ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 22/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

صفقة أوباما

خليل قنديل

الدستور

21-11-2010

من الواضح أن الفقه السياسي السائد في كل عصر ، يظل محكوماً بالانجازات التي يحققها هذا الطرف أو ذاك ، لوجستياً على أرض الواقع. ان هذه الانجازات تبدأ بالتشكل اللغوي ، وتحقيق الاشتراطات في منطق الساسة الذين يقبلون على مرحلة القطاف التي تحققها المفاوضات. بحيث تظل الاشتراطات التي يقدمها الطرف الذي حقق انتصاراته على أرض الواقع أشد ايلاماً للطرف الخاسر أصلاً.

 

من هنا يمكن أن نفهم "الغنج" التفاوضي الاسرائيلي مع كافة الاطراف العربية التي تعتبر بشكل أو بآخر طرفا في الصراع مع اسرائيل. ومن هنا يمكن أن نفهم كيف استطاعت اسرائيل خلال مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية التي انطلقت من أوسلو وحتى هذه الأيام ، أن تحول القضية الفلسطينية برمتها الى قضية استيطان ، الى هدف يدفع بالحكومة الاسرائيلية الى اتخاذ قرار بتجميد المستوطنات الى مدة تصل الى تسعين يوماً.

 

والغريب أن الانجازات الاسرائيلية التي تمت على أرض الواقع الفلسطينية المحتلة ، قد استطاعت في مرجعياتها التفاوضية ، إلغاء فكرة منطق الصح السياسي والتاريخي وجب جميع استحقاقاتها والعمل على استخراج الصح السياسي والتاريخي من فكرة الخطأ الأصيل والمتأصل في ذهنية الاحتلال العبري.

 

والورقة التي قدمتها وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ، وبموافقة من الرئيس أوباما ، والتي تشتمل على وعود امريكية ، بمنح اسرائيل عشرين طائرة "اف - "53 مجاناً اضافة الى ضمانات سياسية وأمنية أخرى مقابل موافقة اسرائيل على تجميد الاستيطان في الضفة الغربية ، تستحق من السلطة الفلسطينية وباقي السلطات العربية أن تحدق في هذه الصفقة التي تدلل على مدى الانجازات التي حققتها اسرائيل على أرض الواقع الفلسطيني المحتل ، والى أين وصل الدلع العبري في التفاوض ، هذا الدلع الذي استطاع ان يمنح اسرائيل قوة تحويل النهج التفاوضي معها الى استثمار لصالح نقيض التفاوض ، بمعنى أن تصبح المفاوضات السلمية غطاءً لحرب يومية هادرة ، واقامة حفلات يومية لفعل قضم الأراضي واحتلالها وتهويدها بقطعان المستوطنين.

 

وكدليل قاطع على محق أي صح تاريخي فان العرض الذي تضمنته صفقة أوباما يشتمل على طائرات حربية هي بالتأكيد ستظل بانتظار اشارة الحرب ، كما يتضمن وعداً الحفاظ على أمن اسرائيل ، والاستعمال الدائم لحق الفيتو ضد أي قرار دولي لا يكون لصالح اسرائيل.

 

أي فكاهة هذه الذي قدمها الرئيس أوباما حين دعم العدوانية العبرية مقابل تجميد هذه العدوانية لمدة تسعين يوماً بقرار وزاري اسرائيلي.

لكنها فكاهة نستحقها بجدارة لا لشيء سوى اننا تركنا المفاوض الفلسطيني يعيش كل هذا العُري السياسي والدولي.

==========================

فلسطينيو 1948 على استعداد للعب دور بارز

سوماس ميلن - «الغارديان»

الدستور

21-11-2010

في شارع هادئ في منطقة الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة ، تشرح رفقة الكرد ، 88 عاما ، كيف أتت للعيش في المنزل الذي بنته هي وزوجها كلاجئين فلسطينيين في الخمسينيات. فيما هي تتحدث ، يمر ثلاثة مستوطنين يهود من المتعصبين دينيا وهم يسيرون بخيلاء في محاولة لإثبات ادعائهم ملكية جزء من المبنى ، صارخين بشتائم بالعبرية والعربية المكسرة: "العرب حيوانات" ، "اخرسي أيتها العاهرة".

 

يحصل اشتباك جسدي لمدة قصيرة مع ابنة رفقة فيما يحتمي المستوطنون داخل الغرف التي احتلوها منذ الشتاء الماضي ، عندما أصدرت المحكمة قرارا للاستيلاء على ملحق عائلة الكرد على أساس أنه بُني دون تصريح - وهو ما قد لا يحصل عليه الفلسطينيون أبدا في القدس. إنه مشهد بشع ، تعجرف المستوطنين الذي يبعث على القشعريرة ، تدعمه معرفتهم أن بامكانهم استدعاء الشرطة والجيش وقتما شاؤوا.

 

ولكن مثل هذه الاستيلاءات على منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح أصبحت أمرا شائعا ، ونقطة تركز عليها المظاهرات المستمرة. الأمر ذاته ينطبق على سلوان المجاورة للبلدة القديمة ، التي يقطنها ما يزيد على ثلاثين ألف فلسطيني ، حيث 88 منزلا تعود لألف وخمسمئة فلسطيني في انتظار الهدم لإفساح المجال لحديقة الملك ديفيد الترفيهية ومئات المستوطنين الذين تحميهم على مدار الساعة قوات الأمن التواقة الى إطلاق النار.

 

في جميع أرجاء المناطق العربية من القدس ، وفي الضفة الغربية كذلك ، تواصل الحكومة مصادرة الأراضي بلا هوادة ، كما تواصل عمليات الهدم وبناء المستوطنات وجعل احتمال إقامة دولة فلسطينية في يوم ما أكثر بعدا. صودر أكثر من ثلث الأراضي في القدس الشرقية منذ احتلالها عام 1967 ليكون هناك مكان للمستعمرين الاسرائيليين ، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

 

اخيرا ، تجرأ باراك أوباما على القول بأن الخطط الاستيطانية الأخيرة لإسرائيل "لا تساعد". ولكن فيما تصل المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ، برعاية من الولايات المتحدة ، الى طريق مسدود ويتركز الانتباه على الحصار الوحشي لغزة ، فإن الاستعمار يمضي قدما. كما أنه يتقدم بشكل سريع داخل إسرائيل ، حيث تتسارع وتيرة هدم القرى الفلسطينية للبدو صحراء النقب في ظل حكم نتنياهو.

يعيش حوالي 87 الف بدوي في 45 قرية "غير معترف بها" ، دون حقوق أو خدمات عامة أساسية ، لأن السلطات الاسرائيلية ترفض الاعتراف بملكيتهم للأرض. وقد تلقى الجميع أوامر بالهدم فيما أنشئت المئات من المستوطنات اليهودية في جميع أرجاء المنطقة.

عاموس عوز ، الكاتب الاسرائيلي ، يطلق على النقب وصف "القنبلة الموقوتة". قرية العراقيب دُمرت ست مرات في الأشهر الأخيرة ، وفي كل مرة يقوم سكانها بإعادة بنائها. الحكومة تريد تفريغ الأرض ونقل البدو الى بلدات معينة. لكن حتى هناك ، تنفذ عمليات الهدم بشكل روتيني.

في نهاية الأسبوع ، هدم الجيش ليلا أحد المساجد في رهط ، احدى بلدات البدو. بحلول عصر يوم الأحد ، كان السكان المحليون قد بدؤوا العمل على إعادة بنائه ، فيما الأغاني الوطنية تدوي من مكبرات الصوت والناشطون يخطبون بالحشد الغاضب.

صحوة بدو النقب ، الذين اعتاد الكثير منهم في السابق إرسال إبنائهم للقتال في الجيش الاسرائيلي ، تعكس تسييسا أوسع للمواطنين العرب في إسرائيل. بعد أن تم قطع الصلات بينهم وبين أغلبية الفلسطينيين بعد 1948 ، حاولوا أن يتكيفوا مع الدولة التي كان تمييزها ضدهم "متأصلا ولا يطاق" منذ البداية تبعا لكلمات إيهود أولمرت ، رئيس الوزراء السابق.

 

الأحزاب العربية في الكنيست الاسرائيلي ترفض الآن أي فكرة تتعلق بكون إسرائيل دولة محددة عرقيا ، مطالبة ب"دولة لجميع مواطنيها". الحركة الإسلامية المؤثرة ترفض المشاركة في النظام السياسي الاسرائيلي قطعيا. فلسطينيو 48 ، الذين يشكلون الآن عشرين بالمائة تقريبا من عدد السكان ، ينظمون أنفسهم بشكل متزايد على أساس مستقل - وعلى أساس قضية مشتركة مع أخوانهم الفلسطينيين على الجانب الآخر من الخط الأخضر.

 

التجربة الفلسطينية داخل إسرائيل ، من مصادرة الأراضي الى بناء المستوطنات الى التمييز العرقي ، لا تختلف كثيرا في نهاية المطاف عما حدث في القدس الشرقية والضفة الغربية. بعد 1948 ، أُجبر الفلسطينيون في يافا ، الذين نجوا من التطهير العرقي ، على مشاركة منازلهم مع المستوطنين اليهود - كما يحدث مع رفقة الكرد في القدس اليوم.

 

تزيد من حدة هذا الأمر محاولات عدوانية متواصلة ، في ظل حكومة نتنياهو ، لإخضاع المواطنين العرب في إسرائيل ، بالإضافة الى مطالب متزايدة لنقل مئات الألوف منهم الى إدارة مستقبلية في الضفة الغربية. يجري التخطيط لسلسلة من القوانين الجديدة التي تستهدف الأقلية الفلسطينية ، منها مشروع قانون أقره مجلس الوزراء الشهر الماضي يطلب من جميع المواطنين الجدد من غير اليهود أن يؤدوا قسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية.

 

الضغط على القادة والمجتمعات الفلسطينية يصبح أكثر قسوة. قبل أيام ، كان هناك أكثر من ألف جندي ورجل شرطة لحماية مسيرة عنيفة لجماعة إسرائيلية عنصرية متطرفة كانت تجوب بلدة أم الفحم الفلسطينية. رائد صلاح ، قائد الحركة الإسلامية ، معتقل في السجن بسبب بصقه على أحد أفراد الشرطة: جُردت حنين زعبي ، النائب العربي ، من امتيازاتها البرلمانية بسبب انضمامها الى أسطول الحرية لغزة: ويواجه أمير مخول ، الناشط البارز في مجال الحقوق المدنية ، عقوبة السجن لما يقارب عشر سنوات بعد إدانته بتهمة التجسس ، البعيدة الاحتمال ، لصالح حزب الله.

 

في غضون ذلك ، تطالب إسرائيل أيضا بأن تعترف القيادة الفلسطينية في رام الله بإسرائيل دولة يهودية كجزء من أي اتفاق. قلائل من خارج السلطة الفلسطينية - أو حتى من داخلها - يعتقدون بأن "عملية السلام" ستؤدي الى أي نوع من التسوية. حتى قادة فتح أمثال نبيل شعث يقولون الآن بأن الفلسطينيين بحاجة الى التفكير بالعودة الى المقاومة المسلحة ، أو التحول الى النموذج الجنوب أفريقي المتعلق بالمقاومة الشعبية الجماهيرية ، التي يفضلها أيضا فلسطينيون بارزون في إسرائيل.

بالنسبة للأشخاص الذين فازوا فعلا في الانتخابات الماضية ، ذكرني محمود الرمحي ، عضو حماس والأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني ، بأن الولايات المتحدة تواصل منع حدوث أي مصالحة مع فتح. لقد اعتقله الاسرائيليون بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة ، في الوقت الذي كانت فيه المحادثات بين الجانبين قد بدأت للتو في دمشق.

تركيز الصراع الفلسطيني الاسرائيلي تحول خلال الأربعين سنة الماضية من الأردن الى لبنان الى الأراضي المحتلة. باقتراب حل الدولتين من الانهيار ، من المحتمل أن الفلسطينيين في إسرائيل ، أخيرا ، على وشك لعب دور هام. اذا حدث ذلك ، فإن الصراع الذي شكل بعدا عالميا أكبر من أي صراع آخر سيكون قد عاد أخيرا الى نقطة البداية.

==========================

أميركا الدولة الأخطر على حقوق الإنسان

(3-4)

د. عمر الحضرمي

لم تسجل الولايات المتحدة سَبْقاً في انتهاك حقوق الإنسان خارجياً، بقدر ما سُجّل عليها داخلياً، الأمر الذي أثار دهشة كل المراقبين والدارسين وفقهاء علم الاجتماع، وذلك بعد أن جعلت هذه الحقائق الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مرتبة دولة «التناقضات» بامتياز، كونها أكبر بلد في العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان، في حين أنها تدّعي أنها أكبر دولة في العالم حامية لهذه الحقوق. ومن هؤلاء سكوت كريسيتاتسون، صاحب كتاب «500 عام من السجون في أمريكا» حيث أثبت أن أمريكا هي الدولة الثانية، بعد روسيا، من حيث زجّ مواطنيها في السجون. كما تقول الإحصائيات التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية في 14/3/1999، إن عدد السجناء في السجون الأمريكية قد تضاعف، ففي حين كان هذا العدد 744.208 في نهاية عام 1985 قفز إلى 1.800.000 سجين في منتصف العام 1998. أما في 31/12/2008 فتقول الإحصاءات إن نسبة السجناء من الأمريكيين في المعتقلات الأمريكية قد بلغت 754 سجيناً لكل مئة ألف نسمة. ويقول المكتب الأمريكي لإحصاءات العدل إن عدد الأمريكيين الذين هم تحت المراقبة (سجناء وغيرهم) قد بلغ سبعة ملايين وثلاثمائة ألف شخص.

 

تعد السجون والمعتقلات هي أكثر الأمكنة التي يتم فيها تجاوز حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُعامل المساجين والمعتقلون بوحشية مهينة منقطعة النظير، خاصة السود والمهاجرين والنساء. فعلى سبيل المثال فإن السود الذين يمثلون 12% من سكان أمريكا يشكلون 42% من المسجونين، وذلك فقط لأنهم الأكثر فقراً والأكثر تعرضاً للظلم، إذ لا ينالهم إلا الفُتات عند توزيع الناتج الوطني. وإمعاناً في عدم المساواة، فإننا نجد أن الأحكام التي تصدر ضدّهم غالباً ما تكون بحدها الأقصى من العقوبة.

 

وتأكيداً على ذلك، فقد قالت دراسة أُجريت حول نظام قضاء الأحداث، ونشرت في نيسان 2003 تحت إشراف وزارة العدل الأمريكية وست من المؤسسات الكبرى، إن الشبان الذين ينتمون إلى الأقليات الإثنيّة، وخاصة الأمريكيين من أصل أفريقي، معرضون بشكل أكبر لأن يسجنوا ولأنْ يقضوا فترات أطول في السجون من الشبان البيض الذين توجّه إليهم تهم بارتكاب جرائم مشابهة.

 

وإمعاناً في خرق مبادئ حقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الصومال، قد رفضت توقيع بيان حقوق الطفل الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة. ويقول تقرير منظمة اليونيسف، نشرته عام 1998، إن في الولايات المتحدة الأمريكية 13 مليون طفل دون الثانية عشرة يعانون من الجوع أو هم على حدوده.

 

وصورة أخرى، تُظهر مدى انتهاك أمريكا لحقوق الإنسان، تتمثل في تلك الأفعال المشينة التي ترتكبها الشرطة هناك، من مثل إطلاق النار على الضحايا دون مبرر، والضرب المبرح، والخنق وغير ذلك من الإجراءات والممارسات المخالفة لحقوق الإنسان، والتي تعد خرقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية.

 

وهكذا فقد أصبح التعذيب والعنف والقتل «نمط تعامل»، وليس مجرد ممارسة عشوائية معزولة، فما يطبّق في السجون الأمريكية يطبق في الشوارع خاصة على السود، والفقراء والمهاجرين، وأطفالهم الذين يظلون يتعرضون للمهانة حتى وهم في المعتقلات.

وإلى جانب الاضطهاد العنصري الذي يعيشه السكان السود في الولايات المتحدة الأمريكية، كان الظلم الاقتصادي هو الأكثر بشاعة. ففي النصف الثاني من القرن العشرين كان أكثر من عشرين مليون زنجي أمريكي يعيشون في بيوت فقيرة وقذرة مبنية من الصفيح أو الأخشاب، وتفتقد إلى أبسط احتياجات الجنس البشري.

ولنا في الوقفة التالية حديث عن ذلك وغيره.

==========================

ادمان.. «الغطرسة»!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

21-11-2010

يكاد مثل هذا الوصف «الغطرسة», أن يكون معروفاً لدى معظم من ينطقون الضاد, بما هو مرض حقيقي يصاب به الافراد ذكوراً وإناثاً, تماما كما تصاب به الشعوب والانظمة, كمرادف للتكبر والاعجاب بالنفس والعجرفة, ويمكن للمرء أن يتلفت حواليه ليكتشف هذا الكم الذي يتكاثر باستمرار وعلى نحو «فطري» في مجتمعاتنا, حيث ترى محدث النعمة والفاسد والجاهل والمرتشي, وقد انتفخت أوداجه وطالت «ألسنته» وراح في نشوة كاذبة ومكشوفة, يتحدث عن فتوحاته واكتماله وقدرته على اختراق الابواب والقفز عن الاسوار, واستحضار لبن العصفور إن اراد (اقرأ إن أراد أسياده)..

 

في حال الدول والأمم, الانظمة والشعوب, ثمة ما هو ظاهر تكاد روائحه تزكم الأنوف, لنا في اسرائيل المثال الأبرز والأكثر سطوعاً, ليس فقط في أن حاخاماتها يُخرجون من بطون التلمود والتوراة, وعقولهم السوداء وأفكارهم الظلامية ما شاؤوا وما اخترعوا وما ارادوا, من قبيل جواز قتل الاغيار واعتبارهم صراصير وأفاعي, ما يستدعي التضرع الى «الرب» لابتلائهم (الاغيار) بمرض الطاعون, حتى لا يُبقي فيهم ولا يذر, على ما ذهب الحاخام المعتوه عوفاديا يوسيف الاب الروحي لحزب شاس الديني المتطرف, الذي يتحكم عملياً بمستقبل حكومة نتنياهو وخصوصا في المرحلة الراهنة, التي يحتاج فيها الى أغلبية وزارية تؤيد «الصفقة» الخطيرة, التي تنوي ادارة اوباما عقدها معه مقابل تجميد الاستيطان لمدة «90» يوماً, مستثنية القدس الشرقية من هذا الاستيطان, وانما ايضاً في ما تقوم به حكومة اليمين الفاشي من اسرائيل من خطوات وما تتخذه من اجراءات تشي كلها بغطرسة وازدراء لكل ما هو فلسطيني وعربي, وناظرة اليه كصنف بشري «ثان» لا يستحق حتى أن يكون شريكاً, ولهذا فهي تفاوض الادارات الاميركية المتعاقبة في تسليم فلسطيني وعربي (كما ينبغي التذكير الدائم), يصل حد الاذعان, ليس فقط بأن يد اسرائيل هي العليا وانما ايضاً ان واشنطن هي ولي امرنا ونعمتنا, ومسؤولة عنا في كل ما يخص أمننا الوطني والقومي ومستقبل ابنائنا, وحتى وجودنا في هذه المنطقة, التي لم يعد العربي يعرف ما اذا كانت ذات وجه ولسان عربي, أم أنها دخلت العصر العبري من اوسع ابوابه وبرضى من «اصحاب» المنطقة, بعد أن استقالوا من مسؤولياتهم وسلّموا أمورهم لواشنطن, تلك التي لم تعد معنية سوى برضى اسرائيل وتلبية مطالبها, على النحو الذي نجده في هذا الربط «الشرير» بين تسليحها بأحدث ترسانتها الجوية, من طائرات الشبح «المتملصة» اف 35 التي لا يمتلكها سلاح الجو الاميركي نفسه (حتى الان), اضافة الى قذائف غير مسبوقة في دقتها وقدرتها على اختراق سماكات كونكريتية ضخمة, كتلك التي يمكن أن «تدفن» فيها ايران معداتها وأجهزتها النووية..

 

هي الغطرسة اذاً, التي تحكم سلوك الامبراطورية الاميركية الكبيرة وتابعتها الامبراطورية الاسرائيلية الصغيرة, وتجعلهما تكتبان جدول أعمال المنطقة وتفرضان أولوياتهما, على نحو لا يتيح للفلسطينيين والعرب «ترف» الاختيار بين الرضوخ أو الركوع..

 

الاستكبار والعجرفة والانتفاخ الزائد, أعراض مرضية تصيب البشر وتفتك بالدول والشعوب, وهي وباء ينتشر في تلك الادعاءات الفارغة التي تهيمن على خطاب الافراد والمجموعات, والرموز الحاكمة في عديد من دول العالم, لكنها لا تجد طريقها الى الصد والتحجيم واكتشاف ساعة الحقيقة, إلا بصدمة قوية تعيدها الى أرض الواقع وتأخذها الى فضاءات التواضع والتعرف الى الذات المجوفة التي هي عليها في الاساس..

 

كان اليونانيون القدماء ينشدون «الحمد لله الذي خلقنا يونانيين ولم يخلقنا برابرة»..

 

ورغم المصير الذي انتهت اليه الامبراطورية اليونانية, إلا أن كثيرين (أفراداً وانظمة) لم يستخلصوا دروس التاريخ وعِبَرِه, بل واصلوا انشاء النشيد الاستعلائي العنصري ذاته, مع تحوير في المفردات لاختلاف الهوية أو جنسية العدو, وانتهوا الى ما انتهى اليه اليونانيون القدماء وامبراطوريات عديدة خَلَفَتهم.

 

لن يكون مصير الامبراطورية الاميركية وصنيعتها, التي يزعم اتباعها انهم شعب الله المختار, عن المصير ذاته.. يبقى أن يدرك المتغطرسون في مجتمعاتنا, أن نهاياتهم بائسة, ليست مثيرة للشفقة بقدر ما تثيره من اشمئزاز ونفور..

==========================

هل أسهم "شهود الزور" في تعكير صفو العلاقات اللبنانية - السورية ؟

علي حماده

النهار

21-11-2010

 

عندما اعلن سعد الحريري في المقابلة الشهيرة مع الزميلة "الشرق الاوسط" يوم الاثنين 6 ايلول، ان شهود الزور في التحقيق في اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري ضللوا التحقيق و"ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان وخربوا العلاقات بينهما" اتخذ الفريق المناوئ للمحكمة الدولية من التصريح حجة اضافية للزعم ان ثمة ملفا اسمه ملف "شهود الزور" بعدما كان جميل السيد قدم ادعاء خاويا لدى القضاء السوري في الموضوع، واعتبرت سوريا ان من حقها ان تصدر مذكرات جلب بحق 33 شخصا لبنانيين، عربا وأجانب في القضية. ولعل الاهم في ذلك ان البروباغاندا السياسية التي تلت اعلان الحريري عن "شهود الزور" كانت الادعاء ان هؤلاء هم الذين خربوا العلاقات بين لبنان وسوريا وعرضوا السلم والامن الوطني اللبناني من خلال ذلك.

ومن الغريب ان الدعاية المبرمجة المعادية للمحكمة والتي ارادت من خلال خلق قضية وهمية اسمها "شهود الزور" واضطلاع الامين العام ل"حزب الله" شخصيا وبكل ما يملكه من وزن معنوي وسياسي وميداني بالهجوم، ارادت ايضا ان تخلق اوهاما جديدة حول العلاقات اللبنانية – السورية. فكان ان جرى ضخ فكرة غريبة من نوع ان علاقات الرئيس رفيق الحريري مع سوريا كانت ممتازة ولم يكن صحيحا ان لسوريا مصلحة في تغييب الحريري اقله في السياسة ! كما جرى رمي رواية لا تقل غرابة عن العلاقات اللبنانية – السورية والقول انها كانت ممتازة قبل ان يخربها "شهود الزور" الذين يكثر الحديث عنهم ولا احد يعرف من المقصود بهم.

لنقل الامور بكل بساطة وبصراحة متناهية. ان العلاقات بين رفيق الحريري وسوريا في الاعوام الثلاثة الاخيرة ما كانت جيدة بل شهدت صدامات متعددة ومختلفة الطبيعة. ومنذ نهاية عام 2003 كانت القيادة السورية قد زادت الضغوط على الحريري الى حدود بعيدة، وعرف لقاء كانون الاول 2003 بين الحريري والرئيس بشار الاسد وعدد من معاونيه ب"بروتوكول دمشق" الذي دفع الحريري الى اعادة النظر في كل استراتيجيته بعدما لمس لمس اليد ان دمشق كانت عزمت على الذهاب بعيدا في استتباع لبنان الى حد تذويبه في ما يشبه "الكونفدرالية". وقد شهدت المرحلة الممتدة بين مطلع 2004 وتاريخ اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 مواجهة سياسية كبيرة، استخدمت فيها دمشق ادواتها الامنية الدعائية والسياسية بكل طاقتها. وكانت الذروة في معركة التمديد للرئيس السابق اميل لحود الامر الذي اعتبر خيارا سوريا حاسما بالقضاء على ما تبقى من خصوصية استقلالية لبنانية. وليس هنا مجال سرد كل الوقائع التي سنعود قريبا اليها منعا لتزوير التاريخ الحاصل راهنا.

للتاريخ نقول انه عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري اتت ثورة الشعب اللبناني من امرين: الاول الغضب الكبير لاغتيال رجل استثنائي في تاريخ لبنان، والثاني تعب اللبنانيين واستياؤهم من طول مدة الوصاية السورية التي تحولت في مرحلة معينة في العديد من تجلياتها الى حالة شبه احتلالية. لما ثار اللبنانيون ثاروا بوجه الظلم وبوجه الوصاية التي ما عادت تنتهي.ولما وجهت اصابع الاتهام السياسي الى السوريين اعتبرت غالبية لبنانية كبرى وساحقة الامر طبيعيا في ضوء مسلسل طويل من الاغتيالات السابقة وأهمها على الاطلاق اغتيال الشهيد الاول كمال جنبلاط.

ليس صحيحا ان "شهود الزور" اضروا بالعلاقات اللبنانية – السورية. لقد كانت هذه العلاقات سيئة جدا. ولمن تخونهم الذاكرة او يحاولون التنصل من وقائع التاريخ او يسعون الى تقديم اوراق اعتماد في دمشق، نقول راجعوا ارشيف الصحف اللبنانية.

ان الامانة تقتضينا والسوريين تحييد واقع العلاقات الثنائية عن كل هذه المهزلة المسماة "ملف شهود الزور". الامانة تقتضي اعترافا سوريا بأن العلاقات لم تكن على ما يرام بل كانت مشوبة بالعديد من الشوائب. ومن المؤسف ان يكون السوريون بعد خمس سنوات على خروجهم من لبنان يعودون الى اعتماد التكتيكات عينها التي كانوا يعتمدونها، ناهيك باعتمادهم اشخاصا من المرحلة السلبية السابقة ل 2005 مثل اللواء السابق جميل السيد وآخرين، وبعضهم من النوع الهابط جدا.

==========================

أميركا تطبع النقد وتضخ المشكلات

صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

البيان

21-11-2010

مع تزايد أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ عامين، وتصاعد الذهب إلى قمم لم يسبق وصوله إليها، ووسط الصعود الحاد في معظم أسواق الأسهم والسلع العالمية، أثبت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قدرته على رفع توقعات التضخم في العالم.

 

ولكن للأسف، لا يزال غير معروف ما إذا كان إعلان المجلس، أخيرا، شراء ما قيمته 600 مليار دولار من سندات الخزانة يحمل أي فرصة للنجاح في إنعاش الاقتصاد الأميركي المتعثر بفاعلية.

 

وعلاوة على ذلك، أدت الدفعة الثانية من عمليات التخفيف الكمي إلى زيادة القلق العالمي من أن هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى زيادة الشكوك والمخاوف الاقتصادية العالمية.

 

وقد اشار زهو شياوشوان، محافظ البنك المركزي الصيني، أخيرا، إلى أن الخطوة التي أقدم عليها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يرجح أن تفيد الاقتصاد العالمي، لأنه قد يكون هناك تعارض بين الدور الدولي والمحلي للدولار الأميركي.

 

فخطوة المجلس التي تعني طبع مزيد من العملة الأميركية، قد تساعد في زيادة فرص العمل وخفض معدل التضخم محليا في الولايات المتحدة، لكنها ستفجر فيضانا من السيولة سيصيب الاقتصاد العالمي، وسيضرب بصفة خاصة الاقتصادات النامية، وسيدفع توقعات التضخم نحو مستويات خطيرة.

 

وأخيرا، انتقد وزير المالية الألماني ولفغانغ شويبل عملية الضخ المالي التي يقوم بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، نظرا لما يمكن أن تسببه من «إيجاد مشكلات إضافية للعالم» ومن خسائر بعيدة الأمد.

 

وأشار الوزير الألماني إلى أن المشكلات الاقتصادية الكبرى للولايات المتحدة لا يجب أن تعالج بمزيد من الديون، حيث أن خفض العجز في الميزانية، بدلا من زيادته، كان من أولويات كل الدول المتقدمة.

 

وقد عبر عن القلق نفسه روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، الذي ذهب إلى حد اقتراح استحداث قاعدة ذهبية عالمية معدلة لتصحيح تحركات العملات.

 

ومما لاشك فيه أن العودة لاستخدام الذهب كموجه لقيمة العملات العالمية ربما كان سابقة لأوانها، حتى مع أن أسعار الذهب أكثر صلابة مما كانت عليه في أي وقت مضى.

 

لكن من الواضح تماما الآن أن النظام المالي الدولي الحالي لا يمكنه الوقوف من دون فعل أي شيء حيال المحاولة الأميركية الأخيرة لإنعاش الاقتصاد الأميركي بمساعدة مطبعة نقود البنك المركزي.

 

وإذا أصم صناع الساسة الأميركية آذانهم عن مثل تلك الانتقادات العالمية بشأن خطوتهم الأخيرة لتحفيز الانتعاش البطيء لاقتصادهم، فسيخاطرون بتقويض جهود دول أخرى لتطبيع سياساتها المالية والنقدية، من أجل انتعاش دائم.

 

الأسوأ من ذلك أن التأثير التضخمي الكبير الذي أحدثته سياسة التخفيف الكمي حتى الآن في الأسواق العالمية ربما لا يكون سوى قمة جبل الجليد. فستكون هنالك من دون شك عواقب غير معروفة ولا محسوبة لعملية طبع الدولار بهذه الكميات الكبيرة، مع العلم بأنه عملة الاحتياط الدولي الرئيسية التي تستخدم في تجارة السلع العالمية وفي تداول رؤوس الأموال، والتعاملات المالية.

 

وعلى المجتمع الدولي أن يجعل من ذلك قضية للمناقشة الجادة في المحافل العالمية. ومن الضروري توصيل رسالة مهمة مفادها أنه لا يمكن لدولة ما ولا للعالم بأسره الخروج من أزمة بهذا الحجم بسهولة.

==========================

فرنسا تنتصر لليبراليتها عهود التأزم

المستقبل - الاحد 21 تشرين الثاني 2010

العدد 3836 - نوافذ - صفحة 13

غازي دحمان

ثمة حمولات مكثفة تنطوي عليها تطورات المشهد الفرنسي، وبخاصة بعد انضمام طلاب الثانويات والجامعات لحركة الاحتجاج النقابية والعمالية ضد قانون التقاعد. ويمكن معاينة ذلك بالإصرار على التمسك بروحية القيم الليبرالية والتأكيد على ضرورة استمرار صيرورة الدينامية الليبرالية حتى لا تتحول إلى قفص مغلق من القيم يُصار إلى اختطافها إن من قبل (الأثرياء) الذين روج الرئيس ساركوزي لحكمهم لعبور الأزمة المالية العالمية، أو من قبل العنصريين الذين يتسكعون على تخوم أزمات الرأسمالية والضمير الأوروبي.

وإذا كان من البديهيات الاقتصادية أن الرأسمالية قادرة على تجديد نفسها وتجاوز أخطائها من خلال دينامية السوق وآلياته وقوانينه، فإن الليبرالية (وبخاصة في طبعتها الفرنسية) تعمل بين كل فترة وأخرى على إعادة تصيحح مسارها، وتزخيم نسقها القيمي، وتجديد عناصرها وتأكيد فاعليتها، من خلال حراك تقوده النخب الشابة محملة بأفكار وقيم جديدة استولدها الواقع الاجتماعي الفرنسي (المعروف بحيويته)، بحيث يُصار إلى استبطان كافة تلاوين عناصر هذا الواقع وتكييفها مع تراث القيم الليبرالية، ومن ثم إضافة القيم والعناصر الجديدة إلى الفضاء الليبرالي الأوسع، إنطلاقاً من التفاؤل الليبرالي بقدرة الإجماع البشري على تحقيق أسباب التقدم عن طريق الحوار وتصحيح الأخطاء بالتجارب المتعاقبة.

هذا ما حدث في أيار 1968 عندما انضافت إلى المجال الاجتماعي والاقتصادي عناصر المهمشين اقتصادياً والمثليين والمرأة، والأفكار الأخرى التي احتاج دمجها إلى منظومة القيم الليبرالية لمخاض عسير كان نتيجته إحداث تغيير سياسي هام والإعلان عن نهاية مرحلة الدفاع عن فرنسا من الأعداء الخارجيين وإنهاء زمن الإمبراطورية السياسي والانتقال إلى حالة البناء الداخلي.

لقد شهد المجتمع الفرنسي، في السنوات الأخيرة، نكسات قيمية خطيرة على أغلب المستويات، إن في مجال التعليم وتراجع دور المعلمين، أو على صعيد تساقط النخب المالية جراء الأزمة المالية التي انكشفت بفضيحة مصرف سوسيتيه جنرال، أو من خلال سياسات ساركوزي المنحازة إلى أقصى اليمين وضد غالبية فئات المجتمع الفرنسي، ناهيك عن اتباع ساركوزي لسياسات اليمين المتطرف سواء في إعادة نسج مفهوم الوطنية والربط بين الإخلال بالأمن والهجرة إلى فرنسا وفي الضواحي، وكذلك سياسة ملاحقة الغجر التي شعر الفرنسيون، وبخاصة في الأوساط الكاثوليكية واليسارية، بالعار تجاهها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى أي مدى تشكل ردة الفعل تجاه نسق المواقف المذكورة (النزوعات العنصرية، والتساقط القيمي) مكوناً في الحراك الفرنسي الحالي؟، أو العكس، إلى أي مدى تؤثر ردات الفعل تلك في إنضاج هذا الحراك؟.

على كل حال، يمكن قراءة المشهد الفرنسي بصورة أكثر واقعية، باعتباره صراعاً بين السياسي والاجتماعي في المكون الغربي، صراع عنوانه تجديد العقود الاجتماعية الحاكمة للعلاقة بين الطرفين، في الوقت الذي تحاول السلطة تجاوز مجالها وحدودها على حساب الفضاء الاجتماعي. أما ردة الفعل تجاه ذلك فتكاد تتطابق بشكل مذهل مع أفكار بنجامين كونستان (أحد رموز الفكر الليبرالي الفرنسي في القرن التاسع عشر) حيث يقول إن "المواطنين يملكون حقوقاً شخصية مستقلة عن كل سلطة اجتماعية أو سياسية، وأي سلطة تخرق هذه القوانين تغدو غير شرعية"، وبحسب كونستان فإن حقوق المواطنين تتمثل في "الحرية الفردية، والحرية الدينية، وحرية الرأي، حيث تضمن الدعاية لها، التمتع بالملكية، والضمانات ضد أي تعسف، وليس هناك من سلطة تستطيع أن تنتهك هذه الحقوق من دون تمزيق لقبها الخاص".

الليبرالية في فرنسا تجدد نفسها، ترفض أن تشيخ أو تهرم، كما ترفض أن تتكلس أو يتم تحديدها في أطر وحدود معينة حتى لو اتسعت فضاءاتها إلى حدود الرفاهية المطلقة والتقدم العلمي والعملي، لأن روحها مبنية على قيم التسامح والحرية والاعتراف بالآخر، وهي لديها من الخبرة التاريخية ما يجعلها تتجاوز كل المعضلات التي تتراكم في مسارها.

==========================

إعادة ضبط العلاقات بين الأطلسي وروسيا

آخر تحديث:الأحد ,21/11/2010

آدم دانييل روتفيلد

الخليج

في وقت سابق من هذا العام أصدرت مجموعة تقودها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت (وكنت شخصياً أحد أفراد هذه المجموعة)، تقريراً بشأن مفهوم استراتيجي جديد أطلقت عليه مسمى (ناتو 2020) . ولقد أوصى التقرير منظمة حلف شمال الأطلسي بفتح أبوابها لأعضاء جدد وبناء علاقة أكثر إيجابية مع روسيا . ولقد حرصنا في تقريرنا على وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية مزدوجة تسعى إلى طمأنة الحلفاء إلى استمرار الحلف في الدفاع عن مصالحهم، في حين تقيم مع الكرملين علاقة تعاون على نحو يتفق مع قانون 1997 المؤسس للعلاقة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، وإعلان روما في عام 2002 بشأن العلاقة بين الحلف وروسيا .

 

إن طمأنة حكومات الحلف لا تتطلب سوى تأكيد أن “أي مشاركة بناءة لابد أن تكون قائمة على ضمانات عسكرية في إطار حلف شمال الأطلسي”، كما أشار خبراء بارزون، مثل فلوفغانغ ايشنغر وأورليك فايسر . ولابد أن تشتمل الضمانات أيضاً على تدابير بناء الثقة، إلى جانب تعزيز سبل السيطرة على الأسلحة التقليدية والنووية ونزع السلاح .

 

لقد حدد تقرير أولبرايت الخطوط العريضة لاستراتيجية قائمة على “إعادة الارتباط وطمأنة الحلفاء” . ولكن لن يتسنى النجاح لجهود “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا إلا إذا كانت هذه العملية متبادلة . لذا، يتعين على روسيا أن تعمل على تطبيق المبدأين الأساسيين اللذين أعلنت عن تقبلها لهما في مناسبات عديدة . أولاً، كما أعلنت وثيقة هلسنكي الختامية، فإن كل دولة ذات سيادة تتمتع بحق طبيعي في “الانتماء أو عدم الانتماء إلى المنظمات الدولية، وأن تكون أو لا تكون طرفاً في المعاهدات الثنائية أو المتعددة الأطراف، بما في ذلك الحق في أن تكون أو لا تكون طرفاً في المعاهدات التي يبرمها الحلف؛ كما تتمتع بالحق في التزام الحياد” . وثانياً، يشتمل مبدأ المساواة في سيادة الدول على احترام كافة الحقوق المتأصلة في مبدأ السيادة .

 

إن حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى روسيا، وروسيا تحتاج إلى حلف شمال الأطلسي، ولقد أدى تحول الولايات المتحدة بعيداً عن التوجهات الأحادية إلى استعادة أهمية المؤسسات الأمنية المتعددة الأطراف، في حين منح حلف شمال الأطلسي الفرصة لإقامة شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا . في شهر فبراير/شباط من هذا العام، أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمام ندوة المفهوم الاستراتيجي للحلف التي أقيمت في واشنطن: “في حين أن روسيا تواجه تحديات أمنية، فإن حلف شمال الأطلسي ليس من بين هذه التحديات . فنحن نريد علاقات تعاونية بين حلف شمال الأطلسي وروسيا قادرة على جلب نتائج ملموسة والتقريب بين الحلف وروسيا” .

 

ودولة بحجم روسيا، لا ينبغي أن تتمسك بلغة الحرب الباردة، والواقع أن العقيدة العسكرية التي كشفت عنها روسيا في شهر فبراير/شباط من هذا العام، تشتمل على تهديدات داخلية وخارجية، ولكن تركيزها الأساسي كان على تصوير الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي باعتبارهما مصدراً للخطر . وليس من الواضح ما إذا كان واضعو هذه العقيدة يؤمنون حقاً بأن الحلف يفرض تهديداً على روسيا، حيث إن روسيا لم تنعم بجيران مسالمين إلى هذا الحد على حدودها الغربية لأكثر من ثلاثمئة عام .

 

ويتعين على روسيا وحلف شمال الأطلسي أن يعملا في جهد مشترك على وضع أجندة أمنية جديدة وتطوير منهجية أكثر تعاونية استناداً إلى مجموعات عمل وأوراق مشتركة . أما الطريقة القديمة في التفاوض من خلال عرض المقترحات والمقترحات المضادة، حيث ينظر كل من حلف شمال الأطلسي وروسيا إلى الطرف الآخر باعتباره خصماً فلابد أن تُهجَر تماماً . ويتجسد التوجه الذي نحتاج إليه في العمل الذي أنجزته مبادرة الأمن الأوروبي الأطلسي التي تولى رئاستها المشتركة سام نان من الولايات المتحدة وإيغور إيفانوف من روسيا، وايشنغر من ألمانيا .

 

ومؤخراً، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كل الأطراف المشاركة على التركيز بشكل أكبر على الخطوات العملية . وهذا يعني أننا لابد أن نفكر في كيفية توسيع نطاق تطبيق التزامنا بالشفافية المتبادلة، إلى كل القوى العسكرية في أوروبا، بما في ذلك القوى التقليدية والنووية ومنشآت الدفاع الصاروخي . والواقع أن الوقت حان الآن للعودة إلى استكشاف أوجه قصور القوات التقليدية، وتصحيحها وفقاً لاحتياجات الحاضر لا الماضي .

 

إن الارتباط المتبادل بين كل الدول سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ضعيفة أو قوية، ديمقراطية أو استبدادية أصبح بمنزلة المبدأ المنظم لعمل النظام الأمني الدولي اليوم . ولكن الارتباط المتبادل لا يضمن في حد ذاته السيطرة على الطريقة التي تتطور بها العلاقات بين الدول، ناهيك من التطورات داخل كلّ من هذه الدول .

 

إن المهام التي تواجه حلف شمال الأطلسي تتطلب إعادة تحديد جوهر العلاقات بين ضفتي الأطلسي، والإجابة عن بعض التساؤلات الجوهرية . فما الدور الذي يتعين على الحلف أن يضطلع به في المستقبل؟ وهل ينبغي له أن يخضع للمزيد من التحولات والتوسعات المتزامنة؟ وما نوع العلاقات التي يتوجب على الحلف أن يقيمها مع شركائه؟

 

إن تقرير أولبرايت يحاول التعامل مع هذه التساؤلات بطريقة متوازنة . فهو يؤيد السياسات التي تدرك بدقة العلاقة بين“العمليات خارج المنطقة”، والتزام الأعضاء بمبدأ الدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي . وهو يقترح فضلاً عن ذلك إمكانية تحقيق الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية على نحو مشترك مع روسيا من خلال ضمان قدر أعظم من الاستقرار، والشفافية المتبادلة، والحد من التسلح على نحو يمكن التحقق منه بالاستعانة باتفاقيات منع الانتشار والحد من التسلح .

==========================

الموقف الأمريكي بين القول والفعل

آخر تحديث:الأحد ,21/11/2010

أسامة عبد الرحمن

الخليج

تعتبر الأمم المتحدة المستعمرات الصهيونية في الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة غير شرعية، وحتى الولايات المتحدة تعتبرها غير قانونية، وعليه فإن بناء المستعمرات الصهيونية، يعتبر غير شرعي، وغير قانوني .

ورغم ذلك فإن الكيان الصهيوني، يستمر في بناء المستعمرات، ولا يعير اهتماماً لأي معيار قانوني للأمم المتحدة، ولم يعر اهتماماً حتى لموقف الإدارة الأمريكية التي دعت لتجميد بناء المستعمرات الصهيونية، واعتبرت ذلك بنداً ملزماً في خريطة الطريق الأمريكية الطرح، بل إن الإدارة الأمريكية لم تستطع أن تفرض وقفاً لبناء المستعمرات الصهيونية، كشرط لمفاوضات ترعاها بين السلطة الفلسطينية، والكيان الصهيوني، واضطرت لأن تتراجع عن موقفها الذي تعلق به المفاوض الفلسطيني، واكتشف أنه تعلق بالهواء، وبحث عن مظلة عربية ينزل بها إلى مفاوضات غير مباشرة حشدت لها الولايات المتحدة الأمريكية جهداً كبيراً، ومارست ضغطاً كبيراً على المفاوض الفلسطيني، وعلى أطراف عربية لكي تبدأ المفاوضات غير المباشرة، ثم المفاوضات المباشرة التي تعثرت وتبدو الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في رعايتها لعملية السلام المتعثرة، بينما يستمر الكيان الصهيوني في بناء المستعمرات .

 

ومن المستغرب أن الأمم المتحدة التي تعتبر بناء المستعمرات الصهيونية، أمراً غير شرعي، تبدو عاجزة عن تفعيل موقفها للجم بناء المستعمرات، وتمر عقود يستمر فيها الكيان الصهيوني في قضم الأراضي الفلسطينية لبناء مستعمراته، بينما الأمم المتحدة لا تحرك ساكناً إزاء الفعل الذي تعتبره غير شرعي، ولا بتنفيذ البنود المعروفة في مواثيقها ولوائحها لتجعل الكيان الصهيوني، يلتزم بالشرعية، ويكف عن التمادي في ممارساته المخالفة للشرعية .

 

والولايات المتحدة التي تعتبر بناء المستعمرات الصهيونية، غير قانوني لا تحرك ساكناً إزاء تمادي الكيان الصهيوني في بناء المستعمرات، ولا تستنفر أي ورقة من أوراق الضغط لديها لجعل الكيان الصهيوني ينصاع للقانون الدولي، ويكف عن ممارساته المخالفة للقانون الدولي .

 

ليس مستغرباً أن يتجاهل الكيان الصهيوني، أي موقف للأمم المتحدة لا ينسجم مع سياساته وممارساته، بل يتجاهل أي موقف لحليفه الاستراتيجي، الولايات المتحدة لا ينسجم تماماً مع سياساته وممارساته .

 

ومن اللافت للنظر أن الولايات المتحدة وهي تتراجع عن موقفها ما زالت تعلن أن بناء المستعمرات الصهيونية غير قانوني، بحيث يبدو في المحصلة أن هذا الإعلان شكلي يحسن صورتها أمام الطرف الفلسطيني، وأطراف عربية، بينما هو مفرغ من محتواه ومضمونه، لأنه لو كان غير شكلي، لاستنفرت الولايات المتحدة أياً من أوراق ضغطها التي تستنفرها في أي موقع آخر . . لفرض واقع تريده .

 

ما الذي يستفيده المفاوض الفلسطيني والعربي، من مواقف الأمم المتحدة وقراراتها ومنها ما يعتبر المستعمرات الصهيونية غير شرعية، بينما الكيان الصهيوني، يضرب عرض الحائط بهذه المواقف والقرارات، ويستمر عبر عقود في قضم والتهام الأرض الفلسطينية .

 

وما الذي يستفيده المفاوض الفلسطيني أو العربي من اعتبار الولايات المتحدة بناء المستعمرات غير قانوني بينما الكيان الصهيوني، لم يكف عن بناء المستعمرات .

 

القضية المحورية في هذا التناقض الصارخ بين الموقف، وبين الواقع هي الدعم غير المحدود، والمساندة غير المحدودة من الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، والنأي به عن أي إدانة، وشحذ كل الوسائل في الدفاع عنه، وفي تزويده بأحدث أسلحة الفتك والدمار، ولو كانت الولايات المتحدة صادقة في إعلانها أن بناء المستعمرات الصهيونية، غير قانوني لفرضت من خلال أوراق الضغط التي تملكها على الكيان الصهيوني أن يلتزم بعدم بناء المستعمرات، ولجعلت موقف الأمم المتحدة موقفاً ينصاع له الكيان الصهيوني .

==========================

أوروبا والتحديات الجديدة

آخر تحديث:الأحد ,21/11/2010

الحسين الزاوي

الخليج

يسعى الأوروبيون منذ سنوات عديدة إلى المحافظة على ما تحقق من إنجازات مهمة على مسار الاتحاد، الذي مثل اعتماد العملة الموحدة اليورو أبرز إنجازاته، ذلك أن نقاط الفرقة والاختلاف ما فتئت تتزايد ويتعاظم من ثمة خطرها على مستقبل هذا الاتحاد، خاصة بعد أن بدأت بوادر الخلاف تلوح في أفق المحور الألماني الفرنسي، الذي مثل بشكل لافت دعامة مشروع الوحدة الأوروبية منذ البدايات الأولى لمسيرة الوحدة الاقتصادية بين دول القارة . وتشير المعطيات الحالية إلى تراجع مستوى وزخم التعاون والشراكة بين دول الاتحاد، بعد أضحت كل دولة تدافع عن مصالحها الوطنية الضيقة دون تنسيق يذكر مع باقي شركائها، كما بدأت تبرز إلى العلن حركات وجمعيات أهلية نافذة لا تؤمن بمزايا هذا الانجاز الأوروبي المشترك، وأضحى أقطابها يرمزون إلى تيار سياسي قائم بذاته يُنعت بالمشككين في الوحدة الأوروبية .

 

يحدث كل ذلك في ظل استمرار تأثير الأزمة الاقتصادية على مجمل الدول الأوروبية التي بدأت تشهد موجة احتجاجات اجتماعية كبرى نتيجة لتراجع مستوى المعيشة وانسداد الآفاق أمام الكثير من الشباب الأوروبي، إضافة إلى فقدان الثقة في مستقبل النظام الاقتصادي والسياسي القائم، وإحساس قسم كبير من المواطنين بهشاشة الأسس التي تحكم سوق العمل، الأمر الذي يجعل الطبقة العاملة عرضة أكثر من غيرها لتقلبات الوضع الاقتصادي وتحديداً بعد تخلي الأنظمة الوطنية عن الكثير من التزاماتها الاجتماعية . وبالتالي فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية وتردي النسيج الاجتماعي، يسهمان بشكل واضح في تراجع حلم الوحدة الأوروبية وفي انتشار الإجراءات الحمائية على مستوى الدول الوطنية؛ وقد بدأ يتضح ذلك بشكل جلي من خلال تزايد القرارات الأحادية الجانب من قبل قادة الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا .ونذكر في هذا السياق أن عملية طرد الغجر من فرنسا باتجاه رومانيا، مثلت تجربة قاسية بالنسبة لوحدة وتماسك البيت الأوروبي، حيث تعرضت فرنسا لانتقادات لاذعة من قِبل شركائها الكبار،بعد أن داست على أهم بند من بنود قوانين الاتحاد الذي يؤكد بشكل واضح على حرية تنقل الأشخاص والممتلكات بين دول المجموعة .

 

ورغم أن القمة الفرنسية البريطانية الأخيرة أسهمت في ميلاد أول اتفاق عسكري بين قوتين أوروبيتين كبيرتين، إلا أن الملاحظين شككوا في أهمية ما تم الاتفاق عليه، خاصة أن العناصر التي تم اعتمادها تتسم بطابع خدماتي ولا تمس القطاعات العسكرية الحساسة، وبالتالي فإن ما تم التوصل إليه يُترجم إلى حد كبير المستوى المأساوي الذي بلغته الأزمة الاقتصادية التي أملت على الطرفين التعاون في بعض المجالات غير الاستراتيجية من أجل تقليص حجم الإنفاق العسكري، وعليه فإن هذا الاتفاق لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتجاوز عقوداً من انعدام الثقة بين باريس ولندن، ولا يمكنه بالتالي أن يمثل مؤشراً على توفر إرادة حقيقية من أجل تدعيم مستوى التنسيق والتعاون بين الجارين المتنافسين .

 

الوجه الآخر للأزمة الأوروبية الحالية يتجلى من خلال الصعوبات الكبيرة التي تواجه مشروع الرئيس الفرنسي الموسوم:“الاتحاد من أجل المتوسط”، فقد أخفقت حتى الآن مجمل المحاولات الهادفة إلى عقد المؤتمر الثاني لهذا الاتحاد بمدينة برشلونة الاسبانية، فرغم المساعي الحثيثة التي بذلتها الدولة المضيفة من أجل إقناع الدول المترددة من أجل حضور هذا اللقاء . إلا أن هذه الدول ومن بينها الكثير من العواصم العربية، ترفض حتى الآن عقد هذه القمة في الوقت الذي تواصل “إسرائيل”سياساتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن تركيا التي تملك نفوذاً كبيراً على مستوى الحوض المتوسطي غير مقتنعة بشكل كبير بجدوى اتحاد ترعاه دولة هي من أشد المعارضين إلى جانب ألمانيا، لانضمامها إلى دول الاتحاد الأوروبي . ويمكن القول تأسيساً على ما سبق أن الوجه المشرق للاتحاد الأوروبي بدأت تظهر عليه بوادر الشحوب والشيخوخة، ولولا وجود بعض المصالح المتبادلة التي تم التأسيس لها في البداية بكل جدية وعقلانية، لانفرط عقد المجموعة منذ السنوات الأولى . وإذا كانت سياسة دول الاتحاد الأوروبي القائمة على مبدأ البناء على العناصر التي تكون محل إجماع من قبل الجميع وتأجيل العناصر المختلف بشأنها، قد أعطت نتائج مرضية حتى الآن، فإنها تبدو غير قادرة في هذه المرحلة، التي يمكن وصفها بالاستثنائية، على توفير الشروط الضرورية من أجل ضمان انطلاقة جديدة لمشروع الوحدة الأوروبية، الذي لم يعد قادراً على توفير عناصر تحفيز قوية بالنسبة لمواطني الدول الكبيرة بالقارة، الأمر الذي بدأ يُسهم خلال السنوات القليلة الماضية في تبلور رأي عام أوروبي يشكك في مزايا الوحدة، خاصة في ألمانيا وفرنسا وكذلك في بريطانيا التي ما زالت تعارض بقوة مشروع الانضمام إلى الوحدة النقدية الأوروبية . ومن غير المستبعد أن تؤدي السياسة الأوروبية الجديدة الداعية إلى خفض العجز في موازنات دول الاتحاد، إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية التي من شأنها أن تُفاقم من حالة التراجع التي يعرفها مسلسل الوحدة الأمر الذي يفرض تحديات جديدة وغير مسبوقة على هذا المشروع الأوروبي الذي ولد من رحم التناقض والمعاناة .

==========================

الإستهتار الأميركي وإفلاس خيار المفاوضات

الأحد, 21 نوفمبر 2010

خالد الدخيل *

الحياة

العرض الأميركي لإسرائيل لإقناعها بتجميد الإستيطان لمدة 90 يوماً يتضمن حزمة إغراءات سياسية وعسكرية، بعضها معلن، والبعض الآخرغير معلن. من بين العناصر المعلنة للصفقة أن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل 20 طائرة إف 35، وضمانات باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرارات تستهدف إسرائيل. بحسب الصحف الإسرائيلية ستتولى الإدارة الأميركية تمويل صفقة الطائرات، ولن تعارض استمرار الاستيطان في القدس الشرقية أثناء مدة التجميد. الإشكالية التي تواجهها الإدارة، كما تقول ال «جيروزاليم بوست» تتعلق بالكيفية التي يجب أن تكون عليها صياغة الموقف الأميركي من هذه النقطة بالتحديد.

مهما تكن الصيغة النهائية التي سينتهي إليها العرض الأميركي، فإنها تؤكد مرة أخرى الطريقة التي تتعاطى بها الولايات المتحدة الأميركية مع موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي، وبخاصة مع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وهي طريقة مثيرة للدهشة، حتى مع التسليم بأن ما يهم الأميركيين قبل أي شيء آخر في هذا الإطار هو الأمن الإسرائيلي، والتفوق الإسرائيلي النوعي على جيرانها، تمشياً مع الهدف نفسه. هي مثيرة للدهشة من حيث إنها ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء، والإدارات التي تتشكل مع كل واحد منهم. الرئيس أوباما، مثلاً، يختلف، أو يفترض أنه يختلف بهذه الدرجة أو تلك في رؤيته للدور الأميركي دولياً، وبالتالي للسياسة الخارجية، عن الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الإبن. ومع ذلك بقي أوباما متسقاً تماماً مع السياق الثابت للسياسة الأميركية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، وخطه التصاعدي في اتجاه الانحياز لإسرائيل، وتبنّي سياساتها بغض النظر عن الاعتبارات القانونية والسياسية التي قد تترتب على ذلك. فكرة غزو العراق والإطاحة بنظامه السابق كانت في جزء كبير منها إلهاماً إسرائيلياً. وعلى رغم الإخفاق الكبير في هذه المهمة وأكلافها الباهظة، لم يتأثر الالتزام الأميركي بالسياسات والطموحات الإسرائيلية. صحيح أن هناك اعترافاً ضمنياً، أو بداية اعتراف على الأقل داخل بعض الدوائر المهمة في واشنطن، بأن استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي بات يشكل تهديداً واضحاً للمصالح القومية الأميركية، وأنه يمثل أحد أهم المصادر الرئيسة للإخفاقات الأميركية في المنطقة، إلا أن هذا الاعتراف لم يؤثر حتى الآن في أن رؤية واشنطن للصراع تستند في جوهرها إلى الرؤية الإسرائيلية. هذا لا يعني أن السياسة الأميركية تجاه المنطقة تابعة للسياسة الإسرائيلية. الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك: فمن ناحية لا شك في أن المصالح الأميركية في المنطقة تتقاطع في نواح كثيرة مع المصالح الإسرائيلية. من ناحية ثانية، هناك ضعف أو انقسام العالم العربي الذي يجعل الاعتماد عليه بالنسبة الى دولة عظمى ينطوي على مخاطرة كبيرة، وهذا يصب في مصلحة زيادة الاعتماد على إسرائيل. أضف إلى ذلك أن المصالح السياسية للساسة الأميركيين في الداخل تتأثر بثقل اللوبي الإسرائيلي وأهميته داخل النظام السياسي الأميركي. ربما أن ليس في هذا من جديد، لكن تبقى الطريقة الأميركية مثيرة للدهشة، ليس فقط لأنها لا تنظر إلى الصراع من زاوية أنه عملية ترتكز في وجودها وفي طبيعتها على طرفين يفترض أن لكل منهما حقوقاً ومصالح، وإنما من زاوية أن المسؤولية تقع على الطرف الفلسطيني، ومن ثم الطرف العربي في شكل عام، في التكيف مع المتطلبات الثقافية والسياسية لما يعتبره الأميركيون حق إسرائيل في الوجود، وحقها تبعاً لذلك في تحديد طبيعة أو حدود حاجاتها الأمنية كدولة تنتمي، وإن بمنطق القوة أكثر من أي شيء آخر، إلى منطقة الشرق الأوسط.

قبل هذا وذاك، فإن المثير للدهشة في السياسة الأميركية تجاه المنطقة هو مدى استخفافها بالجانب القانوني الذي يؤطر الصراع، وبخاصة ما يتعلق منه بالقانون الدولي المتصل بالحقوق والمصالح العربية. والعرض الأميركي الأخير خير شاهد على ذلك. فهذا العرض يتضمن استخفافاً واضحاً بحقيقة أن الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة يمثل انتهاكاً للقانون الدولي قبل أن يكون انتهاكاً للحقوق الفلسطينية. من هنا بدلاً من التفكير في معاقبة الفعل الجرمي الذي يمثله الاستيطان الإسرائيلي قانونياً، تأتي إدارة أوباما الأميركية لتكافئ إسرائيل وبجزالة لا يمكن تفاديها، ليس حتى على الوقف النهائي لهذا الفعل الجرمي، وإنما على تجميد موقت وجزئي لهذا الفعل. بعبارة أخرى، تتبنى إدارة أوباما المفهوم الإسرائيلي لما يسمى «عملية السلام»، وبالتالي للمفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، وعلاقتها مع الاستيطان. فشلت هذه الإدارة في وقف الاستيطان بالكامل. بل حتى المطالبة بالوقف الجزئي والموقت للاستيطان لم تكن ممكنة إلا بثمن مالي وسياسي باهظ. ومع كل هذا التنازل الأميركي، لا تزال حكومة نتانياهو تدرس العرض الأميركي بأمل تحسينه بأكثر مما هو عليه حالياً.

إذا كان العرض الأميركي مثيراً للدهشة لناحية أنه يمثل ثباتاً أميركياً لا يلين في تبني الرؤية الإسرائيلية للصراع، فإن الموقف العربي يبقى الأكثر إثارة للدهشة لناحية قدرته وثباته على تجاهل، أو ربما التقليل من خطورة الاستخفاف الأميركي بالمصالح العربية، وثباته الذي لا يلين على مسايرة أو مجاراة الجنوح المتطرف للسياسة الأميركية، ليس فقط تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، بل تجاه المنطقة ككل، بما في ذلك إيران، وحدود طموحاتها الإقليمية. الاحتلال الأميركي للعراق، وتداعياته الإقليمية، هو امتداد للسياسة الأميركية نفسها، والاستخفاف الأميركي ذاته الذي خبره العرب في إطار الصراع مع إسرائيل. لا يزال تقاطع المصالح الإيرانية مع مصالح واشنطن في العراق يثير دهشة العرب، بخاصة عندما يأتي ذلك مقابل الصدام الأميركي - الإيراني في منطقة الشام، وقبل ذلك على خلفية ملف طهران النووي. في السياق نفسه، يأتي الإصرار الأميركي على تقسيم السودان، أو الحديقة الخلفية لمصر، حليف واشنطن الأقوى في العالم العربي. وآخر أمثلة الاستخفاف الأميركي يتمثل في موقف واشنطن الثابت من قضية انتشار السلاح النووي في المنطقة.

من هذه الزاوية، ليس هناك، كما قد يبدو للبعض، من فروقات مهمة بين ما يسمى ب «جبهة الاعتدال العربية» و «جبهة الممانعة العربية». الفروقات بين هاتين الجبهتين المفتعلتين هي في حقيقتها فروقات أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة. أول ما تنبغي ملاحظته هنا أن جبهة الممانعة ليس فيها إلا دولة عربية واحدة هي سورية. المكونات الأخرى هي إيران (دولة غير عربية)، ومنظمات مقاومة خارجة على الدولة. تعكس هذه المكونات ذكاء سياسياً يسمح لسورية بالاستفادة من ورقة المقاومة الفلسطينية، ومن وزن إيران الإقليمي، لكنها استفادة تكشف مدى ضعف الموقف السوري. تستفيد المنظمات من الغطاء السوري داخل النظام الرسمي العربي. وسورية تستفيد من المنظمات كورقة في التجاذبات العربية داخل النظام نفسه. لكن حقيقة أن المنظمات تبدو أكثر قدرة من الدولة العربية (سورية أحد نماذجها)، وتملك مساحة أوسع للحركة السياسية، يضمر ضعف سورية وضعف خياراتها السياسية، بقدر ما يعكس قوة المنظمات كبديل أمام انسداد الأفق أمام النظام الرسمي العربي. بعبارة أخرى، تستخدم المنظمات سورية كبوابة تدخل من خلالها إلى النظام العربي، لكن من دون أن تجد نفسها ملزمة بحقيقة الأهداف السورية من استخدامها في هذا الإطار. وتدرك سورية حدود خياراتها السياسية داخل النظام الرسمي العربي. ولذلك تميز الموقف السوري بأمرين رسخهما الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد: الأول عدم الدخول في مفاوضات من دون سقف زمني محدد، وهدف سياسي واضح وملموس. الأمر الثاني، عدم تبني خيار المقاومة داخل سورية، وذلك تجنباً لمواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولإغراء الإسرائيليين بأن استعادة الجولان لن تشكل خطراً عسكرياً عليهم. إذا كان الموقف السوري هو صيغة مختلفة للمواقف العربية نفسها، فهذا يعني أن معادلة «الممانعة» و «الاعتدال» ما هي إلا محاولة لشرعنة الضعف العربي تحت مسميات وشعارات جوفاء.

في هذه الحال، يجب على الطرف الفلسطيني التفكير جدياً بخيارات أخرى غير المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة. فحال الضعف العربي، مضافاً إليها الاستهتار الأميركي نتيجة لهذه الحال، تعني إفلاس خيار المفاوضات. إسرائيل بدورها تستخدم المفاوضات، وتدفع باتجاه فشلها. ولا يبدو أن العرب، بخاصة الأردن ومصر وسورية، يملكون سياسياً القدرة على إجبار أميركا على دفع ثمن استهتارها وتبنيها للسياسات الإسرائيلية. لكل ذلك يفاوض الفلسطيني من موقع ضعف مزدوج. وهو ما يجب أن يتوقف بعد أكثر من 15 سنة من مفاوضات عقيمة.

* كاتب وأكاديمي سعودي

==========================

الإعاقة الاستراتيجية العربية واستعصاء الحلول

الأحد, 21 نوفمبر 2010

خالد الحروب *

الحياة

لماذا تستعصي على الحل المعضلات الكبرى التي تواجه العرب دولاً ومجتمعات، ويتواصل الفشل في تخطي حالة الشلل والضعف التي لا تزال تحيق بهم على مدار عقود طويلة؟ الامر الاكيد هو عدم وجود عنصر حاسم بعينه يقع في قلب الإجابة، التي تتوزع في الواقع على أكثر من عامل ومستوى.

يمكن البدء هنا بعامل الثقافة السياسية السائدة، التي تخترق معظم الشرائح في العالم العربي، سواء أكانت على مستوى الجمهور العام أم على مستوى النخب والقيادات، والتي تعيق عملية استيعاب المشكلات على أسس عقلانية، وبالتالي التمهيد للوصول إلى حلول عملية. هذه الثقافة تسيطر عليها النزعات الشعاراتية، والطوباوية، والحنين إلى ماض تليد، والبعد عن الواقعية، فعوضاً عن مواجهة الحاضر الصعب والمرير، ثمة حضور شبه كامل لسيكولوجيا مدمرة هروبية وموزعة بين الماضي والمستقبل، فمن ناحية يستحوذ الماضي والعودة إليه والتغني بأمجاده على الخيال العربي، وصورة هذا الماضي مُتخيَّلة أيضاً، وهي ليست واقعية، إذ تُنسَج لوحة زاهية ومُشرقة وخالية من العيوب، ومن ناحية ثانية يؤدي الشلل الذاتي، المرافق لنسج صورة ذهبية عن الماضي، إلى التأثير في تصور المستقبل وشكل «النهضة الجماعية» التي يتوق إليها الأفراد ونخبهم، حيث يتم التنظير لتلك النهضة والخروج من المأزق من منظور ماضوي يعيد إنتاج التاريخ المنقضي (الذهبي) على شكل مشروع مستقبلي.

ويرافق هذه العملية الذهنية، التي تتكون في اللاوعي الجمعي وتنعكس في الخطابات السياسية والفكرية والدينية، كسلٌ فكري وسياسي مريع، واطمئنان خادع بأن «المستقبل لنا»، وأن كل ما نواجهه اليوم سوف ينتهي آجلا أم عاجلا، لأن مستقبلنا «المشرق» سوف يكون استكمالاً لماضينا الزاهر. بذلك يكتمل فعل الهروب الجماعي من الواقع باتجاهين: واحد باتجاه الماضي والتغني به، وثان باتجاه المستقبل والأمل به، فيما يتم استرذال الحاضر ومشكلاته وقضاياه، باعتباره مرحلة ظرفية عابرة تتسم بالانحطاط والتفكك، لكنها وقتية.

إن هذا كله لا ينتج عقلية براغماتية وعملية تواجه بوضوح التحديات التي يتعرض لها الفرد أو المجموعة وتجترح حلولاً لها، ولا تقبل أن تنام عليها أو أن تتركها برسم التصدير للمستقبل أو الإهمال العام، بما يزيد من تعفنها ويفاقم من تأثيراتها المدمرة ويوسعها.

بيد أن الثقافة السياسية ليست سوى عامل واحد تسنده عوامل ومستويات اخرى تقود في مجموعها إلى تكريس إعاقة إستراتيجية جماعية عن الفعل والتأثير. ومن هذه العوامل: طبيعة انماط الحكم السلطوي المسيطرة في البلدان العربية، والتي تؤثر بشكل جوهري وفعال في الفشل المريع الراهن الذي يسم مواجهة المعضلات الإستراتيجية، فالتكوين المشترك الأساسي في أنماط الحكم تلك هو غياب المحاسبة، والتفرد في الحكم، وصناعة القرار من قبل دائرة ضيقة من النخب التي تسيطر على مقدرات السلطة والثروة في كل بلد. إن الهم المشترك الاساسي لهذه النخب الحاكمة هو الدفاع عن مصالحها وعن استمرارية بقائها في الحكم، وليس الدفاع عن المصالح العامة لشعوبها أو حل المشكلات الكبرى التي تواجه بلدانها.

يُضاف إلى ذلك عامل نوعية نمط المعارضة السائد، والمتمثل في الموجة الإسلاموية التي عملت على إضافة تعقيد إضافي للمشهد العام في العالم العربي، انعكس إضعافاً للقدرة على مواجهة المشكلات الإستراتيجية وحلّها، فخلال العقود الثلاثة الماضية، نمت حركات الإسلام السياسي المعارضة بشكل مضطرد أخاف النظم الحاكمة وزاد من توترها الكامن. ولئن توزعت هذه الحركات على طيف واسع، يبدأ من تلك التي تبنت برامج تغيير غير عنفي تعتمد على المشاركة السياسية والانتخابية، وينتهي بمجموعات السلفية الجهادية التي لا تؤمن إلا بالعنف والسلاح، فإن احد أهم المنعكسات التي رافقت تطورها وشعبياتها المضطردة تَمَثَّلَ في إبطاء التوجه نحو الافتاح السياسي، فالبديل والخطاب المتطرف الذي عرضته هذه الحركات زاد من تردد الأنظمة والنخب التي تَوَلَّد لدى بعضها التوجه نحو الدمقرطة الجزئية، وأخافت الخطابات الإسلاموية أيضاً نخب الديموقراطيين العلمانيين المعارضين، الذين وجدوا انفسهم محشورين بين خياري القبول باستبداد الوضع القائم أو المضي في تأييد الدمقرطة إلى أبعد مدى، حتى لو جاءت بالإسلاميين وما قد يرافق ذلك من مغامرة. وفي الاتجاه نفسه، أخاف البديل الإسلامي وخطابه الدولَ والمنظمات الخارجية التي كان يدفع بعضها باتجاه الدمقرطة والضغط على الحكومات القائمة نحو الانفتاح السياسي، وأربك جمعيات حقوقية دولية ومنظمات مجتمع مدني ارادت ان تبذل مجهودات حقيقية ومخلصة في اتجاه الدمقرطة العربية.

في المحصلة، أدى هذا الصراع الجذري على السلطة وعلى مستقبل شكل الأنظمة بين الحكومات القائمة والبديل الحركي الإسلاموي، إلى استنزاف هائل للقدرة الذاتية، وانقلاب في الأولويات والأجندات الضاغطة، ما أتاح لقائمة طويلة من المعضلات الإستراتيجية أن تتراكم من دون أن يتم صرف جهود وأوقات حقيقية لمواجهتها، أو رسم إستراتيجيات طويلة الأمد.

وعلى مستوى العلاقات العربية والاقليمية، يأتي عامل الاستقطابات وسياسات المحاور ليرتبط بما سبق ارتباطاً وثيقاً، فهنا نرى صورة مكبّرة لما هو حاصل على المستوى المحلي والوطني في كلٍّ من البلدان العربية، من تنافر وتناقض في إدراك المشكلات والقضايا الإستراتيجية، حيث تنشطر رؤى الدول العربية إزاء عدد مهم من المعضلات الكبرى، وهذا كله - كما هو معروف - تلخِّصه تنافسات محاور «الاعتدال والممانعة» في الوضع الإقليمي الراهن. فالافتراق هنا في إدراك كنه وطبيعة القضايا الإستراتيجية والتهديدات والتحالفات كبير جداً، إلى درجة تكاد تقود إلى اليأس إزاء إيجاد حل أو مقاربة شبه مشتركة لها. لكن المهم هنا أن ما قد يراه - على سبيل المثال - «معسكر الممانعة» تهديداً استراتيجياً أو سياسة أو تحالفاً يعرض «المصالح العربية» للخطر، قد يراه «معسكر الاعتدال» عكس ذلك تماماً. وفي المقابل، فإن تحالفات «معسكر الممانعة» وسياساته، والتي تراها اطراف هذا المعسكر ضرورية للدفاع عن هذه المصلحة العربية أو تلك، تراها اطراف «معسكر الاعتدال» مدمِّرة للمصالح العربية.

وعلى خلفية هذا الانشطار، وبسبب استمراره طويلاً، تتخلق بيئات فراغ قوة إقليمي تستدعي وتغري اطرافاً اخرى للقدوم وتعبئتها، كما هو حاصل حالياً مع إيران وتركيا، حيث تؤول الأمور تدريجياً إلى وضع تتقاسم فيه هاتان الدولتان، إلى هذا الحد أو ذاك، النفوذَ الإقليمي في المنطقة العربية، فيما الاطراف العربية تراقب وتتذمر وتحتجّ، لكنها مقيدة بقيود الشلل الإستراتيجي الذي وضعت نفسها فيه.

والعوامل السابقة، على مستوى حكومات ونظم، يجب ألاّ تقود إلى إعفاء الشعوب ونخبها المفكرة والمسيّسة من المسؤولية العامة عن تردي اوضاعها والوضع الكلي للعرب ودولهم وموقعهم، فهناك حالة من السلبية واللامبالاة المدهشة تسيطر على الشعوب العربية بمجاميعها الرئيسية والعريضة، وهي حالة تكاد تستعصي على التفكيك، ففي معظم البلدان والمجتمعات العربية، تتحالف ضغوط وظروف من المفروض أن تقود نظرياً إلى انتفاضات متواصلة بهدف تغيير الأوضاع، وتكفي الإشارة إلى معدلات الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروة، مُضافاً إلى ذلك الفساد والاستبداد وما تراه غالبيات هذه الشعوب من تبعية للسياسات الغربية. لكن مع ذلك، وبرغم وجوده كله، فإن درجة القبول بالأوضاع القائمة على ما فيها من تردٍّ تبقى أمراً محيِّراً حقاً.

اخيراً تشتغل العوامل الخارجية، وخاصة السياسات الغربية في المنطقة، واسرائيل وسياساتها ومصالحها، في اتجاه يزيد من تعقيد مواجهة العرب، مجتمعين أو منفردين، للقضايا الإستراتيجية الكبرى التي تفرض نفسها عليهم، فهنا لا تتدخل الولايات المتحدة وحسب في طبيعة العلاقات بين العرب والضغط على هذا الطرف أو ذاك لتحقيق هدف معين أو تمرير سياسة محددة، بل وصلت وتصل إلى ممارسة ضغوط وتهديدات مباشرة، ثم فرض سياسات معينة تتناسب وأجنداتها في المنطقة والعالم. وتقع إسرائيل بطبيعة الحال في قلب السياسات والاستراتيجيات الاميركية في المنطقة، والتي يتم صوغها وفق المصلحة الإسرائيلية بالدرجة الأولى، ولو على حساب مصالح واطراف عربية عديدة، وبشكل يؤدي إلى زيادة تعرية الشرعيات السياسية الهشة. والمثال البارز راهنا هو الملف النووي الإيراني في المنطقة وموقف الولايات المتحدة منه والتلاحم العضوي بين ذلك الموقف والموقف الإسرائيلي.

* محاضر في سياسة الشرق الأوسط - جامعة كامبرج، بريطانيا

==========================

لعبة المفاوضات المملة بين إسرائيل والفلسطينيين

بلال الحسن

الشرق الاوسط

21-11-2010

إذا أردنا أن نأخذ الأمور بمظاهرها، فإن بنيامين نتنياهو، رئيس دولة إسرائيل ذات الخمسة ملايين نسمة، هو وحش كاسر، حتى إنه يستطيع أن يتحدى رئيس أكبر دولة في العالم. يقول له: لا. ويضع عليه الشروط. ثم يتدلل عليه ويطلب شروطا أكثر. وهو يتلقى منه الرسائل والعروض فيرفضها، أو يردها له مرهونة بمطالب جديدة.. ولكن هل هذه هي الصورة الحقيقية؟

وإذا أردنا أن نأخذ الأمور بمظاهرها، فهناك اتصالات ثلاثية تدور بين أميركا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، من أجل قيام تفاهم ثلاثي يسمح باستئناف المفاوضات المباشرة، حتى إن ديفيد ميتشل الذي يسمونه بالمعجزة، الذي صنع سلام آيرلندا، يأتي بنفسه ليصنع المعجزة الجديدة، ويضع الجميع على سكة التفاوض. وقد جاء هذه المرة إلى رام الله ومعه مندوب أميركي آخر يستعين بمهاراته إذا لزم الأمر.. ولكن هل هذه هي الصورة الحقيقية؟

حول السؤال نسجل ما نعتقد أنه الجواب الصحيح، فنقول إن نتنياهو إذ يتحدى الرئيس الأميركي أوباما، فلأن أوباما لا يضغط عليه، بل هو يتبنى كل مطالبه ضد الفلسطينيين. وأوباما لا يضغط عليه، بدليل أنه يمده بالسلاح ليصبح جيشه أقوى وأقوى. إن أوباما يلاين نتنياهو، ويسايره، ويدلله، كي يقبل أمرا واحدا فقط، وهو أن يحتفظ بكل أهدافه ضد الفلسطينيين، إنما بشرط واحد، وهو أن يواصل عملية التفاوض مع الفلسطينيين، لأن العودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين تشكل دعما سياسيا لأوباما داخل بلده، وهو دعم يحتاجه ليقول إن سياسته الخارجية ناجحة.

وعلى الرغم من هذا المطلب السهل، فإن نتنياهو يعاند ويعاند. وهنا يطرح السؤال نفسه مرة ثانية: لماذا؟ والجواب نجده في المواقف الأميركية الأخرى تجاه أحداث المنطقة، وهي مواقف تتكثف وتتجمع كما يلي: ضغط شديد على لبنان. وضغط شديد على سورية. وضغط شديد على العراق. وضغط متصل على إيران. وضغط سري وناعم على الأردن التي يريد نتنياهو المرابطة عسكريا على حدوده. وفي كل هذه المواقف فإن إسرائيل تقف في نقطة الوسط، تقف في عين الصقر كما يقولون، إذ إن مواصلة هذا الضغط الأميركي على العرب، يحتاج إلى استعمال قوة إسرائيل، وتهديد جيش إسرائيل في لحظة ما حاسمة وخطرة. ولأن نتنياهو يعرف أن أوباما يعده لهذا الأمر، فهو يعرف أيضا أنه لن يفرط به لأجل عيون الفلسطينيين. وهو لذلك يطلب ويطلب. ويرفض ويرفض. ويتمنع ويتمنع، من دون أن يخشى غضب الرئيس الأميركي.

وحين يرسل أوباما مندوبه ديفيد ميتشل ليتوسط وليصنع معجزته الجديدة، فهو يعرف أن مندوبه فقد القوة على فعل ذلك، وفقد البريق الشخصي، حتى أصبح يظهر في الصور الإعلامية ضاحكا ببلاهة، على غرار الممثل المبتدئ، الذي يعرف أن مهمته تقتضي منه أن يبقى تحت أضواء الكاميرات، حتى لو كانت الصورة تظهره بوضوح مبتدئا وفاشلا. يأتي ميتشل إلى رام الله ليبلغ السلطة الفلسطينية فحوى المحادثات بين أوباما ونتنياهو، ولكنه لا يجري محادثات مع السلطة الفلسطينية. إنه يبلغها بما لديه من معلومات، ومن اقتراحات جرى تقديمها إلى نتنياهو، من باب أخذ العلم فقط.

مثلا يأتي ميتشل ويبلغ المفاوض الفلسطيني أن نتنياهو يشترط الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل من أجل العودة إلى المفاوضات، وتسقط هنا الجملة التي تقول إن أوباما قدم لنتنياهو الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، تماما كما فعل سلفه جورج بوش عبر رسالته الرسمية إلى أرييل شارون عام 2004.

مثلا يأتي ميتشل ويبلغ المفاوض الفلسطيني أن نتنياهو يشترط الإفراج عن الجاسوس الأميركي بولارد، وتسليمه كبطل إلى إسرائيل، وهو أمر لا علاقة للمفاوض الفلسطيني به، لا من قريب ولا من بعيد، إنما ميتشل يبلغه فحسب، ربما كنوع من النميمة لا من التفاوض.

وفي سياق هذا كله يقدم أوباما إلى نتنياهو صفقة ليست مغرية، بل هي أكثر من مغرية، صفقة تحالف استراتيجي جديد يضاف إلى التحالف الاستراتيجي القائم والدائم بينهما. وتقوم هذه الصفقة على البنود التالية:

أولا: تجميد الاستيطان لمدة 90 يوما فقط، وباستثناء مدينة القدس، مع تعهد بأن لا يتم بعد ذلك بحث موضوع تجميد جديد للاستيطان في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. فيسقط بذلك بند الاستيطان من المفاوضات.

ثانيا: وعد إسرائيل بأن واشنطن ستستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يمس إسرائيل. والمقصود بذلك استخدام الفيتو ضد أي مطلب فلسطيني يعرض على مجلس الأمن بهدف إعلان الدولة الفلسطينية في حدود 1967، ومن جانب واحد. فيسقط بذلك المشروع السياسي المضاد الذي يهدد به المفاوض الفلسطيني.

ثالثا: تأييد مطلب إسرائيل بمرابطة جيشها في منطقة غور الأردن، وبعمق 14 كلم. ويعني ذلك تأييد أوباما لمطلب نتنياهو بضرورة تحقيق مطالب إسرائيل الأمنية في أي تسوية مع الفلسطينيين.

رابعا: وعد إسرائيل بتسليمها أحدث الطائرات الحربية الأميركية، بما يزيد من قوتها العسكرية، ومن أجل الهدف الأميركي الدائم، بأن تبقى إسرائيل قوة تستطيع تهديد العرب جميعا.

وعلى الرغم من كل هذه الإغراءات، فإن نتنياهو لا يزال يرفض ويتدلل، وهو يرغب، من دون أن يقول، في أن ينال كل هذه العروض من أوباما، من دون أن يجمد الاستيطان. أو من أجل أن ينال موافقة أوباما على خدعة إسرائيلية جديدة، تقول بتجميد الاستيطان في المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل فقط، أي أن لا يشمل التجميد المستوطنات التي سيتم فيها تنفيذ مبدأ تبادل الأراضي الذي يوافق عليه المفاوض الفلسطيني. وهذه المستوطنات هي التي تقع في منطقة القدس، التي تحيط كلها بمدينة القدس، وتسهل على إسرائيل الاستيلاء عليها وإعلانها مدينة يهودية، بل وإعلانها عاصمة «أبدية» لإسرائيل.

ويجري كل هذا بينما يتجاهل أوباما المصالح العربية، ويتجاهل الحقوق الفلسطينية. ربما لأن العرب لا يطالبون بشيء. أو ربما لأن العرب لا يهددون بشيء. لا يهددون مثلا بتفعيل المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل من جديد. لا يهددون مثلا بتعليق العلاقات الدبلوماسية القائمة مع إسرائيل. لا يهددون مثلا بإزالة «مبدأ» تبادل الأراضي من على طاولة التفاوض الفلسطيني. لا يهددون مثلا بوقف التعاون الأمني القائم فلسطينيا وعربيا مع إسرائيل.

وفي ظل هذا كله، يعرض أوباما على نتنياهو، ويتدلل نتنياهو على أوباما، وتستمر لعبة المفاوضات وكأنها استراتيجية دولة عظمى، وهي في الواقع استراتيجية لا وجود لها.

======================

التربية على الديمقراطية في المنطقة العربية (1)

بقلم : محسن مرزوق (الأمين العام للمؤسسو العربية للديمقراطية) ..

الراية

21-11-2010

ملاحظات حول مشروع إصلاح مؤجّل

يلاحظ أغلب الباحثين والخبراء والمختصين أن إصلاح قطاع التربية في المنطقة العربية هو ضرورة ملحة. وقد حددت مجالات متنوعة للإصلاح المنشود من بينها تأسيس مجتمع المعرفة ومقاربة النوع الاجتماعي وتشجيع البحوث العلمية والربط بين التعليم وسوق الشغل إضافة لمسألة تكنولوجيات الإعلام والاتصال. ومن بين هذه المجالات المختلفة سنركز في هذا المقال على العلاقة بين إصلاح التعليم والإصلاح الديمقراطي.

فبعد توالي موجات الدمقرطة على شتى أنحاء العالم، تقف مجمل البلاد العربية أمام ضرورة الشروع في مرحلة الانتقال الديمقراطي بهدف الإصلاح الشامل لأنظمتها السياسية سعيا إلى تحقيق تنمية سياسية واجتماعية واقتصادية تضمن الأمن الإنساني بمفهومه الشامل.

ورغم هذه الضرورة الملحة، فإن العمل من أجل تنمية المعرفة بمضامين وتجارب التحولات الديمقراطية مازال شديد الضعف في المنطقة العربية. إن مأسسة طرق تداول المعرفة بتجارب التحولات الديمقراطية لا يشكل فقط جزءا أساسيا من عملية التربية على الديمقراطية، بل هو أيضا ركن أساسي من أركان خلق القدرة المعرفية والعملية والإنسانية، على التغيير.

فتطوير الديمقراطية في بلدان المنطقة العربية يرتبط بشكل حيوي بتطور التربية على الديمقراطية و"إنتاج" مواطنين صالحين. ذلك أن أزمة الأنظمة السياسية السلطوية متداخلة بشكل تفاعلي أو جدلي، مع أزمة ضعف ثقافة المحكومين المدنية.

إن حصول عملية تقدم سياسي في اتجاه البناء الديمقراطي، إثر تنظيم انتخابات حرة مثلا في أحد البلدان التي تعاني من الاستبداد سيكون خطوة في طريق غير قصير. فالمرور من الأنظمة السياسية السلطوية إلى الأنظمة الديمقراطية هو مسار شاق وطويل لأنه عملية تربية لأجيال.

والمقصود بالتربية ليس فقط مجرد تدريس المبادئ العامة أو نظريات الأنساق السياسية الديمقراطية ولكن أيضا جوانب من التجربة والممارسة تتعلق بالأنظمة السياسية المحلية في ذاتها. فالعديد من مسؤولي التربية العربية سيحاجونني بالقول أن الديمقراطية كنظام سياسي تدرس في كليات الحقوق والعلوم السياسية وحتى بعض برامج التربية المدنية.

وهذا صحيح ولكن الديمقراطية تدرس في أغلب الجامعات والثانويات العربية وكأنها نوع من المناخ الاستوائي، أو كما يدرس دبّ القطب الأبيض، كشيء موجود ولكنه يخص مناطق أخرى. ولكي تؤدي التربية على الديمقراطية دورا في تيسير مسار الانتقال الديمقراطي في المنطقة وترسيخه فلابد لها أولا، أن تكون مؤسسة على معارف نظرية راسخة، وثانيا، منفتحة على التجارب العملية والممارسة في السياق المحلي للعملية التربوية وأخيرا موجهة بشكل هادف لدعم نظام أو مشروع نظام ديمقراطي.

الإصلاح والحوار الوطني الديمقراطي:

وقد قامت بعض الحكومات العربية في السنوات الأخيرة، ونتيجة لضغوطات أجنبية متكررة، بإدخال بعض الإصلاحات على البرامج التربوية لمعالجة المواد التي اتهمت بتشجيع التطرف والتعصب. ومن المؤسف حقا أن إدراج هذه الإصلاحات قد حصل بفعل الضغوط، لكن الأكثر إثارة للأسف هو أن الإصلاحات المذكورة، التي كانت جزئية ومنقوصة ومستعجلة، لم تحصل في إطار حوار وطني واسع حولها لا يشمل فقط الفاعلين التربويين بل أيضا مكونات المجتمعين السياسي والمدني والرأي العام.

فكانت هذه الإصلاحات إعادة إنتاج لآليات القرار السلطوي، وبذلك كانت قاصرة لكونها لم تتوج لحظة وعي واختيار وطني، يهيئ للعملية التربوية حاضنها الأشمل.

فالإصلاح التربوي بهدف تعزيز الثقافة المدنية والمعرفة الديمقراطية يجب أن يكون في ذاته جزءا من عملية تقوم على المشاركة الواسعة لا إعادة تأسيس لنقيضه، أي التفرد السلطوي في الرأي بهدف تحقيق مكاسب سياسية عاجلة.

أفكار من أجل إصلاح تربوي يدعم ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان:

وقد يكون مفيدا أن تنتبه مشاريع الإصلاح التربوي المؤجلة في المنطقة العربية للعناصر الأساسية التالية في مجال التربية على الديمقراطية .

======================

السياسة والوطنية... فك ارتباط

جريجوري رودريجز

محلل سياسي أميركي

تاريخ النشر: الأحد 21 نوفمبر 2010

الاتحاد

أخيراً أصبحت انتخابات الكونجرس "النصفية" من الماضي!، والواقع أنه من بين كل التغطيات الإعلامية التي تابعتها حول موضوع الانتخابات النصفية، فإن أكثر تصريح علق في ذهني ربما هو ذاك الذي أدلى به ناخب شاب في الثامنة والعشرين من عمره في مدينة ميامي لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز": "أرغب فقط في أن ينتهي هذا اليوم ويمر لأنه كان حافلًا بالكثير من الإعلانات السياسية والنشرات الإخبارية والكثير من المتحدثين على شاشة التلفزة . أرغب فقط في الانتقال إلى شيء آخر واسترجاع هذا البلد". وإضافة إلى ذلك، كان ثمة الرسم البياني الأنيق في "نيويورك تايمز" الذي رتب أجوبة الناخبين الذين طُلب منهم أن يصفوا رأيهم حول يوم الانتخابات في كلمة واحدة: وكانت "مقززة" هي الكلمة التي وقع عليها اختيار معظمهم.

الأسباب المعتادة التي تقدَّم لشرح استياء الناخبين هو شعور بالعجز السياسي، أو استياء من العملية، أو نفور صريح من أساليب عمل الحكومة؛ غير أنه في بلد حيث يفوق عدد من لا يصوتون عادة عدد من يصوتون في الانتخابات النصفية – وحيث تستطيع طامحة إلى منصب حاكم ولاية عدم الإدلاء بصوتها خلال معظم حياتها كراشدة قد يكون ثمة تفسير آخر: حب البلد.

على الأقل ذاك هو ما ينطبق عليّ. فقبل عشر سنوات كنتُ محللاً سياسياً لدى شبكة إخبارية تلفزيونية كبيرة حيث كنت أتقاضى أجراً جيداً؛ وكانت تقلني سيارة سوداء فخمة كلما توجب عليّ الذهاب إلى الاستوديو. وعندما كنت أصل إلى هناك، كانت مهمتي تتمثل في الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة والواضحة التي كان يوجهها إليّ عبر الأقمار الاصطناعية مقدم أخبار على الساحل الشرقي للبلاد. وقتئذ كنت أجد متعة في السياسة. لم أكن دائماً أكن الاحترام للسياسيين، ولكنني كنت أقدِّر بالأساس مناقشة العملية الناقصة، والغامضة أحياناً، التي نوازن من خلالها المصالح المتنافسة للبلاد. وكنت أحب السياسة لأنها كانت طريقة لفهم الأشياء التي تهم، لبحث المشاكل والتأثيرات والتطلعات على نحو مختزل مفهوم. ولكن اعتباراً من انتخابات 2000 الرئاسية المؤلمة، بعمليات إعادة الفرز التي ميزتها ومحاميها والخانات المثيرة للجدل في بطاقات التصويت، غدت السياسة على نحو متزايد منفصلة عن حبي لبلدي، بعد أن حل السباقُ الانتخابي والمناورات السياسية ونقاط الحديث واستطلاعات الرأي محل المعنى الحقيقي. ثم جاء صعود أوباما الذي مثل اختراقاً، ولكن بعد عامين على ذلك، ها هي السياسة باتت لعبة مرة أخرى ليس إلا.

ومما لا شك فيه أن أدهى السياسيين والخبراء يلفون مخططاتهم ومكائدهم في خطابات نبيلة المشاعر، ولكن الأمر يبدو في الغالب ممارسة مثيرة للشك. انظروا إلى سيل التغييرات التي صوتنا لها في وقت سابق من هذا الشهر؛ فحسب استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل يوم التصويت، لم يكن الجمهور يثق في "الجمهوريين"، ولم يكن يعتقد أنهم سيقومون بأشياء صحيحة وصائبة، تماماً مثلما لم يكن يثق في "الديمقراطيين". ومع ذلك، فقد صوتنا لصالح "الجمهوريين"، وضد "الديمقراطيين"، في معظم الولايات، ولكن هل نعتقد أن ذلك سيُحدث فرقاً؟ أضف إلى ذلك حقيقة أن الناخبين لا يعكسون تركيبة السكان بصفة عامة - لأنهم أكبر سناً ويميلون إلى البياض – وشعورنا القوي بأن العملية برمتها بعيدة عن حياة الكثير من الناس بشكل خطير.

وبالتالي، فلماذا على المرء أن يكترث؟

لا تسيئوا فهمي، فقد أدليتُ بصوتي يوم الثلاثاء 2 نوفمبر الجاري؛ غير أنني لا أراهن كثيرا على النتيجة. فأنا أفضل ألا أرى بلدي وديمقراطيته عالقين في لجة مزاج سيئ دائم، مثلما لن أرغب في رؤية أحد أقاربي أو أصدقائي في شجار أو فاقداً السيطرة بين أمل ضخم وغضب مر. بعبارة أخرى، إنني لا أريد أن أنظر إلى هذا البلد عبر منظار سياسته.

والواقع أنه منذ فترة طويلة جداً، ونحن نعبِّر عن الانفصال عن السياسة وفك الارتباط معها على نحو سلبي؛ حيث يتم تصوير المتهربين، المترددين، على أنهم الأشخاص الذين لا "يكترثون بما يكفي": أشخاص لم ينهضوا للعمل، ويرفضون التخلي عن بواعث قلقهم الضيقة وتولي مصير الجميع، والحال أنهم يكترثون أكثر مما ينبغي ربما. فالسياسة من أجل السياسة تقتل الروح. ثم إنه بغض النظر عن نظرتك إليها، فإنها مختزِلة ومقيِّدة، كما لو كنت مجبراً على فهم أميركا فقط من خلال تعليقات الإنترنت أو برنامج ترفيهي تلفزيوني.

فك الارتباط ليس حلاً دائماً. إذ لِكم من الوقت تستطيع ديمقراطية الصمود والاستمرار إذا نحن ولّينا ظهورنا للسياسة؟ ولكن وعلى غرار معجب بكرة "البيسبول" مصدوم يشعر بالخيانة بعد اكتشاف فضيحة منشطات، فإن الأمر سيتطلب وقتاً قبل أن أستطيع الانخراط مرة أخرى في ما كان يمثل في يوم من الأيام رياضتي المفضلة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ