمصائر الحربين وخسارات طهران المؤكدة.

 

فالإدارة الأميركية لم تكافئ إيران على سكوتها المقرون برغبة دفينة في تصفية الحسابات مع بعث العراق وراديكاليي طالبان، بل باشرت إثر الحربين هجوماً مُنسقاً، وبرنامجاً عملياً لمحاصرة إيران سياسياً، وهو الأمر الذي كانت نتيجته المباشرة تقوية التيار الأكثر تشدداً في طهران.

 

ومن سخريات القدر أن الإدارة الأميركية لم تُفلح في تقليص نفوذ الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، بل عجّلت بمقدمات فتوته وتعملقه، ابتداءً من إيران وحتى حركة «المحاكم الشرعية» في الصومال.

 

كما أن استمرار التعنّت الأميركي ضد الأنظمة العربية، عزّز من مواقع الإسلام السياسي استناداً إلى كماشتي القهر الخارجي والداخلي التي تعيشها شعوب المنطقة العربية.

 

القهر المقرون بالتماهي المطلق بين أميركا وإسرائيل وما يستتبعه من ظلم يومي فادح في حق الفلسطينيين العرب، والقهر المقرون باستبداد بعض الأنظمة العربية وتفرغها للاشتغال على شعوبها، محاصرةً وفقراً.. ترغيباً وترهيباً.

 

مرة أخرى واستطراداً على المقدمة؛ فإن إيران النووية المحتملة ستكون خليجية واقعياً، وبالتالي فإننا أقرب الناس إلى النيران الحامية لأي صدام قادم في المنطقة.

 

وعلى المراقب العربي أن يضع في حسبانه هذا المؤشر الخطير، وأن نعمل سويّة على محاربة ثقافة الحرب المستعرة التي تتبنّاها أميركا خدمة لثقافة نشر الخوف المرضي«الفوبيا» لليهودية المدمرة.

 

ولقد آن الأوان لأن تنتهي «القطيعة الناعمة» غير المبررة بين طهران والعواصم العربية، بحثاً عن تشارك في الرؤية، وإقراراً بأن مصيرنا المشترك أهم من كل التفاصيل الصغيرة الأخرى.

========================

إلى متى يبقى العراق في نفق مظلم؟

بقلم :سيار الجميل

البيان

9-12-2010

بعد مرور قرابة ثمانية أشهر على الانتخابات العامة في العراق، صادف العراقيون خلالها صراعات سياسية داخلية وإعلامية وفكرية بين قوى مختلفة النزعات والاتجاهات، وحدثت خلالها أعمال عنف وإرهاب وقتل ضمن عجلة دائرة منذ العام ,2003.

 

اتفقت القوى السياسية التي فازت على الرئاسات الثلاث للبرلمان والجمهورية والوزراء، ضمن نفق صعب ومرهق جدا، ولم يخرجوا منه حتى الآن، إذ يبحثون اليوم عن كيفية تشكيل وزارة محاصصة بين القوى نفسها.

 

وهم يعانون من مشكلة قلة حقائب ومناصب عليا، أمام جحفل من طالبيها تحت غطاء الحق الانتخابي، علما بأن لا شيء جديدا سيحدث، بدليل وجود القوى السياسية نفسها على الساحة، ومنها ما هو ملطخ بدماء العراقيين من خلال مليشياته!

 

ومنها ما هو متهم بالفساد ونهب المال العام! ومنها ما هو غارق حتى أذنيه في التخلف والتكلس! ومنها ما كان ولم يزل يسعى لتمزيق العراق وقهر وحدته الوطنية! وكلها أدوات جاهزة لإرادة احتلال هذا أو نفوذ ذاك..

 

ويعتقد الناس أن الانتخابات كانت مجرد غطاء لا أكثر ولا اقل، لعملية إبقاء السلطة في أيدي جماعات وقوى معينة، مع كل ما فعلته من التفافات وخروقات ومناكفات ومساومات..

 

ولم تزل حتى اليوم تمارس أساليبها نفسها، لتشكيل حكومة كتلك التي شكلتها قبل قرابة خمس سنوات، وقد رأينا ما الذي فعلته بالعراق، والعراق يتراجع من سيئ إلى أسوأ، أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا..

 

وستبقى المشكلات على حالها، بل ستتفاقم مخاطرها كثيرا في ظل عدم الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها، أو محاسبة كل الذين قصّروا في أداء مهامهم وأساؤوا كثيرا للمال العام والمؤسسات والخدمات.. ناهيكم عن ميليشيات مسلحة لقوى سياسية تعبث بالمجتمع.

 

لقد انهزم التيار المدني بجماعاته وقواه، أمام التيار الديني بأحزابه وتكتلاته.. وبالرغم من أضحوكة الشراكة التي ينادون بها، فان العراق سيحكمه شخص واحد لا أكثر! والسياسة ستبقى على حالها، إن لم تتراجع إلى الوراء في ظل صراعات القوى والأحزاب على المصالح والسلطة والنفوذ..

 

سيبقى العراقيون يعانون الأمرّين من انسحاق الخدمات وانعدام الكهرباء، والبطالة المكشوفة والمقنعة..

 

سيبقى التلاعب بأموال العراق مفضوحا من دون حسيب ولا رقيب.. سيبقى الفقر مدقعا عند ثلاثين في المائة من أبناء العراق.. سيبقى العراقيون يأكلون مستورداتهم، ولم أجدهم يزرعون وينتجون ويصنعون ويبدعون!

 

ستبقى مشكلات النفط تدور من كل الأطراف، بل وستزداد ضراوة بين الفرقاء في كل من المركز والإقليم. سيبقى الدستور كسيحا من دون إصلاح، كما وُعدت الجماهير بذلك، وكما اقر في نهاية!

 

ستبقى المعضلات السياسية معبرّا عنها مذهبيا وطائفيا وقوميا ودينيا، ما دامت التشكيلة الحكومية ستمثلها نفس القوى ضمن أجنداتها المتصارعة! ستبقى العلاقات مع دول الجوار متذبذبة، ما دامت المؤسسة السياسية في العراق مشلولة في تحديد علاقاتها على أسس وطنية للصالح العام، ورهينة لتوجهات هذا الحزب او تلك الكتلة والجماعة!

 

سيبقى الإرهاب مستمرا، ما دام هناك انعدام في الشفافية، وانعدام لكشف الحقائق، والتعمية عليها مع بقاء الحواضن الدسمة لتغذيتها، وانتشار السلاح والتجاوز على القانون والنظام في البلاد! ستبقى الثروات ضائعة، والنهب مستمرا وعلى أعلى المستويات، ما دام اغلب المسؤولين العراقيين قد جعلوا المال العام مباحا ومن دون أي محاسبة، ولا مساءلة، ولا تحقيق، ولا عقاب..

 

وسيتدهور وضع البيئة أكثر مما هو عليه الحال اليوم، وستغدو بغداد ومدن العراق الأخرى أكثر بدائية! سينشغل كل القادة والمسؤولين بقضايا تافهة ومستجدة، من دون تنفيذ أي قوانين ينبغي أن تشرّع سريعا، وسينشغل المجتمع برمته بتلك التفاهات التي تمتص طاقة العراقيين، وتسحق قدراتهم وآمالهم ببناء العراق وتطويره.

 

إن تشكيل الحكومة كلها على أسس محاصصات طائفية وعرقية، وضمن إرادات خارجية وأجندات إقليمية، سيقود العراق للبقاء في النفق المظلم، بعيدا عن أي فرصة للخلاص!

 

إن العراقيين المعارضين سوف لن يفعلوا شيئا إزاء ما يحدث، ولكن عليهم أن يسجلوا موقفهم المضاد، خصوصا وأنني مقتنع تماما أن ثلاثين سنة قادمة سيعيش العراق خلالها بمصاعب كبيرة، وسيمر بمحن تاريخية، ومن المحتمل أن تنمو استراتيجية وطنية من نوع جديد كي تتطور على حساب تآكل كل القوى الحاكمة والمتنفذة اليوم.

 

إن الشعور بالتمدن والحاجة إلى بدائل للوضع الراهن، موجودة اليوم ولدى ملايين العراقيين، ولكن إرادة العراق مرتهنة ومقبوض عليها.. وعلى العراقيين العمل على فك ذاك الارتهان، لتحرير الإرادة وتأسيس جديد لاستراتيجية وطنية ومستقبلية.

 

يبشر للوعي بها في كل العالم، شريطة أن تكون ضد الإرهاب وضد كل أنواع الجريمة المنظمة والمافيات والمليشيات والجيوش والجماعات المسلحة.. الخ، وأن لا يخترقها أحد ممّن يحكمون اليوم، كون العراق لا يمكن أن يعيش إلا مدنيا وحرا ومستقلا، بعد نصف قرن من البشاعات، وحتى يستطيع أن يتنفّس وحده ويستعيد دوره الحضاري بين الأمم.

 

إن المعارضة السياسية والإيديولوجية ينبغي أن تنطلق باستقلاليتها الوطنية، ليس فقط للعمل ضد النخبة الحاكمة اليوم، بل لنشر الوعي، وتنظيم العمل.. فالعراق بحاجة إلى معارضة وطنية حقيقية، تكشف كل المثالب، وتقّيم كل الأخطاء، وتطالب بالمزيد من حقوق العراقيين.

 

إن النخبة العراقية الحاكمة اليوم، لا تريد أبدا أية معارضة ضدها، إذ إنها تبغي ارتهان الجميع لما تسمّيه ب «الشراكة الوطنية»، وهو مشروع مضحك، إذ لا يمكن أبدا السكوت على ما يجري في العراق، من دون حساب أو عقاب!

مؤرخ عراقي

========================

خواطر وأفكار ومراجعات... على بعد 5 اعوام منك

بعض حلفاء الأمس... وبعض الخصوم

غسان حجار

النهار

9-12-2010

على بعد خمسة اعوام منك، من استشهادك، لا بد من وقفة مراجعة، وهي ضرورية لماضي الايام. أين نحن منك اليوم؟ اين رفاقك؟ اين نهارك؟ هل انت حي فينا كما تقول الشعارات؟ ومن نحن؟ هل متّ فعلا؟

مراجعة حاولت التوقف عندها في الأمسيات تحضيراً لهذه المقالة، لكنني كنت كمن يهرب الى الامام، كل ليلة، حتى دهمني الوقت، فوجدتني أكبُّ على الكتابة، بألم، بحسرة، وبقسوة.

يذهلني اصدقاء لك وبعض حلفاء في ما سمي آنذاك "لقاء قرنة شهوان" الذي بذلت الكثير من اجل نجاحه، صرتَ لهم "بطاقة". يقصدنا هؤلاء الى ذكراك اذا تسلموا بطاقة دعوة الى القداس، وقد يجدون عذرا اذا ضاعت الدعوة في الطريق.

قال احدهم انه وفيٌ لك ولذكراك، لكنه في العام الماضي لم يتلقّ الدعوة التي كنتُ شخصياً تأكدت من بلوغها مكتبه. وقال انه وفيّ لنهارك، لكنه لم يعلم بموعد القداس المنشور في شكل اعلان يومي في "النهار". ربما تمنعه شدة العاطفة من مشاهدة صورتك على الصفحة الاولى في "النهار"، فيلجأ الى صحيفة اخرى لزيادة معلوماته وثقافته العامة.

انت تراهم من فوق بالتأكيد وتأسف لحال البعض، او لحالنا معهم، لا تحزن، فنحن اعتدنا الأمر، ولم نعد نأسف، من يأتي الينا، فأهلا وسهلا به، ومن اختار طريقاً أخرى فهذا ش أنه. كثيرون يخافون النظر الينا من بعدك، لأنهم كمن ينظر الى المرآة التي تعرّيهم.

هذه حال بعض الحلفاء، ماذا عن الخصوم؟ ربما يريد عدد منهم طي صفحة الماضي، او ربما مسايرة "النهار" لنشر اخباره وتصريحاته، التافهة غالباً، فيصير يروي امامنا كيف ان علاقة شخصية جمعته بك، قوامها الود والاحترام، والتواصل الدائم حتى في الأيام الصعبة، وان الاختلاف السياسي لم يفسد الود، ثم يبدأ بتذكر ايام خلت، كنتم فيها معاً في رحلة صيد داخلية، او حتى في خارج البلاد، ويبدأ في تعداد الشهود، الاموات طبعا، او المهاجرين ربما من غير رجعة الى البلاد.

حال من النفاق السائد في مجتمع لن يلاقي حتماً الا التدمير الذاتي. يحاولون التذاكي علينا، يظنون اننا لا نعلم، ويعتبرون صمتنا تأكيداً لصدقيتهم. وقد مضيت في الحديث مع احدهم فقلت له "هذه الواقعة اخبرني اياها الاستاذ" فأجاب "اتأكدت كم كان يحبني". وكانت عبارة الاستاذ جبران تجول في خاطري عندما قال لي ذات مرة "اتصل بي هذا الكذاب يريد ان يحرضني على موقف فيه مصلحة له".

ما قبل وما بعد

 

قال النائب عن زحلة آنذاك سليم عون بعد اغتيال جبران، الآتي: "استهدفوك لإخفاء صوتك. وسنكون صوتك من الآن فصاعداً ونحن لا ننسى موقفك الى جانبنا منذ عام 1982، انت شهيد التيار الوطني الحر والقضية التي ناضل لها التيار".

قد لا يحتاج كلام "الصديق" سليم عون الى تعليق، لأن واقع الايام التالية اثبت بالفعل ما جاء مناقضا لكل الاقوال. هي الافعال تثبت الكلام او تنفيه.

لم اختر كلام سليم عون لإدانته، او لإدانة "التيار" الذي ينتمي اليه، لكني كنت دائما في حال تساؤل عما قبل وما بعد، وللاستفسار عن القضايا، تلك القضايا التي ناضل "لبنانيون" في "التيار" وخارجه من اجلها. هل تدوم؟ هل تتبدل الاولويات؟ هل تتغير التحالفات؟ ماذا يبقى من الاقوال؟ من المواقف؟ المناهضة والمؤيدة؟ ماذا بعد؟

قال وليد جنبلاط في عام 2005 "الاحرار في لبنان كثر، غالبية اللبنانيين أحرار، كل لبنان حر، ولن نسمح ولن يمر هذا النظام الارهابي مهما يكن الثمن. رحمة الله على جبران، ستبقى "النهار" منارة الحرية".

هذا ما كان... ولا نعلم الآتي.

"صوت لبنان" تذكرتك... فهل تذكرها؟

 

امس الاربعاء تحدثنا عنك عبر اذاعة "صوت لبنان" التي أحببت وتابعت ودعمت، قبل ان تتحول الاذاعة "صوتين" للبنان، انقسمت بين المبنى العتيق في الاشرفية، والمبنى الجديد في ضبية. وما أظنك كنت ترضى بواقع الحال، وكنت سعيت وسيطاً لعدم الوصول الى هنا.

امس، تحدث عنك رفاق كثر عبر "صوت لبنان" (93,3) وقدمت البرنامج مريم العلية، ومما قالت: في 12/12/2005 صباح ذاك الاثنين استهدفت ايادي الارهاب شيخ الشباب والصحافة وصوت الحق في البرلمان اللبناني النائب الشاب جبران تويني.

البعض يكتب عنه التاريخ والبعض الآخر يكتب التاريخ ويخط بالدم آفاق المستقبل.

مع جبران كان للصحافة اللبنانية طعم مختلف. قلم جبران كل خميس ما زلت انتظره. لا اصدق انه لن يكون مرة جديدة معنا في ستوديو "صوت لبنان" صديقاً محباً للجميع يسلم علينا ويطمئن على كل واحد منا قبل ان يدخل الى البث المباشر.

حبر جبران لم يجف، فما زلت انتظر منه الكثير وانا لست حالمة. اعذروني لأني حتى الساعة لم اصدق انه رحل.

كان جبران يعرف انه مستهدف وظلت مواقفه هي هي. جبران الذي عاد الى لبنان ليل الاحد الاثنين 11/12/2005 شكّل صيداً ثميناً للمجرمين، فصدموا اللبنانيين بانفجار رهيب زلزل العقول، خصوصاً لدى الشباب والاعلاميين الذين عرفوا جبران وأحبوه".

المخفيون قسراً والسجناء والأسرى

 

مقالك الاخير الذي كتبته في نهارك بتاريخ 8 كانون الاول عام 2005، اي قبل اغتيالك بأربعة ايام، حمل عنوان "نعم... المقابر الجماعية جريمة ضد الانسانية". ويرتبط هذا الملف بقضية المفقودين والمخفيين قسرا والاسرى ومنهم كثر في السجون السورية، كتبت الكثير عن المتبقين احياء، رغم مطالبتك باعتبار المقابر الجماعية "جريمة في حق الانسانية وتستدعي تحركاً دولياً فورياً وتحقيقاً موسعاً ومحكمة ومحاكمة دوليتين، بمعزل عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما سيؤدي اليه التحقيق في ما اعتبره المجتمع الدولي عملاً ارهابياً".

اكرر انك كتبت الكثير عن المخفيين قسراً، وتضامنت مع الامهات المعتصمات في حديقة جبران خليل جبران، على مقربة من ساحة رياض الصلح، زرتهن وزرنك مرات، ووعدتهن بالمتابعة.

سقطت انت، وسقطت امهات من شدة الألم، والتعب والفراق. صارت النسوة يتقبلن التعازي في فضاء تلك الحديقة. زارهم سياسيون، لم يثقن بهم، كانوا يتصلون بنا دوماً، حتى تأكدن انك لم تعد موجوداً، حاولنا ان نسد الفراغ، لكنه كان كبيرا.

ألّفت الدولة لجنة اولى وثانية وثالثة، درست الملفات، اتصلت بدمشق، اثارت الموضوع، ثم بدأ تطبيع العلاقات مع سوريا. العماد ميشال عون كان سبّاقاً، ثم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المشتاق الى قصره الدمشقي، واخيراً رئيس الحكومة سعد الحريري... سلكوا طريق الشام، لكن احداً منهم لم يحمل الملف تحت ابطه، احداً لم يجعله قضيته. فهمت الامهات الرسالة، تفرقن مجدداً، او بالاحرى اخلين المكان، لكنهن ما زلن يأملن في جولة جديدة تقودهن الى الحقيقة... ولكن في الوقت عينه يتطلعن الى جبران جديد، فأين يجدنه؟

========================

عدوانية (ويكيليكس).. ومثالية أوباما

جونا جولدبورج

 (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

«إم. سي. تي. إنترناشيونال»

الرأي الاردنية

9-12-2010

مازالت واشنطن تترنح تحت وقع التسريبات الأخيرة لموقع ويكيليكس الفضائحي والوثائق الكثيرة التي كشف عنها، وفي هذا السياق يصر خبراء السياسة الخارجية بأن الوثائق لم تحمل أي جديد كما لم تكشف أي مفاجآت غير معروفة. فحسب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية «كل ما اطلعنا عليه من التسريبات، يؤكد معرفتنا السابقة أكثر مما يخبرنا بالجديد».

وفي النهاية فإن ما تؤكده تلك الوثائق المسربة هو حالة التخبط التي تعيشها سياسة أوباما الخارجية، وحتى لو كنا من مؤيدي تلك السياسة والجهود التي تبذلها في هذا المجال، لابد من الاعتراف بأن ما كُشف عنه يفوق ما يراد التخفيف من شأنه على اعتبار أن لا جدة فيه، إذ البون شاسع بين الاعتقاد بوجود شيء بصفة عامة وبين نفي كل شك يحيط وجوده، بل الدخول في تفاصيل مثيرة تكشف العديد من الأمور المحرجة والحساسة كما فعل موقع ويكيليكس.

فكلنا مثلاً نعرف أن الدول العربية قلقة من القنبلة الإيرانية، لكن الأمر يختلف عندما نعرف من خلال الوثائق عربا طالبوا الولايات المتحدة بمهاجمة إيران.

وفي جميع أنحاء العالم يسود اعتقاد لدى الزعماء والدبلوماسيين والشخصيات المهمة، بأنهم خُدعوا وكُشفت أسرارهم، لاسيما بعدما تبين من خلال الوثائق أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، وجهت تعليماتها إلى الدبلوماسيين الأميركيين في مختلف مواقعهم، بالتجسس على الأمم المتحدة ورصد تحركات ممثلي الدول، بل وأخذ أرقام بطاقاتهم الائتمانية.

ولحسن حظ إدارة أوباما فإن حجم الوثائق المسربة كان كبيراً للغاية بحيث لن يكون في وسعها إذكاء النقاش المتأني خلافاً للحال فيما لو كانت الوثائق قد سُربت تدريجياً وعلى مراحل تسمح بالتمعن في مضمون كل منها على حدة ومنحها ما تستحق من تغطية. لكن ربع مليون وثيقة منشورة في وقت واحد، تصعب مناقشتها جميعاً.

ومع ذلك لا يمكن الاستناد إلى عنصر غياب المفاجأة في المعلومات التي حملتها الوثائق للتخفيف من وطأة الفضيحة، أو تبرير ما قام به صاحب الموقع، جوليان أسانج، الذي أعلن نفسه عدواً للولايات المتحدة ولإدارة أوباما التي يبدو أنها أُخذت على حين غرة واحتارت في التعامل مع الموقف.

فقد جاء الرد الفوري للإدارة على الوثائق من خلال الرسالة التي خطها «هارولد كوه» من وزارة الخارجية يطالب فيها من أسانج التوقف عن تسريب المزيد من المعلومات التي تعتبر سراً من أسرار الدولة.

والحقيقة أن هذا الأسلوب المبالغ في تهذيبه والملتزم كثيراً بالقانون الذي تتبعه الإدارة الحالية، ليس غريباً عن المثالية التي أطلقها أوباما لدى وصوله البيت الأبيض، بل حتى قبل ذلك الوقت عندما بدأ حملته بمحطة برلين وتعهده باللقاء مع الرئيس الإيراني «دون شروط».

ومنذ ذلك الحين وأوباما يكرر كلامه الإنشائي عن استخدام الدبلوماسية الناعمة لتعزيز التعاون الدولي، فمثلاً كان سقوط جدار برلين وتوحد الألمانيتين دليلاً، حسب أوباما، على أنه «لا وجود لتحد كبير قادر على الوقوف في وجه عالم موحد»، وهي جملة أشبه بتلك التي يستخدمها طلاب الثانوية العامة عندما يطلب منهم كتابة الإنشاء.

ولم يتوقف أوباما أبداً حتى عندما دخل البيت الأبيض عن التركيز في سياسته الخارجية على الدبلوماسية والتعاون الدولي، إلى أن جاءت لحظته المفضلة التي منح فيها جائزة نوبل للسلام، حيث بدا أوباما متفاجئاً من جائزة قال إنه لا يستحقها بعد. ومع أنه لا يمكن تحميل أوباما مسؤولية المشاكل التي يمر بها العالم والتحديات التي تواجه أميركا، مثل البرنامج النووي الإيراني الذي بدأ على الأرجح عندما كان أوباما عضواً في مجلس شيوخ ولاية إيلينوي، أو كوريا الشمالية التي جن جنونها حتى قبل أن يولد، فإنه اعتقد بأن طريقته ستعطي نتائج أفضل، تلك الطريقة القائمة حصراً على الحوار والانخراط وكل المثاليات الأخرى التي يمكن تصورها، والمشكلة أن هذه المثاليات أثبتت في كل مرحلة فشلها وعدم قدرتها على معالجة القضايا العالمية.

فبعد شهر واحد على تقلده منصب الرئيس، أجرت كوريا الشمالية تجربة على صاروخ باليستي، ومضت قدماً في تطوير برنامجها النووي لتصل مؤخراً إلى قصف جارتها الجنوبية بعد أسابيع قليلة فقط من فشل أوباما في الفوز بصفقة تجارية مع سيؤول.

هذا بينما ذكرت وثائق ويكيليكس أن كوريا الشمالية تبيع صواريخ باليستية للإيرانيين.

والمفارقة الغريبة في الموضوع أن أسانج وأوباما متشابهان في مثاليتهما، وإن كان الأول يتفوق على الثاني بكثير، فبالنسبة لعقيدة أسانج الطوباوية ما يهم في الحكم هو طهرانية الوسائل نفسها وليس الغايات، لذا يبدو مقتنعاً أن ما قام به لا يعدو فضحاً لنفاق وفساد السياسة الخارجية الأميركية.

والحال أن ما أكده هو مدى خطأ أوباما في انتهاج المبادئ المثالية في عالم مايزال يضج بأناس أشرار يسعون لتحقيق غايات شريرة. وكل ما نأمله أن يتعلم أوباما الدرس العالمي جيداً ويكف عن مثاليته الساذجة، أما أسانج فلا رجاء منه.

========================

العرب وأوباما وإسرائيل

د. عبد الحميد مسلم المجالي

الرأي الاردنية

9-12-2010

عندما تخلى العرب عن اعتبار القوة عنصرا رئيسيا في معادلة الصراع، حاولوا استعارة قوة امريكا للضغط على اسرائيل، ووضعوا جميع خياراتهم في سلة واشنطن، وانتظروا وطال انتظارهم وما زالوا!

 

والخطأ الذي ارتكبوه سواء بالاختيار او بالاضطرار، هو، انهم اعتقدوا ان قوة مثل قوة امريكا معروضة للاستعارة او للاستئجار لاستخدامها سواء في الصراع مع اسرائيل او مع غيرها، وان مهمتهم تتلخص فقط في دفع ثمن هذه الاستعارة او المفاوضة على مدة وقيمة الايجار. فقوة امريكا ليست سائبة الى الحد الذي يمكن اضافتها بسهولة الى قوة الاخرين مهما دفعوا اوتعاقدوا، فلها حسابات القوة الكبرى وحسابات المفاضلة بين الحلفاء والاصدقاء.

 

ولكي لا نبتعد كثيرا في اعماق التجربة منذ ان وضعنا جميع اوراق الحل في يد امريكا، فان الصورة منذ بدء اوباما لرئاسته بليغة وواضحة، وتختصر التجربة وتعطينا نتائج سنوات طويلة من الاستعارة او الايجار.

 

فالرجل القادم من المجهول الى البيت الابيض، لم يقرأ دفاتر الصراع جيدا، وجاء الى المنطقة يبيع احلاما وربما اوهاما، واشترينا كل ما باع، فليس لنا الا الشراء ما دمنا لا نملك شيئا للبيع.

 

جاء يتحدث عن التغيير خارج واشنطن، بعد ان تحدث عن التغيير داخلها، وصفقنا لما اسميناها بالقوة الاخلاقية الكبرى القادمة من وراء البحار لتقيم العدل في الشرق الاوسط بعد ان امتلأ جورا. وما ان مضت شهور قليلة على الكلمات والاحلام، حتى تبين ان البالون الملئ بالهواء قد تم وخزه بابرة.

 

وهاهو الرجل غارق الان في الواقع بعد ان تلاشت الاحلام، فلا هو استطاع ان يغير في واشنطن ولا هو استطاع ان يغير خارجها. وما يهمنا هو الصراع مع اسرائيل، فضيق الافق وقلة التجربة ادخلا اوباما وادارته في نفق التفاصيل وانتقاء القضايا من مجمل الصراع. فبدلا من تقديم حزمة متكاملة للحل تترابط قضاياها الواحدة مع الاخرى، اختار الاستيطان كقضية وغرق فيها، ثم وصل الى طريق مسدود، واوصل العملية كلها الى ذات الطريق.

 

وقوة امريكا المستاجرة لاتنطبق نصوص عقودها على اسرائيل. فهذا الكيان خارج النصوص، والعرب اما انهم يعرفون او انهم يجهلون ان نتائج اية مفاوضات لاتحددها الحجج القانونية والمنطقية والاخلاقية، وانما هي محصلة لحقائق وموازين القوة بين المتفاوضين، فالقوة الذاتية هي التي تكتب نصوص المعاهدات، وليست النصوص هي التي تكتب حقائق قوة غائبة، وغير ذلك ضرب من الخيال والضياع والافلاس.

 

المنطقة الان في حالة تيه، فالقوة المستعارة سقطت امام حقائق قوة اسرائيلية على الارض، وقوة اسرائيلية في قلب واشنطن تحاصر اوباما، والمحاصر والضعيف في واشنطن لايمكن ان يكون قويا بما يكفي للضغط على اسرائيل، التي تتعامل مع اوباما وادارته بمنطق القوة والضعف ايضا، وليس بمنطق الصديق الدائم او الحليف،وذلك هو منطق السياسة.

 

الاسرائيليون يعلمون ان مفاوضهم الرئيسي هم الامريكيون وليسوا العرب، بعد ان اخذت واشنطن وكالة مبكرة منهم لتحصيل ما يريدون او بعضه، والاسرائيليون يعلمون ايضا ان العرب لايملكون خيارات اخرى، لانهم غارقون في مشاكلهم الداخلية وانقساماتهم، وبالكاد يحاولون الابقاء على تماسك كياناتهم، فيما تتصاعد التهديدات الخارجية التي يرون انها اصبحت اكثر الحاحا من التهديد الاسرائيلي.

 

وعندما يكون العرب واوباما كل في مستنقعه، فما الذي يمنع اسرائيل من استغلال هذا الوضع الفريد للاختلال الفاضح لموازين القوى ؟.

 

انها ارض اسرائيل التي تحددها التوراة وحقائق القوة، وطاقة الحلم اليهودي الذي يحرك الجرافات الى أي مكان يريد، ويرسم خطوط التفاوض والحدود، في زمن تضيع فيه احلام الخصوم وتتبخر خياراتهم، فلا شئ يلح على اسرائيل او يدعوها لشئ يسميه العرب واخرون سلاما او أي اسم اخر !.

========================

أصدقاء أمريكا .. الأكثر تضررا

رشيد حسن

الدستور

9-12-2010

بات واضحا أن الأكثر تضررا ، من نشر وثائق "ويكيليكس" هم أصدقاء أميركا ، فلقد اثبت نشر هذه الوثائق ، أن واشنطن ليست معنية بأصدقاء حقيقيين ، وانما معنية فقط بمصالحها ، وانها تتخذ الأصدقاء لمرحلة ما ، فاذا انقضت هذه المرحلة ، فلا مانع لديها من التخلي عن هذه الصداقات المرحلية ، وتجاوزها ، وهذا في حد ذاته يؤكد الحقيقة التي يعرفها الجميع ، وهي أن واشنطن دولة عظمى ، محكومة فقط بمصالحها ، وأن هذه المصالح هي التي تملي عليها مواقفها ، وتملي عليها اتخاذ هذا النظام صديقا أو حليفا.. الخ.

 

هذا الكلام لا ينطبق على اسرائيل ، فهي ليست حليفا ، أو صديقا فحسب ، بل هي أكثر من ذلك ، انها بمثابة ولاية من ولايات اميركا ، بل نجد في أوقات كثيرة ، أن واشنطن حريصة على اسرائيل ، ومصالحها أكثر من حرص بعض القادة الصهاينة الحمقى ، وهذا هو سر انتقاداتها اللاذعة لتصريحات ، ليبرمان وزير خارجية العدو ، ورئيس حزب "اسرائيل بيتنا" التي تكشف وجه الكيان الاسرائيلي العنصري القبيح ، وتسقط ورقة التوت عن ديمقراطيته الزائفة.

 

وفي هذا الصدد لا بد من التذكير ، بأن المحافظين الجدد في عهد بوش الصغير ، كانوا ولا يزالون أكثر صهيونية من بعض الاسرائيليين ، فرايس وزيرة الخارجية حينها ، هي التي عارضت وقف العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006 ، وطالبت اسرائيل بضروروة الاستمرار قي العدوان.

 

ونعود من حيث ما بدأنا.

 

فتأكيدا لما سبق ، فلو استعرضنا سجلات التحالفات الأميركية مع العديد من دول العالم ، لوجدنا أن واشنطن حالفت أسوأ الانظمة الدكتاتورية الفاشية في العالم خدمة لمصالحها ، فحالفت شاه ايران ورئيس الفلبين وسوهارتو اندونيسيا ، وبيتوشيت تشيلي.. الخ ، ولما دار الفلك دورته ، تخلت عنهم جميعا ، كما يتخلى المرء عن حذائه بعد أن يستخدمه لعبور المستنقع.

 

وثائق "ويكيليكس" من جانب آخر ، تجيب عن السؤال المركزي الذي طرحته سابقا ادارة بوش الصغير ، لماذا يكرهوننا؟.

 

لقد أثبت الوثائق المشار اليها ، أن واشنطن تسخر العالم كله لخدمة مصالحها ، ولرفاهية الشعب الاميركي.

 

وأثبتت أيضا ، أننا بصدد دولة عظمى لا تقيم وزنا للقيم والاخلاق والقوانين والاعراف الدولية ، وتبيح لنفسها التجسس على الآخرين.

 

وأثبتت ايضا ، أننا أمام نهج ميكافيلي ، لا مثيل له ، يناقض كل المبادئ النبيلة التي نادت بها شرعة حقوق الانسان ، واننا أمام أقوى دولة في العالم ، محكومة فقط بمصالحها ، ومصالح العدو الصهيوني ، ولا تقيم وزنا للمبادئ العظيمة ، التي نادى بها زعماؤها الا على الورق ، وللدعاية فقط.

 

باختصار.. مقولة الرئيس الفرنسي الأشهر ، ديغول "أسوأ ما في أميركا قوتها" تؤكد كل ما أشرنا اليه ، بعد أن اصبحت الامبراطورية الأميركية ، أسيرة القوة الباغية الطاغية.

وثائق "ويكيليكس" كشفت الوجه القبيح للسياسة الأميركية.

========================

وثائق ويكيليكس.. أين إسرائيل من المأدبة ؟

د. خالد الطراولي

2010-12-08

القدس العربي

بعضهم سماها 11 سبتمبر الإعلامية، والبعض اعتبرها منعرجا خطيرا في الحركة الدبلوماسية بين الدول، آخرون رأوا فيها انتفاضة للحرية أمام الاستبداد والأبواب المغلقة، وهي بالتالي انتصار رهيب للإعلام الجديد أمام المتاريس والأجندات الخفية وتعاملات الكهوف والسراديب...ولكن...

لا يختلف اثنان بأن وثائق ويكيليكس قد مثلت مفاجئة في أول قراءة لها، حيث بدا للعموم أن للدبلوماسية سننها وثناياها وأن المخفي أكثر مما ظهر، وأن الكثير من المعلن يناقض صراحة كل ما حملته الحفلات واللقاءات تحت الأضواء المكشوفة.

اكتشفنا أن أحد الرؤساء العرب يهاب الطوابق الشاهقة والطيران فوق البحار! علمنا أن وزير دولة عربية طلب الاكتفاء بعدم قصف العدو لطائفته فقط أثناء العدوان وآخر فرح لاغتيال أحد القيادات العليا.. عرفنا أن إيران هي العدو الرئيسي عند بعض الحكام العرب وأن قطع رأس الأفعى ضرورة حياتية لهم قبل شعوبهم! عرفنا أن الرئيس الفرنسي حبذ مشاركة بلاده للأمريكيين في العراق، وأن الوزير الأول الإيطالي صديق جميم لبوتين ولعله حليف...، وأن وزير الخارجية الروسي يكذب..، وأن المستشارة الألمانية تهاب المخاطر...، وأن الفساد والرشوة هي القاعدة السائدة في أفغانستان، وأن وجود الرجل النزيه عملة نادرة...

أسئلة محيّرة

ولكن أين إسرائيل من هذه التعرية التي دخلت البيوت من أبوابها الصغيرة والكبيرة حتى عرفنا أن الرئيس الفرنسي الحالي عند استقباله للسفير الأمريكي انفلت كلبه الشخصي وأسرع يطارد أرنب ابنه الصغير، فأصبح المشهد ساخرا..رئيس الجمهورية يجري وراء الكلب الذي يجري وراء الأرنب الذي يجري هربا برأسه...مذكرات حفظها قلم السفير ووثقها للبيت الأبيض! هذه التفاصيل الذي غاصت في كل صغيرة وكبيرة حتى أنها قاربت المائتين وسبعين ألف وثيقة ولامست كل بلاد الدنيا، فأينما وجدت سفارة أمريكية وجدت وثائق واكتشافات، غير أن العجيب اختفاء إسرائيل من هذا الكم الهائل من المعلومات وكأنها بلد بسيط مرمي في الصحراء، أو أنه لا توجد به سفارة للعم سام لقلة الزاد، أو أن المكشوف والمستور تساويان فالديمقراطية الكاملة الجامعة قد مرت من هنا، أليست إسرائيل هي الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ولعله في كل هذا العالم الغاطس حد الرقبة في الاستبداد!

سؤال محير! لماذا غابت إسرائيل عن هذه المأدبة التي دعي إليها الجميع كرها؟المصداقية المفروضة لموقع ويكيليكس تأخذ نصيبا من الشك المعقول وتطرح تساؤلات تبحث عن إجابات معقولة.أين مرت غزة وجحافل الموتى والجرحى، أيام وليال سوداء دخلت فيها الدبلوماسية والقتل والتشريد على الخط من كل المناطق وعبر الحدود، ما هي المواقف المستورة والمخفية لبعض الحكام وأصحاب القرار، لماذا تواصل كل هذا القصف وسكون الخارج تقابله ليال حمراء وصياح أطفال رضع...نعم لم نر إلى حد الآن تسريبا واحد على هذه الفترة السوداء من تاريخ العالم الذي سوف سيكتبها يوما بحبر أحمر من جمر.

أين مرت المفاوضات العديدة التي جمعت أطرافا عدة بداية من عقد التسعينات تخللتها انتفاضات وتقلبات وسقوط حكومات ودخول حركة حماس على الخط، أين مرّ استشهاد ياسر عرفات ومواقفه وأحواله في رام الله؟ لقد كانت وثائق السفير غائبة وقلمه السيال قد جف حين اقترب من هذه المواقع والمنازل!

أين صيف لبنان الحارق الذي كرس سطوة العنجهية والانفلات حيث دُكَّت بناه التحتية على مرمى ومسمع من الجميع، 1200 قتيل والعالم يعدّ القتلى والجرحى على ترانيم حزينة وفي غياب الموقف الحازم! محطة صعبة حملت الكثير من السفرات المكوكية والتنقلات ولا نظن أن المكشوف يساوى المحظور، فلماذا غاب المشهد كلية وغابت معه الوثائق والمكاشفات؟

ولكن.. لعل هذا الغياب لإسرائيل في هذه الوثائق يعود ببساطة وأساسا لمطابقة المخفي مع المعلن، فلماذا تخفي إسرائيل أقوالها وأفعالها فكل شيء تحت الأضواء وعلى المباشر، فممن الخوف والتورية؟ أمن نظام سياسي عربي مفقود وحكام غائبين يتقاسمون إرث الحكم وهم "جمهوريون" أو يدنسون انتخابات ويدعون خلو الصناديق من الثقوب؟ أم الخوف من صديق أمريكي أصبح يعيش انحدار امبراطوريته بخطى متسارعة ويبحث عن الملاذ قبل أن يكون ملاذا؟ أم من عالم أوروبي لا يجد له مكانا في معادلة الشرق الأوسط ويعيش أياما صعبة لإنقاذ حلم بدأ يتوارى؟ فلم الهلع والبحث عن مكاشفات، لعل ليس لها وجود أصلا، فالمعلن يطابق المستور بكل عنجهية وقوة، ولكن...

من هنا مرّ العراق...

خوفي من أن هذه التعرية المبرمجة تدخل في خطة تماثل خططا سابقة طرحت لتكوين رأي عام عالمي حول شأن معين. ولعل حجم التعرية وما لفته من اكتشافات دقيقة تمثل في الأغلب رأي الدبلوماسيين الأمريكيين فيما يجول حولهم من ممارسات وأحاديث، كل هذا يجعل من الشأن المطروح عالي المنزلة وضخم الخطورة، ولعله يمثل منعرجا استراتيجيا كبيرا من شأنه زعزعة المنازل والدرجات وقلب المعادلات وضرب المصالح!

خوفي أن هذه التسريبات تمثل الحلقة الأولى والضرورية لجمع دول العالم حول قرار لم يكسب حتى الآن شراكة الجميع وشرعيته الأممية ويعطي للولايات المتحدة وإسرائيل تأشيرة ضرب إيران تحت مسوّغ الخطر العالمي الزاحف، فإخراج ورقة تواطأ حكام الخليج ومساندتهم لضرب إيران، بل التشجيع والإسراع بهذا العمل، يجعل من هؤلاء في موقف صعب تجاه إيران والعالم، ويرمي بهم في أحضان الولايات المتحدة، حيث لم يعد لهم من صديق وحام، وحيث ظهرت إلى السطح إرادتهم ونواياهم التي لم تعد تخفى على الجانب الإيراني، فكل ما كان مستورا حقيقة أو خيالا والذي جعل الديبلوماسية أو النفاق السياسي يسيطر على الموقف ويحمي ماء الوجه ويؤخر قرارات لا تحبها الجماهير والشعوب على الضفتين، كل هذا قد أنهته التسريبات وسقطت ورقة التوت ورمت بالجميع على السطح وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء!

لقد كان البحث عن مسوغ لضرب العراق طويلا مبرمجا وعلى نطاق عال من التنظيم والتحظير، كان مسارا دقيقا دخلت فيه البرمجات والإعلام والفضائيات والبث المباشر والخطب الرنانة..، دخلت على الخط حكومات ورؤساء وهيئات واستعراضات، حديث جاد ومخيف عن الكيمياويات العراقية ومنشآتها العملاقة وعلمائها وترساناتها وصواريخ مهيئة لضرب أوروبا، وتجارة الإيرانيوم مع النيجر! وإذ كنا ناسين فلن ننسى الاستعراض المباشر في مجلس الأمن لوزير الخارجية الأمريكي السابق باول وهو يقلب بين يديه وأمام كاميرا العالم علبة كيمياوية قيل أنها وجدت في العراق...

كل هذا "العرس" العالمي والشطحات الدبلوماسية والتنقلات المكوكية مثل المسوّغ والمبرر لتهيئة الرأي العام العالمي لضرب العراق، وقد أفلح القوم ودُكَّت أرض العراق ولا تزال، ولم تخرج بعد من غيابات هذا القرار الجائر. واليوم ولعله كالبارحة، ولكن اللقمة أصبحت أكبر ولم تعد سائغة، وما كل مرة تسلم الجرة، فالرأي العام العالمي أصبح متوجسا من كل فعل أمريكي، والأزمة العالمية مرت من هنا ولا تزال تلوح بمزيد من الضحايا، وأمريكا أوباما ليست كأمريكا بوش، وإن أصبحت المساحات تضيق والاختلاف يتوارى، وإيران ليست العراق، وحزب الله رقم لا يجب تناسيه أو تهميشه، وأفغانستان لا تزال تعاني، وجيوش التحالف لم تخرج من المستنقع، والضحايا يتساقطون وجثامين العسكر تتلاحق على أرض المطارات والموانئ، وخزائن الدول لم تعد قادرة للاستجابة لهذا البئر بدون قاع، والشعوب الغربية أصبحت حائرة وخائفة على مستقبلها ومستقبل أبنائها. والجماهير العربية لعلها قد نهضت من غفوتها والمستقبل يحمل كثيرا من الشكوك والضباب. كل هذه الأبعاد وهذه الثنايا تجعل من الضربة الإيرانية محطة صعبة وخطرة وتتطلب كثيرا من "الإبداع الديبلوماسي" والدهاء السياسي ولعل تسريبات ايكيليكس تدخل من هذا الباب كورقة تهيئة وتحضير.

بعيدا عن نظرية المؤامرة ولكن...

لعل الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت على كل الأرصدة سواء ماكان تخفيه الأزمة الاقتصادية العالمية من تعقيدات وتحولات، أو ما يحمله الداخل الأوروبي من تداخلات وإفرازات على مستوى البنية الداخلية الأوروبية، ولكن هناك مفاجئة لعلها أنهت بريقها وأصبحت حقيقة لا مجازا بهذه التسريبات والمكاشفات وهو ضرب إيران على ترانيم غياب إسرائيل المحير في هذا الكم الهائل من الوثائق المعلنة.

نعم لا نريد أن نحبك حديثنا بعقلية المؤامرة، فالكل يتآمر علينا وينسج خيط فعله ونظره من هذا الباب، تاريخنا مؤامرة وحاضرنا مؤامرة ولعل مستقبلنا مؤمرة، نعم لا نريد الإصغاء لهذا الغلو الذي ينفي عنا كل فعل وإرادة وعزم، نعم لا نسعى إلى تبني هذه النظرية السهلة التي تزيدنا غفوة ونوما وشخيرا، وتمدد حكم الاستبداد والاستخفاف و"الاستحمار"، ولكن معطيات كثيرة وحقائق بدأنا نلمسها عن قرب أصبحت تشكل توجسنا وخوفنا من أن أجندات خفية ومعلنة تحاك دون علمنا، نعم لنا النصيب الأكبر في مصائبنا، نعم أيدينا مخضبة بأفعالنا السيئة، نعم حكاما ومحكومون نحمل سواسية أسباب عقمنا وسقوطنا ولكن.. للآخر نصيبه في نكبتنا وللآخر أجنداته ومصالحه ولآخر فعله ونظره، وإن كنا شاكين فلنشكو قلة وعينا بأجدندتنا إذا كانت لنا أجندة واستراتيجيا، وغيبوبتنا تجاه فقه أجندة الآخرين.

*رئيس اللقاء الإصلاحي الديمقراطي تونس

========================

مطبات التفكير السلبي

مذكر عبد الله

2010-12-08

القدس العربي

يقول فيكتور هيكو (لايمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا عندما يتعلم كيف يفكر).

كان أحد تلاميذ الحكيم الصيني زينو دائم الشكوى من كل شيء، ومن أي شيء، وفي أي وقت، حتى ابتعد عنه الناس، وأصبح وحيدا متضمرا، فشكا حاله للحكيم زينو قائلا أن الناس يكرهونه ، ويحقدون عليه. ولا يحبونه...،فطلب منه الحكيم أن يسير معه ، حتى وصلا إلى طريق مظلم ،وطلب من الشاب أن يسلك هذا الطريق وحده ، وسيلقاه في الجهة الأخرى، ولم يفهم الشاب لماذا أمره بأخذ الطريق المظلم دون الطرق المضيئة، فأجل الحكيم الإجابة.فمشى الشاب في ذلك الطريق الشديد الظلمة، وهو يساءل نفسه عن طلب الحكيم الغريب، أهو امتحان؟ أم أن الحكيم أخد يخرف ولا يعرف مايقول. وأثناء ما كان يفكر فيه اصطدم بقوة بحائط جعله يصرخ من الألم والغضب، واتجه إلى مكان آخر وهو يخبط خبط عشواء والحيرة تكاد تقتله ويزداد غضبه من الحكيم ، ويعود ليسب نفسه تارة، والحكيم تارة أخرى، فوقع في حفرة، فيزداد غضبه وبغضه من الحكيم ، وأخذ يصرخ ويصيح بأعلى صوته طالبا النجدة والإغاثة..ولكن لن يسمعه أحد، ففقد الأمل وظل في مكانه وهو يكاد يموت من الحسرة، وبعد فترة رأى ضوء شمعة يأتي من بعيد ففرح وصرخ طالبا النجدة، فانتصب شخصا أمامه فإذا هو الحكيم زينو, فسأله الشاب لماذا فعلت بي ذلك، وفهم أن الأمر يرتبط بالتأكيد بحكمة بالغة أصر على معرفتها فقال له أن الطريق المظلم الذي طلبت منك أن تسلكه فهو أفكارك السلبية ، والحائط الذي اصطدمت به ليس إلا نتيجتها، والحفرة التي وقعت فيها كانت هي الأخرى من نتائج أفكارك السلبية والتي تغرقك دائما في الضياع والفشل والمعاناة والألم

فالإنسان يحمل معه في كثير من الأحيان ألد أعداءه وهي أفكاره السلبية ,فعندما يعرف الإنسان كيف يتحكم في أفكاره سيجدها تعمل لصالحه تماما كالحصان الشارد الذي يستطيع أن يقتلك بخبطة واحدة ، ولكنك لو عرفت كيف تروضه وتتحكم فيه تستطيع أن تجعله يخدمك ويساعدك . فالتفكير السلبي يدخل الإنسان في سلسلة من المتاعب والأحاسيس المقيتة، ويورث صاحبه مجموعة من الأمراض النفسية والعضوية والأسرية والاجتماعية، ويمنحه الشعور بالضياع والوحدة والقلق والخوف المستمر،وما الأفكار في حد ذاتها سوى مجرد كلمات داخلية يستخدمها الإنسان، وبتكرارها يتم تخزينها في اللاشعور فتصبح عادات سلوكية يستخدمها ,فتتلون حياته وفقها ,فإن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فشر. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن للتفكير قوانين تتحول إلى طاقة كهرومغناطيسية،وقد حضرت أخيرا محاضرة عن أسرار العلاقة الزوجية .للدكتور مصطفى أبو سعد وتكلم عن دور الهدايا بين الزوجين ولو على شكل وردة لما لذلك من سحر خاص، وقد أقترح على الأزواج وصفة مجانية تتمثل في التفكير الإيجابي اتجاه الآخر أثناء غيابه،ثم إرسال كلمة حب وإعجاب عبر الهاتف ،تجد أن الآخر يفاجئك أنه كان يفكر فيك ايجابيا في نفس اللحظة ، فالكهرومغناطس هذا طاقة عندما يتم إرسالها فإنها ترجع بنفس الحمولة واللون والرائحة... وإنني أعرف صديقا مسكينا متزوجا امرأة متخصصة في النكد فهي عبارة عن بركان،هيجان، توثر، قلق، تضجر،لايسلم من نقدها في جميع الحركات والسكنات ، مهملة في نفسها،حيث تعتبر التزين لزوجها شغل أفلام ، ومع ذلك حاول أن يسافربها قصد تغيير الجو والاستجمام، فرجعا بعشرات المشاجرات، فعلمت أن هذه السيدة تعاني كآبة قوية نتيجة تفكيرها السلبي السودوى،.،وإن أمرهما الآن معروض على القضاء لإجراء عملية الطلاق .. ،.فهذا النوع من البشر وإن وضعته في مكان خلاب ورائع وجميل، لاتلتقط عينه سوى السواد ، ولا يرى الشمس ،ولا العصافير ولا الورود، إنها عين الدبابة لاتقع إلا على الرديء من الأشياء.أما عين النحلة فإنها تتنقل بين الورود والأزهار...ومن الناس من تستطيع أن تجزم أنك لم تراه ضاحكا مند 20 سنة، ولا تعرف وجنتاه الابتسامة ولا حتى الصفراء الفاقع لولها، وإن وجد في حفل زفاف حيث البهجة والفرح لايروقه الكلام إلا عن عذاب القبر وأهوال جهنم.ويوم القيامة.

فهناك من الأشخاص ما إن يقبل على الحضور,وإلا يقبل الإنشراح والبسمة والتفاؤل وتطمئن القلوب والعقول, ويكون مفتاحا لكل خير ,مغلاقا لكل شر،وفي المقابل هناك من الناس من تتملكه الأفكار السلبية فتسكنه وتلازمه فيصبح يتوقع الفشل في كل خطوة، وتجد التعاسة طريقها إليه في كل لحظة، فيصبح القدر والسنن الكونية تتناغم وتسبح في فلكه السلبي، وعندما يعم الخير الناس،يقلب وجهه عنه، وعندما يأتي دوره للاغتراف من الخير يتغير القانون المانح الامتياز فيصبح مستأنسا لهذا الإحساس, مقرا أنه إنسان نحس ، ولو غير تفكيره وزرع بذور الحب والرضا والثقة في الله لتغير كل شيء من حوله قال تعالى (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتيكم خيرا) ....

فكن حريصا كل الحرص قبل أن تفكر في فكرة سليبة، لأنها ستتراكم وتتسع فتستقر في اللاشعور، فتصبح عنوانا لشخصيتك، وتمنعك من تحقيق الانسجام مع الذات ،وتقف سدا منيعا للوصول إلى أهدافك، وتسبب لك مشاكل لاحصر لها نفسية وصحية واجتماعية قامت كلية الطب في سان فرانسيسكو1986 بدراسة حول العلاقة بين العقل والجسد أي ماهو نفسي وعضوي،فكانت نتيجة البحث أن أكثر من 95 في المائة من الأمراض يعود سببها إلي العقل وطبيعة التفكير، بمعنى أن العقل يبعث بالرسائل إلي الجسد فيقوم بدوره بردة فعل فيؤثر على كل عضو فيه ، مثلا لو طرد شخص من عمله فسوف يتجه كل تفكيره الشعور بعدم الارتياح والإحساس بالدمار والضياع والخوف من المستقبل ..مما يجعل قلبه يضخ كمية كبيرة من الدم، وتزداد دقات قلبه، فينهار جهازه العصبي، ويصبح في حالة تأهب قصوى، فيرتفع ضغط الدم لديه، وترتفع الحرارة .ويضعف لديه جهاز المناعة ، فيكون قريبا من الهلاك العضوي والنفسي..

كاتب مغربي

========================

كومنولث الدول العثمانية

يوسف كانلي

يخالجني أمل واعتقاد بأن المجتمع التركي الحالي راض بصورة عامة بالحدود الراهنة للدولة التركية، التي حال وضع تقييم واقعي لها نجد أنه يمكن وصفها ب«بقايا» الإمبراطورية العثمانية. ربما لا يزال هناك بعض المخبولين داخل المجتمع التركي، ربما مثلما هي الحال في المجتمعات كافة، يطمحون في رؤية تركيا وهي تتحول لإمبراطورية أو نيلها نفوذا يليق بإمبراطورية مرة أخرى.

في الواقع، منذ هزيمة البلقان بداية القرن الماضي والحرب العالمية الأولى وما أعقبها من انهيار الإمبراطورية العثمانية وإقامة الجمهورية التركية الحديثة ذات الطابعين العلماني والديمقراطي على أنقاض الإمبراطورية الغابرة، انشغلت الدولة التركية على مدار كثير من العقود الماضية ب«حماية ما هو قائم». وقد شدد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية، على أن «السلام في الداخل والخارج» ينبغي تفهمه في هذا الإطار.

وتكمن المفارقة في أن الولاء الصارم الذي أبدته حكومات تركية جمهورية متلاحقة لمبدأ «الحفاظ على ما هو قائم» كان سببا في ارتباط تركيا الشديد بالغرب، ومشاركتها النشطة في مؤسسات غربية وتحولها إلى عضو مؤسس ورائد بالكثير من المبادرات الأوروبية، على الرغم من أن «الغرب» هو الذي احتل وتسبب في انهيار الإمبراطورية العثمانية. ونظرا لأن عضوية حلف «الناتو» تعد تنازلا عن مبدأ «الاستقلال الكامل» الذي يقوم عليه إنشاء الجمهورية، فإنه يمكن التساؤل: هل كانت تركيا ستصبح عضوا في المنظمة لو أن الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين ادعى أحقية سيطرته على بعض المناطق الخاضعة لتركيا وطالب بإلغاء اتفاقية مونترو، التي استعادت أنقرة بمقتضاها سيطرتها على المضايق التركية؟ وعلى الرغم من أن قرابة قرن قد مضى منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، وعلى الرغم من أنهم قد ينكرون ذلك، فإن الدولة التركية والأتراك عامة لم ينسيا ولم يتخليا عن العقلية الإمبراطورية؛ إذا كانت شخصية قوية تصدر مراسيم إمبراطورية على غرار ما كان يفعله السلاطين العثمانيون - مثل اللورد الإقطاعي المعدم في العمل الدرامي الكوميدي «زوغورت أغا» - فيصيح ويرهب الناس، ومع ذلك يعشقه الجميع بسبب الميل الوطني لعشق القوة، فمن بمقدوره إذن القول إن الأتراك نسوا العقلية الإمبراطورية؟

ومع ذلك، أؤكد أن الطابع الثري الذي يمكن لتركيا إضفاءه على الاتحاد الأوروبي حال انضمامها لعضويته يتجاوز بوضوح تمتعها بعدد سكان يبلغ 72 مليون نسمة، وهرمها السكاني الشاب نسبيا، وقوتها الشرائية المعقولة، وأراضيها الواسعة الغنية بالموارد. إن الوضع الجيوسياسي للبلاد، الذي يجعلها أشبه بجسر بين آسيا وأوروبا، هو بالطبع ما يكسب تركيا أهمية. بالطبع تعد تركيا جسرا طبيعيا بين العالم التركي في آسيا الوسطى والغرب، لكن حقيقة أن العالم يضم حاليا 45 دولة كانت في ما مضى جزءا من الإمبراطورية العثمانية قد تمد تركيا بفرصة لا نظير لها. وبالطبع لا يمكن القول إن توقعنا بأن تصوغ الشعوب التي نرتبط معها بقرون من الماضي المشترك، بعض الأهداف المستقبلية المشتركة هو مجرد مبالغة أو انتهازية خطيرة.

على مدار فترة طويلة، تصل إلى عهد حكومة تورغوت أوزال الأولى عام 1983، تطلعت تركيا نحو تنمية «سياسة خارجية ذات محور إقليمي». ومع ذلك، لم يظهر في تاريخ تركيا الجمهورية قط حكومة أو وزير خارجية أثارا الماضي الإمبراطوري العثماني بقوة وشرعا في بناء شبكة من العلاقات مع تلك الدول ال45 على نحو يشبه للغاية كومنولث الإمبراطورية البريطانية، مثلما فعلت حكومة حزب العدالة والتنمية ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو. وعندما كتبت وكتب آخرون أن وزير الخارجية يتبع أهدافا على صعيد السياسة الخارجية يمكن وصفها ب«العثمانية الجديدة»، رفض أوغلو ذلك بشدة.

الآن، اعترف أوغلوا أخيرا خلال مقابلة أجراها معه جاكسون ديهيل، الكاتب بصحيفة «واشنطن بوست»، بأنه إذا كان لدى بريطانيا كومنولث، فما المانع من أن تعيد تركيا بناء قيادتها داخل الأراضي العثمانية السابقة، مثل البلقان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى؟

وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو غريبا، فإن بناء «كومنولث من الدول العثمانية» ربما يشكل أصلا مهما لمصممي «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، حال التمكن من السيطرة على داود أوغلو ورئيسه على نحو يسمح بأن يتقبلا أن فكرة إنشاء هذا الكومنولث ينبغي أن تخدم الاحتياجات الأمنية لإسرائيل.

========================

الصين: ثقة وسط هالة من القلق

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

9-12-2010

بكين - كانت مفارقات الدولة الصينية الناهضة - التي تريد لعب دور أكبر في الشؤون العالمية لكنها تعاني من حالة سبات وشعور بالقلق - واضحة للعيان داخل بكين خلال لقاء مع مسؤولين صينيين. وصرح مسؤول صيني بارز خلال الاجتماع بأن «الصين في حاجة إلى أن تلعب دورا أكبر بدلا من وقوفها موقف المراقب» في ما يتعلق بقضايا مهمة مثل كوريا الشمالية والتعديلات المرتبطة بالعملة. وأضاف قائلا «عندما نكون على خشبة المسرح لا يجب أن ندير ظهورنا إلى الجمهور وكأننا جزء منه».

وعندما حان وقت اقتراح حلول خلال اجتماع عقد الأسبوع الماضي مع زائرين أميركيين وأوروبيين، كان الصينيون يتوخون الحذر. ووافق مسؤولون على القول بأن كوريا الشمالية والعجز الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي مشكلات كبرى. لكن توصياتهم ركزت على النقاش بدلا من القيام بشيء، ووصل الأمر إلى أن بدا النقاش المتناغم وكأنه هدف في حد ذاته.

وقال جون فو، العميد التنفيذي بكلية الحكم التابعة لجامعة بكين، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إن الوصفة الصينية للتعامل مع كوريا الشمالية هي «الحوار ثم الحوار ثم الحوار». وترك هذا المنحى شعورا بالإحباط لدى مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية يعتقدون أن بكين سئمت سرا من سياسة حافة الهاوية التي تتبعها كوريا الشمالية، وذلك بحسب ما أفادت به وثيقة خاصة بوزارة الخارجية الأميركية ونشرها موقع «ويكيليكس».

وقد كان اللقاء محاولة غير معتادة من أجل دراسة مجالات محل اهتمام مشترك، وربما محل عمل مشترك. واستضافت اللقاء المدرسة الحزبية للجنة المركزية، وهي مركز تدريب للقيادات يترأسه شي جين بينغ، المقرر أن يكون الرئيس المقبل داخل الصين. وكان الرعاة الآخرون مجموعة «آسبن استراتيجي» (التي أنا عضو فيها) ومعهد «آسبن إيطاليا».

وقال نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية السابق الذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة هارفارد ومدير مجموعة «آسبن استراتيجي»: «هذا ليس موقفا نتحدث فيه بعيدا عن بعضنا بعضا، ولا يبدو أننا ليست لدينا القدرة على العمل معا» على الرغم من وجود «درجة مدهشة من المصلحة المشتركة». وأشار إلى أنه في ما يتعلق بكوريا الشمالية فإنه لدى الصين النفوذ الأكبر، لكنها «تبدو مترددة في استخدام ذلك»، و«لم ترتق لمستوى الاختبار بعد» كشريك أمني.

وقد عُقد اللقاء في حرم الكلية الحزبية في ضواحي بكين. وتأتي الباحات الرقيقة داخل الكلية في مقابل الفن المعماري المبهرج الذي يميز وسط المدينة الجديد، حيث تنتشر فيه فنادق مترفة وبوتيكات فخمة.

وكانت مشاعر القلق التي تصاحب ثروة الصين الجديدة واضحة في قصة نشرت في صحيفة «الصين اليوم» الرسمية صبيحة اجتماعنا. وتناولت الصحيفة الاتجاه السائد بين الأثرياء الجدد في الصين لاستخدام حراس خصوصيين. ويبدو أحيانا أن اكتساب الثروة يجعل الناس فقط أكثر قلقا بشأن فقدانها.

وأوضح عدة مسؤولين صينيين حضروا اللقاء أن الصين تبدو متحفظة بشأن سياستها الخارجية جزئيا، لأن المسؤولين يركزون بدلا من ذلك على الحفاظ على النمو الاقتصادي الداخلي والحرص على سعادة عامة الشعب الذين يشعرون بالقلق بشكل محتمل. وقال مسؤول بارز اعترف بأن بكين تفكر أولا بالفعل في مشكلاتها الداخلية «أنا لا أقول إن الصين أنانية». وفي حالة كوريا الشمالية، تخشى الصين من أن الضغط على بيونغ يانغ سوف يبعث بلاجئين بائسين عبر الحدود.

وأثمر اللقاء عن ظهور علامات قليلة على التحرك. وبدأ أستاذ في المدرسة الحزبية برفض المطالب الأميركية للصين بتعديل سعر صرف عملتها. لكن بعد المزيد من المناقشات، قال هذا الأستاذ إن الصين ربما يمكن أن تقلل من فائضها التجاري عبر رفع مستويات الرواتب، لكي يتمكن العمال من شراء المزيد من الواردات من الولايات المتحدة؛ حتى إنه اقترح «آلية تنسيق» لتعزيز ظهور تجارة متوازنة.

وما يصيب المسؤولين الأميركيين بالإحباط هو أن الصين تبدو أحيانا مرتاحة بشكل أكبر للتكيف مع دولة أميركية قوية، كما فعلت في العقود الماضية، بدلا من الدخول في شراكة مع أميركا أقل سيطرة. وقد عنف مندوب أميركي الأستاذ الصيني على تعامله مع التنازلات المبكرة لإدارة أوباما على أنها علامات ضعف، وبسبب تقديم ادعاء هجومي جديد بأن منطقة بحر الصين الجنوبي تمثل «مصدر اهتمام رئيسيا» للصين.

وقال جوزيف ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد والذي كان ضمن المجموعة الأميركية، إن المسؤولين الصينيين هنا حاولوا بصفة شخصية تخفيف المخاوف الأميركية عبر قولهم إنه كان هناك «سوء فهم» لتعليقات الصين على قضية بحر الصين الجنوبي.

وكانت هناك ملاحظة قدمها الصينيون والأميركيون هنا على حد سواء وهي «نحن في قارب واحد». وبدت هذه الملاحظة مشجعة، لكن القارب ينحرف هذه الأيام إذا لم يكن يغرق بالكامل، ويحتاج الجانبان إلى البدء في التجديف بانسجام.

وقد خرجت من هذا الاجتماع بنفس الصورة المختلطة التي شاهدتها وأنا أتجول في الصين منذ شهر - وهي أنه مع كل الرخاء والثقة الظاهرة لهذه الدولة، فإن قادتها منشغلون بمشكلات النمو الداخلي والاستقرار السياسي. وهم يرون المناقشات مع الغرب من خلال هذه العدسة الغائمة.

========================

كيف صورت برقيات «ويكيليكس» تركيا القرن ال21؟

جاكسون ديهل

الشرق الاوسط

ابتسم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عندما كرر قوله: «نعم، الاشتباكات بين قوات الكوماندوز الإسرائيلية والنشطاء الإسلاميين التركيين على طول سواحل قطاع غزة في شهر مايو (أيار) الماضي يمكن مقارنتها تماما بهجمات تنظيم القاعدة على نيويورك وواشنطن».

وأعلن أثناء زيارته إلى واشنطن خلال الأسبوع الماضي: «لقد كانت 11/9 التركية - أنا أكرر ذلك!» وعندما تمت الإشارة إلى أن 2,900 شخص قتلوا في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وأن تسعة أشخاص فقط قتلوا في اشتباكات أسطول الحرية، قال أوغلو: «أنا لا أعني الأرقام، ولكنني أحاول أن أعبر عن الصدمة النفسية التي حدثت في تركيا حين تعرض مواطنونا للقتل على يد جيش أجنبي».

وحقا، لم يكن الأمر بهذه البساطة؛ حيث لم يكن الأتراك مدنيين أبرياء، ولكنهم كانوا مسلحين يسعون إلى حدوث مواجهة؛ ولم يقتلوا على يد إرهابيين انتحاريين، ولكنهم قتلوا بواسطة جنود محترفين كانت أسلحتهم الأولى هي الهراوات وكرات الطلاء.

لذا، يبدو الأمر متناقضا بشكل محدود عندما سمعت داود أوغلو أثناء طرحه لفكرته الأساسية وهي أنه لا يوجد سبب حقيقي للخلاف بين حكومته وإدارة أوباما. وقال أوغلو: «لأكثر من 20 شهرا، كنا نمتلك علاقات ممتازة. وبصفتنا حلفاء رئيسيين، يتعين علينا حماية هذه العلاقات».

وتركيا عضو في حلف الناتو، ودولة مستضيفة لقواعد عسكرية أميركية حيوية للعمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، ومشتر كبير للأسلحة الأميركية. ولكن، هل لا تزال حليفة للولايات المتحدة بالفعل؟ وكما أظهرت بعض وثائق وزارة الخارجية الأميركية الأكثر إثارة للاهتمام والتي كشفت عنها تسريبات موقع «ويكيليكس»، فإن هذا السؤال أثار جدلا لدى إدارتين أميركيتين متعاقبتين.

وخلال ثماني سنوات من خضوعها لحكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، أصبحت تركيا شيئا من نموذج العلاقات المخادعة في القرن الحادي والعشرين التي يتعين على الولايات المتحدة أن تديرها.

واعتادت تركيا على أن تكون دولة شمولية اتحدت مع الغرب بشكل موثوق. والآن، أصبحت تركيا دولة ديمقراطية تمتلك اقتصادا مزدهرا وطموحات جغرافية وسياسية كبيرة. وقد منحت قوة التأييد الشعبي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الثقة لكي يقوض السياسة الأميركية في إيران وأن يدعم القادة المعادين للولايات المتحدة في السودان وسورية، وأن يجعل إسرائيل عدوا قريبا، مع نشر قوات تركية في كابل، والاعتماد على الولايات المتحدة في مساعدة جيشه على محاربة المسلحين الأكراد.

ولا تزال منطقة الشرق الأوسط تمتلك حكاما مثل الرئيس المصري حسني مبارك، وهو رجل قوي وعنيد يدعم بهدوء المصالح الاستراتيجية لأميركا ولكنه يرفض دعواتها لتطوير نظامه. ويرى أردوغان هذا على أنه فرصة لكي يصبح وسيط القوى في المنطقة. وأوضحت برقية أرسلتها السفارة الأميركية في أنقرة خلال العام الحالي ذلك بقولها: «تجاوزت تركيا الأنظمة (غير الديمقراطية) في درجة وصولها إلى (الشارع العربي)، اعتمادا على مشاعر الإعجاب المزعومة بين سكان منطقة الشرق الأوسط بنجاحها الاقتصادي وقوتها واستعدادها للدفاع عن مصالح شعبها. لذا فإن الخطابات المحمومة عن إسرائيل، ألقيت بحسابات دقيقة إلى جانب العاطفة».

ويبدو داود أوغلو إحدى الشخصيات الرئيسية في برقيات «ويكيليكس»، حيث وصف بأنه «خطير بشكل استثنائي» وأنه «تاه في أوهام الدولة الإسلامية العثمانية الجديدة». وعند وصوله إلى واشنطن بعد ساعات قليلة من نشر هذه الأوصاف، قبل اعتذارا من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وقلل من الضرر الذي قد يترتب على الكشف عن هذه البرقيات، وتبنى على الأقل جزءا من تحليل السفارة. وذكرني أوغلو بهذا بقوله: «بريطانيا تمتلك رابطة اتحاد مع مستعمراتها القديمة. فلماذا لا تعيد تركيا بناء زعامتها في الأراضي العثمانية السابقة بدول البلقان والشرق الأوسط ووسط آسيا؟».

ومن الرائع اتباع التغيرات العاطفية في التحليل الأميركي لهذا الشريك الذي يتغير بشكل سريع. وقد وصف أردوغان بشكل لاذع من قبل السفير السابق إريك إديلمان بأنه يمتلك «نزعة استبدادية انعزالية»، وخلص جيمس جيفري، خليفة إديلمان إلى أن أردوغان «يكره إسرائيل ببساطة» وأن دافعه للسيطرة الإقليمية «لم يحقق أي نجاح يذكر». ولكن الوثائق التي تم الكشف عنها احتوت أيضا على الإعجاب بمهارات أردوغان السياسية ودورها في لبنان وباكستان وحتى في سورية.

وفي الحقيقة، يبدو أردوغان، كزعيم محتمل ل«الشارع العربي» أكثر جاذبية من كثير من منافسيه مثل حسن نصر الله، زعيم حزب الله. وفي النهاية، تعتمد تركيا على التجارة والاستثمارات الأوروبية؛ وهي ترغب في تحقيق الديمقراطية بالعراق وعدم امتلاك إيران لأسلحة نووية ونجاح جهود قوات حلف الناتو في أفغانستان. وما زالت تركيا تعترف بإسرائيل. وهي، في الأصل، دولة ديمقراطية إسلامية حقيقية، وهو ما يعني أن تحقيق هذا الأمر يبدو أكثر صعوبة، وأن تركيا، تبدو بطريقة ما، أكثر من مجرد حليف قياسا بما كانت عليه.

وكتب جيفري في رسالة تم الكشف عنها: «في النهاية، سوف يتعين علينا العيش مع تركيا التي يدفع سكانها الكثير مما نراه. وهذا يدعو إلى تبني طريقة طرح كل مسألة على حدة، والاعتراف بأن تركيا سوف تسير غالبا في طريقها». وأشار جيفري إلى أن: «المجموعة الحالية من القادة السياسيين يمتلكون توقا خاصا للدراما المدمرة والخطابات الحماسية. ولكننا لا نرى بديلا أفضل في الأفق، وسوف تظل تركيا مزيجا معقدا من المؤسسات الغربية عالمية المستوى وبين الكفاءات والتوجهات والثقافة الشرق أوسطية والدين».

ولا عجب في أن داود أوغلو كان مبتسما لأن تقارير وزارة الخارجية، صورت تركيا الجديدة، في نهاية الأمر، بشكل أفضل.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ