ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

إيران ورسائل الأطلسي

الإثنين, 22 نوفمبر 2010

غسان شربل

الحياة

لا أعرف كيف ستقرأ إيران نتائج قمة الحلف الأطلسي التي عقدت في لشبونة. أقصد القراءة الهادئة وراء الأبواب المغلقة. لو كنت إيرانياً لانتابني شعور بالقلق حتى ولو تابع الرئيس رفع قبضته في وجه العالم وجدد المرشد دعمه الرئيس.

لم تتخذ القمة قراراً بشن حرب على ايران ولم تلوح بشيء من هذا القبيل. لم تذكر ايران بالاسم نزولاً عند رغبة الرئيس عبدالله غل. كان واضحاً ان تركيا تريد الحفاظ على توازن دقيق. احترام الالتزامات التي ترتبها عليها عضويتها في الحلف الأطلسي والاحتفاظ بالقدرة على التحدث الى ايران وربما معاودة الوساطة المتعلقة بملفها النووي. ثم ان اتهام ايران صراحة سيحرج تركيا الراغبة في تمديد صيغة «صفر من المشاكل» مع الجيران وهي الصيغة العزيزة على قلب وزير الخارجية احمد داود اوغلو.

انهمك الحلف في قمة لشبونة في بلورة مفهومه الاستراتيجي الجديد. انها المراجعة الثالثة التي يقوم بها لتبرير بقائه ودوره في عالم تغير بعد غياب الاتحاد السوفياتي وظهور تحديات جديدة ومختلفة في العالم لا سيما بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) وما اعقبها في افغانستان والعراق. لكن ما تحاشاه الحلف في وثيقته كشفه الرئيس نيكولا ساركوزي بصراحة لافتة حين اعتبر ان خطر الصواريخ البالستية المحدق بأوروبا مصدره ايران. ولم يكن سراً في اروقة القمة ان معظم المشاركين يشاطرون ساركوزي رأيه في اعتبار ايران مصدراً للخطر أوجب اطلاق مشروع الدرع المضادة للصواريخ.

لو كنت ايرانياً لشعرت بالخطر لأن بعض الدول الـ 28 المشاركة يمتلك ثقلاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً كبيراً ويلعب دوراً مؤثراً في مجلس الأمن وفي صياغة القرار الدولي. اما السبب الإضافي للقلق فهو عودة الدفء او شيء منه الى العلاقة بين الحلف وروسيا التي حضر رئيسها ديمتري مدفيديف وأعطى رداً مبدئياً يتسم بالإيجابية على دعوة الحلف روسيا للتعاون في مشروع الدرع المضادة للصواريخ. وقد وجه الحلف دعوة صريحة الى روسيا لبناء «شراكة استراتيجية حقيقية».

ما جرى في لشبونة يساعد ايران على فهم قرار روسيا الامتناع عن تسليمها نظام «اس-300» الصاروخي المضاد للطائرات التزاماً بالعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على ايران بسبب برنامجها النووي. اننا امام مشهد دولي مختلف. وما كان يصلح ايام الحرب الباردة لم يعد صالحاً اليوم. وحجم مصالح روسيا مع اميركا وأوروبا اهم بكثير من صفقات اسلحة مع ايران. وما يصدق بالنسبة الى روسيا يصدق ايضاً بالنسبة الى الصين حتى ولو اختلفت الحسابات وأسلوب ادارة العلاقات.

تستطيع ايران المكابرة والقول ان ما جرى في لشبونة مجرد حبر على ورق. لكن على طباخي السياسة الإيرانية ان يتذكروا ان مزيجاً من الإجراءات الاقتصادية والسياسية وسباقاً مكلفاًَ للتسلح تسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي وغيابه عن الخريطة. باستطاعتهم ان يتذكروا ايضاً ان الاتحاد السوفياتي كان قوة نووية ضاربة وقام بغزو الفضاء وانتهج سياسات عدوانية لكن هزيمته حصلت حين لم يستطع النموذج الذي بناه تحسين اوضاع من يعيشون في ظله وضمان حريتهم.

تستطيع ايران القول انها حققت في العقد الأول من هذا القرن نجاحات على مستوى الإقليم. وإنها برعت في الإفادة من سلوك «القاعدة» وأميركا معاً فوسعت حضورها العراقي واللبناني والفلسطيني. لكن العقد المقترب قد يكون صعباً على بلاد احمدي نجاد. الجبهة المناهضة لطموحاتها النووية تزداد صراحة في موقفها. والدول المعارضة لطريقتها في فرض دورها في الإقليم باتت تصنفها بين مصادر الخطر. وانزلاقها الى سباق تسلح وإلى التزامات متزايدة في الخارج سيؤدي الى صعوبات اقتصادية اضافية تنجب المزيد من الناقمين والمعارضين. لقد حان الوقت لتقوم ايران بقراءة جديدة للمشهد الدولي ولحدود دورها في الإقليم. من دون هذه القراءة ستشتبك السياسة الإيرانية مع كثيرين في الداخل والخارج وستكون الأكلاف باهظة.

========================

روسيا من الاعتراض إلى التعاون مع «الناتو»!

الإثنين, 22 نوفمبر 2010

جورج سمعان

الحياة

تطورات كثيرة أملت على روسيا تبديل موقفها من الاعتراض والمناكفة إلى التفاهم والتعاون مع حلف «الناتو» والقرارات التي اتخذها قادة الحلف في قمتهم الثانية والعشرين في لشبونة، من تبني مفهوم استراتيجي جديد ومنظومة الدرع الصاروخية إلى تحديد مواعيد مطاطة للانسحاب من أفغانستان. روسيا التي سجلت قبل سنتين معارضة شديدة على نشر الدرع الأطلسية، وهددت بنشر درع مماثلة قد تعيد بعث الحرب الباردة في أوروبا... وهددت أيضاً بالتشويش على النظام الجديد، بدلت مواقفها: الرئيس ديمتري مدفيديف صرح بأن بلاده تدرس الانضمام إلى منظومة الدرع. ووزير خارجيته سيرغي لافروف أعلن قبل أيام أن بلاده تؤمن بإمكان التعاون مع «الناتو» في مجال تشكيل نظام الدرع، إذا توافرت «الإرادة الجدية للتعاون المتكافئ والاحترام المتبادل والأخذ في الاعتبار مصالح كل طرف». وشدد على أن التعاون يجب أن يبنى على مبدأ «المساواة في الحقوق والتقويم المشترك للمخاطر التي توجد في مجال انتشار الصواريخ». ولاحظ أن لدى روسيا والحلف «مفهوماً مشتركاً للمخاطر» هو - إضافة إلى الصواريخ - «مسألة الحد من انتشار الأسلحة النووية والإرهاب وانتشار المخدرات والكوارث التكنولوجية». أليست هذه نفسها الأهداف التي تبناها الحلف في استراتيجيته الجديدة للسنوات العشر المقبلة؟

أولاً، ليست هذه المرة الأولى التي تشارك فيها روسيا في قمة لـ «الناتو»... من دون أن يتغير الشيء الكثير في موقفها من طموحات الحلف وقراراته وخططه وسياساته وأهدافه. لذلك يصح السؤال: هل آن فعلاً أوان التعاون بين موسكو وخصومها بالأمس، أم أن هذه القمة بين الطرفين ستنتهي كسابقاتها؟

لا يحتاج المراقب إلى كثير عناء ليسجل أن التقارب بين موسكو و «الناتو» عموماً دفعت إليه جملة من العوامل، منها أساساً الطريقة التي قاربت بها الإدارة الأميركية الجديدة التعامل مع روسيا. فالمعروف أن التمدد السريع لحلف شمال الأطلسي في اتجاه أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة، بعد انهيار حلف وارسو، أثار حفيظة الروس ومخاوفهم وفاقم شعورهم بالمهانة. وهو ما دفع بهم إلى «مواجهات» بدت كأنها محاولة انبعاث أو تجديد للحرب الباردة، على رغم إدراكهم حاجتهم الماسة إلى مساعدة أوروبا وأميركا للوقوف بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.

قاد الرئيس باراك أوباما سياسة هادئة في الحوار مع روسيا (ومع الدول الكبرى الأخرى) أملتها الانتكاسات التي منيت بها الولايات المتحدة بسبب مغامرات الجمهوريين والمحافظين الجدد في ولايتي الرئيس جورج بوش الإبن، مثلما أملاها شعور الادارة الجديدة بالحاجة إلى شركاء في إدارة شؤون العالم بعد تفرد قاد إلى ما قاد من كوارث عسكرية واقتصادية. وأعلن إثر دخوله البيت الأبيض تأجيل نشر الدرع في كل من بولندا وتشيخيا بعدما كانت الإدارة السابقة استعجلت ذلك. وغض الطرف عما آل إليه وضع جورجيا، إن لم نقل «ضحى» بهذا البلد. وتقدم نحو توقيع معاهدة «ستارت 2» الجديدة التي اعتبر أخيراً أن مصادقة الكونغرس عليها «أولوية وطنية عليا». وكتب في مقال نشره قبل أيام، أن أمام المشاركين في قمة لشبونة فرصة جيدة «للإشارة إلى أن الناتو يرى في روسيا شريكاً وليس منافساً». ودعا إلى «التعاون في أفغانستان ومكافحة المخدرات وتحديات الأمن في القرن الـ21، من انتشار السلاح النووي إلى التطرف العنيف».

بالطبع ليست المقاربة الأميركية الجديدة وحدها التي دفعت روسيا إلى نشدان التعاون مع «الناتو» بعد اعتراضات واسعة لم تتبدد أصلاً. ذلك أن أصواتاً كثيرة في موسكو لا تزال تعتقد - وهو اعتقاد ليس بعيداً من الواقع - بأن نظام الدرع الصاروخية يؤدي بين ما يؤدي إليه إلى مزيد من التطويق لروسيا ويتجاوزها شرقاً إلى حد زجّها في حرب باردة مع المارد الصيني للسيطرة على آسيا، بما هي ثقل اقتصادي جديد وخزان مالي كبير في ظل شح أو متاعب تعانيها موازنات حكومية ومصارف أميركية وأوروبية.

هناك مصالح ومعطيات دولية جديدة تملي على روسيا هذه المرة أن تحسم أمرها في موضوع التعاون مع «الناتو»... إلا إذا كانت لا تزال تراهن على مزيد من المقايضة ومزيد من المكاسب في محاولة العودة لاعباً أو شريكاً أساسياً، إن لم يكن مساوياً، للولايات المتحدة. وهذا ما تشي به تصريحات المسؤولين الروس عن شروط التعاون المبدئي. لا يمكن موسكو أولاً أن تستمر في تجاهل دعوتها إلى التعاون في قضية افغانستان. وهي بدأت تستجيب وقد أرسلت شحنة من الأسلحة النارية والذخائر إلى كابول، لأنها تدرك أن فشل «الناتو» في هذا البلد يعني هزيمة كبرى أمام حركة «طالبان» التي توعدت الحلف وتتوعده، ولأن احتمال عودة الحركة إلى كابول سيشجع الكثير من الحركات الاسلامية الأصولية في دول آسيا الوسطى التي تشكل مبعث قلق لها، مثلما تشكل مبعث قلق لحكومات هذه الدول وغيرها. فضلاً عن أن مشكلة تهريب المخدرات من أفغانستان لا تزال قضية تتفاقم وتقض مضاجع الروس.

ولا تخفي روسيا ثانياً مخاوفها من تغلغل إيران في دول آسيا الوسطى، في الشيشان وطاجيكستان وتتارستان، وما يشكله من ورقة في «المواجهة» الباردة وحرب التصريحات النارية بين البلدين، الأمر الذي قد يهدد الاستقرار في القوقاز وبعض الجمهوريات السوفياتية السابقة. ولا تخفي أيضاً قلقها من إيران نووية، علماً أنها كانت أول من نبّه المجتمع الدولي قبل نحو عقدين إلى طموحات طهران وميولها الذرية، ولم تتوان عن الانضمام إلى العقوبات الدولية على الجمهورية الاسلامية، وإن لم تتخل عن مقايضة موقفها منها بمزيد من الأثمان!

ولا تخفي روسيا رابعاً مخاوفها من تنامي الصين وترسانتها من الأسلحة النووية و... الأسلحة المالية والاقتصادية، و «غزوها» الاستثماري والتجاري والصناعي ليس لأفريقيا ومعظم آسيا بل للعالم كله. وتعرف أن الترجمة الفعلية لهذا النمو ثقل ودور راجح في إدارة شؤون العالم.

وما يقلق روسيا خامساً السعي إلى إضعاف دورها في مجال الغاز الذي طالما استخدمته ورقة ضغط قاتلة سواء في وجه «أشقائها المتمردين»، أو في المواجهة مع أوروبا... وحلف «الناتو» إياه. وهي تراقب بحذر ما يخطط وما يخصص من استثمارات أوروبياً وأميركياً وصينياً لمشاريع خطوط وأنابيب في تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان... والهدف النهائي إسقاط هذه الورقة من سوق «المقايضة».

وتدرك روسيا سادساً أنها لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ سنتين ولا تزال مفاعيلها تهز بلداناً كثيرة. والأهم في هذا المجال أن روسيا تعي مدى حاجتها إلى التعاون مع أوروبا أولاً ومع الولايات المتحدة ثانياً ومع الدول العشرين، من أجل مواجهة تداعيات هذه الأزمة المستمرة.

لأجل كل هذه الأسباب والمعطيات تجد روسيا نفسها قريبة من «الناتو» قربها من وارسو، وقريبة من أهداف مفهومه الاستراتيجي الجديد قربها من حرب باردة شرقها وجنوبها قد تزيد من متاعبها وتعقيد علاقاتها مع جيرانها. فالدرع الصاروخية الموجهة إلى إيران التي اعتبرها الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي «أكبر خطر صاروخي»، موجهة في المدى الأبعد إلى الصين.

بل إن آسيا كلها من الصين شرقاً إلى دول الخليج غرباً مروراً بآسيا الوسطى النفطية والغازية، مرشحة لأن تكون المسرح الجديد لاختبار المفهوم الاستراتيجي الوليد لـ «الناتو» في السعي إلى توفير الطاقة والمواد الخام. مثلما الشرق الأوسط مرشح لحروب باردة ساخنة في السعي إلى مواجهة «الإرهاب» والطموحات النووية والصاروخية الإيرانية، وإلى توفير السيطرة على منابع الطاقة وممراتها... فضلاً عن مواصلة العمل لتسوية قضية فلسطين التي دعم «الناتو» المساعي الأميركية لإنجازها! فهل ينجح الحلف في العقد الجديد بعد عقد مملوء بالاخفاقات؟

========================

أموالهم وأرواحنا!

د. بثينة شعبان

الرأي العام

22-11-2010

هكذا تمّ الاعتراف أخيراً، بتعذيب المخابرات الغربية أناساً أبرياء طوال أعوام مريرة في معتقل «غوانتانامو» الرهيب، من خلال موافقة الحكومية البريطانية على دفع تعويضات مالية لستة عشر من المسلمين الذين تم اعتقالهم دون توجيه تهمة لهم في معتقل «غوانتانامو»، حيث عانوا منذ عام 2003 كل صنوف التعذيب الوحشية بما في ذلك تحقير دينهم ورموزه ومقدساته.

وكشفت مصادر إخبارية عدّة أن الحكومة البريطانية آثرت إنهاء القضية خارج المحاكم خشية أن « تضطر للإفراج عن مزيد من الوثائق السرية للمحكمة التي كشفت إحداها تورط رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ووزير خارجيته جاك سترو في قضية غوانتانامو» («الجزيرة نت»، 17-11).

ومادام الضحايا مسلمين، فإن المسؤولين عن اعتقالهم دون وجه حق، وعن تعذيبهم، سيُتركون دون محاسبة، كما هو حال بوش ورامسفيلد، والمجموعة الصهيونية الحاكمة في كواليس الإدارة والكونغرس المسؤولين عن قتل مليون طفل عراقي بالحصار، ومليون مدني في الحرب على العراق، وفي إطلاق يد «القاعدة» والإرهاب في تدمير استقرار بلدان الشرق الأوسط. وقد قال أحد المعتقلين عمر الدغيس انه «تم تعذيبه في باكستان بوجود رجل مخابرات بريطاني». كما حضر «مندوب المخابرات البريطانية» إلى سجن بغرام ووجه له اتهامات كثيرة نقل إلى إثرها إلى «غوانتانامو»، وتفيد المصادر أن أجهزة مخابرات عديدة، ليس في بريطانيا فقط، بل في دول غربية عدة وحليفة لها، تورطت في جرائم التعذيب والتسليم غير القانوني للمعتقلين ليعانوا من أساليب التعذيب التي شرعها رامسفيلد، والتي تمارس حتى اليوم في السجون العلنية والسرية التابعة للمخابرات الغربية والإسرائيلية.

وفي الوقت ذاته برّأت محكمة أميركية أحمد جيلاني، أول سجين في «غوانتانامو» يحاكم بعد أعوام من اعتقاله غير القانوني في محكمة مدنية، من تهم القتل والإرهاب. والسؤال هو: من يعوّض أي إنسان عن أعوام من التعذيب الوحشي الذي هُدرت فيه الكرامات وحُقّرت الأنفس، وأُهينت الأرواح والأجساد بطرق يكاد يستحيل تحملها، ولماذا لا يُحاسَبُ المجرمون المسؤولون عن الحرب والتعذيب، وكيف يمكن لأي مال يدفع أن يرمّم ويعوّض على الضحايا تدميراً منهجياً خسيساً لأرواحهم وكراماتهم وأجسادهم؟

ولكن السؤال الأهم هو: هل ستؤدي هذه الاعترافات بالتعذيب غير المبرّر، والظلم الشنيع الذي لحق بهؤلاء المعتقلين، إلى مراجعة جدّية للقوانين التي صدرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي سمحت لكلّ هذه الدول بالاعتقال العشوائي والتعذيب دون أي رقيب، أم أن هؤلاء المعتقلين الـ 16 سيكونون فقط الوسيلة لتجميل وجه هذه القوانين، وإضفاء صفة «الديموقراطية» و«العدالة» على ممارسات لا يرشح منها إلى السطح إلا النزر اليسير، بينما لا يزال يرزح، ربما آلاف آخرون من المسلمين، في سجون غربية سرية منتشرة في إسرائيل، وفي القواعد العسكرية الأميركية الثلاثين المنتشرة في الشرق الأوسط، ولا أحد يعلم عنها شيئاً، ولا تصل إلى مسامع الناس؟

التزامن بين هذا الحدث، وبين دعوة النائب «الجمهوري» باك مايكون، الذي سيكون على الأرجح رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب العام المقبل، إلى توسيع الصلاحيات الممنوحة للمخابرات الأميركية بأجهزتها الستة والعشرين، للاعتقال «لفترة غير محددة ومن دون محاكمة»، تبرهن على الهدف الإعلامي والتبريري لهذه التعويضات، والذي لا يغيّر من الواقع الإجرامي للإرهاب الرسمي شيئاً، سوى تمكين المجرمين باللباس الرسمي، من إخفاء فظاعة ما ارتكبوه من جرائم اعتقال، وتعذيب، وقتل تحت التعذيب، وحماية رؤوس كبيرة من عتاة الصهاينة الذين أطلقوا موجة الحروب، والإرهاب، والتعذيب في العالم، من تحمل مسؤولية جرائمهم.

إن تبرئة أحمد جيلاني، على سبيل المثال، من مئتي وثمانين تهمة، يجب أن تثير قلقاً وشكوكاً حول الاستراتيجية الأميركية في الحرب على الإرهاب، وكل القوانين التي صدرت بهذا الصدد، ومالم تتم مراجعة هذه القوانين خاصة البنود التي تسمح بالإجراءات الظالمة ضد أناس أبرياء، فإن هذه المسرحيات من تعويضات وتبرئة، لن تغيّر من واقع استمرار الجريمة شيئاً.

كلّ ما يتكشّف لنا اليوم من حقيقة السياسات والاستراتيجيات الغربية تجاه العرب والمسلمين، قد أثبت دون أدنى شك، عنصرية هذه السياسات والسياسيين تجاه العرب والمسلمين، واستخفافهم بالحياة الإنسانية لكل من هو عربي ومسلم. وهذه هي حقيقة الدول التي تدّعي الحرص على «الديموقراطية» و«حقوق الإنسان»، فجوهر هذه السياسات، جوهر امبريالي ذو نظرة دونية للمسلمين، لا يأبه بحياة أبنائهم أو بأمنهم واستقرار بلدانهم.

هذا هو الوجه الحقيقي للسياسات الأميركية التي دمّرت العراق وأفغانستان وباكستان وتزعزع استقرار السودان ولبنان واليمن، واليوم تجهز على ما تبقى من فلسطين، وتبدأ حملة زعزعة استقرار تحت مسميات مختلفة، وبهدف واحد، وهو تنفيذ المشروع الصهيوني بجعل الشرق الأوسط مفتّتاً طائفياً، ودينياً، وعرقيّاً، لتشبه دوله الكيان اليهودي المتعصّب.

عرضت وزيرة الخارجية الأميركية على الحكومة السودانية أخيراً (رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والتخفيف من العقوبات المفروضة على السودان إذا تعاونت حكومة السودان بإجراء الاستفتاء بشكل هادئ وسليم)، وكانت الوزيرة كلينتون قد أكدت منذ أسابيع عدة على «أن نتيجة الاستفتاء محسومة، وأنها تتمثل في انفصال الجنوب». يعني أن قائمة الإرهاب الأميركية ليست سوى أداة إرهاب سياسية تستخدم لتفتيت البلدان العربية وزعزعة استقرارها، وهي أداة عقابية لابتزاز البلدان العربية لتخضع للسياسات الأميركية الهادفة إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية على العرب جميعاً دون استثناء.

إن السياسة الخارجية الأميركية، تقوم على توجيه تهم الإرهاب جزافاً للدول العربية، ثم تقوم بالمقايضة لقاء اسقاط هذه التهم مقابل ثمنٍ مغرٍ ومفيد لمصالح إسرائيل، تماماً كما تفعل عند دفع التعويضات لمعتقلي غوانتانامو اليوم كي لايذهبوا إلى القضاء، وربما يتسببوا في الكشف عن وثائق تدين كبار مجرمي الحرب والتعذيب الذين مازالوا في قلب النظام السياسي، وتفضح الأكاذيب التي صاغوها تحت شعار «مكافحة الإرهاب»، والتي لم يكن الهدف منها سوى خدمة المشروع الصهيوني الرامي لتهويد فلسطين عبر تشويه صورة الإسلام، وعبر توجيه تهم الإرهاب للمسلمين.

تبذل الولايات المتحدة منذ عقود جهوداً وأموالاً بسخاء من أجل تقسيم السودان إلى دويلات عرقية وطائفية، بعد أن نجحت في نشر الطائفية في الكيانات السياسية التي تقع تحت هيمنتها واحتلالها في الشرق الأوسط، كي لا تبدو «الدولة اليهودية» نشازاً في هذا الفضاء المشرقي المتسم بالتعايش بين الديانات الثلاثة، والطوائف والأعراق العديدة منذ آلاف السنين، والذي يمثل مع الهند أنموذج التنوع والتعددية الطائفية والدينية والعرقية المتعايشة بسلام منذ الأزل.

فإلى متى يبقى هؤلاء المجرمون ماضين في غيّهم؟ وكلما انكشف أمرهم، عمدوا إلى دفع أموال، أو تقديم اعتذارات سمجة للتخلص من المحاسبة، ومن أجل الاستمرار في سياساتهم العنصرية المشينة والمخزية التي اخترعوها باسم «مكافحة الإرهاب»، ولم يكن هدفها سوى الاحتلال والاستيطان اليهودي لفلسطين، وإبادة سكانها الأصليين.

جرائم الاحتلال الإسرائيلي تتكشف أيضاً، رغم كل الجهود الأخطبوطية من الولايات المتحدة، إلى أوروبا، للتغطية عليها وإدخال العالم في تقسيمات وحروب طائفية بسببها. فقد أظهر موقع الكتروني في إسرائيل تفاصيل بالأسماء والأرقام لأكثر من مئتي مجرم شاركوا في قتل الأبرياء في غزة. ويقول الموقع ان الناس الذين نذكر أسماءهم هنا لم يقوموا فقط بارتكاب أعمال القتل، ولكنهم أيضاً شجعوا الآخرين بقوة لارتكاب أعمال قتل في غزة أثناء العدوان الوحشي الإسرائيلي عليها عام 2008-2009. وتضم الأسماء جنوداً وضباطاً ومسؤولين، وعلى رأسهم غابي اشكنازي رئيس أركان العدو (انظر «يديعوت احرونوت» 18 نوفمبر 2010). فهل سيقدم هؤلاء المجرمون أيضاً التعويضات لمن قتلوا ابنه، وزوجته، ولمن دمروا داره، ومدرسته، أو لمن اقتلعوا أشجاره، أو سمموا آبار مياه الشرب، أو جرفوا أرض بستانه؟ أم أنها محاولة أخرى لإضفاء صورة «الديموقراطية» و«العدالة» على أنظمة رجعية عنصرية، تمارس أبشع أنواع القتل، والتعذيب، والاضطهاد الديني ضد المسلمين.

هذه هي حقيقة ممارسات الأنظمة «الديموقراطية» التي تضطهد مواطنيها من المسلمين، فتحرمهم من بناء مساجدهم، وتسيء إلى نبيّهم، وتحرم بناتهم من التعليم، ومع ذلك فهي تدّعي الحرص على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن أي «إنسان» يقصدون؟ هل يقصدون الإنسان الغربي فقط؟ الجواب: نعم، العنصريون يقصدون دوماً ذلك. وهل استثنوا العرب والمسلمين من صفة الإنسان هذه؟ الجواب: نعم، الصهاينة نجحوا في تحميل الغرب عار جرائمهم في فلسطين.

فمتى يستفيق الغرب من خضوعه للرغبات الصهيونية، ويتراجع عن القوانين والإجراءات والسياسات العنصرية المعادية للمسلمين التي وضعتها الصهيونية لهم بذريعة مكافحة الإرهاب؟ ولا هدف لهذه الحملة من معاداة العرب والمسلمين، سوى التغطية على عنصرية وطائفية كيان زرع الحروب والإرهاب في الشرق الأوسط، المعروف تاريخياً بالتنوع والتعايش والسلام بين أتباع كل الأديان والطوائف والأعراق.

========================

الرعب الأوروبي - الأمريكي لماذا؟

آخر تحديث:الاثنين ,22/11/2010

عبدالله السويجي

الخليج

منذ الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/ايلول العام ،2001 وظاهرة الخوف من الإسلام تتنامى في أمريكا وأوروبا على حد سواء، وزيادة الحساسية من الزي الإسلامي تتعاظم، تؤججها القوانين والإجراءات والتشريعات التي سنتها تلك الدول، ظناً منها أن الإسلام هو الذي يهدد أمنها الداخلي وأساليب حياتها التي توصف بأنها مبنية على احترام المعتقدات والحرية الشخصية، ومن بينها حرية المعتقد وممارسة شعائره . وقد خفي على الولايات المتحدة وأوروبا أن المسلمين يعيشون في تلك البلدان منذ عشرات السنين ويسهمون في بناء اقتصادها ومجتمعاتها من دون مشكلات تذكر، إلا أن البحث عن عدو عقب انتهاء الحرب الباردة التي ادعت فيها أمريكا الانتصار على الاتحاد السوفييتي أو المعسكر الاشتراكي، قادها إلى الإسلام، الذي قرنته بالإرهاب في أدبيات خطابها المعلن وغير المعلن، وكان هذا العدو المفتعل هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى المياه الدافئة والتمركز على حدود دول ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، إذ لم تكن تحلم الولايات المتحدة، أن يتمركز جندي واحد على حدود روسيا والصين وباكستان وإيران، إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي لا تزال تثير جدلاً حتى الآن، مكنتها وبشكل فوري من تحقيق هدف طال انتظاره عشرات السنين، ساعدها في ذلك ثورة “البيروستريكا” التي قادها غورباتشوف ومزقت الاتحاد السوفييتي إرباً .

 

أوروبا التي تعيش حالة من الذعر لم تشهده منذ الحروب الدينية في ما بينها، أرغمتها أمريكا على المشاركة في التحالف، والنتيجة تحصدها الآن على شكل قلق مستمر من تعرضها لهجمات (إرهابية)، ما هيأ لها الأسباب لانتشار الذعر من المآذن والحجاب والنقاب، لا سيما في فرنسا وسويسرا . وتعيش فرنسا منذ الأسبوع الماضي حالة استنفار كاملة، وقال متحدث باسم الخارجية الفرنسية إن بلاده “فى حالة استنفار تام من أجل الإفراج عن الرهائن الذين قال تنظيم القاعدة إنه احتجزهم في النيجر فى سبتمبر/ أيلول الماضى”، وأضاف المتحدث برنار فاليرو “إن كافة أجهزة الدولة مستنفرة وكذلك وزارة الخارجية سواء في مركزها للأزمات أو ميدانياً”، وبدأت يوم الخميس الماضي بفحص مدى صدقية شريط فيديو يظهر زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى ومعه خمسة رهائن فرنسيين وهو يطالب باريس بسحب قواتها من أفغانستان، حيث قال الرجل واسمه عبد الملك دروكدال الملقب بأبي مصعب عبدالودود، “إن سلامة الرهائن الفرنسيين تعتمد على سحب القوات الفرنسية من أفغانستان” . ودعا عبدالودود فرنسا إلى “التوقف عن إيذاء المسلمين”، ويأتي هذا التسجيل بعد أسبوعين من تسجيل نسب إلى ابن لادن وهاجم فيه فرنسا بسبب وجود قوات لها في أفغانستان وبسبب إقرارها قانوناً يحظر ارتداء النقاب .

 

وفي هذه الأثناء، حيث تعيش أوروبا توتراً شديداً جراء الطرود المفخخة، وقوانينها القمعية للحريات الدينية، أفرجت خارجية الولايات المتحدة عن تقرير عن الحريات الدينية ينتقد التدابير الأوروبية “القاسية”، وأبدت قلقها من تدهور الحريات الدينية في مناطق كثيرة في العالم منها بعض البلدان الأوروبية حيث فرضت “تدابير قاسية” تحد من حرية التعبير عن الدين .

 

وقالت هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي بمناسبة نشر التقرير السنوي الذي تصدره وزارتها حول الحريات الدينية “إن العديد من الدول الأوروبية طبقت قيوداً قاسية على التعبير الديني”، ودعم هذا الانتقاد لاحقاً مساعد وزيرة الخارجية لحقوق الإنسان مايكل بوزنر الذي أورد مثلاً حظر بناء مآذن في سويسرا وحظر ارتداء النقاب في فرنسا، وقال “هناك حساسية وتوتر متناميان في أوروبا” قبل أن يدعو الحكومات الأوروبية إلى “اتخاذ اجراءات لتهدئة هذا التوتر” .

 

المفارقة العجيبة في التقرير هي أن الولايات المتحدة هي التي غذت الكراهية ضد الإسلام ونشرته في أوروبا، وتأتي حالياً لتنتقد أوروبا، ومن المؤكد أن هذا الانتقاد ليس بسبب الإجراءات الأوروبية ضد الإسلام أو الحريات الدينية، ولكنه صراع خفي بين سياسات متصادمة، بعضها اقتصادي والآخر سياسي، وفي النهاية إنه اصطدام استراتيجي نظرا لعدم التوافق الأوروبي الأمريكي تجاه مشكلات كثيرة في العالم، ومن بينها التعامل مع إيران، حيث اتضح أن أوروبا غير مستعدة للمجازفة باقتصادها وتطبيق إجراءات الحصار على إيران، التي لا تخدم سوى أمريكا و”إسرائيل” وتجار الأسلحة .

 

إن السؤال الذي يطرح نفسه منذ فترة طويلة هو: لماذا تعيش أوروبا وأمريكا هذا الرعب المفتعل، وهل بالإمكان التخلص منه؟ لا سيما أن هذه الدول تدرك جيداً أن الإسلام ليس هو السبب، وهو ليس دين إرهاب كما سوقته أمريكا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتصل إلى أفغانستان والعراق، والإجابة بسيطة جداً وتتمثل في التدخل الأمريكي في شؤون الدول الأخرى في إطار محاولة الولايات المتحدة بناء إمبراطورية كونية، تخضع لها كل الدول بما فيها أوروبا، وأحدث هذه التدخلات جاء في مصر، حيث اتهمت مصر الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية واعتبرت دعوة واشنطن إلى ارسال مراقبين أجانب لمراقبة الانتخابات البرلمانية أمراً “مرفوضاً بشكل قاطع”، وأعربت القاهرة عن استيائها الشديد من اللقاء الذي عقد بين مستشارين للرئيس الأمريكي ومجموعة من السياسيين الأمريكيين لمطالبة مصر بإجراء إصلاحات ديمقراطية، وقال البيان إن “هذه المجموعة التي تسمي نفسها مجموعة عمل مصر هي من نفس نوعية المجموعات التي تهدف إلى إشاعة الفوضى في الشرق الأوسط من دون اكتراث بأي اعتبارات سوى اجندتها الضيقة في التغيير وفقا لرؤاها القاصرة” .

========================

أسئلة التحولات ومنظومة القيم

آخر تحديث:الاثنين ,22/11/2010

يوسف الحسن

الخليج

في ركن هادئ على الشاطئ الشرقي الإماراتي، التقت نخبة مثقفة، على مدى يومين، لإعمال الفكر في منظومة القيم في مجتمعنا، مستخدمة أسلوب العصف الذهني لتوليد الأفكار وتطويرها، ومنطلقة من التغيرات الجذرية، التي شملت أنماط الاقتصاد والثقافة والإنتاج والعيش، وطرز الحياة والسلوك والاجتماع الإنساني .

 

وقد أفرزت هذه التحولات العاصفة، ذات الجرعة العالية، أعراضاً جانبية سلبية غير محسوبة، طالت أنساق القيم في المجتمع، وأثَّرت في خيارات الإنسان وقراراته وسلوكه وأسلوب تفكيره .

 

تغيرت نوعية الحياة، وبناء النظم الاجتماعية، ومستويات التعليم والصحة والرفاه، وارتقت قيم وتراجعت قيم أخرى .

 

وفي بطن هذه القيم، تحولت مؤشرات عديدة ذات صلة بالسلوك والاتجاهات والسمات والاهتمامات والحاجات، وبمعايير الذوق والجمال والمعايير .

 

لا خلاف في أن هزَّة عميقة حدثت في منظومة القيم، وفي ترتيب القيم في هذه المنظومة، هي مجموعة القيم المترابطة التي يتبناها الفرد المواطن، وتحكم سلوكه وتنظم علاقاته بالأشياء المادية وغير المادية من حوله، وعلاقاته مع نفسه ومع الآخرين، وبينه وبين الواقع، نظماً ومؤسسات .

 

وعادة ما تتسم منظومة القيم في أي مجتمع بالديناميكية، والتفاعل بين أجزائها، وتتأثر بمعارف الفرد وخبراته، وبإطاره الاجتماعي الذي يعيش فيه .

 

وتتغير بعض القيم، مع نمو الإنسان، وفي ظل تغيرات العمل والمحيط والفلسفة العامة السائدة في المجتمع وثقافته، ويعيد ترتيب هذه القيم، حسب أهميتها بالنسبة للفرد، وتشكل منظومة القيم مكوناً أساسياً في الهوية الوطنية، وتعكس الفلسفة العامة، ونوعية الحياة، وتؤثر في مسيرة التطور، ويستمد المجتمع منها التوجيه والإرشاد .

 

وللقيم درجة ثبات نسبي، بعكس الاتجاهات التي هي أكثر قابلية للتغير، وقد ثُبّتت قيمة “ضبط النفس” في المجتمع الهندي لأكثر من ستة عقود، وظلت في مقدمة منظومة القيم الهندية، على عكس ما هو موجود في المجتمع الأمريكي حيث تقف قيمة “الحرية” على رأس منظومة القيم الأمريكية .

 

* * *

 

من السهل القول، إن لدينا منظومة قيم موروثة، كالقيم العامة الدينية والاجتماعية والأخلاقية والأسرية، وإنها ما زالت راسخة، على الأقل، لدى الجيل الذي تجاوز الخمسين، لكن هذا الجيل الذي يعيش اليوم على ذكرياته، ليس مقياساً يحتكم إليه لقياس منظومة القيم الراهنة، لأنه تربى في زمن آخر، ورضع حليباً آخر، أما المطلوب معرفته وقياسه، بعيداً عن التخمينات، فهو منظومة قيم الأجيال الناشئة، وما تليها من أجيال متصلة، تجلس الآن على مقاعد الدراسة .

 

ومن أسف، فإنه في غياب الدراسات الميدانية العلمية الرهينة لموضوع منظومة القيم، فإن التخمين هو سيد الموقف، وفي هذا تبسيط واختزال .

 

إن قياس منظومة القيم في المجتمع، ليس أمراً سهلاً، لكن تجاهل معرفتها الحقيقية، وفهمها الصحيح يشكلان كارثة على مستويات عدة، وستكون أية برامج تطوير وتنمية وتربية وثقافة، قاصرة، إذا وضعت من غير معرفة حقيقية بمنظومة القيم السائدة في المجتمع، حيث تفيد هذه المعرفة العلمية، في مجال الارتقاء بهذه المنظومة، ومعالجة ما فيها من سلبيات، وإعادة ترتيبها وفقاً للمرغوب أو الناجع، الذي ننشده في المستقبل .

 

ليس المطلوب للارتقاء بالقيم، المواعظ المتكررة، ولا خطابات العلاقات العامة، في الوقت الذي لا ندرك فيه علمياً طبيعة القيم المستحدثة . لقد اقتحمنا الحداثة، وحرقنا المراحل على مستويات عدة، وللحداثة كما هو معروف استحقاقاتها، خصوصاً اذا ما كانت ليست مجرد رغوة طافية، بل هي رؤية وسياق متصل ومرجعيات، وتجري في ظل إضاءة خاطفة للأبصار، تهز التوازن الإنساني والاجتماعي أحياناً، وتفعل فعلها في المنظومات القيمية وترتيباتها .

 

لا يمكن القول إن منظومة القيم هي مجرد مواريث الماضي، وإنما هي حصيلة مكتسبات أيضاً، لكن المهم هو كيف يتآلفان في تأسيس منظومة جديدة للقيم، تؤسس للهوية الوطنية الجامعة والمعافاة، بعيداً عن التنابذ والتصادم، اللذين يولدان هوية ممزقة .

 

* * *

 

لو سألنا أنفسنا: ما المرغوب فيه من منظومة للقيم في مجتمعنا، ومرتبة ترتيباً هرمياً وحسب أهميتها للفرد أو المجتمع؟

 

وقد حاولت الإجابة عن هذا التساؤل، من خلال قراءة معمقة وتحليلية لوثيقتين رسميتين، الأولى هي استراتيجية الحكومة 2011-،2013 والثانية هي “رؤية الإمارات: 2021 متحدون في الطموح والعزيمة” . واستنبطت منهما منظومة طويلة من القيم، وردت حرفياً في معظم الأحيان، مثل: قيم التميز والإنجاز والأسرة والعدل والعمل والمسؤولية الاجتماعية والتعلم الذاتي والابتكار، والاعتدال الديني، وقيادة الأعمال، والاعتزاز الوطني، وتمكين المرأة، إضافة إلى قيم معنوية وأخلاقية ومعرفية .

 

ولم أهتد للوصول إلى قيم أخرى غائبة، مثل القيم الجمالية (الذائقة الفنية) وقيم السعادة والترويح، وهي قيم عصرية، وقيم التعاون وروح الفريق لتحقيق الإنجاز بدلاً من التنافس، فضلاً عن قيم أخرى مثل ثقافة احترام القانون، وتعزيز مبادئ المشاركة، والانخراط الإرادي التطوعي لبناء رأسمال إنساني .

 

كما لم أهتد للوصول إلى وضع ترتيب هرمي لهذه القيم، حسب أهميتها، حتى تستطيع مؤسسات التنشئة تسليط الضوء عليها .

 

وقد أقلقني في المرحلة الأخيرة، تدني قيم الذائقة الفنية لدى الأجيال الجديدة، رغم كل هذا الغنى والتنوع والزخم في النشاط الثقافي والفني، وحرص الدولة على إنفاق الملايين لاستضافة أرقى فنون العالم، من فنون الموسيقا والأوبرا والسيمفوني والفولكلور الشعبي وأبرز أعمال النحت والسينما والمسرح والرسم وموروثات شعوب الأرض .

 

لماذا ما زالت حساسية التذوق الفني سلبية؟ هل يعود الأمر لقصور في التربويات والتعليم؟ هل هو في غياب الأنشطة اللاصفية في المناهج المدرسية؟

 

أم أن هذه الأنشطة الوافدة، تبقى في فضاءات مغلقة، ولا تصل إلى الفئات المستهدفة، وفي أماكنها، وجامعاتها ومدارسها ومدنها النائية؟

 

إن هذه الأنشطة والفعاليات الفنية ليست ترفاً أو تسلية لجاليات أجنبية، وإنما بهدف الارتقاء بالذائقة الفنية في المجتمع، ومواجهة التصحر الثقافي والروحي الذي تسببت فيه “قيم الاستهلاك” الشره، وحتى لا تشح المشاعر وتتصحر الضمائر والوجدان، فضلاً عن توسيع خيارات التذوق والمعرفة .

 

أسئلة كثيرة أكتفي منها بسؤال حول، دور المؤسسات التقليدية التي تسهم في تشكيل نسق القيم، وأقصد بذلك دور الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الاجتماعية والمجتمعية .

 

إن كل هذه المؤسسات تمارس تأثيرات متفاوتة في أفراد المجتمع، وتصوغ قيمهم، وتعيد إنتاج وعيهم وسلوكهم، وتلعب أدواراً حساسة في تشكيل الشخصية الجماعية .

 

لقد أدت هذه المؤسسات التقليدية أدوارها في سياق زمني مضى، حينما كانت حدود الوطن والثقافة والاتصال مغلقة نسبياً، إلا أن هذه الأدوار، تراجعت في ظل متغيرات جارفة عصفت بالمجتمع، وتحولات جذرية، لم يكن إيقاعها بطيئاً، وطال كل مجتمعات دول الخليج العربية .

 

الوسائط الإعلامية التهمت الثقافة، وانشغلت الأسرة في شجونها الخارجية، وتراجعت قيمة المعلم في المخيال الجمعي، وتدنت قيمته المجتمعية ودوره، وسادت هواجس التملك والمال، وافترست هواجس السعادة، وأفرغت ثقافة الاستهلاك الإنسان من مضمونه الآدمي، إلى غير ذلك من التأثيرات .

 

صحيح، أنه ما زال لهذه المؤسسات التقليدية، قدرات رمزية لاستيعاب المتغيرات، وتحرير وعي الناشئة من سطوة طوفان القيم السلبية، إلا أن المتغير الجديد، صاحب السلطان، والذي دخل في حلبة منافسة مع هذه المؤسسات، هو العولمة الثقافية، وإفرازات ثورة الاتصال الفضائي، وعصر الصورة الزاحفة عبر الفضاء المفتوح، الحاملة لمضامين قيمية جديدة .

 

لم يعد سلطان الأسرة التربوي، ولا سلطان المعلم التعليمي، ولا سلطان الإعلام الرسمي، ولا سلطان خطيب المسجد، ولا جاذبية الكتاب . . . إلخ، يضارع في الأثر والنفاذ سلطان الصورة .

إن الساعات التي ينفقها الآباء في تربية الأبناء أو التي ينفقها المعلم، هي دون ساعات المشاهدة التلفزيونية، والرسائل الإلكترونية التي نابت عن اللقاء والمصافحة، وأحدثت انقلابات في العلاقات الإنسانية وأنماط التفكير والسلوك .

في المحصلة، نحن بحاجة إلى تعامل جدّي ومنهجي مع هذا الشجن القيمي، لنبحث علمياً في القيم التي توطنت في النسيج المجتمعي، وندرس ونستوعب ونتماسك أمام أسئلة البقاء، ولا نتحجر وننكفئ، ولا نفقد الثقة بقيم إيجابية ارتبطت بالحداثة وبالتحولات، كقيم العمل واحترام الوقت والقانون والآخر المغاير والانضباط وواجبات المواطنة والتعاون والمسؤولية الاجتماعية، والقيم العلمية، ومواجهة قيم المظهرية والاستهلاك البذخي والعقل المغلق، وغيرها .

التخمين لا يصلح مفتاحاً لأقفال منظومة القيم، ولا مدخلاً لاستقراء المزاج النفسي . الدراسات الميدانية العلمية الصارمة والمتراكمة والمقارنة هي المدخل والمفتاح .

========================

قمّة العشرين من أجل لا شيء

 بقلم :ديدييه بيليون

البيان

22-11-2010

تركّز انتباه العالم خلال أيام عديدة ماضية على قمّة العشرين في كوريا الجنوبية يوم 12 نوفمبر. لكن لقاء رؤساء دول وحكومات العشرين لم ينتج عنه الكثير والبيان الختامي شديد التواضع. فهل هذا دليل على التعقّل أم على العجز؟

 

ينبغي التذكير أوّلا أن قمم العشرين السابقة قد انبثقت عنها بيانات مدويّة والتزامات كثيرة لم يتم الوفاء بها. هكذا كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد صرّح أثناء قمة لندن في شهر أبريل 2009 أن القرارات المتخذة حول ملفات الفراديس الضرائبية سوف تؤدي إلى «نظام عالمي جديد».

 

هذه المرّة ليست هناك تصريحات مدوّية بالرغم من تهديد «حرب العملات» التي حامت باستمرار على أجواء القمّة وشكّلت البند الأول من جدول الأعمال. وقد اكتفت القمّة أن تعطي لصندوق النقد الدولي عنوان مجموعة عمل مكلّفة بتحضير خطّة في أفق ربيع عام 2011 تخصّ المؤشرات التي تسمح بتقييم مدى خطورة موازين المدفوعات الجارية.

 

وعندما يتم إعداد المؤشرات المعنيّة وتبنّيها من قبل وزراء المالية سيكون صندوق النقد الدولي مكلّفا بلفت انتباه البلدان حول مخاطر العجز أو الفائض المفرط لتجارتها الخارجية بالنسبة للآخرين.

 

ومن المشكوك فيه فعالية مثل هذه الآليات. كذلك لم تعرف قمّة العشرين كيف تتجاوز الانقسامات ولم يتم الوصول إلى أيّة مصالحة. ولم يقم أي من المتنافسين الكبيرين، أي الولايات المتحدة والصين، بخطوة حقيقية من أجل تخفيف «حرب العملات» الكامنة.

 

القرار الثاني للقمّة يخص إصلاح نظام الحصص وحقوق الاقتراع داخل صندوق النقد الدولي مما يعطيه شرعيّة أكبر. وقد تضاعف رأسمال الصندوق من 374 مليار إلى 750 مليار دولار؛ وقبل الأوروبيون واليابانيون والكنديّون تقليص حصصهم مما سمح لبعض الدول الصاعدة بزيادة حصصها (المساهمة في رأس المال) وبالتالي في أصواتها داخل مجلس إدارة الصندوق.

 

ومقابل زيادة وزن هذه الدول الصاعدة تخلّت عن نقدها التقليدي الصحيح حيال صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه البلدان الغنيّة. هذه البلدان لم تعد تمثّل اليوم سوى 3,55 بالمائة من حقوق الاقتراع مقابل 60 بالمائة قبل 2006. وتدعيم وزن الدول الصاعدة سوف يسمح لها بالاطلاع أكثر على الشروط التي يفرضها الصندوق على الدول التي تعاني من صعوبات.

 

وبمعزل عن زيادة وزن الدول الصاعدة فإن النقد الجوهري حيال الصندوق وقمّة العشرين هو أنهما يمثلان إدارة جماعية للدول الأقوى في العالم. وأغلبية البلدان النامية وخاصّة أكثرها فقرا لا تحظى سوى بتمثيل ضئيل.

 

إن منظمّة مثل الأمم المتحدة يمكنها، في الواقع، أن تزعم تمثيلها للمصلحة العامّة الشاملة. ولذلك تستوجب عملية الإصلاح الضروري للنظام المالي والنقدي العالمي عقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة ـ قمّة ال192 ـ وليس قمّة العشرين.

 

ثمّ إن هذه الطريقة في معالجة الملفات الاقتصادية والمالية تنطبق أيضا على التحديات السياسية العالمية المطروحة على الجميع. الشعور السائد اليوم هو أننا نعيش في عالم مصاب بالشلل حيث يعاني فيه المسؤولون السياسيون الرئيسيون من العجز المقلق. والمشهد الدولي يعرف فترة من الزوابع التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها بشكل فعّال.

 

والنجاح الذي حققه الجمهوريون في أميركا منذ فترة قريبة سيسمح لهم بخوض معركة تعطيل جميع مبادرات إدارة باراك اوباما. هكذا أشار العديد من قادة الحزب الجمهوري أنهم لن يكتفوا حيال الملف النووي الإيراني بسياسة العقوبات الاقتصادية ضد طهران.

 

ولا يمكن استبعاد أن الأمر سوف يصل بهم إلى تشجيع أصدقائهم من اليمين الإسرائيلي للقيام بضربات وقائية ضد إيران. وبنفس الطريقة يمكن التشكيك بإمكانية قيام وفاق حقيقي بين واشنطن وموسكو.

 

وماذا يمكن القول بالنسبة لعجز الاتحاد الأوروبي عن تطوير سياسة خارجية حقيقية مشتركة وأن يكون له وزنه على الملفات الرئيسية العالمية؟ أمّا الصين فتعزز من جهتها باستمرار وزنها الاقتصادي لكنها لا تملك من القوّة السياسية ما يسمح لها حاليا بالتأثير في المسرح الدولي.

 

إن التغيرات الدولية الحاصلة على الصعيد الدولي تضعنا جميعا في وضع صعب. الكل يعرفون أنه لم يعد ممكنا تسيير العالم حسبما كان سائدا خلال العقود الأخيرة. ولكن ليس هناك من يستطيع أن يصوغ اقتراحات بنّاءة من أجل مستقبل أكثر صفاء. وقمّة العشرين الأخيرة دليل بليغ على ذلك.

مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية ـ باريس

========================

إعادة تقييم جورج بوش

بقلم :فيكتور ديفيز هانسون

البيان

22-11-2010

رحل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عن البيت الأبيض تاركا أدنى معدلات للشعبية منذ ريتشارد نيكسون. وكرد فعل، لمدة تصل إلى عامين تقريبا فاز الرئيس باراك أوباما بتصفيق سهل من خلال القول «فعلها بوش»، تقريبا في كل خطاباته بشأن السياسات الاقتصادية.

 

ولكن فجأة يبدو أمر بوش لا بأس به. فأخيرا، فعل الرئيس أوباما ما، يمكن تصوره، وامتدح بوش على الجهود التي قام بها في الماضي لمدّ يده إلى المسلمين. وذهب نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» إلى أبعد من ذلك، واندفع بالقول: «السيد بوش يستحق الكثير من التقدير». وأردف «بايدن» ذلك بالقول: «السيد الرئيس، شكرا لكم».

 

ويدعو النقّاد الليبراليون الآن بوش لمساعدة أوباما في تبديد التوترات المتزايدة حول بناء المسجد «غرواند زيرو»، وقانون الهجرة غير المشروعة في ولاية أريزونا.

 

فماذا يجري؟

 

تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة انتعاشا مذهلا في تأييد الرئيس الأميركي السابق، إلى درجة أنه في ولاية أوهايو التي تعتبر مقياسا، ما زال الناخبون يفضلون بوش كرئيس عن أوباما، بفارق تراوح ما بين50 - 42 نقطة.

 

وعلى الصعيد الداخلي، فإن شعبية أوباما مستمرة في الهبوط إلى ما يقارب 40%، وهي النسبة الأدنى التي استغرق بوش سنوات في الوصول إليها . وقد أصبحت سياسة أفضل أن يمدح المرء بوش بالمقارنة بتجاهله.

 

ويبدو أن العراق على الطريق إلى النجاح، وذلك مع وجود اقتصاد متنام وحكومة مستقرة. لا تأخذ بكلامي في هذا الشأن، واسأل نائب الرئيس الأميركي بايدن. وهو الذي ادعى أخيرا أن ما يجري في العراق يمكن أن يصبح واحدا من أعظم إنجازات إدارة أوباما. وأقرّ أوباما نفسه بذلك، وهو الناقد السابق لفكرة الحرب، عندما وصف جهود أميركا في العراق بأنها تعد «فصلا بارزا» في تاريخ البلدين.

 

هناك مقارنات متزايدة مع تجاوزات بوش المفترضة في الماضي. ومقارنةً مع أوباما، فقد بدأت هذه التجاوزات تبدو الآن بسيطة. ولنأخذ على سبيل المثال مسألتي الاقتصاد والحرب على الإرهاب. فقد كان الأميركيون غاضبين من عهد بوش الذي اتسم بالعجوزات في الاقتصاد. لكنها بدأت تنحسر بعدما نجح أوباما في غضون عامين في التفوق عليها.

 

وعلى مدار ست سنوات من إدارة بوش في الحكم، تمتع الأميركيون باقتصاد قوي. وحتى الآن، لم تشهد فترة حكم أوباما شهرا مماثلا. ففي عهد بوش ،انهارت وول ستريت مرة واحدة، ولكن العلاج الدائم الكبير الذي تقدمت به حكومة أوباما يبدو أسوأ من المرض الأصلي.

 

إذا كان إعصار كاترينا أظهر قصور الحكومة، فإن أزمة تسرب النفط لشركة بريتيش بتروليوم أخيرا أظهرت القصور نفسه. وربما لم تكن المشكلات كتلك التي شهدها خليج المكسيك مشكلة بوش ولا أوباما وحدهما، ولكن من الأفضل أن تنسب إلى قصور البيروقراطية الفيدرالية نفسه، أو إلى الطقس الغريب والتراخي البشري.

 

وفي الحرب على الإرهاب، تخلى أوباما عن انتقادات الحملة الانتخابية القديمة. معتقل خليج غوانتانامو والمحاكمات والتوقيف والتنصت، والهجمات من دون طيار، ولم تعد السياسات في أفغانستان والعراق توصف بأنها خرق للدستور . فكل ذلك يعتبر الآن يعتبرون أدوات للأمن الوطني يجب أن يتم الحفاظ عليها، إذا لم تتوسع، تحت حكم أوباما.

 

ومقارنة مع أوباما وأخطائه، يبدو أن بوش لم يعد يبدو الأبله الوحيد الذي لا يكف خصومه عن السخرية منه. وأوباما الذي يفترض أن يكون صاحب الكلام المعسول يعتمد على المُلقّن من بُعد، كما لو كان حبلا سُريا. بوش الآن يبدو جيدا لأنه أدى مهمته بشكل جيد. وكلما حط من شأنه أوباما و«بايدن»، لزم الصمت، وهكذا يبدو أكثر سماحة.

 

ولم تكن فترة ما بعد رئاسة بوش بنفس ما كانت عليه بعد جيمي كارتر أو بيل كلينتون، فكلاهما انتقد من خلفه في الحكم، وأصاب أثر الحملة الانتخابية، ولكنه انتهج طريقا مشابها لما تم في عهد والده بوش الأب الذي تعاون مع خلفه الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون، دون أن يعزف معه على وتر واحد. وهذه الشهامة التي أبداها جورج بوش لم تساعده فقط في صناديق الاقتراع، ولكنها في النهاية يبدو أنها تخفف حدة سياسة أوباما أيضا.

 

وانتقاد بوش فاق كل الحدود خلال السنوات القليلة الأخيرة من ولايته. وتأليف الروايات أو انتاج أفلام وثائقية حول مقتل الرئيس، أو قذفه بأنه «نازي»، ليست هي السياسات التي نريد أن تستمر خلال سنوات حكم أوباما. لذا فمن المهم قبل أن تجرى انتخابات عامة أن نوقف لعبة اللوم التي لا تنتهي، قبل أن يأتي اليوم الذي كما تدين تدان.

 

انتهت حمى كراهية بوش وتقديس أوباما التي بلغت ذروتها في صيف 2008. وعلينا الآن أن نتذكر أن موقف بوش في مكان «غراوند زيرو» عندما كان يمسك بوقا وذراعه ملتفة حول أحد رجال الإطفاء، أكثر من أن نتذكر ذلك الرجل من تكساس الذي ينطق كلمة nuclear على أنها nucular. في الوقت نفسه، فإن فكرة الأمل والتغيير تبدو الآن أنها تقدم أملا محدودا وتغييرا أقل.

لقد استيقظت أميركا من نشوة 2008، وخلصت إلى أن بوش لم يكن سيئا أبدا، كما أن أوباما ليس جيدا، كما تم الترويج له.

أستاذ في جامعة ستانفورد الأميركية

========================

أزمة أخلاقية في الجيش الأميركي

عن world affairs - بقلم: بوني بريكر

ترجمة

الإثنين 22-11-2010م

ترجمة : ريما الرفاعي

الثورة

تشير الوثائق السرية التي ينشرها موقع «ويكيليكس» الى حجم التضليل والانتهاكات التي جرت خلال الحرب على العراق. وتدلل هذه الوئائق على أن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش

ونائبه ديك تشيني والقادة العسكريين وعلى رأسهم الجنرال ديفيد بترايوس القائد السابق للجيش الاميركي في العراق والمسؤول الحالي عن قوات التحالف في أفغانستان، نقلوا بشكل متعمد معلومات كاذبة ومضللة للشعب الأميركي والكونغرس حول مقدمات اجتياح العراق ونتائجه.‏

وقد تمكن الأميركيون من معرفة الاكاذيب التي استخدمت لتبرير اجتياح العراق، تلك الاكاذيب التي تواصلت خلال الحرب وخاصة بشأن معاملة السجناء ومجمل الوضع في البلاد .‏

وقد ظلت ادارة بوش تؤكد باستمرار أن الجيش لا يحصي الخسائر العراقية سواء المدنية أم العسكرية، لكن وثائق ويكيليكس تكذب هذه الادعاءات . وبوش نفسه نفى غير مرة علمه بالأرقام مع انها كانت متوفرة لديه كما تشير الوثائق. ولا يكلف البنتاغون نفسه اليوم عناء إنكار عدد العراقيين الذين قتلوا بين 2004 و2009 والذي أكدت وئائق ويكيلكس انه يبلغ 109 آلاف قتيل بينهم 65 ألف مدني.‏

إن حقيقة القتل العشوائي لألف مدني عراقي عند نقاط التفتيش وتسليم السجناء العراقيين الى قوات الامن العراقية مع العلم المسبق أنهم سيتعرضون للتعذيب وربما الاغتصاب، كل هذا يلقي عبئاً ثقيلاً على الامة الاميركية. ويبدو ثقيلاً علينا تأمل حقيقة أن السلطات الاميركية تبدو وكأنها قد وافقت على تفشي العنف دون ان تحاول كبح جماح الشركات الخاصة العاملة لحساب البنتاغون. أن التضليل الذي تمت ممارسته بشأن موت المدنيين والاطفال والتظاهر بالجهل بشأن التعذيب المرتكب في سجن أبو غريب تلك أشياء تشكل وصمة عار للقيم الاميركية التي ندعي الدفاع عنها. وعندما يأتي رؤساء الأركان لرمي الاكاذيب في وجه الشعب الأميركي، كيف ستكون النتيجة ؟ وأي عواقب يمكن أن تنعكس على الجيش وداخل المجتمع الأميركي برمته ؟ لنتصور جندياً يبلغ من العمر عشرين عاماً يتم إجباره على الكذب في شأن مخالفات ارتكبها. حينذاك سوف تداس بالأرجل كل القيم التي نشأ الجنود عليها في منازلهم وأماكن العبادة ومدارسهم، والتي يفترض أن تكون النزاهة والشرف والواجب. إن السياسة التي اتبعها أصحاب القرار ازاء قواتنا دفعت حتى أصغر جندي الى المساهمة في نشر الكذب، أو على الاقل جعل الكذب وسيلة للبقاء في الجيش، وبذلك تغير تعريف ما يمكن ان يطلق عليه مسمى (جريمة حرب).‏

وحين يواجه الجنود الاميركيون كل يوم وضعاً أخلاقياً فظيعاً على هذا النحو، لا يكون مستغرباً أن يصاب نصف مليون ممن عادوا الى البلاد من حربينا الحاليتين في العراق وأفغانستان باضطرابات عقلية. ويعاني أكثر من 300 ألف منهم من عصاب ما بعد الصدمة، فضلا عن أن عدداً كبيراً من الجنود السابقين يجدون صعوبة في التكيف مع الحياة المدنية العادية. الحرب هي الجحيم دائماً، لكن جنودنا يعانون من أعباء إضافية بعد أن اضطروا إلى اعادة النظر في القيم الاخلاقية التي اعتقدوا أنهم يدافعون عنها.‏

وفي المقابل، لا نجد أحداً في البنتاغون يرغب في الحديث عن أهمية هذا الجانب عند جنودنا. ويرفض القادة العسكريون التطرق الى هذه الاسئلة نيابة عن جنودهم لأنهم بذلك يتسببون بانهيار كل النظام المبني على الاكاذيب.‏

إننا نغامر اليوم بالغرق في محيط الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس،وعوضاً عن التعلق بالتفاصيل، علينا طرح بعض الاسئلة الجوهرية المرتبطة بتلك المعلومات على شاكلة ماذا يعني بالنسبة للعالم نشاط الولايات المتحدة خارج حدودها؟ هل تساعدنا هذه السمعة السيئة في العثور على دول أخرى لحشدها في الصراع الذي ندعي خوضه في مجال حقوق الانسان والديمقراطية؟ هل يجعل ذلك منا شركاء نستحق الثقة في المفاوضات الاقتصادية؟‏

إننا اليوم أمام لحظة حاسمة من أجل التأكيد على قيمنا الاميركية أو التخلي عنها بكل وضوح .‏

========================

هل سيقيم الفلسطينيون دولة؟

ميشيل كيلو

السفير

22-11-2010

لا يريد هذا السؤال التشكيك في رغبة الفلسطينيين في الدولة، أو في قدرتهم على إقامتها. أن له هدفاً محدداً هو: هل الكيان الذي سيقيمه الفلسطينيون سيكون حقاً دولة: أي كياناً يستحق هذا الاسم، يحمل صفات ومزايا الدولة بما هي مؤسسات وأجهزة غير شخصية، مجردة وعامة وشاملة، فيها سيد وحيد هو القانون، الذي يخضع له دون قيد أو شرط كل فرد وجهاز، ويضمن فصل السلطات وتمثيل مصالح الشعب العليا والدفاع عنها، في الداخل وأمام الخارج؟

لا شك عندي في أن الفلسطينيين مرضى بالدولة: هاجسهم الأكبر وطموحهم الأسمى وغايتهم الأرفع، التي من أجلها ناضلوا، وفي سبيلها استشهدوا، ولأجلها يعيشون، فهي حلمهم التاريخي الذي يظنون أنه صار في متناول رغباتهم وإرادتهم، وأنه سيضع نهاية لتشردهم ولضياع ما تبقى من وطنهم، وسيردّهم إلى تطور انقطع بقيام كيان أجنبي وغاصب، أخرجهم من ديارهم وبعثرهم في أربعة أصقاع الأرض، وخاصة في بلدان وطنهم العربي الكبير، حيث عاملهم الحكام العرب لفترة غير قصيرة كمتمردين غير منضبطين، واعتبرهم العالم لاجئين أو مشردين ليس لهم حق في دولة، لأنه ليس عندهم وطن، فتكفل نهر دمائهم عند هزيمة حزيران العربية عام 1967 في تصحيح المواقف منهم، ووضعهم خارج القبضة الرسمية العربية - إلى حين - وأقنع عدوهم الصهيوني أنه لم ينجح بعد في حسم قضيتهم، وأن فلسطين بقيت موضوع صراع يستحيل إخراج شعبها منه بأي قدر من العنف والظلم، فهو كما وصفه قائده الشهيد ياسر عرفات، «عنقاء خرجت من رمادها»، و«شعب جبارين» يستحيل قهره.

لا يوجد شعب في الدنيا والآخرة يشبه حلمه بالدولة حلم الفلسطينيين بدولتهم. وقد بقينا، نحن الذين عملنا في صفوف الثورة الفلسطينية وساندناها، نتذكر أقوال قادتها الكبار حول هوية الدولة المنشودة وطابعها، وتأكيداتهم المتكررة بأنها ستكون مختلفة كل الاختلاف عن الدول العربية القائمة، لأنها لن تكون دولة شرطة ومخابرات، أو دولة بيروقراطية وإفساد، بل ستكون دولة شعب مناضل، قاتل طيلة نيف وقرن وقدم تضحيات تجل عن الوصف، فلا حاجة عنده إلى دولة تقمعه وتضبط حركته وتراقبه، خاصة أن دولته لن تكون برانية بالنسبة إليه، ما دام قد أنتجها في نفوس ووعي بناته وأبنائه قبل أن يقيمها في الواقع، واستشهد من أجلها، رغم أن معظم شهدائه ولدوا خارج أرضها الوطنية. فلا يعقل أو يقبل أن تكون دولته من النمط السائد عربياً، وأن لا تراعي بنيتها وممارساتها طابعها النوعي، الخاص والفريد، الذي سيميزها كدولة أقامها الشعب بدمائه، ولم تنتجها صفقات أو تسويات داخلية أو خارجية، دولية أو محلية. فهي إذن شعبية بالضرورة والقطع، فريدة في هويتها وعملها بقوة فرادتها في التكون والنشوء.

قال أبو عمار ذات مرة وهو يتحدث عن الدولة: إنها لن تحتاج من الشرطة لغير شرطة البلديات. ولن تقيم أجهزة سرية أو قمعية، ولن تحتال على القانون أو تمتنع عن تطبيقه، ولن تفصل السلطة الشعبية عن السلطة الرسمية، ولن تسمح بأي فساد وإفساد، وستكون من رأسها إلى أخمص قدميها شفافة كنقطة ماء صافية، وإلا تفوق نموذج الدولة الصهيوني وقوّض جاذبيتها وفاعليتها، بينما الأساس أن تتفوق هي عليه في ديموقراطيتها، وتخسف وجوده بإنسانيتها، فتكون دولة تحمل في أحشائها مستقبلاً هي فيه حقاً لجميع مواطنيها العرب واليهود.

ما الذي جرى وقلب الأمور رأساً على عقب، وحوّل دولة الحلم إلى دولة كابوس تشبه كوابيس العرب السلطانية، التي ليس لها من الدول غير اسمها؟ ما الذي جعل مشروع الدولة يضيق بالأخ والشقيق، ويوزع الشعب على زمر وفرق، ويعتمد معيار الولاء السياسي فيصلاً في العلاقة مع المواطنين، بعد أن حلم قادة الثورة بجعلها دولة شعب تتجسد فيها سلطته المباشرة دون غيرها من السلطات، يتجلى من خلال عملها وممارساتها وأجهزتها، الإدارية الطابع، حضوره الحاسم في الشأن العام، كما في كل كبيرة وصغيرة؟

هل حدث الانقلاب من الدولة الشعبية إلى دولة الفصائل بسبب خلافات وانقسامات الساحة؟ شخصياً: لا أعتقد ذلك، فالساحة كانت دوماً منقسمة إلى فصائل، لكن انقساماتها وخلافاتها لم تكن عدائية كالانقسام الراهن بين حماس وفتح، ولم تفض انقساماتها يوماً إلى بلورة واعتماد استراتيجيتين في العمل الوطني متعاكستين إلى أبعد الحدود، تتصلان بمجالين سياسيين خارجيين متناقضين/ متعارضين.

هل حدث بسبب فساد أهل السلطة وتخليهم عن مشروعهم الثوري، وقبولهم سياسات تقوم على تسويات وحلول وسط مع عدو يتمتع بحضور يومي في الأرض الفلسطينية المحتلة، علماً بأن الثوار الذين يتخلون عن مشروعهم سرعان ما يتحولون إلى مقتنصي فرص همهم تعويض ما فاتهم من مغانم العيش والثروة؟

عرفت الثورة قبل عام 1993 فاسدين معروفين، بلغ فساد بعضهم حداً جعلهم يزعمون أن صاروخاً إسرائيلياً أصاب حقيبة المال (السمسونايت) التي كانت في يدهم، فدمّرت المبلغ الذي كان فيها دون أن يصابوا هم بأذى. لكن الفساد كان مجرد ظاهرة بين ظواهر ولم تكن تعبيراً عن انتهاء الثورة أو عن نزوع عام إلى التخلص منها، مثلما حدث بعد مدريد عامة، واستشهاد عرفات والانقسام الفلسطيني القاتل بخاصة.

مع اليأس، والتصالح مع الواقع، والجري وراء المصالح الشخصية باعتبارها المصلحة العامة، أكل الفساد الثورة وصار قادراً على منع تجدّدها، وغدا من الطبيعي أن لا يسلم الفاسدون أي جزء من سلطتهم إلى الشعب، أو أن يتبنوا نهجاً يفضي إلى تغيير الواقع الفاسد.

هكذا، كررت تجربة فلسطين ما سبق للتجارب العربية أن فعلته: حين تخلّت النخب الممسكة بالأمر عن الثورة بعد فترة قصيرة من استيلائها على السلطة شهدت نمو وتبلور قوى وتيارات داخلها رأت في السلطة مصدر الثروة، فوضعتها في خدمة القابضين عليها وشرعت تنهب المجتمع والدولة بواسطتها، بينما أطلقت مارد الفساد من قمقمه، خاصة بعد أن أقنعت نفسها بعجزها عن تحقيق الوعود التي كانت قد قطعتها على نفسها قبل السلطة، وقبلت ما ترتب على ذلك من تحوّل في موقفها من الشعب، وبدلت بنية سلطتها ووظائفها وممارساتها.

تقوّض ممارسات السلطتين القائمتين اليوم في فلسطين فرص قيام دولة حرة: سيدة ومستقلة، حتى ليتساءل المرء إن كان ما سيقوم هناك سيكون دولة حقاً، أو إن كان قادة العمل الوطني الفلسطيني ما زالوا ملتزمين بوعد إقامة دولة. تضر مواقف حماس من الدولة بفرص قيامها، مثلها في ذلك مثل مواقف أهل السلطة في الضفة الغربية. بدل أن تقيم حماس سلطة تتفادى عيوب سلطة فتح، سارعت إلى إقامة سلطة تفوقها استبداداً وعدوانية تجاه المواطنين، وتقييداً لحرياتهم، وظلماً في توزيع الأرزاق، وتسلطاً على عقولهم ومشاعرهم، بحيث يكون من المشروع تماماً التساؤل إن كان الإخوة في غزة يريدون دولة فلسطينية لكل مواطنيها، تتجسد فيها حرياتهم وحقوقهم، فتكون سيدة وحرة ومستقلة حقاً، أم أنهم اجتازوا، بقفزة واحدة، مرحلة الدولة إلى حقبة ألـ«لا - دولة»، القائمة في بقية أرض فلسطين المحتلة؟

هل هناك سباق فلسطيني على بهدلة فكرة الدولة وحلمها وواقعها؟ ليس مفهوماً أو مقبولاً على الإطلاق أن تتعامل التنظيمات الفلسطينية مع حلم الدولة وفرص قيامها بسياسات كابحة لتحققهما. ومن غير المقبول أن تكون الدولة أملاً فتصير كابوساً قمعياً فاسداً ومفسداً، ليس للشعب أي اعتبار أو مكان في حساباته وسلوكه، فهو يحيده ويرى فيه عدواً لا بد من تقييده وسحقه، ستجعل عودته إلى الشأن العام تحويل السلطة إلى «باب رزق»، وموقع للفساد والإفساد، أمراً صعباً.

لن تستقيم أمور فلسطين، ما لم تعمل المنظمات لدولة فلسطينية تشبه حلمها، فالدولة كانت وما تزال التكثيف الأعلى للنضال الوطني، الذي تلاشى لأسباب أهمها تحويل ما قام من الدولة ومؤسساتها إلى سلطة أمر قائم، ليس بينها وبين الدولة صلة أو شبه. لن تستقيم أمور فلسطين دون ربط أي تقدم نحو الدولة، في الفكر والنظر والسلوك، بمشروعها العظيم، وإلا حق لنا أن نتساءل مع المتسائلين: إذا كانت الدولة العتيدة ستعبر عن سلطتها من خلال ممارسات احتلالية، لماذا قيامها، وما الجدوى منه؟

========================

لماذا لا تعارض "شاس" التجميد؟

المستقبل - الاثنين 22 تشرين الثاني 2010

العدد 3837 - رأي و فكر - صفحة 19

إسحاق سودري

(متحدث سابق باسم شاس)

ثمة فرضية رائجة في وسائل الإعلام خلال الآونة الأخيرة تفيد أن شاس حركة شوفينية، متعصبة وظلامية. فالهجمات التي تتعرض لها حركة شاس بسبب مواقفها المتشددة باتت نغمة سائدة، وهي تُذكر في سياق واحد مع اليمين الراديكالي. لكنني زعمت ولا زلت أزعم أنه ثمة في ما أشرت إليه أعلاه ما يكشف عن عدم فهم عميق إزاء الجوهر الحقيقي لشاس، ومن يحكم عليها وفق القيم الكلاسيكية لليسار واليمين، يفوت فرصة فهمها ولا يستطيع حل شيفرة سلوكها. شاس ليست حزب يمين، وهي بالطبع لسيت حزب يسار. شاس هي شاس. وبلغة رئيس الحركة، الوزير إيلي يشاي:" وظيفة شاس هي أن تجر اليمين نحو اليسار (في حكومة يمين)، وأن تجر اليسار إلى اليمين (في حكومة يسار)".

يبدو لي أنه ثمة في موقف شاس من قضية التجميد ما يكفي لتجسيد ما أشرت إليه: تعتقد الحركة كقاعدة أنه لا حاجة للتجميد وأن غريزتها السياسية تميل نحو معارضته. فشاس تربط المراوحة السياسية بعدم نضوج تسوية تاريخية في أوساط القيادة الفلسطينية وتعتقد أن المستوطنات هي مجرد ذريعة وليست حجر الزاوية الحقيقي.

علاوة على ذلك: شاس مقتنعة أن قرار التجميد جارف بصورة غير معقولة وموزونة، وهو يسري على كتل استيطانية وأحياء يهودية صرفة، والتي على ما يبدو ستبقى أصلا ضمن السيادة الإسرائيلية في تسوية مستقبلية. كما أن التجميد سيخلق ضائقة حقيقية لمؤسسات عامة وللجمهور الحريدي نفسه الطامح في الحصول على منزل في مستوطنات ذات لون واضح.

بكلمات أُخرى: التطبيق العملي لقرار التجميد يدفع الجمهور الشاسي يمينا عن مكانه الواقعي. لكن ما يثير الدهشة هو أنه على الرغم مما قيل، تنوي شاس الامتناع عن التصويت على قرار التجميد - الخطوة التي ترمي بحكم الأمر الواقع إلى مساعدة رئيس الحكومة على تمرير القرار المشحون والمختلف عليه. هذا يعني أن شاس تنظر في المحطات الحاسمة الدراماتيتيكة إلى الصورة الشاملة ولا تعفي نفسها من نظرة سياسية مشهدية، واسعة ومعقدة.

تدرك شاس جيدا الأهمية الاستراتيجية للعلاقات مع واشنطن، وارتباطنا وتعلقنا العميق بالإدارة الأميركية، والحاجة إلى عدم تأزيم علاقتنا مع المجتمع الدولي بشكل عام ومع الرئيس الأميركي بشكل خاص، من دون حاجة لذلك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سلامة الائتلاف الذي هو اعتبار شرعي وجدير.

نحن أمام ارتكاز جلي على المدرسة السياسية السوبر - براغماتية للحاخام عوفاديا يوسف، وعلى تصوره الذي يقول بعدم تحدي الأمم.

إن نية شاس إتاحة خطة التجميد، تمثل درسا في المسؤولية السياسية وردا مناسبا لكل المحللين الذين سارعوا إلى إرسال شاس لمعاقل الهذيان الشوفيني ووصفوها بأنها عديمة المسؤولية.

شاس لن تربح شيئا سياسيا جراء موقفها المعقد القائم كله على الكبح. فهي تقف قبالة ناخبيها، قبالة ميولها، مقابل يمين متطرف متحمس يحاول مطاردتها، مقابل يسار ووسائل إعلام عجزوا عن فهم البوصلة الجينية - السياسية التي توجه شاس وعمق الصدع، ورغم كل هذا، تفضل المسؤولية الرسمية.

========================

إسرائيل والمقايضة الاستراتيجيّة

سلام الربضي

www.salamalrabadi.blogspot.com

الرأي الاردنية

22-11-2010

التأكيد على يهوديّة إسرائيل «إسرائيل الجديدة» بالمعنى الإثني الأيديولوجي له مخاطره على حقّ العودة وعلى عرب 1948. وإسرائيل تسعى دائماً لاقتاع العالم بأنّ مساحتها البالغة21 ألف كيلومتر مربع هي مساحة لا تساوي شيئاً إزاء مساحة العالم العربي البالغة 14مليون كيلومتر، وبالتالي لا بدّ من إسهام الدول العربية في حل مشكلة الحيّز الديمغرافي بين إسرائيل وجيرانها في فلسطين.

 

وتنظر إسرائيل إلى مفهوم الدولة اليهودية ليس كدولة تشمل المواطنين اليهود داخل حدودها، بل هي أيضاً الناطقة باسم جميع اليهود المنتشرين في مختلف بلدان العالم والمدافع الأول عن مصالحهم. وهي الدولة الوحيدة التي يمارس فيها التطابق في شكل كامل بين الدين والقومية ويتم فيها اتباع معايير وأدوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية حيث ينشغل القادة الإسرائيليون بالسؤال:

 

من هو اليهودي؟ وليس من هو الإسرائيلي؟

وتكمن الخطورة في هذا الموضوع من الناحية الإستراتيجيّة أن تتمّ المقايضة من قبل إسرائيل بين تعويض لليهود الذين غادروا الوطن العربي من العام 1948 بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. وممّا يؤكّد هذا التّوجّه العودة إلى محادثات كامب دايفد في تموز2000 حيث خلق الرّئيس الأميركي بيل كلينتون ربطاً مباشراً، بين حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقوق اللاجئين اليهود الذين اضطرّوا إلى مغادرة دول عربية، ومن بينها العراق وقد اقترح انشاء صندوق دولي يعالج مطالب اللاجئين العرب واليهود.

 

وتشير الدراسات إلى أنّ عدد اليهود في الدول العربية وصل إلى ما يقارب 700ألف نسمة من العام1950. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ عدد اليهود الذين غادروا العراق خلال الفترة التي تلت حرب 1948 ما بين 130-150 ألف نسمة، وتمّ جذب ما يقارب 240 ألف يهودي من المغرب بعد عام 1948. كما يبلغ عدد اليهود من الجزائر الذين تمّ جذبهم إلى إسرائيل في عهد بومدين ما يقارب 141ألف نسمة. ولقد غادر حوالي 50 ألف يهودي يمني في نفس تلك الفترة أي بعد حرب 1948، ولم يبق في اليمن سوى 250عائلة يهودية فقط.

 

وترغب إسرائيل ربط حق تعويض اليهود العرب في إسرائيل بحق تعويض اللاجئين الفلسطينيين. وهذا الرّبط هو بداية منظمه لتحقيق المصالح الإسرائيلية فيما يتعلق بقضايا حق العودة والتعويض، وبالتالي تهميش القرار 194 الذي يقضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار النفسيّة والماديّة التي لحقت بهم جرّاء طردهم من ديارهم مما يفتح الباب على مصراعيه أمام إسرائيل في تحقيق مصالحها المنبثقة عن ضعفها الديمغرافي والجغرافي.

 

ولقد ارتفعت في السّنوات الأخيرة وتيرة الحديث عن ملفات التعويض لليهود من أصول عربية. وفي إسرائيل أصبح هناك تيار سياسي تبنّّّته كل الجاليات اليهودية من أصل عربي في إسرائيل للمطالبة بتلك الحقوق. وهذه الحركة المدنيّة الداخليّة في إسرائيل لا تخرج عن إطار المصالح الإستراتيجيّة العليا لإسرائيل. فمثلاً في عام 2004، تمّ فتح ملف تعويض الليبيين اليهود عمّا فقدوه من ممتلكات لدى هجرتهم إلى إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت ليبيا عن استعدادها للنظر في دفع مبالغ ماليّة لإنهاء خصومات تاريخية.

 

من الضروري الإقرار بأن تهويد فلسطين من البحر وحتى الحدود المفترضة للدولة الفلسطينية العتيدة هدف عقائدي اسرائيلي قائم في كل آن وحين، وإسرائيل اليهوديّة، مشروع إسرائيل المستقبلي والمصيري، هو الذي يحدّد طموح ورؤية المصالح الإسرائيليّة، وهو مشروع قائم على الأبعاد الدّيمغرافيّة والجغرافيّة. ويعتبر موضوع التعويض المادي والمعنوي ليهود العالم العربي بالنسبة لإسرائيل أحد أهمّ أوراقها المستقبليّة في إطار مشروعها إسرائيل اليهودية، أو في إطار مفاوضاتها النهائيّة مع الفلسطينيّين لمقايضتهم مع حقوق اللاجئين الفلسطينيّين الذين صدرت في شأنهم قرارات دوليّة تضفي شرعيّة قانونيّة على حقوقهم، بعكس نظرائهم اليهود.

ستبقى إسرائيل حذرة في كشف أوراقها الاستراتيجيّة وفتح هذا الملف الآن خشية ظهور مطالب فلسطينيّة مقابلة لمطالبها، ممّا يضع الدّولة العبريّة في موقف حرج ولكن ورقة تعويضات اليهود العرب ستبقى ورقة إستراتيجيّة تخدم المصالح الإسرائيليّة.

========================

مفاوضات على.. «لا شيء»!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

22-11-2010

انها ساعة الحقيقة اذاً, وهذا ما يجب الاعتراف به فلسطينياً على الاقل, فالامور وصلت الى مفترق طرق حقيقي واستمرار خداع الذات أو تسلق اشجار عالية, والادعاء بأن النزول يتطلب سُلّماً اميركياً أو مظلة عربية, بات غير مقبول, وقد آن اوان البحث عن خيارات جادة وعملية ومقاربات يمكن الاتكاء على نتائجها, بعيداً عن اطلاق بالونات الاختبار أو انتظار ردود الفعل..

للرئيس الفلسطيني محمود عباس, عبارة ما تزال تشكل «مرجعية» لمن يريد معرفة طرق تفكيره والرهانات التي يبدي استعداده للدخول فيها «المقاومة المسلحة والممانعة... ادعاءات فارغة, وهي تصلح للمهرجانات والفضائيات», زد على ذلك وصفه لصواريخ حماس بأنها «صواريخ عبثية»..

بمعنى أن الرجل اختار طريق المفاوضات, وهو لم يحد عنها منذ أن كان جالساً في الصفوف الخلفية لقيادة منظمة التحرير, حتى عندما كان يشغل موقع امين سر منظمة التحرير, الى ان جيء به – على غير رغبة عرفات – رئيساً للوزراء وحتى اضطراره للاستقالة, تحت وقع الهتافات التي استقبلته على ابواب المجلس التشريعي في رام الله, والتي وصفته بأنه قرضاي فلسطين..

 

تألم الرجل واعتبر عرفات مسؤولاً عن تلك «المشاغبات» فانشأ قطيعة معه حتى وفاته, لكنه بقي على قناعاته (والتيار الذي يؤيده كما يجب التذكير) وعندما غدا صاحب القرار الاول في السلطة والمنظمة وفتح ايضا، ازدادت اندفاعته نحو خيار المفاوضات متجاوزا خطوطا حمراء عديدة في عهود شارون/ اولمرت واولمرت/ ليفني وراهنا نتنياهو/ ليبرمان رغم ابتعاد الاخير عن دائرة المفاوضات, لكنه لاعب رئيس ورقم صعب من المتعذر بل المستحيل تجاوزه وخصوصا انه صاحب «النبوءة» التي تقول: ان السلام بيننا والفلسطينيين لن يتحقق في جيلنا.

 

ولعل من المفيد هنا, التوقف عند التفاؤل المفرط الذي بدا عليه اركان السلطة عند وصول باراك حسين اوباما الى البيت الابيض وما احدثه من هيجان اقرب الى الهستيريا في رفع سقف التوقعات على نحو بدت اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مسألة وقت ليس إلاّ, وقبل ان تنتهي ولاية الرجل الاولى في العام 2012 وبخاصة بعد خطابه «الاشهر» في جامعة القاهرة 4 حزيران 2009.

 

تبددت الاوهام الفلسطينية وبدأ التراجع الاميركي عن كل ما قيل في الخطابات الاوبامية الساحرة وبات المبعوث الاسطوري جورج ميتشيل مجرد «خرقة» بالية والاكثر باعثا على المرارة والدهشة (لدى اصحاب السلطة بالطبع) هو ان التراجع المُذل لادارة اوباما عن كل وعودها, تحول الى ضغط على الطرف الاضعف الواقع تحت الاحتلال والتنكيل والاذلال، فتم طي صفحة المفاوضات «عن قرب» دون نتائج, لتُفتح صفحة اكثر خطورة تكرس الاحتلال وتمنح شرعية للاحتلال وصف هذه المرة بالمفاوضات المباشرة التي «قدّر» لها الاميركيون فترة سنة كي تنتهي الى اتفاقات ومعاهدات سلام.. وكانت لعبة نتنياهو في تجميد النشاطات الاستيطانية لعشرة اشهر انتهت في 6 ايلول الماضي، دون ان يتوقف الاستيطان أو تخفّ حدة موجة تهويد القدس ومصادرة الاراضي والاعتقالات اليومية في الضفة الغربية, التي يواصل سلام فياض الزعم بأنها تعيش في أمن واستقرار ورخاء اقتصادي وبناء مؤسسات الدولة العتيدة (!!)..

 

الان, تبرز الصفقة الاميركية الاسرائيلية الى العلن بكل تفاصيلها المثيرة, والاسئلة الكبيرة التي تُطرح ازاء كل هذا «الكرم» الاميركي غير المسبوق, مقابل ثمن بخس لا يعدو كونه مجرد وعد (غير مكتوب بالمناسبة) بتجميد الاستيطان لمدة (90) يوماً لا يشمل القدس, «تدفع» بموجبها واشنطن الاكلاف المادية والسياسية والدبلوماسية التالية: 20 طائرة اف 35 بقيمة 6ر3 مليار دولار, حماية اسرائيل في المحافل الدولية وصولاً الى استخدام «الفيتو» في حال لجأ الفلسطينيون الى مجلس الامن, طالبين الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة تقوم على حدود الرابع من حزيران 1967.. والاكثر لفتاً في «الصفقة» هو تعهد ادارة اوباما بعدم الطلب من اسرائيل (وليس حكومة نتنياهو فقط) تجميداً آخر, أي أن الثلاثة أشهر التي قد ينجح نتنياهو في استصدار موافقة الائتلاف الذي يقوده عليها, غير قابلة للتجديد, اضف الى ذلك ان القدس خارج كل الحسابات والتعهدات والتجميدات المزعومة..

 

الكرة ليست في ملعب الاميركيين, فلا حاجة الى تأكيد صحة المواقف الشعبية من السياسات الأميركية والتي لم تؤهلها ذات يوم لدورها المزعوم وسيطاً نزيهاً, وليست كذلك في ملعب الاسرائيليين الذين لا يخفون مواقفهم واراءهم وقناعاتهم التلمودية والتوراتية, بأن فلسطين أرض لشعب «واحد» منحها الرب لابراهيم ونسله من بعده, على ما يزعمون ويطبقون ويقتلون ويبنون ترسانة عسكرية هي الاحدث في المنطقة..

 

الكرة في ملعب السلطة وحدها, ولا داعي للاتكاء مرة ثالثة أو رابعة على لجنة المتابعة العربية, التي واصلت منح «المُهل» لادارة اوباما, فيما كانت الاخيرة تنثني أمام لوبيات الضغط المؤيدة لاسرائيل, وتجامل مبكراً الحزب الجمهوري المنتصر في انتخابات الثاني من تشرين الثاني الجاري النصفية وتُكافئ المعتدي على عدوانه..

مفاوضات عبثية على لا شيء.. آن للسلطة الفلسطينية أن تستخلص الدروس والعبر من كل هذا العبث المتواصل..

========================

المراوغات الإسرائيلية.. تهدد حل الدولتين

حنان عشراوي (عضو المجلس التشريعي الفلسطيني)

«إم. سي. تي. إنترناشيونال»

الرأي الاردنية

22-11-2010

وصل الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني لمرحلة حرجة في الوقت الراهن. فخلال أزيد من عقدين كان حل الدولتين يمثل الأساس الذي قامت عليه الجهود الدولية الرامية لإحلال السلام في المنطقة، بيد أن الرفض الإسرائيلي لإيقاف بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، يجعل من إقامة دولة فلسطينية متصلة الأجزاء وقابلة للحياة أمراً مستحيلاً.

وفشل حل الدولتين، سوف يؤدي إلى توليد مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وإلى تعزيز نفوذ عناصر الرفض على الجانبين، كما سيعني أن الصراع سيتواصل لأجيال قادمة، وتالياً سيضر بمكانة أميركا في الشرق الأوسط وبمصالحها وأمنها القومي.

ورغم ذلك، لا يبدو أن هناك إدراكاً من جانب القادة الإسرائيليين، ومن جانب البعض في الولايات المتحدة بخطورة اللحظة الحالية ودرجة إلحاحها. وهذا الوضع جعل العديد من المراقبين في المنطقة، وخارجها، يتوصلون لاستنتاج مؤداه أن سياسة إسرائيل القائمة على فرض «حقائق على الأرض» تهدف إلى جعل عملية تقسيم الأراضي بينها وبين الفلسطينيين غير قابلة للتنفيذ في نهاية المطاف.

والمستوطنات ليست موضوعاً مجرداً أو ثانوياً بالنسبة للفلسطينيين، الذين يرون التمدد الدائم للمستوطنات اليهودية وهي تبتلع أراضيهم وأحلامهم المستقبلية، خصوصاً وأن ما يقرب من نصف مليون يهودي يعيشون حالياً بشكل غير قانوني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو عدد آخذ في التزايد.

ومنذ البداية، كان الدافع الرئيسي للمشروع الاستيطاني اليهودي هو الحيلولة دون تأسيس دولة فلسطينية، وكان هذا الدافع هو الذي جعل المخططات الاستراتيجية لإسرائيل تركز على اختيار مواقع تلك المستوطنات بطريقة تؤدي إلى تقسيم وعزل المراكز السكانية الفلسطينية، عن بعضها بعضاً من ناحية، وعن العالم الخارجي من ناحية أخرى.

والمستوطنات لا تبتلع الأرض التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية فحسب، ولكنها تجتذب أيضاً متطرفين مسلحين وعدوانيين يهاجمون الفلسطينيين، ويدمرون منازلهم، ويقتلعون محاصيلهم، ويدنسون أماكنهم المقدسة.

وفي عام 1988 وافق المجلس الوطني الفلسطيني على إقامة دولة فلسطينية فوق 22 في المئة فقط من أرض فلسطين التاريخية. وفي عام 1993 اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً بإسرائيل كجزء من اتفاقيات أوسلو.

وكانت هذه تنازلات تاريخية كبرى من جانبنا، لكن إسرائيل لم تعترف بها ولم تقدم أي تنازلات في المقابل. ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل تطالبنا في الوقت الراهن بتقديم مزيد من التنازلات حتى عن الحصة التي تقل عن ربع فلسطين التاريخية والتي رضينا بها، كما تدعونا ليس فقط للاعتراف بها كدولة، ولكن أيضاً كدولة «يهودية» تحديداً.

والقيادة الفلسطينية لا تزال ملتزمة بالتوصل لتسوية سلمية متفاوض عليها للصراع على أساس حل الدولتين، بيد أنها لا تريد أن تظل منخرطة في عملية لا تؤدي إلى شيء في النهاية، وتوفر في نفس الوقت غطاءً لاستمرار الاحتلال لأراضينا.

ونحن لن نقوم بعمل من جانب واحد، لكن ذلك لا يعني أننا لن نقوم باستكشاف كافة الخيارات المتاحة والتعاون مع أعضاء المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.

وإذا لم يتمكن الفلسطينيون من حماية حقوقهم، من خلال استخدام الوسائل السلمية، مثل الاحتجاجات الشعبية غير العنيفة، والسعي للحصول على التعويضات القانونية من خلال المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، فإن الكثيرين منهم سوف يرون حينئذ أن العودة للمقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد المتاح، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كارثية للجميع.

وإسرائيل من جانبها، ترغب في تجنب المباحثات متعددة الأطراف، كما تعارض اللجوء للقانون الدولي، وتفضل بدلاً من ذلك الانخراط في مباحثات ثنائية تعكس الفارق الضخم في القوة بينها وبين الفلسطينيين بما يمكنها من إملاء شروطها، وليس التفاوض بشأنها.

ولضمان عدم حدوث شيء مثل هذا، فإننا بحاجة إلى انخراط إيجابي وجاد من جانب الولايات المتحدة، وغيرها من الفاعلين الدوليين في جهود الحل.

والإسرائيليون وضعوا أنفسهم في زاوية ضيقة حيث لم يعد أمامهم سوى البدائل التالية: إما الاستمرار في فرض الأمر الواقع، والتحكم في حياة ملايين الفلسطينيين دون منحهم حقوقاً سياسية، وهو وضع لا يمكن الدفاع عنه، إذ ليس له أي سند شرعي، وقد سبق لاثنين من رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين أن شبهوه بالآبارتايد (الفصل العنصري)... أو منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية في دولة واحدة ثنائية القومية... أو تفكيك المستوطنات والسماح بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول إنه يؤيد حل الدولتين، بيد أن الأفعال التي تقوم بها حكومته، وقائمة الشروط الطويلة التي يحاول فرضها على قيام أي دولة فلسطينية في المستقبل، تترك مجالاً واسعاً للشك في نواياه.

ولإنقاذ حل الدولتين، يجب على القادة الإسرائيليين أن يغيروا مسارهم الحالي، ويظهروا جديتهم، وصدق نواياهم على الفور، وذلك من خلال إنهاء كافة الأنشطة الاستيطانية من دون شروط، لإفساح المجال أمام سلام حقيقي ودائم بين الشعبين.

========================

الشلل الإستراتيجي العربي وغياب الحلول

د. خالد الحروب

الدستور

22-11-2010

 يصعب تقديم اجابات شافية عن السؤال ثقيل الوطأة حول استعصاء المعضلات الكبرى التي تواجه العالم العربي ككل ، أو بلدانه كلا على حدة ، ولماذا فشل العرب كجماعة ودول وأحزاب وشعوب ونخب في تخطي حالة الشلل والضعف التي لا تزال تحيق بهم على مدار عقود طويلة. بل ولماذا أيضا لا زالوا يفشلون في وضع حد لتواصل التردي بحيث تبدو كل سنة منقضية ورغم ما قد جاءت به من سوء وتردّْ اضافي أقل سوءا من السنة التي تليها. ولو بدأنا بنقطة زمنية ، شبه اعتباطية ، في المسار الكارثي الطويل مثل نكبة فلسطين عام 1948 وقيام اسرائيل في قلب المنطقة العربية وتتبعنا المسار العام بعدها ، لرأيناه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن يتجه من السيىء للأسوأ. ويمكن القول أنه لم يكن يخطر ببال من عاصروا تلك النكبة تخيل حدث أسوأ منها قد يمر على حاضر ومستقبل العرب القريب ، جماعة أو دولا.

 

لكن ما حل بالعرب في العقود التي تلتها تحدى خيالهم وفاق أية توقعات اذ أنفرطت سلسلة لا تنتهي من الانحدارت ، سواء هزائم امام اسرائيل ، او تفتت داخلي ، او ترسخ للاستبدادات ، أو اندلاع حروب وصراعات عربية.. عربية ، او نشوء استقطابات ومحاور حادة ، أو تفاقم مريع في سوء توزيع الثروات واتساع أمدية الفقر ، أو تدهور معدلات ومعايير التنمية الانسانية وتخلفها حتى عن الوسط العام للدول النامية ، ثم وصولا الى التدخلات الغربية ـ الأمريكية العسكرية في حربي العراق الأولى والثانية. ولو بدأنا بأية نقطة زمنية اعتباطية اخرى لنسخنا نفس التحليل أيضا. فكارثة حرب حزيران 1967 بدت وكأنها قاع الانحدار ، لكن سرعان ما تم تجاوزه بقيعان انحدارات متالية بقيت تفاجئ كل مراقب. فقد جاء بعد ذلك الانقسام العربي بعد زيارة الرئيس السادات الى القدس واتفاقية كامب ديفيد التي اخرجت مصر من ميزان الصراع العسكري مع اسرائيل ، تلاها غزو اسرائيل لجنوب لبنان واحتلال اسرائيل اول عاصمة عربية عام 1982 ، ثم اخترقت سلسلة الانحدارات طبقة قيعان اخرى اثر العراقي للكويت سنة 1990 ، ثم ما تلاه من كوارث نراها الآن ولا حاجة لتعدادها.

 

بعض جوانب الاجابة يمكن تلمسها على أكثر من مستوى من المستويات التي تنامت وترسخت وتكاملت في ما بينها خلال عقود دولة ما بعد الاستقلال وانتجت بنية ونظاما أصبحا مغلقين على كل احتمالات التغيير سواء الداخلي التدريجي ، او الخارجي الجراحي. وتكاد تنطبق هذه المستويات أدناه على "العرب" كمجوعة بشرية في هذه الحقبة الزمنية من التاريخ ، وعليهم كدول وشعوب منفصلة ومستقل بعضها عن البعض الآخر. وان قيل بأنه من غير الموضوعية والعلمية افتراض انطباق هذه المستويات على كل بلد من البلدان العربية بسبب اختلاف ظروفها ومكوناتها ، فان ما يمكن أن يُقال أيضا أن الاختلافات في تلك الظروف ، وعلاقتها مع النقاش هنا ، لا تصل الى درجة الفروقات الجوهرية المانعة لانطباق النموذج التفسيري. تشمل هذه المستويات والعوامل الثقافة الفكرية والسياسية السائدة ، ونمط الحكم السائد متثملا في الاستبداد وغياب الديموقراطية ، ونمط المعارضة السائد ، ويتمثل في الموجة الاسلاموية ثقافة واخافة ، ومستوى الاستقطابات الاقليمية حيث استنزاف الجهد في تنافسات المحاور ، ثم مسؤولية الشعوب وسيادة باللامبالاة وتراكم الاحباط ، واخيرا مستوى العوامل الخارجية متمثلا في السياسات الغربية واسرائيل.

 

لا تحتمل عجالة صحفية استنطاق كل تلك المستويات والعوامل لهذا ستتوقف عند العامل الأول والمتعلق بنوع وطبيعة الثقافة السياسية والفكرية السائدة. وهنا نجد انماطا مسيطرة من الثقافة السياسية السطحية هي التي تخترق معظم الشرائح في العالم العربي سواء أكانت على مستوى الجمهور العام ، أم على مستوى النخب والقيادات ، وتعيق عملية هضم واستيعاب المشكلات على أسس عقلانية ، وبالتالي تمهيد الوصول الى حلول عملية. ومن المكونات الهامة لهذه الثقافة تبرز الى الواجهة الشعاراتية والطوباوية والحنين الى ماض تليد وتسيّد عدم الواقعية. فعوضا عن مواجهة الحاضر الصعب والمرير هناك حضور شبه كامل لسيكولوجيا مدمرة موزعة بين الماضي والمستقبل. فمن ناحية اولى يستحوذ الماضي والعودة اليه والتغي بأمجاده على المخيلة العربية ، وصورة هذا الماضي مُتخيلة أيضا وهي ليست واقعية اذ تُنسج لوحة زاهية ومُشرقة وخالية من العيوب ، وجزء كبير من ذلك سببه مناهج التعليم التي تتفادى التعرض للمراحل المظلمة والخلافية في الماضي العربي والاسلامي بما يقود الى بناء صورة بالغة المثالية تجعل اي مقارنة مع الحاضر ، سواء الخاص بالعرب أو حتى الغرب ، عملية مرفوقة بتفاخر عريض واحباط أعرض بسبب عدم امكانية تحقيق المثال والنموذج المُختيل السابق.

 

لكن الشلل الذاتي المرافق لنسج صورة ذهبية عن الماضي لا يتوقف عند لجم آليات التأثير الفعلي والنسبي والتدريجي في الحاضر ، بل يطال المُستقبل وشكل "النهضة الجماعية" التي يتوق اليها الافراد ونخبهم ، حيث يتم التنظير لتلك النهضة والخروج من المأزق من منظور ماضوي يعيد انتاج التاريخ المنقضي (الذهبي) على شكل مشروع مستقبلي. ويرافق هذه العملية الذهنية التي تتكون في اللاوعي الجمعي وتنعكس في الخطابات السياسية والفكرية والدينية كسل فكري وسياسي مريع واطمئنان خادع بأن "المستقبل لنا" وأن كل ما نواجهه في حاضر اليوم سوف ينتهي ان آجلا أم عاجلا ، لأن مستقبلنا "المشرق" سوف يكون استكمالا لماضينا الزاهر. بذلك يكتمل فعل سيكولوجيا الهروب الجماعي من الواقع باتجاهين ، واحد باتجاه الماضي والتغني به ، وثان باتجاه المستقبل والأمل به ، فيما يتم استرذال الحاضر ومشكلاته وقضاياه باعتباره مرحلة ظرفية عابرة تتسم بالانحطاط والتفكك لكنها وقتية. وهذا كله لا ينتج عقلية براغماتية وعملية تواجه بوضوح التحديات التي يتعرض لها الفرد أو المجموعة ، وتجترح حلولا لها ، ولا تقبل أن تنام عليها أو أن تتركها برسم التصدير للمستقبل أو الاهمال العام بما يزيد من تعفنها ويفاقم من تأثيراتها المدمرة ويوسعها.

 

لكن عامل الثقافة السياسية لم يكن ليشتغل بآثاره المدمرة لو لم تعاضده العوامل الأخرى المذكورة في مقدمة الكلام هنا. وهذا التعاضد قاد الى وضع بالغ الصعوبة حتى لا نقول اليأس معلمه الأساسي استعصاء القضايا الاستراتيجية الكبرى على الحلول الناجعة. وما لم يتم الشروع جديا في تفكيك هذه المستويات واحدا اثر الاخر ولو على المدى الطويل فانه من غير المتوقع ان تبدأ أية معضلة كبرى من العيار الاستراتيجي بالتفكك. وهذا من دون أن يعني ذلك فرض علاقة شرطية استباقية تؤجل حل الكثير من القضايا الى ما بعد تفكيك المعيقات البنيوية التي تحبط القدرة العربية على المستويات المختلفة. بل ان العلاقة تلازمية اذ يمكن أن تشتغل الآليتان بالتوازي وفي ذات الوقت وتدريجيا ايضا: أي ان تفكيك مستويات الاعاقة الاستراتيجية يوازيه انجاز في حل القضايا المُستعصية.

========================

خيبة العرب السنة في العراق من العملية السياسية

ياسر الزعاترة

الدستور

22-11-2010

منذ البداية ، لم نكن من المتفائلين بمشروع القائمة العراقية الذي وقفت خلفه دول عديدة في المنطقة كمحاولة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق ، وكمحاولة لإحداث حالة من التوازن السياسي في معادلاته الداخلية. وقد حدث ما توقعناه على صعيد تطورات ما بعد الانتخابات.

 

لم نتفاءل لأن الجزء الأساسي من تلك المعادلات قد استقر خلال سنوات ما بعد الاحتلال على نحو صار من الصعب تغييره من دون جهود جبارة ، ومن دون تدافع أهلي أكثر قوة وشراسة ، بل من دون معادلة عربية وإقليمية مختلفة ، والخلاصة أن سنوات ما بعد الاحتلال قد صنعت حقائق ليس من السهل تغييرها.

 

أولى تلك الحقائق تتصل بالمحاصصة السياسية ، حيث تم حشر العرب السنة في دائرة العشرين في المئة منذ مجلس الحكم وما تلاه من محطات سياسية بسبب سياسة الحزب الإسلامي ، الأمر الذي وقع تكريسه عبر توزيع مقاعد البرلمان على المحافظات ، فضلا عن الجانب المدني من الدولة بسائر مؤسساتها.

 

ثاني تلك الحقائق تتصل بالبعد الأمني والعسكري ، فخلال سنوات ما بعد الاحتلال تمكنت القوى الشيعية القريبة من إيران ، بخاصة حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي ، ومن استقطبهم تاليا من خلال المصالح والمكاسب ، تمكن هؤلاء جميعا من السيطرة على المؤسسة الأمنية والعسكرية التي يعلم الجميع أن من يسيطر عليها هو الذي يسيطر عمليا على مقدرات أي بلد.

 

في سياق الظروف الموضوعية التي أضعفت العرب السنة ، ولا زالت قائمة إلى الآن ما يتصل بضعف الوضع العربي مقابل قوة الموقف الإيراني ، ففي حين تمكنت إيران من دفع جماعتها نحو صلب مواقع القوة في عراق ما بعد الاحتلال ، كان الوضع العربي يعيش هاجس إرضاء الأمريكان الذين كانوا يحاصرون العرب السنة من أجل وقف مقاومتهم ، بينما لم يمنحوهم من العملية السياسية سوى ما يمنحها الشرعية ، وبالطبع خشية إغضاب الشيعة ودفعهم نحو المقاومة المدنية والمسلحة.

 

ضمن هذه المعادلة وجد الأمريكان أنفسهم أسرى الإرادة الإيرانية ، وكان عليهم أن يسترضوها حتى لا تنقلب في وجوههم ، ومعلوم أن غضب الشيعة لا يوازيه غضب العرب السنة الذين مارسوا أقصى ما يستطيعون من ضغط مسلح ، بينما سيكون بوسع الشيعة ترتيب عصيان مدني مشفوع بعمل مسلح قد يكلف الأمريكان خسائر باهظة ، وربما هزيمة فاضحة.

 

وفيما تمتع الشيعة بالمرجعية الإيرانية التي تدير تناقضات قواهم على نحو معقول (الشارع الشعبي الشيعي لم يكسب كثيرا من هذه المعادلة) ، عاش العرب السنة اليتم السياسي ، أولا على الصعيد الداخلي بسبب رموز قيادية ضعيفة ومبتدئة في عوالم السياسة ، فضلا عن دوران أكثرها في فلك المصالح الشخصية ، وقد تأكد ذلك مؤخرا عندما اختلف رموز القائمة العراقية على كعكة المصالح ، الأمر الذي مكّن الطرف الآخر من تفتيتها وإعادتها إلى معادلة جبهة التوافق بقيادة الحزب الإسلامي خلال الدورة السياسية (البرلمانية) الماضية. وثانيا على الصعيد العربي ، وحيث تعيش مصر هواجس التوريث ، الأمر الذي حجّم نفودها في المنطقة بعد ارتهانها للضغوط الأمريكية ، فيما لم تغادر السعودية هواجس ما بعد هجمات أيلول وتهم الإرهاب التي حجمت حضورها (رفض المالكي دعوتها للقاء مصالحة على أرضها دليل على ذلك). أما سوريا فقد اكتفت بإفشال مشروع الغزو الأخطر عليها ، وارتضت بعد ذلك بترتيب مصالحها مع المالكي ، لاسيما أن علاقتها مع إيران أكثر من حيوية. وتبقى تركيا التي ساندت القائمة المذكورة بقوة ، لكن ضعف حكومة أردوغان أمام الضغط الأمريكي الغربي الذي تصاعد لصالح الدولة العبرية إثر معركة أسطول الحرية وما تلاها من تصعيد تركي ، هذا الضعف لم يمنح أنقرة فرصة إفشال أو تعطيل مشروع تولية المالكي ، وأقله منح القائمة العراقية حصة أكبر من الكعكة السياسية. ولا شك أن الأكراد كانوا حاضرين هنا بعلاقتهم الثأرية مع تركيا وحرصهم على إفشال تدخلاتها في الشأن العراقي.

 

في ضوء ذلك كله ، لم يكن بوسع القائمة إياها أن تمنح العرب السنة أملا جديدا بالعملية السياسية ، وتركتهم أسرى حالة اليتم التقليدية ، لاسيما أن مقاطعة العملية والاكتفاء بالمعارضة ليست واردة عند أكثر رموزها ، لأن أغلبهم كما قلنا يدورون في فلك مصالحهم أكثر من أي شيء آخر.

 

لا يُعرف على وجه الدقة كيف سترد هذه الفئة من الشعب العراقي على معادلة التهميش التي تأكدت من جديد. هل سيعود أبناؤها إلى المقاومة واحتضان القاعدة من جديد ، بما يعني دورة عنف جديدة لا يعرف مداها ، أم سينتظرون وضعا عربيا وإقليميا جديدا يساعدهم على الخروج من المأزق. هذا ما ستجيب عليه المرحلة المقبلة.

========================

بفضلي لا ترون عربا هنا

تسفرير رينات

هآرتس 21/11/2010

2010-11-21

القدس العربي

لا يزال استعمال مياه الينابيع ذا أهمية وجودية للمزارعين الفلسطينيين، لكنه في المدة الاخيرة تصبح ينابيع كثيرة وراء الخط الاخضر، وبمبادرة من المستوطنين، مواقع سياحية لا يصلها الفلسطينيون في واقع الامر. فقد نصبت بجوار ينابيع كثيرة لافتات مع اسماء جديدة في العبرية واصبحت بعض الاماكن مواقع تخليد للمستوطنين الذين قتلوا في أعمال ارهابية أو زمن خدمتهم العسكرية.

يستطيع من يسافر اليوم في شوارع السامرة ان يلحظ في أماكن كثيرة لافتات باللون البني عليها اسم عبري لينبوع قريب. ومن المعقول افتراض ان يظهر هذا الاسم في قائمة مواقع 'طريق الينابيع' التي تشتمل عليها خريطة المواقع السياحية لمجلس اقليمي مثل ماتيه بنيامين الواقع جنوبي السامرة.

في منطقة مستوطنة تلمون التي يمكن دخولها بعد المرور بأبواب عليها حراس، نصبت في المدة الاخيرة لافتة موجهة الى موقع يسمى 'عينوت تال'. زمن زيارة هذا الموقع ظهر مستوطن مع قطيع ماعز زعم أنه مسؤول عن الارض ويجب أن تنسق كل زيارة معه. وأضاف: 'بفضلي لا ترون عربا هنا'. وفي ينبوع مجاور، ضم الى قائمة المواقع السياحية، بُيّن لسكان المنطقة غير اليهود انهم غير مرغوب فيهم بوساطة لافتة كبيرة على مبنى مجاور كتب فيها 'الموت للعرب'.

بحسب تحقيق اجراه درور اتكس، الذي يبحث منذ سنين في البناء في المستوطنات، يوجد اليوم 25 ينبوعا على الاقل يجري عليها تطوير سياحي. 'منع وصول الفلسطينيين الى هذه الينابيع، وتوجد عشرات ينابيع اخرى علمها المستوطنون على أنها هدف للسيطرة'، يزعم.

ان بعض الينابيع هي تأليف بين موقع سياحي وموقع تخليد. ففي ينبوع البطولة 'عين عريك' لافتة تخلد اثنين من سكان المستوطنة المجاورة عاليه قُتلا في عملية. 'في المكان الذي قطعت فيه الحياة ستنمو حياة جديدة'. كتب في اللافتة، 'الماء سينشىء الحياة ويروي الارض ويزهرها. سنستمر على البناء والانبناء'. في زيارة للمكان، تمت فيه نزهة لمجموعة امريكيين مسيحيين أتوا للعمل في مستوطنات في المنطقة. وأصبح ينبوع مجاور يسمى 'عين عز' موقعا لتخليد هرئيل عز وهو من سكان احدى المستوطنات قتله فلسطينيون. 'وهب نفسه لخلاص التلال في جبال السامرة، وسار في سبل البلاد'، كتب عن عز في لافتة التخليد، وغرس المستوطنون في المكان بستانا وصور في الجدار الحجري شمعدان البؤر السبع.

وضعت في مواقع كثيرة طاولات ومقاعد للمتنزهين. في واحد منها، عين عمشة المجاور لمستوطنة براخا، التي هي جزء من المجلس الاقليمي للسامرة يوجد اليوم 'برك غمس للارجل'، واحدة للرجال فقط وواحدة للنساء فقط. ومهدت طرق لوصول بعض المواقع، وانشئت برك جديدة ورصف بعض الارض لجعلها أبهى للزيارات. ينبغي أن نذكر أن أكثر الينابيع التي نتحدث عنها ليست انبجاساً طبيعيا للماء فقط بل هي جزء من نظام زراعي قديم يشتمل على برك وقنوات يسير فيها الماء الى اراضٍ يفلحها فلسطينيون.

'ان السيطرة على الينابيع مع منع الفلسطينيين من الوصول إليها تعبير واحد فقط عن مسار واسع يقوم به المستوطنون بدعم كامل من الدولة'، يزعم أتكس. 'يحاولون ان يمتلكوا نقاط ذكر ذات قيمة تاريخية ومناظر طبيعية خاصة كمحميات طبيعية ونقاط مراقبة ومواقع أثرية'.

طُلب الى متحدث الادارة المدنية ان يتطرق الى الوضع في أربعة مواقع ينابيع حدث فيها تطوير سياحي واسع على نحو خاص، عين عمشة، وينبوع البطولة، وعين عز وعين مئير قرب نافيه تسوف. بحسب ما قال المتحدث، تمت اعمال البناء ونصب اللافتات في هذه المواقع خلافا للقانون ولذلك تم الاخذ باعمال تطبيق للقانون وفي حالة ينبوع مئير ازيلت اللافتات. كذلك وزعت أوامر وقف عمل في عدة ينابيع تمت فيها أعمال بناء غير مرخص. لم يكن كما يبدو لاعمال فرض القانون التي تناولتها الادارة تأثير كبير لان جميع المواقع التي نتحدث عنها مليئة في هذه الايام بلافتات ومبان انشأها المستوطنون.

يزعم متحدث الادارة أنه لا تعلم مشكلة في وصول المزارعين الفلسطينيين الى مناطق الينابيع. ذكروا في الادارة والجيش ان منطقة عين مئير اعلنت بانها منطقة عسكرية مغلقة في ايام الجمعة بسبب مظاهرات تمت في المنطقة. الحديث عن مظاهرات فلسطينيين على ما يرونه سيطرة للمستوطنين على ينبوع استخدموه للحاجات الزراعية.

جاء عن المجلس الاقليمي ماتيه بنيامين ردا على ذلك: 'يوجد في السنتين الاخيرتين تطوير عظيم في مجال السياحة. وكجزء من خطط تطوير وزارة السياحة والمجلس، نرمم أيضا ينابيع راكدة ونجعلها مواقع سياحية بهيجة. ليست الينابيع ملكا خاصا للمجلس وهي مفتوحة للجمهور العريض. لاسباب أمنية واضحة وعلى اثر عمليات حدثت في الماضي، لا يمكن الجيش العرب من الوصول إلى الينابيع الواقعة قريبا جدا من المستوطنات. اما ينابيع اخرى فهي مفتوحة يمكن للجميع الوصول إليها'.

جاء عن وزارة السياحة، في مقابلة ذلك، ان الحديث عن مبادرة محلية للسلطات في يهودا والسامرة لا تشارك في تمويلها او تسويقها. 'تبارك الوزارة كل مبادرة تفضي الى زيادة حجم السياحة الداخلة او السياحة الداخلية، بشرط أن تتم بحسب القانون'، ورد في رد الوزارة. جاء عن متحدث الجيش الاسرائيلي ردا على ذلك ان الجيش لا يمنع مجيء المواطنين الفلسطينيين او الاسرائيليين الى الينابيع الا في حالات يكون فيها منع دخول مواطنين اسرائيليين المناطق أ والفلسطينيين مناطق البلدات اليهودية. مع ذلك، وبحسب التطورات الامنية، توجد حالات يجري فيها فحص من جديد لمنع الاحتكاك بين السكان في المنطقة.

========================

في الذاكرة القطيعية وأصل الاستبداد..

مطاع صفدي

2010-11-21

القدس العربي

كيف يمكن للإنسان العربي أن يخلع عن ذاته هموم أمته. وهل لا يزال يوجد حقاً ذلك الإنسان أم أنه أمسى تمثالاً من الشمع في متحف الماضي، إلى جانب تماثيل رموز أخرى عفا عليها زمن الذاكرة القطيعية السائدة هذه الأيام على وجه البسيطة، دونما تمييز بين حضارات متقدمة وأخرى متخلفة. فمن لا يقول بعد أحداث العقد الأول من هذا القرن الحالي، الواحد والعشرين، أن العالم يرتد إلى الحالة القطيعية جملةً وتفصيلاً. وأن العصر الإنساني الراهن تكاد تقوده أقليات البشر من نخب القوة المسيطرة، بوسائل العنف المطلق، المميزة لهذا الزمن، وهي المال والتكنولوجيا والعسكر؛ فقد أصبح التلاعب المعاصر بالذاكرة الجمعية السوية يتخطى حدود المجتمعات القومية، إلى أوسع مدى بشري. لم تعدْ أرقى هذه المجتمعات قادرة على اختيار أفكارها وأذواقها ونماذج سلوكها، بناء على وعيها الذاتي وإرادتها الشخصية. فقد تمّ محو الذاكرة الجمعية، وتحويلها إلى مجرد ذاكرة قطيعية فاقدة لفرديتها وهويتها وإنسانيتها؛ بحيث تعتبر أسوأ وأدهى منتوج لنموذج الحضارة الاستهلاكية، أخطر ما فيها أنها لا تبطل ثقافة الاختلاف فحسب، بل تقضي على أساس الإحساس بضرورته، وبذلك تضمن لذاتها فعالية السلطة والاستمرار إلى ما لا نهاية، إذ يغدو المجتمع مجرد عجينة تتقولب وتتجدد من فتات خبزها الفطير دون سواه.

يُعزَى عادة للذاكرة الجمعية خصائص إيجابية أكثر منها سلبية. فهي الحافظة لأمجاد الماضي وخلاصة دروسها المستفادة، وهي المسؤولة عن تأصيل جذور كل حاضر يولد تحت هالتها. فلا تقتصر وظيفتها فقط على تغذية الديمومة الشخصية الذاتية للشعب وتميزها عن سواها، لكنها في أحسن أحوالها، لا تجعل من تراثها عقبة لا يمكن تجاوزه نحو ابتكار التراث الآخر الذي يأتي به حاضر جديد، ومستقبل آخر مجهول. عليها أن تظل حية مبدعة، كالتربة الطيبة مستعدة لكل فصل أن تتلقى تجاربه، أمطارَه الغزيرة لتُنبت منها ربيعاً موسمياً مختلفاً. لكن عندما يجف حاضر الشعب، وتجْدُب مواسمه المتوالية، تتصحّر التربة، فلا يعود ينبت منها إلا الشوك والعوسج وحدهما.

ما يغطي صحارى الوطن العربي هما: الشوك والعوسج معاً؛ ليست هذه لوحة سريالية أو خيالية مرضية، لكنها صورة مجازية قد ترمز إلى حال البطالة الحضارية التي تؤول إليها مختلف تجارب النهضة المعاصرة، بالرغم من مظاهر وأعراض كثيرة، وقد تخلّف انطباعات خادعة مغايرة لواقعها الفعلي. ولعل السبب المباشر الذي يتمسك به عادة المثقفون العرب في تعليل هذه المحصّلة البائسة، هو العجز المستديم عن تغيير واقع الاستبداد الدولتي المسيطر على جل أقطار العرب. إذ فشلت (نضالات) الأحزاب المعارضة، والتيارات الأيديولوجية معاً في تجاوز طبيعة سلطة الحكم الواحدة المستمرة، ما وراء عناوينها الملكية والجمهورية والقبلية. حتى يبدو أن (شكل) هذه السلطة قد أثبت أنه من المتانة والتجذّر في أرضه، وفي مجتمعه، بحيث تظهر كل حركات المعارضة له، كما لو كانت أجنبية غريبة، وبالتالي عارضة وزائلة، وقد تعزّز من أصوله وجذوره، وتجدد فعاليته. فاليأس من تغيير طبيعة قمة الهرم، يبقى على أحجار كيانه المنخورة، كما كانت في خطة هندسته الأولى.

القول القديم أن النهضة المغدورة هي المدخل الإجرائي إلى النهضة الفاشلة، قد يجعل من الصيغة الأولى مُبَرّأة إلى حد ما مما يُفعل بها من وراء ظهرها؛ وأما الصيغة الثانية فهي تصوّب عليها حكماً بالإدانة، تتحمل هي وحدها مسؤوليتها. وفي الواقع يبقى هناك سؤال الحقيقة هكذا، بالنسبة للصيغة الأخرى: ما هي أعراض الفشل، وبالتالي ما هي أسبابها ونتائجها. كل ذلك يتطلب ابتكار وتنظيم ثقافة جديدة قائمة بذاتها، لتتولى استيعاب عصر تدوين معاصر آخر، يشتغل على استخلاص نصوص الفكر من نص المايحدث التاريخي، بوصفه هذا النوع من الحدث الذي تنقضي وقائعه دون أن تنقضي عواقبه بعده.

هذا الجهد الكبير الاستثنائي قد لا يفيه حقّه جيلٌ من المثقفين الملتزمين، المخضرمين بين زمن لما قبل التدوين، وزمن التدوين عينه، لكن اللحظة الراهنة هي الأصعب في مشروع التدوين، لكونها هي لحظة استشعار بخطر انزلاق الذاكرة الجمعية المتميزة في سديم الذاكرة القطيعية التي تداهمها، لتبدل أحداثها وتسترق معانيها بأضدادها، أو بمسوخها الشوهاء؛ فالنهضة الفاشلة سوف تعتمد في تربيتها لأجيالها مرجعيات القيم والمفاهيم، مستمدةً من خزائن الذاكرة القطيعية الغبراء، وذلك ضداً على إرهاصات تبشيرية بعصر تدوير آخر مختلف. فالألحان الجديدة لا تطرب الآذان الصماء، كما ان العيون المطفأة لا تميز بين الليل والنهار. تلك أمثلة شائعة. لكن المشكلة في كل ما هو تسجيل قطيعي أنه لا يسمح إلا بقراءة المجاميع من الناس، سابقةٍ على تهجية الأفراد لدلالاتها أو مانعة لها.

عودة السيطرة الثقافوية للذاكرة القطيعية في الفضاء الجماهيري العام لا تعيق التبشير بعصر تدوين جديد، إلا يسبب خشيتها أن تكون هي موضوعَ مساءلته الأولى عن ذاتها، عن مدى أحقية عودتها من ما وراء الزمن، وممارسة آليات فعاليتها في إحباط وعوده المتنظرة، وكيف لها أن تبرّر وتسوّغ ممارستها اليومية في إنتاج البطالة الحضارية، ودعم حراسها معها حيثما تقوم معابد أوثانها الحجرية في كل مكان منسحب مقدماً من العصر؛ تلك هي جدلية النهضة مع كل من الذاكرتين، الجمعية السوية التي سوف تنطق باسمها نخبة التنويريين، وتلك الأخرى الذاكرة القطيعية التي تجتر آمريات الطقسنة الماضوية، وقد أعيد تعليبُها وتجديد قوننتها باحدث وسائل التحشيد والتعبئة للعقول والأفعال والمواقف. والهدف واحد دائماً في زمن البطالة الحضارية، يتلخص في منع الولادة الطبيعية للحرية من رحم التطورات الذاتية للمجتمع الناهض. وقد يتكرر هذا المنع طيلة المسيرة النهضوية بفعل قوى الخارج، حتى يغدو المنع من قبل الغير امتناعاً من تلقاء الذات أو المجتمع، ضد نفسه.

لا يصح التعلل دائماً بأن أنظمة الاستبداد كانت وستظل أقوى من شعوبها في العالمين العربي الإسلامي. ذلك أن التسلط في قمة الهرم، إنما يستمد هندسته المتعالية من دونية قاعدته. فالنظام والمجتمع متكافلان في تغذية التباسية الاستبداد ما بين دوريهما؛ فليس مقبولاً تعريف هيجل للمجتمع الشرقي، كونه مجتمعاً كله من العبيد، والسيد الحر الوحيد فيه هو حاكمه فقط. كان الأجدى عدم استثناء الواحد الحاكم. فهو الأشد عبودية لاستبداده لأنه لم يعد يملك خياراً آخر سواه، في حين قد لا يفقد العبد الأمل في تحطيم قيوده يوماً ما. هذا إذا استطاع شعاع تنوير ما أن يخترق جمجمة المستعبد، ويطلق عقله من أغلال الذاكرة القطيعية التي تفقده بداهته، كلما قرأت عليه تراتيل القدسيات الآتية من ما قبل التاريخ.

فالخاصية القطيعية منفعلة وفاعلة بما يأتيها من خارجها، حتى يصير (الشيء) الخارجي منبثّاً في خلاياها. فكما هي طائعة طيّعة لأوامر الماضي، فإنها قابلة لكل تلعيب جديد، قد لا ياتيها دائماً بصيغة الأمر المنجز. بل غالباً ما تكون له براعة الإيصال، والاندساس في فراغ تلك الذاكرة الخالية أصلاً من كل إرادة أو مقاومة واعية لما يُراد لها ويُفعل بها. بالمقابل يخوض التنويريون عبثاً معارك البحث عن مداخل نادرة إلى ما وراء صروح هذه الذاكرة القطيعية، لعلهم يتعرفون إلى بعض أسرارها، ويتعاملون مع بعض رموزها أو مفرداتها؛ لكنهم سريعاً ما يكتشفون أنه ليس هناك حقاً صروح جبارة قائمة هنا وهناك، وليس وراءها كائنات ناطقة فعالة. ثمّة عالم طيفي، أو مساحة شاسعة تتطاير في أجوائها أطياف عابرة هائمة، ليس ثمّة لغة مشتركة تُحكى معهم، سوى حفيف أجنحة شفافة، لا لون لها ولا مسار لانطلاقها. إنه عالم طيفي فحسب!

هل حان الوقت ليضع التنويريون ذواتهم موضع الفحص والسؤال والتفكيك، بدلاً من الاستغراق، طيلة منعطفات النهضة المغدروة التي تصير نهضةً فاشلة، في ابتكار التنظيرات حول مجتمع العدالة والحرية والمساواة، الموعود وغير الموجود لا اليوم ولا الغد المعروف. هل كان التنويريون أطيافاً، لاعبين آخرين في فضاء لا إسم ولا مكان له عندما اعتقدوا أن الاستقلال الوطني هو باب الحرية الصانعة للنهضة؛ لعلهم لم يأخذوا على عاتقهم الهم المبدئي المُسمّى 'صناعة' الحرية. فهي ليست لُقيا معلّقة على شجرة الاستقلال. إنها الصناعة الوحيدة الملتصقة بصانعها؛ فإن انفصلت عنه ارتدّ صاحبها عبداً، وانتكست هي إلى مجرد أسطورة مثالية.

الحرية هي البشر الذين يصيرون بشراً أحرارا،ً قبل كل مؤسسة إن كانت الدولةَ أو الحزبَ أو الأيديولوجيا، وحتى الطبقة. لكن الذاكرة القطيعية هي التي تريح شعبها من هم الحرية، تمنحه تعويضاً عنها، نعمةَ الطاعة لأُوَلي الأمر، داخل ذوات أفراده، قبل أن يكونوا حكّاماً شخصانيين في قمم السلطات العامة.

وإلى آخره من تَرَنُّح الفكر بين شاطئّيْ نهضة مغدورة بأعدائها المعروفين، وأخرى نهضة فاشلة بأبنائها وأدعيائها.

' مفكر عربي مقيم في باريس

========================

الإرهابي ينال ما يستحقه!

موريس ديفيس

الشرق الاوسط

22-11-2010

واشنطن - انتهز منتقدو قرار الرئيس أوباما بمحاكمة معتقلي غوانتانامو أمام المحاكم الفيدرالية بالحكم الصادر في قضية أحمد جيلاني، وساقوه كدليل على الفشل الذريع للمحاكمات الفيدرالية. ودعا ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، في أعقاب قرار هيئة المحلفين يوم الأربعاء بإدانة جيلاني بتهمة واحدة فقط في قضية تفجير سفارات داخل أفريقيا عام 1998، الإدارة الأميركية إلى «الإقرار بخطئها وإعطاء تطمينات بشأن محاكمة الإرهابيين في إطار نظام اللجان العسكرية من الآن فصاعدا».

وجاء الحكم بإدانة جيلاني بالتخطيط لتفجير مبان تابعة للحكومة الأميركية وتبرئته من 284 تهمة أخرى مفاجئا للكثيرين، لكن هذا لا يبرر السماح للخطاب السياسي، مثل خطاب السيناتور ماكونيل بأن يتجاوز الواقع.

وحقيقة الأمر، أن الادعاء تلقى ضربة قوية عندما رفض قاضي المحكمة الفيدرالية بمانهاتن، لويس كابلان، السماح للشاهد الوحيد، الذي يمكن أن يثبت الصلة بين جيلاني والمتفجرات التي استخدمت في التفجيرات، بالإدلاء بشهادته. واتخذ القاضي هذا الموقف نتيجة زعم جيلاني أنه كشف عن هوية هذا الشاهد بعد خضوعه لتعذيب على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لم يطعن الادعاء ضد هذا الزعم، بل أوضح أن تحديد هوية هذا «الشاهد المهم بالنسبة إلى الحكومة» لم يكن يرتبط إلى حد بعيد بالتحقيق مع جيلاني.

ولم يوافق القاضي كابلان على هذا، وقال إن الأميركيين لا يمكنهم تحمل السماح للخوف بأن «يطغى على المبادئ التي تقوم عليها دولتنا»، وأضاف أن أي قاض بلجنة عسكرية سيصل إلى النتيجة نفسها ويحظر الإدلاء بتلك الشهادة إذا كانت أمامه الملابسات نفسها. وقد سفه كثيرون من هذا الزعم، حيث أصر بيتر كينغ، النائب الجمهوري عن نيويورك، على القول بأن القاضي كابلان حكم على القضية بـ«الإخفاق». لكن نظرة على السجلات توضح أن تقدير القاضي كابلان للقرار، الذي كان من المحتمل أن يتخذه قاضي لجنة عسكرية، كان على أساس سليم.

ومن أمثلة ذلك، قضية محمد جواد، المراهق الأفغاني الذي واجه تهمة الشروع في القتل بسبب إلقائه قنبلة يدوية على سيارة أميركية في كابل عام 2002. وفي عام 2008 لم يأخذ الكولونيل ستيفن هينلي، وهو قاض عسكري، بأقوال تثبت إدانته أدلى بها جواد بعد ضربه وتهديد أسرته أثناء حبسه في أفغانستان. وقد أسقطت عن جواد اتهامات اللجنة العسكرية فيما بعد وأرسلته الولايات المتحدة إلى بلده أفغانستان.

ولا نعرف يقينا ما إذا كان القاضي العسكري سيصل إلى النتيجة التي توصل إليها القاضي كابلان، لكن يبدو هذا ممكنا عند النظر إلى قضية جواد. والذين يزعمون أن الحكومة كانت ستحصل على حكم قضائي أفضل بالنسبة إليهم إذا نظرت لجنة عسكرية في القضية، يتجاهلون تلك السابقة.

وعلى أي حال، يواجه جيلاني حاليا إما حكما بالسجن لمدة عشرين عاما وإما بالسجن مدى الحياة، وحتى إن حصل على الحد الأدنى سيكون أكبر من الحكم الذي حصل عليه المعتقلون الأربعة أو الخمسة الآخرون الذين أدينوا من خلال لجان عسكرية حتى الآن. والمتهم الوحيد الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة كان حمزة البهلول، وذلك بعد أن قاطع محاكمته ولم يوكل أي دفاع.

ويعد عمر خضر، المواطن الكندي الذي كان في الخامسة عشرة عند إلقاء القبض عليه، من المعتقلين الأربعة الذين حضروا محاكماتهم العسكرية ويقضون أطول فترة سجن، بعد اعترافه بجريمة القتل. ومع ذلك لن يقضي عمر سوى ثماني سنوات خلف القضبان، مما يعني أن أقل عقوبة بالسجن قد ينالها جيلاني هو ضعف تلك العقوبة. وحكم على سليم حمدان، سائق أسامة بن لادن السابق، بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف السنة في 2008، لكن بعد خصم المدة التي سجن فيها خلال المحاكمة خرج من السجن بعد خمسة أشهر. ولا يوجد أي سبب يدعو إلى افتراض أن حكم اللجنة العسكرية سيكون أشد من أي حكم قد تصدره محكمة فيدرالية.

وإضافة إلى ذلك، ربما يقضي جيلاني فترة العقوبة في السجن الفيدرالي «شديد الحراسة» في مدينة فلورانس بولاية كولورادو، حيث يعتقل مدانون آخرون في قضية تفجيرات السفارة. وفي هذه الحالة سيقضي المزيد من الوقت في الحبس الانفرادي، وسيتمتع بقدر من الامتيازات أقل من تلك التي يتمتع بها المعتقلون تحت أكثر الإجراءات تشديدا في معتقل غوانتانامو.

وموقف الرئيس أوباما لا يحسد عليه عندما يتعلق الأمر بمحاكمة المعتقلين، فأي خيار يتخذه سيواجه بمنتقدين على أحد الجانبين. أتمنى أن يتوقف قليلا ليتأمل ما قاله في إدارة الأرشيف القومي خلال مايو (أيار) 2009: «انتقد البعض محاكمنا الفيدرالية بزعم عدم قدرتها على الاضطلاع بمحاكمة الإرهابيين، وهم مخطئون. تتحلى محاكمنا وهيئات محلفينا ومواطنونا بالحزم الكافي لإدانة الإرهابيين».

لقد حققت محاكمة جيلاني العدالة بكل أمان مع التمسك بالقيم التي تمثل الهوية الأميركية. وينبغي الآن على أوباما أن يتصدى للذين يشيعون الخوف ويريدون أن يعودوا بنا إلى الجانب الخطأ من التاريخ.

* كولونيل سابق في القوات الجوية

==================

علامات الطريق في التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي: الاعتدال الذي لم يثمر

بلال الحسن*

عنوان المصدر:

http://www.al-akhbar.com/ar/node/214373

نقلا عن مركز الحوار العربي

يروي الكاتب تاريخ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وأثر العوامل العربية في تأسيسها، التي جعلتها، برأيه، جزءاً من النظام الرسمي العربي. ويعود إلى بدايات فكرة الحوار مع الإسرائيليين الواردة في برنامج النقاط العشر سنة 1974، التي تطورت لاحقاً إلى التفاوض معهم في سنة 1993. ويعتقد الكاتب أنّ المفاوضات التي بدأت، عملياً، في سنة 1993، ومنحت المنظمة صفة الاعتدال السياسي في الأوساط الدولية لم تثمر، ولم تؤدِّ إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة هي الغاية الأبرز للمنظمة منذ 1974 فصاعداً

نشأت منظمة التحرير الفلسطينية كجزء من النظام العربي. وكانت نشأتها الأولى بقرار من القمة العربية، في أجواء الاستعداد العربي لمواجهة المشروع الإسرائيلي بتحويل مياه نهر الأردن، ومن خلال مشروع عربي مضاد لخطة تحويل الروافد. وأعلنت المنظمة في ميثاق نشأتها (الميثاق القومي الفلسطيني) سنة 1964، أنّ هدفها تحرير فلسطين التي احتلتها الحركة الصهيونية سنة 1948. وحين وقعت حرب حزيران (يونيو) 1967، مُني العرب فيها بهزيمة قاسية، واحتلت إسرائيل كامل الأرض الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة)، كذك احتُلت أراض عربية (سيناء والجولان). ونشأ بذلك وضع جديد كلياً، كان عنوانه الأساسي إعادة بناء الجيوش العربية، والاستعداد عربياً لتحرير الأراضي التي احتلت في 1967، وقد حمل التعبير عنه شعار «إزالة آثار العدوان». وكان أن برزت في سياق ذلك، بين إنشاء المنظمة وهزيمة حزيران (يونيو)، حركة العمل الفدائي الفلسطيني في 1965، من خلال الحركة التي حملت اسم «حركة فتح»، التي أعلنت أيضاً أنّ هدفها هو تحرير فلسطين، لكن من خلال استراتيجيا الكفاح الشعبي المسلح.

كانت نشأة العمل الفدائي الفلسطيني متواضعة عسكرياً وشعبياً، لكن أجواء الهزيمة أوجدت مناخاً شعبياً فلسطينياً وعربياً شديد التحدي والحيوية، توجه نحو فكرة العمل الفدائي وتبناها. وكان أن أتيح لحركة «فتح» أن تتسع شعبياً، وكذلك لتنظيمات فدائية أُخرى أن توجد وأن تتسع. وهكذا وُجدت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل (قبل سنة 1967)، والجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، ومنظمة الصاعقة التي انبثقت من الفرع الفلسطيني لحزب البعث الحاكم في سوريا.

كان المناخ السياسي المسيطر آنذاك ينطلق من شعار التحرير فلسطينياً، ومن شعار إزالة آثار العدوان عربياً، ومن قرار مجلس الأمن 242 الذي يدعو العرب والإسرائيليين إلى التفاوض. وهو القرار الذي اعترفت به الدول العربية المعنية (مصر والأردن ثم سوريا)، بينما رفضت الحركة الفدائية الفلسطينية الاعتراف به...

في ضوء هذا الواقع، بدأ العمل لإعادة بناء الجيش في كلّ من مصر وسورية والأردن، والاستعداد لمعركة «إزالة آثار العدوان». وبدأ العمل دولياً لرعاية تفاوض إسرائيلي ـ عربي بحسب منطق القرار 242، وعبر ما اشتهر آنذاك باسم «مؤتمر جنيف»...

في هذا الوقت، طرأ تغيّر على الموقف المصري بشأن الوضع الفلسطيني. ارتأت مصر أنّ بقاء منظمة التحرير بقيادة أحمد الشقيري لا يلائم توجهاتها، وأنّها (مصر) تحتاج إلى قوة مقاتلة فلسطينية، ذات صفة شرعية، تُسهم في مشاغلة القوة العسكرية الإسرائيلية، لإيجاد مناخ يساعد في عملية إعادة بناء الجيش المصري. فكان أن عملت على استقالة الشقيري، واقترحت على «فتح» أن تتولى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية (ذات الصفة الشرعية). وهذا ما حدث أواخر عام 1968 الذي شهد تعديل الميثاق الذي أصبح «الميثاق الوطني الفلسطيني». وشملت التعديلات ما يأتي: إقرار السيادة على كامل الأرض الفلسطينية، شاملاً بذلك الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة الحمة، وهي المناطق الثلاث الجديدة المحتلة من الأرض الفلسطينية، وكانت مستثناة في الميثاق القومي السابق؛ إقرار استراتيجيا الكفاح المسلح أساساً للتحرير الشامل، مع تسجيل الرفض الفلسطيني للقرار 242. لكن ما يهم هنا أنّ منظمة التحرير استمرت جزءاً من النظام العربي، وأنّ الحركة الفدائية جاءت إلى قيادة منظمة التحرير برغبة ورعاية عربية. وأصبحت بدورها جزءاً من النظام العربي، تتفاعل معه، وتتأثر به، من دون أن يعني ذلك التبعية السياسية.

نشوء فكرتَيْ الكيان والحوار

منذ وقت مبكر جرت اتصالات بين فصائل فدائية وجهات إسرائيلية، بادرت إليها حركة «فتح»، ثم الجبهة الديموقراطية (نايف حواتمة). وكانت تلك الاتصالات تقوم على قاعدة الاتصال بالقوى الإسرائيلية الرافضة للصهيونية. لذا، كان الاتصال بأشخاص من منظمة ماتسبين الإسرائيلية ذات التوجه التروتسكي.

وطُرحت منذ وقت مبكر فكرة إنشاء كيان فلسطيني، لكن من طريق تحرير فلسطين. واتخذ هذا الطرح صيغة «إنشاء كيان فلسطيني فوق كل أرض تُحَرَّر»، وكان يبتعد بذلك عن فكرة الحوار مع المحتل الإسرائيلي...

وحين وقعت حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، بادرت حركة «فتح» ومعها الجبهة الديموقراطية، إلى طرح برنامج النقاط العشر على المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر الذي عقد في القاهرة بين 1 و6 حزيران (يونيو) 1974. وقد تعرّض المشروع لنقد واسع داخل المجلس، لكنه أُقرّ. كان البرنامج يدعو إلى «إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي تُحَرَّر».

لكنّه كان يفسح في المجال أيضاً لإجراء القيادة الفلسطينية الاتصالات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وهو ما عبّر عنه البند العاشر. فورد فيه: «تضع قيادة الثورة التكتيك الذي يخدم ويمكّن من تحقيق هذه الأهداف». وكان هذا البند الذي يسمح بـ«التكتيك»، أي بالاتصالات والإجراءات اللازمة، هو جوهر الموضوع الذي تريده القيادة الفلسطينية. وكانت تلك أول إشارة رسمية تصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية، في اتجاه اتباع «تكتيك» مع قوى وشخصيات لا بد من أن يكون بينها بالضرورة شخصيات إسرائيلية.

نشأ في مواجهة هذا البرنامج تياران فلسطينيان، داخل الإطار الشعبي، وداخل إطار منظمة التحرير: تيار يؤيد هذا النهج المرحلي، والثاني يرفضه ويصر على هدف التحرير الشامل. وعبّر هذا التيار عن نفسه بنشوء «جبهة الرفض»، وكان هذا أول انقسام يتخذ صفة الفعل...

الممثّل الشرعي الوحيد

في سنة 1974، على أثر مؤتمر القمة العربي في الدار البيضاء، عُدّت منظمة التحرير الفلسطينية «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني». ثم توافق العرب، مستندين إلى نتائج حرب 1973 وتأثيراتها في الساحة الدولية، على العمل كي يُدعى ياسر عرفات إلى إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان لهم ما أرادوا. وألقى عرفات كلمته الشهيرة أمام الجمعية العامة، متحدثاً لأول مرة باسم شعب فلسطين. ثم ختم كلمته بشعار ذي دلالة سياسية في اتجاه احتمال التفاوض، حين قال: «لقد جئتكم، يا سيادة الرئيس، بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر».

لكن المسار العربي ما لبث أن دخل في مأزق من نوع آخر، وانعكس ذلك على منظمة التحرير الفلسطينية بنحو سلبي للغاية. فقد وجدت نفسها في مواجهة خيار التفاوض، إلّا أنّه التفاوض الذي فرضته عليها قوى صديقة أحياناً وعدوة أحياناً أُخرى، وكان ذلك عبر التطورات الآتية:

أولاً: الحرب الأهلية اللبنانية...

ثانياً: جاء التطور الأخطر والأبرز من مصر، حين بادر الرئيس أنور السادات إلى زيارة إسرائيل، وعندما أجرى مفاوضات كامب ديفيد، وعقد معها معاهدة السلام (1979)...

ثالثاً: في أجواء اتفاق كامب ديفيد، وفي أجواء خروج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل، شنّت هذه الأخيرة حربها على لبنان (1982)، بهدف القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية فيه. وقد أدت هذه الحرب عملياً إلى خروج حركة المقاومة ومعها منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس، حيث واجهتا عزلة سياسية عربية ملحوظة. ورافق خروج الفلسطينيين من لبنان إعلان «مبادرة ريغان» الأميركية، التي وضعت إطاراً محدداً لمسار التفاوض يقوم على ما يأتي: أن تتخلى منظمة التحرير نهائياً عن منهج «العنف» وعن حمل السلاح؛ أن تنحاز نهائياً إلى منهج «التفاوض»؛ أن تعلن قبولها القرار الدولي 242؛ أن يجري التفاوض مع إسرائيل عبر شراكة أردنية ـ فلسطينية...

في أثناء ذلك، طرأ حدث قصير، إذ عاد ياسر عرفات من تونس إلى مدينة طرابلس اللبنانية، وخاض مواجهة ضد قوات فلسطينية متمردة مدعومة من سوريا، بعد انشقاق فلسطيني داخل حركة «فتح» في أيار (مايو) 1983. وانتهت تلك المواجهة بخروج جديد للقوات الفلسطينية من طرابلس. وكانت المفاجأة أنّ تلك القوات ذهبت هذه المرة إلى مصر، وكسر عرفات قرار العزل العربي الذي مورس عليها بعد اتفاق كامب ديفيد. وكان عرفات يقول في جلساته الخاصة: «مصر وقّعت اتفاق كامب ديفيد، لذلك فإنّ كلمتها مسموعة في الولايات المتحدة الأميركية».

الانتفاضة... وبيان الاستقلال

في مرحلة وجود منظمة التحرير في تونس، مجموعة من التطورات سنوردها من دون تسلسل زمني، لأنّ الرابط بينها يمثّل منهجاً سياسياً، وعلامة فارقة في المسيرة الفلسطينية، تنقلها من حال إلى حال.

أولاً: ضَعُف الاهتمام العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية في أثناء وجودها في تونس، وضعفت حتى عمليات الدعم المالي لها... لكنّ انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر 1987، أعاد الزخم السياسي إلى القضية الفلسطينية...

ثانياً: قام الرئيس الراحل ياسر عرفات بزيارة كانت الأولى من نوعها لفرنسا، والتقى الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، وتركز البحث في هذه الزيارة على إنشاء دولة فلسطينية، وعلى حق العودة، وعلى الميثاق الوطني الفلسطيني. وكان الرئيس ميتران قد زار إسرائيل قبل ذلك، وألقى خطاباً في الكنيست، تحدث فيه بوضوح عن ضرورة أن توافق إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية. أمّا في موضوع حق العودة، فقال ميتران لعرفات إنّه موضوع شائك، فكيف تنظرون إلى التعامل معه؟ وردّ عرفات قائلاً: «أعطني دولة فلسطينية، وأنا سأتعامل بعد ذلك مع الفلسطينيين». وتساءل عرفات: «هل سيعود الفلسطيني الغني المقيم في الخليج إلى الضفة الغربية؟». أمّا في موضوع الميثاق، وبعد أن سأله ميتران عنه، فقد أجاب عرفات قائلاً إنّه «كادوك»، أي، ساقط بالتقادم، مفجراً بذلك قنبلة مدوية كانت لها تداعياتها بعد ذلك.

ثالثاً: بات واضحاً لدى عرفات في هذه المرحلة، أنّه لن يستطيع دخول حلبة الحوار الدولي (مع أميركا بالذات وبعد ذلك مع إسرائيل)، إلاّ إذا وافق على القرار 242، واعترف بإسرائيل، وتخلى عن العمل المسلح. وتعني هذه النقاط الثلاث إنهاء الثورة الفلسطينية. لذلك لم يكن سهلاً عليه إعلان القبول بها مباشرة، إذ لا بد لها من تغطية من نوع خاص، وهو ما أُنجز في بيان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني العشرين الذي عقد في الجزائر سنة 1988. ما يريده عرفات كان صيغة مقبولة للاعتراف بالقرار 242، وكان الغطاء فكرة إعلان الدولة المستقلة، فما دمت صاحب دولة تستطيع أن تعترف بالقرار المذكور لتطالب بعد ذلك بالانسحاب الإسرائيلي من الأرض التي احتُلت.

وكان عرفات يعلم أنّ من شروط الدولة الاعتراف بدولة إسرائيل. وكانت التغطية لذلك، استحضار قرار التقسيم الصادر سنة 1947، والقول إنّ هذا القرار لا يزال صالحاً لإنشاء دولة فلسطينية، والمضمر في ذلك الاعتراف بالقرار الذي يدعو إلى إنشاء دولتين. وهكذا قبِل عرفات، وقبِلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ما كان يُرفض دائماً، وجرت تغطية ذلك بالشعار البراق: «إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة».

مؤتمر جنيف والحوار الأميركي الفلسطيني

اعتقد عرفات أنّ ما أُنجز في «إعلان الاستقلال» من الاعتراف بإسرائيل، وشعار الدولتين، والاعتراف بالقرار 242 سيفتح له باب الحوار مع الإدارة الأميركية، وتحمس للذهاب إلى دورة الأمم المتحدة في نيويورك في ذلك العام. لكن المفاجأة كانت في أنّ الولايات المتحدة رفضت منحه تأشيرة دخول إلى مدينة نيويورك. وهنا تدخل الاتحاد السوفياتي ودفع في اتجاه نقل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جنيف كي يتمكن عرفات من الحضور، وإعلان موقفه الجديد. جرى ذلك فعلاً، وحضر الجنرال فيرنون ولترز ممثلاً الولايات المتحدة الأميركية في أعمال الدورة.

بعد خطاب ومؤتمر صحافي لعرفات اعترف بعدهما بإسرائيل (من خلال شعار الدولتين)، ووافق على القرار 242، ونبذ «الإرهاب»، رضي الجنرال الأميركي. وكان ذلك إيذاناً بالاستعداد الأميركي لبدء حوار ثنائي مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر يحدث لأول مرة.

بدأت المفاوضات الأميركية ـ الفلسطينية في تونس، وانتدب لها من الجانب الأميركي السفير بلليترو، ومن الجانب الفلسطيني ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية. وكان جو المحادثات محاطاً بتفاؤل فلسطيني يصل إلى حد الفرح، إلّا أنّ هذا التفاؤل وذاك الفرح لم يستطيعا الصمود طويلاً؛ إذ في اللقاءات الخمسة كان الفلسطينيون يسألون، والأميركي يكرر إلقاء «محاضرة» عمّا هو مطلوب من الفلسطينيين عمله. وفهم الفلسطينيون أنّ الإدارة الأميركية لا تفاوض منظمة التحرير الفلسطينية، لكن تحدد لها ما هو مطلوب منها كي تلتزمه.

من مؤتمر مدريد إلى اتفاق أوسلو

على وقع الحرب الأميركية ضد العراق بعد احتلاله الكويت (1990 - 1991)، قدمت واشنطن إغراءً عنوانه الاستعداد للعمل الجاد لحل القضية الفلسطينية. وما إن انتهت الحرب، حتى دعا الرئيس جورج بوش الأب إلى مؤتمر مدريد الدولي للبحث في الصراع العربي - الإسرائيلي (أواخر سنة 1991)، على أن تنبثق منه مفاوضات ثلاثية مباشرة، بين إسرائيل ولبنان، وإسرائيل وسوريا، وإسرائيل والفلسطينيين. وفُرضت على الفلسطينيين في هذه المفاوضات شروط عديدة مجحفة...

ثم حدثت المفاجأة المدوية، حين أُعلن انتهاء مفاوضات كانت تجري سراً في مدينة أوسلو النرويجية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأُعلن أنّ تلك المفاوضات أدت إلى اتفاق مبادئ، وإلى إنشاء حكم ذاتي، وإلى تحديد قضايا أساسية ستكون مجال مفاوضات ما سمي الحل النهائي، أو الحل الدائم. وحُدِّدت خمسة أعوام مدى زمنياً لتطبيق هذا الاتفاق الذي مثّل ضربة لمفاوضات واشنطن، وأدى إلى توقفها.

لم يتضمن اتفاق أوسلو اعترافاً فلسطينياً رسمياً بإسرائيل، ولم يتضمن اعترافاً إسرائيلياً رسمياً بمنظمة التحرير الفلسطينية. لكن كان الاعتراف كامناً ضمنياً في طبيعة المفاوضات وفي طبيعة الوفود. وحين بدأ البحث في حفل توقيع الاتفاق في البيت الأبيض الأميركي (13/9/1993)، برز موضوع من سيوقّع الاتفاق، وفد «سكان المناطق» في واشنطن، أم وفد من منظمة التحرير الفلسطينية التي رعت مفاوضات أوسلو؟ هنا أصر ياسر عرفات على أن يكون التوقيع باسم منظمة التحرير الفلسطينية. وهنا أيضاً قالت إسرائيل إنّ التوقيع بهذه الصفة يقتضي أن تعترف المنظمة رسمياً بها، وأن تعترف هي رسمياً بمنظمة التحرير. دخل على الخط سراً وزير الخارجية النرويجي يوهان هولست، الذي تنقّل بين العواصم، ووصل إلى تونس حاملاً اقتراحاً برسائل يجري تبادلها، سمّيت «رسائل الاعتراف المتبادل». وقّع عرفات رسالة الاعتراف بإسرائيل بقرار فردي منه، من دون أن يطلع أحداً على الأمر، ثم وقّعت إسرائيل الرسالة بدورها. وتضمّنت الرسائل تراجعين فلسطينيين كبيرين وخطرين، نقلا التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى موقع جديد يختلف عن كل ما سبقه. كان التراجع الفلسطيني الأول «الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود». وكان الثاني التعهد بتغيير «الميثاق الوطني الفلسطيني» بما يتلاءم مع الاتفاقات الجديدة، وهو أمر يعني إلغاء الرواية الفلسطينية لتاريخ فلسطين، وهدف التحرير، وأسلوب التحرير عبر الكفاح المسلح ضد الاحتلال...

عرفات ومفاوضات الحكم الذاتي

بعيداً عن الخوض في تفصيلات مفاوضات الرئيس عرفات مع إسرائيل لتطبيق اتفاق أوسلو وإنشاء الحكم الذاتي، من المفيد أن نتوقف عند القضايا التي مثّلت مفاصل أساسية في تلك المفاوضات.

أولاً، مساحة الحكم الذاتي: لقد بدأت مفاوضات الحكم الذاتي بشأن أراضي الضفة وقطاع غزة، باتفاق جزئي إسرائيلي ـ فلسطيني يدعو إلى نشوء حكم ذاتي في «غزة وأريحا أولاً». وهذا أمر لم يرد في بنود اتفاق أوسلو، ودخل هكذا فجأة إلى صلب المفاوضات...

ومع بدء المفاوضات، كان هناك تصوّر فلسطيني عبّر عنه الدكتور نبيل شعث مراراً، وهو المفاوض الأساسي آنذاك، قائلاً إنّ الحكم الذاتي سينشأ على 90% من الأراضي المحتلة، أمّا الـ10% الباقية فهي الأراضي التي تقوم عليها المستعمرات والمعسكرات الإسرائيلية، وستكون موضوع استكمال التفاوض.

لكن الأمور على الأرض سارت في اتجاه آخر. فالجزء الأول من اتفاق «غزة ـ أريحا أولاً» لم يعط الفلسطينيين ما كانوا يتصورونه...

ثانياً، وضع عرب 48: تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية، بموجب رسائل الاعتراف المتبادل، عن اعتبار نفسها مسؤولة عن هذا الجزء من شعبها. فبموجب القانون، هؤلاء الفلسطينيون هم مواطنون إسرائيليون، وبموجب الاعتراف بإسرائيل فإنّه ليس من حق المنظمة أن تتدخل في البحث في مصير مواطنين «إسرائيليين».

ثالثاً، قضية عودة النازحين: منذ بدء مؤتمر مدريد أواخر سنة 1991، جرى العمل في مجريين: مجرى المفاوضات المباشرة، ومجرى تأليف لجان متخصصة ذات طبيعة دولية، أبرزها «لجنة اللاجئين». وتفرع من موضوع اللاجئين البحث في موضوع النازحين من الضفة الغربية وغزة بعد حربَي 1967 و1973. كانت الجهات المعنية بهذا الموضوع كلّها (إسرائيل والأردن ومصر ومنظمة التحرير) موافقة على بدء البحث في هذه المسألة. لكن إسرائيل طرحت مع بداية جلسات التفاوض بشأن هذه المسألة قضيتين أدتا إلى التعطيل. القضية الأولى سؤال: مَن هو النازح؟ هل هو الذي نزح فعلاً، أم أنّ الأمر يسري أيضاً على أبنائه وأحفاده؟ وكانت إسرائيل تصر على الصفة الأولى للنازح وترفض الثانية. القضية الثانية: كم هو عدد هؤلاء النازحين؟ وضرورة الذهاب أولاً إلى إجراء إحصاء لتحديد العدد... أمّا قضية اللاجئين، فهي مدرجة في اتفاق أوسلو ضمن بنود مفاوضات الحل الدائم، لذلك لم يكن هناك أي بحث ثنائي فيها.

رابعاً، منهج عرفات في التفاوض: اتبع عرفات منهجاً في التفاوض مع إسرائيل في قضايا الحل المرحلي يستند إلى المطالبة بما يريد، ثم قبول ما يعرضه الإسرائيليون. وكان تبريره ذلك، أنّ هذه مفاوضات مرحلية، فلنأخذ في أثنائها من الإسرائيليين كل ما نستطيع الحصول عليه، لأنّ الباقي كله سيبحث في المفاوضات النهائية. وبسبب ذلك ساد لدى الإسرائيليين انطباع بأنّ عرفات مفاوض سهل.

وحين اتُّفق على الذهاب إلى مفاوضات الحلّ النهائي في كامب ديفيد (2000) برعاية أميركية، أعد الإسرائيليون مشروعهم للحل النهائي، أي مشروعهم للسلام الدائم. وكان لديهم انطباع بأنّ عرفات سيواصل نهجه التفاوضي الأول. لكنه بدّل في كامب ديفيد نهجه، ورأى أنّ ذلك من حقه. وحين اطّلع عرفات على المشروع الإسرائيلي للتسوية، اكتشف أنّ إسرائيل لا تريد الانسحاب من الأراضي التي احتلت سنة 1967، بل تريد اقتسام الضفة الغربية مع الفلسطينيين. وتفاوض عرفات في اتجاه مناقض لهذا الرأي رافضاً الحلول الوسط، باعتبار أنّ هذه المفاوضات هي بشأن الحل النهائي. وربما كان الإسرائيليون قد فوجئوا بمنهج عرفات التفاوضي الجديد. لكنّ النتيجة كانت إعلان فشل المفاوضات...

حاول عرفات العمل على تغيير موازين القوى مع إسرائيل من خلال تشجيعه قيام الانتفاضة الثانية. لكن هذه الانتفاضة فوجئت بموقف أميركي مضاد، وبحرب إسرائيلية لإعادة احتلال الضفة الغربية من جديد (حرب شارون)، وبحصار يُفرض على عرفات في مكتبه بقرار إسرائيلي وتغطية أميركية. وانتهى بذلك عملياً نظام الحكم الذاتي، إلّا أنه بقي قائماً كأمر واقع.

محمود عباس يفاوض في الهواء الطلق

شهدت سنة 2005 انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، وبدأت معه مرحلة جديدة من التفاوض، مرحلة اختتام المشهد. واستندت مفاوضات عباس إلى مواقف فلسطينية جديدة، جوهرها السعي لإرضاء كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة من خلال التقيد بـ«خريطة الطريق» و«وعد بوش». حدد عباس نهجه التفاوضي بما يأتي:

أولاً: القضاء على الانتفاضة، وإيقافها، وإدانتها، واعتبار أنّها أساءت إلى القضية الفلسطينية.

ثانياً: إدانة العمل الفدائي ضد الاحتلال، واعتماد منهج المفاوضات فقط. وتلى ذلك تذويب جهاز حركة «فتح» القتالي باتفاق مع الإسرائيليين، ثم منع الفصائل الأُخرى من ممارسة العمل الفدائي.

ثالثاً: التباهي بتطبيق كلّ ما هو مطلوب منه في خطة «خريطة الطريق»، والتركيز على أنّ إسرائيل لم تنفذ شيئاً مما يترتب عليها.

رابعاً: البدء بتنفيذ سياسة تعاون أمني مع إسرائيل، من خلال بناء جهاز أمني جديد بإشراف الجنرال الأميركي كيث دايتون، وتنظيم عملية تبادل معلومات بين الطرفين، وتنظيم عمليات فلسطينية ـ إسرائيلية مشتركة للقضاء على أي محاولات فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

خامساً: السير بخطة موازية لمنهج التسوية والتفاوض، أوكل أمر تنفيذها إلى رئيس الحكومة سلام فياض، تقوم على السعي للتسوية من خلال ما يسمى «السلام الاقتصادي».

على قاعدة هذا النهج، ذهب محمود عباس إلى التفاوض مع الإسرائيليين، وعقد مع إيهود أولمرت جلسات سرية زادت على الستين، من دون أن تؤدي إلى أي جديد، إلّا الإصرار على رؤية إسرائيل الاستراتيجية للتسوية، كما عُرضت في كامب ديفيد، أي اقتسام الضفة الغربية، والإصرار على بناء المستعمرات، وتوسيع المطالب الإسرائيلية في اتجاه القدس.

وإذا كانت مطالب أولمرت سرية، فإنّ خلفه بنيامين نتنياهو نقل المطالب السرية إلى العلن. وأضاف إليها الإصرار على مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، ومن دون مرجعية، وطلب الاعتراف الفلسطيني مسبقاً بيهودية دولة إسرائيل.

وأدى ذلك كلّه إلى طريق مفاوضات مسدود، وإلى جدل ممل في وقف توسيع الاستيطان. أمّا الاستيطان نفسه فأصبح كأنه أمر واقع ومسلّم به، على الأقل من خلال التسليم بشعار تبادل الأراضي التي تضم 80% من المستوطنين. ويتصرف محمود عباس تجاه ذلك كالمغلوب على أمره، فهو قدم لإسرائيل كل ما تريده، ووافق على كل ما طلبته أميركا منه، ومع ذلك فإنّ أمور الحل تزداد أمامه تعقيداً بدلاً من أن تنحل العقد.

لقد جُرِّبت طريق الاعتدال، من برنامج النقاط العشر سنة 1974 حتى الآن، وجُرب تقديم التنازلات عن قضايا أساسية ومبدئية، وكذلك أُرضيت إسرائيل بالكامل من طريق قبول مطلبها وقف مقاومة الاحتلال، وكانت النتيجة أنّ التسوية أصبحت أبعد وأبعد. وبهذه النتيجة يسقط منهج سياسي وتفاوضي جُرب بأشكاله وأنماطه وألوانه جميعاً، ولا يبقى بعد ذلك (منطقياً) إلّا الذهاب إلى المنطق الآخر المضاد، لكنّه يحتاج إلى إرادة يبدو أنّها غائبة بالكامل.

(النص جزء من مقال أطول ينشر في العدد المقبل من «مجلّة الدراسات الفلسطينيّة»)

* كاتب فلسطيني

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ