ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 02/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

إحراجات ويكيليكس

محمد كريشان

2010-11-30

القدس العربي

'من المعروف أن الدبلوماسيين سواء كانوا أمريكيين أو غير أمريكيين يشاركون في مناقشات صريحة مع مسؤولين حكوميين وأفراد من جميع مناحي الحياة، ويجب أن تبقى هذه المناقشات الصريحة خاصة وغير علنية، ويجب أن تكون هناك ضمانات للخصوصية إذا أريد لها أن تستمر' ... هذا ما كتبه السفير الأمريكي في الدوحة جوزيف ليبارون في مقال نشر أمس بالصحف القطرية.

لقد كان الحرج واضحا في كل سطر من هذا المقال الذي ظهر بعد أقل من يومين على ما عرف بتسريبات موقع 'ويكيليكس' وما تضمنته من آراء أمريكية في شخصيات وسياسات ونقل لوقائع وحوارات كان يفترض أن تظل سرية. ومما قاله أيضا هذا السفير صاحب الثلاثين عاما من الخبرة الدبلوماسية أن 'التقارير الداخلية لأي سفارة أمريكية تشكل عنصرا واحدا من بين عديد العناصر التي تشكل سياساتنا، التي يحددها الرئيس ووزير الخارجية في نهاية المطاف' ليخلص إلى أن مسؤولي بلاده سيظلون على التزامهم بالبقاء 'شركاء يمكن الوثوق بهم' وإلى أن الإدارة الأمريكية 'ملتزمة بالحفاظ على أمن اتصالاتنا الدبلوماسية، وهي بصدد اتخاذ خطوات لضمان أن تظل محتفظة بسريتها' حتى 'لا تتكرر تلك الخروقات مرة أخرى'.

ليس معروفا ما إذا كان مقال السفير الأمريكي في الدوحة مبادرة شخصية أم جزءا من تحرك واسع يقوم به كل السفراء الأمريكيين في الخارج لطمأنة حكومات العالم أجمع. وفي الحالة الأخيرة ستكون بالتأكيد مهام بعض السفراء في عواصم تعرض زعماؤها لكلمات أو تقييمات مسيئة ساخرة أصعب بكثير من غيرهم.

لقد وجهت تسريبات ويكيليكس ضربة قاسية للغاية للأمريكيين وهي أشبه بتسريب فحوى تقارير أمنية أو مضمون محادثات هاتفية سرية أو نصب كاميرات لتسجيل نقاشات في صالونات مغلقة أو حتى غرف نوم. بعد اليوم سيصبح أي مسؤول أو شخصية عامة أو حتى مجرد متزلف متبرع للأمريكيين بتحليلات وآراء، حذرا للغاية في كلامه لأنه لم يعد يضمن ألا ينشر كلامه بحرفيته يوما ما، كما أن الدبلوماسيين الأمريكيين أنفسهم قد يمارسون مستقبلا نوعا من الرقابة الذاتية في تقاريرهم السرية لأن ثقتهم في أن تظل تحت الكتمان اهتزت بقوة.

بالتأكيد سيتصرف الأمريكيون بسرعة وسيحاولون وضع حد لهذه التسريبات سواء قام بها مستقبلا موقع 'ويكيليكس' أو غيره، لكن ما لم يكن ممكنا تلافيه هو هذا الشرخ الذي تعرضت له علاقات واشنطن مع حلفاء كثيرين في أصقاع مختلفة من العالم. ومع جرأة ما تضمنته بعض الوثائق المسربة، فإنها في النهاية ليست غريبة جدا ولا صادمة لمن يعرف حقيقة ما يمكن أن يصدر عن الأمريكيين سواء تعلق الأمر بأصدقائهم أو أعدائهم على حد سواء. ولعل الميزة الأساسية في كل ما حدث هي وقوف كل من ورد ذكره في التقارير المسربة على الحقيقة العارية للأمريكيين فيه دون أية مساحيق. لعل ذلك يعيد لبعضهم بعض الوعي ويطرد عنهم أية أوهام كانت لديهم عن تقدير أو احترام أو حظوة مزعومة لهم عند أصحاب القرار في واشنطن.

وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تطويق الآثار السلبية لما جرى، ولو على مراحل، بفضل جهود خاصة وبفضل استعداد المسيء إليهم للنسيان وحتى الغفران بسرعة، فإن احتمال حدوث تسريبات عربية على غرار تسريبات ويكيليكس أمر كفيل، على الضعف الكبير في حظوظه، بإشعال حروب ضروس. ولهذا فلندع جميعا إلى المحافظة على المستور، إلى أن تقرأ الأجيال المقبلة ذات يوم ما يسمح بالإطلاع عليه من تقارير ورسائل ووثائق المخابرات الأجنبية عما يدور اليوم بين ظهرانينا.

===========================

تناقضات الدولة الحديثة بين منظومتي المصالح والقيم

د. سعيد الشهابي

2010-11-30

القدس العربي

يخطئ من يعتقد ان تطور النظام السياسي في الغرب قد أنهى الجدل حول دور الدولة، صلاحياتها، ومسؤولياتها، موقعها بين ان تكون مسؤولة عن ادارة شؤون الناس، او ان تتحول الى كيان 'مهاب' يخافه الناس ويستعصي على التغيير او الاصلاح، بين ان تحكم وفق القانون وتضمن سلامة تطبيقاته، او ان تحكم 'بالقانون' لتقمع المواطنين باسم ذلك القانون. السجال حول مسؤوليات الدولة وموقعها والحفاظ على هيبتها، يحتدم بشكل خاص عندما يشهد البلد تحولا في نظامه السياسي، وتتاح الفرصة لنخبه السياسية للبحث العقلي من اجل صياغة وئام وطني يحمي الدولة المزمع اقامتها. وقد شهد العراق، ولا يزال، سجالا واسعا حول المفاهيم المرتبطة بالدولة والحكم، وهو سجال لا يخلو من شد وجذب بين القوى السياسية على اسس ايديولوجية ودينية، خصوصا في غياب فريق واحد مهيمن على العملية السياسية.

ففي ايران مثلا، كان حسم الموقف بعد انتصار الثورة امرا أيسر نظرا لانها كانت ثورة ذات طابع اسلامي واضح، بقيادة فقيه ديني متفق عليه من قبل الجماهير، ولذلك لم يكن امرا صعبا تمرير اول استفتاء حول هوية النظام السياسي الجديد، فجاء الاستفتاء بنتائج حاسمة لصالح اقامة 'جمهورية اسلامية'. مع ذلك فبعد ثلاثين عاما على هذا الاستفتاء، طرحت آراء اخرى بهدف اعادة فتح النقاش حول هوية الدولة وانتمائها الايديولوجي، ولكن السجال هذه المرة حدث في شكل تحد سافر للنظام القائم، الامر الذي أشعر مسؤوليه بخطر الوضع واجبرهم على التصدي لما اعتبروه 'فتنة أشعلها الغرب ضد نظام الجمهورية الاسلامية' هذه الجدليات لم تنته بعد، بل انها تتجدد كلما حدثت ازمة في البلاد. كما انها ليست محصورة بالبلدان النامية الباحثة عن نظام سياسي جديد، بل ان الدول التي يفترض انها حسمت خيارها السياسي تجد نفسها بين الحين والآخر امام تحدي تحديد الهوية السياسية والايديولوجية للنظام.

ومن المتوقع ان تشهد الولايات المتحدة الامريكية جدلا واسعا في الفترة المقبلة حول مفاهيم 'الدولة' و'المصلحة' و'الدبلوماسية' و'الرقابة' في ضوء ما نشره موقع 'ويكيليكس' من وثائق كانت محكومة بأطر صارمة من السرية. وعندما حدثت الازمة الاقتصادية العالمية قبل ثلاثة اعوام، بدأ المفكرون الغربيون يناقشون أساس ذلك النظام، وتطرقوا لنقاشات حول النظام الرأسمالي ومدى قدرته على الصمود في ضوء حالة الضعف الشديد في النظام المصرفي الذي يعتبر العمود الفقري للنظام الرأسمالي. وبعد عشرين عاما من سقوط النظام الاشتراكي ومعه الاتحاد السوفياتي، والاعتقاد بانتهاء الفكر الماركسي، سعى منتقدو النظام الرأسمالي لاعادة فتح النقاش حول كارل ماركس، حتى ان كتابه الشهير 'رأس المال' شهد قفزة في المبيعات في تلك الفترة. هذا يعني ان الانظمة السياسية تبقى مستقرة طالما استطاعت السيطرة على اوضاعها الاقتصادية بالشكل الذي يزيل دواعي الاحتجاج والغضب لدى الجماهير، ولكنها سرعان ما تتعرض للامتحان عندما تتغير الاوضاع الاقتصادية نحو الأسوأ. وفي الأيام القليلة الماضية نشبت أزمة صامتة في اوساط حزب الاحرار الديمقراطيين في بريطانيا في ضوء الاحتجاجات الطلابية الواسعة ضد رفع الأجور التي سوف تتقاضاها الجامعات من الطلاب. وهنا تبدو الأزمة تجسيدا للجدل الذي لا ينقطع حول الصراع بين منطقي 'المبادئ' و'المصالح'. فقد وقّع رموز الحزب قبيل الانتخابات على تعهد بمعارضة رفع تلك الاجور، ولكن بعد ان اصبح الحزب شريكا في الحكم مع حزب المحافظين، وجد نفسه مضطرا للموافقة على مشروع برفع الاجور ثلاثة اضعاف.

ويمكن القول ان دول مجلس التعاون الخليجي هي الاكثر استيعابا لدور الوضع الاقتصادي واثره في استقرار الاوضاع او اضطرابها. هذه الدول ليست لديها اقتصادات حقيقية تتفاعل فيها قوى السوق صعودا او هبوطا، بل تعتمد اقتصاداتها على اسعار النفط، فعندما تتراجع يتصاعد التململ الشعبي، وتتوفر بذلك ارضية للقوى المعارضة للانطلاق في مشاريعها السياسية. ففي منتصف الثمانينات (في ذروة الحرب العراقية  الايرانية) مثلا تداعت اسعار النفط حتى وصلت الى ستة دولارات للبرميل، وتوفرت بذلك ارضية للتململ في السعودية والكويت والبحرين، وحدثت اضطرابات واحتجاجات غير مسبوقة، واكتظت السجون بالمعتقلين حتى نهاية العقد. ثم جاءت حرب الكويت لتوفر اجواء حراك سياسي جديد، تمثل بكتابة العرائض في السعودية والبحرين، بشكل غير مسبوق ايضا. ومع ان مصاديق ذلك الحراك اقتصرت في النصف الاول من التسعينات على كتابة العرائض النخبوية او الشعبية، فانها عبرت عن وجود حالة احتقان داخلي يبقى مكبوتا حتى تتوفر الظروف الملائمة لانطلاقه في العلن، وهذه الظروف قد تكون اقتصادية او سياسية كما هو الحال بعد حرب الكويت. وفي الوقت الحاضر يمكن القول ان الارتفاع الهائل في اسعار النفط التي بلغت خمسة اضعاف ما كانت عليه قبل عشرة اعوام، وفر اوضاعا اقتصادية تقوي 'الدولة' التي تتمثل في دول مجلس التعاون بالعائلات الحاكمة، ولا تعبر بالضرورة عن رغبات المجتمع المدني والنخب السياسية المثقفة. ومع ان المنطق العادي، خصوصا في ما يسمى بعصر الانترنت وانسياب المعلومات، يقتضي ان تتكثف الجهود من اجل اقامة 'الدولة الحديثة' فان هذه الجهود تصطدم بحالة 'الترويض' التي تتعمق في الاوساط المجتمعية نتيجة الوفرة المالية وتعمق ظاهرة الاستهلاك.

المال النفطي استطاع في الوقت الحاضر على الاقل 'تأجيل' الاستحقاقات السياسية بتسليط المال على الرقاب والعقول. وقوة المال وقدرته على السيطرة لا تقتصر على المواطنين المستضعفين، بل ان النخب الغربية، التي يفترض ان تكون مدافعة عن المشاريع الحقوقية والديمقراطية، اصبح لديها هي الاخرى، بسبب ظروف شخوصها او اوضاع مجتمعاتها الاقتصادية الصعبة، القابلية، للترويض والاحتواء من قبل ذوي المال والسلطان في دول مجلس التعاون. ويكفي الاطلاع على سجل المصالح بالبرلمان البريطاني لتقدير حجم ما ينفق من المال النفطي على صناع القرار في اعرق الديمقراطيات العالمية. يضاف الى هؤلاء طوابير الصحافيين والحقوقيين الذين اصبحوا يقبلون العطايا في مقابل تقديم خدمات للحكام. وما اكثر العناصر ذات النزعة التحررية والوطنية التي تم ترويضها منذ الطفرة النفطية في منتصف السبعينات، وما ادت اليه من امبراطوريات اعلامية عملاقة استوعبت هؤلاء وروضت اقلامهم. هذه الحقيقة قد تفسر بعض اسباب الجمود السياسي الذي تشهده انظمة الحكم في المنطقة العربية، بعد ان نجح المال النفطي في تأميم الاقلام واحتواء ذوي المواقف. وهنا يزداد الجدل حول الدولة ومسؤولياتها تعقيدا. فأين ترسم خطوط الفصل بين ما هو من حقوق الدولة وصلاحياتها، وما يمثل تجاوزا لكل ذلك واستغلالا غير مشروع للمنصب؟

ربما لا تزال 'الدولة' الغربية، الى حد ما، محصنة ضد تلك التجاوزات الفاضحة، ولكن في غياب خطوط الفصل الواضحة، لم يعد بالامكان الفصل بين ما هو حق او ملك شخصي، وما هو من حق الشعوب. وهنا تبرز الضرورة لاعادة النظر في تعريف 'المواطنة' ومستلزماتها، وهل يمكن ان تكون هناك مواطنة بدون حقوق دستورية واضحة. هذا التساؤل لا يزال مشروعا في ضوء استمرار العمل وفق مصطلح 'الرعايا' الذي ينطوي، في بعض جوانبه، على ابعاد عنصرية وطبقية تعيد الى الاذهان عصور العبودية. ولا شك ان غياب السجال حول المواطنة ضمن اطر دستورية واضحة، يمثل حالة اخرى من فشل محاولات اقامة الدولة التي تستمد شرعيتها من البشر الذين تحكمهم، وليس من قوة المال او السيف، او الاعلام المؤمم، او القانون الذي يتحول الى وسيلة قمع بدلا من ان يكون اداة عادلة لإدارة شؤون المواطنين.

واذا كان للبعد الاقتصادي دوره في توجيه النقاش حول النظام السياسي، فان للاوضاع السياسية والامنية دورها، هي الاخرى، في التوجيه ايضا. ففي حالة الطوارئ، كما حدث بعد حوادث 11 أيلول (سبتمبر)، فإن الكثير من القوانين التي تنظم الحريات العامة تعلق ولو بشكل مؤقت، وتستصدر تشريعات تحاصر الحريات العامة، ويقترب النظام السياسي من 'الدولة البوليسية'. وهنا تصبح الدولة مصدر التشريع الاساس، وليس المؤسسات المنتخبة التي يفترض ان تمثل الشعوب. وهذا ما حدث في الولايات المتحدة في عهد جورج بوش، وفي بريطانيا في عهد توني بلير. وتجدر الاشارة الى ان توني بلير قرر خوض الحرب ضد العراق بجانب الولايات المتحدة الامريكية بقرار مؤسس على معلومات استخباراتية خاطئة، ومنطلق من قناعة شخصية. وقد احتدم النقاش حول مدى شرعية ذلك القرار في مقابل المعارضة الواسعة للحرب. جاء موقف بلير متناقضا مع الاعتقاد السائد بان حزب العمال أقل ميلا للحرب وأكثر حرصا على السلام العالمي، وأقل حماسا للتسلح النووي. وما تزال بريطانيا تعاني من القوانين التي فرضت بدعوى مكافحة الارهاب، وما تزال آليات الدولة تصدر بين الحين والآخر اجراءات تخترق الحريات العامة بدعوى وجود مؤشرات لتصاعد الاعمال الارهابية الموجهة ضد بريطانيا. اما جورج بوش فقد اعترف في مذكراته التي صدرت مؤخرا بانه أقر ممارسة 'الايهام بالغرق waterboarding' كوسيلة للتحقيق مع المشتبه بهم، مع ان المنظمات الحقوقية اعتبرته ممارسة تدخل في نطاق التعذيب. فاذا كان رأس الدولة الحديثة قادرا على تقنين التعذيب بهذا المستوى، ولا يشعر بضرورة اخفاء ذلك او الاعتذار عنه، فيمكن القول بان الادعاء بتطور النظام الغربي على صعيد الحكم، لا يتوافق مع الواقع، وان مقولة 'نهاية التاريخ' التي طرحها فرانسيس فوكوياما للادعاء بان الديمقراطية الليبرالية تمثل ذروة تطور التاريخ البشري، قد سقطت جملة وتفصيلا. فاذا كانت الدولة الاقوى في العالم تقر ممارسة التعذيب، أليس ذلك مبررا للدول الاضعف لممارسته لمواجهة معارضيها؟

وهكذا يبدو السجال حول الدولة الحديثة امرا صعبا قد يؤدي الى الاحباط، في ضوء التطورات السياسية والامنية والاجرائية التي تمارس بحق معارضي النظام السياسي. فبعد سقوط المنظومة الاشتراكية كمثال للحكم، لم يبق من المنظومة الرأسمالية ما يشجع على احتذائها. فالتراجع الاقتصادي الذي بدأ قبل اربعة اعوام بتداعي أداء النظام المصرفي في الولايات المتحدة واوروبا الغربية، ادى الى سلسلة من التداعيات على صعيد الممارسة السياسية والحريات العامة وأضعف وهج المشروع السياسي الغربي في ادارة الدولة. ومن المؤكد ان الاحتجاجات الطلابية في بريطانيا سوف تعقبها احتجاجات عمالية وشعبية بسبب تراجع المستويات المعيشية لهذه الفئات. والدولة مسؤولة عن ذلك كله. ولذلك وجد هذا النظام الذي قال فوكوياما انه يمثل نهاية التاريخ البشري بعد ان بلغ ذروته، ان من الضروري ان يوثق علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، ليس من اجل اصلاح اوضاعها الحقوقية والسياسية، بل بهدف غير معلن، يتمحور حول امور ثلاثة: محاصرة ايران، وضمان الامدادات النفطية، وسحب الاموال النفطية الهائلة التي تكدست لدى هذه الدول والاستفادة منها في اعادة التوازن الى الاوضاع الاقتصادية في دول الاتحاد الاوروبي.

وجاء تأكيد جوزف بايدن، نائب الرئيس الامريكي في مقاله الافتتاحي لصحيفة 'نيويورك تايمر' في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي 'لن ننسحب من العراق وبدلاً من ذلك فإن طبيعة انخراطنا تتبدل من قيادة عسكرية إلى قيادة مدنية'. وبموازاة ذلك قرر الاوروبيون في قمة لشبونة الاخيرة تمتين الروابط السياسية والاقتصادية والامنية مع دول مجلس التعاون، كخيار استراتيجي. هذه الاجراءات تؤكد عددا من الامور: اولها ان الهم الاقتصادي هو المحرك الاساس للعلاقات بين دول الغرب والدول الاخرى خصوصا الدول العربية والاسلامية. ثانيها ان الدولة الحديثة، برغم ما اتخذته من ابعاد انسانية في مجالات الحقوق والعدالة الدولية والديمقراطية لا تزال محكومة بمنطق تأمين المصالح، وان المبادئ تطرح عادة تحت ضغط منظمات المجتمع المدني، ولكن الحكومات لا تلتزم بها. ثالثها: ان التزام الدولة الحديثة بمبدأ 'العدالة' ليس قيمة مطلقة، بل خاضعة لاعتبارات المصلحة الخاصة، التي تختلط فيها المصالح القومية العامة بالمصالح الشخصية للافراد. رابعها: ان هذه 'المصلحة' اقتضت في بعض الاحيان التغاضي عن غياب مقومات الدولة في البلدان الصديقة، وتم التغاضي عن انتهاكات حقوق الانسان وغياب الممارسة الديمقراطية. منطق 'المصلحة' دفع هذه الدول لتسييس هذه القضايا من جهة، وممارسة انتقائية في التعاطي مع الدول بشأنها. خامسها: ان النخب المثقفة في العالمين العربي والغربي ضعفت عن النهوض بمسؤولية تطوير النظام السياسي في بلدانها، تحت الضغوط المعيشية، وابدت استعدادا لتطويع القيم والمفاهيم لمنطق 'المصلحة' و'الخصوصية' و'العلاقات الاستراتيجية'.

وتعيش بريطانيا في الوقت الحاضر بشكل خاص اشكالية التضارب بين مستلزمات الدولة ومتطلباتها المادية من جهة والقيم التي تطرحها النخب السياسية من جهة اخرى. فبرغم محاولات تجاوز تعقيدات التورط البريطاني في حرب العراق، وتداعي الارضية الاخلاقية لحزب العمال الحاكم آنذاك، فالواضح ان الاوضاع الاقتصادية اصبحت عاملا ضاغطا لاعادة النظر في قيم النظام السياسي الغربي برمته بعد ان اتضح انه غير قادر على الدفاع عن نظامه الرأسمالي بشكل فاعل. وتجسد ازمة حزب الديمقراطيين التي تمت الاشارة اليها واحدا من مصاديق تلك الازمة. ولكن المسألة الأهم التي تتجاوز في ابعادها ما يجري في بريطانيا تتمثل بعجز النظام السياسي القائم على مقولة 'الديمقراطية' عن التعاطي مع القضايا الانسانية بقدر مقبول من العدالة والتوازن والصدقية. فبعيدا عن توسيع عضوية مجلس الامن الدولي، او تفعيل المحكمة الجنائية الدولية بدون اساليب التسسيس والانتقائية، او العمل لايجاد سلام عادل في الشرق الاوسط، او منع انتشار اسلحة الدمار الشامل، خصوصا الاسلحة النووية، فقد عجز هذا النظام عن توفير الامن لمواطنيه، وجعلهم مستنفرين دائما لتفادي الموت على ايدي الارهابيين الذين تحولوا من ظاهرة محلية الى مشكلة دولية. هذه الظاهرة كشفت ضعفا بنيويا في مشروع الدولة الحديثة التي وفرت مناخات تفريخ العنف والعنف المضاد وهي تبحث، كما تدعي، عن اسباب الامن في المجتمعات البشرية. ان غياب الامن ليس ظاهرة محلية، وسببها ليس محصورا بتطرف بعض المجموعات على اسس دينية، بل يتصل بمفهوم الدولة الحديثة الآخذة في التقلص الجغرافي والبشري، والمبتعدة تدريجيا عن الكيانات الجامعة الكبيرة، خصوصا بعد ان سعت لبناء حاضرة قائمة على الاستغلال والقهر والاستعباد والاحتلال، وهذا لا ينسجم مع قيم الدولة الحديثة المفترضة ذات السيادة والانسانية والعدل.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

===========================

اسرائيل وتعويض الحلفاء!!

خيري منصور

الدستور

1-12-2010

منذ فترة دار سجال وتناص حول حاجة اسرائيل الى حلفاء جدد وبالتحديد بعد الازمة التي تفاقمت مع تركيا ولم تنفرج بل اوشكت على الانفجار بعد ما قاله اردوغان مجددا في لبنان عن العدوان الاسرائيلي وعدم صمت بلاده على اية حماقة عسكرية محتملة ضد لبنان.

البعض يؤرخون للازمة بين اسرائيل وتركيا بدءا من تلك اللحظة التي احس بها اردوغان بالخديعة بعد ان عاد اولمرت من تركيا ليشعل حربا على غزة والبعض يؤرخ لها باللحظة الدراماتيكية التي انسحب بها اردوغان من دافوس احتجاجا على ما ورد في خطاب شمعون بيريز وفي الحالتين ثمة افراط في شخصنة الاحداث انسجاما مع الميل التقليدي لدينا نحو الشخصنة والعزوف شبه الغريزي عن التعامل مع الافكار المجردة والمفاهيم ومثل هذه التحليلات رغم محدوديتها وأفقيتها والشخصنة التي تنزلق اليها بسهولة لا تقيم وزنا للماضي حتى لو كان قريبا.. فتركيا يئست من قبول النادي الاوروبي لها عضوا وسمعت ما كان يقال عن خطورة اسلمة اوروبا اذا انضمت اليها تركيا ، هذا بالاضافة الى تحولات تاريخية كبرى في المنطقة منها ما اعاد النظر في الجغرافيا ذاتها خصوصا بعد احتلال العراق وسقوط القناع الامريكي الذي خدع العالم كله في تلك الحفلة التنكرية المُعولمة.

اسرائيل شعرت بالضيق مرارا من تركيا وبالتحديد من تصريحات اردوغان وجاء دم الاتراك الذي نزف في اسطول الحرية وسفينة مرمرة ليغرق ما تبقى من الأمل في احياء التحالف القديم ، وقد سعت اسرائيل قبل هذه الاحداث الى البحث عن حلفاء جدد في آسيا وأفريقيا ولم تسلم حتى امريكا اللاتينية من ذراع الاخطبوط لكن ما اتضح للعالم بعد الحرب على غزة وعلى ذلك النحو الذي افتضح اطروحات الصهيونية كلها جعل صورة الدولة العبرية قبيحة واعترف بذلك رئيس هذه الدولة شمعون بيريز وقال بالحرف الواحد لا بد من اعادة النظر في الدبلوماسية الاسرائيلية من اجل تجميل الوجه القبيح.

التوجه الى البلقان ليس الخطوة الاولى التي شرعت بها تل ابيب على هذا الصعيد لكن ما يثير الانتباه هو البوصلة الجيوبولتيكية التي اتجه سهمها هذه المرة الى البلقان وما يعنيه ذلك بالنسبة لتركيا.

وقبل ايام نشر في الصحافة العبرية ما يوحي بادانة الدبلوماسية الخاملة لانها اتاحت رفع التمثيل الدبلوماسي بين السلطة الفلسطينية واليونان الى مستوى السفراء ، وثمة شعور يتعاظم داخل اسرائيل حول الخسائر المعنوية والسياسية التي منيت بها حكومة نتنياهو ومن قبلها حكومة اولمرت بسبب العدوان الابادي على غزة وجاءت المواقف العنيفة الاشبه بمصدات للناشطين من كل ارجاء العالم والتي مارستها حكومة الثالوث الراديكالي الاعمى نتنياهو وليبرمان وباراك لتضاعف من قبح صورة اسرائيل ، لهذا ليس مجرد توقعات رغائبية القول: بان الحلفاء الجدد لن يكونوا كما تشتهي تل ابيب وان فلسفة التعويض لا تكون بهذا الأسلوب الشايلوكي .. قرائن عديدة تنبئ بمزيد من العزلة لدولة تريد ان تحشو الالفية الثالثة في القرون الوسطى.

===========================

التعاون العسكري بين روسيا وإيران

افتتاحية صحيفة

«روسيسكايا جازيتا» الروسية

الرأي الاردنية

1-12-2010

روسيا لم توقف التعاون العسكري التقني مع إيران، بل أوقفت تنفيذ اتفاقيات الأسلحة المحظورة بعقوبات مجلس الأمن الدولي. صرح بذلك مصدر عسكري دبلوماسي في موسكو يوم 18 نوفمبر.

وقال المصدر: «تقوم روسيا بتنفيذ بضع اتفاقيات مع إيران في مجال التعاون العسكري التقني غير المحظور من قبل مجلس الأمن الدولي، وبصورة خاصة اتفاقية توريد قذائف المدفعية من طراز «كراسنوبول» إلى إيران.

وأضاف المصدر انه «في حال تبدي إيران اهتماماً بشراء أية آليات وأسلحة أخرى غير محظورة بعقوبات مجلس الأمن الدولي فإننا جاهزون للنظر في هذه المسألة».

وكان اناتولي ايسايكين المدير العام لشركة «اوبورون اكسبورت» الروسية قد صرح للصحافيين في وقت سابق أن إيران لم تجر بعد محادثات مع روسيا حول احتمال توريد الأسلحة غير المحظورة بقرارات مجلس الأمن الدولي.

وقال ايسايكين مجيباً عن سؤال موجه إليه عما إذا كانت روسيا تورد أسلحة غير مدرجة في قائمة الممنوعات قال انه «في حال ورود طلبيات بأية أسلحة وآليات أخرى غير تلك التي أدرجت في قائمة الممنوعات فإن ذلك يمكن أن يكون موضوعاً للمحادثات.

وليس هناك أي حظر مطلق على عقد الاتفاقيات بمثل هذه الأنواع من الأسلحة ومكوناتها». وسبق لاليكسي بورودافكين نائب وزير الخارجية الروسي أن أعلن أيضاً أن روسيا لا تنوي طي التعاون العسكري التقني مع إيران رغم تخليها عن توريد منظومات «اس  300» الصاروخية المضادة للجو.

وقال الدبلوماسي الروسي: «سنواصل التعاون في تلك المسارات التي لا يطالها الحظر. ولا يدور الحديث حول إيقافه أو التخلي عنه مؤقتاً».

واعترف بورودافكين أن مرسوم الرئيس الروسي يفرض قيوداً ملموسة على التعاون العسكري التقني بين موسكو وطهران. وأضاف قائلاً: «لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أن الحظر يفرض على كل أشكال هذا التعاون».

يذكر أن مجلس الأمن الدولي اتخذ في يونيو الماضي قراراً جديداً تحت رقم 1929، يفرض لأول مرة قيوداً على توريد الأسلحة التقليدية إلى طهران، بما فيها الصواريخ والمنظومات الصاروخية والدبابات والمروحيات القتالية والطائرات والسفن الحربية.

وبعد صدور هذا القرار مباشرة ثار جدل واسع حول منظومة الصواريخ الدفاعية (إس 300) التي تعاقدت روسيا مع إيران عليها في العام الماضي، وكان يجب تسليمها في العام الجاري، وصدرت تصريحات عن مسؤولين روس تفيد بأن الحظر الوارد في العقوبات الدولية لا يشمل هذه المنظومة باعتبارها منظومة دفاعية بحتة.

ثم جاء مرسوم الرئيس الروسي ميدفيديف ليحدد هذه المنظومة بالتحديد ضمن قائمة الأسلحة الممنوع تصديرها لإيران، وثارت ثائرة الجانب الإيراني الذي أطلق تصريحاته الهجومية ضد روسيا متهماً إياها بالرضوخ للغرب وواشنطن، ولم تعلق موسكو بشيء، لكن رغم وجود مؤشرات واضحة للجميع باندلاع خلافات بين موسكو وطهران.

ورغم التصريحات الإيرانية الحادة إلا أن الواقع أن التعاون العسكري بين البلدين مستمر بنفس الوتائر التي كان عليها ولم يتوقف أو يتراجع، خاصة وأنه لا توجد بين البلدين اتفاقات شراء أسلحة هجومية، بل جميعها أسلحة دفاعية.

ولو كان غضب إيران بنفس مستوى حدة تصريحاتها ما كانت لتقبل التعاون العسكري مع روسيا برمته، ولأعطت ظهرها للسلاح الروسي ولجأت لغيره، كما أن العلاقات بين روسيا وإيران ليست فقط في بيع السلاح، بل تشمل مجالات عديدة.

وحتى في القطاع العسكري هناك بين البلدين تعاون في التدريب وإعداد القادة العسكريين وتبادل الخبرات وغيرها، الأمر الذي جعل الكثيرين يشكون في أن ما يجري بين موسكو وطهران مجرد تمثيلية متفق عليها، خاصة وأن العلاقات بين البلدين مستمرة على نفس المستوى ولقاءات المسؤولين من البلدين مستمرة.

===========================

هل يمكن تحقيق السلام بالرشوة؟

المستقبل - الاربعاء 1 كانون الأول 2010

العدد 3845 - رأي و فكر - صفحة 19

سمير الزبن

حزمة الحوافز التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل من أجل دفع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، تؤكد المؤكد الذي تكرر مراراً خلال العقدين من عمر هذه المفاوضات. فهي أن الولايات المتحدة تقارب هذه المفاوضات بكل الطرق الملتوية للوصول إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، مستحيل الوصول إليه بهذه الطرق، لكنها لا تقترب من الطرق الصحيحة والتي تقوم على أن هناك احتلالاً إسرائيلياً يجب أن يرحل عن الأراضي الفلسطينية.

تقترح الولايات المتحدة حزمة حوافز لإعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات، تتدلل إسرائيل في قبولها. وهذه الحوافز لا تضع علامات استفهام بشأن الزخم الذي أرادته إدارة الرئيس باراك أوباما في بداية ولايتها بخصوص ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وكون هذا الصراع يؤثر على الأمن القومي الأميركي، ويمس بحياة جنودها في المنطقة. لقد تراجعت إدارة أوباما أمام حكومة نتنياهو المتطرفة عندما فشلت بالضغط عليها لعوامل أميركية داخلية، وبعد نتائج الانتخابات النصفية التي أعطت الجمهوريين أغلبية في الكونغرس، بات الموقف الإسرائيلي أقوى في مواجهة إدارة أوباما، التي أخذت تسترضي حكومة نتنياهو منذ ما قبل الانتخابات النصفية. واليوم الثمن الذي تقدمه الإدارة الأميركية لإسرائيل من أجل تجميد الاستيطان تسعين يوماً في الضفة الغربية دون القدس، هو ثمن غال، ليس على جيب الإدارة الأميركية فحسب، بل وعلى الحقوق الوطنية الفلسطينية. فعندما تمنح الإدارة الأميركية إسرائيل طائرات أف-35 ضمن حزمة الحوافر، فإن تعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية يدفع إلى مزيد من اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل في المنطقة. أما استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن لحماية إسرائيل في مواجهة مطالب فلسطينية، فهو صيغة تقوم على حماية المحتل والمعتدي وجرائمه في مواجهة الحقوق الشرعية للفلسطينيين التي تأخر ظهورها عقوداً بسبب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. أما استثناء مدينة القدس من التجميد، فهو يطلق يد إسرائيل في تهويد المدينة التي لم تكف يوماً عن تهويدها بشراسة، رغم أنها أرض محتلة أسوة بباقي أراضي الضفة الغربية.

حتى تتناسب حزمة الحوافز مع إسرائيل وحكومتها اليمينية تطلب تعديلها، فقد سرب مكتب نتنياهو لوسائل الإعلام الإسرائيلية، مطالبته برسالة مكتوبة تؤكد الضمانات الأميركية في أربعة التزامات:

أولاً، الالتزام خطياً من الإدارة الأميركية بأن تجميد البناء المقترح لتسعين يوماً هو التجميد الأخير، أي أن لا تطالب الولايات المتحدة بالتجميد مرة أخرى.

ثانياً، التوضيح أن التجميد لا يشمل مدينة القدس، أي أن التجميد لا يشمل مستوطنات القدس التي تم توسيعها حتى أصبحت تعادل ربع مساحة الضفة الغربية.

ثالثاً، التزام الولايات المتحدة فرض "الفيتو" ضد أي مبادرة سياسية هدفها الالتفاف على المفاوضات، أي أن تصبح السياسة الأميركية في مجلس الأمن سياسة إسرائيلية محضة لحماية الاحتلال.

رابعاً، تأكيد أميركي بأن بحث مسألة الحدود لا ينبغي أن يكون بمعزل عن سائر القضايا الجوهرية للصراع.

وحسب المطالب الإسرائيلية، إذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد أنه خلال الثلاثة أشهر من التجميد يمكن الوصول إلى اتفاق حول الحدود، ما يعني أن عودة البناء سيكون خلف الحدود التي يتفق عليها الطرفان خلال فترة التجميد، فإن نتنياهو يغلق عليها الطريق، بربط الحدود بالقضايا الأخرى. واليوم أي مراقب للوضع يدرك أن اتفاق على كل القضايا الجوهرية مستحيل خلال ولاية حكومة نتنياهو، فهل يمكن ذلك خلال تسعين يوماً؟! حتى إن وزيرة الخارجية الأميركية، صرحت قبل أسابيع، أن الوصول إلى اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل خلال مدة عام كما وعدت الإدارة الأميركية لن تستطيع الالتزام به.

من الواضح أن حكومة نتنياهو بمطالبتها بورقة الضمانات، تقول صراحة، أنها ستحصل على كل حزمة الحوافز، مقابل لا شي. فإذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد أن حكومة نتنياهو ستقوم بتنازلات على صعيد المفاوضات خلال التسعين يوماً تكون واهمة، فما تعتقده حكومة نتنياهو أنها تقدم تنازلاً كبيراً عندما تجمد الاستيطان تسعين يوماً، وأن حزمة الحوافز مقابل هذا التجميد، وليس مقابل نتائج تخرج بها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهي بذلك تأخذ الرشوة ولكنها لا تقوم بالعمل الذي تتوقع الإدارة الأميركية أن تقوم به. إنها صيغة احتيالية اعتادتها الحكومات الإسرائيلية، وهذه الصيغة المتكررة هي التي تُبقي المفاوضات تدور في حلقة مفرغة، ولن يختلف شيء، ستعيد حكومة نتنياهو هذه المفاوضات إلى الدائرة الفارغة من جديد.

===========================

الديموقراطية قاتلة الأوطان: نماذج عن تجارب انتخابية عربية فريدة

طلال سلمان

السفير

1-12-2010

من بين شعوب الأرض جميعاً، يبدو العرب وكأنهم، بفضل أنظمتهم الأبدية، يسيرون القهقرى، أي أنهم يتراجعون عن حيث كانوا قبل قرن من الزمان إلا قليلاً..

صحيح ان العرب، وفي مختلف أقطارهم لم يعرفوا «الديموقراطية» بصيغتها المثلى، على الطريقة الغربية، والتي طالما بهرتهم - وما تزال تبهرهم - لكنهم لم يتمكنوا من ان يعرفوا الطريق السليم اليها... ولذلك أسباب لعل أخطرها ان «العرب» لم يتعرفوا الى الدولة إلا مع تبدل هوية الاستعمار: كان عثمانياً مخضعاً في حقبته الأخيرة للهيمنة الأجنبية - الأوروبية تحديداً - التي أخرت إسقاط السلطنة حتى تفرغ من الاتفاق على اقتسام هذه المنطقة جميعاً، وكانت الحرب العالمية الأولى هي اللحظة المناسبة: جاء الاستعمار الغربي (إنكليزياً وفرنسياً) الى المشرق، فقطع خريطته وفق مصالحه، موسعاً فيها المساحة المطلوبة لقيام إسرائيل.

هكذا صارت سوريا الطبيعية دولاً عدة، معظمها غير قابل للحياة إلا بالعون الأجنبي المباشر (الأردن مثالاً، ثم لبنان..)، وفي حين اقتطعت من تلك السوريا مساحة لإمارة هاشمية ستغدو «مملكة» بعد النكبة في فلسطين، فقد أقيم العراق على طريقة الفرز والضم ليكون مملكة بديلة من حجاز الشريف حسين (قائد الثورة العربية التي قادها الضابط البريطاني الغر توماس ادوارد لورنس).

ليست مبالغة القول إن دول المشرق العربي قامت على قاعدة اتفاقية سايكس - بيكو (1916) التي جاء وعد بلفور (1917) ليبلور صورتها الكاملة بإقطاع فلسطين للحركة الصهيونية بذريعة «الحق التاريخي» فيها، والتي عززها - خلال الحرب العالمية الثانية - اضطهاد المانيا الهتلرية لليهود، فكان على العرب، وشعب فلسطين بالذات، ان «يعوّضوهم» بإقامة دولة إسرائيل على ارضهم... وقد أقيمت بالقوة التي تواطأ على توفيرها العالم كله - بغربه وشرقه - لتكون الفاصل بين مشرق الأرض العربية ومغربها، اذ هي تقطع بين كل من سوريا ولبنان والعراق، وما خلفه حتى بحر العرب والمحيط الهادئ، وبين مصر وما خلفها غرباً حتى المحيط الأطلسي.

وكان العجز العربي في مواجهة المشروع الإسرائيلي فاضحاً الى حد الهزيمة الجارحة بكل نتائجها المروعة: طي صفحة المشروع العربي للتحرر والتوجه نحو حلم الوحدة ولو بحدها الأدنى، أي التكامل، التي أريد من جامعة الدول العربية ان تجسده... في الهواء!

بالمقابل، كانت أقطار المغرب الغربي جميعاً تحت الاستعمار الفرنسي، أما ليبيا فقد شارك الإيطاليون فيها البريطانيين والفرنسيين ثم جاء الاميركيون في أوائل الستينيات.

في ما عدا مصر لم يكن في هذا العالم العربي المترامي الأطراف «دولة». وحتى مصر كانت مخضعة لاحتلال بريطاني امتد حتى العام 1956، ثم شهدت محاولة لعودته اليها ثلاثياً (فرنسا وإسرائيل الى جانب بريطانيا) عبر العدوان الثلاثي في الربع الأخير من العام 1956.

اذن، لا دول عربية حتى منتصف القرن الماضي، وهذه «الدول» التي استولدت ضعيفة مقطعة الأوصال، على قاعدة طائفية أحياناً (لبنان، مع محاولة فاشلة في سوريا) وعشائرية أحيانا أخرى (إمارة شرقي الأردن) ومختلطة في حالة العراق الذي لم يكن لكيانه السياسي وجود مستقل فاستحدثه البريطانيون بما يناسب مصالحهم في عشرينيات القرن الماضي، مع حرص شديد على عزله عن الخليج العربي بدءاً من الكويت، وعن شبه الجزيرة العربية (السعودية تحديداً) لأسباب نفطية!

منطقياً: منذ 1948 كانت إسرائيل هي «الدولة» الوحيدة في المشرق العربي، المبنية على النموذج الغربي، والتي جاءت إليها الأحزاب والنقابات كما الجيش جاهزة تتنافس داخل الكيان، ولكنها جميعاً مجندة لخدمة «مشروعها السياسي» الذي كان عنوانه احتلال فلسطين وطرد نصف شعبها منها، وإرهاب جميع الدول المجاورة بحروب لا تقدر عليها كما دلت الهزيمة العربية في فلسطين 1948.

كيف تكون «ديموقراطية» والأرض محتلة، والحكم للاستعمار ووكلائه، او للجيوش التي جعلتها الهزيمة تنتبه الى ان العدو خلفها ايضاً، في العاصمة، وليس أمامها في الجبهة التي تعجز عن حمايتها، فكيف بالنصر فيها؟

جاءت الهزيمة بالجيوش الى السلطة، والجيش جسم عسكري منضبط يعتمد على الإمرة وإطاعة المرؤوس رئيسه بغير نقاش.

كانت الأحزاب القديمة مدانة بالفساد ثم بالهزيمة، وكان عليها ان تخلي الساحة لأحزاب جديدة، بعضها كان قائماً ولكنه «منتهي الصلاحية»، وبعضها الآخر كان فتياً، ولكنه لا يستطيع الوصول الى السلطة الا عبر الجيش وبالاشتراك معه... وهكذا توالت الانقلابات العسكرية (او الثورات) في أعقاب الهزيمة، حاملة الجيوش الى السلطة، على أمل العودة الى مهمة تحرير الأوطان، فضلاً عن فلسطين، في وقت لاحق، ومتى توفرت للحكم الجديد عناصر القوة.

لا ديموقراطية في الوطن العربي من أدناه الى أقصاه: هذه حقيقة قد تكون جارحة، ولكن لا مفر من الاعتراف بها.

إن أهل النظام العربي يعتبرون أنفسهم التجسيد الحي للإرادة الشعبية... والاستفتاء هو الطريق الأقصر الى ديموقراطية مصنعة يدوياً، لا تعرف المعارضة، فان قبلت ببعض رموزها المتهالكة فمن اجل الحصول على شهادة بالانفتاح والمعاصرة واحترام التنوع والسماح بحرية التعبير عن المعارضة، وان مدجنة وتجهر بولائها للسلطان وتدين المعارضة الأخرى، «المتطرفة» و«الانقلابية» ولا تمانع في اتهامها بوطنيتها، تاركة للسلطان ذاته ان يبدو متسامحاً وحريصاً على الديموقراطية بدليل انه «يضربها بلطف»، ويؤدبها حتى لا تؤذي نفسها اذا جنحت الى السلطة او تطرفت فأثارت الفتنة وقسمت الشعب الموحد خلف القائد التاريخي!

الانتخابات؟ فلتكن! ولنقدم الدليل الحي على الإيمان بالديموقراطية!

ليرشح نفسه من شاء من المواطنين، معارضين من كل الأنواع، فيهم الشيوعي وفيهم الأصولي، فيهم المتدين الرزين وفيهم المتطرف الهائج، فالكلمة للشعب، او من ينوب عنه في تجسيد إرادته. وهكذا يندفع الجميع الى خوض الانتخابات بالأمر: اليساري واليميني والوسطي، الإقطاعي والفلاح والعامل، المثقف والأمي والبين بين. للجميع الحق في الديموقراطية طالما انهم يسلمون بشرعية القائد وحكمته وإيمانه العميق بالديموقراطية، بدليل انه يكون في العادة اول من يقترع وآخر من يعرف بنتائج عملية الاقتراع، مطمئناً الى ان «شعبه الطيب» لن يؤذي نفسه باللعب في المنطقة الحرام!

 

ثمة نماذج أخرى للديموقراطية في الوطن العربي هي «الديموقراطية الطوائفية»!

لا تتوقف كثيراً أمام التناقض بين الطائفية والديموقراطية. عليك ان تسلم بالواقع. الا يتشكل الشعب من طوائف ومذاهب وعناصر متعددة..؟ اذن فلماذا لا يكون لكل «فئة» ان تعبر عن نفسها بحرية كما كان يجري في لبنان، الذي بات الآن قدوة ونموذجاً فذا لديموقراطية الحرب الأهلية؟ وهذا هو العراق تحت الاحتلال الاميركي ليقدم تجربة غير مسبوقة في إلحاق الهزيمة بالاحتلال عن طريق الديموقراطية الطوائفية. صحيح ان في ذلك شيئاً من الخطر على وحدة الشعب، وبالتالي وحدة كيانه السياسي، لكن الصحيح ايضاً ان الديموقراطية أهم من الوحدة، وتمكين الرعايا من ان يقرروا صيغة نظامهم الجديد هو فتح جديد في عالم الديموقراطية.

ثمة نموذج ثالث لديموقراطية أهل النظام العربي قدمه الحاكم في اليمن سعيداً منذ ثلث قرن تقريباً: السلطة كل السلطة لحزبه، والمعارضة لأشتات المختلفين معه، لا فرق بين زيدي وشافعي الا بحجم القمع، فالحوثي لا يشفع له انتماؤه الى مذهب الحاكم - الإمام - الخليفة الرئيس (الزيدي) بل تجرد عليه الحملات العسكرية التي تدفعه الى الحدود الملغمة بالخلافات التاريخية مع السعودية، لاستدراج تعاونها مع النظام، و«الشافعي» في الجنوب يتحول الى «عناصر من القاعدة» توسع دائرة نفوذها، بحيث تصير مصدراً للخطر ليس على النظام وحده، بل على «الاستقرار» في منطقة منابع النفط السريعة الاشتعال في شبه الجزيرة العربية، وعلى طريق النفط من منابعه الى مستهلكيه في الغرب، وأساساً على الشركات - الإمبراطوريات التي تتحكم في انتاجه وفي أسعاره وفي طريقه الى البلاد الباردة او المتقدمة صناعيا والتي تحتاجه أكثر بما لا يقاس من أهل المنبع... المتخلفين!

أما السودان المخضع لحكم عسكري بشعار ديني فيمكن لحزب حاكمه ان يلتفت اليك شامتاً: هل اطمأننت الى إنجازنا الديموقراطي.. لقد اعتمدنا الديموقراطية فانتهينا الى انفصال الجنوب، وربما سيليه انفصال أنحاء اخرى، ولكن، كل هذا لا يهم، فالنظام باق، وهو أهم من وحدة الوطن! ونعود الى الديموقراطية الطوائفية او التوافقية كما يطلق عليها في لبنان:

ان هذا الوطن الصغير يتعرض الى زلزال سياسي مع كل انتخابات نيابية او رئاسية تجري فيه... والفضل لتلك الديموقراطية التي تمنع قيام الدولة بمعناها المألوف والمعروف، وتجعلها دائماً معرضة للتفكك!

والديموقراطية التوافقية مثل ديموقراطية الحاكم الفرد لا تبني دولة بل هي تهدم مشروع الوطن، اذ تفتح الباب لتدخل «حماة الطوائف» وجوداً ومصيراً او مشاركة في الحكم، ومتى دخل هؤلاء بأغراضهم ومصالحهم انتفى وجود الدولة ليبقى النظام بوصفه «مصلحة للأجنبي» الذي لا يضيره في شيء ان ينتفع الحاكم بخيرات «الديموقراطية» المصنعة على مقاس مطامحه وأغراضه.

وليس من الديموقراطية، طبعاً، ان تخير «الرعية» بين استقرار الوطن ووحدة شعبه بتأمين استمرارية النظام، وبين الفوضى او الحرب الأهلية اذا ما قرر الناس التعبير عن آرائهم بحرية قد تذهب بالدولة!

ان «ديموقراطية» أهل النظام العربي قاتلة للدول، ومدمرة لوحدة الشعب، أحياناً... وربما لهذا تستكين الشعوب العربية لأنظمتها المعادية بطبيعتها للديموقراطية، لان المفاضلة في الخيار قد تعني تدمير الدولة.

و«شبه دولة» قد يظلّ أفضل من الحرب الأهلية، او من الفوضى الدموية، في قلب الفقر والعجز عن التقدم، ناهيك بمواجهة العدو القومي الذي تمثله الهيمنة الاميركية - الإسرائيلية على المنقطة برمتها!

ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية

===========================

ما الذي يدفع المعارضة إلى مواصلة رهاناتها على المسعى السعودي - السوري ؟

ابراهيم بيرم

النهار

1-12-2010

ثمة أكثر من سبب وجيه في الحسابات الداخلية ل"حزب الله" يدفعه الى سلوك درب الرهان المتقدم على ما صار يعرف في القاموس السياسي اللبناني بالجهد السعودي - السوري لإيجاد تسوية لمسألة القرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبالتالي يدفع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى الحديث الصريح مرتين في أقل من أسبوعين عن جدية الرهان على هذا الجهد، وعن مؤشرات تشي بأن مسعى الرياض ودمشق ما انفك يتقدم وأنه بخلاف بعض الترويجات المحلية ما برح يؤتي ثماره التي يمكن أن تينع في وقت قريب على نحو يرسم صيغة تفاهم قبل صدور القرار الظني وليس بعد صدوره على اعتبار ان ما بعد الصدور أمر آخر ويوم آخر له الحسابات المختلفة تمام الاختلاف.

ولعل أول هذه الاسباب التي يتم تناولها والحديث عنها في دوائر القرار في الحزب، اقتناع الرئيس السوري بشار الاسد الراسخ برغبة بيّنة تعتمل في نفس العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لإنقاذ لبنان من تجرع كأس القرار الظني المرة، ولتجنيبه التداعيات السلبية التي ستنتج ولا ريب من هذا القرار، في حال صدوره قبل انضاج التسوية الموعودة.

وثمة في الدوائر عينها مَن يتناقل أحاديث وعبارات جدية قالها الملك السعودي في أكثر من مناسبة أمام الرئيس السوري تنطق برغبته وتعهده "حماية لبنان من القرار الظني" قبل القمة الثلاثية في قصر بعبدا، وفي أثناء هذه القمة وحتى الامس القريب.

وبناء على ذلك فإن أوساطاً في المعارضة عاشت لفترة من الفترات على تصوّر فحواه أن هذه "الحماسة" للمعالجة مؤداها ابعاد القرار الظني والحيلولة دون صدوره أصلاً قبل أن تعود هذه الاوساط لاحقاً لتتخلى تدريجاً عن هذا "التفاؤل" وتقتنع بأن المعالجة هدفها الاقصى الحيلولة دون ظهور تداعيات للقرار الظني، ولكن قبل صدوره على اعتبار ان ليس بالإمكان منع اصداره.

أما السبب الثاني، فهو انه نتيجة هذا الرهان السوري بادر رموز "حزب الله" الى ابداء هذا المنسوب العالي نسبياً من الترحيب والمراهنة على النتائج المرتقبة للمبادرة السعودية - السورية.

وبطبيعة الحال فإن الجهد نفسه يلتقي مع رغبة مضمرة لدى الحزب بأن يتم ايجاد تسوية سياسية لمسألة حساسة من هذا النوع تكفيه مؤونة الذهاب نحو خيارات أخرى ورهانات مختلفة، قد تؤدي الى استنزافه وتدفعه الى سلوك مسالك خشنة ودروب وعرة، لا يحب الحزب اطلاقاً أن يجد نفسه مجبراً على المضي فيها.

الى ذلك، فإن في حسابات الحزب الداخلية ومعرفته المزمنة بالذهنية والتوجهات السعودية بالنسبة الى لبنان، ما يقنعه بأن الرياض زرعت كثيراً في التربة اللبنانية، ولها فيها مصالح جمة، وهي تخشى ان يأتي حين من الدهر وتخسرها، خصوصاً اذا ما سارت رياح الامور بعد صدور القرار الظني وفق بعض السيناريوات السوداوية المرسومة والمتوقعة منذ زمن، وهي سيناريوات تضمر الرغبة في قلب الامور رأساً على عقب، والاخلال بالتوازنات القائمة والمعادلات المفروضة. وليس بعيداً من ذلك، ما يقوله بعض أوساط فريق 14 آذار من أن الحماسة اليومية التي يبديها رموز "حزب الله" حيال المبادرة السعودية – السورية، هي في الجانب الخفي والباطن منها، تستهدف "احراج" القيادة السعودية، ودفعها للمضي قدماً في المبادرة وعدم التراجع امام طلبات المعارضة.

ولم يعد سراً ان فريق الأكثرية يتحدث عن ان فريق المعارضة انما يبيع السعودية اوهاماً ويريد في المقابل اثماناً حقيقية.

وبالطبع ثمة سبب ثالث قد يكون اكثر وجاهة لدى "حزب الله" فحواه ان هذا الاسهاب في الرهان على الدور السعودي وفي الاشادة بدور العاهل السعودي انما يندرج في سياق القاء الحجة اذا ما حانت اللحظة الحاسمة واضطر الحزب الى اللجوء الى الخيارات الصعبة، اذ بمقدوره ساعتئذ القول امام من يعنيهم الامر بأنه كان متجاوباً حتى اللحظة الاخيرة وانه انتظر بفارغ الصبر نتائج الجهد المشترك وتسقّط انباءه مرحلة بعد مرحلة وخطوة بعد خطوة وتفاعل معها.

وليس غريباً الاشارة الى سبب موضوعي آخر لدى الحزب يفرض عليه انتظار المسعى اياه، اذ انه في حاجة الى ما يملأ الوقت المستقطع قبل ان يخطو الخطوة التالية، لأن ثمة مصادر تشير الى ان الحزب قرّ قراره اخيراً على عدم القيام بأي عمل او اجراء استباقي قبل صدور القرار الظني على رغم انه كانت في الاصل دعوات لدى المعارضة وفي داخل الحزب تدعو الى عدم الانتظار حتى لا يؤخذ على حين غرة.

وفي سياق متصل، ثمة لدى اوساط في "حزب الله" والمعارضة عموماً معلومات تؤكد ان الاتصالات بين الرياض ودمشق في اطار جهدهما ومساعيهما لحل الازمة اللبنانية، افضت قبل فترة قصيرة الى وضع تصور شبه متكامل للحل يقوم على:

- معالجة جدية لمسألة القرار الظني الموعود صدوره.

- ما يتجاوز هذه المسألة ويتعداها الى مسألة ادارة آليات حكم البلد خلال العامين المقبلين، بما فيها عمل حكومة الرئيس سعد الحريري والضمانات المطلوبة في هذا الاطار.

وتشير المعلومات عينها الى ان دمشق كانت تنتظر اخيراً الموفد السعودي الامير عبد العزيز بن عبدالله لوضع اللمسات الاخيرة على التصور قبل ان يعرض على الطرفين المعنيين، خصوصا في لبنان، توطئةً لاستيلاده واخراجه الى دائرة الضوء بصيغته النهائية لجعله ساري المفعول.

ولا ينكر احد القياديين في "حزب الله" ان دوائر القرار في الحزب كانت على اطلاع على كل التفاصيل والعروض الاولية لسيناريو الحل وهي في طور الولادة والتكوين مما عزز لديها الانطباع بجدية المسعى، وبجدية الرغبة السعودية في ايجاد التسوية المنشودة.

وعلى رغم ان الطرف الآخر ولاسيما رموز تيار "المستقبل" لم تكن تبدي الدرجة عينها من التفاؤل بالمسعى المشترك في خطابها العلني، الا ان مصادر "حزب الله" كانت تراهن على ان مسار الامور سيتغير عندما تحزم القيادة السعودية الامر، وتقول كلمتها الفصل.

وقد تناهى الى علم قيادة الحزب اكثر من مرة كلام منسوب للرئيس الحريري في احد الاجتماعات الموسعة لقيادة قوى 14 آذار ابلغ فيه الحضور ان عليهم الا يتفاجأوا في لحظة من اللحظات اذا ما قال العاهل السعودي الكلمة النهائية في شأن نتائج مسعاه مع سوريا.

ولكن السؤال الذي يطرح هو: هل ما زال امر التفاؤل محافظا على المستوى نفسه في الآونة الاخيرة، لاسيما بعد المرض المفاجئ الذي ألمَّ بالعاهل السعودي وبعد ورود معلومات من بيروت ذكرت ان الموفد السعودي الى العاصمة السورية قد تخلّف عن الحضور وهو حامل معه التصور النهائي الموعود للحل، ومن ثم مرافقته لوالده في رحلة العلاج الى الولايات المتحدة؟

لا تخفي اوساط في المعارضة ان ثمة موجة من "الاسترابة" حلت بها بعد تلقيها انباء مرض الملك عبدالله، وبعد خروج الرجل من واجهة المشهد السياسي فجأة، بل ان ثمة ما دفعها الى التساؤل: هل الامر هو كذلك ام ان وراء الأكمة ما وراءها من تطورات بعيدة عن الانظار تتصل بقصور الحكم السعودي في الرياض، وعما اذا كان كله يستبطن رغبة مضمرة في التحلل من موجبات التعهدات السابقة وإن بشكل تدريجي؟

وعلى رغم ان هذه التساؤلات والهواجس حضرت دفعة واحدة امام اطياف في المعارضة، الا ان ما جعلها تُستبعد من الحسابات وقائع ومعطيات عدة ابرزها:

- ان شيئاً رسمياً لم يأت من دمشق يجعل هذه العاصمة المعنية مباشرة بالموضوع تعيد حساباتها وبالتالي تقطع الرجاء والامل، كما انه بعد ذهاب الملك السعودي في رحلة علاجه الى الخارج ظهر السيد نصرالله قبل أقل من 72 ساعة ليجدد الرهان على تقدم المبادرة السعودية - السورية، وقبله كان الرئيس نبيه بري يؤكد ان ليس في الأفق ما يدفع الى نعي المبادرة.

الى جانب ذلك، برزت في الافق السياسي خلال الايام القليلة الماضية مؤشرات لعروض أتت من أكثر من جهة ومن بينها الدوحة تنطوي على فكرة تأجيل اصدار القرار الظني مدة أقصاها شهران، على ان تعود عجلة العمل الحكومي الى الدوران.

ومع ان المعارضة لم تبدِ حماسة لهذه الفكرة، الا ان العرض نفسه أعاد احياء الأمل مجدداً بامكان مضي المسعى السعودي - السوري قدماً رغم ضيق الوقت.

===========================

"ويكيليكس"... انهيار الازدواجية !

نبيل بومنصف

النهار

1-12-2010

قد لا يكون مبالغة وغلواً في التقديرات ان اعتبرت "عاصفة ويكيليكس" بعد اسابيع قليلة الحدث الاول العالمي في السنة 2010 المشارفة نهايتها. وما يعنينا، نحن في لبنان، من هذه العاصفة لا يتصل فقط بالمشاهدة كأننا على قارعة الطريق بل ايضا لاننا على جاري عاداتنا وعادات الآخرين المجهولين والمعلومين حيالنا جربنا ظاهرة مماثلة مصغرة لهذه العاصفة قبل ان يذوق طعمها معظم العالم. فما اودى بأزمتنا الراهنة الى حد التضخيم الاستباقي لم يكن مستندا الا الى التسريبات المنهجية حول التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولا داعي للتبحر اكثر في ابراز نقاط المقارنة بين مفاعيل التسريبات في حدث عالمي وحدث لبناني.

من وحي هذا "التقاطع" في ذاكرة لبنانية بالكاد تلتقط انفاسها للالتفات الى ما احدثته "عاصفة ويكيليكس" وحتى سواها من الاحداث الدولية الاخرى، تبدو نقطة الاثارة القصوى في هذا الحدث غير المسبوق هي انه مزق شر تمزيق النظام العالمي للسرية الديبلوماسية الذي يضاهي بأهميته وخطورته نظام السرية العسكرية والاستخباراتية للدول. وبعد هذه العاصفة القضائية التي مدها "مجهولون" في الكواليس الاميركية بأضخم ارشيف للاسرار في العالم، بات هذا العالم مكشوفا وعاريا تماما من ورقة التين – حتى لو تبدى بعد حين ان هناك "مؤامرة" مدبرة من اميركا على اميركا وسواها من الدول ولا سيما منها الدول العربية والخليجية.

بازاء ذلك، لنترك الامر الى "خبرائه" الدوليين، ونتساءل: امام هذا الانكشاف للديبلوماسية امام الصحافة الالكترونية التي اضحت وسيلة مرعبة مسلطة على المتلقي، حاكما كان أم محكوماً ووسيلة استخدام استخباراتي من الدرجة الاولى "الممتازة"، ماذا تعني عاصفة ويكيليكس بأبسط المعايير والمفاهيم الانسانية والشعبية العادية؟

انها ببساطة دليل على انهيار الازدواجية في السياسات على يد التكنولوجيا لا اكثر ولا اقل. قد تكون هذه العاصفة اضخم حدث تجسسي عرفه العالم القديم والحديث سواء بسواء. وقد تتكشف تباعا عن افدح الاضرار في النظام العالمي مع نصب الافخاخ للدول في مناصبة بعضها للبعض الآخر بمزيد من الازمات الدولية.

ومع ذلك ترانا نتساءل في لبنان، امام مفاعيلها، ماذا لو انهارت عندنا حجب الاسرار عن الجميع وهوت اوراق التين عن سائر القوى المتحكمة بمصيرنا؟ ماذا لو انهارت الازدواجية القاتلة بشقها الاقليمي والداخلي التي استرهنت لبنان منذ عقود ولا تزال تسترهنه وتستتبعه بالدم والنار والسياسة سواء بسواء وتحجر عليه وطنا نصف مذبوح بصفة دائمة؟

لنتخيل عاصفة فضائحية لبنانية مماثلة وصافية لا مكان فيها للمؤامرات، بل فقط مجرد تعرية متجردة للاسرار منذ عام 1969 لا 1975 فحسب، اي منذ دُقّ المسمار الاول في هيكل الدولة، ولا ترانا نبالغ ان توقعنا يوماً سيأتي لتفجير هذا "المستودع الشيطاني" بحق. سيكون ذلك يوم محكمة المحاكم، بلا صفة دولية او محلية، لان حصيلته الافتراضية تعني رأساً انهيار الازدواجية والباطنية التي دمرت لبنان على يد الباطنيين الخارجيين وبالاستناد الى لعبة الموت التي اسلس القياد لها اللبنانيون المتعاقبون على منح كل خارج هذا الامتياز. ثم ان انهيار الازدواجية عن المشهد الداخلي نفسه سيكون هو بذاته الزلزال الذي لن تبقى معه وجوه وسطوات وهيبات ومهابات الا وتذهب الى اسوأ المصائر. ولعل "عدالة" كهذه هي اشبه بالديكتاتوريات الشمولية في احدى جوانبها لانها تزعزع ركائز واقع قائم من دون ضمان واقع افضل مكانه. وقد تكون اقرب الى ثورات تهديم وتقويض عارمة. لكن عاصفة ويكيليكس توفر في المقابل الانذار المبكر السريع للسياسات الهدامة في ازدواجيتها، حتى لو لم تكن دوافع هذه العاصفة في اي وجه من النوع "الاخلاقي" ولا كان هدفها اصلاح العالم حتماً بل زعزعة الكثير من انحائه.

===========================

1000 مليار دولار..إنفاق الناتو على القتل!

بقلم: مانليو دينوشي وتوماسو دي فرانسيسكو‏

موقع Monolialisaton.ca

ترجمة

الأربعاء 1-12-2010م

ترجمة: محمود لحام

الثورة

صرّح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «أندريس فوغ راسموسين» في ختام قمة الحلف التي عقدت في لشبونة بأن هذه القمة هي الأكثر أهمية في تاريخ الحلف والذي حقق نجاحاً كبيراً..

والمرحلة المقبلة سشهد تجديداً في بناء وهيكلة وفلسفة الحلف في إدارته للحروب والمواجهات القادمة.‏

كلام «راسموسين» فيه الكثير من الدلالات وخاصة في ظل الإصلاحات الجذرية في قيادة الحلف وكذلك في إطار الشراكة مع روسيا، فيما يتعلق بالدرع الصاروخي، وأيضاً الآلية التي سيعمل من خلالها الحلف في السنوات القادمة.‏

لقد قام الحلف أساساً بهدف احتواء ومواجهة حلف وارسو الذي تأسس عام 1955 ومرّ حتى الآن بمرحلتين: أولاً: مرحلة الحرب الباردة وثانياً: مرحلة ما بعد الحرب الباردة وفي كلتا المرحلتين كان أداء الحلف جيداً جداً وفق رأي أمين عام الحلف. أما اليوم فقد بدأت المرحلة الثالثة والتي سيكون الحلف فيها أكثر تطوراً وأكثر فعالية وقدرة على العمل مع كافة الشركاء وفق جميع المستويات والكلام لا زال ل«راسموسين».‏

الناتو لديه قوة عسكرية لا يمكن لأي عدو أن يقف بوجهها، كما أنه يمتلك مخزوناً من الأسلحة النووية تشكل القوة الرادعة أمام دول تمتلك تقنية صناعة الأسلحة النووية، رغم أن خطر هجوم عسكري واسع ضد أراضي الحلف هو ضعيف جداً، لكن الخطر الأكبر والمحتمل (حسب رأي راسموسين) قد يأتي من هجمات صاروخية.‏

فاليوم هناك أكثر من 30 بلداً في العالم تمتلك تقنية صناعة صواريخ قاذفة. ولذلك القمة أطلقت مشروع الدرع المضاد للصواريخ وتسعى إلى نشره وتوسيعه وبالفعل تم عرض المشروع على روسيا التي رحبت بحذر، بل وطالبت بأن تعامل كشريك كامل إن أراد الحلف مشاركتها بالمظلة الصاروخية.‏

وبالتأكيد تبدي روسيا مخاوف من هذا المشروع إذ تعتبره تهديداً لها وترى أن الناتو بهذه الخطوة يسعى إلى ابتلاع روسيا.‏

ولإزالة هذه المخاوف دعا الحلف الرئيس «ميدفيديف» للمشاركة في قمة الناتو- روسيا التي عقدت في لشبونة بعد قمة الناتو، أي في 20/11 من أجل تعميق التعاون السياسي وتدعيم الأمن المشترك.‏

إن فلسفة الحلف، كما يشير راسموسين تقوم على فكرة الدفاع عن أرض الحلف وعن سكانه ال900 مليون ليس فقط ضمن حدود الدول الأعضاء في الحلف، فالعولمة جعلت اقتصادات دول الحلف مرتبطة أكثر فأكثر بالامدادات والواردات القادمة من دول العالم الثالث ولذلك إن هجوماً على خطوط الامدادات قد يؤدي إلى نتائج دراماتيكية على أمننا كما هو حال الناقلات النفطية عند مرورها عبر مضيق (هرمز) بين إيران وعمان في مدخل الخليج العربي، لهذا من الضروري أن يستفاد من قوات بلدان الحلف ال28 المرابطة ضمن حدود هذه الدول أو المنتشرة في المناطق الحساسة في العالم عبر نشرها بسرعة خارج أراضي الحلف وفق المصالح العليا للناتو.‏

كما هو حال عمليات الحلف في كوسوفو التي تهدف إلى بناء الاستقرار حسب زعم راسموسين وكذلك العمليات البحرية في المتوسط وفي السودان حيث تساعد قوات الحلف القوات الإفريقية في وضع حد للعنف ولتحسين الأوضاع الإنسانية.‏

أما في القرن الافريقي حيث تقوم القوات الأطلسية في حماية خطوط الامدادات من هجمات القراصنة ودائماً حسب زعم (راسموسين)‏

أما في العراق فقد ساعدت تلك القوات في تدعيم القوات المحلية وفي أفغانستان ودور قوات (ايساف) في تحسين الأوضاع حسب رأي الأمين العام للحلف أيضاً.‏

لكن الواقع هو عكس ذلك تماماً فأينما حلت القوات الأطلسية حل الدمار والقتل وفقد الأمن وازداد القنص والسلب، فعن أي دور يتحدث وبأي فضل يتغنى!!‏

لقد سعت الولايات المتحدة لترسيخ قيادتها لباقي الحلفاء وخاصة الأوروبيين ودائماً كانت أوروبا تشكل خط المواجهة الأول مع دول حلف وارسو، لكن السيناريو لم يتغير كثيراً عام 1991 عندما حل حلف وارسو وانهار الاتحاد السوفيتي فقد استغلت الولايات المتحدة الظروف الدولية آنذاك عبر قيادتها لحرب الخليج الأولى وعبر إملاء إرادتها على حلفائها في الناتو.‏

عام 1991 اجتمع حلف الناتو في روما وأعلن عن تطبيق مفهوم استراتيجي جديد لتلك الفترة حيث تم اقرار فكرة أن أمن دول الحلف قد يكون خارج نطاق هذه الدول، حيث تم تطبيق هذا المفهوم في البلقان والبوسنة بعد الإخفاق المقصود لدور الأمم المتحدة عام 1994 ووقتها كانت الولايات المتحدة هي المحرض على الحرب التي كان من الممكن تجنبها وتجنب ملايين السكان في تلك المنطقة من ويلاتها.‏

كذلك راح الحلف يتوسع في الدول التي كانت تشكل سابقاً ما يسمى حلف وارسو ودول الاتحاد السوفييتي السابق وهكذا عام 1999 تم ضم بولندا وجمهورية التشيك وهنغاريا وعام 2004 كان الموعد عند استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وعام 2009 ألبانيا وكرواتيا ويتم الآن الإعداد لدخول مقدونيا وأوكرانيا وجورجيا والجبل الأسود.‏

لقد كان للحلف اليد الخفية في الحرب التي قامت بين جورجيا وروسيا صيف عام 2008 وذلك للضغط على روسيا وبسط هيمنة الناتو على أوسع نطاق ممكن في منطقة القوقاز.‏

أما اليوم فالولايات المتحدة لازالت تحكم سيطرتها على قيادة الحلف ووفق المتوقع سيزداد الإنفاق العسكري للدول الأعضاء في الناتو إلى 1000 مليار دولار سنوياً وهذا الرقم يعادل ثلثي الإنفاق العسكري العالمي.‏

===========================

أميركا والصين والأزمة الكورية

 بقلم :صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية

البيان

1-12-2010

بعد الهجوم الذي شنته كوريا الشمالية على جزيرة تابعة لنظيرتها الجنوبية، يرسل الرئيس الأميركي باراك أوباما حاملة طائرات إلى البحر الأصفر، الأمر الذي يثير ضيق الصين ربما كان هذا جوهر الأمر. فلابد لبكين أن تكبح جماح حليفها المراوغ.

 

لقد اتخذ الرئيس أوباما خطوة استراتيجية ذكية، بعد هجوم بالصواريخ شنته كورية الشمالية، وأسفر عن مقتل اثنين من المدنيين وجنديين أخيراً في كوريا الجنوبية. وقرر أن يكون الرد بزيادة القوة البحرية، وهو رد موجّه ليس فقط إلى كوريا الشمالية، بل أيضاً إلى حليفتها الأقرب الصين.

 

أمر الرئيس الأميركي بتحريك قوة حاملة طائرات ضاربة في البحر الأصفر قبالة الساحل الغربي لكوريا الشمالية، الذي كان مسرحاً لإطلاق المدفعية من كوريا الشمالية على جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية. لكن هذا أيضاً منطقة تدعى بكين بشدة أنها ضمن حدودها المائية.

 

ومن خلال إرسال حاملة الطائرات «يو إس إس جورج واشنطن» لإجراء مناورات مشتركة مع كوريا الجنوبية، فإن الرئيس أوباما يغامر بمواجهة مباشرة مع الصين. فقد حذر كبار المسؤولين العسكريين الصينيين في الشهور الأخيرة الولايات المتحدة من إرسال سفن أو طائرات إلى البحر الأصفر. ووعدوا برد انتقامي مالي.

 

إن الصين «لن تتحمل» مثل هذا الاستفزاز البحري من قبل الولايات المتحدة، هذا ما كتبه ميجور جنرال «لو يوان» من جيش التحرير الشعبي الصيني في مقالة افتتاحية له في أغسطس الماضي. وقال: «لنتخيل ماذا ستكون العواقب إذا كانت الولايات المتحدة، أكبر مدين للصين في العالم تتحدى الدولة الدائنة لها وهي الصين».

 

إن أي تهديد من الصين ببيع ما لديها من 750 مليار دولار من الديون الأميركية لا يمكن أن يؤخذ باستهانة. سوف يتردى اقتصاد الولايات المتحدة إذا توقف الصينيون عن إعادة تدوير إيراداتهم من الصادرات في سندات الخزانة الأميركية.

 

ولكن بالنسبة لأوباما، فإن خطر نشوب حرب كورية أخرى، والأكثر أهمية، مسألة وصول صادرات كوريا الشمالية من المواد النووية وطرق تصنيعها إلى الشرق الأوسط قد ينظر إليه باعتبارها مخاطرة أكبر.

 

بعد هذا الهجوم الأخير على كوريا الجنوبية من قبل النظام الطائش للرئيس «كيم يونغ-إيل»، اضطرت الولايات المتحدة إلى استخدام دبلوماسية البوارج العتيقة، وإرسال رسالة للصين بأنها يتوجب عليها أخيراً كبح جماح حليفتها وجارتها المخادعة.

 

في الحقيقة، ليس أمام واشنطن أية خيارات أخرى لتغيير سلوك «بيونغيانغ»، سوى إجبار الصين على التصرف إزاء هذا الأمر. في الماضي، قامت بكين بقطع إمدادات الوقود الحيوي إلى كوريا الشمالية بشكل مؤقت، بعد الهجمات العنيفة على كوريا الجنوبية.

 

ولكن في الآونة الأخيرة، تفضل الصين التزام الصمت، لا سيما بعد إغراق سفينة كورية جنوبية في مارس الماضي، ما أسفر عن مصرع 46 بحاراً.

 

وحتى فيما تناضل الولايات المتحدة والصين حول ما يمكن القيام به مع كوريا الشمالية، لا تزال هناك مسألة أكبر على المحك، ألا وهي :هل ستتشكل منافسات القوى الكبرى في القرن الحادي والعشرين من خلال النفوذ الاقتصادي لبلد ما، أم من خلال الوسائل التقليدية للقوة العسكرية في الماضي؟.

 

ومن المؤكد، أن الصين تسارع بزيادة بحريتها لإحباط البحرية الأميركية في آسيا التي لا تزال قوية. وعما قريب سوف تمتلك صواريخ لضرب السفن الأميركية. وأخيراً تنمرت سفنها على عدد قليل من الدول الآسيوية الأخرى.

===========================

آخر التوسع الضم المزدوج

آخر تحديث:الأربعاء ,01/12/2010

ميشيل كيلو

الخليج

صوت الكنيست “الإسرائيلي” قبل أيام قليلة على قانون يمنع رد القدس والجولان إلى فلسطين وسوريا إلا بعد استفتاء شعبي يوافق فيه ثلثا الصهاينة أو ثلاثة أرباع نوابهم على الخروج منهما .

 

قبل التصويت بنحو ثلاثين عاماً قرر الكنيست ضم الجولان وقبله بعشرة أعوام ونيف ضم القدس رسمياً، وتحويلهما إلى جزء مما يسمونه زوراً “أرض إسرائيل”، وإعطاء سكانهما من العرب الجنسية “الإسرائيلية” عنوة وقسراً، شاء من شاء وأبى من أبى منهم . واليوم، يجدد الصهاينة الضم من جديد، بجعله غير قابل للإلغاء بالمفاوضات وخارج صلاحيات عدد محدود من الساسة الذين قد يتخلون عنهما في أية مفاوضات مقبلة، ويربطون خروج الاحتلال منهما بموافقة شعبية تكاد تكون جماعية، حتى إنه ليمكن القول بعد قرارات التحدي هذه التي تجددت مرتين خلال أربعين عاماً، وطاولت أقدس أقداس العرب والمسلمين: إن المنطقة لم تكن في أي يوم مضى أكثر بعداً عن السلام منها اليوم، وأن نصف القرن الذي يفصلنا عن حرب حزيران واحتلال القدس والجولان ضاع كلياً على سياسات حقوقية تتمسك بالشرعية الدولية وقراراتها كسلاح صار أكثر فأكثر وحيداً بالنسبة لها، مثلما ضاعت طيلة هذا الوقت الفرص التي كانت متاحة لبناء قوة عربية تستطيع رد الأراضي المحتلة سلماً، وإلا فمن خلال كسر عنق جيش العدوان وإخراجه منها بالقوة .

 

ضاع الذي ضاع . يقول ديدبا، الفيلسوف الهندي الذي وضع حكايات كتاب كليلة ودمنة: لا تأسفن على ما فات . ومع أنني آسف كثيراً على ما فات، لأنه ضيع جزءاً غالياً من عمر أمة وشعوب متحضرة لم يعد لديها ما تعيش عليه هذه الأيام غير الإحباط واليأس والعجز، فإنني أتمنى أن يخرج علينا المعنيون بالأرض العربية المحتلة ليقولوا لنا وللعالم: نحن لم نعد نؤمن بخيار استراتيجي اسمه السلام، وسنعد من اليوم فصاعداً لحرب لا تعرف الرحمة، ولن يوقف سعينا إليها غير إعلان يصدر عن العدو المحتل يتضمن تعهداً ملزما بالانسحاب وجدولاً زمنياً يحدد مواعيد ثابتة له تضمن الأمم المتحدة والدول الكبرى تنفيذها، لأننا ما عدنا على استعداد لإعلان موقف عملي مقابل وعود افتراضية كاذبة من العدو، ونريد أفعالاً ملموسة مقابل وعودنا بالسلام مقابل الأرض، وإلا “فعلينا وعلى أعدائنا يا رب”، مع كل ما يتطلبه ذلك من فتح للحدود وتعبئة للطاقات، وحشد للقوى، وخوض لحرب نعدكم ألا تكون معركة واحدة قصيرة، بل هي سلسلة معارك لن تبقي ولن تذر، ستطحن الأرض ومن عليها كي تخرج منها أمة تريد أن تنتصر لكنها لا تعرف اليوم كيف، أو لا يسمح لها بخوض الحرب أصلاً كي تنتصر وتتجدد، وتكنس صهاينة فلسطين إلى خارجها، مرة وإلى الأبد .

 

لن يفعل أحد ما أقترحه . من أنا حتى يسمعوا ما أقول؟ لذلك أود التذكير، من خارج أية دائرة أو لغة وطنية فقدت جميع معانيها لكثرة ما تاجروا وتلاعبوا بأصولها وفروعها، بأن ضم الجولان والقدس أمر لا يجوز أن يبعث الاطمئنان في قلوب أنظمتنا، بل هو إعلان أولي عن حرب قادمة لا محالة لسببين: أولهما رمزية القدس بالنسبة إلى شعوب الأرض ذات الديانات الكتابية، وللمؤمنين كذلك بحق شعب فلسطين في الحرية والاستقلال من الذين ليسوا أهل كتاب أو دين سماوي . وثانيهما أن الجولان هو مفتاح غرب آسيا العربية الاستراتيجي وبوابة سوريا، من هنا يعني التمسك باحتلاله وضمه التمسك ببرنامج التوسع “الإسرائيلي”، الذي لن يتوقف عنده على الأرجح، وسيقفز إلى ما وراءه من مناطق ودول، ليصنع أقداراً جديدة للمنطقة ستصل تفاعلاتها إلى حدود الصين .

 

القدس برمزيتها والجولان بموقعه في خطط السيطرة والتوسع “الإسرائيلي”، التي تستهدف جميعها الشمال، في الواقع وعلى لسان كبار قادة الصهاينة، حيث الماء الغزير والجبال الشاهقة والأرض الخصبة والسهول المفتوحة . ولعله ليس أمراً يجوز أن يمر من دون أن نطرح السؤال حول المعنى الحقيقي لجعل الجولان في مرتبة مساوية لمكانة القدس، عاصمة “إسرائيل” الأبدية، كما يسميها الصهاينة . هل يعني ربط الجولان بالقدس أنه صار بدوره أرضاً أبدية ل “إسرائيل”، التي يقول رئيس وزرائها الحالي بكل وضوح إنه لن ينسحب منه تحت أي ظرف؟ وكان قد قال في كتاب سبق أن أصدره بعنوان “مكان تحت الشمس” (يجب أن يقرأه كل عربي) إن خطة السلام تعني تصفية “إسرائيل”، بما أن مرحلتها الأولى، القائمة على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ستأتي بجيوش وأسلحة العرب إلى مشارف تل أبيب، بينما ستكون مرحلتها الثانية هجوماً من جميع الجبهات على “قلب الدولة” يضع حداً نهائياً لها ويجهز تماماً عليها، فالأمم المتحدة متواطئة إذاً مع العرب على وجود “الشعب اليهودي”، وليس تطبيق قراراتها غير سكين ستذبح “إسرائيل” نفسها به من الوريد إلى الوريد، فلا خيار لها غير تفضيل الحرب على السلام، خاصة بعد خروج مصر والأردن من الصراع .

 

ليس القرار الأخير غير تحصيل حاصل، فالتوسع قاد في جميع تجارب التاريخ إلى الضم، ضم الأرض والسكان في حالات، والسكان من دون الأرض في أخرى، والأرض من دون السكان عندنا هنا في فلسطين، حيث تفتق ذهن المؤسسة الصهيونية مؤخراً عن فكرة “يهودية الدولة”، التي إذا ما طبقت أدت إلى أكبر عملية تطهير عرقي عنصري ديني عرفها الوطن العربي في تاريخه، وإلى عملية تغيير في هوية عرب الأرض المحتلة، الذين سيكونون ملزمين بيمين ولاء للدولة اليهودية مقابل أن يبقوا عبيداً من الدرجة العاشرة وخدماً فيها .

 

هذا هو السياق الذي قرر الكنيست فيه ما قرر بصدد القدس والجولان، وهو ليس جديداً في أية واحدة من مفرداته، ونعرفه جميعاً ونكتب عنه ونتألم بسببه، بل ونحتقر أنفسنا لأننا لا نستطيع شيئاً تجاهه غير الكتابة والصراخ . والمأساة أن من يجب أن يسمعوا يتصرفون وكأن الأمور لا تعنيهم، وهذا أيضاً ليس جديداً، بل هو قديم قدم “الاستقلال” العربي، الذي “طنش” فلسطين أول الأمر ثم غيرها وغيرها خلال نصف القرن المنصرم، ولم يعد لدى دولة ما تفعله غير المطالبة ب “الحقوق العربية الثابتة”، مطالبة لكثرة ما همنا بحبها وعشقناها حالت دون قيامنا ببناء قوة تستطيع رد الأرض المحتلة دونما كثير كلام تلفزيوني وصحافي عنها . لم نفعل شيئاً، مع أن حربتنا ليست والله قصيرة، ولو صدق عزمنا لكان الصهاينة في ورطة لا مخرج لهم منها، بدلالة ما حققه حزب الله خلال عشرين عاماً فقط من الصدق والتضحية والإخلاص، بواحد في مئة من إمكانات أية دولة عربية .

 

ذات يوم، احتل الفرنسيون أراض ألمانية، فجمع رئيس أركان جيش ألمانيا مارشال فون شليفن جنرالاته وطلب منهم وضع خطط لاستعادتها، في الوقت المناسب . بعد إعداد الخطط قال الاستراتيجي الكبير لضباطه: “لن نتحدث عنها (الأرض الألمانية) أبداً، سنفكر فيها دائماً” . نحن العرب، أيها السادة، نفعل العكس . دعك من الخطط، التي يتبين بعد كل معركة أننا لم نرسم شيئاً منها، إننا نتحدث عن فلسطين بلا انقطاع، لكننا لا نفكر فيها أبداً، لذلك لا نعد أنفسنا لفعل ما يلزم من أجلها، لتحريرها . بهذا السلوك، الذي يربط استعادة الحقوق بكثرة الكلام والتفاوض وبتعهدات سلمية لا تسمن أو تغني، لن تعود الأرض العربية، وستبقى محتلة إلى يوم الدين .

 

قام الصهاينة بخطوة يصح اعتبارها كاشفة: تبين ما لدى كل طرف من سياسات وأهداف وخطط وقدرات . إنها خطوة تتصل في الظاهر بالأرض المحتلة، لكنها تكشف في العمق حقائق الدول والمجتمعات والبشر والسياسات في كل مكان من منطقتنا . وهنا المشكلة والمأزق والامتحان، والمحك الجدي، الذي سيفتضح بعده ما كان قد بقي خافياً من أمورنا، وهو كثير ومعيب، والعياذ بالله .

بين الضم الأول، وتثبيت الضم البارحة، نصف قرن تقريباً ضيعناها نحن ولم يضيعها العدو، الذي يزيد استعداداته لقفزة جديدة، انطلاقاً من الأرض التي ضمها . أليس هذا الواقع في حد ذاته مأساة ما بعدها مأساة؟

===========================

ثلاثية الخروج من النفق العربي المظلم

آخر تحديث:الأربعاء ,01/12/2010

فيصل جلول

الخليج

يؤكد الصحافي البريطاني روبرت فيسك في آخر مقالاته، أن كلفة اجتياح الكويت عام 1990 تقدر ب 620 مليار دولار . يذكرني هذا الرقم الفلكي بذلك الرعب الذي ارتسم على وجه صديقي الخبير النفطي غداة الغزو الشهير للكويت، إذ قال معلقاً على الحدث المصاب: “هذه أكبر كارثة تحل بالعرب في العصر الحديث، فالعرب يعيشون كلهم من النفط وليس المنتجين فقط، والأوبك هي التي تحمي المصالح العربية، وهي بعد الغزو ستفقد هامش المناورة ومن ثم سيبذل العرب الجزء الأكبر من ودائعهم على الحرب وسيكون من الصعب إصلاح العلاقات بينهم، وستكون “إسرائيل” المستفيد الأكبر من هذه الكارثة” .

 

هذا الانطباع نشره صديقي باللغة الأجنبية حيث كان ينشر حينذاك من دون أن يعبأ أحد بكلامه تماماً، كما لم يعبأ أحد بالتحذيرات الضئيلة التي انطلقت عشية الغزو الذي كان متوقعاً وشبه معلن في حينه . أما تفاصيل الكارثة المقدرة أعلاه مالياً فهي لم تتم فصولاً بعد، فحال العراق المأساوية اليوم هي من تداعيات الغزو وكذلك انعدام الثقة بين المسؤولين العرب وضعف التنسيق في ما بينهم، ناهيك بانتشار النفاق والضغينة والاستجارة بالأجنبي والسخرية من العمل العربي المشترك، إلى غير ذلك من الظواهر السيئة التي انتشرت في الفضاء السياسي العربي الرسمي بعد اجتياح الكويت ومازالت منتشرة حتى اليوم، وهي تترسخ أكثر يوماً بعد يوم .

 

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل من وسيلة لوضع حد لهذه الكارثة؟ هل من وسيلة لعودة أجواء الثقة والتسامح والتعاون المشترك إلى العلاقات العربية العربية؟ والجواب المباشر في الحالتين هو نعم، لأن الكارثة ليست حلاً بل هي قاطرة تحمل كل العرب إلى الجحيم . فالتخلص من النظام العراقي السابق قد يبدو مريحاً للوهلة الأولى لهذه الدولة أو تلك، بيد أن الوقائع أظهرت أن ما بعد النظام السابق هو أخطر مما قبله على الشاكين من العرب والمتذمرين والخائفين، والراجح أن بعض المسؤولين العرب لن يختار التعاون الدولي ضد النظام العراقي السابق لو عاد التاريخ إلى الوراء . وحتى لا نبالغ في الاستسلام لمشاعر الندم، وحتى لا نبالغ في الاستناد إلى القوى الأجنبية للحماية من بعضنا بعضاً، ربما علينا اعتماد خريطة طريق عربية عربية تنطوي على مشروع إنقاذي وفق ثلاث مراحل:

 

المرحلة الأولى، تنص على اعتراف شامل وتام من كل المسؤولين العرب بأن اجتياح الكويت كان الأصل في الكارثة التي حلت بالعرب خلال العقدين الفائتين، وبالتالي فإن الاجتياح المذكور لا يحتمل التبرير والتأويل الإيجابي بأية صورة من الصور . وإذ يقر العرب بهذه الحقيقة عبر مؤسساتهم المشتركة فإنهم يتعهدون بالوقوف صفاً واحداً ضد كل نظام عربي أو مسؤول عربي يبادر إلى اجتياح دولة عربية مجاورة بالقوة المسلحة تحت أي ذريعة أو حجة سياسية أو تاريخية أو اقتصادية . ويتعهد العرب بأن يقفوا صفاً واحداً إلى جانب الطرف المعتدي والدفاع جميعاً عن المعتدى عليه، ومن الأفضل أن تتحول هذه النقطة إلى بند دستوري في دستور جامعة الدول العربية .

 

المرحلة الثانية تنص على وقوف كل الدول العربية من دون استثناء موقفاً موحداً لتحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وذلك عبر دعم التيار العربي المقاوم طالما أن العلاقات الدولية أخفقت خلال 17 عاماً في تحصيل تلك الحقوق وفي عهود حكومات “إسرائيلية” وغربية مختلفة، ما يعني أن القضية المركزية التي تشغل العرب وتعيق تقدمهم، تحتاج إلى هذا الحل الذي يستدعي تأييد المقاومة ودعمها لحمل “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي المحتلة كما فعلت في غزة وفي جنوب لبنان .

 

المرحلة الثالثة والأخيرة، تستدعي تعاون العرب اقتصادياً في ما بينهم من أجل علاج المشكلات التي تمس الأمن العربي من المحيط إلى الخليج، ومن بينها الاتفاق على حل خلافات الحدود، وعلى إعطاء الأولوية للعمالة العربية في أسواق العمل الخليجية، وتعهد الدول العربية الثرية بمساعدة الدول الفقيرة في مجال التنمية المستدامة، ومن بينها محو الأمية وتمويل برامج التأهيل والمشروعات الصغيرة، ووضع الحلول الملائمة لمشكلات المياه . ولعل مثل هذه الخريطة مفيدة للعرب الفقراء مثلما هي مفيدة للعرب الأثرياء، فهي تتيح للطرف الأول ضمان مستقبل آمن لثروته وذريته، وتتيح للطرف الثاني الإفادة من الثروة العربية النفطية في امتلاك وسائل العيش الآمن من دون اللجوء الذليل إلى المساعدات والمنح الأجنبية .

===========================

العرض الأميركي المخيف...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

1-12-2010

عندما يكون الوضع العربي مهترئاً ومهلهلاً إلى الحد الذي وصل إليه، لا يعود مستغرباً أن تقدم الإدارة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية عرضاً من النوع الذي قدمته أخيراً. إنه عرض مخيف بكل معنى الكلمة نظراً إلى أنه يتجاهل كلياً أي ذكر للاحتلال. يركز العرض في المقابل على استرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف بكل الوسائل من أجل قبول حكومة بيبي نتانياهو بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية لمدة تسعين يوماً. لا إشارة إلى القدس الشرقية في العرض الأميركي. هناك معلومات مسربة عن موافقة ضمنية لبيبي نتانياهو على أن يشمل التجميد المدينة المقدسة. لماذا جاءت الموافقة على تجميد الاستيطان في القدس ضمنية؟ الجواب أن المطلوب ألا يكون هناك أي ازعاج لليمين المتطرف الممثل في الحكومة. صار مطلوباً مراعاة شعور اليمين الإسرائيلي المتطرف لا أكثر. صارت عملية السلام متوقفة على ما يريده يمين اليمين الإسرائيلي. صارت عملية السلام رهينة رجل مثل افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الذي جاء إلى فلسطين من مولدوفيا حيث كان حارساً عند باب أحد النوادي الليلية. اسوأ من ذلك، صارت عملية السلام أسيرة حزب مثل «شاس»، وهو حزب ديني لا همّ له سوى ابتزاز الحكومة بغية الحصول على مساعدات ودعم لمؤسسات تابعة له، على رأسها المدارس التلمودية!

تغيّرت إسرائيل كلياً. تغيّر المجتمع الإسرائيلي الذي لم يعد يهمه السلام، بمقدار ما أنه بات مأخوذاً بالقدرة على تكريس الاحتلال على حساب شعب سلبت منه حقوقه وأرضه هو الشعب الفلسطيني. ولكن ما قد يكون أهمّ من التغيّر الذي شهده الداخل الإسرائيلي، ذلك الضعف الذي تعاني منه إدارة باراك اوباما الذي ينسى أنه على رأس القوة العظمى الوحيدة في العالم. يأتي التطرف الإسرائيلي والضعف الأميركي في ظل تراجع عربي لم تشهد المنطقة مثيلاً له منذ قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين في العام 1948. بلغت درجة التراجع في الوضع العربي عموماً مرحلة لم يعد فيها من يفرق بين الانتصار والهزيمة. هناك من يتحدث عن انتصار على اسرائيل في حرب صيف العام 2006 التي انتهت باستشهاد مئات المواطنين وتدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وصدور القرار 1701، في حين صار سلاح ميليشيا «حزب الله» موجهاً إلى الداخل اللبناني. عاد الوطن الصغير ثلاثين عاماً إلى خلف، وزاد الشرخ الطائفي والمذهبي، وهناك من لا يزال يتحدث عن انتصار. ربما لا فارق لدى البعض بين الانتصار على لبنان وبين الانتصار على إسرائيل وأنه يكفي الانتصار على لبنان والتحكم بالحياة السياسية بالبلد لبلوغ مرحلة يصبح فيها هناك من لا يستحي من الكلام عن انتصار...

ما ينطبق على لبنان، ينطبق أيضاً على فلسطين نفسها حيث لا يزال هناك من يرفع شارات النصر بعد حرب غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 والتي انتهت بتدمير ربع القطاع واستمرار الحصار الظالم. قبل الحرب، كانت الصواريخ العبثية التي تطلق من غزة وسيلة لتحرير فلسطين، كل فلسطين. بعد الحرب، واستشهاد نحو الف وثلاثمئة فلسطيني وسقوط آلاف الجرحى، صار إطلاق هذه الصواريخ «خيانة»! حصل ذلك بقدرة قادر، ربما لأن التخلص من الاحتلال آخر همّ لدى «حماس». الهمّ الأول يتمثل في السيطرة على غزة وتغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي تمهيداً للانقضاض على الضفة الغربية متى صارت الظروف مهيّأة لذلك يوماً.

في حال كان مطلوباً وصف العرض الأميركي لإسرائيل، فإن أقل ما يمكن قوله ان هناك استخفافاً بعقول العرب. ولكن متى يستخف «حزب الله»، الذي تقف خلفه إيران، بعقول اللبنانيين و«حماس» بعقول الفلسطينيين، هل يصبح مستغرباً أن تذهب إدارة اوباما إلى هذا الحدّ في الانصياع للمطالب الإسرائيلية، من يضمن أن إسرائيل لن تعود إلى الاستيطان، أي إلى إقامة مستعمرات جديدة في القدس والضفة الغربية بعد تسعين يوماً، هل نسي باراك اوباما نفسه ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن استراتيجية بيبي نتانياهو تقوم على فكرة التفاوض من أجل التفاوض والعمل في الوقت ذاته على خلق وقائع جديدة على الأرض؟

من الواضح، في ضوء الطرح الأميركي الذي يترافق مع انهيار عربي على كل المستويات، أن السلام مؤجل. لا سلام من دون دور أميركي فاعل يضع الأمور في نصابها. هذا الدور غير موجود. أقصى ما تستطيع إدارة اوباما عمله هو ممارسة ضغوط في العراق من أجل تشكيل حكومة تأخذ في الاعتبار المطالب الإيرانية قبل أي شيء آخر من دون أي اعتبار لنتائج الانتخابات النيابية التي فازت فيها قائمة الدكتور اياد علاوي. أين مشكلة علاّوي، هل تكمن في أنه يرفض الطائفية والمذهبية ويؤمن بالدور العربي للعراق؟ ربما كان ذلك كافياً لتهميش تلك الشخصية العراقية التي تضع العراق فوق المذهب والطائفة. أما في السودان، فإن كل الاستراتيجية الأميركية قائمة على تقسيم البلد عن طريق استفتاء يجري في التاسع من يناير المقبل. حسناً، حصل التقسيم. ماذا بعد ذلك؟ يبدو أن كل ما تريده الولايات المتحدة في الوقت الراهن وضع الأساس لقيام دول عدة في الأراضي السودانية الشاسعة. ما تبقى تفاصيل لا أكثر.

من ينظر إلى المنطقة من بعيد، آخذاً في الاعتبار ما آلت إليه إدارة اوباما والوضع العربي عموماً وتحول المجتمع الاسرائيلي نحو مزيد من التطرف، لن يجد سبباً لتقديم عرض أميركي من نوع آخر إلى حكومة بيبي نتنياهو... أمّا عملية السلام، فألف سلام عليها، أقله في المستقبل المنظور!

خيرالله خيرالله

كاتب لبناني مقيم في لندن

===========================

«انتخابات» الأنظمة العربية إلى أين؟

الاربعاء, 01 ديسيمبر 2010

منصف المرزوقي *

الحياة

قلّ من ينتبه لمفارقة الحديث عن «المعارضة» في مصر أو تونس أو سورية. المفهوم لا معنى له إلا في ظلّ نظام ديموقراطي تشكِّل الأغلبية الحاكمة والمعارضة البرلمانية عمودَه الفقري، ولا يعيش دون هذين الزوجين اللدودين. وجود مثل هذه المعارضة ضرورة هيكلية لتشغيل التداول المقبول، ومن ثمّ الحرص على توفير كل شروطها، من: حق التنظم الحرّ، وحق الرأي، وحق التظاهر، وأخيرا الانتخابات الحرّة التي تعطيها أدوات القيام بدورها.

لا شيء من هذا القبيل في النظام الاستبدادي المبني على رفض التداول والتصدّي لكلّ من يطعن في الحق الأزلي والمطلق في السلطة. لمواجهة هذا النظام، كما أظهر ذلك التاريخ ألف مرة، لا يظهر الا واحد من اثنين: إما المقاومة المسلحة كالتي مارسها كاسترو في كوبا الخمسينات، أو المقاومة المدنية: الفردي منها، كما مارسها ساخاروف في الاتحاد السوفياتي سابقاً، أو المدني الجماعي، كما مارسها البولونيون في أواخر القرن الماضي ضدّ الشيوعية. فبأي قدرة قادر إذن أصبحنا نحن العرب الرازحين تحت أنظمة غير ديموقراطية نقيم انتخابات ونتحدث عن معارضات ونَصِفُها بالضعيفة؟

لفهم هذا السرّ يجب العودة للصيرورة التاريخية للنظام السياسي العربي، وهو وريث خمسة عشر قرناً من الاستبداد الشرقي القديم بآلياته المعروفة: البيعة بالقوة لمن «أصبح»، ولممارسته للسلطة المطلقة وتوريثه لها إلى أن يحصل تغيير جديد دائماً بالعنف ... وهكذا دواليك، فيما شعار الشعب، المقصي عن كل قرار: «الله ينصر من أصبح».

حقّاً وُجد بعض الاستثناءات، مثل الأنظمة البرلمانية التي شهدتها مصر وسورية ولبنان في منتصف القرن الماضي، لكنها كانت كالفقاعات التي لم تعمّر طويلاً، حيث لم تكن لها جذور ثقافية وشعبية. أما النظام القارّ الذي ساد بقوة في أغلب دول المشرق والمغرب غداة ما سمي بالاستقلال، فكان مواصلةً للأشكال القديمة للحكم مع الأخذ ببعض الأساليب العصرية: ربطة العنق والبذلة الغربية على ذوات لم تغيّر شيئاً من عقلية شيوخ البدو وإخراج جديد للبيعة عبر انتخابات مقلّدة هي الأخرى عن الغرب... إنه كلّ ثمن الحداثة، أو قُلْ: ادعاؤها. لنسمِّها فترة الأحادية الوقحة، وإبانها لم يكن يخطر ببال أحد أن يترشح في «الانتخابات» ضد عبد الناصر أو بورقيبة أو بومدين.

لم يكن النظام العربي يشعر بأي حرج في تنظيم مثل هذه «الانتخابات» وفي سياسة الحدّ من كل الحريات بصفة عنيفة وفجّة. كانت أنظمتنا جزءاً من منظومة كاملة تمارس الاستبداد باسم هذه الايديولوجية أو تلك. لكن الأمور تغيّرت تدريجياً بانهيار الديكتاتوريات الشيوعية، وأمام مدّ الديموقراطية في الثمانينات وتصاعد قوى المقاومة المدنية الداخلية.

ابتداء من هذا التاريخ، ولمحاولة تطويق الضغوط الداخلية والخارجية، وربحاً لكل الوقت الممكن، ستدخل الديكتاتوريات العربية في مرحلة يمكن تسميتها بالتعددية المزيفة، وستعمل على تنظيم «المعارضة» بخلق أحزاب مصطنعة والتسلل المخابراتي للقوى التي لم تدخل بيت الطاعة مع ملاحقتها بقسوة ومنع نشاطها بكل الوسائل الممكنة، ثمّ تنظيم «انتخابات» تتحكم فيها من وضع قوائم ترسيم المرشحين، إلى تقطيع الدوائر الانتخابية وصولاً للنتيجة المطلوبة.

ولتخدير العقول، أُطلقت فكرة ضرورة المشي البطيء لكنْ الواثق الخطى على «المسار الديموقراطي»، حتى ننضج لممارسة عملية ليست من ثقافتنا. والمشكلة أن لا أحد حدّد كم سيدوم هذا المسار، ومتى سننضج لانتخابات تأتي بالتداول السلمي على السلطة الذي هو هدف الديموقراطية. وفي النهاية، أصبح واضحاً للجميع أن المسار ليس خطّاً مستقيماً وإنما حلقة مفرغة ندور فيها منذ ربع قرن، ولا شيء في الأفق ينذر بأننا سنخرج منها وقد «نضجنا» أخيراً.

عبر «الانتخابات» المصرية يمكن القول إن النظام السياسي العربي على مفترق الطرق. فالظاهرة التي قلما ينتبه لها المحلّلون، هي أن هذه المهرجانات الرامية إلى إعطاء شرعية ديموقراطية للديكتاتورية، تواجه رفضاً متعاظماً ومواجهة تحتدّ قوتها من مهرجان تزييف لمهرجان تزييف آخر.

بديهي أن السلطة الاستبدادية تعاني صعوبات متزايدة لإقناع أي كان في الداخل والخارج بقيمة العملية. بديهي أنها ستضطرّ إلى مزيد من العنف لفرض نتائج فاقدة لكل مصداقية. انظر الآن إلى تفاقم صعوبات «المعارضة» التي قبلت بأن تكون جزءاً من اللعبة المشينة أملاً في تحقيق بعض المكاسب الحزبية والشخصية، فالانشقاقات والجدل القائم داخلها دليل على رفض متعاظم لتعلّة استغلال مؤسسات النظام لإضعاف النظام وفرض توسيع رقعة الحريات. حدِّثْ ولا حرج عَمّا تلقاه هذه المهرجانات السخيفة من صدّ ونفور من قبل جماهير فقدت كل أمل وكل ثقة في طبقتها السياسية التي تحكم والتي «تعارض».

معنى هذا أن التعددية المزيفة، الذي مكَّنت الاستبداد من ربح الوقت بدأت تلفظ أنفاسها.

ربما يمكن إعادة حلقات قليلة أخرى من المسلسل، لكن من المؤكّد أن هذا الأخير سينتهي ربما في وقت اقصر مما نظنّ، في ظلّ تفاقم الأزمات المصيرية التي تأخذ بخناق ملايين لم يعد لهم ما يخسرونه باستثناء قيودهم.

في هذه الحالة كيف سيتطوّر النظام السياسي العربي؟ ماذا بعد الأحادية الوقحة والتعددية المزيفة؟

خياران لا ثالث لهما: إما رمي القناع جانباً والعودة إلى الحكم العسكري المباشر بحجة مقاومة الفوضى والإرهاب، أو السير نحو التعددية الحقيقية.

إنه المفترق الخطير الذي أوصلتنا إليه عقليات وممارسات ومصالح مجموعات رفضت أي إصلاح ومصالحة مع شعوبها، ومن المحتمل أن تدفعنا في الاتجاه الأخطر، اللهم إلا إذا تضافرت كل قوى المقاومة المدنية داخل النظام وخارجه لكي لا نقع جميعاً في الهاوية.

* كاتب وناشط تونسي.

===========================

آن للفلسطينيين مغادرة العملية التفاوضية المذلّة

الثلاثاء, 30 نوفمبر 2010

ماجد كيالي *

الحياة

حقاً لقد باتت عملية التسوية بيد إسرائيل مجرد ألعوبة أو مهزلة، والمسؤولية عن ذلك تقع على النظام الدولي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة، بسبب عدم حسمه بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وعلى النظام العربي، بسبب ضعفه واختلاف إراداته، كما على الفلسطينيين بسبب تهافتهم، وتخلف إدارتهم لهذه العملية، ناهيك عن ارتهانهم لها، وغرقهم فيها.

هكذا، لم يعد الرأي القائل بأن التسوية (التي انطلقت من مؤتمر مدريد أواخر عام 1991) ليست سوى أوهام أو نوع من تحايل إسرائيلي على الواقع، مجرد وجهة نظر، وإنما حقيقة بيّنتها التجربة المعاشة، طوال عقدين من الزمن. وقد أثبتت هذه التجربة، أيضاً، أن التسوية التي لا تتأسس على تكافؤ (ولو نسبي) في موازين القوى، وفي المعطيات السياسية المحيطة، والتي لا تتأسس على معايير الحق والعدالة والحرية والسلام، لا يمكن أن تسمى عملية تسوية، ناهيك عن التجاوز، أو التزوير، المتعلق بتسميتها «عملية سلام»!

ولنكن صرحاء، بعد هذه التجربة المريرة والمكلفة، فإن إسرائيل لم تكشف حقيقة موقفها من التسوية للتو، أي بعد عشرين عاماً، بعد أن قالت لا لإدارة أوباما (وجوائزها)، وبعد إقرار «الكنيست» قانون الاستفتاء على أي انسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وعندما رفضت تجميد الاستيطان لأشهر قليلة، فهي كانت منذ البداية مكشوفة، لكن لمن يريد أن يرى أو لمن يريد أن يدرك.

فقد رفضت إسرائيل منذ البداية تعريف وجودها كدولة احتلال في الضفة وغزة، وأشهرت مقولة أن «لا مواعيد مقدسة»، للتملص من أي جدول زمني للتسوية، ورفضت العودة إلى ما قبل خطوط حرب حزيران (يونيو) 1967. ومنذ البداية ميزت إسرائيل بين مستوطنات شرعية وغير شرعية، وأصرت على وحدة القدس تحت سيادتها، ورفضت الاستجابة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، أو إجراء أي مقاربة (سياسية أو مادية أو معنوية) تحملها المسؤولية عن ذلك. ومنذ البداية بدا أن إسرائيل تتجاوب مع عملية التسوية للتخلص مما تسميه الخطر الديموغرافي الفلسطيني، واستجابة لبعض متطلبات السياسة الأميركية، وفقط.

ومنذ البداية، أيضاً، ظلت إسرائيل تتذرع بحساسية أوضاعها الداخلية، وسلامة ائتلافها الحكومي، ونظامها الديموقراطي، للتملص من استحقاقات التسوية، طالبة من العالم، والفلسطينيين، تفهّم «ظروفها»، ومتطلباتها أيضاً! وبين حكومة وأخرى كانت تتملص، بحجة أو بأخرى، من اتفاقات التسوية، بدعوى إنجاز المرحلة الانتقالية، أو بدعوى الانتقال الى المرحلة النهائية، وبدعوى أن الفلسطينيين ليسوا محل ثقة وإنهم لا يجلبون الأمن لإسرائيل، وانه ليس ثمة شريك فلسطيني للتسوية، على رغم كل ما قدم من تنازلات في اتفاق أوسلو المجحف.

الآن، لقد تجاوزت حكومة نتانياهو كل منطق، فبعد أن استجاب الفلسطينيون لمطلب أمن الاحتلال، باتت تشترط لعملية التسوية اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، وقبول مواصلة أنشطتها الاستيطانية، واستثناء القدس من أي تجميد ولو موقت للاستيطان. ليس هذا فحسب، فثمة لإسرائيل اشتراطات أخرى للتسوية، من الأطراف الدولية والإقليمية أيضاً، ضمنها إغداق الولايات المتحدة الأميركية المساعدات المالية والعسكرية عليها، والاعتراف بوجود أمني لها على الحدود الفلسطينية مع الأردن، والاستجابة لسياستها في شأن تشديد الطوق على إيران، أو توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية، ودفع العالم العربي لإقامة علاقات طبيعية معها، وكل ذلك من أجل مجرد تسوية مجحفة وجزئية ومنقوصة!

واضح أن حكومة نتانياهو بموقفها هذا ليس فقط لا ترى الفلسطينيين، ولا تأخذهم في اعتبارها، بل إنها لا تبالي بالعالم العربي، لا بمعتدليه ولا بممانعيه ومقاوميه، بل إنها لا تبالي حتى بالمصالح الأوروبية ولا الأميركية في المنطقة، فإسرائيل، كما قال اسحق شامير (رئيس حكومتها الأسبق)، ذات مرة، هي «نصف الشرق الأوسط»، داعياً الولايات المتحدة والعالم الى الاعتراف بتبعات ذلك.

وفي الواقع فإن إسرائيل ترى أن مصالحها وسياساتها ورؤيتها لذاتها أهم من كل المصالح والاعتبارات الدولية والإقليمية. وهذه الدولة التي ترى نفسها دولة يهودية أصولية، تستخدم الأساطير التوراتية لرسم خرائط المنطقة، على الضد من كل القوانين والمعايير الدولية. لا بل إن الأمر وصل حد أن هذه الدولة باتت لا تتورع عن استخدام الديموقراطية (والاستفتاءات الشعبية) من أجل تبرير وتشريع سياساتها الاحتلالية والعنصرية، وكأن الديموقراطية تبرر الاستعمار والعنصرية، وتحلل السيطرة على حياة شعب آخر وقهره بوسائل القوة!

السؤال الآن: وماذا بعد؟ ليس سؤالاً نافلاً، أو للمزايدة، وإنما هو سؤال جد واقعي فقرار «الكنيست» الإسرائيلي ليس بمثابة صفعة للفلسطينيين فقط، وإنما هو أيضاً بمثابة صفعة للنظام العربي (ومبادرته السلمية)، كما للدول الكبرى الراعية لعملية السلام. وإسرائيل توجه رسالة صلفة من خلال هذا التصويت في «الكنيست» مفادها أن بضعة مئات ألوف من اليهود من ناخبي أحزاب «شاس» (لليهود المتدينين) لزعيمهم الحاخام عوفاديا يوسيف، و «إسرائيل بيتنا»(لليهود الروس من المهاجرين الجدد)، لزعيمهم افيغدور ليبرمان، وعصابات المستوطنين ومتطرفي «الليكود»، هم وحدهم يملكون تقرير مستقبل الشرق الأوسط، وتقرير مسألة الاستقرار والسلم فيه، غير عابئين بالمصالح الدولية وحتى الأميركية، وعلى الضد من حقوق ملايين الفلسطينيين، ومعهم ثلاثمئة مليون من العرب.

إزاء كل ذلك على الفلسطينيين أن يدركوا أنهم وحدهم في مواجهة مصيرهم، فالنظام العربي (على علاته) لا يمكن أن يتحرك من دون موقف فلسطيني حاسم وواضح، والمجتمع الدولي لا يمكن أن يتحرك من دون موقف عربي جدي وفاعل، معطوف على موقف فلسطيني مسؤول. فلا يمكن مطالبة الدول العربية بتوحيد موقفها إزاء قضية فلسطين، ووضعها على هذه الدرجة من التناحر والتفكك والترهل، ولا يمكن مطالبة العرب والعالم بالضغط على إسرائيل في وقت تستمر السلطة في العملية التفاوضية، فضلاً عن التنسيق الأمني مع الاحتلال.

آن الآوان للفلسطينيين أن يخرجوا من لعبة المفاوضات، ومن شرك التحول إلى نوع من سلطة وكيلة عن الاحتلال. آن لهم أن يلتفتوا الى أوضاعهم الداخلية، مهما كان الثمن، لسبب بسيط وهو أن الضعيف، الذي لا يستطيع استعادة حقه بالقوة، لا يستطيع ذلك بداهة على طاولة المفاوضات.

المسألة ليست مسألة ذهاب إلى مجلس الأمن أو إلى الجمعية العامة أو مطالبة العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، فثمة قرار مجلس الأمن (1397 لعام 2002) يدعم ذلك. لذا فإن المطلوب من الفلسطينيين إعادة بناء مجالهم الاجتماعي، وإعادة بناء حركتهم الوطنية، وتحرير سلطتهم من الارتهانات الإسرائيلية (وليس مجرد افتتاح مبنى جديد لمنظمة التحرير في رام الله). ولا شك في أن ذلك يتطلب، فيما يتطلب، العودة للشعب، وإعادة صياغة الشعار الوطني، من الصراع على مجرد دولة فلسطينية محدودة ومتوهّمة في الضفة والقطاع، أي من كونه صراعاً عقارياً وجغرافياً، إلى الصراع على مستقبل فلسطين.

طبعاً لكل شيء ثمن، لكن الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً، من تضحياتهم وعمرهم ومعاناتهم، خلال عقدين من عمر مسيرة التسوية المزيفة، والأجدى لهم أن يدفعوا هذا الثمن في إطار عملية ذات طبيعة تحررية وديموقراطية وإنسانية؛ فهذا ما يوحدهم، ويعزز التعاطف الدولي معهم، ويسهم بعزل إسرائيل، التي باتت مكشوفة على طبيعتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية وقهرية، تعاند التاريخ والجغرافيا وحقوق الإنسان وقيم الحرية والعدالة والسلام.

* كاتب فلسطيني

===========================

كوريا الشمالية في طريق مسدود

الاربعاء, 01 ديسيمبر 2010

روبرت كابلان *

الحياة

تبادل القصف المدفعي بين الكوريتين بعد الكشف عن بدء ألفي آلة طرد مركزي تخصيب اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعل نووي جديد، يشكل تحدياً مباشراً لسياسة الرئيس باراك أوباما في آسيا. عودة الحياة إلى النزعة العسكرية في بيونغ يانغ تظهر هشاشة موازين القوى في تلك المنطقة الحساسة.

ولم يكفّ الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في أسفارهما أخيراً عن التشديد على ان الولايات المتحدة، بعد العراق وأفغانستان، ستوجه انتباهها إلى شرق آسيا. بيد أن إعلان بكين بحر الصين الجنوبي منطقة «مصالح حيوية» لها والأعمال التي قامت بها كوريا الشمالية أخيراً، تهدد قوة الولايات المتحدة. وستضطر البحرية والطائرات الأميركية التي تتمتع اليوم بالتفوق في المنطقة، إلى إثبات قوتها في الأعوام المقبلة بسبب تصاعد قوة الترسانة البحرية والقوة الجوية الصينيتين.

ولا يهدد العدوان الكوري الشمالي كوريا الجنوبية فحسب، بل يهدد اليابان أيضاً. وتجاور السمات الفاشية تلك الشيوعية في نظام بيونغ يانغ، فيُظهر عداء عميقاً حيال اليابانيين الذين احتلوا شبه الجزيرة الكورية بين العامين 1910 و1945. وتراقب اليابان اليوم الصورة التي قد تتخذها آسيا المطلة على المحيط الهادئ عندما تكف الولايات المتحدة عن كونها القوة البحرية الوحيدة.

ولا ينبغي للولايات المتحدة انتظار اعتذار من بيونغ يانغ. وهي البلد الوحيد في شرق آسيا الذي ليس لحكامه نظرة بعيدة المدى ويسيطر عليهم هاجس البقاء على المدى القريب، على ما يبرهن برنامجهم النووي. وإذا كان نوع من التحرير الاقتصادي يهدد دولتها البوليسية، فإن عائلة كيم الحاكمة تعلم أن ما من شيء يضمن بقاءها، باستثناء التهديد بالقوة النووية.

ومتابعة العمل في برنامج نووي نشيط إلى جانب الهجمات العسكرية على كوريا الجنوبية، على غرار إغراق غواصة كورية شمالية للسفينة الحربية الكورية الجنوبية في آذار (مارس) الماضي، هما أداتان لتعزيز صدقية الحاكم الجديد كيم جونغ اون (ابن كيم جونغ ايل المعيّن خليفة لأبيه ونائباً لرئيس اللجنة العسكرية المركزية في أيلول (سبتمبر) الماضي). وعلى رغم صغر سنه وضآلة خبرته، إلا ان عمه جانغ سونغ تايك وعمته كيم كونغهوي، دعما تسنّمه المنصب باستخدام شبكة العلاقات التي يملكها كل منهما.

يضاف إلى ذلك، انها المرة الأولى في تاريخها، تحكم كوريا الشمالية قيادة متعددة الأقطاب لا تتركز السلطة فيها بيد شخص واحد. والأسلوب الأنجع للبقاء في السلطة لنظام غير شرعي ومنقسم هو إبقاء شعبه خائفاً من الحرب، ما يجذب عناصر عدة من التراتبية الحاكمة نحو اتجاه واحد.

وربما يكون تصاعد العداء الذي تظهره كوريا الشمالية العلامة على وصول النظام الى الطريق المسدود. وقد يكون انفجار مفاجئ مصدر جملة من المشكلات الانسانية تترافق مع تدفق كبير للاجئين نجو الحدود الصينية ووضع 23 مليون جائع تحت الإشراف الدولي، وعملياً تحت رقابة جيوش الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية. لكن إذا كان تغيير في نظام كوريا الشمالية أمر مرحب به نظرياً، فلا ينبغي تناسي ان الغياب الكلي للحكومة أسوأ من حكومة كلانية. وهذا درس ينبغي أن نكون قد استخلصناه من العراق.

مهما يكن من أمر، لقد بدأ مناخ الأمن النسبي الذي هيمن على شرق آسيا في العقود الماضية بالتحلل. لقد استند المناخ ذاك إلى القوة البحرية الأميركية غير المنازعة وإلى الهدوء الذي سيطر على كوريا الشمالية. وهذان عاملان ضمنا النمو الاقتصادي في المنطقة. ومع صعود قوة الجيش الصيني والتخفيضات المقترحة في الجيش الاميركي وتضاؤل الهدوء في كوريا الشمالية وازدياد عدوانيتها، تنحو البيئة الآسيوية صوب المجهول. وسيزيد غياب الاستقرار الأعباء على جيوش جميع بلدان المنطقة من اليابان إلى استراليا. وستمر العلاقات الصينية – الأميركية، خصوصاً، باختبارات لم تعرف مثلها سابقاً.

* باحث في «سنتر اوف نيو اميركان سنتشوري»، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 24/11/2010، إعداد حسام عيتاني

===========================

دروس من تسريبات «ويكي»

عثمان ميرغني

الشرق الاسط

1-12-2010

إثارة واسعة صاحبت الكشف عن الدفعة الجديدة من الوثائق الأميركية السرية عبر موقع «ويكيليكس» الإلكتروني الذي لم يمض على وجوده أكثر من ثلاث سنوات، ولم يعرف عنه الكثير من الناس شيئا إلا بعدما بدأ في كشف الوثائق الأميركية المتعلقة بالعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، وأخيرا بالعمل الدبلوماسي الأميركي. فالوثائق احتوت على آراء محرجة للإدارة الأميركية بشأن التقييم لشخصيات عدد من قادة دول العالم بينهم قادة دول صديقة. كما أن التسريب شمل آراء وردت خلال لقاءات قادة ومسؤولي بعض الدول مع دبلوماسيين أميركيين، إضافة إلى الكشف عن تعليمات صدرت من الخارجية الأميركية لدبلوماسيين في الخارج بالحصول على معلومات استخباراتية وشخصية عن مسؤولين أجانب أو بالتجسس على منظمات دولية.

الجدل سيستمر بلا شك بعض الوقت، خصوصا بالنظر إلى الكم الهائل من الوثائق الجديدة المسربة التي تناولت ما يزيد على ربع مليون برقية متبادلة بين 274 سفارة وبعثة دبلوماسية وقنصلية حول العالم ووزارة الخارجية الأميركية، تغطي الفترة حتى نهاية فبراير (شباط) 2010، وفيها آراء خالية من اللغة الدبلوماسية المعتادة، وكلام دار خلف الكواليس ولم يكن يتوقع خروجه إلى العلن في المستقبل القريب.

لكن هل يستحق الأمر كل هذه الضجة؟

بالتأكيد سلطت الوثائق الضوء على قضايا مهمة، وربما تسهم في تغيير بعض الممارسات، وإن كان من المستبعد أن تؤدي إلى تعديل جوهري في السياسات والأهداف الاستراتيجية الأميركية، أو حتى في العلاقات بين أميركا وحلفائها وأصدقائها الذين ورد ذكرهم في هذه الوثائق. فكل الدول تعرف أن جزءا أساسيا من عمل السفارات حول العالم هو رفع التقارير إلى وزارات الخارجية، وليس هناك دولة لا تتوقع من سفاراتها مدها بتقارير عن القضايا التي تهمها وتنعكس على مصالحها، أو عن الشخصيات التي تعنيها معرفة معلومات إضافية أو سرية عنها. وبغض النظر عن المعلومات الواردة في الوثائق، وأجواء الإثارة حول بعض ما ورد فيها، فإن الحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها هي أن العمل الدبلوماسي لا يمكن أن يجري كله في العلن، مثلما أن العلاقات بين الدول تتطلب مناقشات وراء الأبواب المغلقة، وإلا كانت مناقشات الأصدقاء في أيدي الأعداء في عالم معقد جدا.

وعندما ينبري بعض السياسيين للهجوم على موقع «ويكيليكس» فإنهم يتناسون أن الضرر على العلاقات الدبلوماسية لا يأتي من هذا الموقع وحده، بل إن كثيرا من السياسيين الذين يغادرون مناصبهم في الغرب باتوا، في سبيل الترويج لكتب مذكراتهم التي يتقاضون عنها الملايين، ينشرون بعض ما يدور في الجلسات الخاصة مع قادة ومسؤولين، مثلما رأينا في مذكرات بوش وبلير. والتاريخ عادة لا يكتب بمثل هذه الطريقة، وأفضل من يتناوله ليس السياسيين، بل المؤرخين.

الأمر الأكيد أن نشر هذه الوثائق وقبلها الوثائق المتعلقة بحربي العراق وأفغانستان سيترك تأثيراته على الأمن المعلوماتي وكيفية التعامل مع الوثائق الإلكترونية. هذا الأمر عبر عنه كريستوفر ماير، سفير بريطانيا السابق لدى الولايات المتحدة خلال فترة توني بلير، عندما قال إن هذه الوثائق لن تمنع الدبلوماسيين من الإفصاح عن آرائهم في برقياتهم لحكوماتهم باعتبار أن هذا واجبهم، إلا أنها ستجعل الدول تتمعن بشدة في مسألة أمن وسرية المعلومات والوثائق الإلكترونية. وهذا بالضبط ما قامت به واشنطن عندما أعلنت أول من أمس أنها أصدرت تعليماتها للأجهزة الحكومية بتشديد إجراءات التعامل مع المعلومات السرية، بما في ذلك فرض قيود على المعلومات المتاحة لكل موظف بحيث لا يطلع أي شخص إلا على ما يلزمه لأداء وظيفته.

التحدي لن يكون سهلا؛ خصوصا أن الجندي الأميركي المتهم بتسريب ملايين الوثائق لموقع «ويكيليكس» كشف في دردشة إلكترونية حصلت عليها السلطات الأميركية بعد اعتقاله أن المسألة كانت في غاية السهولة بالنسبة له، مثل لعب الأطفال، على حد تعبيره. فهو كان يأتي إلى مكان عمله كمحلل معلومات ومعه قرص مدمج مسجل عليه أغنيات لأي مطرب، ثم يقوم بمسح الأغاني وتسجيل المعلومات السرية مكانها. ولتضليل أجهزة المراقبة فإنه كان يشغل عبر هاتفه الجوال أغاني للمطرب المذكور من باب التمويه وإعطاء صورة بأنه يسمع الموسيقى من القرص الذي وضعه في الكومبيوتر لنقل المعلومات إليه.

يبقى أمر أخير وهو ضرورة الحذر في التعامل مع التسريبات حتى لو كانت تتعلق بوثائق رسمية مثلما هو الحال بالنسبة لوثائق «ويكيليكس» التي لا يشكك أحد في صحتها، بما في ذلك الإدارة الأميركية المعنية مباشرة بالأمر، وإن كان هناك جدل حول كيفية وأهداف تسريبها. فعملية النشر فيها دائما انتقائية حول ما ينشر، وفي توقيت نشره، وحول تسليط الأضواء على جوانب دون أخرى. فالوثائق قد تسلط أضواء على جوانب من الصورة، إلا أن الصورة لكي تكتمل وتتضح لا بد من وضعها ضمن إطارها الأوسع بعيدا عن أجواء الإثارة الآنية.

===========================

تسريبات مثيرة لكن أين الأسرار؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

1-12-2010

أمطرنا مرة أخرى موقع «ويكيليكس» بطن من الوثائق. هذه المرة أكثر إثارة من التسريبات الماضية، فالأولى كانت بلاغات عسكرية مملة، أما الجديدة فهي برقيات وزارة الخارجية وتقاريرها الدسمة جدا. وقد أمضيت أول من أمس أقرأها، كطفل في دكان للحلوى، متعة حقيقية. لكن بعد أن أنهيت يومي، والصحيح نفدت طاقتي، تساءلت: هل قرأت سرا مهما كشفت عنه الوثائق؟ لا، ليس بعد.

لم تمر أمام عيني معلومة فاضحة كشفت عن عملية سرية، أو مؤامرة دبلوماسية، مع أنه ربما هناك الكثير منها، ولا موقف سياسي مخالف لما هو معروف مألوف لنا سلفا، لا شيء البتة. لا أحد يعمل مع إسرائيل، ولا أحد من خصوم إيران عمل لصالحها، ولا خصوم أميركا قدموا التنازلات لها. مع هذا تضمنت الوثائق الكثير من المعلومات الجديدة والمثيرة، وهناك فارق بين المعلومة الفاضحة والمعلومة الفضيحة. ففضح السر يختلف عن الفضيحة التي تسبب حرجا لأهلها، وكل الوثائق التي ظهرت حتى الآن محرجة. فالمواقف العربية ظهرت مطابقة لما نعرفه عنها من قبل، والوثائق أكدتها بصفة رسمية ليس إلا.

طبعا، لا بد أن أعترف أنه من المبكر أن أحسم رأيي ونحن في أول قطرة من الوثائق المسربة، وقد بقي بحر من آلاف المحاضر السرية والبرقيات التي لم نصل إليها، وسيستغرق شهورا نبش أكوام القش الوثائقية هذه.

وبدلا من التفتيش عن سر خطير، فإننا، معشر القراء، سنجد أن الوثائق كلها مهمة لنا، على الأقل هانحن نقرأ التاريخ قبل 30 عاما من موعده التقليدي عندما تفرج الخارجية الأميركية عن وثائقها، وهذا يعطيه معنى وقيمة سياسية مباشرة. أيضا نحن من خلالها نتعرف أكثر على لغة الحوار بلا ماكياج حتى في أصعب القضايا. عادة نرى الأبواب تغلق، ويجلس خارج المكاتب الرسمية المصورون، ولا نسمع سوى بيانات رسمية مقتضبة، أو تصريحات أميركية لا طعم ولا رائحة لها. الوثائق ستساعدنا على تعبئة الفراغات الكبيرة بالعودة إلى كل برقية وربطها بالحدث الذي عالجته. من أكوام الوثائق نستطيع أن نرسم صورة أوضح للنشاطات الدبلوماسية العربية والإقليمية والأميركية، ونتعرف عن قرب أكثر على الأشخاص الفاعلين، ونفهم أكثر طبيعة التوترات والمصالحات. فعليا، بالنسبة لي ولكل متابع، لم نعثر على مفاجآت، إنما أصبحنا بفضل التسريبات أكثر علما واقتناعا. فالذي قرأ وثيقة لقاء الرئيس السوري مع أعضاء مجلس الشيوخ شاهد الموقف السوري نفسه حول إيران والأمن والمفاوضات لكن بصياغة متكاملة. والأمر نفسه بالنسبة لمقابلة العاهل السعودي الملك عبد الله مع مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن حول موضوعات القلق من إيران وإشكالات الأمن في اليمن والاعتراف بوجود مشكلات مع الولايات المتحدة قال إنها موجودة لكنها «مشكلات لم تصل إلى العظم»، أي: قابلة للحل. وحتى في وثيقة رئيس الوزراء القطري الذي وصف السياسيين الإيرانيين ب«الصعبين» جدا، مثلا يقحمون موضوعات لا علاقة لها أثناء مفاوضات حقل الغاز المشترك بين البلدين.

الذين لا يعملون في وزارات الخارجية يقرأون السياسة على حقيقتها لا كما تعلن عبر البيانات الرسمية أو كما يدعيها بعض الصحافيين.

alrashed@asharqalawsat.com

==================

سلة غذاء سورية أصبحت صحراء وسوء التخطيط دفن قرىً في الرمال

روبرت وورث

نيويورك تايمز

رسم تقرير نشرته النيويورك تايمز صورة قاتمة للأوضاع في الجزيرة السورية، التي تعاني من جفافٍ قاسٍ منذ سنوات. ونسب التقرير لمقرّر لجنة حقّ الغذاء في الأمم المتحدة قوله إن "سكّان المنطقة الشمالية الشرقية فقدوا حوالي 85% من مواشيهم، وعلى الأقل 1,3 مليون إنسان قد تأثروا بذلك". ويشير التقرير إلى أن التخطيط السيّئ كان سبباً رئيسياً لتفاقم المشكلة، وأن سورية صرفت 15 بليون دولار على مشاريع ريّ فاشلة بين العامين 1988 و2000 لم تحقق نتائج تذكر.

وإن انهيار الزراعة في هذه المنطقة نتج في الغالب عن سوء إدارة بشرية للجفاف، الذي أصبح يشكّل تحدّياً اقتصادياً مريعاً وهاجساً أمنياً للحكومات السورية. ويشير كاتب التقرير إلى أن الجفاف أصبح موضوعاً حساساً عند الحكومة السورية التي لا تجيز للصحفيين الأجانب الكتابة عنه، ولا تسمح بالوصول للمسؤولين في وزارة الزراعة.

الأراضي الزراعية الممتدة شمال وشرق نهر الفرات والتي كانت سلّة غذاء هذه المنطقة، تتنوع بين حقول القمح الذهبية وقطعان الخراف البلدية.

الآن، بعد أربع سنوات من الجفاف المتواصل في هذا الهلال الخصيب -متضمّناً معظم العراق المجاور- يلوح هنا تحوّل قاحل. علماء مناخ يقولون: إن أنظمة الريّ القديمة انهارت، المياه الجوفية نضبت، ومئات القرى توقفت فيها الزراعة ونفقت ماشيتها وتحوّلت لصحراء قاحلة، العواصف الرملية أصبحت أكثر شيوعاً، واستشرت مخيّمات متنوعة حول المدن الكبرى في سورية والعراق.

"كان عندي 400 هكتار من القمح والآن أضحت كلّها صحراء" يقول أحمد عبد الله، 48 سنة، مزارع بثياب رثّة يعيش في خيمة بلاستيكية مع زوجته و12 ولداً، إلى جانب العديد من المهجرين؛ "لقد اضطررنا للهروب، نحن الآن تحت الصفر- لا مال، لا عمل، لا أمل".

إن انهيار الزراعة هنا -الذي هو غالباً سوء إدارة بشرية للجفاف- أصبح يشكّل تحدياً اقتصادياً مريعاً وهاجساً أمنيّاً للحكومات السورية والعراقية. التي أصبحت تعتمد بشكل أكبر على بلدان أخرى في قضيتي الماء والغذاء.

سورية التي كانت تفاخر باكتفائها الذاتي بل وكانت تصدّر القمح، الآن تستورد كمّيات متزايدة منه، هبطت مصادر المياه إلى النصف بين عامي 2002 و2008، وذلك بسبب الهدر وسوء الاستعمال، العلماء ومهندسو المياه يقولون: بالنسبة لسورية التي تعاني من نقص في الاحتياطات النفطية، وتكافح من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، تشكّل الأزمة الزراعية ضغطاً إضافياً على الحكومة وخاصة لأنها تحدث في منطقة تمركز الأقلّية الكردية المتململة.

العراق الذي دمّرته الحرب يواجه الآن أزمة ماء في الشمال وفي الجنوب، كما لم يحدث في تاريخه. كلا البلدين يشتكي من نقص جريان مياه نهر الفرات، والفضل يعود لمشاريع السدود المقامة على طول النهر في تركية والتي قد تسبّب المزيد من التوتر كلّما تفاقمت أزمة المياه.

أربع سنوات من الجفاف رمت مليونين إلى ثلاثة ملايين سوري في براثن الفقر المدقع، طبقاً لدراسة أجراها هنا هذا الشهر، مقرّر لجنة حق الغذاء في الأمم المتحدة، أوليفر دي شاتر: إن سكّان المنطقة الشمالية الشرقية فقدوا حوالي 85% من مواشيهم، وعلى الأقل 1,3 مليون إنسان قد تأثروا بذلك.

يقول السيد دي شاتر: هناك أكثر من خمسين ألف أسرة هاجرت من المناطق الريفية هذا العام، إضافة لمئات الآلاف هاجروا في السنوات السابقة. سورية، مع تزايد سكاني سريع، جاهدت لإسكان أكثر من مليون نازح عراقي منذ غزو 2003.

"إنه لمن دواعي السخرية أن تكون هذه المنطقة هي أصل الحنطة والشعير، والآن هي بين أكبر المستوردين لهما هذه الأيام" يقول رامي زريق، أستاذ علم الزراعة والغذاء في الجامعة الأميركية في بيروت، والذي ألّف بدوره كتاباً عن أزمات الزراعة.

الجفاف أصبح موضوعاً حساساً عند الحكومة السورية التي لا تجيز للصحفيين الأجانب الكتابة عنه، ولا تسمح بالوصول للمسؤولين في وزارة الزراعة.

على الطريق المتجه جنوباً من دمشق، يمكن أن ترى المخيمات التي يعيش فيها المزارعون النازحون والرعاة، لكن المداخل مراقبة من قبل عناصر الأمن السوريين الذين لا يسمحون للصحفيين بالدخول.

الجفاف حدث مراراً هنا، ولكن "المناخ المحلّي يتغير بشكل واضح جداً" تقول جين سوير، أستاذة في جامعة نيوهامشير، كتبت عن قضايا مناخ الشرق الأوسط. "سواء أكان التغير المناخي بسبب بشري أم بغيره فإن المنطقة تزداد حرارةً وجفافاً، مترافقة مع أمطار غزيرة شاذة، مع فيضانات في بعض الأنحاء، بالإضافة إلى أن الحكومات غير مستعدة جيداً، كل هذا سوف يدفع الناس للهجرة".

الحكومة السورية بدأت تقرّ بحجم المشكلة ووضعت خطّة وطنية لمواجهة الجفاف، لكنها لم تنفّذ بعد. هكذا يقول محلّلون!

التخطيط السيّئ بشكل رئيسي- ساعد على تفاقم المشكلة، سورية صرفت 15 بليون دولار على مشاريع ريّ فاشلة بين العامين 1988 و2000 وبنتائج متدنية. يقول إيلي الحاج، مؤلّف سوري المولد، أعدّ أطروحة دكتوراه عن الموضوع. سورية مستمرة بتنمية زراعة القطن والقمح في مناطق تشحّ فيها المياه -ممّا يفاقم الجفاف- وذلك لأن الحكومة تعتبر أن قدرتها على إنتاج هذه المحاصيل جزء من هويتها وحصن ضدّ الاعتماد على الأجنبي، كما يرى محلّلون.

الآبار غير الشرعية يمكن رؤيتها في سورية والعراق، وشبكات ريّ تحت أرضية بمعدل "مخيف حقاً" كما يقول السيد دي شاتر، خبير الأمم المتحدة. لا يوجد إحصائيات وطنية موثوقة، وبعض المحللين والدبلوماسيين الغربيين يعتقدون أن سورية لا تجري هذه الإحصائيات أصلاً. كما في البلاد العربية الأخرى يلقى اللوم على الفساد وسوء الإدارة، "كثير من الناس المتنفذين لا يلتزمون بالأنظمة، ولا أحد يمكن أن يروّضهم" يقول نبيل سكر، محلل اقتصادي يقيم في دمشق.

في الرقة كثير من المزارعين المرحَلين يتحدثون عن الآبار التي تجفّ، وتتحول لمصادر للتلوث. "بئر عمّي كان عمقه 70 متراً والآن 130 متراً ومياهه أصبحت مالحة، لذلك ردمناه" يقول خلف عايد الدغيم، راعي الأغنام والمزارع القصير الذي ترأّس تجمّعاً للنازحين الشماليين.غادر قريته التي تبعد 60 ميلاً من هنا، عندما نفقت نصف أغنامه وجفّت أراضيه، والآن يعيش في ملجأ خرساني مع زوجتيه وأولاده ال 17 ووالدته.

في العراق 100,000 نسمة رحلوا خلال السنة الفائتة، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة، أكثر من 70% من القنوات المائية القديمة جفّت وهُجرت في السنوات الخمسة الماضية، يقول التقرير، ومن ذلك الحين والحالة تتردى للأسوأ.

"رأينا قرى كاملة دفنت في الرمل" قال زيد العلي، محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، الذي أعدّ في أغسطس الماضي بحثاً عن أوضاع المياه والزراعة في كركوك والسليمانية ومحافظة صلاح الدين في شمال العراق. "أوضاعهم مزرية".

يعاني جنوب العراق من انهيار زراعي مشابه، بسبب الشحّ في مياه نهر الفرات وبسبب تجفيف المستنقعات الواسعة سابقاً.

المسؤولون السوريون يقولون إنهم يتوقعون مساعدات من تركية، البلد الغني بالمياه، والذي أصبح مؤخراً حليفاً مقرّباً بعد سنوات من الجمود الذي سيطر على علاقات البلدين، لكن هذا الدعم قد يكون متأخراً جداً لينقذ القرى المهجورة في شمال سورية والعراق.

في البداية، الهجرة كانت مؤقتة، ولكن بعد ثلاث أو أربع سنوات، هؤلاء الناس لن يرجعوا، يقول عبد الله يحيى بن طاهر ممثل منظمة الزراعة والأغذية في الأمم المتحدة في دمشق. وراءنا في القرية، بيوتنا طمرتها الرمال، وكأنها دُمّرت، يقول السيد الدغيم، المزارع الذي هجر قريته قبل سنتين "نحن نودّ العودة, لكن كيف؟ لا يوجد ماء ولا كهرباء.. ولا شيء".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ