ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 25/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

دانيال بلمار والحقيقة

الاربعاء, 24 نوفمبر 2010

رنده تقي الدين

الحياة

مشهد طفلي الوزير اللبناني الشاب الراحل بيار أمين الجميل في ذكرى استشهاد والدهما بيار الذي سقط ضحية إجرام كريه يعيدنا الى ذكرى سلسلة الجرائم التي يتّمت العائلات في لبنان. ألا يحق لهؤلاء الأولاد والأمهات والزوجات أن يعرفوا مَن قتل والدهم أو ابنهم أو زوجهم وماذا وراء الجريمة الوحشية؟ فالألم كبير في القلوب ولا يمكن إلاّ أن نتمنى أن يُظهر تحقيق المدعي العام القاضي الكندي دانيال بلمار مَن يقف وراء الاغتيالات الكثيرة التي بدأت منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة الى اغتيالات رئيس الحكومة رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقه وسمير قصير وجبران تويني ووسام عيد ووليد عيدو وابنه واللائحة طويلة.

فاليوم وبينما ينام الشعب اللبناني ويستيقظ على أخبار وتسريبات حول القرار الظني وحول ما كتبه هذا وذاك من الصحافيين في مجلة «درشبيغل» أو ما بثه التلفزيون الكندي، هناك مدع عام في لاهاي يعمل بعيداً من هذا الضجيج وعن كل التسريبات وكل ما يُقال عن تسييس عمله. فهو يجهد في جمع البراهين الملموسة لاستكمال تحقيقه والتكهنات والطروحات الإعلامية لا تعنيه. فبلمار يريد التوصل الى نتيجة لا لسمعته فقط أو لأسباب سياسية كما يتهمه البعض، ولكن في سبيل أهالي من قتلوا وفي سبيل أبناء لبنان ومستقبلهم. ومن يعرف بلمار يدرك أنه بعيد كل البعد عن الخوض في سياسة الدول ولو أنه مطلع كلياً على تطورات البلد. فهو يريد التأكد من نتائج تحقيقاته لأنه يدرك أهمية الحقيقة والعدالة لذاكرة بلد يشهد منذ زمن طويل جرائم سياسية بقيت مخفية عن كشف من يقف وراءها، فيد الإجرام استمرت لأنها بقيت في الظل طويلاً.

فالحقيقة مهمة لكل مواطن ولو أن العقاب على الصعيد الدولي كثيراً ما يتحول في نهاية المطاف ولسوء حظ العدالة الى صفقات وتسويات سياسية. وبلمار معني بالحقيقة وباتهام المجرمين والمطالبة بمحاكمتهم، أما مثولهم أمام القضاء فهذا شأن مختلف. ولسوء حظ العدالة الحقيقية كثيراً ما شهدنا اتهامات ومحاكمات تحوّلت الى تسويات وصفقات دولية. فقد اتُهمت ليبيا بتفجير طائرتي ركاب مدنيتين أميركية وفرنسية، ولكن صدرت أحكام في شأن ذلك، إما بالإفراج عن منفذين أو بعدم مثول آخرين أمام القضاء الفرنسي. ودفع العقيد معمر القذافي الأموال لعائلات الضحايا وبعد ذلك فرشت له الدول الغربية السجاد الأحمر والخيم، والجميع استقبلوه وقريبه المطلوب من منظمة «انتربول» ما زال ينتقل برفقته. والشيعة في لبنان يطالبون بمعرفة الحقيقة حول تغييب الإمام موسى الصدر. فكيف يطلبون الحقيقة في هذه القضية ويدينون المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري؟

أما الرئيس عُمر البشير فهناك أيضاً مذكرة توقيف دولية بحقه، وهو ينتقل من دولة عربية الى أخرى من دون أي مشكلة.

التشكيك بالعقاب الدولي احتمال وارد لأن الواقع في أكثر من حالة أظهر ذلك. إلا أن الحقيقة أمر مختلف. فهذه هي مسؤولية المدعي العام بلمار أن يتمكن من الوصول الى أدلة قاطعة تمكن الشعب اللبناني من معرفة مَن هم المجرمون ولماذا قتلوا. فالذاكرة في تاريخ البلد أساسية لحياته ولأبنائه. وكل التكهنات والإشاعات التي تنشر يومياً حول المحكمة الدولية ليست الحقيقة. فالحقيقة هي التي سيعلنها القاضي دانيال بلمار بعد أن يرسلها الى قاضي الإثبات. واليوم مَن يعرف إذا كنا على أبواب صدور القرار الظني؟ ومن يقول إننا ابتعدنا عن الموعد؟ لا أحد يعرف ما في حوزة بلمار وفريقه، مهما قيل وكتبت الصحف. فالهجوم على المحكمة والتخويف بتغيير الوضع في لبنان عقيم لأنه لا يمكن إبطال عمل بلمار أو منعه من التوصل الى حقيقة يريدها كل من فقدوا شبابهم وأولادهم. أما العقاب فهو مسألة أخرى فالعدالة مسؤولة عن محاكمة المتهمين ولو غيابياً كما حدث في قضية تفجير طائرة «يوتا» الفرنسية. ولكن السؤال يبقى مطروحاً: هل سيمثل المتهمون الحقيقيون باغتيال الرئيس الحريري وسلسلة الاغتيالات التي تبعت أمام العدالة الدولية؟ هذا رهان بالغ الصعوبة عندما تتدخل لعبة الدول المعنية بحماية الأنظمة مثلما حدث مع ليبيا.

=========================

كم تغيّر الشرق الأوسط... انطلاقاً من ندوة مراكش

خيرالله خيرالله

الرأي العام

24-11-2010

كل شيء يتغيّر في الشرق الأوسط. باتت هناك حاجة إلى نوع جديد من المؤتمرات في حال كان مطلوباً التكيف مع جديد المنطقة. على سبيل المثال، تكفي، من أجل التأكد من عمق التحولات التي تشهدها المنطقة، مقارنة بين الندوات التي انعقدت منذ مطلع العقد الحالي على الضفة الأردنية من البحر الميت أو في شرم الشيخ من جهة، والندوة الأخيرة ل «المنتدى الاقتصادي العالمي» التي استضافتها مدينة مراكش المغربية من جهة أخرى. ما جعل الندوة الأخيرة مختلفة واقع يصعب تجاوزه عائد إلى أنها بدت باهتة إلى حد ما. لم تعقد حتى جلسة ختامية للندوة بعدما غادر عدد لا بأس به من المشاركين مراكش قبل موعد الجلسة مطلع بعد ظهر يوم الثامن والعشرين من اكتوبر الماضي. استعيض عن الكلمات التي كانت ستلخص ما تحقق في الندوة بعازف بيانو أدى قطعتين كلاسيكيتين أعلنتا ختام الندوة من دون تحديد موعد لندوة العام المقبل أو المكان الذي ستعقد فيه.

هل باتت الحماسة لمثل هذا النوع من الندوات مفقودة، أم أننا نكتشف انطلاقاً من مراكش كم تغيّر الشرق الأوسط؟ الجواب بكل بساطة أن المنطقة تغيّرت إلى حد كبير، نظراً إلى غياب الأسباب التي تدعو إلى الأخذ والرد بين العرب انفسهم أو بين خبراء ومسؤولين أميركيين واوروبيين وروس مهتمين بالشرق الأوسط عموماً وبتحقيق تقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص. الأهمّ من ذلك أنه لم يحضر إلى مراكش أي مسؤول إسرائيلي كبير كما العادة في شرم الشيخ أو البحر الميت. تذرع الإسرائيليون بأن الملك محمد السادس لم يحدد موعداً لاستقبال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس. لماذا كان على العاهل المغربي تحديد موعد لاستقبال بيريس؟ هل كان الرئيس الإسرائيلي في زيارة رسمية للمغرب بدعوة من الملك أم أنه كان آتياً إلى مدينة مغربية معروفة للمشاركة في ندوة معيّنة ينظمها «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي مركزه الرئيسي في جنيف؟

في كل الأحوال، لم يفتقد أي عربي الوجود الإسرائيلي في مراكش نظراً إلى أن أي حوار بين الجانبين كان سيتحول إلى حوار طرشان في غياب أي رغبة لدى حكومة بنيامين نتنياهو في التوصل إلى تسوية معقولة ومقبولة تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» عاصمتها القدس الشرقية. هل يجب الاحتفال بالإسرائيليين لمجرد أنهم وطأوا أرضاً عربية... أم أن الموضوع مرتبط أساساً بحوار يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة تساعد في تقدم عملية السلام التي تخدم الاستقرار في المنطقة وتصب في مصلحة كل شعوبها؟

تبين من خلال النقاشات التي شهدتها ندوة مراكش أنه كان من الأفضل ألا يأتي الإسرائيليون إلى مراكش، خصوصاً إذا كان شخص مثل شمعون بيريس سيتحدث مرة أخرى عن أهمية السلام وعن مشاريعه الكبيرة في المنطقة، في حين أن كل هدفه يتمثل في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. ما لم يقله بيريس، قاله دوري غولد السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة الذي ينطق عملياً باسم نتنياهو. قال غولد صراحة في ندوة شارك فيها من القدس عبر الأقمار الاصطناعية ان الضفة الغربية «أرض متنازع عليها». اختصر عملياً طبيعة النزاع القائم من زاوية رفض إسرائيل أي انسحاب إلى حدود العام 1967 مع بعض التعديلات التي لا بدّ منها في إطار تبادل للأراضي بين الجانبين. ما يفرض هذا التبادل غياب الرابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة قبل حرب 1967 وضرورة ايجاد مثل هذا الرابط في حال كان مطلوباً أن تضم الدولة الفلسطينية الضفة والقطاع بدل أن يستمر الفصل بينهما.

مثل هذا الموقف الإسرائيلي لا يصلح نقطة انطلاق لأي حوار بين الجانبين ما دام مطلوباً قبول الفلسطينيين بالاحتلال وبأن تقرر إسرائيل كم تريد أن تقتطع لنفسها من أراضي الضفة الغربية.

بدت مشاكل الشرق الأوسط معقدة إلى درجة بات فيها الكلام عن أي نوع من الحلول في غير محله. أكثر من ذلك بدت الحاجة ملحة إلى ندوة خاصة للبحث في كيفية الخروج من الوضع العراقي الراهن الذي ستكون له انعكاساته على الشرق الأوسط كله خصوصاً منطقة الخليج. وربما كانت هناك حاجة أيضاً لندوة خاصة بالسودان والنتائج التي ستترتب على تقسيمه... وأخرى عن مستقبل لبنان المهدد من أكثر من جهة.

في مراكش، تبين أن كل مشاكل المنطقة تبدو معلقة لأسباب سياسية أوّلاً وأن لا مكان للبحث في العمق بأي تعاون على الصعيد الاقتصادي أو التكنولوجي، أقله في المدى المنظور. لا يمكن بالطبع توجيه أي لوم الى «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي بذل اعضاؤه جهوداً كبيرة لانجاح ندوة مراكش. كل ما يمكن قوله ان ظروف المنطقة والعالم تغيّرت جذرياً وأن الشرق الأوسط الذي نعرفه الآن يبدو مختلفاً تماماً عن الشرق الأوسط قبل عام ونصف العام.

في انتظار ما ستكون عليه أحوال الشرق الأوسط في غضون عام أو عامين أو أكثر، لا شيء يمنع من الاستفادة من بعض الدروس المستقاة من النقاشات التي شهدتها مراكش. كان هناك على سبيل المثال بحث في مشكلة المياه التي يعاني منها الشرق الأوسط، وهي مشكلة قد تتسبب بحروب ونزاعات في مرحلة ما. كذلك، كان هناك تحديد صدر عن معظم المشاركين للعوامل التي ستساعد في تطوّر دول معينة في الشرق الأوسط. أهم هذه العوامل التي ستمكن بعض دول المنطقة من تحقيق خطوات إلى أمام في القرن الواحد والعشرين هي الآتية: الاستثمار في الطاقة البديلة، والبنى التحتية والتكنولوجيا المتقدمة، والتعليم، ومصادر المياه. من يدرك أن هناك في الشرق الأوسط من يستثمر في هذه المجالات يكتشف أن الأمل ليس مفقوداً تماماً بمستقبل المنطقة، أقلّه في بعض دولها.

=========================

"الناتو" وقمة تجاوز الأزمات

آخر تحديث:الأربعاء ,24/11/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

انتهت قمة لشبونة الأطلسية بنتائج مهمة يمكن اعتبارها انتصاراً جديداً للحلف من منظورين مهمين، أولهما تمرير “الوثيقة الاستراتيجية الجديدة” للسنوات العشر المقبلة، وثانيهما الحفاظ على التماسك السياسي والاستراتيجي للحلف، بتجاوز خطر إفلات تركيا من منظومة الحلف، وهو الإفلات الذي كان يمكن أن يؤدي في حالة حدوثة إلى احتمال انفراط وحدة وتماسك الحلف والعودة مجدداً إلى تلك اللحظة الخطرة التي واجهها عقب انتهاء الحرب الباردة .

 

فقد واجه الحلف طيلة الشهرين الماضيين خلافات حادة حول المفهوم الاستراتيجي الجديد القائم على المزج بين الخيار النووي وبين الدرع الصاروخية . فمنذ أن تحولت دعوة تأسيس درع صاروخية قادرة على حماية الولايات المتحدة وبقية دول الحلف من أي تهديد صاروخي معاد من دعوة أمريكية بحتة واستراتيجية أمريكية أحادية إلى استراتيجية أطلسية، والتشكيك في جدوى الاحتفاظ بالترسانة النووية الأمريكية في الأراضي الأوروبية في حالة تصاعد، وخاصة من جانب المانيا، التي تزعمت هذه الدعوة عقب انتهاء الحرب الباردة وسقوط حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفييتي، لكن التهديدات الجديدة التي واجهت دول الحلف أجلت هذا التصعيد الذي عاد مرة أخرى مع اعتماد استراتيجية الدرع الصاروخية من جانب الحلف الأطلسي، حيث بدأت المانيا تركز مجدداً على ضرورة فتح ملف “الأسلحة النووية” ودور الردع النووي في المفهوم الاستراتيجي الجديد في ظل اعتماد استراتيجية الدرع الصاروخية، في محاولة للاستغناء بالدرع الصاروخية عن الترسانة النووية .

 

كان الصدام الأساسي في هذا الخلاف بين فرنسا المتمسكة بالردع النووي والمانيا الرافضة له، ولكن وبعد أسابيع من المحادثات الشاقة حول الردع النووي والدرع الصاروخية تم التوصل إلى تسوية ترضي البلدين راعت مصالحهما الأساسية، مع تشديد فرنسي على الدور المكمل للدرع ودعوة المانيا إلى التزام أكبر من جانب الحلف بنزع السلاح النووي . وجاءت قمة لشبونة الأخيرة لتوازن في صياغة المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف الأطلسي بين الموقفين الفرنسي والألماني حيث أكد هذا المفهوم الاستراتيجي الجديد على “توفير الظروف لقيام عالم خال من الأسلحة النووية”، مؤيداً “الخيار صفر” الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في براغ “ابريل/نيسان 2009” . فقد جددت الوثيقة المتضمنة لهذا المفهوم الاستراتيجي التأكيد على أنه “مادامت هناك أسلحة نووية في العالم فإن الحلف سيظل حلفاً نووياً” . كما نصت الوثيقة على أن “الدفاع الصاروخي يشكل أحد العناصر المركزية للدفاع الجماعي”، واعتبرت أن اللجوء إلى السلاح النووي “غير مرجح إلى حد بعيد”، لكن الترسانات الاستراتيجية الأمريكية والفرنسية والبريطانية تبقى “الضمانة القصوى” لأمن دول الحلف، وبهذا أمكن تحقيق التوافق حول الوثيقة الاستراتيجية للحلف وهذا في حد ذاته نجاح كبير .

 

أما النجاح الثاني فكان الحفاظ على تماسك الحلف والحيلولة دون وضع تركيا أمام خيار تاريخي صعب بين البقاء في الحلف أو الانسحاب منه بسبب الرفض التركي القوي لكل الضغوط الخاصة بقبول إقامة الدرع الصاروخية على أراضيها ضمن تأكيدات على أن هذه الدرع موجهة ضد شركاء وحلفاء لتركيا خاصة إيران وسوريا إضافة إلى روسيا .

 

فالانسحاب التركي من الناتو معناه الانقلاب على نظرية الأمن الوطني التركية المرتبطة بوجود تركيا في الحلف، ومعناه أيضاً تفجير مواجهة غير محسوبة العواقب مع المؤسسة العسكرية التركية، ولذلك فإن التوافق على صيغة وسط خاصة بالدرع الصاروخية حرصت على عدم النص أو الاشارة الصريحة إلى اسم دولة بعينها سواء كانت إيران أو سوريا أو حتى روسيا أو الصين . كدول مستهدفة من الدرع الصاروخية كان نجاحاً مزدوجاً لتركيا وللحلف معاً حيث وافقت تركيا على إقامة الدرع على أراضيها كما خطط الحلف، ووافق الحلف على أرضاء تركيا واعفائها من حرج النص على اسم أي دولة من شركائها كهدف من وراء إقامة هذه الدرع . وقد عبر الرئيس الأمريكي أوباما عن هذا النجاح بقوله: “أعلن اليكم بسرور، أننا وللمرة الأولى، اتفقنا على تطوير نظام دفاعي مضاد للصواريخ سيكون قوياً بما يكفي لتغطية الأراضي الأوروبية للحلف الأطلسي مع سكانها إضافة إلى الولايات المتحدة”، واعتبر أوباما أن “أي هجوم على دولة في الناتو يعتبر هجوماً على الجميع” .

 

رغم ذلك تبقى هناك نقاط خلاف لم تحسم بعد من جانب تركيا ازاء الدرع الصاروخية . فتركيا تطالب بما تطالب به روسيا للمشاركة في هذه الدرع الصاروخية الأطلسية وخاصة ما يسمى “الأصبع المشترك للضغط على الزر الاستراتيجي لاعتراض الصواريخ” وهو ما ترفضه واشنطن . فالأصبع المشترك للضغط على زر اعتراض الصواريخ هو شرط تركي أيضاً للقبول بنشر الدرع الصاروخية ومحطات الإنذار المبكر . كما تشترط تركيا أيضاً عدم حصول “إسرائيل” على المعلومات التي ستحصل عليها محطات الإنذار المبكر ورادارات التنصت المشترك في قواعد حلف شمال الأطلسي التركية .

 

هذه المطالب التركية مازالت مطالب خلافية مع الحلف وعدم حسمها ربما يضاعف الضغوط الشعبية التركية ضد قبول تركيا إقامة قواعد الدرع الصاروخية على أراضيها وهي ضغوط، وإن كانت مازالت محدودة، ولا تقارن بالرفض الشعبي الشديد في تشيكيا وبولندا لهذه الدرع، إلا أنها قابلة للتصعيد إذا أخذنا في الاعتبار مفهوم الحلف للتهديدات الجديدة التي تتضمن: الهجمات عبر الإنترنت والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية وأمن الطاقة وهي كلها تهديدات تضع الحلف ومعه تركيا في مواجهة مع الجوار الإقليمي لتركيا الذي يحتوي وحده على كل هذه التهديدات الجديدة .

=========================

الشفافية كحق يحمي الإنسان

آخر تحديث:الأربعاء ,24/11/2010

ميشيل كيلو

الخليج

طرح نشر وثائق وزارة الدفاع الأمريكية على موقع “ويكيليكس” الإلكتروني مسألة على قدر عظيم من الأهمية، هي التذكير بحق الإنسان في معرفة كل شيء بما في ذلك أسرار الدول والجيوش، باعتبارها - المعرفة - أداة لحماية حياة الأفراد والشعوب، ولصيانة استقلال الدول والقيم الإنسانية التي إن لم تقم عليها علاقات المجتمع الدولي، ينهار النظام العالمي، وتفقد الشرعية الدولية معناها ووظيفتها، وتصاب منظماتها المختلفة بالشلل والموت .

 

لعل أعظم ما فعله الموقع الأمريكي هو قيامه - ربما من دون قصد - بتوسيع حقل الشفافية الدولي إلى أبعاد لم تكن معروفة من قبل على مر التاريخ البشري، وترسيخ حق أي فرد في أن يكون مواطناً عالمياً يعرف ما تفعله الدول، كبيرها وصغيرها، من أفعال قد تؤثر في حياته، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه، وما إذا كان غنياً أم فقيراً، متخلفاً أم متقدماً، ظالماً أم مظلوماً . قالت وثائق الموقع الإلكتروني الأمريكي بكل بساطة: يا حكام العالم ويا أصحاب القوة والثروة والسلطة فيه، انتبهوا جيداً إلى أفعالكم، ولا تقرروا أمراً باستهتار أو من دون تفكير، والتزموا أمن وسلام من يعيشون تحت سلطانكم أو حتى من تناصبونهم العداء، لأن ما ستفعلونه لن يبق سراً يخصكم، وسيعرف العالم بأسره تفاصيله وخباياه، وستواجهون حساباً عسيراً إن ألحق ما تريدون إخفاءه بحجة أنه سر من أسرار الدولة، الضرر أو الأذى بالجنس البشري الذي سيكون أمنه وسلامه من الآن فصاعداً أكثر قدسية من أي سر رسمي، عسكرياً كان أم سياسياً، لذلك ستقاس أسراركم بعد اليوم بمقياس قيمي كوني، يجعل مصلحة البشرية فوق أية مصلحة جزئية، حتى إن كان صاحبها دولة حاكمة ومتحكمة كالولايات المتحدة التي لن تكون وطناً يحترم الإنسانيون من أبنائه أسراره وأمنه إلا بقدر ما تحترم سياساته وخياراته المصلحة الإنسانية العامة .

 

هذه هي العبرة الرئيسة، كما أعتقد، من نشر وثائق موقع “ويكيليكس” الإلكتروني الذي كشف بشفافية ومبدئية يحسد عليهما، وثائق تتضمن أسرار مؤسسة شبه خفية ومقدسة هي عسكر أمريكا، الدولة التي ينتمي ناشر الموقع إليها، علماً، أن الشفافية ترتبط عموماً بتوافر عاملين رئيسين:

 

 قدر كبير من الحرية يتيح لنصيرها نشر ما لديه من أسرار من دون أن يخشى على حياته وأمنه، ومن دون أن تستطيع دولته الانفراد به ومحاسبته خارج أي إطار قانوني أو علني .

 

 سيادة قانون تمكن مؤيد الشفافية من حماية نفسه عبر الرأي العام، وعند اللزوم من خلال مقارعة السلطات قانونياً وتجريمها قضائياً، بتهمة القيام بأعمال ضد الإنسانية التي يصدقها قطاع واسع من الناس، فهي تنتمي إذاً، إلى حقل يتجاوز سلطة بعينها، ويجب فضحها وكشفها وعدم الاكتراث بما فيها من سرية، لأنها بالأساس والجوهر منافية للحرية والقانون وحقوق الإنسان التي لم يعد الكائن البشري قادراً على العيش من دونها، مثلما لا تستطيع مجتمعات البشر الحديثة الاستمرار من دونها، وتجاهل قيمتها ودلالتها في وجودها .

 

هذه الخطوة التي أقدم موقع “ويكيليكس” عليها، وبحجم الوثائق الهائل الذي كشفته للعلن وللعمومية الإنسانية، ستكون بداية قفزة بالنسبة إلى حرية بني الإنسان وحصانتهم الحياتية، وإلى سبل مقاومتهم للظلم وللسياسات غير الشرعية أو العدوانية . وهي، بتوجهها إلى عنوان عريض هو الرأي العام العالمي، تسهم في قيام مجتمع دولي مادي ومعنوي موحد القيم والإرادة، موحد المعارف والمواقف، يفيد من الحرية التي تتيحها النظم المتطورة لمواطنيها، ومن الثورة العلمية التقنية، التي تنقل إلى وعي الناس حقائق مشتركة وجامعة ترقيه وتوحده، حتى إن كانت هي نفسها لم تصل بعد إلى حيث يعيش هؤلاء، أو كان من يتلقون المعلومات عبرها لا يمتلكون أجهزتها ووسائلها . يعرف معظم سكان العالم اليوم، بفضل الحرية والثورة العلمية التقنية والقيم التي وجهت سلوك ومواقف أصحاب الموقع الإلكتروني الأمريكي، ما وقع من مآس في حربي العراق وأفغانستان، ويعلمون كيف تحاك المؤامرات، وترسم خطط التدخل العسكري في البلدان الأخرى وضد الدول والشعوب الضعيفة، وكيف تنشر الأكاذيب التي تبرر جرائم القوة المفرطة، وتفضح آليات فبركتها وطرق ووسائل فرضها على الناس، لتحويلهم إلى أنصار للإجرام يساندونه ويقبلونه . ومع أن هناك بالتأكيد خلفيات عديدة وراء قيام الموقع بنشر الوثائق السرية الأمريكية، فإنه من غير الجائز الاستخفاف بما كشفته بالنسبة إلى وعي البشرية، فالذي خدع بالأمس قد لا يخدع اليوم أو غداً بأكاذيب حكامه، والذي أيد عملاً عسكرياً لا معرفة لديه بخلفياته، سيفكر وسيطالب من الآن فصاعداً بمزيد من المعلومات حول سلوك حكامه وقراراتهم وطرق تطبيقها، وربما كان سيصير أكثر صعوبة بكثير إقناعه بحجج تستثير عاطفته القومية أو الوطنية أو العنصرية، تقدم له صورة زائفة عن الآخرين، كما عن سياسات بلاده التي تتذرع بالعمل على تحقيق أنبل القيم والأهداف، بينما هي تلاحق أكثرها فساداً وسفالة وعداء للبشرية .

 

ثمة مجتمع دولي يتخلق تدريجياً، بفضل الشفافية التي تستند إلى قدر من الحرية يكفل للبشر في كل مكان حق المعرفة، وتالياً حق وواجب مقاومة ما قد يقع عليهم من عدوان وقسر . ولا أظنه بعيداً ذلك اليوم الذي سنقرأ فيه وثائق خاصة بالاقتصاد وسياساته، والدول وخباياها، والحكومات وكواليسها، والمجتمعات ومشكلاتها، والانتخابات وعجائبها، ووثائق حول اغتيال تم هنا، وإعدام وقع هناك، وعمليات إبادة بالمفرق والجملة تعرضت لها الشعوب على أيدي أعدائها، و(هنا المصيبة) حكامها، وعمليات سرية وقع خلالها تسميم حياة مناطق بكاملها من خلال الكحول والمخدرات، ونصب كمائن للمخالفين في الرأي أو المصلحة . . . إلخ . وإذا كان هناك من نشر اليوم وثائق تخص جيش أمريكا وبريطانيا وحلفائهما، فإنه لن يكون بعيداً اليوم الذي سنقرأ فيه غرائب عن ثورات نظمت أو أفشلت، وحكومات نصبت أو أسقطت، وقادة صعدوا أو أزيحوا من الطريق، وجرائم لم يعلم أحد بحدوثها، مع أن خلقاً كثيراً يلمس أثرها في حياته ووجوده .

 

بعد اليوم، إذا حجبوا عنك المعرفة في بلدك، فإنها ستتدفق عليك من أربع أقطار العالم، حيث يتشكل نظام قيمي شفاف جداً يؤمن بحقك في الحرية والمعرفة، وبقدرتك على أن تكون سيد نفسك ومصيرك، وشريكاً في شؤون بلادك والعالم . قال بعض من قرؤوا الثورة العلمية التقنية ثقافياً إن لها سمات (مزايا) ثلاثاً، فهي:

 

ستغير العالم والواقع وستوسعهما إلى حدود غير مسبوقة، وستضفي معنى جديداً عليهما . وستغير وظيفة الإنسان في الوجود، وتجعله سيداً له، وستبدل معنى الزمن، فلا يبقى الماضي بعده الأطول والأكثر فاعلية، وإنما سيتراجع أمام المستقبل الذي لن يكون الحاضر غير مجرد لحظة تأخذ إليه أو تندرج فيه .

 

يقول ما سيترتب على نشر وثائق “ويكيليكس” من شفافية إن العالم يغدو أكثر فأكثر ملك من كانوا هامشيين ومنبوذين حتى في البلدان الفقيرة والمتأخرة، وإن الإنسان لا يجوز أن يبقى موضوعاً تنصب عليه أفعال الآخرين، ولا مفر من تحوله هو نفسه إلى فاعل يشارك في صنع مصيره، بينما تمس حاجة البشرية إلى إلغاء الهوة بين التقدم والتأخر باعتبارهما زمنين مختلفين ينتميان إلى عالمين مختلفين . نحن في الطريق إلى عالم كوني شفاف ويقاتل بالحرية، يصير أكثر فأكثر ملك من يعيشون فيه . هذه هي الثورة التي لن يكبحها أو يحبطها شيء، ولن يصمد أمامها طغيان أو جهل أو تأخر أو استبداد .

=========================

تقدم «ناتو» في أفغانستان بعيد المنال

 بقلم :صحيفة «اندبندنت» البريطانية

البيان

24-11-2010

إذا كانت حرب العراق سيئة، فسوف تغدو حرب أفغانستان أسوأ. وما من شيء قيل أو تم القيام به خلال مؤتمر لشبونة، الذي يعتبر إلى حد كبير عملية خداع للذات، سوف يجعل هذا أفضل وربما يجعله أسوأ. الأمر لا يقتصر على أن الحرب تسير مجرياتها على نحو سيئ، ولكن أن حاجة «ناتو» إلى إظهار إحراز التقدم قد أفضت إلى عددٍ من الحلول السريعة ذات التأثير العكسي التي يحتمل أن تفاقم العنف.

 

وتشمل هذه المبادرات الخطيرة تكوين ميليشيات محلية لمقاومة حركة طالبان، وحيثما تعد القوات الحكومية ضعيفة. وكثيرا ما تكون هذه الميليشيات مؤلفة من مسلحين مأجورين يقدمهم قادة الحرب المحليون الذين ينقضون على المواطنين الأفغان العاديين. تبالغ المؤسسة العسكرية الأميركية كثيراً في تقدير استراتيجيتها المتمثلة في اغتيال المستوى المتوسط من قادة طالبان، ولكن بينت إحدى الدراسات على أرض الواقع أن العديد من هؤلاء القادة يحظون بتقدير كبير في مجتمعاتهم. وخلصت الدراسة إلى أن قتلهم أثار غضب السكان المحليين، وأفضى إلى تجنيد العديد منهم في صفوف حركة طالبان.

 

أعلن القائد العام للقوات الأميركية في أفغانستان «ديفيد بترايوس» أمام قادة «الناتو» عن خطته لبدء تسليم المسؤولية الأمنية في بعض المناطق إلى الحكومة الأفغانية في عام 2011. يبدو هذا بمثابة تفكير بالتمني من جانب الجنرال «بترايوس»، ويأتي اختياره للمواعيد المستهدفة في المقام الأول من أجل تفادي اتهامات بأن «ناتو» ليست لديه أي فكرة حول موعد وطريقة خروجه من أفغانستان.

 

تسيطر حركة طالبان حالياً على نصف أفغانستان أو تتمتع بنفوذ فيه. وفي الوقت الذي تم تكثيف التعزيزات الأميركية على مقاطعتي هلمند وقندهار، فإن طالبان تواصل توسيع جيوبها في الشمال. وتعتمد الفكرة برمتها المتعلقة بتسليم مهام الأمن للحكومة الأفغانية على توسيع سريع لعدد أفراد الجيش الأفغاني ليصل إلى 171 ألف جندي وزيادة عدد قوات الشرطة إلى 134 ألف فرد. ومن المحتمل ألا يكون المجندون الجدد في الجيش والشرطة مفتقرين إلى التدريب فحسب، بل سيتم استقدامهم من الطاجيك والأوزبك والهزارة المناهضين لطالبان إلى حد كبير.

 

أما البشتون، الذين يشكلون 42% من الأفغان وهم العرق الذي ينتمي إليه رجال طالبان إلى حد كبير، سوف يشعرون بأنهم الضحايا أكثر من أي وقت مضى. إن الاختلافات بين حركات المسلّحين في العراق وأفغانستان تؤكد على أن هذه الأخير أكثر خطورة بالنسبة للمحتلين الأجانب.

 

ففي العراق انبثقت الجماعات المسلحة المناهضة للولايات المتحدة من العرب السنة، الذين يشكلون طائفة ينتمي إليها أقل من واحد لكل خمسة عراقيين. وحظيت حكومة ما بعد عهد الرئيس الراحل صدام حسين في بغداد بتأييد الأكراد والشيعة، الذين يشكّلون أربعة أخماس السكان. والأفغان أكثر كرهاً للأجانب من العراقيين. وعلى حد وصف دبلوماسي غربي في كابول بالقول: «التشكك في الأجانب شعور يجري في عروق كل الأفغان».

 

ربما يريد قادة «ناتو» الذين اجتمعوا في لشبونة أخيراً دراسة جانبين آخرين، قد تبرهن أفغانستان فيهما على أنها بلد أكثر خطورة. فالحكومة الأفغانية أكثر ضعفاً من نظيرتها في بغداد، حيث توجد السيطرة المركزية وتتوفر لديها 60 ملياراً دولار من عائدات النفط. وعلى الصعيد العسكري، فإن ما ألحق الهزيمة بالجيش السوفييتي سابقاً في أفغانستان لم تكن البراعة الحربية للأفغان، ولكن وجود حدود بطول 2500 كيلومتر مع باكستان.

=========================

«إيباك» تخوض معركة حياة أو موت

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

24-11-2010

تخوض «إيباك» أقوى المنظمات المناصرة لإسرائيل في واشنطن معركة حياة أو موت هذه الأيام ستؤثر نتيجتها في مستقبلها كله. فلو خسرت إيباك تلك المعركة فسيتغير للأبد وجه العلاقة بين المنظمات المناصرة لإسرائيل والمؤسسات السياسية الأميركية.

 

و«اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة» المعروفة اختصاراً باسم «إيباك» هي اللوبي الرسمي المناصر لإسرائيل والمسجل قانوناً للدفاع عن مصالحها. وهي مسجلة قانوناً ليس كلوبي أجنبي وإنما كلوبي أميركي. وهناك فارق ضخم بين الاثنين من حيث المسموح وغير المسموح بممارسته من أنشطة.

 

فعلى عكس جماعات اللوبي الأجنبية، فإن إيباك قانوناً لا تمثل الحكومة الإسرائيلية فهي لا تتحدث باسمها، ولا تتلقى أموالاً منها مقابل الدفاع عنها في واشنطن، وإنما هي منظمة يقوم عليها أميركيون بأموال أميركية. والدستور والقانون الأميركي يعطى الأميركيين الحق في تنظيم أنفسهم من أجل دعم أو تغيير أية سياسة داخلية أو خارجية. ومن ثم فإن التكييف القانوني للمنظمة هي أنها جماعة من المواطنين الأميركيين الذين يؤمنون بأن من مصلحة بلادهم إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل.

 

ويعطي هذا الوضع القانوني لإيباك حرية حركة واسعة. فما هو مسموح لجماعات المصالح الوطنية أكبر بكثير من الجماعات الأجنبية. فإيباك من حقها أن تنشط في الانتخابات العامة سواء بحشد الأصوات أو تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين وهو المحظور على اللوبي الأجنبي.

 

وإيباك واحدة من أعتى جماعات اللوبي في أميركا وأكثرها نفوذاً. وهي بميزانيتها التي تبلغ نحو 70 مليون دولار وفريق عملها الذي يزيد على المائة والأربعين، صاحبة علاقات ممتدة مع كل مؤسسات الدولة ومع المسؤولين السياسيين من الحزبين. وهي تستخدم كل وسائل الضغط السياسي المتعارف عليها في واشنطن والتي لو استخدمت إحدى المنظمات واحدة أو اثنتين منها صارت صاحبة نفوذ معتبر.

 

ومن المعروف أيضاً عن إيباك أنها من أكثر جماعات اللوبي ميلاً للسرية. فهي تفرض تعتيماً على عملها وما يدور في كواليسها ولا توجد معلومات عما تقوم به إلا ما تتيحه هي بنفسها. ومن هنا تأتي خطورة المعركة الدائرة اليوم. وتعود بداية القصة إلى عام 2004 حين تم القبض على لورانس فرانكلين الذي كان يعمل في وزارة الدفاع الأميركية وقتها واتهم بتمرير معلومات سرية أميركية إلى اثنين من العاملين في منظمة إيباك هما ستيفن روزين وكيث وايسمان اللذين أرسلا تلك المعلومات بدورهما إلى دبلوماسيين ومسؤولين إسرائيليين.

 

وقد أدين فرانكلين بالفعل وأعدت هيئة التحقيقات الفيدرالية ملفاً يدين كل من روزين ووايسمان تمهيداً لمحاكمتهما. إلا أن إحالة القضية للمحكمة ظل يتأجل لسنوات إلى أن قرر الإدعاء في 2009 عدم إحالة القضية للمحكمة من أساسه. وكان السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن دفاع المتهمين كان يؤسس دفاعه على ركيزة أساسية مؤداها أن ما فعله الرجلان من تلقٍ لمعلومات سرية ثم نقلها للحكومة الإسرائيلية كان أمراً روتينياً ومعتاداً في العمل داخل إيباك.

 

وبدأ الدفاع فعلاً في تنفيذ تلك الخطة فانتزع من المحكمة قراراً يسمح للدفاع باستخدام معلومات سرية فى المحاكمة. وكان من الواضح أن تلك المعلومات كانت ستستخدم كدليل على ما تم تسريبه للحكومة الإسرائيلية عبر إيباك طوال سنوات طويلة. ويبدو أن الادعاء الذي كان يناهض بشدة استخدام تلك المعلومات السرية في المحاكمة قد آثر السلامة فقرر حفظ القضية!

 

وحفظ القضية كان في مصلحة إيباك بالقطع، فرغم أن إيباك كانت قد فصلت الرجلين بمجرد صدور قرار الاتهام ضدهما ونأت بنفسها تماماً عنهما إلا أنه لم يكن من مصلحتها على الإطلاق أن تتم محاكمتهما لأن تلك المحاكمة كان من شأنها أن تفتح ملف إيباك وتجعله عرضة طوال فترة المحاكمة - التي قد تستمر سنوات - لتمحيص الإعلام والحقوقيين.

 

غير أن إيباك لم تفصل الرجلين فقط وإنما صدر عن رموزها تصريحات اعتبرها روزين تشهيراً به فتقدم لمحكمة مدنية يتهم المنظمة بطرده من وظيفته دون وجه حق والتشهير به ويطالب بتعويض قدره 21 مليون دولار.

 

ولأن إيباك تعرف جيداً تبعات قبول المحكمة للقضية، فقد تقدمت للمحكمة الأسبوع الماضي بطلب يدعوها لرفض نظر القضية أصلاً وقدمت لها ملفاً ضخماً يقع في 260 صفحة سعت من خلاله المنظمة لأن تثبت للمحكمة أنها كانت محقة فى فصل روزين على أساس أنه أخل بالمعايير المهنية. وزعمت أنه حين تداول معلومات سرية فإنه كان يخرق تلك المعايير ولا يعمل باسم المنظمة. بل أكثر من ذلك، اتهمت إيباك الرجل بانتهاك المعايير الأخلاقية حيث قدمت ما يثبت أنه كان يستخدم كمبيوتر المؤسسة لمشاهدة مواد إباحية بل وللاتصال بأشخاص بغرض إقامة علاقات جنسية.

 

والهدف الأساسي من الملف وما جاء فيه هو إقناع المحكمة برفض القضية قبل أن يقدم روزين دفوعه. فدفاع روزين مبني - مرة أخرى - على أن ما فعله عندما حصل على المعلومات السرية ثم سربها للمسؤولين الإسرائيليين كان القاعدة في عمل إيباك. وهو قال إنه سيقدم 180 وثيقة داخلية من وثائق إيباك تثبت ذلك. ومن هنا، فإذا قبلت المحكمة القضية وتقدم الرجل بالوثائق فعلاً ستكون فضيحة مدوية لإيباك تضعها أمام الرأي العام الأميركي في صورة لم تعتدها تكون فيها متهمة بتعريض أمن أميركا للخطر من أجل إسرائيل وتفتح من جديد ملف الولاء المزدوج.

 

اللافت للانتباه أنه بينما غطت الصحافة الإسرائيلية الموضوع برمته، فإنك لا تكاد تجد ذكراً للموضوع في الصحف الأميركية الرئيسية، وغياب الموضوع من الإعلام هو في حد ذاته أحد تجليات نفوذ إيباك. والسؤال الرئيسي اليوم هو هل سيظل نفوذ إيباك كما هو أم تقرر المحكمة الاستماع لروزين؟

=========================

الكونغرس سيكبّل يدي أوباما

بقلم:موشيه أرنس‏

هآرتس

ترجمة

الأربعاء 24-11-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

تعتبر الهزيمة النكراء التي مني بها الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة للكونغرس إنذاراً موجهاً لشخص الرئيس باراك أوباما، وتمثل تعبيراً عن غضب الكثير من الناخبين عند إدلائهم بأصواتهم في الانتخابات لمصلحة الجمهوريين،

على الرغم من قناعتهم ومعرفتهم بأن الخطة والأسلوب الذي يتبعونه في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد في الوقت الحاضر غير مقبولة وتفتقر للعقلانية.‏

لقد قادت نتائج الانتخابات إلى سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب، وإلى تدن واسع في الأغلبية التي كان يتمتع بها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن الأسباب التي دعت الأمريكيين إلى هذا الغضب؟ ونجد ثمة أسباباً متعددة تجيب عن هذا التساؤل في مقدمتها الزيادة الملحوظة في عدد العاطلين عن العمل الذين تجاوزت نسبتهم 10% دون وجود بارقة أمل في تراجع تلك النسبة في المستقبل المنظور، فضلا عن تحسب الأمريكيين من حدوث عجز كبير في الميزانية يفضي إلى تزايد الديون الفيدرالية.‏

لا ريب بأن أوباما قد أصبح على معرفة تامة بأن أفدح خطأ ارتكبه منذ توليه مقاليد السلطة هو إقراره خطة الرعاية الصحية، لكن من المفارقة في هذا الأمر أن يعتبر الجميع بأن نجاحه في تمرير تلك الخطة على الكونغرس والحصول على موافقته إنجازاً، غير مسبوق لأن الكثيرين من الرؤساء الأمريكيين قد حاولوا قبله تمرير تلك الخطة دون أن يفلحوا في تحقيق ذلك. علماً بأن أهمية هذا الإنجاز تكمن في كونه قد جاء تنفيذا لوعد قطعه الرئيس أوباما للناخبين إبان الانتخابات الرئاسية. و في الواقع، فإن تلك الخطة ترمي بشكل رئيس لتحسين الرعاية الصحية للكثير من الأمريكيين.‏

لايزال معظم الأمريكيين يعربون عن موافقتهم على خطة الرعاية الصحية التي وضعها أوباما، حيث أبدى أكثر من50% منهم تأييده لها. لكن المشكلة تكمن في توقيت إصدارها الذي تزامن مع وقوع البلاد في أزمة اقتصادية كبيرة، إذ من المحتمل أن تفضي إلى عجز في الميزانية أو تقود إلى فرض ضرائب جديدة او الاثنين معا. لذلك يرى البعض فيها خطأً فادحاً سيفضي إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي.‏

في إسرائيل يتمتع الإسرائيليون بتأمين صحي شامل ورعاية صحية ممتازة بشكل عام، لذلك فإنهم لا يكترثون أو يعطون أي اهتمام لبرنامج الإصلاح الصحي الذي طرحه أوباما، لكن ما يرغبون معرفته هو مدى المنعكسات التي يمكن أن تحدثها الانتخابات الأخيرة على إسرائيل، وهل ستتغير الأمور بالنسبة إليهم نحو الأفضل أم نحو الأسوأ أم أنه لن يحدث أي تغير في العلاقات القائمة في الوقت الحالي بين إسرائيل والولايات المتحدة؟‏

في الانتخابات الأخيرة، لم نقف على أي ذكر لإسرائيل أو للعلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولم تطرح أي أمور سياسية خلال الحملة الانتخابية، واقتصرت جل الطروحات على الوضع الاقتصادي، فهل يعني ذلك استمرار أوباما بسياسته حيال إسرائيل إن رضينا أم لم نرض؟ وهل يعني ذلك عدم حصول أي تغيير في السياسة الأمريكية على الرغم من التغير الذي طرأ في تركيبة الكونغرس بشكل جذري؟‏

يعلم الجميع بأن السياسة الخارجية الأمريكية تحدد من قبل الرئيس بالاشتراك مع وزيرة خارجيته، ولا يتم اللجوء إلى الكونغرس إلا عندما يتطلب تنفيذ القرارات السياسية الخارجية رصد اعتمادات مالية مناسبة، ما يوحي للوهلة الأولى «وخلافاً للواقع» بأنه ليس بإمكان الكونغرس التدخل أو فرض نفوذه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.‏

وفي كل الأحوال، فإن الحزبين يلتقيان في أمور عديدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فالكونغرس الجديد تربطه علاقة وثيقة مع إسرائيل، ولا يقتصر الأمر على الحزب الجمهوري فحسب، بل إن تلك العلاقة والروابط تشمل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، حيث لوحظ بأن الكثير من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس كانوا يبدون تذمرهم من تصرفات الرئيس الأمريكي تجاه إسرائيل خلال السنتين الماضيتين. لكنهم يترددون في توجيه النقد بصوت عال لسياسته في هذا المجال.‏

أما بالنسبة للجمهوريين فهم لن يشعروا بأي غضاضة إن علم الرئيس والشعب بوجهة نظرهم المخالفة لرأيه، لذلك فإننا نتوقع أن تتلقى إسرائيل دعماً غير محدود من قبل الكونغرس الجديد، وهذا يعني أنه إذا استمر أوباما بالضغط على إسرائيل فسيجابه بمعارضة شديدة في الكونغرس، الأمر الذي لا يرغب بحدوثه نظرا لوجود الكثير من الأمور المستعجلة الأخرى التي يرغب بالحصول على موافقة الكونغرس عليها، ما يجعله يتحسب من الدخول بصدام معه بشأن علاقته مع إسرائيل. وبذلك فإنه عندما يجد نفسه مضطرا لاتخاذ إجراءات صارمة بحق إسرائيل في الأحوال التي تتعنت عن تنفيذ مطالبه فإنه سيجابه بعدم تعاون الكونغرس معه في تحقيق ما يبتغيه.‏

إزاء ما ذكر فمن غير المحتمل أن نرى عودة للأزمات بين الولايات المتحدة وإسرائيل سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة على غرار ما شهدناه في السنتين الماضيتين، ولن نشاهد توجيه أي إهانة لرئيس الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى إن قام بزيارة لواشنطن، وسيلاحظ التغيير الواضح في المواقف لأن الكونغرس سيقف حائلاً دون حرية التصرف للرئيس عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.‏

=========================

تحرير بعض الذي جرى في مصر

فهمي هويدي

السفير

24-11-2010

إذا لم تكن تعرف ما هو «الأنومي»، فأنت لا تعرف حقيقة ما جرى لك في هذا الزمن، ومن ثم لا تعرف أنك مواطن بدرجة «مأزوم»، وحل مشكلتك ليس بيدك!

1

«الأنومي» باختصار مصطلح شائع في كتابات أساتذة علم الاجتماع، يستخدمونه في وصف الانفلات الذي ينتاب قيم المجتمع، بحيث تصبح عاجزة عن القيام بوظيفتها الايجابية. والكلمة لها أصل في اللغة اليونانية القديمة ومعناها اللاقانون «نوموس تعني القانون». ولكن عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي اميل دوركهايم أشاعها في كتاباته للتعبير عن الحالة التي يتراجع فيها الدور الإيجابي للقيم، بحيث تكرس التراجع والتخلف بدلا من أن تكون رافعة للنهوض والتقدم. ومنذ ذلك الحين (آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) دخل المصطلح إلى موسوعة العلوم الاجتماعية وأصبح يستخدم في وصف أزمة القيم أينما حلت.

أما مناسبة استدعاء المصطلح في الوقت الراهن فترجع إلى عاملين، أحدهما شخصي والآخر موضوعي. السبب الشخصي أنني كنت بصدد إعداد بحث طلبته منى إحدى الهيئات الدولية عن القيم في العالم العربي، وحين قطعت شوطا في مطالعة المراجع المصرية بوجه أخص، وجدت أن أساتذة علم الاجتماع بلا استثناء تقريبا يتحدثون عن أن مصر تعاني أزمة في منظومة القيم الاجتماعية السائدة، وأنهم يشيرون إلى الحالة المصرية باعتبارها نموذجا «للآنومي»، التي في ظلها جرى تفكيك القيم الايجابية وتراجعها بشدة، لحساب عديد من القيم السلبية التي أصبحت كالسوس ينخر في جسد المجتمع. وقد راعتني بعض الشهادات والأحكام التي أطلقها أولئك الخبراء، إلى الحد الذي أقنعني بضرورة الانضمام إلى حملة دق الأجراس التي تستهدف التنبيه إلى خطورة الظاهرة والتحذير من مغبة التهوين من الأمر أو الانصراف عنه.

أما السبب الموضوعي فيتلخص في أنني لاحظت أن أجواء الانتخابات التشريعية الراهنة دفعت بعض حملة المباخر في مصر إلى المبالغة في تزيين الواقع والإشادة بالإنجازات التي تمت في مختلف المجالات، مستخدمين في ذلك سيلا من الأرقام التي يتعذر على المواطن العادي أن يتحقق من صحتها. وإذ لا أشك في أن ثمة إنجازات تحققت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن حفاوتنا بها لا تتحقق إلا بعد الإجابة عن أسئلة منها على سبيل المثال: من الذي استفاد منها؟ وكيف ترجمت إلى واقع في حياة المواطن العادي؟ وما هي القيم الاجتماعية التي أفرزتها؟

2

في 18 آب أغسطس من العام الماضي (2009) كتبت مقالا تحت عنوان «محاكمة مثيرة لقيم المصريين»، استعرضت فيه ما توصلت إليه دراسة تحليلية لمنظومات القيم السائدة خلال نصف القرن الأخير. وكانت الدراسة قد صدرت عن مركز الدراسات المستقبلية بمجلس الوزراء المصري، وقام بتحريرها الدكتور محمد إبراهيم منصور والباحثة سماء سليمان. وحين تتبعت متغيرات القيم في مصر منذ قامت ثورة يوليو عام 1952 إلى أن دخل المجتمع المصري عقد التسعينيات، وجدت أن من سماتها عدة معالم أعيد التذكير بها تمثلت في ما يلي:

} انتفاء قيمة الخير والحب، إذ أصبح الخير والسعي إليه والعمل على تحقيقه سواء للذات أو للآخرين من الأمور النادرة. وكأنه أصبح معقودا على الذات فقط.

} تراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة. إذ في عهد الرئيس عبد الناصر كان ميل المصري للطمأنينة قوياً، لاعتماده على شخصه وعلى الدولة التي وفرت له كل شيء. وفى عهد السادات بدأ القلق والاكتئاب يتسربان إليه. واستمر ذلك خلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم. إلى أن لوحظ أن المصري أصبح مسكونا بالانفعالات المختفية تحت بعض الصمت والسكينة، وهو ما يعبر عنه بالمجاملة حينا وبالنفاق حينا آخر. وانتهى الأمر به أن هرب إلى الغيبيات التي وفرت للبعض طمأنينة مزيفة، وامتزجت عند المصري روح الفكاهة بالاكتئاب. حتى أصبحت تعبيرا عن المرارة والسخرية وليس عن المرح.

} انتفاء قيمة العدالة. إذ غابت العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية، والعدالة السياسية جراء تزوير الانتخابات، والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد، والعدالة الاجتماعية بسبب تصعيد المنافقين والمؤيدين وكتاب السلطة. ومن ثم باتت قيم الإنفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين هي الصفات الغالبة.

} تراجع القدوة. إذ أصبح الناس يفتقدون النموذج الذي يقتدون به، خصوصا في ظل انتشار أخبار فساد أصحاب المناصب العليا والزعماء السياسيين والروحيين.

} تراجعت قيم العلم وازداد احتقار اللغة، كما تراجع التفكير العلمي، ومعهما تراجعت قيمة العمل، الذي أصبح مقصورا إما على أصحاب الواسطة أو متخرّجي الجامعات الأجنبية، وإزاء انتشار الفساد تراجعت قيمة الأمانة وشاع التسيب واللامبالاة.

} تراجعت قيمة الأسرة التي أصبحت تواجه خطر التفكك، في ظل غياب التراحم، وزيادة مؤشرات الفردية والأنانية واستغراق في المظهرية والتطلعات الشخصية.

} تراجع قيمة الانتماء للوطن. إذ أصبح المواطن المصري جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن يشعر بوحدة غريبة، وانكفاء على الذات، وذلك نتيجة لإقصائه عن أي مشاركة، إضافة إلى أنه لم يعد يشعر بأن الدولة تحتضنه وترعاه.

3

هذا التشوه في منظومات القيم هو بالضبط بعض أعراض «الأنومي». وهى الحالة التي تعبر عن هشاشة المجتمع وتراجع قيمة الايجابية، بما يؤدي إلى تعثر مسيرته وتدهور أوضاعه العامة. وقد وجدت أن ثمة اتفاقا بين الباحثين على أن ذلك التدهور محصلة للتقلبات والهزات الثقافية التي تعرض لها المجتمع المصري خلال نصف القرن الأخير. وهو ما أطلق عليه البعض وصف «الحراك الاجتماعي»، الذي فسر به الدكتور جلال أمين «ما جرى للمصريين»، وتحدث عنه كتاب مركز الدراسات المستقبلية، واستفاض في شرح تأثيراته الدكتور علي ليلة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، في كتاباته عن تحولات الثقافة ومنظومات القيم في مصر. وفي تعليقه على ذلك الحراك في بحث أخير له حول الموضوع، أنه أورد شهادة خطيرة وموجعة ذكر فيها أنه: «على مدى نصف قرن جرت مياه كثيرة في نهر المجتمع، فعلى الصعيد الواقعي حدثت تحولات من المدهش أن يجود بها خيال. فقد بدأ المجتمع منذ صباح ثورة يوليو 1952 من مجتمع تقوده أيديولوجيا ليبرالية مشوهة إلى جانب منظومات قيمية مجاورة لم تندمج معها إن لم تعادها، فإذا بنا نعود بعد نصف قرن إلى مجتمع تقوده أيديولوجيا ليبرالية فاسدة، إلى جانب منظومات قيمية تجاوزها. قد تختلف أو تتناقض معها. كما أننا تحركنا من مجتمع بدأ بطبقة عليا تسلك سلوكاً أنانياً في غالبه، وتتعايش مع البورجوازية العالمية، إلى مجتمع تسيطر عليه الطبقة العليا ذاتها، بعواطفها الأنانية ونزعاتها الفردية، مجتمع بدأ بالثورة على الفساد وتغيير القيم الفاسدة، فإذا بنا ننتهي إلى مجتمع منتج للفساد متخلٍ عن القيم، تعوق حالته عملية الإصلاح والتغيير». في الشق الثاني من شهادته ذكر الدكتور علي ليلة أن الفضاء الثقافي المصري اخترقته ثلاث منظومات للقيم «سوف تأتي على الأخضر واليابس إذا استمر الحال على ما هي عليه»  على حد تعبيره، هي كالتالي:

1 «القيم الانتهازية التي حلت محل القيم النضالية لدى شرائح عديدة من أبناء الطبقة الوسطى وقد استذابت تلك القيم الانتهازية على خلفية تفضيل أهل الثقة والولاء على أهل الخبرة، وحين تقلدت نماذج الطبقة الوسطى المناصب العليا لإحساس النظام بالأمان تجاههم، فإن ذلك دفع كثيرين من نظرائهم لأن يسعوا أو يطلبوا أن يكونوا بدورهم أهل ثقة. يضاف إلى ذلك أن مناخ الدولة الاشتراكية ساعد على نمو هذه البذور الانتهازية، حين عودت الدولة بعطائها السخي دون مقابل أبناء الطبقة الوسطى على ثقافة الأخذ دون العطاء، الأمر الذي تطور إلى تفضيل الصالح الخاص على الصالح العام، ثم إلى استغلال الصالح العام لتمكين الصالح الخاص. وحين غرقت سفينة الاشتراكية سارع هؤلاء إلى السفينة الليبرالية. فأبناء الطبقة المتوسطة هم الذين ساعدوا في صياغة أيديولوجيا الانفتاح وترسانتها القانونية.. وهم الذين تحالفوا مع الطبقة العليا الوطنية والعالمية، متناسين أنهم كانوا عُمد الاشتراكية وأنهم شاركوا في تصفية تلك الطبقة. وهذه القيم الانتهازية ازدهرت واتسعت مساحتها، حتى باتت تشكل إحدى منظومات الفساد والانهيار الثقافي والقيمي في المجتمع.

2 إن المنظومة القيمية الثانية تتمثل في اتساع مساحة الثقافة الاستهلاكية بصورة تدريجية، سواء مع ارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر، أو جراء هجرة أعداد كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة إلى دول الخليج، أو نتيجة اختراق ثقافة العولمة لمجتمعاتنا. وهي الثقافة التي استهدفت المرأة في الشباب بالأساس، واستخدمت الإعلام والإعلان وتكنولوجيا المعلومات لتصبح ترسانة جديدة من أجل القهر والتركيع الثقافي للشعوب.

3 ثقافة الانحراف، هي المنظومة الثقافية الثالثة التي بدأت توجد بمساحة واسعة في فضائنا الثقافي، إذ حين يغيب المشروع الاجتماعي أو القومي الذي يستنفر الطموحات ويلهمها، وحين تلعب الظروف الاقتصادية والسياسية القائمة أدوارها في تهميش فئات اجتماعية عديدة، فإن الهروب من ذلك الواقع يصبح أمراً مفهوماً. واللجوء إلى المخدرات يمثل شكلا من أشكال الهروب. كما أن الانحياز إلى التطرف من جانب ذوي المرجعيات الدينية يعد هروبا من نوع آخر. ولأن التطرف يكون عادة وليد حالة الحصار، فإن الخروج من الحصار لا بد له من عنف وذلك منزلق آخر له شروره الكثيرة. وفضلا عما سبق فإن ثقافة الجنس خارج الشرعية تعد حراما آخر متعدد الأوجه، التي تتراوح بين الاغتصاب والتحرش والزواج العرفي وقد تصل إلى زنى المحارم.

4

الدراسة التي أعدها مركز الدراسات المستقبلية في عام 2009 لتكون أساسا لرسم معالم الرؤية المستقبلية لمصر في سنة 2030 تحولت إلى منشور سري لم يسمع به أحد. وحين أشرت إليها في أحاديثي مع بعض من أعرف من الوزراء فإنهم أبدوا دهشتهم حين سمعوا بأمرها، الأمر الذي يعني أن الأمر في نهاية المطاف لم يؤخذ على محمل الجد، وأن الدراسة عرفت طريقها إلى عالم النسيان بمجرد الانتهاء منها. ومن ثم بقيت الحال كما هي عليها في ظاهرها، إلا أن الحقيقة غير ذلك، لأنك حين تقف على منحدر بالحدة التي تبينت، فإنك لن تثبت في مكانك، ولكنك ستتدحرج حثيثا نحو القاع.

إن الانهيارات التي أصابت قيم العدل والأمان والعلم والانتماء والأسرة فضلا عن قيم العمل والأخلاق الخاصة من شأنها أن تؤثر على تماسك المجتمع وقوته. وحينما ينفرط عقد المجتمع وتسري فيه عوامل التفكيك والتشرذم، فلا ينقذه من كل ذلك سوى مشروع واضح المعالم، يحدد ركائز الاستمرار ووجهة السير، وهو أهم ما تفتقده مصر في الوقت الراهن، (لقد قرأنا عن نظرية «الأوز الطائر» التي اهتدت بها تجربة التنمية في دول جنوب شرق آسيا، التي تصور عملية النمو بطيران أسراب الأوز، في المقدمة تأتي اليابان باعتبارها القائدة، يليها السرب الأول الذي ضم كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، ثم السرب الثاني الذي يشمل ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا، أما السرب الثالث فيضم كمبوديا وفيتنام).

سمعنا أيضا عن سياسة «النظر شرقا» التي اتبعتها ماليزيا في الثمانينيات في اقتدائها باليابان وكوريا الجنوبية، وكيف أن تلك الرؤى حين خرجت إلى حيز التنفيذ بإصرار وجدية، شكلت رافعة لتقدم شعوب تلك الدول التي سميت بالنمور الآسيوية، لكننا لم نسمع حتى الآن في مصر نداء يرد إلينا الروح ويحيي فينا الأمل في المستقبل. في حين أن كل ما نسمعه لا يخرج عن كونه ضجيجا بلا طحن وهرج هواة أو حُواة لا يغني ولا يسمن من جوع.

=========================

نتنياهو زيارة رئاسية للولايات المتحدة

المستقبل - الاربعاء 24 تشرين الثاني 2010

العدد 3838 - رأي و فكر - صفحة 19

ماجد عزَّام()

بدا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة الاميركية كمن يتفقد انصاره ومحازبيه وحلفائه من الجمهوريين والاحتفال معهم بالانتصار الساحق في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وفي السياق استعراض القوة ليس فقط مقابل الرئيس باراك اوباما وإدارته وانما مقابل العالم كله ايضا.

بداية يجب الانتباه الى انه وللمرة الاولى منذ عقود يذهب رئيس وزراء اسرائيلي الى اميركا من دون ان يلتقي الرئيس. عندما برمج نتنياهو زيارته كان يعلم بجولة اوباما الاسيوية الطويلة في التوقيت نفسه، ورغم ذلك تعمد الذهاب-كان بإمكانه طبعا مخاطبة المؤتمر عبر القمر الصناعي- لايصال رسالة الى اوباما انه بات قوياً جدا في واشنطن لدرجة انه يستطيع الاستغناء عن لقاء الرئيس، فحلفاؤه وانصاره من اعضاء الكونغرس الجدد يغنونه ويفون بالغرض، او على الاقل يعززون موقفه مقابل البيت الابيض والادارة بشكل عام.

رئيس الوزراء الاسرائيلي استغل الزيارة للالتقاء المباشر مع الجمهوريين الجدد الفائزين في انتخابات الكونغرس الاخيرة علما انه يعرف عددا كبيرا منهم بشكل شخصي ويعتبر حتى بمثابة الملهم الفكري والسياسي بالنسبة اليهم. يمكن توقع انه رسم خارطة الطريق وحدد الاولويات التي يجب العمل عليها وكيفية استغلال وجودهم في الكونغرس من اجل تحقيق المصالح الحيوية-المشتركة- لاسرائيل وفق فهمه الخاص والمتطرف لها.

لا يقل اهمية مما سبق ان نتنياهو المنتشي بفوز انصاره وحلفائه ومريديه من الجمهوريين الجدد أفصح في خطاب نيو اورليانز عن الخطوط العريضة لرؤاه وتصوراته السياسية: ليس هناك اهتمام جدي بالقضية الفلسطينية كونها غير ملحة ويمكنها الانتظار برأيه او على الاقل بلورة حلول مرحلية وانتقالية لها تمتد عشرات السنين، اما الاكثر إلحاحا حسب نتنياهو فيتمثل بإيران وملفها النووي، ومقاربة هذا الملف لا يمكن ان تتم بعيدا عن الخيار العسكري عبر التهديد به بشكل مصداق حسب تعبيره الحرفي لإجبار ايران على وقف مشروعها النووي في تحريض صريح على العنف وتأجيج اجواء التوتر والفوضى في المنطقة عوضا عن خلط وتزوير الوقائع وتصوير ايران وكأنها الخطر المركزي على المنطقة لإبعاد النظر وحرف الانتباه عن الاحتلال الاسرائيلي وتجلياته المختلفة من استيطان وتهويد وقمع للشعب الفلسطيني ناهيك عن اثاره السلبية العامة على المنطقة بل والعالم ايضا.

امر لافت آخر حصل على هامش الزيارة وتمثل بالاعلان عن خطط لبناء ألفي وحدة استيطانية فى محيط القدس-جبل ابوغنيم- كما عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة في مستوطنة ارئييل التي تتوغل عشرات الكيلومترات شمال الضفة الغربية وتمنع التواصل الجغرافي والبشري الفلسطيني في المنطقة. الخطوة عبرت في الشكل عن التحدي والاستهزاء بالمطالب الفلسطينية والعربية والدولية كما سعت في السياق الى جس نبض ادارة اوباما بعد نتائج انتخابات الكونغرس عوضا عن تكريس فكرة ان كبح الاستيطان -كما قال نتنياهو لم يعد على الطاولة وعلى الجميع التأقلم مع هذه الفكرة او دفع ثمن كبير لا يمكن رفضه مقابل تأجيل هذه الخطط والاكتفاء بإكمال الشقق قيد البناء حاليا والبالغة قرابة الف وستمائة وحدة استيطانية معظمها في المستوطنات المحيطة بالقدس.

المعطيات السابقة كانت حاضرة بالتأكيد في اللقاء الماراثوني لنتنياهو الخميس الماضي مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون والذى استمر لثمان ساعات-بدلا من ساعتين- وتمت فيه بلورة حزمة الضمانات الاميركية الامنية والسياسية غير المسبوقة للدولة العبرية مقابل كبح مؤقت وجزئي للاستيطان لثلاثة شهور يسمح باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وإنهاء جمود عملية التسوية كونه ضاراً ومؤذياً للمصالح الاميركية ومفيداً جدا للمتطرفين ومعارضي التسوية بإطارها الحالي حسب تصريحات اميركية وحتى عربية-اعتدالية- متطابقة علما ان نتنياهو يتحدث عن اتفاق امني واستراتيجي وليس مجرد ترتيبات او تفاهمات وجزء منه سيظل سرياً وغير معلن مع الانتباه الى ان مغزاه الجوهري يتعاطى مع القضية الفلسطينية او بالاحرى حل الصراع كوسيلة لتكريس الهيمنة الاسرائلية وتحجيم نفوذ معارضيها والرافضين للمقاربة الاميركية غير العادلة او المنصفة تجاه الاوضاع في المنطقة.

عموما اكدت الزيارة والاحداث التي رافقتها والرسائل التي وجهت عبرها ان وجهة اسرائيل ليست بالتأكيد نحو السلام بل نحو الحرب والعنف، كما اكدت ان الجهود الاميركية الساعية الى انتشال عملية التسوية من جمودها لم ولن تؤدي الى اي نتيجة جدية ذات بال لا الآن ولا فى المستقبل كونها تبحث فقط عن تكريس وضمان المصالح المشتركة مع اسرائيل بغض النظر عن المصالح الفلسطينية والعربية كما مصالح اهل المنطقة وشعوبها.

() مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

=========================

أميركا الدولة الأخطر على حقوق الإنسان (4-4)

د. عمر الحضرمي

الرأي الاردنية

24-11-2010

 

لعله لا يختلف اثنان على أن هناك هدراً واضحاً لحقوق الإنسان في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن استشعار ذلك من خلال رصد التعامل في تفاصيل الحياة اليوميّة التي يعيشها الأمريكيون غير البيض ، سواء كانت حياة إنتاجية أو سياسية أو اقتصادية.

 

ولم يكن ذلك منذ زمن بعيد، فحتى الخمسينيات من القرن العشرين، كنت ترى مؤسسات ونوادي ومقاهي ومطاعم وفي وسط المدن الأمريكية الكبيرة ترفع يافطات كتب عليها، بخط واضح وعريض، «يمنع دخول الزنوج والكلاب». وكان على الأمريكي الأسود أن ينهض من مقعده في الحافلة إذا دخلها رجل أبيض ولم يجد مقعداً. حتى أن بعض المطاعم في الجنوب الأمريكي كانت لا تسمح للأسود أن يجلس حين يتناول طعامه، هذا إن قدمت له هذا الطعام.

 

وفي خطابه الرئاسي الأوّل قال أوباما إنه قبل ستين سنة فقط كان والده لا يتمكن من الحصول على وجبة طعام في أي مطعم على طول أمريكا وعرضها. وبالتالي فإن الإنسان الأسود الذي بنى الولايات المتحدة الأمريكية بدمه وعرقه وجهده لم ينل حتى ما تناله الحيوانات من الرعاية.

 

في تقريره الصادر عام 1999 اعترف مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) بارتفاع جرائم الكراهية والجرائم القائمة على أساس عنصري داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وقال التقرير إن هناك نسبة عالية من هذه الجرائم التي تبلغ حوالي ثمانية آلاف جريمة سنوياً كانت تُفضي إلى الموت، ومن هذه الحوادث حادثة «يوسف هادكنز» الفتى الأسود الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره إلا قليلا، والذي أطلق عليه جماعة من البيض النار في حي «بروكلين» في نيويورك في وضح النهار، فقط لأنه أراد أن يدفع سعراً أعلى من سعرٍ دفعوه في سيارة مستعملة.

 

وتضيف تقارير أخرى أن السود كانوا ضحايا 37% من الجرائم التي تقترف في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى أن معدل الفقر بين البيض لا يتجاوز 15% بينما يرتفع بين السود ليصل 50%، أي أن نصف السود في أمريكا يعيشون تحت خط الفقر، بل أن نسبة كبيرة منهم قد وصلوا إلى ما تحت خط الفقر المدقع.

 

أما على الصعيد العسكري، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، قد انتهكت، عن سابق ترصد وإصرار، كل القوانين الدولية والإنسانية، فاستخدمت كل أنواع السلاح في اعتداءاتها على الشعوب، وكان أولها استخدام الأسلحة النووية التي ضربت بها المدن اليابانية. أما في فيتنام فقد استخدمت ألواناً مختلفة من الأسلحة الكيميائية المحرّمة بموجب كل الاتفاقيات الدولية. كما أنها أرسلت كل الإمدادات العسكرية اللازمة لإسرائيل لتضرب بها الفلسطينيين فتحرق أكبادهم قبل أن تحرق أجسادهم.

 

لقد قادت الولايات المتحدة حروباً دامية وهمجيّة وظالمة، كلها تحت غطاء «تمدين الشعوب وتصدير الديمقراطية، وتحقيق الحريّة»، وقد جاء ذلك بوعاء جديد بعد أحداث التاسع من أيلول، حمل اسم «مكافحة الإرهاب»، بدأ بتدمير أفغانستان واحتلالها، ثم بتدمير العراق واحتلاله.

وفي تقرير منظمة «مراقب حقوق الإنسان» الأمريكية، الذي صدر في تموز 2003 تحت عنوان «قتلكم سهل علينا»، جاء ما يثبت تورط الولايات المتحدة الأمريكية في جرائم ضد البشرية في أفغانستان والعراق.

وبعد هذا كلّه ألا تستحق الولايات المتحدة الأمريكية أن تحمل لقب الدولة الأخطر على حقوق الإنسان.

=========================

مراجعة السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية

روبرت كارلين (باحث بمركز التعاون والأمن الدوليين بجامعة ستانفورد الأميركية)

جون لويس (أستاذ

السياسة الصينية بجامعة ستانفورد) «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

24-11-2010

في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تقف على الهامش متفرجة على ما يجري على أمل أن الزمن والظروف كفيلان لوحدهما بإرغام كوريا الشمالية على الاستجابة للمطالب الدولية، والتخلي عن برنامجها النووي كانت هذه الأخيرة تمضي قدماً في تنفيذ خططها الخاصة بتطوير برنامجها النووي.

وفي هذه السياق جاءت ردود الفعل الدولية متشككة تجاه الخطط التي أعلنت عنها بيونج يانج خلال السنة الماضية ببناء مفاعل نووي يعتمد على الماء الخفيف وإتقان عملية التخصيب لتزويده بالوقود الضروري لتشغيله، فقبل أقل من أسبوعين عندما كنا في زيارة إلى المركز النووي في «يونجبيون» على هامش زيارتنا إلى كوريا الشمالية التي استمرت أربعة أيام، رأينا كيف شرعت البلاد في بناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف يستطيع توليد ما بين 25 و30 ميجاوات من الطاقة الكهربائية.

والأكثر من ذلك ذهبنا صحبة المسؤولين الكوريين لتفقد محطة نووية أخرى لتخصيب اليورانيوم تعمل بأجهزة الطرد المركزي، وقد بدت المحطة التي تتوفر على أكثر من ألفي جهاز طرد مركزي مكتملة البناء وتحتوي على أجهزة متطورة وحديثة. ومع أن الكوريين امتنعوا عن الدخول في التفاصيل ولم يشرحوا لنا الطريقة التي حصلوا بها على تلك الأجهزة المتطورة، إلا أنهم في الوقت نفسه أكدوا لنا أن أجهزة الطرد المستخدمة ليست من الطراز القديم، بل تنتمي إلى الجيل الجديد المستخدم في الدول المتقدمة.

وقد أضافوا أن المحطة مكتملة وتعمل بقدرتها الاعتيادية رغم أنه لم يتسنَ لنا التأكد من صحة هذا الكلام، ويُفترض بالمحطة التي اطلعنا عليها تخصيب اليورانيوم الذي سيحتاجه المفاعل النووي المعتمد على الماء الخفيف، وعندما سألنا المسؤولين عن الحاجة إلى المفاعل أصلاً في حين كان بالإمكان الحصول على الماء الخفيف من الخارج، أوضح لنا المسؤولون أن محاولاتهم العديدة للحصول على المفاعل من الخارج باءت بالفشل، فلم يبق أمامهم سوى بنائه بأنفسهم.

وبالطبع من شأن هذا التسارع في تطوير البرنامج النووي الكوري أن يغذي الشكوك لدى المراقبين الغربيين الذين سيقفزون إلى التحذير من فشل المفاوضات مع كوريا الشمالية وعدم جدواها في إقناع مسؤوليها بالتخلي عن مساعيهم، كما سيؤكدون أنه فقط بالاستمرار في ممارسة الضغط الدولي على بيونج يانج يمكن إجبارها على الاستجابة للمطالب الدولية في هذا السياق، لكن المفارقة أن هذه المقولات نفسها، هي التي وضعت السياسة الأميركية في مفترق طرق، وجعلتها في حيرة من أمرها، فالجدال حول من يتحمل المسؤولية في تعثر المفاوضات السياسية الأميركية، أم المواقف الكورية الشمالية يمكنه الانتظار، لكن ما يستدعي التدخل العاجل هو إجراء مراجعة شاملة لست عشرة سنة من الانخراط مع كوريا الشمالية لتحليل الحقائق الموضوعية والخروج بخلاصات وتقييمات موضوعية، لا سيما وأن مشكلة البرنامج النووي الكوري تستعصي على الحل كلما مر الوقت، فقد اعتقدت واشنطن لفترة طويلة أن سياسة «الانتظار الاستراتيجي»، ومواصلة الضغوط الدولية المتمثلة في العقوبات الأممية على كوريا الشمالية قادرة على إرغام كيم يونج إيل على الرضوخ للمطالب الدولية وتفكيك برنامجه النووي، وهي مقاربة حذر منها المنتقدون الذين اعتبروا أنه من دون تدخل الصين للضغط على بيونج يانج، فإنه لن يكتب النجاح لجهود محاصرة كيم يونج إيل، والحال أن بكين فضلت على العكس من ذلك تطوير علاقتها الثنائية مع كوريا الشمالية لتصبح في الآونة الأخيرة أكثر قوة مما كانت عليه في السابق.

وفيما يصعب القول بأن الشكوك الراسخة في العلاقة بين كوريا الشمالية والصين قد تبددت تماماً، إلا أن المصالح المشتركة بين البلدين هي من التداخل إلى درجة لن يوفر فيها المسؤولون أي جهد لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بينهما.

وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الزيارتين اللتين قام بهما كيم يونج إلى الصين خلال العام الجاري وتقديمه لنجله الأصغر وخليفته المتوقع إلى المسؤولين الصينيين، وبالنظر إلى الحرص الذي تبديه بكين على الاستقرار في كوريا الشمالية خلال فترة انتقال السلطة فقد عبرت لبيونج يانج عن استعدادها دعم حكم كيم يونج إيل على المدى الطويل، وهو ما يضرب أي أمل أميركي معقود على سقوط النظام من تلقاء نفسه ويرهن المصالح الأميركية بهذه المسألة، وليس من الحكمة في هذا الصدد أن تنتهج الولايات المتحدة لحماية مصالحها في المنطقة ما تقوم به اليابان وكوريا الجنوبية، بل يتعين انتهاج أسلوب مبتكر في التعامل مع كوريا الشمالية.

ولعل الجزء الأكبر من المشكلة التي تعيق فهم الأميركيين لبيونج يانج وسياستها في المنطقة هي التعامل معها انطلاقاً من التجارب الماضية وكأنها معضلة غير قابلة للحل، كما أن الأميركيين اختلقوا تصوراً مغلوطاً حول كوريا الشمالية مفاده أنه يستحيل التفاوض معها والوصول إلى نتائج إيجابية، رغم أن التاريخ يثبت أن دولًا أخرى كانت في نفس الموقف مثل فيتنام والصين لتصبح اليوم في وئام مع أميركا، وبدلًا من الدخول في جدالات عقيمة لا طائل منها حول ما إذا كانت كوريا الشمالية ستتغير على شاكلة الصين، أم أن نظامها سينهار، يتعين على الأميركيين التخلص من تصوراتهم النمطية لأنهم أكثر عزلة من الكوريين الشماليين، وفي هذا الإطار يتعين أيضا على الولايات المتحدة الرجوع إلى المربع الأول بالتعامل الواقعي مع كوريا الشمالية وقبولها كدولة عادية في المنطقة ذات سيادة ومصالح تسعى إلى حمايتها.

=========================

«دبلوماسية المدافع».. هل وصلت رسائل بيونغ يانغ؟

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

24-11-2010

حرب ساعة واحدة, لكنها مبرمجة ومحسوبة بدقة حتى لو كانت بذريعة المناورات البحرية التي كانت تجريها يوم امس «جارتها» الجنوبية, ارادتها كوريا الشمالية لارسال رسائل في اتجاه العواصم الثلاث المعنية, أو قل المنخرطة في معضلة شبه الجزيرة الكورية المزمنة والمتواصلة منذ ستة عقود تقريباً, وهي واشنطن اولاً وطوكيو ثانياً وسيئول في الدرجة الاخيرة, بعد أقل من 48 ساعة على الكشف المثير (والمبرمج ايضاً), الذي ارادته بيونغ يانغ هذه المرة عبر عالم اميركي شهير اسمه سيغفريد هيكر, ترأس ذات يوم مختبر لوس الاموس النووي الوطني الاميركي الاشهر في العالم..

 

حرب واسعة وطويلة أو حتى خاطفة, لن تندلع في المدى الوشيك بين الكوريتين, لأن احداً من عواصم القرار المؤثرة على قرار العاصمتين سيئول وبيونغ لن تسمح بذلك, فالظروف الدولية غير ملائمة والكوريتان وخصوصاً الشمالية معنية بمناخات هادئة لترتيب امور الخلافة, بعد أن بات مؤكداً أن النجل الاصغر لكيم جونغ ايل سيخلف والده قريباً, وعمليات «تأهيله» المتواصلة, وصلت ذروتها في منحه رتبة الجنرال, وفي ظهوره العلني والمتكرر وخصوصاً في المناسبات العديدة, التي يراد منها تكريس كيم جونغ اون في اذهان الكوريين الشماليين, كما في العواصم التي تتابع «الملف» الكوري الذي يشكل أحد أكثر الملفات الدولية خطورة, واحتمالاً بتدهور الاوضاع وتطورها الى ما هو اسوأ من الحرب الكورية الشهيرة اوائل خمسينات القرن الماضي, التي انتهت لغير صالح المعسكر الاشتراكي بعد الخطيئة السوفياتية الكبرى, التي تمثلت بانسحاب المندوب السوفياتي من جلسة مجلس الامن, ما سمح لواشنطن وحلفائها باستصدار قرار يسمح للأمم المتحدة بمساعدة كوريا الجنوبية, ما مكّن الولايات المتحدة من قيادة المهمة ووضع القبعات الزرقاء على رؤوس جنودها, الذين ما يزالون حتى اللحظة يمارسون دوراً «رقابياً» تحت يافطة دولية زرقاء..

 

موازين القوى علىالارض اختلفت, والصين الصاعدة بقوة الى القمة هي الداعم الاول لكوريا الشمالية واحتمالات إقدام الاخيرة على شن حرب غير واردة بالمطلق, فلا بيجين تسمح لها بذلك ولا واشنطن تبدي حماسة لمواجهة كهذه, تعلم أن نظام بيونغ يانغ إن اضطر لخوضها, سيكون ليس فقط تلقى الضوء الاخضر من حليفته الوحيدة في العالم, وانما ايضاً لأنها ستكون بالنسبة اليه معركة حياة أو موت, الأمر الذي سيجبره على استخدام ترسانته النووية, التي باتت حقيقة ماثلة وليس مجرد تكهنات, ما يستدعي حسابات مختلفة اميركية ويابانية وكوريّة جنوبية, بل أوروبية وأيضاً روسيّة وصينية, تأخذ في الاعتبار المخاطر الجسيمة والتداعيات المخيفة التي ستنجم عن خيار «الصفر» أو سلاح يوم الدين, هذا الذي يمكن أن تفكر فيه كوريا الشمالية..

 

ولعل ما انتهى اليه حادث اغراق البارجة الكورية الجنوبية في اذار الماضي, الذي حمّلت فيه سيئول, بيونغ يانغ مسؤوليته, يغري بالذهاب بعيداً في القول ان الامور محسوبة لدى الشمالية, وان الجنوبية ومن يناصرها مضطرون للتعاطي ببرودة وصبر مع هذا الحادث المفاجئ, الذي يسهم في مزيد من التوتر والاحتقانات, لكنه لا يصل-بل هو غير مسموح به أن يصل - الى نقطة اللاعودة, لأن الاثمان والاكلاف «أبهظ» من أن تحتملها واشنطن, المثقلة بالديون وذات الاقتصاد المتعثر والتي تخوض حربين مكلفتين في العراق وافغانستان, ناهيك عن الازمة المتمادية التي تعيشها اليابان, وما ينوء به الاقتصاد الكوري الجنوبي وإن في شكل أقل من حليفتيه..

 

وللتذكير فقط, فإن سيئول وواشنطن لم تتمكنا من استصدار قرار من مجلس الامن يدين بيونغ يانغ في مسألة البارجة, ووقفت الصين بصلابة لافتة, أمام محاولات كهذه, مُطالبة باعادة التحقيق في الحادث, الذي كانت لجنة دولية شكلتها كوريا الجنوبية قد انتهت الى اتهام الشمالية باغراق البارجة, ما أفقد الجهود الاميركية الكورية الجنوبية زخمها وبالتالي تم طيّ صفحة البارجة, رغم أن ذيوله لم تنته وبقيت الاصابع على الزناد الى ما قبل ثلاثة اسابيع, عندما انعقد مؤتمر مجموعة «G20» حيث تبادل جنود الطرفين على جانبي الحدود نيران البنادق (وليس المدافع) الرشاشة..

 

قد تكون حرب «الساعة الواحدة» يوم أمس, محاولة من كوريا الشمالية لتحسين شروط تفاوضها, الذي يتم في اطار اللجنة السداسية (واشنطن, سيئول طوكيو, موسكو, بيجين وبيونغ يانغ) التي ترفض الولايات المتحدة العودة اليها, ما لم تنفذ الشمالية تعهداتها السابقة بتفكيك برنامجها النووي, فيما تبدي الاخيرة استعدادها العودة الفورية لطاولة المباحثات, وهو أمر تؤيده الصين وتحثّ اليه..

 

ردود الفعل الحذرة التي ابداها الرئيس الكوري الجنوبي, واعلانه عدم رغبته في ايصال الامور الى ما هو أبعد من ذلك, ناهيك عن تحذير الصين وروسيا من التصعيد, تشي بأن ثمة محاولات جادة لاطفاء الحريق المفاجئ, الذي يبدو أنه قد حوصر, لكن بيونغ يانغ سجلت هدفاً لصالحها في التأشير على خطورة الاوضاع في شبه الجزيرة الكورية والمرشحة للانفجار في أي لحظة, ما يستدعي تخلي واشنطن عن سياستها في «خنق» النظام الشمالي ودفعه للركوع والاستسلام, وهو أمر يبدو أنه غير مرشح للتحقق..

=========================

أمن الطاقة وتجربة كوريا الجنوبية

أ. د. عبدالرحيم الحنيطي

الدستور

24-11-2010

توصي دراسات أمن الطاقة الدول المختلفة بضرورة تبني منظومة أو مزيج من مصادر الطاقة ، بحيث يتكون هذا المزيج من عدة مصادر مختلفة للطاقة كالنفط والغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة ، وغيرها ، وهذا التوجه يمثل عامل أمان لها ، فإذا أصيب أحد هذه المصادر بخلل ما تكون هناك مصادر أخرى بديلة يُعتمد عليها لسد احتياجاتها من الطاقة.

 

يشكل أمن الطاقة الهم الأكبر للعديد من الدول خاصة تلك التي تُعاني من محدودية مصادر الطاقة المحلية فيها ، وتشهد نمواً سريعاً في الطلب على الطاقة كما هو الحال في كوريا الجنوبية ، ولهذا لا بدّ من استراتيجيات مدروسة للطاقة لتأمين احتياجاتها.

 

إن إلقاء الضوء على تجربة كوريا الجنوبية الرائدة في مجال أمن الطاقة يمكن الأردن الذي يُعاني من نفس الظروف من حيث محدودية مصادر الطاقة ، والنمو السريع في الطلب عليها ، من الاستفادة منها في تأمين احتياجاته من الطاقة إذ عملت كوريا الجنوبية بكل طاقاتها لتحقيق أمن الطاقة للمجتمع الكوري من خلال تبنيها إستراتيجية تعتمد على الانتقال إلى نظم إنتاجية إبداعية جديدة للطاقة لتخفيض اعتمادها على الطاقة النفطية المستوردة ، وذلك من خلال زيادة استخدامها للطاقة النووية ، والطاقة المتجددة لتأمين الاستقرار الآمن للإمدادات من مصادر الطاقة ، وبما يُلبي احتياجاتها الاقتصادية وتحقيق التنمية.

 

تتميز التجربة الكورية بوجود اتصال وثيق بين التعليم والبحث العلمي والصناعات لتحقيق التقدم التقني الذي يؤدي إلى تخفيض تكاليف إنتاج الطاقة ، سواء من بعض مصادرها التقليدية كالفحم والغاز المسال ، أو من بعض مصادرها المتجددة كالشمس والرياح ، وقامت الشركات الكورية العاملة في مجال إنتاج الطاقة مثل شركة Kospo بتخصيص استثمارات كبيرة في مجال البحث والتطوير من أجل تطوير تكنولوجيا رائدة وإبداعية لتقليل كلفة إنتاج الكهرباء ، مثلاً عن طريق ما يُسمى بدائرة الإنتاج المشترك باستخدام الغاز الطبيعي والبخار ، وهي ذات الشركة التي تُنفذ حالياً مشروع محطة القطرانة في محافظة الكرك لإنتاج الكهرباء ، ويُعتبر هذا المشروع من المشاريع الحيوية المهمة لدعم وتعزيز النظام الكهربائي في الأردن ، ولمواجهة ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية ، كما قامت الشركة الكورية وكما يسميها مديرها العام السيد Noam ب Kospo الأردن في مراكز البحوث التابعة لها بتطوير تصميمات جديدة وطرق مبتكرة لتقليل كلفة إنتاج الطاقة من مصادرها النظيفة ، كاستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية ، ومن المتوقع أن تكون لها استثمارات كبيرة في هذا المجال في الأردن.

 

إن قوة الإرادة والعزيمة وحب العمل والمثابرة والولاء والإخلاص من أهم الصفات التي يتحلى بها القائمين على هذه الشركة ، هذا ما لمسته من خلال التعاون بينها وبين جامعة مؤتة ، وهو في نظري سر نجاحها في حصولها على فرص استثمارية ضخمة ليس فقط في الأردن ، ولكن في أنحاء عديدة من العالم.

 

إن التجربة الكورية في أمن الطاقة جديرة بأن تُحتذى ، وما كان لها أن تحقق لولا دخولها عهد المعرفة والحداثة التكنولوجية المتطورة ليس فقط في مجال الطاقة ، بل في مجالات صناعية أخرى ، حيث وضعت كوريا الجنوبية رؤيتها على أن مجتمعها سيصبح مجتمعاً معرفياً مبدعاً يدير اقتصاداً تنافسياً ، أعدت لذلك إعداداً جيداً حيث تم تجهيز البنية التحتية المعلوماتية ، وتعزيز الإنتاجية في القطاع الخاص والعام وتسهيل تأسيس ودعم المنشآت والشركات المتخصصة والاعتماد على رأسمالها البشري الذي ساعدها في الانتقال من التقليد إلى الابتكار.

رئيس جامعة مؤتة

=========================

آفاق النهضة العلمية العربية بعد تقرير اليونسكو

د. سعيد الشهابي

2010-11-23

القدس العربي

تجدد النقاش مؤخرا حول مدى استعداد العالم العربي لانطلاقة علمية بعد صدور تقرير منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) عن العلوم في العالم لعام 2010. ومع ان التقرير لم يفاجىء احدا لكنه أكد حقيقة معروفة مفادها ان انفاق دول العالم العربي في مجال البحث العلمي أقل كثيرا من معدلات الانفاق في بقية دول العالم، وان'الانفاق على مشاريع الدفاع وصفقاته يتصاعد بشكل مضطرد ولا يوجد سقف له. ومع ان المواطن العربي يعرف شيئا عن هذه الحقائق ولكنها عندما تعرض مقارنة بما يجري في بقية انحاء العالم تصبح أكثر إيلاما وإزعاجا. واذا اضيف لذلك ان هذه الدول تمتلك قدرات مالية عملاقة وان سبب انخفاض الانفاق على الجانب العلمي ليس مرتبطا بالاوضاع الاقتصادية خصوصا في الجانب الشرقي من العالم العربي، اتضح ان المشكلة مركبة، وليست ناجمة عن ضعف الامكانات الاقتصادية. كما ان هذه الحقيقة تستبطن حقيقة اخرى لا تقل مرارة، وهي ان استمرارها يكرس ظاهرة الاستهلاك المتنامية في المجتمعات العربية، الامر الذي لا يمكن ان يؤدي يوما الى النهوض والتطور والتنمية الذاتية. ومع ان التقرير لم يشر باصابع الاتهام الى جهة سياسية او مجتمعية دون سواها، فمن المؤكد ان المشكلة لا يمكن استيعابها او حلها بحصر التقصير بالانظمة'والحكومات في مجال التخطيط العلمي. فإذا كان هناك قصور ناجم عن تقاعس النظام السياسي، فإن غياب الرقابة والمحاسبة من الجانب الشعبي لا يوفر الضغوط المطلوبة لاعادة توجيه السياسات الرسمية باتجاه الاهتمام بالبحث العلمي. انها مشكلة مركبة، تبدو سياسية في ظاهرها، ولكنها بنيوية في حقيقتها. ومناقشة هذه الظاهرة لا تختلف كثيرا عن مناقشة المسألة الديمقراطية، وهل ان غياب النظام السياسي القائم على اسس'من الشراكة والتعددية ناجم عن طبيعة النظام السياسي الحاكم ام مرتبط كذلك بغياب الارادة المجتمعية. فالمجتمعات التي لا تسعى للتغيير ولا تضحي في سبيله لا تحقق تقدما سياسيا، فيصبح عزوفها عن العمل الفاعل عاملا آخر يساهم في تكريس الواقع القائم، ويشجع النظام على مواصلة سياساته بدون الخشية من ردود فعل مضادة من الطرف الآخر.

التقرير المذكور يطرح حقائق مذهلة، تارة بالارقام المطلقة واخرى بالنسب المئوية المدهشة. فعلى سبيل المثال، قال التقرير ان متوسط الانفاق على البحث والتطوير في الدول العربية الافريقية تراوح بين 0.3 في المئة و0.4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2002. وبلغ المتوسط 0.1 في المائة في الدول العربية في آسيا في العام نفسه، في حين ثبت المتوسط العالمي عند 1.7 في المائة من 2002 الى 2007. بينما تراوح المتوسط في 'اسرائيل' بين 4.6 في المئة و4.8 في المئة عام 2006. وفي مقابل ذلك ذكر معهد ستوكهولم لابحاث السلام ان حجم انفاق الدول العربية على صفقات السلاح في عام 2009 بلغ 94 مليار دولار. ويتوقع صعود الانفاق العسكري هذا العام الى اكثر من 100 مليار دولار. انها ارقام خيالية لا نظير لها في العالم. ألا يعكس هذا التدافع لتوقيع صفقات السلاح اوضاعا متوترة ليس لها وجود في الواقع؟ فحتى الدول التي تخوض الحروب في العراق وافغانستان لا تنفق مثل هذه المبالغ على التسلح. وهنا يجدر طرح التساؤل حول مدى وجود جهات تقرأ الواقع من منظور استراتيجي وتقترح الخطط على اساس ما تستنتجه. وفي عالم اصبح فيه العلم والتكنولوجيا وسائل مهمة لتحقيق السيادة الوطنية، فان السلاح يتحول الى لعب غير مجدية لمن يملكها، خصوصا مع غياب اجواء الحرب الحقيقية من جهة وغياب العقيدة العسكرية المدروسة من جهة اخرى. فالحروب التي حدثت في العقود الاخيرة انما كان اغلبها مفروضا من الخارج. وبرغم الخلافات بين الدول الاقليمية فإنها لا ترغب في المواجهة العسكرية، وبالتالي يقتضي المنطق ان لا تتعب نفسها في تكديس السلاح الذي لا يلبث ان يفقد صلاحيته للاستخدام، خصوصا في عصر السباق التكنولوجي الذي لا يتوقف. وبدلا من انفاق هذه الاموال الهائلة على التسلح أليس بالامكان استثمارها (او استثمار جزء صغير منها على الاقل) في مجال البحث العلمي والتطور التكنولوجي؟ ألا تستطيع الدول العربية المشرقية التي تملك امكانات مادية هائلة تمويل مشاريع بحثية في عواصمها او التعاون مع الدول الاسلامية الكبرى مثل تركيا وايران واندونيسيا ومصر وباكستان لانشاء مشاريع بحثية مشتركة في مجالات حيوية مثل استغلال الطاقة الشمسية والطاقة المائية والصناعات الثقيلة والتكنولوجيا الدقيقة (نانو تكنولوجي)؟ وهنا لا بد من الاشارة الى ان بعض هذه البلدان الاسلامية الكبرى لديها مشاريع بحثية في هذه المجالات، وقد بدأت مشاريع تصنيع واسعة، ولكن امكاناتها المالية لا تؤهلها لتوسيع مجالات البحث بمعدلات اكبر.

مع ذلك ستظل مسألة التطور العلمي مثيرة للجدل، وسوف تطرح بين الحين والآخر خصوصا من قبل المتخصصين من العلماء الذين يشعرون بقدرتهم على العطاء عندما يعملون في مؤسسات بحثية غربية، ولكنهم لا يجدون فرصا مماثلة عندما يبحثون عنها في بلدانهم الأم. ويواجه التطور العلمي في الدول العربية عددا من المعوقات منها ما يلي: اولا غياب العقلية الاستراتيجية لدى النخب الحاكمة التي ربطت وجودها ليس بخيارات شعوبها وارادتها، بل بدعم القوى الغربية لوجودها على اساس مقولات 'الصداقة' و 'التحالف' و 'مواجهة التحديات المشتركة'. فالتوجه العلمي يجب ان يكون هدفا استراتيجيا، منفصلا عن مصالح النخب الحاكمة ومرتبطا بمصالح البلدان والشعوب، وموجها نحو احداث قفزات نوعية في انماط حياتها، وتحريك كوامن القدرات العقلية لدى اجيالها الناشئة. ويؤكد تقرير اليونسكو ذلك بالاشارة الى 'افتقار عدد كبير من الدول العربية حتى الآن الى سياسات وطنية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار يجبرالقطاع الخاص في الكثير من الاحيان على الاضطلاع بأنشطته في ظل فراغ على مستوى السياسات وهي ظروف لا تعتبر مواتية للابتكار'.

ثانيها: غياب المناخ العلمي في عالمنا، لاسباب اجتماعية تعوق الانقطاع الحقيقي للبحث وسبر اغوار العلم بعيدا عن منغصات اجتماعية او ثقافية موروثة تحاصر الفكر وتعرقل الانطلاق في آفاق العلم الرحبة بعيدا عن التنميط او التثبيط او التكفير، او سياسية تمنع انطلاق الفكر الحر وتخشى ان يؤدي العلم الى كسر الحواجز التي تصادر العقل وتمنع انطلاقه في فضاءات الحرية والتدبر من جهة، وفي عالم التجريب والفحص من جهة ثانية.

ثالثها: الحصار المفروض من'الخارج على انتشار العلم المؤسس على البحث والتجربة انطلاقا من قاعدة 'انسانية العلم' والتخلي عن 'أدلجة' التطور العلمي بحصره ضمن مناخات محدودة، منفصلة عن ثقافة الآخر 'غير المتحضر'. وتكفي الاشارة الى الحصار المفروض على طلاب العلم العرب والمسلمين بمنعهم من الالتحاق ببعض التخصصات في الجامعات الغربية لمنع نقل العلوم الى بلدانهم، وذلك للحيلولة دون تقوية تلك البلدان. رابعها: جنوح العلماء والباحثين للابتعاد عن 'الخيارات الصعبة' وعدم الاستعداد لتحمل تبعات المغامرة عندما يتحركون ضمن اطر خارج المسموح به من قبل الدول الغربية. وما حدث للعالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، من حصار ادى الى اعتقاله وحصاره في منزله، بسبب ما حققه من نجاحات في مجال الابحاث النووية، اصبح يمثل رادعا لغيره من العلماء الذين يسعون لتوسيع دوائر العلم والبحث في البلدان الاسلامية، وكسر الحواجز الجغرافية والثقافية والسياسية التي تسعى لتسييس العلم وأدلجته بهدف منعه من الوصول الى 'أيد غير أمينة' او بمعنى آخر، 'غير مرغوب فيها'.

خامسها: الاستهداف المتواصل للعلماء والموهوبين من العرب والمسلمين. وقد كتبت مقالات كثيرة حول استهداف العلماء بالتصفية الجسدية المباشرة خصوصا المصريين والعراقيين والاتراك على مدى نصف القرن الماضي. ولا يزال الاستهداف متواصلا خصوصا في العراق الذي يمتلك مقومات النهوض العلمي، فيما لو استقر امنيا وسياسيا. كما ان الحصار المفروض على ايران بذريعة مشروعها النووي يهدف، هو الآخر، لمحاصرة قدرة الجمهورية الاسلامية على تحقيق تقدم علمي يكرس نزعتها نحو الاستقلال عن الهيمنة الغربية، والاعتماد على الذات في مجالات التصنيع العلمي والعسكري.

ولا بد من الاعتراف بحقيقة برزت في السنوات الاخيرة، وهي توجه بعض الدول الخليجية نحو التطور العلمي بزياردة نسبة الاستثمار من الدخل القومي في ذلك المجال. وقد قررت حكومة قطر تخصيص 2.8 بالمائة لذلك، كما عمدت السعودية والامارات لتطوير مستوى جامعاتهما لتصبح منافسة للجامعات العالمية الشهيرة. وتجدر الاشارة الى عدم وجود اية جامعة عربية بين الجامعات المائة التي تعتبر الافضل في العالم. الامر المؤكد، من خلال قراءة التاريخ، ان التطور العلمي يوفر حماية طبيعية للفرد او الأمة، فالحضارات لا تبنى الا بالتطور العلمي والاطلاع على عطاءات الامم الاخرى، ولذلك كان للترجمة مثلا دور كبير في تاريخ الحضارة الاسلامية التي قامت على اسس ثابتة من العلم والبحث العلمي على كافة الصعد المعرفية: الرياضيات والفلسفة والطب والكيمياء والعلوم الطبيعية الاخرى. وعندما نهضت اوروبا من سباتها توجهت الى العلم وبدأت ما سمي 'الثورة الصناعية' ورفعت القيود التي فرضتها الكنيسة على العلم والعلماء في العصور الوسطى. وفي الوقت الحاضر تمثل الصين والهند مثالين عمليين لقدرة الأمم على الصعود، مهما كانت متخلفة وفقيرة. بينما لا تزال دولنا النفطية التي تتمتع بمدخولات عملاقة تعاني من التبعية العلمية والتخلف. هذه البلدان لديها جامعات توسعت في العقود الاربعة الاخيرة، وتطورت مناهجها، ولكنها لم تتطور كثيرا في مجال البحث العلمي نظرا لغياب مشروع مركزي لنهضة علمية مرموقة. تمتلك هذه البلدان مستشفيات مزودة بأحدث الاجهزة الطبية التي صنعتها التكنولوجيا الغربية الحديثة، ولكنها لا تزال عاجزة عن علاج المرضى، ولا تزال عواصم المدن الغربية تستقبل قوافل المرضى من الشرق الاوسط بسبب عجز مستشفيات بلدانهم عن محاكاة المؤسسات الطبية الغربية سواء في التشخيص ام العلاج ام الدواء ام العناية اللازمة في فترة النقاهة.

ان تصاعد ظاهرة المجتمع الاستهلاكي في هذه الدول اصبح ظاهرة مقلقة جدا لانها تحول دون توجه الاجيال الجديدة نحو العلم والبحث. فما ان يكمل الشاب دراسته الجامعية حتى يبادر للعمل والزواج وينهي بذلك صلته باختصاصه العلمي. ومع غياب سياسات التشجيع الرسمي لذوي المواهب العلمية، لم يعد الانخراط في مؤسسات البحث العلمي، ان وجدت، امرا مستساغا نظرا لما ينطوي عليه من السيطرة على الاستهلاك وانماطه.

جاء تقرير اليونسكو الاخير جرس انذار لمن يعنيهم امر هذه الأمة من ساسة وعلماء بضرورة اليقظة في هذا العصر الذي اتسم بسرعة القرار والحسم والتخطيط والانطلاق. مع ذلك تبقى الاشكالية الازلية في هذه المنطقة من العالم: أيهما اولا: الدجاجة ام البيضة؟ فالنظام السياسي العربي، بطبيعته وسماته، ليس صديقا للعلم والعلماء، ولا يحمل مشروعا حضاريا لانهاض الامة علميا واخلاقيا وسياسيا. وليس علماء الدين بأفضل حالا في استيعاب مستلزمات النهضة والحضارة والتقدم. وبالتالي فلم يبق سوى الامكانات العلمية المتوفرة في اغلب البلدان العربية والاسلامية، التي بالامكان تحريكها ووضعها على طريق البحث العلمي. وما لم تحدث 'صحوة ضمير' لدى اولئك الباحثين والعلماء تدفعهم للضغط باتجاه 'مأسسة' النهضة العلمية فستظل المحاولات متواضعة ومحاصرة بعقلية غير متحمسة للعلم والعلماء وتجاوز الأطر المفروضة من جهات تشعر ان التطور العلمي سوف يحاصرها ويحاسبها على التلكؤ في التطوير. وقد تولى فريق من الخبراء الدوليين اعداد تقرير اليونسكو عن العلوم الذي يقدم لمحة عامة عن الاتجاهات العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا استنادا الى مجموعة واسعة من المؤشرات الكمية والنوعية. وقال التقرير انه في عام 2006 ساهمت الدول العربية بما لا يزيد على 0.1 بالمئة من العدد الاجمالي لبراءات الاختراع المسجلة في المكتب الامريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وفي المكتبين الاوروبي والياباني لبراءات الاختراع، وهي نسبة متواضعة جدا. وبرغم ذلك يقول التقرير ان هناك مؤشرات تدعو الى التفاؤل من بينها انشاء عدد من الصناديق الوطنية المعنية بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار في السنوات القليلة الماضية ومنها الصندوق الاوروبي المصري للابتكار الذي انطلق عام 2008 وصندوقان وطنيان هما مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في الامارات العربية المتحدة (2007) وصندوق الشرق الاوسط للعلوم في الاردن (2009). وهناك استراتيجية للعلوم والتكنولوجيا تشمل كل بلدان المنطقة العربية سوف تقدم لمؤتمر القمة العربية عام 2011 على امل اعتمادها رسميا. ويتوقع ان تقترح هذه الاستراتيجية مبادرات وطنية وعربية على حد سواء في حوالى 14 مجالا ذات أولوية بما في ذلك المياه والغذاء والزراعة والطاقة. مع ذلك فمن الضروري التأكيد على ان النهضة العلمية لن تحدث على اساس هذه الاستراتيجية فحسب، بل المطلوب إشراك المعنيين بالبحث العلمي والتكنولوجي في السجال، ودفعهم لبذل الجهود لتقديم نظرات بعيدة المدى لما يمكن عمله لبدء دوران عجلات النهضة العلمية التي طال انتظارها واصبح وجود الأمة مرتبطا بشكل وثيق بمدى جديتها وشمولها ونجاحها. وبدون ذلك فالمجال للتطور والتقدم امام العرب والمسلمين سيظل محدودا ومتواضعا، وغير ذي شأن.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

=========================

تعويضات لقتلى القافلة البحرية

صحف عبرية:

هآرتس 23/11/2010

2010-11-23

القدس العربي

بعد أن سكنت شيئا ما الامواج الارتدادية التي أحدثتها القافلة البحرية التركية الى غزة، يحسن أن ندرك ان تغيّر توجه تركيا من اسرائيل جزء من تغيرات أوسع في سياستها الخارجية، صاغها وزير خارجيتها احمد داود اوغلو. في الآن نفسه، يحسن أن نفكر هل يوجد شيء تستطيع اسرائيل فعله لمضاءلة التوتر شيئا ما.

منذ أسس كمال اتاتورك الجمهورية التركية، دُبرت سياستها تحت احساس بالحصار. رأت تركيا نفسها محاطة بالأعداء اليونان وايران والعالم العربي وروسيا. ولهذا انشأت جيشا قويا، قبض على المجتمع التركي بقبضة من حديد؛ ولهذا لا لحب الديمقراطية انضمت الى حلف شمال الاطلسي؛ لهذا رأت كل محاولة لنقض أسطورة أمة تركية واحدة موحدة (من قبل الاكراد مثلا)، تهديدا وجوديا. رأى داود اوغلو أن هذا التصور أصبح قديما، وطور بدلا منه نظرية تقول ان على تركيا أن تعمل لازالة الصراعات في المنطقة، لان البنية المركبة للمجتمع التركي قد تجعل صراعات خارجية صراعات تركية داخلية. وهكذا، وفي عدول بعيد المدى عن تصور قومي تركي أساسي، يعترف داود اوغلو ومؤيدوه في واقع الامر بأن تركيا فيها من الآذريين أكثر مما في أذربيجان، ومن البوسنيين أكثر مما في البوسنة، ومن اولئك الذين من أصل ألباني أكثر مما في ألبانيا، ومن الاكراد أكثر مما في كردستان العراقية. لهذا كل صراع في هذه الدول قد ينسل الى تركيا نفسها.

كانت للنظرية الجديدة آثار داخلية: فقد برهن حزب 'العدالة والتنمية' الاسلامي خاصة على قدر أكبر من الانفتاح للأقلية الكردية؛ ويتصل كف جماح قوة الجيش بالتحرر من الشعور بالحصار. لكن الآثار الأهم كانت نحو الخارج فكانت محاولة مصالحة أرمينية؛ وإزالة التوتر مع اليونان وتعديل الموقف التركي من مسألة قبرص؛ وسياسة متزنة في البوسنة وفي كوسوفو؛ وتطوير علاقة لا عداء مع الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، ومحاولة وجود مصالحة في الموضوع الذري الايراني. كذلك تتعلق مبادرة الوساطة بين سورية واسرائيل بسياسة 'صفر الصراعات' هذه في المنطقة.

لكن سياسة تُنفذ تنفيذا متطرفا قد تفضي، على نحو جدلي، الى نتائج عكسية. فالبحث عن مصالحة في القضية الذرية الايرانية شيء، وانشاء محور ايراني تركي برازيلي معادٍ لامريكا شيء آخر، وكذلك ايضا التصويت في مجلس الأمن اعتراضا على موقف واشنطن. وانتقاد سياسة اسرائيل في المناطق شيء، لكن الانقضاض عليها على أثر القافلة البحرية شيء آخر.

يوجد في تركيا عناصر تتساءل ألم تُبعد هذه السياسة السير. يجب على اسرائيل أن تشجع هذه العناصر، واحدى سبل فعل ذلك توجه مختلف في شأن القافلة البحرية. يرى الجمهور التركي عامة أن اسرائيل قتلت تسعة مدنيين أتراكا في مياه دولية. تستطيع اسرائيل أن تعلن بأنه لا مكان لاعتذار علني، لكن لاعتبارات انسانية فانها مستعدة أن تنشىء صندوقا لدفع تعويضات لعائلات القتلى. إن الاستعداد لدفع تعويضات موحدة الى كل عائلة (لنقل 200 ألف دولار)، قد يُلاشي شيئا ما سُم العداوة الحالية. وقد يدق إسفينا ما بين الحكومة التركية وعائلات القتلى. قد لا يكون الجميع مستعدين لقبول التعويضات لكن سيكون هذا تفضلا انسانيا واخلاقيا مفهوما للجميع، ربما يثمر ثمارا سياسية ايضا.

=========================

معركة ضرب إيران

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

24-11-2010

مفهوم أن تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ومنشآتها النووية. فتل أبيب تريد أن تبقى موازين القوة والتفوق العسكري بالمنطقة في يديها، ولا يهمها في ذلك تداعيات مثل هذه الضربة على التيار الإصلاحي في إيران، أو انعكاساتها على المنطقة. فالمطلوب بالنسبة لها تدمير البرنامج النووي الإيراني أو تعطيله لسنوات طويلة مقبلة لكي تبقى القدرة النووية في يدها وحدها تستخدمها للتهديد ب«خيار شمشون».

وليس سرا أن إسرائيل سبق أن قامت بحملات قوية مستترة ومعلنة لإعداد الأجواء لضرب المفاعل النووي العراقي في ثمانينات القرن الماضي، ثم واصلت حملاتها ضد النظام العراقي مستغلة أخطاء صدام حسين في المنطقة حتى انتهى الأمر بالغزو الذي أيده بشدة أنصار إسرائيل في دوائر صنع القرار الأميركي. وقد كشف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في مذكراته «الجزئية» التي صدرت هذا الشهر كيف أن الإسرائيليين طالبوه بضرب منشآت إيران وسورية، وأنه كلف البنتاغون بالفعل بإعداد خطط ودراسات عن مثل هذه الضربات التي لم يقم بها بسبب اختلاف وجهات النظر بين المخططين في الإدارة الأميركية حول جدوى ومخاطر مثل هذه العمليات. ورغم أن بوش أكد أن الخيار العسكري ضد إيران كان دائما على الطاولة فإنه قال إنه بقي كخيار أخير، على أساس أن واشنطن فضلت حينها -ولا تزال حتى هذه اللحظة تفضل - خيار العقوبات. أما بالنسبة لسورية فإن بوش كشف بشكل صريح أنه لم يستجب لمطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود أولمرت لتنفيذ غارة جوية أو إرسال فرق قوات خاصة لضرب منشأة دير الزور لخطورة العملية، وزاد على ذلك بأن أكد أن إسرائيل نفذت العملية لوحدها لاحقا.

في إطار الضغط الإسرائيلي المستمر، والحسابات الأميركية التي ترى أن أي ضربة عسكرية لإيران في الوقت الراهن ستكون لها تداعيات سلبية كثيرة وخطيرة، يمكن النظر إلى سجال الأسبوع الماضي بين وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ورئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي. فالمسؤول الأميركي عبر عن الرأي الغالب في أوساط إدارة أوباما، وهو أن الضربة العسكرية لن تقدم حلا طويل الأمد، بل ستجعل برنامج طهران النووي «أعمق وأكثر سرية»، كما أنها ستقوي النظام في وجه الانقسامات والمعارضة الداخلية. وما لم يقله غيتس هو أن التداعيات قد تضر بالمصالح الأميركية، خصوصا في ظل العمليات العسكرية الغربية في أفغانستان والأوضاع الاقتصادية العالمية الهشة. هذا الكلام لم يعجب الإسرائيليين بالطبع فانبرى رئيس الأركان ليرد علنا على كلام غيتس، معتبرا أن العقوبات غير فعالة، أي أنه يقول إن الضربة العسكرية هي الحل الذي تريده إسرائيل بغض النظر عن أي تداعيات داخلية في إيران أو إقليمية.

الواقع أن إسرائيل تجني أقصى المكاسب من موضوع إيران سواء تحققت لها الضربة العسكرية التي تريدها، أم لم تتحقق. فهي تحصل على الضمانات الأمنية الأميركية التي تتعزز باستمرار، بما في ذلك تلقي المعلومات الاستخبارية، كما تتلقى أكثر الأسلحة الأميركية تطورا بما يضمن لها التفوق النوعي. وفي هذا الإطار حصلت على الدعم والتقنيات الأميركية بما مكنها من تطوير درعها الصاروخية التي ستستكمل بحلول عام 2015. لكنها لم تكتف بكل ذلك، بل ظلت ترفع عقيرتها بالتحذير من خطر البرنامج النووي الإيراني، وكأنها حمل وديع يخاف من ذئب جديد في الحارة، علما أن هذا «الحمل» يملك ما لا يقل عن مائة رأس نووي حسب تقديرات الخبراء، ويرفض أي بحث في موضوع الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، أو أن يشمله الكلام عن شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل.

ما تريده إسرائيل هو أن يبقى «السيف النووي» حكرا عليها في المنطقة مسلطا على رقاب الآخرين، بما يتيح لها مواصلة سياسة الغطرسة ورفض التنازل عن الأراضي المحتلة، والتعنت في موضوع السلام إلا إذا تم وفق شروطها التعجيزية. ولتحقيق هذا الهدف تنبري لتصعيد حملتها، على أمل أن يؤدي هذا الضغط إلى ضرب إيران، أو إلى حصولها (أي إسرائيل) على المزيد من المساعدات العسكرية المجانية، والترضيات السياسية. وهذا هو ما رأيناه خلال زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، إذ أدخل موضوع التصدي لإيران ضمن مقايضاته مع واشنطن بشأن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وحرص في خطبه وتصريحاته في أميركا على التركيز على موضوع التهديد الإيراني لكي يساوم به خلال ضغوط إدارة أوباما عليه في موضوع استئناف مفاوضات السلام.

إذا كانت نيات إسرائيل واضحة بهذا الشكل، يبقى السؤال هو كيف ستتصرف إيران؟

حتى الآن يبدو أحمدي نجاد وكأنه يكرر تجربة صدام حسين، التي انتهت إلى تدمير العراق وهز استقرار المنطقة، في حين أن ما تحتاجه إيران هو انتهاج سياسة عقلانية، أقل عدوانية، تراجع فيها سياسة التمدد الخارجي، وتطمئن جيرانها لكي تنزع من إسرائيل ورقة تساوم بها في ملف السلام، وتدفع بها الدعوات المتصاعدة لشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. فالطاقة النووية السلمية حق مشروع للجميع، أما التسلح النووي فسوف يفتح أبواب الجحيم في منطقة ملتهبة أصلا.

===================

الشيطان جعلني أفعلها.. ماكو أوامر .. وعبد المأمور

بشرى فيصل السباعي

الثلاثاء, 23 نوفمبر 2010

أمهات بلا حدود

مذ أن وعينا على الدنيا وبدأنا نتساءل عن سبب ضياع فلسطين رغم وجود حرب عربية مع الصهاينة في تلك الفترة ونحن نسمع أن سبب ضياعها كان عبارة «ماكو أوامر» التي كان يسمعها الفلسطينيون من الجنود العرب عندما كانوا يسألونهم لماذا لا يتقدمون ويواجهون الصهاينة على بعد خطوات فكان الجواب الوحيد الذي يسمعونه هو «ماكو أوامر»، وتكرر الأمر في الحروب العربية المختلفة حين كانت تدمر قطاعات الطيران والقوات البرية على أرضها، ويسأل القادة لماذا على الأقل لم تحركوها لتخفوها عن مرمى العدو؟ فكان الجواب «ماكو أوامر». ومن تؤدي به الظروف لافتضاح تجاوزاته وتعدياته بحق الناس يكون تبريره وجوابه عند التحقيق معه بأن ينفي عن نفسه أن يكون مستحقا للمحاسبة والعقوبة لأنه كان فقط «عبد المأمور».. وقد نشرت «عكاظ» أن القاضي المتهم بقضايا فساد كبرى في مدينة رسول الله وتلقى عنها رشاوى تحجج بأنه «مسحور» من قبل الوسيط «الذي تمكن من سحره والسيطرة عليه لتمرير المعاملات وتسهيلها دون أن يشعر بذلك». فلماذا دفع له الوسيط مئات الملايين ك «رشاوي» إذا كان قد استلب منه إرادته ووعيه بالسحر؟! إنه عذر أقبح من ذنب.. وذكرني ببرنامج وثائقي للبي.بي.سي عن مذبحة الإبادة الجماعية في رواندا التي ذهب ضحيتها مليون إنسان، وقام البرنامج بإجراء مقابلات مع أشخاص شاركوا في المذبحة ومنهم قساوسة وأشخاص ذبحوا جيرانهم وأقاربهم لأنهم من الأقلية العرقية الأخرى. وكان السؤال الوحيد الذي وجهه البرنامج إليهم هو؛ لماذا؟، فكان الجواب الذي أجاب به الجميع: «الشيطان جعلني أفعلها».. وهذا هو النمط السائد في المجتمعات التي تفتقر لسيادة أنماط وقيم الوعي بالذات والتي ثمرتها الشعور بالمسؤولية عن أفعال الذات، فبدل أن يقوم الشخص بمواجهة مشكلاته الشخصية والاجتماعية بطريقة موضوعية ويتحمل مسؤولية قراراته وواقعه يعمد إلى تفسيرات تزيح المسؤولية عن نفسه وتوكلها للشياطين والسحرة والمؤامرات والظروف والآخرين.. بينما إبليس شخصيا يعترف أنه ليس له قوة مكرهة لأحد على اقتراف السوء (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) وهذا يشمل السحر. (وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين).

فالفاسد فاسد في نفسه ولهذا سقط في الغواية، ومسألة أن يستسيغ فرد في موقع مسؤولية وسلطة التحجج ب«ماكو أوامر» و «عبد المأمور» والشيطان والسحر جعلتني أفعلها تفضح حقيقة بالغة الخطورة عن كامل المجتمع، فهو دلالة على سيادة قيم اجتماعية وثقافية تتقبل أنماط الافتقار للوعي بالذات، أي تتقبل وتجاري تهرب الإنسان من تحمل المسؤولية الأخلاقية الشخصية عن أفعاله وقراراته، كما في حالة القاضي المتحجج بالسحر، فبدل أن يتم توبيخه على هذا التحجج السخيف الذي لم يسمع بمثله في التاريخ الإسلامي كله، أعلن الراقي زعم استنطاقه للجني المزعوم تلبسه بالقاضي مع أن استنطاق الجن بدعة لم ترد عن النبي ولاعن الصحابة. مما يذكرنا بالمقاطع المؤلم جدا قراءاتها في مذكرات عملاء المخابرات والسفراء والمفاوضين والدبلوماسيين الأجانب الذين عملوا في المجتمعات العربية والتي رصدت المنظومة القيمية العربية والنفسية العربية، كما في كتاب مذكرات «جورج آدمز» عميل سابق للمخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي ضرب المثل فيه على التفاوت بين أصالة المنظومة القيمية لدى العرب والغرب بأنه عندما يخطىء الشخص الغربي فنمط التصرف المشرف والأخلاقي هو إقراره واعترافه بخطئه مهما كانت التبعات ولهذا نرى المسؤولين والمشاهير الغربيين عندما يتورطون في الفضائح يقيمون مؤتمرات صحافية يعترفون فيها بخطئهم ويطلبون السماح من عائلاتهم والرأي العام ويقدمون استقالاتهم، بينما إذا وقع العربي في الخطأ فنمط التصرف السائد هو المكابرة وإنكار المسؤولية الشخصية وإلقاء الملامة على الغير والتحجج بعوامل غيبية ومؤامرات خيالية والإنكار اللاعقلاني واللامنطقي للحقائق الدامغة ومحاولة الحفاظ على ماء وجهه وكبرياء قناع الفضيلة الذي يتمظهر به بأي ثمن ولو بأن يخضع لابتزازات المبتزين، وحسب «آدمز» فهم استغلوا هذا النمط السطحي للمفهوم الأخلاقي لدى العرب لتجنيد العملاء.. وأصل المعضلة أن الطفل لدينا ينشأ ليس على تعليمه القيم الأخلاقية بحقيقتها الجوهرية التي تورث الشعور بتحمل المسؤولية عن الذات، إنما يتم تلقين الطفل منظومة «هذا عيب» «وماذا سيقول الناس» وأن الرقابة «الهيئة» ستقبض عليه ويفضحهم» وأن الفضيلة هي بطاعة أصحاب السلطات الأبوية عليه الذين يقومون بالرقابة عليه لمنعه من ارتكاب الخطأ، وهذا أدى لقولبة مفهوم الشخصية الصالحة في صورة قالب ظاهري منمط معيار فضيلته هو في مظهره الذي يحوز على قبول السلطات الأبوية مقابل إهمال المبادئ والقيم بحقيقتها الأصيلة الجوهرية القائمة على الوعي الذاتي والرقابة الذاتية والوازع المبدئي والقيمي الذاتي، ومن السهل أن تعامل كطرفة قضية تحجج القاضي بالسحر، لكن المهم الصعب هو أن ينظر كل إنسان في نفسه..في أحواله في بيته وعمله ومحيطه ويسأل نفسه هل منظومته الأخلاقية أصيلة وحقيقية أم أنها قائمة على التمظهر وعندما يوضع على المحك هل لديه ما يكفي من الوعي بالذات ليعترف بخطئه ويتحمل مسؤولية أفعاله أم سيلقي اللائمة على كل شيء وأحد إلا نفسه.؟.

====================

بتدميره الإنجازات الإجتماعية

خطأ ساركوزي الفادح

بقلم إغناسيو رامونيه*

وكالة انتر بريس سيرفس

باريس, نوفمبر (آي بي إس)

لا عجب. فقد كانت ممارسة حق الإحتجاج جزءا ثابتا من الشفرة الجينية السياسية للمجتمع الفرنسي منذ أكثر من قرنين. فبالإضافة إلى ضمان الدستور لهذا الحق، تعد الإحتجاجات العامة والإضرابات وسيلة طبيعية تماما لممارسة المواطنة، بل ويعتبر كل جيل فرنسي جديد أن المشاركة في دورات الغضب الإجتماعي هي أحدي طقوس العبور نحو الإنخراط الكامل في النظام الديمقراطي.

 

هذه المرة جاءت الأزمة علي أيدي الرئيس الفرنسي. فقد برهن نيكولا ساركوزي -الذي إضمحلت مصداقيته وتلطخت سمعته بالفضائح وأعماه صندوق النقد الدولي ووكالات تصنيف الائتمان- علي مدي إغفاله لهموم الناس، وواصل العمل علي تدمير واحدة من "جواهر التاج" التي تألقت بها دولة الرفاه الفرنسية، أي الحق في التقاعد في سن 60 عاما.

 

هذا النصر الإجتماعي، الذي حققه المواطنون بعد عقود من النضال، يعتبر في المخيلة الجماعية الفرنسية نصرا عظيما لا يقبل المساس به أو النيل منه. لكن ساركوزي، الذي وعد في 2008 بإحترامه، أخطأ بالتقليل من قوة تمسك الشعب الفرنسي بهذا الحق.

 

لقد أراد ساركوزي إستغلال الصدمة الناتجة الأزمة الاقتصادية العالمية للسعي لدفع عجلة عملية إصلاح، من شأنها أن رفع السن القانونية للتقاعد 60 حتي 62 سنة، وزيادة فترة مساهمة المواطنين في تمويل التأمينات الإجتماعية إلي 41،5 سنة، وأيضا رفع السن القانونية التي تمكن المواطنين من الحصول علي كامل المعاش التقاعدي من 65 إلي 67 عاما.

 

يعتقد البعض أن هدف ساركوزي الحقيقي هو تفكيك نظام الضمان الإجتماعي التابع للدولة والمبني علي أساس التضامن بين الأجيال، وإستبداله بنظام خاص من شأنه أن يمثل سوقا يتراوح حجمها ما بين 40 و 100 مليار يورو.

 

ويستند أصحاب هذه الرؤية إلي أن شركة التأمين التي يمكن أن تستفيد أكثر من غيرها من مثل هذه الخطوة هي مجموعة "ميديريك مالاكوف" ورئيسها التنفيذي هو غيوم ساركوزي، شقيق الرئيس.

 

وهنا جاء رد فعل النقابات الرئيسية بالإجماع. لم ترفض النقابات مثل هذا الإقتراح تماما، لكنها تتطالب بتغييرات علي أساس أن تكلفة عملية الإصلاح هذه ستقع في المقام الأول على عاتق العمال المأجورين الذين يعانون بالفعل من الأزمة، وأن هذا من شأنه أن يخلق المزيد من عدم المساواة. ونظمت النقابات عدة أيام من الإحتجاجات قبل الصيف. لكن الحكومة واصلت رفضها المتغطرس للتفاوض.

 

كان ذلك خطأ فادحا. فعندما عاد العاملون لوظائفهم في سبتمبر بعد فترة العطلة الصيفية، عقدوا جمعيات عامة في مئات من أماكن العمل حيث أكدوا علي تشبثهم بموقفهم: "لا خطوة واحدة إلى الوراء".

 

وأعربوا عن قناعتهم بأن التخلي عن مطلبهم المقدس بالتقاعد في سن 60 سنة من شأنه أن يؤدي إلي إنهيار جبار يجلب معه تخفيضات إضافية في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليموالخدمات العامة.

 

وأثبتت هذه الإجتماعات أن قيادات النقابات كانت أقل تطرفا من أعضائها الثائرين جراء عملية التآكل المستمر للتقدم الإجتماعي.

 

وبعد ذلك مباشرة، وقعت إندلعت سلسلة من ردود الفعلالجماعية في كافة أنحاء البلاد، وخرج الملايين الى الشوارع، وأبطأ الإضراب العام ولفترات طويلة حركة النقل حتي معدل الزحف بل والشلل التام في بعض المدن مثل مرسيليا.

 

وإنضمت عناصر جديدة إلي موجة الإحتجاجات التي إتخذت أشكالا غير مسبوقة ربما أكثرها لفتا للإنتباه كانت محاصرة مصافي ومستودعات النفط. ومن بين أبرز هذه الظاهرة أيضا إندماج أعداد هائلة من طلاب المدارس الثانوية في الإحتجاجات.

 

وإفترض الكثيرون أن هذا هو جيل "فسيبوك" المغيب والمنطوي علي ذاته. لكن طاقتهم المحبوسة وقدرتهم على المواجهة كشفت النقاب عن مدي قلقهم تجاه المستقبل والخوف لأول مرة منذ عام 1945من أن يقعوا في وضع أسوأ من والديهم، كما كان شيئا لم يتغير منذ ذلك الحين. فقد دمر نموذج الليبرالية الجديدة السلّم الاجتماعي.

 

هذه الإحتجاجات تبلور الشعور بالإستياء الإجتماعي العميق وتراكم المشاكل: البطالة وعدم الإستقرار والفقر (هناك ثمانية مليون فقيرا) ومشاق الحياة اليومية. وبالتالي فالأمر لا يقتصر علي كونه مجرد مسألة معاشات تقاعدية وإنما بالنضال من أجل نموذج إجتماعي آخر.

 

هذا وربما الأكثر أهمية هو أن أغلبية عريضة من الشعب الفرنسي (ما بين 60 و 70 في المئة من المجموع) يدعمون الإحتجاجات.

 

فكيف يمكن أت قدرت فرنسا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية علي تحمل دولة الرفه في عام 1945، وأن تعجز فرنسا اليوم، وهي خامس أكبر إقتصاد في العالم، عن العيش في دولة الرفاه؟.

 

الواقع هو أنه لم يحدث من قبل أن توفرت لدي فرنسا مثل كل هذه الثروة.

 

لقد أفادت أكبر خمسة مصارف أنها حققت في عام 2009 أرباحا بلغت قيمتها11 مليار يورو، في حين أعلنت أكبر 40 شركة عن مكاسب قدرها 47 مليار يورو.

 

فلماذا لا تفرض ضريبة علي هذه المبالغ الهائلة لصالح المتقاعدين. فقد قدرت المفوضية الأوروبية أن فرض ضريبة صغيرة على المعاملات المالية سيدر لحكومات دول الإتحاد الأوروبي ما بين 145 و 372 مليار يورو سنويا، ما يكفي بالتأكيد لدعم نظم المعاشات التقاعدية.

 

لكن عقيدة الليبرالية الجديدة تقضي بأن يبقى رأس المال خارج نطاق فرض الضرائب وبرفعها في المقابل علي دخل الفرد.

 

هذا هو ما يفسر المزاج الحالي السائد في فرنسا، والشعور العام بأن قوى المعارضة، أيا كانت، لا يمكن أن تستسلم. وهنا تبقي النقابات، بتطرف قيادي متصلب، موحدة الصف بعد أشهر طويلة منذ إنطلاق حملاتها الإحتجاجية.

 

فالإستسلام سيمثل هزيمة من قبيل تلك التي لحقت بعمال المناجم البريطانية تحت حكم مارغريت تاتشر عام 1985، والتي حددت نهاية المقاومة العمالية في المملكة المتحدة وفتحت الباب أمام "العلاج بالصدمة" الوارد في وصفة الليبرالية المتشددة.

 

ساركوزي يحظى بدعم الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمصارف وقطاعات الأعمال الأوروبية التي تفزع ، التي يفزعها إحتمال إمتداد "الشرارة الفرنسية" لتشعل القارة بأكملها.

فلو فشل ساركوزي في إصلاحاته لكتبت عليه الهزيمة في إنتخابات عام 2012. وفي هذا، يعلمنا التاريخ الاجتماعي الفرنسي أنه إذا إنتشرت الإحتجاجات علي النمط الحالي فإنها لن تنحسر. هم يفوزون دائما.

*إغناسيو رامونيه مدير لومند ديبلوماتيك -أسبانيا (www.monde-diplomatique.es).

(آي بي إس / 2010)

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ