ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

المشكلة في المحكمة الدولية أم في الجريمة؟

زين الشامي

19-11-2010

الرأي العام

يوماً بعد آخر، يحتدم الجدل الداخلي في لبنان بين حلفاء سورية وإيران من جهة وبين خصومهم حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كذلك عبرّ مسؤولون وقادة سوريون عن رأيهم في أكثر من مرة ومناسبة مطالبين بضرورة الغائها بحجة أنها مسيسة وخاضعة لإرداة الدول الكبرى ولن تجلب معها سوى الفتنة إلى لبنان وربما تقود إلى حرب أهلية.

نبرة المطالبة بإلغاء المحكمة ترتفع يوماً بعد آخر، وبدأت المطالب ترتفع في وجه رئيس الحكومة سعد الحريري بضرورة التخلي عن هذه المحكمة واتخاذ «قرار تاريخي ووطني شجاع» درءا للفتنة والحرب الأهلية المحتملة في حال صدر القرار الظني محملاً المسؤولية لعناصر من «حزب الله» بارتكاب الجريمة.

مع هذه الحملة المستعرة ضد المحكمة الدولية وضد سعد الحريري، ومع التوتر النفسي وانتشار القلق والخوف في لبنان، الذي اقترن مع نشر وتسريب روايات عن خطط عسكرية للسيطرة على بيروت ولبنان ينفذها «حزب الله» بمؤازرة من حلفائه في «الحزب القومي السوري» وغيره، بدت المشكلة كما لو أنها في المحكمة الدولية وما سيصدر عنها وليس في جريمة اغتيال رفيق الحريري نفسها، بحيث بدا كما لو أن لبنان قبل القرار الظني المرتقب من المحكمة كان يعيش في نعيم من الاستقرار السياسي والأمني!

الكل يدرك ان هذا المنطق الذي يشكك بالمحكمة الدولية وما سيصدر عنها، يخفي وراءه قلقاً كبيراً وخوفاً من تحديد الأسماء التي اضطلعت بتنفيذ الجريمة ومن كان يقف وراءها من قادة ودول وأحزاب، هذه هي الحقيقة التي تقف وراء هذا المنطق وليس شيئا غيره. أي التخويف والتلويح إلى اللبنانيين أنهم سيدخلون في حرب أهلية كبيرة ستأتي على كل شيء بحيث تنهار الحكومة والنظام السياسي وربما يتبع ذلك حرباً إقليمية كبرى قد تتحول إلى حرب دولية. وقد مثّل كلام النائب سليمان فرنجية الحليف المقرب إلى دمشق، في حوار تلفزيوني منذ أيام، الموقف الأكثر صراحة في الدعوة إلى إلغاء المحكمة الدولية، بقوله ان صدور القرار الظني سيقود إلى حرب سنّية  شيعية. وعزا السبب إلى إرادة دولية ستصدر قراراً بإشعال حرب في لبنان، سعياً إلى توجيه ضربة أخرى إلى سلاح «حزب الله» بعد حرب عام 2006.

فرنجية رسم صورة قاتمة واقترح مخرجاً يقوم على المقايضة بين الفتنة مقابل الاستقرار.

إنه المنطق ذاته، منطق التخويف، الذي بدأ قبل خمسة أعوام مع محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ثم استكمل لاحقاً باغتيال رفيق الحريري وجبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي ووليد عيدو وبيار الجميل، وغيرهم من الساسة والنشطاء اللبنانيين خصوم سورية وإيران و«حزب الله».

حسناً، لنفترض أن أصحاب منطق الغاء المحكمة كان لهم ما أرادوا، فمن يضمن أن يتوقف القتل في لبنان، ومن يضمن أن ينعم لبنان بنعيم الاستقرار السياسي والأمني، ومن يضمن عدم وقوع حرب إقليمية مجدداً واستخدامه كساحة حرب بين القوى الإقليمية والدولية، ومن يضمن أن خوف وقلق اللبنانيين سينتهي بعد ذلك، وأيضاً، ماذا سيقول أصحاب هذا المنطق عن الجريمة ومن سيتحمل مسؤوليتها، أم أن مصيرها يجب ان يلحق بمصير كل الجرائم التي ارتكبت في لبنان سابقاً، وتقيد «ضد مجهول»؟

وطالما أن أصحاب هذا المنطق ينتظرون الكلمة السحرية والموقف التاريخي من سعد الحريري، فلا بد من القول ان هذا الرجل لا يسعه تقديم ما لا يملك أن يقدمه. والمقصود أنه لا يقدر على إلغاء محكمة دولية هي في عهدة مجلس الأمن، لا بل انه لم يعط أي ايحاء أنه يفكر في ذلك أو أنه بوارد التنازل عن كشف قتلة والده والاقتصاص منهم، وتحقيق العدالة.

ان أصحاب المنطق الذي يطالب بإلغاء المحكمة، يخافون من العدل، ويخافون من الحقيقة، لأن ذلك سيكشفهم على حقيقتهم، لذلك نراهم يهددون ويحذرون ويتحدثون عن الفتنة والحرب الأهلية والحرب الإقليمية.

المشكلة عبر التاريخ البشري لم تكن يوماً بالقضاء، القضاء وجد دائماً ليحد من القتل والجريمة، ومن يخاف من القضاء كانوا دائماً اللصوص والمجرمين والخارجين عن القانون.

==================

هل بدأت أمريكا تفقد مواقعها في الشرق الأوسط؟

الوطن الكويتية

19-11-2010

بقلم: آموس هاريل

صدر خلال الايام القليلة الماضية تصريحان من اثنين من كبار الشخصيات في الجيش ومؤسسة الامن في اسرائيل هما غابي اشكنازي، رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، ويوفال ديسكين مدير جهاز الامن الداخلي ال «شين بيت».

وعلى الرغم من ان هذين الرجلين نادرا ما يتحدثان حول القضايا السياسية والاقليمية الا ان ما ذكراه حول الوضع في جبهتين محددتين كان صحيحا ولو انه غير مشجع بالطبع. فقد ابلغ اشكنازي مضيفيه الكنديين قائلا ان لبنان يمكن ان يسقط في ايدي حزب الله اذا ما اصدرت المحكمة الدولية التي تحقق في مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري قرارات موجهة لبعض عناصر حزب الله.

من الواضح ان كلمات اشكنازي هذه تعكس قلقا متزايدا داخل الجيش الاسرائيلي حول الوضع الداخلي في لبنان الذي من المتوقع ان تصدر المحكمة الدولية قراراتها بشأن جريمة اغتيال الحريري الشهر المقبل.

بالطبع لن تذرف اسرائيل دمعة واحدة اذا استهدفت القرارات حزب الله، لكنها تدرك ايضا ان الحزب يمكن ان يقوّض النظام اللبناني الراهن ليخلص نفسه من حصار المحكمة له.

ومن شأن مثل هذه العوامل ان تؤثر بالطبع في الوضع السائد على طول الحدود اللبنانية – الاسرائيلية على الرغم من اعراب دوائر الاستخبارات الاسرائيلية عن اعتقادها بأن الحزب لا يرغب في الوقت الراهن بأن يجرب حظه في مواجهة جديدة مع اسرائيل.

ويبدو ان ثمة مسألة اخرى تثير قلق اشكنازي، فقد حذر خلال اجتماعه في وزارة الدفاع الامريكية مع نظيره الادميرال مايكل مولن بأن امريكا بدأت ولأول مرة منذ ستين سنة تفقد مواقعها في الشرق الاوسط مع تضافر الجهود التركية والايرانية لوضع اجندة جديدة للمنطقة.

وفي هذا الاطار، اكد اشكنازي على اهمية تنفيذ العقوبات المفروضة على ايران اثناء مناقشته مع نظيره الامريكي التقدم الذي احرزته طهران في برنامجها النووي، وقال: اعتقد ان ايران على طريق امتلاك القدرة النووية، ومن شأن هذا ان يشكل كارثة للمنطقة التي تشكو اصلا من حالة عدم استقرار.

وعلى الرغم من اعتراف اشكنازي بأن تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران بات واضحا، اكد ايضا ان كل الخيارات الاخرى بما فيها العسكرية لا تزال مطروحة على الطاولة.

ان في الوقت الذي استحسن فيه مولين تأثير العقوبات بالقول انه كان اكثر مما كان متوقعا، كان اشكنازي متشككا وقال انه من غير الواضح ما اذا كانت هذه العقوبات كافية لاقناع ايران بتغيير مسارها.

اما يوفال ديسكين فقد تناول في تصريحاته الوضع على الحدود بين مصر وغزة وقال في لقائه مع الصحافيين الاجانب: تستطيع مصر لو ارادت وقف تهريب السلاح الى داخل غزة خلال 24 ساعة، ويبدو ان ما يثير قلق اسرائيل على نحو خاص هو ان عمليات التهريب هذه تضمنت صواريخ يبلغ مداها 80 كم مما يسمح لحماس بإستهداف تل ابيب.

لقد مر الآن خمس سنوات على انسحاب اسرائيل من غزة، ومن الواضح ان المعركة ضد تهريب الاسلحة اليها لم تحقق حتى اليوم سوى نتائج محدودة، ولا تزال عمليات التهريب هذه مستمرة ليلا ونهارا، وهذا ما دعا اسرائيل لتوجيه اصبع الاتهام في هذه العمليات لمصر هذه المرة.

تعريب: نبيل زلف

==================

التعددية الثقافية في ألمانيا... حية لم تمت

لويس غروب

صحفي ألماني مستقل

ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"

تاريخ النشر: الجمعة 19 نوفمبر 2010

الاتحاد

19-10-2010

أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً أن التعددية الثقافية "ماتت". ليس لهذا التصريح أساس واقعي، لأن تعبير "التعددية الثقافية" لا يعني أكثر من التعايش القائم والعامل لثقافات مختلفة ضمن المجتمع، الأمر الذي يعني أن التعددية هي في الواقع مفهوم عالمي لا زمان له. وفي هذا العالم المعولم، يصبح هذا المفهوم ساري المفعول أكثر من أي وقت مضى، حيث لم يعد هناك أي شيء يشبه المجتمع أو الأمّة المتناغمة عرقياً.

كانت كلماتها بشكل أساسي عبارة عن تنازل للجماهير المحافظة داخل حزبها. إضافة إلى ذلك فإن الأصوات المعادية للإسلام والهجرة آخذة في التزايد في أوساط الجمهور الألماني الناخب. وقد فتح "ثيلو سارازين"، السياسي السابق وعضو مجلس الإدارة في بنك دويتشة في كتابه "ألمانيا تستغني عن نفسها"، والذي نشر الصيف الماضي، فتح أبواب الطوفان للجدل العام حول التعددية الثقافية عندما ادعى أن النسبة المرتفعة للهجرة إلى ألمانيا تؤدي إلى انحطاط خطير في الحضارة والتحضّر، وبالتالي تفسد خزان الجينات الألمانية ذي النوعية العالية!

من المستحيل إنكار أن الهجرة غير المسيطر عليها قد أوجدت مشاكل التكامل في أوروبا في الماضي. فألمانيا، وأوروبا بشكل عام، تعاني من مشاكل كبيرة وخطيرة في التكامل والانخراط. تقوم قطاعات كبيرة من المهاجرين على سبيل المثال بفصل نفسها عن التيار الرئيس في المجتمع، وتشعر أنها مستثناة في الكثير من الحالات نتيجة لعجزها الشديد في اللغة الألمانية. ونتيجة لهذه المشكلة اللغوية العويصة، لم يعد يستطيع الأساتذة في بعض المدارس تنظيم وإدارة صفوف منتظمة لأن التلاميذ لا يفهمون ما الذي يحاول الأستاذ إيصاله إليهم.

كما أن هناك العديد من الرجال المهاجرين الذين يقيمون في ألمانيا، والذين يفصلون أنفسهم عن بقية المجتمع نتيجة لشعورهم بالعزلة ويصبحون أكثر انفتاحاً تجاه التفكير المتطرف، الأمر الذي ربما يفسّر فشل مخططات تفجير القطارات عام 2006 والتي قام بها لبنانيان كانا يقيمان في ألمانيا منذ عدة سنوات. وغني عن القول إن عدداً ضئيلاً جداً فقط من هؤلاء المهاجرين على استعداد للقيام بهذه الأعمال الإرهابية.

إن هذا الجدل أمر مخجل، إذا ما اعتبرنا أن سبب صعود ألمانيا لتصبح واحدة من أغنى الدول يعود على أقل تقدير للمهاجرين الأتراك الذين عملوا بكدّ وتعب بعد أن أغواهم القدوم إلى هنا في ستينيات القرن الماضي. ما كان لألمانيا بدون هؤلاء أن تصبح الدولة الغنية كما أصبحت الآن. ويعي صانعو السياسة في برلين هذه القضايا، لكن أحداً ليس على استعداد لأن يدعي أن التعاون في مجتمع تعددي ممكن في غياب قيم أساسية تنطبق على الجميع.

وتعلم المؤسسة السياسية أن مشاكل التكامل التي نواجهها اليوم يمكن أن نعزوها بشكل عام إلى مشكلة اجتماعية سياسية وليس مشكلة وراثية أو دينية. إلا أن الفرضيات المنافية للعقل التي يطرحها سارازين يمكن دحضها ببساطة وسرعة من خلال إلقاء نظرة سريعة عبر المحيط الأطلسي: ففي الولايات المتحدة، يتكامل المهاجرون المسلمون (ولد ثلثا المسلمين الأميركيين خارج الولايات المتحدة) بشكل كامل ويعتبرون ناجحين اقتصادياً بشكل أكبر مقارنة بمهاجرين من خلفيات أخرى هناك، حسب استطلاع أجرته مؤسسة بيو Pew عام 2007، كما أنهم يتمتعون بمستوى أعلى من التعليم.

ومن العوامل الأخرى التي ربما أدت إلى تصريحات ميركل أن الأزمة الاقتصادية في ألمانيا، كما هو الحال في أوروبا كلها، ساعدت على انتشار جو من عدم الوضوح والشك. وفي زمن كهذا يصبح الناس على درجة من الغضب والعصبية، ويميل الناس العصبيون لأن يتصرفوا بعدوانية أكبر.

إلا أن النظام الديمقراطي الأساسي ليس متأصلاً في الازدهار الاقتصادي وإنما في الأفكار: أفكار مثل الحقوق المتساوية وحريات الأديان. وقد فعلت الحكومة الألمانية تحت حكم ميركل الكثير لتشجيع هذه القيم. وخلال الفترة التشريعية الأخيرة على سبيل المثال، صرح وزير الداخلية "ولفغانغ شوبل" بشكل مؤكد أن الإسلام هو جزء من ألمانيا. كذلك عزز الرئيس الألماني الجديد "كريستيان وولف" هذه الرسالة في خطابه يوم 3 أكتوبر بمناسبة يوم الوحدة الألمانية في ذكرى توحيد ألمانيا عام 1990.

إلا أن الانتقاد الذي حصده وولف بعد ذلك من حزبه والجمهور بشكل عام كان كبيراً، الأمر الذي يكشف منظوراً سائداً بأنه كان يعمل على إفشال القيم الثقافية الغربية.

والعكس هو الصحيح في الواقع. فمن خلال هذه الرسالة، أكد وولف على أن المسيحيين الذين يقيمون في تركيا، مثلهم مثل المسلمين الذين يقيمون في ألمانيا، يملكون حق المعاملة المتساوية. وهؤلاء الذي يدعون أنه يتوجب على العالم الغربي الوقوف إلى جانب جذوره المسيحية وأن يحجبوا الاعتراف بالإسلام بشكل منهجي، هم في الواقع يعملون باتجاه إلغاء الديمقراطية والحرية الدينية.

النتيجة هي لا، ليست التعددية الثقافية ميتة، لأن الدولة التي بنيت على القيم الديمقراطية الأساسية؛ مثل حرية العبادة، تثبت قوتها الحقيقية ليس من خلال الرفض وإنما من خلال تأكيد تنوعها الثقافي. وقد كان هذا هو الحال على الدوام في معظم أوروبا، ومنها ألمانيا، وسوف يبقى كذلك دائماً.

==================

دروس للصين من فيتنام

آخر تحديث:الجمعة ,19/11/2010

يوريكو كويكي

الخليج

كانت فيتنام محط أنظار العالم طيلة ثلاثين عاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية . فكان انتصارها على فرنسا والولايات المتحدة رمزاً لحروب الاستقلال في عصر ما بعد الاستعمار . ولكن منذ ظهرت تلك المشاهد الخالدة لمروحيات الجيش الأمريكي وهي تحوم فوق السفارة الأمريكية المهجورة في سايغون في عام ،1975 بدا الأمر وكأن فيتنام أصبحت خارج نطاق الوعي العالمي .

 

بيد أن الحال تبدلت اليوم . ذلك أن الموقع الاستراتيجي الذي تحتله فيتنام كجارة للصين، وبمحاذاة الطرق البحرية التجارية الكبرى في آسيا أكسب هذا البلد أهمية بالغة، ولعل هذا هو السبب الذي جعل حروبها ضد الاستعمار تستمر لفترة طويلة . ولكن في الأعوام الأخيرة تزايدت أهمية فيتنام الاستراتيجية إلى حد كبير، وكان ذلك راجعاً إلى التحولات الضخمة غير المعترف بها على نطاق واسع دوماً في أدائها الاقتصادي وتوجهاتها في تناول السياسة الخارجية .

 

فبفضل عشرين عاماً من النمو الاقتصادي السريع والانفتاح على نطاق واسع على العالم الخارجي، أصبحت فيتنام الآن لاعباً ناشئاً في الشؤون الاقتصادية والأمنية الإقليمية . بل لقد لعبت فيتنام دوراً محورياً بالغ الأهمية في تأسيس النظام الأمني الناشئ في آسيا .

 

ففي أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول، استضافت هانوي قمة شرق آسيا، وهو الاجتماع الذي شهد الاعتراف بالولايات المتحدة وروسيا بوصفهما قوتين آسيويتين لهما مصالح وطنية حيوية في المنطقة . وفي وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول، في إطار القمة الافتتاحية لوزراء دفاع رابطة دول جنوب شرق آسيا في هانوي، اعتبر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الولايات المتحدة “قوة مقيمة” في آسيا . وفي وقت سابق من هذا الصيف، وأثناء استضافتها لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، شجعتها فيتنام على التدخل في النزاعات البحرية المتنامية بين الصين وماليزيا والفلبين واليابان، وفيتنام ذاتها .

 

وليس من المستغرب أن تظهر فيتنام باعتبارها لاعباً رئيسياً في الشؤون الآسيوية، وذلك لأن البلاد كانت بمثابة المحفز لنقطة تحول رئيسية في التاريخ الآسيوي الحديث . ففي شهر فبراير/شباط من عام ،1979 أمر زعيم الصين دنغ شياو بينغ جيش التحرير الشعبي بغزو فيتنام . وكان دنغ شياو بنغ راغباً في معاقبة الفيتناميين بسبب غزوهم لكمبوديا، وهو الغزو الذي أنهى حكم الإبادة الجماعية الذي تبناه حلفاء الصين، الخمير الحُمر . وكان القرار الذي اتخذه دنغ على قدر عظيم من الأهمية حتى إنه أوكل القيادة العامة للغزو إلى زميله المخضرم في المسيرة الطويلة، الجنرال هسو شيه يون (الذي وفر الملاذ لدنغ بعد أن طرده ماو تسي تونغ المحتضر آنذاك للمرة الثانية) .

 

وكان غزو دنغ لفيتنام في عام 1979 مصمماً كحرب “تلقين درس” أخرى . ولكن بعد انتهاء العمليات القتالية، كان على دنغ ذاته أن يستوعب أغلب الدروس . ففي تلك الحرب التي دامت شهراً واحداً بالكاد، تمكن مئة ألف جندي من قوات ميليشيا الحدود الفيتنامية من سحق 250 ألف جندي من القوات الصينية الأمامية . وكانت الخسائر التي تكبدها الصينيون (ربما أكثر من عشرين ألف جندي) في هذه الأسابيع الأربعة أكثر من الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة في أي سنة منفردة من سنوات حربها في فيتنام .

 

ولقد أذهل حجم الهزيمة التي لحقت بالصين الزعيم الصيني دنغ، حتى إن المؤرخين كثيراً ما استغلوا الأداء البائس لجيش التحرير الشعبي كأداة لإرغامه على إلقاء نظرة فاحصة على النظام الصيني الماوي المحتضر . وفي غضون أشهر من انتهاء الحرب، بدأ دنغ الإصلاحات التي حولت بلاده منذ ذلك الوقت .

 

وبعد عشرة أعوام، اقتنع حكام فيتنام الشيوعيون أيضاً بأن الماركسية اللينينية كانت بمثابة طريق اقتصادي مسدود، فقرروا البدء في سلوك نفس مسار إصلاحات السوق الذي تبناه دنغ . وكما حدث في الصين، استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تظهر الفوائد، ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية شهدت فيتنام نفس النمو السريع الذي نجح في تقليص الفقر، والذي شهدته الصين من قبلها .

 

إن المعجزة الزراعية التي شهدتها فيتنام حولت البلد الذي يؤوي ما يقرب من تسعين مليون من البشر الذين كانوا ذات يوم غير قادرين إلا بالكاد على إطعام أنفسهم إلى قوة عالمية في مجال تصدير الغذاء . كما أصبحت فيتنام دولة مصدرة رئيسية للملابس والأحذية والأثاث .

 

وقريباً سوف تنضم إلى هذه الصناعات صناعة رقائق الكمبيوتر، بعد إنشاء المصنع الذي أقامته شركة إنتل بتكلفة مليار دولار خارج مدينة هوشي منه . والآن يعادل العائد الإجمالي من التجارة في فيتنام 160% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعلها واحدة من أكثر بلدان العالم انفتاحاً على الصعيد الاقتصادي .

 

ومع ظهور فيتنام باعتبارها لاعباً محورياً في آسيا، فبوسعنا أن نستعرض حرب فيتنام في سياق استراتيجية الاحتواء العالمي الأمريكية، والتي قادتها إلى الدفاع، ليس فقط عن فيتنام الجنوبية، بل وأيضاً كوريا الجنوبية وتايوان “الجبهات الثلاث” على حد تعبير ماو تسي تونغ . وآنذاك، كما هي الحال الآن، كانت فيتنام بمثابة بؤرة الصراع بين الرؤية الجامدة لآسيا المتجانسة وآسيا المنفتحة على الداخل وعلى العالم .

 

واليوم، بات هذا الاختيار واجباً من جديد . فمن خلال العمل على تنشيط نظام آسيوي يرفض الهيمنة المتسلطة، حتى إلى حد تحسين العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، أظهرت فيتنام أنها استوعبت دروسها، من الدماء والخسائر التي تكبدتها من ثروات وكنوز في حروبها الطويلة من أجل الاستقلال .

وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي السابقة في اليابان . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

==================

لماذا يكرهون تركيا الجديدة؟

بقلم :احمد عمرابي

البيان

19-11-2010

بوسع الغرب أن ينتقد دولة مثل سوريا علناً بمعيار الديمقراطية الليبرالية بأن يصنفها كدولة استبدادية. وبوسع الغرب أيضاً أن يهاجم النظام الإيراني باعتبار أنه متطرف إسلامياً.

 

وبوسع الغرب كذلك أن ينتقد النظام الكوبي باعتباره أنه لا يطبق نموذج اقتصاد السوق الحُر  أي النظام الرأسمالي. وبينما يمكن أن يكون لهذه التصنيفات الغربية قدر من المصداقية الظاهرية فإن الغرب لا يستطيع إطلاقاً أن ينتقد تركيا الجديدة التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بأي معيار من المعايير الثلاثة المذكورة. فالنموذج التركي الجديد يجمع في آن معاً الديمقراطية الليبرالية على الطريقة الغربية واقتصاد النظام الرأسمالي مع أجندة إسلامية مخففة.

 

هذا يبعث على طرح تساؤل كبير: لماذا مع ذلك يُنظر إلى تركيا الجديدة بعين ريبة وقدر من الكراهية المكتومة أحياناً والمعلنة أحياناً أخرى. في مقالة افتتاحية تقول مجلة «الايكونومست» اللندنية إن موقع تركيا الاستراتيجي بجوار الشرق الأوسط وروسيا وكمعبر بين أوروبا وآسيا يعني أن تركيا ظلت على الدوام ذات أهمية فريدة. لكن خلال السنوات العشر الأخيرة فإن أهميتها تضاعفت. لماذا؟

 

لأنها شهدت تحويلين كبيرين هما أداؤها الاقتصادي وسياستها الخارجية.

 

عبر سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية كان الاقتصاد التركي مصاباً بمرض مزمن يتمثل في نمو مضطرب وتصاعد في معدل التضخم وبطالة تتعاظم معدلاتها عاماً بعد آخر. أما اليوم فإن معدل التضخم أصبح ضئيلاً حيث إن تركيا تستطيع أن تتباهى باقتصاد وطن هو الأسرع نمواً في الغرب  خاصة في مجال السلع المصنعة بأنواعها حتى أنه أصبح يطلق عليها «صين أوروبا».

 

في مجال السياسة الخارجية ظلت تركيا على الدوام قلعة للغرب لاسيما بحكم التصاقها الجغرافي مع الاتحاد السوفييتي. وبهذه الصفة كانت تركيا دولة موالية تماماً للغرب خاصة إذا أخذنا في الاعتبار عضويتها في الحلف الأطلسي مما جعلها قاعدة عسكرية عملاقة وأهم محطة استخباراتية غربية على مدى عقود زمنية متصلة. الآن الأمر مختلف. فتركيا المدعومة باقتصاد قوي أصبحت اليوم تمارس نشاطاً دبلوماسياً راديكالياً واندفاعياً في الشرق الأوسط ومنطقة البلقان بل وامتد نشاطها إلى القارة الإفريقية.

 

وبإيجاز فإن تركيا تحولت إلى عملاق دبلوماسي إقليمي يصح أن يطلق عليه «برازيل المنطقة». هذا التحول الكبير ربما يجعلنا نتصور أن القوى الغربية ترحب به. ولكن عوضاً عن ذلك فإن مشهد تركيا مزدهرة اقتصادياً ومنطلقة دبلوماسياً يثير أعصاب الغرب.

 

حتى قبل أن تصير تركيا إلى ما صارت إليه اليوم كانت تجد صدى من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي لمنعها من دخول عضوية الاتحاد. أما اليوم فإن دول أوروبا باتت ترتجف من رؤية تركيا الجديدة كدولة مندفعة اقتصادياً يتكون من أكثر من 70 مليون مسلم.

 

أما الولايات المتحدة فإنها أصبحت تتخوف من السياسة الخارجية التركية الجديدة.

 

في هذا السياق تقول «الايكونوميست» إن تخوف واشنطن بدأ يتصاعد عندما انضمت إلى البرازيل في تأييدها للبرنامج النووي الإيراني وتصويتها في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يقضي بتشديد العقوبات المفروضة على إيران. لكن مما ضاعف من التخوف الأميركي تجاه التوجهات الخارجية الجديدة لتركيا تبدل السياسة التركية نحو إسرائيل وتحول أنقرة من حليف للدول العبرية إلى عدو لها.

 

بالتدرج توالت الهجمات الدبلوماسية التركية على إسرائيل؟ حيث بلغت أعلى درجة لها بعد حادثة «أسطول الحرية» التي راح ضحيتها تسعة مواطنين أتراك على أيدي قوة عسكرية وبحرية إسرائيلية.

 

لقد انتهزت حكومة رجب طيب أردوغان هذه الفرصة اشترطت أنه لكي تعود العلاقات مع إسرائيل إلى طبيعتها فإن على إسرائيل أولاً أن تتقدم باعتذار رسمي إلى تركيا وأن تقبل بإجراء تحقيق دولي في الحادثة وأن تدفع تعويضات لأسر الضحايا الأتراك.. وفوق هذا وذاك أن ترفع إسرائيل الحصار المفروض على قطاع غزة.

 

ربما تبدو هذه الشروط قاسية لكنها سواء أكانت كذلك أو لم تكن فإنها صادرة عن حكومة منتخبه في إطار نظام ديمقراطي ليبرالي حُر وتعددي.

 

وبذلك فإن حكومة «حزب العدالة والتنمية» تتبنى سياسة خارجية تستجيب لتطلعات ومطالبات جمهور الناخبين الأتراك. لماذا إذن تغضب دول الغرب على تركيا الجديدة وتنظر شذراً إلى حكومة مدعومة جماهيرياً؟

 

إنه موقف يفضح النوايا والأهداف الغربية الحقيقية. فالدول الغربية ليست مهتمة كما تدعي بأمر الديمقراطية في تركيا أو غيرها من دول العالم اللا-غربي بدليل أن الغرب كان الداعم الأعظم لمدى عقود للأنظمة الانقلابية الاستبدادية في تركيا. ما يقلق الغرب حقاً أن تركيا الجديدة أصبحت نموذجاً ناجحاً لاستقلالية الإرادة بعد التحرر من السيطرة الغربية.

وبذلك فهو نموذج أصبح قابلاً للاقتباس في سائر الدول النامية الخاضعة للغرب والمحكومة بأنظمة استبدادية إذ ترى كيف يتحقق الازدهار الاقتصادي كنتيجة للتحرر السياسي.

كاتب صحافي سوداني

==================

الدور الصيني في بورما

بقلم :صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية

البيان

19-11-2010

ذهب البورميون إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى منذ 20 عاما، أخيرا، وستحاول السلطات البورمية من دون شك استغلال العودة إلى الديمقراطية فرصة لإعادة تقديم نفسها وخطب ود الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الصين والهند، من جديد.

 

لكن على العالم ألا ينخدع بذلك. فهذا ليس حدثا مهما. وهذه هي الرسالة التي حرص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير تجارته فانس كابل على ترديدها بقوة في الداخل خلال زيارتهما الأخيرة للصين.

 

وكما أفادت صحيفة «ديلي تلغراف» فإن الاستثمارات الصينية التي تقدر بأكثر من 5 مليارات جنيه إسترليني، مهمة لبورما. وهي أيضا، تضطلع بدور فريد في مستقبل ذلك البلد. وقد حرص الوفد البريطاني على تأكيد أن ذلك يعني وضع حقوق الإنسان قبل التجارة.

 

ويبقى أن بورما دولة يمارس فيها التعذيب والمحاكمات الظالمة وعمليات القتل التي لا يطالها القضاء والسخرة وانتهاك حرية التعبير عن الرأي والتجمع والعمل النقابي والدين. ولن تغير الانتخابات إلا القليل من ذلك بالنسبة للمواطن البورمي العادي. ولن تختلف الحكومة الجديدة كثيرا عن المجلس العسكري القديم.

 

وقد أعلنت الرابطة الوطنية للديمقراطية التي تجاهل المجلس العسكري الحاكم فوزها في انتخابات العام 1990، أعلنت في وقت سابق من العام الجاري أنها ستقاطع الانتخابات، وتم حظرها منذ ذلك.

 

وفي الوقت نفسه، تم وضع كل الحركات الموالية للديمقراطية تحت ضغوط مشددة وتمت مضايقتها بشكل منتظم.

 

وهناك 2200 سجين سياسي في بورما ؟ معظمهم من زعماء جماعات المعارضة المختلفة- ومنعوا جميعا من المشاركة في الانتخابات أو الانضمام لحزب سياسي.

 

وقد تم تخصيص ربع عدد مقاعد المجلس التشريعي القومية والإقليمية البالغ عددها 1157 للمسؤولين العسكريين.

 

في الوقت نفسه، خاض عشرات من القادة العسكريين الآخرين الانتخابات كمدنيين ممثلين أحزابا يعتقد أنها مجرد وكلاء عن الجيش. وقد سيطر حزبان من ضمن الثلاثين حزبا المتبقية المسجلة لخوض الانتخابات على العملية الانتخابية. هذان الحزبان هما حزب نقابة التضامن والتنمية، وحزب الوحدة الوطنية، وكلاهما منحاز لبقاء الوضع على ما هو عليه، لأن الأول صنعه الجيش، والثاني يسير في الاتجاه نفسه.

 

وبالنظر إلى تاريخ الحزبين وتوجهاتهما لا يبدو أن الانتخابات تقدم أملا حقيقيا نحو تحسين وضع حقوق الإنسان في بورما. فقد استحدثت السلطات البورمية موجة من الإجراءات التي جعلت من وجود معارضة منظمة أمرا صعبا للغاية.

 

من تلك الإجراءات تهديد بإنزال عقوبة السجن 20 عاما بحق كل من يدعو لمقاطعة الانتخابات ومن بين الذين طبق عليهم هذا الإجراء مون مونك أوكانثا، الذي سجن في أواخر سبتمبر الماضي لمدة 15 يوما بتهمة قيامه ب «نشاطات مناهضة للانتخابات». وفي رانغون، تم اعتقال 6 طلاب بتهمة توزيعهم منشورات مناهضة للانتخابات، وسيتم سجنهم لاحقا. ربما تكون هناك حكومة جديدة في بورما، لكن المعركة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان يجب أن تستمر.

وعلى المجتمع الدولي الوقوف صفا واحدا وإرسال رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الحكومة البورمية تحضها على الإفراج في الحال عن كل سجناء الضمير، وأن يتلقى كل السجناء السياسيين الآخرين محاكمات سريعة وعادلة، وأهم من ذلك، احترام الحقوق الأساسية في التعبير عن الرأي، والعمل النقابي والتجمع.

وهذه هي المهمة التي يجب على كاميرون وكابل موصلة القيام بها عقب زيارتهما للصين. ولا يجب إعطاء الحكومة البورمية فرصة استخدام قناع الانتخابات للتهرب من التدقيق.

==================

وعود مجموعة العشرين في مواجهة الأزمة المالية

آخر تحديث:الجمعة ,19/11/2010

عدنان السيد

الخليج

مجموعة العشرين، أو المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، في صعود مستمر من حيث الدور والأهمية العالمية .

 

تراجع دور مجموعة الثمانية، ليحل محله دور مجموعة العشرين، التي صارت تضم الدول الآتية: الولايات المتحدة، فرنسا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان، إيطاليا، روسيا (مجموعة الثمانية)، والصين، الهند، استراليا، كوريا الجنوبية، تركيا، السعودية، أندونيسيا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، جنوب إفريقيا (الدول الناشئة) .

 

هذا يعني بوضوح أن تغييراً في النظام الاقتصادي العالمي آخذ في الظهور على مسرح العلاقات الدولية . ما الذي حققته قمة سيؤول الأخيرة لمجموعة العشرين؟

 

البيان الختامي شدّد على الالتزام بالعمل على إنعاش الاقتصاد العالمي . وتنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية .

 

وفي مواجهة حرب العملات، أقرت القمة تشجيع أسعار الصرف التي تحددها السوق، في مقابل فكرة الخفوضات التنافسية في أسعار العملات .

 

وأكد قادة مجموعة العشرين على تطبيق التوصيات المصرفية الجديدة المعروفة بتنظيمات (بازل2) وفي شكل كامل . وصولاً إلى معالجة الاختلالات الكبيرة في الموازين التجارية، والتي تهدد الاستقرار الاقتصادي . بيد أن الصين والولايات المتحدة رفضتا أي إجراء يمكن أن يلحق الضرر بالنمو التجاري عندهما، ما أبقى الخلل في الموازين التجارية قائماً .

 

على صعيد آخر، لم يفقد مدير عام صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس الأمل في تعاون مثمر بين دول مجموعة العشرين حتى ولو لم تكن راغبة في ذلك نتيجة الإنشغال بسياساتها الخاصة . وقال إن هذه المجموعة يمكن أن تتطور على طريقة الاتحاد الأوروبي وبصورة تدريجية .

 

إلى أن يحصل هذا التعاون المنشود، ثمة حرب عملات مستمرة بين الدول الكبرى والناشئة . وهناك تهميش لاقتصادات الدول الفقيرة، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر .

 

أمام تراجع القوة الشرائية للدولار الأمريكي، تتجه الدول الخليجية إلى إعادة النظر في ارتباط عملاتها الوطنية بقيمة الدولار . وفي الوقت الذي تتراجع فيه قيمة المدخرات الوطنية بالدولار، وخاصة في الصين، تلجأ هذه الدولة إلى تنويع مدخراتها بشراء ثلاثة آلاف طن من الذهب في السنوات الثلاث المقبلة .

 

يبدو أن مجموعة العشرين ستتجه عاجلاً أم آجلاً نحو نظام نقدي جديد، يكون بديلاً عن النظام السائد منذ الحرب العالمية الثانية، والذي لحقت به تعديلات جوهرية قامت بها الولايات المتحدة مع اعتمادها لنظام الصرف العائم .

 

حتى الآن لم تتمكن مجموعة العشرين من توحيد سياساتها الاقتصادية والمالية لمواجهة الأزمة . فالولايات المتحدة تضخ في أسواقها 600 بليون دولار إضافي، في مقابل سياسة فرنسية ألمانية تفضل إعمال الرقابة وتنظيم عمل المؤسسات الوطنية والعالمية . ثمة أولويات مختلفة عند الطرفين الفاعلين في مجموعة العشرين .

 

الى ذلك، تتمسك مجموعة العشرين في بياناتها الختامية برفض الإجراءات الحمائية في المبادلات التجارية . أي أنها تفضل ترك حرية المبادلات والأسواق من دون قيود حكومية . غير أن الدول النامية المتضررة من هذه السياسة تفضل اعتماد الحمائية لإنتاجها الوطني، وتجنّب الدخول في منافسة خاسرة مع الدول الصناعية الكبرى .

مهما يكن، فإن مجموعة العشرين أرست تحولاً في النظام الاقتصادي العالمي لم تتضح مجمل قواعده بعد . نظام يعترف بصعود الدول الناشئة ودورها العالمي، وقدرتها على التأثير في مسار الأزمة المالية والاقتصادية .

==================

رأي.. لا أرض.. ولا سماء

صحيفة تشرين

الجمعة 19 تشرين الثاني 2010

مها سلطان

mahasultan@yahoo.com

ثمة من يعتقد أن استئناف المفاوضات المباشرة متوقف على كلمة منه، رغم أن ما وراء الأكمة واضح جداً، فإسرائيل تفاوض الولايات المتحدة على قضايا أخرى للحصول على أكبر قدر من العطاءات والضمانات الأميركية، وهذا ما يحصل فعلاً، ففي كل مرة توسع واشنطن وتضاعف تلك الضمانات بذريعة استمالة موافقات إسرائيل لمصلحة الفلسطينيين، أما إذا كانت السلطة تصدق أو لا تصدق تلك الذريعة فهذا أمر بات خارج أي اهتمام وأي منفعة، ففي كل الأحوال إسرائيل هي المستفيد الوحيد إذا استؤنفت المفاوضات أو إذا بقيت مجمدة.

إسرائيل -كما يقول باراك في أحدث تصريحاته أمس الأول- تستطيع أن تماطل وتخادع ما شاء لها التوقيت والظروف، ما دامت واشنطن ستجد في نهاية المطاف طريقة لإجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات.. وحتى ذلك الوقت تمرر إسرائيل وتنفذ على الأرض كل المخططات لانتزاع ما تبقى من هوية فلسطين العربية وعندما يحين موعد ما يسمى مفاوضات الحل النهائي لا يجد الفلسطينيون ما يفاوضون عليه: لا أرض ولا سماء ولا هواء، ولا حدود ولا عاصمة ولا مدينة، ولا مواطنين يتفاوضون لأجلهم. ‏

هل نصدق أن السلطة الفلسطينية لا تفقه حقيقة ما يجري فيما يدركه أي مراقب عادي؟ أو أنها تصدق أننا نصدق ما تسوقه إعلامياً من مواقف سرعان ما تسقط عند كل رفض إسرائيلي؟ ‏

بالأمس أعلنت السلطة أنها لن تصدر موقفاً رسمياً إزاء سخاء العروض الأميركية لإسرائيل حتى تتسلمها رسمياً من إدارة أوباما، ورغم توقعنا لشكل ومضمون الرد، إلا أننا تأملنا وانتظرنا عساها تصيب هذه المرة ولا تخيب، لكن الرد جاء كما المتوقع على لسان أبو ردينة الذي قال: إن الاتصالات الأميركية- الفلسطينية مستمرة. ‏

ماذا نفهم من ذلك؟ وماذا يعني ذلك؟ لا شيء سوى أنه كلام للتسويق الإعلامي يوفر لإسرائيل وواشنطن كل الوقت وكل الظروف لفرض شكل ومضمون أي مفاوضات وأي اتفاق قد ينتج عنها. ‏

بالمحصلة، إذا كانت الأجندة الإسرائيلية- الأميركية واضحة بأهدافها ومعروفة بأساليبها، فما هي أجندة السلطة؟ وإلام تعتقد أنها ستصل، عبر سياسات انتظار واشنطن؟ ‏

باستثناء هدف بقاء السلطة، لا يبدو أي شيء واضحاً في أجندتها وإلا كيف لها أن تفسر حالة اللاموقف واللاقرار فيما القضية قضية ضياع أرض وشعب. ‏

ولا مسؤول في السلطة الفلسطينية يتبرع أو يتجرأ على توضيح تلك الحالة، ربما لأن أي أحد من «فريق العرب الداعمين» لا يسأله توضيحها.. وهذا هو المطلوب لهم ولها

==================

« لبننة» الوطن العربي كمحميات إسرائيلية: العراق نموذجاً لدويلات الطوائف والمذاهب والعناصر غير المتحدة!

طلال سلمان

السفير

19-11-2010

في حين كان اللبنانيون يأملون في أن يساعدهم إخوانهم العرب في تحويل «كيانهم» السياسي المهدد دائماً في وحدته الى «دولة» منيعة تقدم المثال والنموذج الناجح للانتصار بالعروبة الموحدة على الانفصالية بذريعة اختلاف الانتماءات الطائفية والمذهبية، فإنهم يتجرعون الآن مرارة انتشار «اللبننة»، مدمرة «الدول» ووحدة الشعوب الشقيقة من حولهم، بدءا بالعراق وصولاً الى اليمن، بغير أن ننسى السودان وما جاوره.

وبالتأكيد فإن اللبنانيين كانوا الأكثر اضطراباً بين العرب وهم يتابعون مجريات اللعبة السياسية في العراق تحت الاحتلال الاميركي، وهي تدفع الى التوغل داخل أسباب الشقاق او الافتراق او الاختلاف العنصري والطائفي والمذهبي... فهم كانوا يدركون  بالوعي كما بغريزة الخوف على المصير  ان وطنهم الصغير سيعاني من نتائج هذه المقامرة بوحدة العراق ككيان سياسي، وبوحدة شعبه التي صمدت لهزات كثيرة وخطيرة تحت حكم الطغيان، الذي أورث ارض الرافدين للاحتلال الاميركي بغير قتال. فتفتيت العراق على قاعدة طائفية  مذهبية  عنصرية سيكون، إذا ما نجح  لا سمح الله – قاعدة التعامل مع الأقطار العربية الأخرى، التي تعاني شعوبها من طغيان حكامهم الذين لن يتورعوا عن ضرب وحدة البلاد بذريعة حماية أنظمتهم الدكتاتورية من السقوط في الفوضى الدموية.

ها هي، إذن، مرحلة جديدة تبدأ في العراق متمثلة في إعادة تجميع النثار والمزق المبعثرة لبناء دومينو جديد من المربعات والمثلثات والمكعبات تحت لافتة الوحدة الوطنية المزركشة بأعلام الاحتلال الاميركي والنفوذ الإيراني والتودد التركي، وحرص بعض النظام العربي تحت مظلة المبادرة الكردية التي أزاحت المبادرة السعودية، بعدما اعتبرتها «الأكثريات»، المدخل الى تسوية ستليها تسويات عديدة ودائماً على قاعدة: ما لا يقبل كله لا يترك جله!

لقد تطلبت صياغة هذه التسوية الهشة ثمانية شهور طويلة من المناورات والمؤامرات والتحالفات  طبيعية ومصطنعة  و«الخيانات» وتواطؤ الحليف على حليفه مع خصمه، ودائماً تحت مظلة الطرفين الأقوى: الاحتلال الاميركي والنفوذ الإيراني الواسع.

المبادرة كردية، ومنطلقها اربيل- عاصمة إقليم كردستان الذي صار «الدولة الوحيدة على الأرض العراقية» بفضل الخلافات المحتدمة بين الأطراف العربية، وبطلها «الرئيس» مسعود برازاني الذي يرفض أن يزور أية دولة عربية لا ترفع في استقباله علم «دولته». ولقد نصرتها التزكية الاميركية على المبادرة التي أطلقها – متأخراً- ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، فكان طبيعياً ان تكون المكافأة تثبيت حق الأكراد في رئاسة الجمهورية، وهو ما أقره المجلس النيابي الذي تعذر انعقاد جلسته الأولى طيلة ثمانية شهور تلت الانتخابات بسبب الخلاف على توزيع مناصب الديموقراطية طائفياً ومذهبياً وعنصرياً. أما الوجه الأخر من الصفقة، فتمثل في التسليم برئاسة الحكومة لنوري المالكي الذي شكل نقطة تقاطع بين مصالح «الخصمين» المتنافسين الاميركي والإيراني.

وكان بديهياً ان يغضب زعيم «القائمة العراقية» أياد علاوي الذي نجح في استقطاب «السنة» في الانتخابات النيابية فجمع 75 مرشحاً منهم الى جانب 14 من الشيعة، وهكذا صار في مركز قوة استثنائي، لكن المصالح الاميركية العليا فرضت استبعاد هذا «الصديق» الذي كان حظي بتأييد العديد من أهل النظام العربي، وعلى قاعدة مذهبية، لحساب خريج «حزب الدعوة» نور المالكي.

لا بد من مخرج اذن: وهكذا ابتكرت العبقرية الاميركية منصب «المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية» وقررت أن يكون علاوي رئيسه وأن يضم سبعة عشر عضواً بينهم رئيس الحكومة، الذي يغدو في هذه الحالة واحداً من مجموع وليس صاحب قرار... ثم انه يكون «مرؤوساً» وليس حاكماً بأمره كما كان خلال السنوات التي تقضت عليه في رئاسة الحكومة. ولأن الصيغة لم تكن واضحة تماماً، وخوفاً على إفشال الصفقة الأولى( الكردية)، عمد جلال الطالباني وفور إعلان «فوزه» برئاسة الجمهورية لولاية ثانية، الى إعلان اسم المالكي رئيساً للحكومة، استباقاً للمشاورات، وبذريعة تنفيذ البند الثاني من مبادرة اربيل. ولتأكيد الجدية، استدعي علاوي والمالكي ومسعود برازاني الى منزل السفير الاميركي المحروس جيداً في المنطقة الخضراء من بغداد... وهناك أمكن للرئيس الاميركي الأسمر ذي الجذور الإسلامية باراك اوباما، ان يهاتف أياد علاوي وأن يتعهد له بأن يكون المجلس الأعلى للسياسات مصدر القرار بضمانة اميركية مباشرة، تأخذ في الاعتبار إمكان اعتراض إيران ومن معها.

ها هو النموذج اللبناني، الذي استولد حروباً أهلية لا تنتهي في الوطن الصغير، يعتمد في دولة عربية ثانية، كانت قوية فضربها الطغيان ثم دمرها الاحتلال الاميركي الذي يتعهد الآن بإعادة بنائها  بالاشتراك مع قوى إقليمية  حاملة في داخلها أسباب انهيارها: رئاسة الجمهورية لكردي (سني)، رئاسة الحكومة لعربي (شيعي) رئاسة مجلس النواب لعربي (سني) مع نائبين احدهما عربي (شيعي) والثاني كردي (سني)، رئاسة المجلس الأعلى للسياسات (شيعي) وزارة الخارجية لعربي (سني) وهكذا دواليك بحيث تنتفي وحدة العراقيين كشعب، وتنتفي عروبة العراق ككيان سياسي، اذ تعتمد الثنائية العربية  الكردية، وقد تضاف اليها التركمانية والآشورية، فيصير بلا هوية محددة، وتصير لأقلياته الكلمة العليا... ودائماً مغلفة بنفوذ خارجي مؤكد، سيظل مصدر القرار، وإلا.. فالحرب الأهلية!

ومع التمني بأن تنجح هذه الصياغات المرتبكة في استنقاذ وحدة الكيان العراقي فإن المخاطر الانفصالية ما تزال تتهدد وحدة هذا البلد العربي الغني والذي كان معقد آمال العرب لتوفر أسباب القوة فيه، فتوافق الطوائف على تقاسم الغنائم (مناصب ومواقع نفوذ) ليس الطريق الى الوحدة الوطنية، خصوصاً أن الأكراد  على سبيل المثال  قد نالوا «حصتين»: واحدة باسم اختلاف العنصر، والثانية بوصفهم «سنة»، وقد يرى بعض العرب السنة في ذلك ظلماً لهم لأن «شريكا مضارباً» قد اقتطع بعض حصتهم، بينما قد يرى بعض العرب الشيعة في هذه المحاصصة افتئاتاً على «حقهم» إذ ينال «السنة» واحدة باسم الأكراد وثانية باسم العرب مقابل حصة واحدة لهم!!

كذلك فأن «استقلال» الكرد بإقليمهم في الشمال مع استمرار مطالبتهم بمنطقة كركوك  التي تضم مجموعات من الأقليات العربية والكردية والآشورية والتركمانية  تنبه «عرب العراق» الى ان إخوتهم الأكراد يطمعون بنفط كركوك الذي قد يعزز فيهم النزعة الانفصالية، آذ تنتفي حاجتهم الى الدولة المركزية التي يفترض ان تكون الثروة الوطنية في يدها وأن تتولى رعاية المناطق والأطراف جميعاً بعدالة مطلقة تفرضها شراكة المصير.

وقد يجد كرد العراق النموذج المرتجى في تجربة جنوب السودان الذي يحظى التوجه الانفصالي فيه برعاية دولية واسعة، بعنوان أميركي، ووسط غفلة عربية شاملة تكتفي بمتابعة ما يجري على الأرض والتحسر على ماضي الوحدة التي قصّر أهلها في حمايتها فانهارت متسببة في تمزقات مؤلمة للشعب الذي كان واحداً، وفي اندفاعات جنوبية حمقاء الى شيء من التحالف مع إسرائيل.

هي مرحلة تشطير الدول العربية الى كيانات متخاصمة، بل وقد تتحول الى كيانات محتربة، ومع الانشطار تدخل إسرائيل الى كل كيان جديد على حصان ابيض محققة انتصاراً مجانياً على العرب جميعاً بعنوان فلسطين التي سيكون عليها ان تدفع ثمن هذا التشطير، إضافة الى ما تدفعه قضيتها فوق أرضها من خسائر، وبالدم القاني.

إن «اللبننة» هي، في البداية والنهاية، انتصارات إسرائيلية مجانية.. فكل قطر عربي ينشطر على قاعدة طائفية او مذهبية او عنصرية إنما يوفر ذريعة جديدة للمنطق العنصري الإسرائيلي الذي وصل ذروة تبجحه بإعلان إسرائيل «دولة يهودية ديموقراطية».

من يضمن وسط هذا الانحطاط المخيف الذي قاد اهل النظام العربي الأمة  بأقطارها جميعاً  اليه من ان لا تقوم غداً «الدولة الشيعية الديموقراطية» و«الدولة السنية الديموقراطية» في العراق مثلاً الى جانب «الدولة الكردية الديموقراطية» و«الدولة الشافعية الديموقراطية» الى جانب «الدولة الزيدية الديموقراطية» في اليمن، ثم «الدولة البربرية الديموقراطية» في الجزائر او في المغرب، الى جانب دويلات أخرى بهويات مذهبية او عنصرية أخرى، تموههها جميعاً ادّعاءات الديموقراطية طريقاً الى تفتيت الأمة التي كانت تسعى الى وحدتها السياسية فتمت  او تتم الآن  بعثرتها وتمزيقها طوائف ومذاهب وعنصريات  بحيث تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة... وربما غدت في المستقبل «الدولة المركزية» لجميع الأقوام المبعثرة والمقتتلة في هذه الأرض الغنية بثرواتها والفقيرة بقياداتها السياسية؟!

في ظل هذا التمزق العربي كيف يمكن وقف الجهد الإسرائيلي الحربي والمدني المعزز بالتأييد الاميركي المفتوح لأن تكون «دولة يهود العالم» الديموقراطية!! هي الدولة الوحيدة في هذه المنطقة التي تتوزعها الطوائف والمذاهب والعناصر والعشائر والقبائل، حتى لا ننسى الأردن المهدد كيانه  المصطنع أساساً  بأن يصبح الملجأ الجديد لموجات الفلسطينيين الذين لن يستطيعوا إثبات «ولائهم» للدولة اليهودية الديموقراطية التي قامت على أنقاض وطنهم، في ظل رعاية اميركية شاملة وصمت عربي هو نوع من التواطؤ الفعلي.

وها هي الانتخابات النيابية الأخيرة في الأردن قد اتخذت طابعاً عشائرياً فجاً، وجهه الآخر يمثل اندفاعاً في العنصرية المعادية للفلسطينيين الى الذروة، ودائماً بذريعة الخوف من قدوم الفلسطينيين الذين سوف تطردهم إسرائيل ( ديموقراطياً) اليه لكي ينافسوا أهله الأصليين.

وهكذا، فإن أهل النظام العربي يهربون الى النموذج اللبناني بدلاً من ان يخافوا منه على دولهم التي لم يعرفوا كيف يصونون وحدتها ومنعتها فباتت في مهب رياح الانفصال والتبعية لإسرائيل بوصفها الوكيل المحلي - بل الشريك المحلي للهيمنة الاميركية.

==================

عوامل تؤثر في الردع

المستقبل - الجمعة 19 تشرين الثاني 2010

العدد 3834 - رأي و فكر - صفحة 19

يونتان شختر

(نشرة تقدير استراتيجي، تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب آب 2010)

ترجمة: عباس اسماعيل

يعتمد الردع على إحداث تهديد صادق بالجزاء. وعلى ذلك فمن الطبيعي أن ينحصر الخطاب الإسرائيلي عن الردع في أكثره، في تصريحات تهديدية والحاجة إلى تحقيقها اذا اجتازت منظمة إرهابية خطوطا حمراء. تعتمد هذه التصريحات في الأكثر على استعمال قوة عسكرية في الماضي، وعلى مبلغ الصدق المنسوب إلى التهديد باستعمال قوة عسكرية في المستقبل اذا كانت حاجة لذلك، برغم أن وسائل غير عسكرية مثل العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي قد تُستعمل من اجل ذلك.

مع ذلك، تهديدات الدولة المدافعة عن نفسها بالردع ناجعة فقط بشرط أن تعرض صورة سلبية بقدر كاف للنتائج المتوقعة من الرد قياسا بالوضع الموجود عند المهاجم (والمهاجم في هذا السياق هو المنظمة الإرهابية)؛ فهل بحسب حسابات المهاجم سيبقيه الهجوم وآثاره في وضع أفضل أم اسوأ مما كان؟ إن شكل إسماع إسرائيل لتهديداتها وتأثير ذلك في وضع الفلسطينيين (المنظمات وغيرها) قد يضعف أو يقوي الردع. مع ذلك، وفي سياق الردع، وضع الفلسطينيين هو موضوع لنقاش ضئيل أو انه لا يُبحث اطلاقا، ومعنى ذلك أن إسرائيل ربما تصرف انتباها قليلا لأحد المتغيرين الأهم في اتخاذ المنظمات الإرهابية التي تواجهها لقراراتها.

في حالة سوء وضع المهاجم قد يتضرر الردع وبعدة اشكال. في المستوى الأشد أساسية، كلما كان الفرق بين وضعه قبل تحقيق التهديد ووضعه بعده (أي الثمن النسبي لاتخاذ المهاجم عملية) صغيرا، قد تضعف فاعلية الردع. ويزعم توجه مختلف انه عندما يصبح الوضع اسوأ فانه قد يفضي إلى زيادة دافعية المهاجم، ويفضي بذلك إلى تهديد زائد بالهجوم. وبعبارة اخرى: يصعب جدا ردع مهاجم عنده قدر أقل فأقل مما يخسر.

إن وضع المهاجم قد يتدهور نتيجة عمليات ما (مثل هدم البنية التحتية أو عقوبات اقتصادية)، لكنه قد يصبح كذلك بسبب جمود سياسي (التقدم القليل أو عدم تقدم نحو تسوية الصراع). بعبارة اخرى، ليس وضع المهاجم ساكنا، وقد يتغير اذا لم تحظ المشكلات الملحة بعناية مناسبة. والنتيجة انه في الأمد البعيد قد يفضي الاعتماد الزائد على الردع بصورة عامة وعلى التهديد بالردع خاصة، إلى وضع يقوض فيه الردع نفسه.

وقد يضعف الردع ايضا اذا تحسنت وسائل دفاع المهاجم، ومعها القدرة على تحمل هجمات المجازاة، أو اذا ضعف صدق الدولة المدافعة عن نفسها. بهذا المفهوم يمكن أن تُفسر القيود التي فرضتها إسرائيل على استيراد منتوجات إلى قطاع غزة، قد تُستعمل في بناء الملاجيء المحصنة، والسياسة التي طبقتها على أثر عملية "الرصاص المصبوب"، وهي الهجوم على أهداف في غزة بعد كل هجوم بالصواريخ أو بقذائف من داخلها، على أنها رسائل لتعزيز الردع أو الحفاظ عليه على الأقل. لكن يمكن ايضا أن نستنتج من ذلك أن قدرة الردع يمكن أن تضعف وتحتاج إلى تعزيز دائم لها.

إن التهديدات بالجزاء التي تُرى صادقة تُستعمل في تعزيز الردع، وقد يعيد استعمال القوة ايضا الصدقية ويعززها. من شبه المؤكد انه كان لعمليات إسرائيل في حرب لبنان الثانية وفي عملية "الرصاص المصبوب" تأثير كهذا. مع ذلك، ليس استعمال القوة الكبيرة يفضي بالضرورة إلى ردع أكثر صدقا واستقرارا. على عكس ذلك، العلاقة بين استعمال القوة والردع الناتج عن استعمالها محدودة بعاملين على الأقل. الاول، أن استعمال القوة قد يُحدث وضعا جديدا اسوأ، حتى أن التكاليف التي تتصورها المنظمات الإرهابية لاستعمال آخر للقوة على يد من تدافع عن نفسها، وهي إسرائيل في هذه الحال، تكون منخفضة نسبيا. أي انه كلما كان الثمن النسبي للجزاء أقل، ضعف الردع. والثاني وقد يكون أكثر صلة على أثر محاولة إسرائيل بعد عملية "الرصاص المصبوب"، اذا كان استعمال القوة يفضي إلى تنديد دولي، وخسارة تأييد سياسي ودبلوماسي أو اتهامات (دونما صلة بصدقها) بتنفيذ جرائم حرب وتحقيقات تأتي في أعقابها (مثل "لجنة غولدستون")، فقد تفضي النتيجة إلى صعوبة أكبر والى إحجام عن استعمال القوة في المستقبل. قد يجعل هذا التطور التهديدات بالردع في المستقبل أقل صدقا وعلى ذلك ايضا أقل إقناعا.

مع ذلك كله بقي سؤال هل يمكن ردع الإرهاب من البدء. يرفض كثيرون هذا الامكان لان اللاعبين من غير الدول أو من شبه الدول ليس عندهم في الأكثر أملاك مهمة يمكن تهديدها. إن عدم وجود أملاك قابلة للاصابة مصدر قلق عند المسؤولين عن صياغة سياسة لمواجهة الإرهاب. بحسب ما يرى اللواء يدلين، مشاركة حزب الله وحماس في مسارات سياسية شرعية وتحملهما للمسؤولية عن عدد من الوظائف ومجالات المسؤولية في الحكومة على الأقل ساعد على حل هذا الامر بربط هاتين المنظمتين بالمؤسسات والبنى التحتية لادارتيهما. وهذه الحقيقة تجعلهما في مقام ما تملكان ما تخسران أكثر من الوضع الذي كانتا فيه حركتي معارضة.

عندما يصبح للمنظمات الإرهابية قدر أكبر مما تخسر فان ذلك يعني تحسن صورة وضع هذه المنظمات. وهنا يوضع ضغط الردع غير المقدر بقدر كافٍ. فبواسطة بذل إسرائيل حوافز لتحسين وضع الفلسطينيين، قد يقوي ذلك القوة النسبية لتهديداتها الردعية، ويضائل دافعية المنظمات الإرهابية إلى العمل وقدرتها على تجنيد نشطاء. وبحسب هذا الهدي، يمكن أن نتوقع (الآن) أن تكون قدرة إسرائيل على الردع أكبر في الضفة الغربية منها في قطاع غزة، مع الأخذ في الحسبان الفروق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المهمة (التي أخذت تكبر)، وذلك برغم أن إسرائيل تستعمل قوة عسكرية أكبر كثيرا في مواجهة المنظمات الإرهابية في قطاع غزة.

مثل الاعتماد على التهديدات بالردع، يكمن في الاعتماد على الحوافز أيضاً عوامل قسرية وقيود. إن تحسين وضع الفلسطينيين بمنح حوافز قد يرفع الثمن النسبي للجزاء من قبل إسرائيل. لكن ذلك قد يقوض أهدافا اخرى للسياسة الإسرائيلية في مواجهة حماس (سوى ردع الهجمات الإرهابية) مثل استعمال ضغط اقتصادي ودبلوماسي على حماس، يرمي إلى إضعاف المنظمة. ويستطيع الوضع المحسن أن يفضي ايضا إلى زيادة الضغط الخارجي على إسرائيل كي لا تحقق تهديداتها بالردع. على سبيل المثال، لا يريد المانحون الأميركيون ولا المانحون الاوروبيون أن يروا استثماراتهم الكبيرة في البنية التحتية الفلسطينية تُدفن، بغير ما صلة بالظروف.

==================

ما رأي "حزب الله" في موقف سوريا من القرار الاتهامي؟

تسوية سورية - سعودية على أساس لا غالب ولا مغلوب

اميل خوري

النهار

19-11-2010

ماذا بعد عيد الاضحى؟ هل يعيّد اللبنانيون بالتوصل الى حل لموضوع القرار الظني ولموضوع شهود الزور ويكون حلاً فيه تضحية لأجل لبنان وليس تضحية به؟ ام ان اللبنانيين سيظلون ينتظرون الحل على أحر من الجمر وبقلق شديد؟

الواقع ان تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اكد فيه كلاما سابقا للرئيس الاسد قد يشكل خطوة على طريق الحل، وهو ان القرار الظني اذا كان قرارا اتهامياً نهائيا ومثبتاً بالادلة والقرائن، فينبغي التعامل مع هذه الادلة، وهذا معناه انه لن يكون للقرار تداعيات لا قبل صدوره ولا بعده. فهل يكون موقف "حزب الله" من القرار كموقف سوريا؟ فاذا كان الموقف واحدا فلا يعود مرفوضاً كما هو الآن في الشكل وفي الأساس وقبل معرفة مضمونه، وكأن هذا المضمون معروف سلفا وهو اتهام عناصر من "حزب الله" بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وهو اتهام يرفضه الحزب بشدة ولا يقبل حتى اعتبار هذه العناصر غير منضبطة، لأن لا وجود لها في الحزب...

لذلك، على "حزب الله" اذا كان يلتقي وموقف سوريا من القرار الظني الذي يصبح اتهاميا بتضمنه الادلة القاطعة والمستمسكات التي لا يرقى اليها شك، ان ينتظر صدور هذا القرار كي يبنى على الشيء مقتضاه لا ان يقيم الدنيا ويقعدها ويهدّد بالويل والثبور وعظائم الامور قبل ان يصدر وقبل ان يعرف ما فيه. وعندما يصدر هذا القرار ويطّلع الجميع على مضمونه ينظر عندئذ في موضوع شهود الزور، فاما يحال على القضاء العادي او على المجلس العدلي وذلك في ضوء افاداتهم التي يكشف عنها عندئذ ويتسلم المتضررون من شهاداتهم نسخا عنها، او تشكل لجنة وزارية او نيابية او قضائية او لجنة مختلطة للنظر في الموضوع واقتراح الحلول.

والسؤال المطروح: ماذا بعد صدور القرار الظني او الاتهامي، وما هو الحل الذي يمكن التوصل اليه نتيجة المساعي الحثيثة والجادة بين سوريا والسعودية، ومدى استعداد الاطراف المعنيين لالتزام تنفيذه؟

ثمة من يقترح ان يكتفي ذوو الشهداء وعلى رأسهم ذوو الشهيد الكبير رفيق الحريري بمعرفة الحقيقة من دون مواصلة العمل لبلوغ حقهم في العدالة. وكان مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام طالب عند مناقشة تقرير القاضي دانيال بلمار في مجلس الامن ب"الدعم للكشف عن الحقيقة ووضع حد لافلات المجرمين من العقاب واحقاق العدالة لأن لا شيء انجع من ذلك لردع الارهابيين عن التمادي في اجرامهم بعيدا من الانتقام والتسييس"، وختم كلمته مستشهداً بالحكمة القانونية للرومان القدماء: "الحقيقة هي أمّ العدالة".

لكن ثمة من لا يريد الوصول حتى الى معرفة الحقيقة ويطلب من الرئيس الحريري ان يعلن سلفا براءة "حزب الله" من اي تهمة، وأن يرفضها اذا وردت في القرار الظني او الاتهامي، وهو طلب لا يستطيع الحريري استجابته، وإن استطاع فليس هو بالمرجع الصالح ليدين او يبرئ الا سياسياً فقط وليس قضائيا.

وثمة من يقول ان الحل يمكن ان يقوم على اساس منع حصول ردود فعل سلبية على القرار الظني او الاتهامي عند صدوره من قبل اي طرف مهما كان مضمونه حتى ولو كان يرضي طرفا من دون آخر، او لا يرضي احدا، بل ان يعقد على اثر صدوره لقاء بين الرئيس الحريري والامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله او حتى قبل صدوره للاتفاق على خطوات تمنع حصول اي ردود فعل سلبية ويكون برعاية سورية – سعودية اذا لزم الامر، او بعقد لقاء موسع في القصر الجمهوري يحضره جميع المعنيين بموضوع المحكمة ولهذه الغاية، بعدما اصبح لبقاء المحكمة تداعيات ولإلغائها تداعيات ايضا لأنها صارت جزءا من توتر عام في المنطقة ولها بُعد محلي وعربي واقليمي ودولي وازمة القرار الظني باتت مسؤولية لبنانية وعربية ودولية.

وسواء تقرر ان يكون اللقاء ثنائياً بين الحريري ونصر الله او موسعاً، فان نجاحه يتوقف على الأسس التي تكون قد وضعتها المساعي السورية – السعودية لحل او تسوية لا يكون فيها غالب ومغلوب لأن لا الحريري يرضخ تحت التهديد والوعيد ولا "حزب الله" قادر على السكوت عن اتهامه باغتيال زعيم سني كبير هو الرئيس رفيق الحريري.

وثمة من يقترح معادلة عادلة ومتوازنة لتسوية تقوم على اساس اصدار عفو عن قتلة الرئيس الحريري بعد معرفتهم لأن العفو لا يصدر عن مجهولين، على ان يقابل ذلك موافقة "حزب الله" على وضع سلاحه في تصرف الجيش اللبناني الى ان يتحقق السلام الشامل في المنطقة لأنه اصبح سلاحاً اقليمياً، وبعد ذلك يصبح هذا السلاح ملكاً للدولة او تدفع الدولة للحزب جزءا من ثمنه وتكون وظيفته انتهت مع تحقيق السلام في المنطقة.

ويرى اصحاب هذا الاقتراح انه اذا كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تستهدف سلاح المقاومة بحجة البحث عن الحقيقة لمعرفة من اغتالوا الرئيس الحريري ورفاقه، وان اسرائيل تتربص شرا بلبنان بسبب هذا السلاح، فان الحل الرضائي له الذي يجنّب لبنان الدمار والخراب ويجنب الحزب مواجهة قاسية مع اسرائيل هو باعتماد هذه المعادلة خصوصا ان خطر الحرب قد يمتد الى المنطقة.

وهذا ما جعل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عند زيارته لبنان يدعو الى الحوار المباشر بين الحريري و"حزب الله" ويرى في العدالة "سبيلاً الى التضامن" وفي الفرقة بين السنّة والشيعة "مصلحة لقوى الاستعمار" وهو ما جعل ايضا السيد نصر الله يقول "ان المسعى السوري – السعودي جدي جداً وآثاره ستظهر قريباً فلننتظر نتائجه"، وقول الرئيس الحريري إنه "بالوحدة الوطنية نواجه الضغوط والمخاطر الاسرائيلية، وان لبنان وطن يستحق ان نضحي من اجله، وان الصدام لا يفيد احدا والاستقرار فيه مسؤولية عربية".

مَن يسبق مَن اذاً؟ التسوية التي تطبخ على نار سورية – سعودية فتحقق المصالحة الوطنية الشاملة وتقيم الدولة القوية القادرة، ام طبخة القرار الظني التي قد تكون مشروع فتنة تفيد منه اسرائيل ويشكل ورقة ضغط في مفاوضات السلام وفي محادثات الملف النووي الايراني، وتختلط في تكوين هذا القرار العوامل السياسية والامنية وقوانين الحق والعدالة بين ابقاء القتلة مجهولين او ادخال لبنان في الفوضى، او يكون يرمي الى ما رمى اليه القرار 1559 اي سحب القوات السورية من لبنان وسحب سلاح "حزب الله" وتسليمه الى الدولة اللبنانية؟ فهل تقع حرب لتحقيق ذلك ام تنجح تسوية في معالجة اي اثر سلبي للقرار الظني وللمحكمة وتدرأ عن لبنان مخاطر الانقسامات الداخلية؟

في أي حال يتحمل كل الاطراف المسؤولية الكبرى في اتخاذ الموقف الذي يحدد وجهة سير لبنان ودول المنطقة.

==================

شرعنة الانقسامات

ماهر ابو طير

 الدستور

19-11-2010

قد يأتي زمن بعد عشرة اعوام نكتشف فيه ان هناك خمس دول جديدة استجدت على العالم العربي ، فوق الدول الهزيلة وغير الهزيلة.

 

استراتيجية القرار العالمي تريد تقسيم العالم العربي ، فوق تقسيماته ، وهذا ما يفسر انفجار ملفات مرة واحدة ، وبشكل متزامن ، بين المغرب والجزائر ، من اجل قيام دولة صحراوية ، وملف اليمن الذي قد يؤدي الى تشظي اليمن الى دولتين او ثلاث دول.

 

مع ما سبق ملف السودان ، والاحتمالية الاكبر بانقسامه الى بلدين ، الشمال ، والجنوب ، ومن هناك مصر المؤهلة بفعل المؤامرات الى الانقسام على اساس ديني بين المسلمين والاقباط ، وهو ما تسعى اليه دول كبرى ، ومن هناك الى فلسطين المحتلة التي تعصف بها الانقسامات بين غزة الحمساوية ، والضفة الفتحاوية.

 

يضاف الى ما سبق تغذية نزعات الانفصال في العراق ، بحيث تتولد نزعات الانفصال لدى الشمال حيث الاكراد ، وفي حالات لدى الشيعة من وسط العراق الى جنوبه.

 

حتى ملف البربر في الجزائر يغلي على صفيح ساخن ، وقد يأتي يوم تصبح فيها قضيتهم قضية العالم الاولى ، اذا استمر الحال على ما هو عليه من انقسامات ، وتشظي في كل مكان.

 

بذرة التقسيم تشمل دولا اخرى تتم سقايتها كل يوم على اساس عرقي او وطني او ديني او مذهبي او قومي ، وما هو لافت للانتباه ان لا مقاومة لهذه المخططات ، وفي حال مقاومتها فان اطرافا كثيرة تسعى لتغذية هذه الانقسامات.

 

مع تغذية هذه الانقسامات ، هناك مآخذ عميقة على دول كثيرة تسلب الناس حقوقهم وتمهد لهذه الاوضاع ، مما يفتح الباب حول الاسئلة حول ما تفعله كثير من الانظمة لمداراة هذه الشرور وربما السؤال ايضا حول دورها الحقيقي في تطبيق هذه التقسيمات على الارض.

بعد زمن لن تكون جامعة الدول العربية كافية للم شمل كل هذه الاطراف.

كل الامم تجيد الرياضيات ، عدا العرب الذين لا يجيدون سوى فن القسمة على اثنين.

==================

بوش ينسج في مذكراته خيالا ماليا

روث ماركوس

الشرق الاوسط

19-11-2010

كانت، أو هكذا حسبت، فكرة ممتازة لمقال: فصل مفقود من وحي الخيال بمذكرات جورج دبليو بوش، التي جاءت تحت اسم «قرارات حاسمة»، يعترف خلاله الرئيس السابق بأنه اتخذ قرارا خطأ فيما يتعلق بالضرائب.

لن يندم بوش الذي يتصوره خيالي؛ لأنه ضغط من أجل خصومات ضريبية. ولكنه سيعترف – على الرغم من صعوبة ذلك – بأن ألان غرينسبان كان على حق عندما اقترح آلية لإلغاء الخصومات لو لم يتحقق الفائض الموعود.

فقط لو..

وبالطبع كان ذلك الفائض محض سراب. وبدلا من الإشراف على عملية التخلص من ديون عامة يتحملها المواطنون، وقف بوش يشاهد هذه الديون ترتفع من 5.6 تريليون دولار إلى قرابة 10 تريليونات دولار.

وكما هو الحال مع الفائض، تبخر الفصل المتضمن شبه الاعتذار الذي أتخيله في مواجهة الواقع. لقد قرأت «قرارات حاسمة» وتبين أن بوش مثل إديث بياف في السياسة المالية، فهو لا يأسف على شيء.

كتب بوش: «على مدى أعوام كنت أنصت إلى ساسة من كلا الجانبين يزعمون أني أسرفت في الفائض الكبير الذي ورثته، وهذا كلام لا معنى له، فالكثير من الفائض كان محض وهم؛ إذ اعتمد على افتراض خاطئ مفاده أن الازدهار الاقتصادي خلال التسعينات سيستمر. وبمجرد وقوع الركود وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) لم يبق سوى القليل من الفائض».

ماذا يقول لنا الآن؟ كان هذا الفائض الوهمي حجر الزاوية الذي أسس عليه بوش سياسته الاقتصادية. وقال بوش في فبراير (شباط) 2001: «كما ترون، يوجد فائض متنامٍ بسبب ضرائب كبيرة بصورة مبالغ فيها وحكومة تفرض رسوما أكثر مما تحتاج».

وبعيدا عن تنبيهات تحذيرية تردد صداها، أكدت الإدارة أن تقديراتها للفائض كانت محافظة. وقال السكرتير الصحافي أري فليشر في مارس (آذار) 2001: «إذا كان ثمة خطأ ما، فيحتمل خطأ على الجانب الآخر من الميزان، وأن يأتي المزيد من العوائد». وتعلمون طبعا كيف سارت الأمور.

وكتب بوش قائلا: «لقد تعاملت بجدية مع مسؤوليتي كمنظم مالي جيد».

كيف ذلك؟ لقد اختار بوش الدخول في حرب، ولكن على عكس أي رئيس آخر دخل في حرب اختار أن يدفع التكلفة بالكامل بأموال مقترضة مع الضغط من أجل الحصول على خصومات ضريبية إضافية. ويعبر بوش عن أسفه لأنه ترك خلفه «مشكلة مالية خطيرة على المدى الطويل» تتمثل في إنفاق مخصصات كبيرة ولكنه يلقي باللائمة على المعارضة من كلا الحزبين داخل الكونغرس، من دون الاعتراف بأنه أضاف مخصصا جديدا مكلفا لا يتم الدفع مقابله، وهو خطة الوصفات الطبية ببرنامج الرعاية الطبية «ميدي كير».

وماذا عن هذه الخصومات الضريبية؟ يقر بوش قائلا: «صحيح كانت الخصومات الضريبية ترفع العجز على المدى القصير، ولكن أعتقد أن الخصومات الضريبية، لا سيما تلك الخصومات على كسب المال والأرباح، من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي. وستساعد العوائد الضريبية من ذلك النمو، مع القيود على النفقات، في تقليل العجز».

هذا نهج أكثر مهارة من صيغة جانب العرض المعتادة، ولكنها لا تزال تعاني مغالطات الخصومات الضريبية التي تتحمل تكلفتها بنفسها. وقد قدر المستشار الاقتصادي البارز لبوش، غريغوري مانكيو، أنه على المدى الطويل فإن الخصومات في الضرائب الاستثمارية تؤدي إلى نمو اقتصادي يعوض عن نصف العوائد المفقودة فقط.

ويعرض بوش رسما بيانيا يظهر أنه أنفق أقل (كنسبة من الاقتصاد) وكان لديه عجز أقل، بالمقارنة مع ما كان لدى آخر رئيسين من الحزب الجمهوري قبله، ويماثل ما حققه بيل كلينتون.

ومتوسطات بوش مضللة، ويرجع ذلك لسبب واحد، هو أنه ينتقي أعوامه المالية؛ إذ ينسب لنفسه الفضل في فائض المتحقق عام 2001، 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن ذلك كان قد تحدد بدرجة كبيرة عندما تولى منصبه. وعلى الجانب الآخر، لا يتحمل بوش أي مسؤولية إزاء العجز المروع خلال 2009، 9.9%. وعند خصم عمليات الإنقاذ والإنفاق من أجل تحفيز الاقتصاد وبافتراض أن الكثير من عمليات الإنقاذ سيتم سدادها وأن عمليات الإنفاق وقعت في ظل رئاسة أوباما، سنجد أن العجز خلال 2009 يفترض أنه يساوي 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

الأكثر أهمية من ذلك هو أن تسلسل الأمور يظهر شيئا أقل لطفا إزاء بوش، فقد تولى منصبه بعد 3 أعوام أشرف فيها كلينتون على فوائض في الميزانية. وبعد 2001 أشرف بوش على 7 أعوام شهدت عجزا مستمرا لم ينقطع.

وباختصار، لقد ورث بوش ميزانية لها قوام سليم، ولكنه تركها في حال يرثى له. وقد كان للاقتصاد المتعثر دور داعم، ولكن كانت العوامل الرئيسية من صنيعة بوش وتتمثل في خصوماته الضريبية وحروبه ومشروع قانون الوصفات الطبية. ومن دون هذه الأشياء، كان سيتوافر فائض خلال ولايته. وسوف يسدل الستار على هذه الحروب، ولكن تكلفة الخصومات الضريبية ومشروع قانون الوصفات الطبية سترتفع بمقدار أكبر خلال العقد المقبل.

* خدمة «واشنطن بوست»

==================

الصين بين الواقع والأسطورة

امير طاهري

الشرق الاوسط

19-11-2010

بينما تقترب نهاية عام 2010، يدور الحديث في الأوساط الغربية عن تراجع الولايات المتحدة كقوة عظمى وبزوغ الصين لتحل محلها. وكشفت قمة العشرين الأخيرة التي عقدت في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، عن بداية توازن جديد للقوى مع بزوغ نجم الصين على حساب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقد استعرضت الصين قوتها حتى قبل قمة سيول في عدة مناسبات، فلم تكترث في قمة كوبنهاغن لضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها من أجل الالتزام بميثاق جديد يعالج قضية التغير المناخي. وتجاهلت فيما بعد مطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع قيمة عملتها. والأدهى من ذلك أجبرت الصين اليابان على الاستسلام في أزمة القارب الصيني الذي كان يقوم بالصيد ودخل المياه الإقليمية اليابانية.

ولا يعد الحديث عن الصين كقوة عالمية محتملة جديدا، فخلال الجزء الأكبر من القرن التاسع عشر ساد الخوف من الصين، أو «الخطر الأصفر» كما كان يطلق عليها قبل أن تفضي ثورة التصحيح بهذا الاسم إلى طي النسيان. وبمجرد حصول الصين على الاستقلال في 1911، بدأت ترتسم صورة أكثر إيجابية، لكنها دفنت تحت سيادة اللون الأحمر التي أعلنها ماو تسي تونغ عام 1949.

ومنذ نحو أربعين عام مع خفوت ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى، كتب ألاين بيرفيت، أحد السياسيين الفرنسيين، كتابا حقق مبيعات كبيرة بعنوان «عندما تستيقظ الصين» تخيل فيه سعي الصين للزعامة لكونها أكبر دول العالم من حيث عدد السكان.

وبدا تنبؤ بيرفيت في وقتها عصيا على التصديق، فقد كانت الصين من ضمن أفقر الدول في العالم التي تواجه خطر حدوث مجاعة. لكن تبدو الصورة اليوم مختلفة، فالصين ما زالت أكبر دول العالم من حيث عدد السكان حتى عام 2020 على أقل تقدير حيث من المتوقع أن تحل محلها الهند. والصين أيضا رابع أكبر دولة من حيث المساحة. وكان الجميع في الغرب يرونها منذ عشر سنوات فقط كسوق كبيرة، بينما أصبح العالم اليوم سوقا لها. ويعاني كل شريك تجاري للصين تقريبا بعجز كبير في الميزان التجاري مع الصين باستثناء الدول المصدرة للنفط.

ما مدى واقعية صورة الصين كزعيم جديد للعالم؟

الحجة الرئيسية لمؤيدي «الصين كزعيم العالم» اقتصادية، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين عام 2009، 8,5 تريليون دولار مما جعلها ثالث أكبر اقتصاد في العالم. لكن حين يتعلق الأمر بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تحتل الصين المركز 131 على قائمة الدول، حيث يعد متوسط نصيب المواطن الهولندي أكبر من المواطن الصيني بستة أمثال.

لكن ماذا عن معدل النمو السنوي للصين؟

ويعد معدل نمو الصين البالغ 8% مثيرا للإعجاب مقارنة بمعدل دول الاتحاد الأوروبي البالغ 2% ومعدل الولايات المتحدة البالغ ربما 3%. لكن غالبا ما يكون معدل النمو في اقتصاديات الدول النامية أكبر، فعلى سبيل المثال، بلغ معدل نمو العراق في عام 2009، 34%، في حين كان معدل نمو أفغانستان المتوقع 22% طبقا لبيانات البنك الدولي. كذلك تمتعت بريطانيا العظمى في المراحل الأولى للثورة الصناعية بمعدل نمو سنوي متوسط مقداره 15%.

وعلى أي حال لا يمكن للقدرة الاقتصادية وحدها أن تدفع دولة نحو موقع القيادة، فعلى سبيل المثال لا تلعب اليابان وألمانيا وهما رابع وخامس أكبر اقتصاد في العالم دورا سياسيا يتناسب مع قوتيهما الاقتصادية. ويجب على المرشحين لقيادة العالم أن يستوفوا عددا من الشروط.

أول هذه الشروط ضمان حسن العلاقات مع دول جوارهم، ويبدو أن موقف الصين في هذا الأمر ضعيف؛ فهي منخرطة في نزاعات طويلة على أراض مع روسيا واليابان وفيتنام والهند. واحتل الروس في الستينات أجزاء كبيرة من الأراضي الصينية المحاذية لنهر أسوري وفي الفترة نفسها هاجمت الصين أجزاء كبيرة من الأراضي الهندية بما في ذلك إقليم كشمير واحتلتها. كذلك هناك نزاع آخر تمثل الصين طرفا فيه على منحدر قاري وحدود مائية وجزر مع كوريا الجنوبية واليابان، ناهيك عن زعمها ملكية مجموعة الجزر التايوانية.

وليست روسيا واليابان والهند هي الدول الوحيدة التي تتابع نهوض الصين بقلق، فإندونيسيا وفيتنام والفلبين غير متحمسة لصعود الصين كقوة مهيمنة.

ويمكن اعتبار باكستان فقط الحليف الوحيد للصين من بين دول الجوار أو القريبة للصين وذلك نتيجة لعدائهما المشترك للهند.

والشرط الثاني الذي ينبغي أن يتوفر في الدولة المرشحة لقيادة العالم هو السلام الداخلي، وتعد الصين أقل أمنا من هذه الجهة. ورغم عدم تمكن إقليم التبت من الانفصال قط، يمكن أن يستمر الإقليم في تشويه صورة الدولة بينما يرفع تكلفة دمجه في الفضاء الصيني.

والموقف في تركستان الشرقية، أو شينجيانغ كما تفضل الصين أن تطلق عليها، أكثر تعقيدا حيث تقاوم الأويغور المسلمين الطابع الصيني بشدة.

والأهم من ذلك هو أن نظام الحزب الواحد الحالي مقرون بالاقتصاد الرأسمالي وربما لا يستمر لمدة طويلة.

لقد اكتشف زاو زيانغ، القائد الإصلاحي في الحزب الشيوعي الصيني الذي استبعد بعد مذبحة تيانانمين في 1989، هذا التناقض مبكرا عام 1987، حيث يحذر زيانغ في يومياته، التي هربت خارج الصين ونشرت في الغرب، من اتجاه البلاد نحو عدم الاستقرار والتفكك في غياب الديمقراطية.

لقد أفرزت معجزة الصين الاقتصادية طبقة متوسطة جديدة قوامها نحو 200 مليون مواطن وانتشلت أكثر من 400 مليون آخرين من الفقر المنتشر بطول ساحل البحر. لكن يظل نحو نصف مليار مواطن يعانون الفقر و250 مليونا على الأقل يعانون عدم الاستقرار الوظيفي ويظل الاقتصاد الصيني القائم على التصدير ضعيفا في ظل غياب سوق محلية قوية.

ثالثا: الدولة المرشحة لزعامة العالم ينبغي أن يكون لديها سجل ثقافي مثير للانتباه وتفتقر الصين إلى هذا أيضا، فثالث أكبر اقتصاد في العالم غير قادر على إفراز كتاب ومؤلفين موسيقيين ورسامين وصناع سينما ومصممين يستطيعون جذب معجبين خارج الصين. كذلك لا تعد الصين، في هذا الإطار، ضمن قوى الابتكار العلمي الرائدة في العالم، فقد سجلت أقل من 3% من براءات الاختراع في المجال العلمي والتكنولوجي عام 2009.

وتحتاج القوة العظمى أيضا إلى ثروة معرفية وخبرة عن العالم من أجل الاضطلاع بدور قيادة العالم، وتعد الصين متأخرة جدا من هذه الناحية أيضا. بعيدا عن اللغة الإنجليزية التي حظيت بشعبية بين أفراد الطبقة الوسطى الجديدة في الصين، لا يتعلم اللغات الأجنبية سوى عدد قليل من الصينيين. إضافة إلى ذلك، لم تطور الصين المؤسسات البحثية المنوط بها دراسة الثقافات والمجتمعات الأخرى.

وأصبحت الصين مصنعا كبيرا خلال العشرين سنة الماضية من خلال تصنيع سلع استهلاكية رخيصة الثمن لتباع في الأسواق الغربية، بمعنى آخر تدعم العمالة الصينية التي تتقاضى أجورا منخفضة المستهلكين الغربيين الأثرياء ومن أسباب ذلك حفاظها على انخفاض عملتها المحلية إلى مستوى أقل من قيمتها الفعلية.

ورغم كونها قوة عظمى يتحتم أن تلعب دورا في صياغة الأجندة العالمية، لا تزال الصين تفتقر إلى متطلبات لتولي أمر قيادة العالم. وسيكون من الظلم وربما من الخطير دفع الصين إلى موقع ليست مستعدة له بعد. وأعظم خدمة يقدمها قادة الصين لباقي دول العالم هي الحفاظ على دولتهم التي يسكن بها ربع سكان العالم مستقرة وآمنة نسبيا.

ويجب على الولايات المتحدة إذن أن تستمر في تحمل عبء قيادة العالم شئنا أم أبينا. تبدو الولايات المتحدة حاليا متراجعة كما كانت في عهد جيمي كارتر في السبعينات ويرجع ذلك إلى حد ما إلى سياسة رئيسها، ومع ذلك ربما تثبت الأيام مبالغة تقدير انتهائها كقوة عظمى عالمية.

==================

محاولة لفهم الأحداث الجارية.. اسرائيل تواجه حزب الله بحرب اهلية لبنانية

مازن كم الماز

2010-11-18

القدس العربي

1  إن تعقد الأزمة داخل النخبة السياسية العراقية، وبشكل خاص داخل النخبة السياسية اللبنانية، والمبادرة السعودية التي استهدفت الأولى تؤشر الى رغبة أكثر من لاعب محلي وإقليمي ودولي في إيصال الوضع المتأزم الحالي إلى عنق الزجاجة.

2  لا يعني هذا بالضرورة أن هناك قرارا بشن هجوم جبهي مباشر على الخصوم الإقليميين أو المحليين، بل ربما يكون هذا مؤشرا الى الرغبة في كسر حالة الجمود والمراوحة ودخول مرحلة من كسر العظم، للحصول على مكاسب سريعة وجدية في ظل ضغوط مختلفة تتعرض لها هذه الأطراف، رغم أن هذا يترك الباب واسعا أمام احتمالات حرب مفتوحة شاملة.

3  طالما كان نشوب حرب أهلية لبنانية مطلبا إسرائيليا، كان هذا هو التكتيك الذي لجأت إليه إسرائيل في الماضي ضد خصمها السابق، منظمة التحرير الفلسطينية، وهو بالتأكيد خيار أساسي مطروح في مواجهتها مع خصمها الحالي: حزب الله، بغرض استنزافه وحتى التحضير لهزيمته النهائية. يجب ألا ننسى أنه على الرغم من تمكن حزب الله من الصمود عسكريا في حرب تموز/ يوليو 2006، لكنه بسبب وجود خصمه السياسي داخليا على رأس الحكومة القائمة يومها فإنه قد خسر سياسيا تلك الحرب.

إن خوض إسرائيل لمواجهة جديدة مفتوحة مع حزب الله لا يحمل أية ضمانات لنصر حاسم من دون خسائر مؤثرة على الأقل، ويبقى تكتيك ضرب حزب الله بتوريطه في حرب أهلية داخلية مغريا جدا بالنسبة لإسرائيل.

4  القوى التي تمثل المارونية السياسية أيضا تعتبر أنها في وضع انتقالي. من الغباء الاعتقاد أنها قد أقرت بهزيمتها في الطائف، وهي على الأرجح تتبع تكتيكا سياسيا حذرا يهدف إلى الخلاص أولا من خصهما الأقوى، حزب الله، في سياق انتصار شامل للمشروع الأمريكي في المنطقة، الذي سيعني انتصارا حاسما لها أيضا في الداخل اللبناني كما تعتقد. وهي بعد أن سحبت عمليا دعمها لموقع رئيس الجمهورية، الذي لم يعد منذ تسوية الطائف يمثل المارونية السياسية، التي كان أمين الجميل آخر ممثليها في بعبدا، أصبحت تركز على التحالف مع خصوم النظام السوري أولا ومن ثم حزب الله. إن خطابها التصعيدي ينم عن استعدادها لحرب أهلية مفتوحة، بل ورغبتها في نشوب مثل هذه الحرب لاستعادة مواقعها في النظام السياسي وفي النظام ككل، خاصة بعد أن أثبتت مواجهات أيار/مايو ما قبل التسوية الأخيرة محدودية إمكانيات تيار المستقبل في مواجهات كهذه وصعوبة استفادته من تبنيه غير المباشر للأصولية النامية في الشمال والبقاع، لدرجة استخدام هذه القوى الأصولية في مواجهة علنية مع حزب الله بسبب موقف النظام الرأسمالي العالمي والعربي الرسمي من هذه القوى الأصولية، مع العلم أن التجييش الطائفي الضروري للمواجهة، أو تغطية المواجهة، مع إيران وحزب الله، مستحيل من دون هذه القوى الأصولية (طالما اشتكى إعلام الأنظمة العربية المعتدلة من ضعف تأثيره على الشارع، حتى عندما يستخدم خطابا شعبويا طائفيا مثلا، بل إنه استخدم هذا الرفض الشعبي لطروحاته على أنه إشارة على تميزه وتقدمه على الجماهير نفسها)، كما أن تاريخ العلاقة مع هذه القوى يحمل الكثير من المخاطر على حلفاء هذه القوى الأصولية المؤقتين، خاصة المتعاونين مع أمريكا والغرب الرأسمالي.

5  إن ما يسمى بالحوار الوطني الذي يرعاه حاليا رئيس الجمهورية اللبنانية ليس جديدا، وليس جديدا أيضا ذلك الجدال حول الدولة والمقاومة، إنه نسخة كربونية عن ذات الجدل الذي دار يوم كانت المقاومة الفلسطينية موجودة في لبنان، قبل الحرب الأهلية، وبذات المواقف المطروحة اليوم تقريبا.

6  لا يعني هذا أيضا رغبة حزب الله نفسه في المواجهة، ولا النظامين السوري والإيراني. الحقيقة أن الدافع إلى هذه المواجهة من جانب حزب الله هو دفاعي بحت قبل أن يصبح تحت مرمى النار بالفعل، أما النظام السوري فمن المستبعد أن يكون راغبا بتعكير الهدوء، وإن كان هدوءا فاترا، في علاقته بواشنطن بعد فترة الضغوط الهائلة التي تعرض لها في ولاية بوش الابن الأولى. أبعد من ذلك، تدل المؤشرات الى أن النظام السوري لن يدخل في مواجهة مباشرة مع أمريكا أو إسرائيل حتى لو تطورت مثل هذه المواجهة مع إيران مثلا أو حزب الله، إلا إذا شعر بتهديد وجودي مباشر، مع إحساسه بأنه لن يكون قادرا على الحصول على تسوية مع أمريكا وإسرائيل تضمن استمراره. لقد تعرضت أنظمة الاعتدال العربي نفسها، بما في ذلك الخليجية التي تبدو أقرب إلى أمريكا وأكثر منعة على مثل هذه الضغوط، والنظام المصري أيضا، باستثناء النظام الأردني الذي يبدو أنه قد حقق المعادلة الصعبة لإرضاء أمريكا وإسرائيل، لضغوط هائلة تطلب الأمر الكثير من الجهد والتنازلات لتهدئتها. بالنتيجة فإن النظام السوري يعي جيدا أنه بحاجة ماسة حتى اليوم للغطاء الذي يقدمه تحالفه مع النظام الإيراني وفصائل المقاومة كحزب الله وحماس، حتى يتمكن من إنجاز صفقة مناسبة مع إسرائيل وأمريكا يبدو إنجازها صعبا حتى اليوم. إن تخلي النظام السوري عن هذا التحالف أشبه بوقوفه عاريا أمام أمريكا وإسرائيل. لكن النظام السوري الحالي كان يفضل تاريخيا المواجهات الخلفية غير المباشرة بالواسطة مع إسرائيل، فهي عادة غير مكلفة بالنسبة إليه، خاصة في ما يتعلق باحتمالات تعرضه لهزيمة نهائية. ما عدا حرب تشرين 73 كانت كل المواجهات الإسرائيلية  السورية المباشرة محدودة وغير حاسمة، رغم أن دوره في استمرار المقاومات المختلفة ضد إسرائيل سمح له مثلا في تموز/يوليو 2006 بأن يعلن نفسه كأحد أصحاب الانتصار في تلك الحرب. كما استخدم المقاومة العراقية وحتى الأصوليين في تلك الفترة لإشغال الأمريكيين في العراق وإضعاف ضغوطهم عليه. ولم يتوقف النظام يوما رغم هذا عن تكرار رغبته بسلام على طريقة كامب ديفيد ووادي عربة مع إسرائيل نفسها، إن صلف طغمة تل أبيب يدفعها للاعتقاد أنها قادرة على الإمعان في إذلال النظام العربي الرسمي والحصول منه على تنازلات أكثر في المستقبل، مما يستطيع تقديمه اليوم. هذه لعبة خطرة وتفترض بقاء النظام العربي الرسمي على حاله من ضعف وتهافت.

7  لا يمكن كسب الحرب في لبنان من دون تغيير جذري في دمشق، في النظام أو في سياساته على الأقل. ما بدا أنه انتصار عسكري ساحق في صيف 1982 وحتى سياسي وشيك في أيار/مايو 1983 انقلب الى هزيمة حقيقية في عام 2000. هناك في لبنان دائما قوى مستعدة لمواجهة إسرائيل والقوى المتحالفة، أو المستعدة للتحالف معها، قوى يستطيع النظام السوري تشجيعها وإمدادها بسهولة بحكم الجغرافيا، مما يجعل أي انتصار إسرائيلي هناك مؤقت بالضرورة.

8  الحرب مع إيران، إذا قررت أمريكا وتل أبيب الذهاب إليها، تختلف جذريا عن

الحرب في أفغانستان والعراق. بالطبع لا يمكن الآن التنبؤ بالدرجة التي أثر فيها انشقاق النخبة الحاكمة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة على تماسك النظام، لكن القوات الإيرانية تتمتع بقدرات جدية على الرد، وهي في حال وجود إرادة سياسية حقيقية لدى النظام قادرة على إيلام أمريكا وإسرائيل. لا يمكن التنبؤ بسهولة بسلوك النظام الإيراني في حرب كهذه، لكن الأرجح أن النظام الإيراني مهتم بتحسين نفوذه الإقليمي أساسا وأن مواجهته مع إسرائيل وأمريكا تحمل طابعا دعائيا أكثر، وبراغماتيه هذه هي التي دفعته للتعامل تحت الطاولة مع المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان. يعرف النظام الإيراني، بفرض أنه يرغب بذلك فعلا، أن هناك صعوبة واضحة في تشكيل أي تهديد جدي سواء للنفوذ الأمريكي الحاسم في المنطقة أو للوجود الإسرائيلي، في ظل موازين القوى القائمة الدولية والإقليمية، لكن من جهة أخرى، فإن النظام الإيراني، كالسوري، لا يمكنه أن يثق لا بأمريكا أو إسرائيل وستبقى أية تسوية معهما، سابقة أو مستقبلية، في أحسن الأحوال مؤقتة وهشة. عدا عن أن ضرب النظام الإيراني القائم وإكمال الطوق الأمريكي  الإسرائيلي حول مصادر نفط الشرق الأوسط يشكل خطرا على القوى المنافسة لأمريكا، أو التي قد تفكر في منافستها على المدى البعيد، أو حتى على اقتصادياتها على المدى القصير، هذا سيهدد وحدة مراكز القوى العالمية في مواجهة النظام الإيراني. إن النظام الإيراني في موقع الدفاع فقط، لكنه دفاع قوي.

9  يجب أن نضيف أيضا أحد العوامل المهمة وهو استقرار النظام العربي الرسمي

نفسه في حال نشوب حرب كهذه. كان احد أخطاء صدام القاتلة في حربه الأخيرة هو أنه لم يحتفظ، أو لم يستخدم، ما تبقى له من وسائل لاستدراج إسرائيل إلى المعركة، ولو بهجمات جوية أقرب للانتحارية، الأمر الذي كان سيزيد من قوة تأثيرها المعنوي على الشارع العربي. إن الحروب التي تفضلها إسرائيل وأمريكا ومعهما النظام العربي الرسمي، هي حروب خاطفة، لكن دروس حربي 2006 و2009 تؤكد أن مثل هذه الحروب أصبحت مستحيلة اليوم. ما تحتاجه قوى المقاومة بالفعل هو استدراج إسرائيل أو أمريكا لحرب طويلة، مع إبداء صمود جدي وإيقاع خسائر مهمة في صفوف العدو، والأهم هو استدراج إسرائيل للمعركة، الأمر الذي سيرفع حرارة الشارع العربي وسيهمش أي تجييش طائفي سابق وسيقلب الطاولة على إعلام الأنظمة المعتدلة، وستتكفل جرائم إسرائيل المتوقعة بالباقي. يجب أن نشير إلى التصاعد الهائل، وغير المسبوق في العقدين الماضيين، في كراهية إسرائيل مع حربي 2006 و2009، حتى أن معظم الفنانين العرب، تنافسوا في الغناء لغزة ولبنان على وقع المزاج الشعبي. النظام العربي الرسمي مهلهل، ورغم أنه يبدو متماسكا حتى اليوم لكن الاعتماد على قدرته على السيطرة على رد فعل الشارع أمر يحمل كثيرا من المخاطرة. يكفي أن نذكر كيف انقلب الوضع الاستراتيجي العام في الشرق الأوسط، الإسرائيلي خاصة، مع التحول المهم لكن ليس الجذري في سياسة دولة رئيسية كتركيا. إن حربا متوسطة الأمد ستحرج النظام العربي والعالمي الرسميين وستنتهي بصعود قوي لمعارضة الأنظمة العربية، الإسلامية غالبا. وإذا كان النظام المصري قد استخدم الإخوان بنجاح في الانتخابات البرلمانية السابقة كفزاعة لتخويف الغرب من توسيع الهامش الديمقراطي فإن هذه الفزاعة يمكن أن تتحول الى كائن من لحم ودم إذا تسببت جرائم إسرائيل وسياسات الغرب المنافقة وصمود قوى مقاومة ما على الأرض بإحراج النظام، ولنذكر أن البديل الأكثر احتمالا للنظام السوري هو نظام يلعب فيه الإسلاميون دورا رئيسيا، وهؤلاء حتى لو كانوا من 'التيار المعتدل' المستعد للتعامل مع الأمريكيين، كما فعل نظيرهم الحزب الإسلامي العراقي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن سقوط أجهزة القمع القائمة التي تلعب دورا بالغ الأهمية في قمع الإسلاميين، إضافة إلى أن التعامل مع الأمريكيين سيضعف من نفوذ قيادات هذا التيار المعتدل، سيؤدي كل هذا إلى تصاعد في وجود وتأثير القوى الأكثر راديكالية. حتى الحزب الإسلامي العراقي اضطر في فترة ما لممارسة سياسة مزدوجة، من جهة داخل العملية السياسية التي ترعاها أمريكا في العراق وضد الاحتلال في نفس الوقت، للحفاظ على دعم حاضنته السنية قبل أن يجد منفذا في الحرب الأهلية الطائفية ومواجهة النفوذ الإيراني كشعار شعبوي يستند إليه.

10  لبنان بالفعل في حالة حرب أهلية محدودة بين أقسام نخبته السياسية والإكليروسية المتنافسة، الفرق هو أن الحرب الأهلية ستنقل الموت والقتل والمجازر إلى مستوى الواقع في الشارع. إن الحرب الأهلية القائمة على أساس طائفي لا تهز النظام القائم بل تعززه، كما تدل تجربة الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة، وكما تدل تجربة العراق. الخاسر الحقيقي من تلك الحرب كان مشروع اليسار اللبناني الذي وقف إلى جانب مشروع الإقطاع السياسي ورأس المال السياسي الإسلامي كمشروع 'وطني' و'مناهض للمارونية السياسية' من دون أن يمارس أي نقد لطبيعته الطائفية والفوقية والاجتماعية أو الطبقية أو تمايز عنه بسبب تلك الطبيعة، طبعا إلى جانب اللبنانيين العاديين من كل الطوائف والأديان.

11  لا بد لقيام مواجهة مفتوحة في ظل كل تلك المخاطر، من وجود رئيس غبي في واشنطن، وآخر أكثر غباء في تل أبيب. لكن هذا يبقى احتمالا غير بعيد.

12  يمكنك أن تبدأ الحرب، لكن لا يمكنك إيقافها متى شئت. وهناك احتمال كبير

جدا أن هذه الحرب ستكون على الأغلب من ذلك النوع من الحروب التي سيخسر فيها الطرفان، خاصة المنتصر. عادة ما تكشف الحروب عن أزمة النظم القائمة أو تعمقها أو تنتقل بنضال الجماهير إلى درجة أعلى وأكثر كفاحية، لقد استفزت حرب الخليج الأولى آخر قدرات الشعب العراقي النضالية في انتفاضة الشمال والجنوب، استعرضت الجماهير العراقية يومها لآخر مرة حتى الآن إرادتها في النضال في سبيل حريتها والتخلص من الاستبداد والقهر، لكن قمع نظام صدام وتجويع النظام الرأسمالي العالمي للشعب العراقي تكفل بكسر هذه القدرات لفترة من الوقت. تذكروا أنه بعد أن عادت جيوش الحكومات البرجوازية من ساحة الحرب العالمية الأولى منتصرة كان عليها أن تواجه لعدة سنوات ثورات اجتماعية داخلية عميقة وضعت النظام القائم برمته على المحك.هذا لا يعني أن الحرب هي تكتيك مقبول للجماهير الباحثة عن حريتها، إن هذه الجماهير هي وقود حروب النخب والطغم هذه، وقرار الحرب هو في الواقع بيد تلك النخب لا الجماهير ويخضع لمصالح تلك النخب والطغم لا الجماهير المهمشة والمستلبة. لكن جريمة كهذه، كما يقول التاريخ في أكثر من درس، كان عقاب الجماهير لأسيادها الذين دفعوها إلى المجزرة، مباشرا وشديدا، أكثر بكثير مما تصور الطغاة لحظة إصدارهم الأوامر بإطلاق الرصاصة الأولى من المجزرة.

' كاتب سوري

==================

المسلمون في أوروبا... جدلية الاندماج والهوية

د. ريتا فرج

2010-11-18

القدس العربي

لم يكن الحضور الإسلامي في أوروبا وما يتضمنه من حيثيات تاريخية تتراكم فيها تجارب بدت للمجتمعات الحاضنة، مبعثاً للتوجس من صحوة الهويات، عاملاً طارئاً، خصوصاً إذا ما قورن بالتجارب السابقة، وما تختزنه من تصورات ومفاهيم إسقاطية، شوهت علائق التثاقف والتحاور بين المحورين، أي أوروبا والإسلام. ولا ريب أن اندماج المسلمين في الحاضرة الغربية، لا يصطدم بسياقات العلمانية وأنماطها، فقط، بل تمارس المعطيات الدينية الدور الأشد تجذراً، لجهة الحفاظ على الارث التوحيدي، مخافة التذرير وفقدان الهوية.

المسلمون اليوم إذ يعانون من تداعيات جرحية، تصب في خانة عدم القدرة على الذوبان الكلي في الثقافة الأوروبية، لا يشكل الدين، السبب الوحيد لصعوبة تكيفهم، وإن بدت سياسات الأسلمة عبر القاعدة الجماهيرية أكثر تأثيراً، في المستويين المجتمعي والهوياتي، بل ثمة تضاد متبادل، تولّده الافتراقات المعرفية، من دون أن يعني ذلك تعميم هذا التضاد على كافة الجاليات الإسلامية، الآخذة في بناء أنساق جديدة قوامها تدعيم التوازن بين الهوية الأصلية ومكتسبات الغرب. لكن المفارقة، تتمثل في ما تختزنه الذاكرة الجمعية، بين أوروبا والإسلام، من صور نمطية عززها الاستشراق الكلاسيكي، مع العلم بأن الأولى لم تحضر في تاريخ المسلمين، إلاّ بعد الحملات المنظمة للحروب الصليبية  أو حروب الفرنجة كما أصطلحت على تسميتها الأدبيات الإسلامية  والتي أدت بدورها الى إحداث الانكماش، استكملت عدتها مع استشراء الكولونيالية الاوروبية سابقاً، والأمريكية لاحقاً، والتي تتقاطع في الوقت الراهن مع صحوة الهويات ليس في العالم العربي المأزوم، بل أيضاً في بعض الدول الغربية.

اندماج الجاليات الاسلامية في أوروبا، تعتريه إشكاليات مختلفة، تبدأ بنقل الموروث الثقافي والديني، وتنتهي في عدم تصالح الغرب مع الإسلام؛ والحال، الى أي مدى يمكن اجتراح مقولة الإسلام الأوروبي، وفقاً للطروحات التي تقدم بها الباحث الإشكالي طارق رمضان؟ وهل المواءمة بين الإسلام والعلمانية تساعد على تقبل الثقافة الغربية التي أحدثت القطيعة مع الدين منذ عصر الأنوار؟ وما هي السبل لمخاطبة العقل الغربي؟ ألا يمارس تصادم الثقافات فعالية بسبب فقه التضاد مع الآخر؟ الحديث عن 'الإسلام الأوروبي' وفقاً لأدبيات حفيد حسن البنّا طارق رمضان، يتخطى آليات الاندماج؛ المسلمون اليوم، ما عادوا يشكلون طغمة مفارقة للآخر الاوروبي، إنما يتفاعلون، ويمارسون انتقائية ذاتية، بغية الموازنة بين ثقافتهم، والديكارتية الغربية إذا جاز التعبير. لكن رمضان مبتكر مفهوم دار الشهادة، وليس دار الدعوة، والداعية لاسلام المحبة، يطرح معادلات جادة، تكتسب أهميتها، من معايشته المجتمعية والاكاديمية، لهموم المسلمين وتمثلات اندماجهم، سياسياً وثقافياً واجتماعياً. ولعله الشخصية الأكثر إثارة للجدل ليس في اوروبا بل في ديار الإسلام أيضاً.

وبصرف النظر عن الطروحات التي تقدم بها مجترح 'الإسلام الاوروبي'، لا تلقى ممارسة شعارات الدين الإسلامي ترحيباً في الدوائر الغربية، ليس لأسباب ترتبط بنبذ التعددية الدينية، بل لأن الفرد الاوروبي، قطع مع ماضيه الديني، ماضي القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، وبات في أزمنة ما بعد الحداثة، لا ينظر الى الآخر إلاّ من مرآة إرثه العلماني والعلمي، مما يؤدي الى نوع من التناقض المعرفي مع كل الذوات المفارقة له، دينية كانت أم إثنية أم عرقية. لكن الأهم في هذه الثنائية أنها بقيت محكومة بغياب الثقة، وبرهاب التوجس من المختلف، خصوصاً أن المسلمين يبنون في الغرب الاوروبي عولمة إسلامية، ويتمددون على وقع الجغرافية، رغم ما تبديه الحكومات الاوروبية من ممانعة منظمة لهذا التحول فوق أراضيها، تحديداً لجهة تفاقم الحركات الإسلاموية التي نقلت معركتها من دار الإسلام الى دار الهجرة؛ والإسلاموية الجديدة تعمل على قواعد مختلفة، وما عادت تتخذ مواقف حدية على مستوى السياسات الغربية تجاه قضايا العرب والمسلمين، فبدأت الانخراط في نمط من السلفية الجديدة، قوامها أسلمة المجتمع عبر الجمهور، بعد فشلها في العمل السياسي، وفي هذا السياق نحيل الى أطروحة أوليفيه روا 'فشل الإسلام السياسي'.

عدة مؤشرات جديدة ترسم ردود الأفعال الأوروبية تجاه الجاليات الإسلامية، أولها معركة الحجاب، ثانيها، منع بناء المآذن في سويسرا، وأخيراً وليس آخراً دعوة انجيلا ميركل المسلمين الى الاندماج في ألمانيا؛ إلاّ أن التوتر العلائقي عرف ذروته مع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وإن وقع الحدث الدراماتيكي في ديار المارد الامريكي، صحيح أن تفجيرات نيويورك أحدثت صدمة جرحية ونتجت عنها غزوات، وإعادة إحياء للصور النمطية بين الإسلام والغرب، لكن تاريخ أوروبا الاستعماري لا يشفع لها كثيراً، ولعل الثورة الجزائرية تمثل الأنموذج الأشد عمقاً في ذاكرة العرب والمسلمين. والحال هل اندماج الإسلام المعولم في المجتمعات الاوروبية قادر على تفكيك كل الحواجز لا سيما ما يتعلق بالهوية؟ ألا تعبرعودة الهويات في الغرب كما في الشرق عن تعثر الأنظمة الحاضنة للتعدد؟ ولماذا لا يقطع المسلمون  العرب مع ذاكرتهم ولا يتذكرون مستقبلهم بعين العقل لا التوهيم الديني والسياسي؟

إشكاليات الإسلام المعاصر سواء في أوروبا أم في المواطن الأصلية، يتخطى جزء كبير منها جدلية الاندماج مع المحلي والعالمي، فالتحديث يتطلب معالجة بنيوية وتربوية، تنطلق أولاً من النسق الدوغمائي الذي يكبل تثوير العقل الإسلامي، وتتابع ثورتها على إيقاع التخريجة الديكارتية المصحوبة بكيف ولماذا، وليس بمنطق الإرجاء وهدم المستقبل، وإحالة كل ما هو دنيوي الى عالم الغيب؛ والنصوص التأسيسية تسعفنا على ذلك، والقرآن يدعو الى التفكر وإعمال العقل، ومسيرة الرسول والوحي ارتبطت في التاريخ ولم تكن خارجه، وإلاّ ما معنى قول النبي 'أنتم أعلم بشؤون دنياكم'.

' كاتبة وباحثة لبنانية

==================

مرحلة البحث عن الحلول والمخارج

الجمعة, 19 نوفمبر 2010

نيويورك - راغدة درغام

الحياة

يبدو ان هذه مرحلة انتشال الذات من الزاوية التي زج نفسه فيها أكثر من لاعب دولي واقليمي في منطقة الشرق الأوسط، انما باستثناءات. تكتيك الخروج من الزاوية لا يعني تلقائياً أن هناك استراتيجية جديدة بالضرورة، بل الأرجح أن هدف تغيير التكتيك هو صيانة الاستراتيجية. فإسرائيل أعلنت اعتزامها الخروج من شمال قرية الغجر لأسباب تكتيكية لا تنحصر بعلاقاتها مع لبنان وانما تنطلق أساساً من علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة التي وصلت الى طريق مسدود وأسفرت عن زج الحكومة الإسرائيلية نفسها في زاوية. انما السياسة الإسرائيلية الأوسع المعنية بفلسطين أو لبنان أو سورية أو إيران ما زالت ترتكز الى الاستراتيجية المعهودة بغض النظر عن أهمية الإجراء التكتيكي بالانسحاب من الغجر. الجمهورية الإسلامية الإيرانية زجّت نفسها في أكثر من زاوية عبر إقحام نفسها في عداءات إضافية الى "العدو الأميركي" طاولت روسيا ونيجيريا وحتى الصين. إنما أخيراً بدأت طهران تبدي استعداداً للعودة الى المفاوضات مع الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا في الملف النووي، كما بدت أنها جزء من التفاهم الدولي والإقليمي والمحلي على تشكيل الحكومة العراقية. على رغم ذلك، ليست هناك أية مؤشرات على تغيير جذري في الاستراتيجية الإيرانية الثابتة، النووية منها أو تلك الراغبة في الهيمنة الإقليمية. سورية بارعة دائماً في تكتيك انتشال النفس من الزاوية التي سبق وحشرت نفسها فيها سهواً أو عبر أخطاء استراتيجية. وهي بالقدر نفسه من البراعة في صياغة استراتيجيات توريط الآخرين ليسيروا طبقاً للخطوات التي ترسمها لهم دمشق، خصوصاً اللاعبين اللبنانيين من صفوف المعارضة أو الموالاة على السواء. "حزب الله" بارع تقليدياً في الحنكة السياسية لكنه في الفترة الأخيرة يتصرف وكأنه فقد أعصابه والبوصلة السياسية عندما زج نفسه في زاوية التصعيد وإدانة الذات وكأنه استُدرج وتورّط من دون أن يعي. الفلسطينيون مميّزون بقدراتهم على زج النفس في الزاوية سيما في انقساماتهم الخطيرة وإجراءات بعضهم التي تقع ذخيرة في أيادي إسرائيل وتكلّف الفلسطينيين غالياً. انما اللاعبون الإقليميون ليسوا وحدهم مَن يضع نفسه في الزاوية بل ان إدارة باراك أوباما أثبتت قدرة هائلة على هذه "الموهبة" بعدما سبقها اليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فهو يبدو مصرّاً على اعتماد التكتيك استراتيجية وينفّذ مثلاً املاءات آتية من عواصم عربية يعارضها أقطاب حكومته. ولذلك يبدو أنه يمعن في حشر نفسه في الزاوية بلا استراتيجية أو تكتيك لإخراج نفسه أو السياسة الفرنسية الشرق أوسطية منها، مهما كانت خاطئة أو مكلفة.

لعل السياسة التركية في عهد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس عبدالله غُل ووزير الخارجية داوود أوغلو أكثر السياسات استراتيجية وأكثرها عملية. فهذا الحكم يقترب من الإطاحة بعلمانية تركيا الأتاتوركية واستبدالها بإسلامية تركيا المميزة، وهو يفعل ذلك بنمطية مدروسة ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية تمتد الى الصين.

الحكومة التركية راهنت على إدارة باراك أوباما موظّفة ما تسرّب عنها من ضعف ووهن لمصلحة أنقرة. توجهت الى أوروبا ليس توسلاً لها للقبول بها عضواً في الاتحاد الأوروبي، وانما بثقة متجددة وإيحاء بأنه عندما تحوّل التمني الى توسّل – في فكر وذهن أوروبا – ثار العنفوان التركي ضد الفكرة عن بكرة أبيها.

بدلاً من الغرب، توجهت تركيا شرقاً الى الصين وطوّرت العلاقة الى درجة سابقة إجراء مناورات عسكرية مشتركة الشهر الماضي والإعلان رسمياً عن تطوير الشراكة الثنائية الى خانة "الشراكة الاستراتيجية". هذا فيما ما زالت تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفيما كانت المناورات العسكرية المشتركة في الماضي تتم مع الولايات المتحدة وإسرائيل. انما المهم، ان أنقرة لم تقطع الخيوط مع إسرائيل تماماً، وهي ما زالت شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة ضمن حلف الناتو. فهي اليوم تُحسِن الإمساك بالخيوط، بما فيها تلك الممتدة الى إيران، حتى عندما يُقال ان تركيا تسعى وراء زعامة السُنّة فيما إيران في موقع زعامة الشيعة.

على عكس تركيا التي لا تبدو في حاجة اليوم الى استراتيجية إخراج النفس من "خانك اليك"، تبدو الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حالة توتر وانقسام تكابر وتعادي وتستفز وتمعن في إقحام نفسها في أكثر من زاوية. تبدو الهيبة والوقار على تركيا – مهما كانت سياساتها موضع انتقاد أو خلاف – فيما سقط الوقار عن إيران وباتت تقاتل أظلالها.

سقطت الهيبة أيضاً عن الولايات المتحدة لأسباب متعددة. ادارة أوباما تبدو جاهدة اليوم في محاولة انتشال نفسها من الزاوية – زاوية الضياع وزاوية انحسار الهيبة وزاوية السياسات الخاطئة التي لها ملامح التبسيط. ولأنها دولة عظمى، فحالما تتحرك الولايات المتحدة وان كان متأخراً، يأخذ الجميع علماً بذلك ويحسبون حسابه بشكل أو بآخر.

لا بد ان القرار الإسرائيلي بالانسحاب من الغجر أتى بمساهمة أميركية بعدما تحركت إدارة أوباما في صدد لبنان في الأسابيع القليلة الماضية بعدما كانت ركنت الى حسابات خاطئة ثم استدركت واستيقظت وقررت أن تخاطب جيرة لبنان بوضوح وإصرار. أهمية الانسحاب الإسرائيلي من قرية الغجر انه يلغي منطق استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية من وجهة نظر الأمم المتحدة والولايات المتحدة. فمزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل هي من وجهة نظر الأمم المتحدة سورية وليست لبنانية، طالما ان سورية وإسرائيل ترفضان تقديم الوثائق التي تطالب بها الأمم المتحدة والتي تؤكد صحة ان كانت المزارع لبنانية حقاً أم سورية. دمشق تقول ان مزارع شبعا لبنانية لكنها ترفض تقديم الوثائق التي تطلبها الأمم المتحدة وهي تقول ان البحث في مصير هذه المزارع، كما تثبيت الحدود اللبنانية – السورية، يجب أن ينتظر الى ما بعد تحرير الجولان السوري من الاحتلال الإسرائيلي. أما "حزب الله" فإنه يعتبر الاحتلال الإسرائيلي لكل من قرية الغجر ومزارع شبعا الركن الأساسي للمقاومة من الأراضي اللبنانية والمبرر الرئيسي لاستمرار امتلاكه سلاحه خارج سلاح الدولة.

إدارة أوباما تبنت في الآونة الأخيرة استراتيجية مختلفة عن الادارة السابقة نحو لبنان بعدما أرعبتها التطورات الأخيرة فيه بما في ذلك ازدياد تمرير السلاح الى "حزب الله" من سورية وإيواء سورية مخازن لسلاح "حزب الله" كما يتهمها المسؤولون الأميركيون. أصابها الرعب أيضاً من جرّاء التهديد بضرب الاستقرار الذي أتى على لسان "حزب الله" إذا صدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمقاضاة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه ال 22 القرار الظني بحق أفراد من "حزب الله".

المسؤولون الأميركيون المكلفون هذا الملف يرفضون الكشف عن الخيارات التي في حوزتهم. واضح ان التمسك بالمحكمة ليس أميركياً حصراً وانما هو روسي بقدر ما هو بريطاني أو فرنسي. فلقد تم اتخاذ القرار بعدم السماح ل "حزب الله" أو لسورية بتقويض المحكمة الدولية وبإفشال سعيهما وراء إلغائها، وأدى التصعيد العلني الى النتيجة العكسية. وبدلاً من إضعاف المحكمة أو تأخير إجراءاتها – بما في ذلك القرارات الظنية – أدت الحملة السورية وحملة "حزب الله" الى حشد الإجماع الدولي وراء المحكمة – بما في ذلك تركيا مثلاً – وبات المدعي العام دانيال بلمار على ثقة أكبر بعدما كان تعرّض لضغوط أبرزها فرنسية وخليجية سعت الى تمييع المحكمة والتراجع عن القرارات الظنية.

الآن، أمام الذين صعّدوا وهددوا إما التنفيذ أو التنفيس. لا بأس في التفكير بإخراج الذات من الزاوية سيما إذا تبيّن ان هناك ربما توريطاً أو حسابات خاطئة. لا بأس في الهبوط من سلم التصعيد سيما إذا كان الهبوط يعني الوعي بأهمية استدراك معاني إدانة النفس بدلاً من ترك مهمة التبرئة – أو الفشل في إثبات الإدانة – الى مجريات العدالة. هكذا يصبح لانتشال الذات من الزاوية أهداف ومبررات ذات معنى سيما إذا كان عنوانها ايلاء الأولوية لاستقرار لبنان والمنطقة.

اليوم، ان مهمة جميع اللبنانيين واللاعبين الإقليميين والدوليين هي إعادة الأمور الى نصابها. لا حاجة للمساهمة في الزج في الزاوية. ان المطلوب هو التفكير الجماعي في كيفية استعادة "حزب الله" الى بيئته الطبيعية وموقعه الضروري في مسيرة لبنان وفي مستقبل المنطقة.

إدارة أوباما تفكر في هذه الآونة بمعايير جديدة لسياساتها نحو الشرق الأوسط. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كما يبدو، تسلمت زمام الأمور في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بعدما أمضى المبعوث الخاص السناتور جورج ميتشل سنتين في إدارة هذا الملف من دون جدوى. لعله أخطأ في التكتيك وفي استيعاب القدرة الإسرائيلية على المناورة وعلى فرض أجندتها. ولعله فشل على رغم كل ما استثمر من قدراته وحسن نياته. المهم ان هيلاري كلينتون تأتي اليوم الى ملفات الشرق الأوسط بتحديات كبرى لها وللآخرين.

هيلاري كلينتون تحسن لغة اللعبة السياسية لكنها قد لا تكون قديرة في لغة المفاوضات. انها تأتي الى الملف الفلسطيني – الإسرائيلي بخبرات منها خبرة زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون الذي يتقن حذافير الملف وحذافير فن التفاوض.

ما أسفرت عنه مفاوضاتها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في ما بات يُعرف بالساعات السبع في نيويورك ينطوي على مغامرة لإدارة أوباما ولهيلاري كلينتون نفسها. الصفقة بالتأكيد ناقصة تكشف ضعف الولايات المتحدة وفترة ال 90 يوماً هي فترة امتحان لإدارة أوباما أكثر مما هي امتحان لحكومة نتانياهو.

هذه الفترة – فترة ال 90 يوماً – تشكل مجالاً لكل من يرغب في انتشال النفس من الزاوية. انما المطلوب ان يكون الانتشال تكتيكياً مرحلياً وان تكون النتيجة استراتيجيات أوعى من تلك التي برزت منذ قدوم باراك أوباما الى البيت الأبيض.

==================

تخفيض الإنفاق في بريطانيا ونهاية الإمبراطورية

الجمعة, 19 نوفمبر 2010

روجر أوين *

القدس العربي

تم الحديث أخيراً حول العالم عن التخفيضات الكبيرة في الإنفاق الحكومي البريطاني. وغالباً ما تم التعليق على أن هذه التخفيضات عادلة، بالإشارة إلى تأثيرها على الجميع من دون استثناء بما في ذلك الموازنة المخصصة للملكة اليزابيت وافراد العائلة المالكة. في حين تمت مقارنة ردود فعل الشعب الصامتة على هذه التخفيضات بالروح التي سادت خلال ما سمي "انسحاب دانكرك" في العام 1940، عندما فقدت بريطانيا معظم معداتها العسكرية أمام التقدم الألماني في فرنسا، فباتت فاقدة لقدراتها الدفاعية ووحيدة.

ولكن بالطبع، يعدّ هذا الجزء الصحيح من القصة كما بدت حتى الآن، فقد يقوم العمال والطلاب البريطانيون بمزيد من التظاهرات العنيفة مع مرور الوقت كما حصل أخيراً في فرنسا، وذلك في حال اعتقادهم أنّ التخفيضات ستؤدي إلى مزيد من الركود الاقتصادي. ولكنني أعتقد أنّ للتخفيضات انعكاسات أخرى لم يلحظها أحد حتى الآن.

وتجدر الإشارة إلى أنّ السياسة المالية الجديدة لحزبي المحافظين والديموقراطيين الليبراليين في الائتلاف الحكومي تتمتّع بوجهين لهما أهمية تاريخية عالمية. الوجه الأول يتعلق بالتخفيضات التي تشمل القوات المسلّحة إلى حدّ كبير، وهذه تشبه التخفيضات التي تلحق بمخصصات الملكة وتصل نسبتها الى 19 في المئة، وهذه سياسة لا تقدم عليها الحكومات المحافظة عادة. أما الوجه الثاني، فلا يقتصر على تسبّب التخفيضات بوضع حدّ لمهمات بريطانيا العسكرية في الخارج، بل يجعل بريطانيا عاجزة تماماً عن الدفاع عن نفسها في حال أي اعتداء خارجي، وهي ملزمة الآن على أن تشترك في هذه المهمة مع جارتها فرنسا.

من وجهة النظر هذه، سيعتبر المؤرخون مشاركة بريطانيا في غزو أفغانستان والعراق واحتلالهما بمثابة الفرصة الأخيرة، لا بل غير المحتملة. أما في ما يتعلق بأفغانستان، فقد تم تعليم أجيال الطلاب البريطانيين في المدارس بأنّه من الحماقة استخدام السلاح بهدف التأثير في سياسات هذه الدولة المضطربة. وبوجهٍ خاص، في ما يتعلّق برئيس الحكومة السابق غوردن براون وقراره متابعة المشاركة في الحرب هناك بعد تسلّمه منصبه في العام 2007، فكان من الحماقة أن يتابع الجيش البريطاني هذه المهمة إذ كان براون يدرك جيداً أن الجيش البريطاني غير مزوّد على نحو جيّد بالعتاد العسكري المناسب، بسبب التخفيضات التي طاولت القطاع العسكري، وكان هو المسؤول عنها آنذاك بصفته وزيراً للمال. وما قد يزيد قرار براون حماقة هو الضغط عليه للإبقاء على الوجود البريطاني في أفغانستان من قبل بعض كبار القادة العسكريين.

أما على صعيد العراق، وكما هو معروف، فقد قاد توني بلير بريطانيا إلى الحرب إلى جانب الأميركيين ضدّ رغبة الأكثرية الشعبية البريطانية. وبالإضافة إلى ذلك، اتّسمت إدارة الجيش البريطاني لاقاليم الجنوب العراقي في المرحلة الأولى من الاحتلال بالفشل في ما يتعلّق ببناء المؤسسات وإعادة الاعمار. وبالتالي، فقد ترك احتلال العراق وراءه وللأسف، قدراً كبيراً من الاتهامات، بما في ذلك الاتهامات بتعذيب المدنيين العراقيين وإساءة معاملتهم. وفي النهاية، لا يزال مبكراً تقييم الانعكاس السلبي لهذا الاحتلال على بعض فئات الشعب البريطاني من المسلمين بشكلٍ صحيح، في الوقت الذي كان واضحاً أنّه بالغ الأهمية.

ومن وجهة نظري، وكشاهد على الجزء الأول من نهاية الإمبراطورية البريطانية أثناء حالة الطوارئ في قبرص في الخمسينات، لا يسعني سوى أن أكون شاكراً لما يحصل الآن. فقد كانت الحكومات البريطانية على مر خمسين سنة تعاني من مشكلة اساسية هي كيفية مواجهة المشاعر الاستعمارية ومحاربتها أو الرضوخ لها بهدف إعادة تنظيم العلاقات مع المستعمرات السابقة ومن ثم الهروب منها.

ولكن مهما كانت القرارات التي تم اتخاذها آنذاك، لا شك في أنّ الأمر كان محتماً وأنّ للعملية نتيجة واحدة واقعية. فالمحاولات القليلة لتغيير هذا الواقع باءت بالفشل أثناء العدوان على قناة السويس في عهد جمال عبد الناصر في العام 1956 مثلاً، أو المناورات الاستعمارية المعتمدة في ما يعرف ببناء الدولة في أفغانستان والعراق، وهذه المحاولات هي خير دليل على انتهاء هذه المرحلة من تاريخ بريطانيا. ولكن غالباً ما أدرك الشعب ذلك قبل السياسيين بكثير.

ولكن يتطلّب الأمر وقتاً للاعتياد على ذلك. فمنذ بضع سنوات، كانت فكرة مشاركة حاملة الطائرات الأخيرة المتبقية لبريطانيا في عمليات مشتركة مع حاملة الطائرات الفرنسية بمثابة إهانة كبيرة. بيد أن أحداثاً أخرى وقعت أخيراً تبدو أكثر سخرية وتعبيراً، ومنها على سبيل المثال اعتراض الصينيين عندما قام أعضاء البعثة التجارية التابعة لرئيس الوزراء ديفيد كامرون بوضع شارات تخليداً لذكرى ضحايا بريطانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. إنّه رمز تضحية بالنسبة الى البريطانيين ولكنه إذلال للصينيين الذين يتذكرون ما يعرف بحروب الأفيون التي لا تشمل نهب القصر الصيفي للامبراطور في العام 1860 وحسب، بل الأسلوب الذي اعتمدته بريطانيا لإلزام الضين على فتح حدودها لآثار الأفيون السيئة التي استفادت منها الهند في ظل الحكم البريطاني إلى حدّ كبير.

كانت لبريطانيا قديماً في ظل الامبراطورية تجارة حرة عظيمة مبنية على أسطولها البحري وقوتها الصناعية وقدرتها على فتح الأسواق في كافة أنحاء العالم. أما اليوم، فتعتمد بريطانيا على مساعدة الغير لها لانخراطها في التبادل التجاري من دون أي عائد خاص بها سوى قدراتها الديبلوماسية وعضويتها في السوق الأوروبية المشتركة. كان على حزب العمل تحت قيادة توني بلير وغوردون براون إدراك ذلك منذ عقدٍ على الأقل، أو أكثر. أما اليوم، فبات المحافظون، أكبر المؤيدين للامبراطورية منذ عهد دزرائيلي وعلى مرّ أكثر من مئة وأربعين سنة، هم من يمتلك الشجاعة لوقف الزخم الامبراطوري.

* اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد  

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ