ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 09/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

حقيقة أم ذريعة: الانسان ذئب لاخيه الانسان!

مطاع صفدي

2010-11-07

القدس العربي

هل أصبح قتل الناس جماعياً إيقاعاً يومياً، تنطلق منه، وتنتظم حوله مختلف المظاهر الأخرى للحياة السياسية العربية. هل هو الثمن الحقيقي المباشر لما نعرفه عن بطالتنا الحضارية التي تنحدر إلى مستوى العطالة الإنسانية. من السهل القول ان انسداد كل طريق أو وسيلة أمام الحرية، بأبسط معانيها وحقوقها المدنية، قد لا يُبقي ثمّة وسيلةً أخرى للاعتراض سوى تبادل المقتلات الجماعية بين الأطراف المتصارعة؛ فالموت يسبق الحضارة تاريخياً لكنه لن يفارقها لحظة أو حقبة، عبر تطوراتها كلها. وفي الفلسفة أن الإنسان اخترع الحضارة كتحدٍ زمني نسبي، صغير يردّ على التحدي الأكبر الأبدي الذي هو الموت. أفراد البشر فانون حتماً، لكن (إنسانيتهم) قد تكون باقية بفضل ما تنتجه حضاراتهم من أمثلة الحرية والإبداع والعدالة. هكذا يعتقدون.

حين تمسي الحضارة عاجزة عن إنتاج هذه الأمثلة والنماذج، يُقال أن البشر كأفراد وجماعات يفقدون إنسانيتهم. ذلك أن الحضارة المتبطلة هي المصابة بالعجز التاريخي عن صناعة الأحداث الكبرى، وبالعقم الثقافي الذي يفقدها الشعور بتميز عقلها المفكر عن جسدها العضوي الحيواتي. يرتد هذا النوع من البشر تحت وطأة البطالة الحضارية، إلى مجرد كائنات باحثة عن أمنها اليومي، الذي لا يمكن أن توفره لذاتها، إلا بالقضاء على أمن الآخر، بسببٍ من مجرد اختلاف وجوده عن وجودها؛ في هذا المستوى سوف يسترّد الموت آمريته المطلقة فوق كل آمرية (حضارية) أخرى. يصير له المصطلح العامي: الصراع من أجل البقاء حينما تسود الشرعة القائلة أن الإنسان ذئبٌ لأخيه الإنسان.

هذا التعريف الخام للإنسان الطبيعي لا يمكن تجاوزه إلا بصعوبة شديدة عندما تخيم البطالة الحضارية على سكان صحاريها. هذا مع الفارق بين الموت الذي لابد أن يأتي الإنسان من طبيعته باعتباره كائناً فانياً يعيش عمراً محددا،ً وبين ذلك الموت الآخر، المقصود الذي يأتي الذئب الأضعف من الذئب الأقوى. أليس من المخيف حقاً أن ننظر إلى مجتمع بائس، وقد تحول إلى قطيع من الذئاب الجائعة، التي ينهش بعضها لحم البعض الآخر. ذلك يحدث أحياناً للبعض من شعوبنا البائسة، وقد يحدث أكثر لمزيد من شعوب أمتنا المنكوبة بأمراضها الذاتية، بأعدائها العضويين في لحمها ودمها، المتنافسين مع أعدائها الخارجيين في المزايدة بالشراسة والدموية المجانية، ما بين هذين النوعين أو الصنفين من فنون الهمجية المطلقة العصرية.

كأنما لم يعد الإنسان العربي يموت موت ربه، باللهجة العامية، بل يموت قتلاً بأيدٍ أهلية أو أجنبية من أخيه أو عدوه لا فرق. يصير القتل جنسية فوق كل الجنسيات، ليس لها من الخصائص المميزة إلا كمية الدم المُراق. والإعلان اليومي عن عدد القتلى والجرحى والمشوهين، أصبح دون حاجة إلى أي بيان عن المقابر الجماعية أو الفردية التي ستتلقفهم. هناك شعوب عربية وإسلامية كاملة معدة للذبح المستدام. إما انها غارقة فعلياً في مستنقعات الموت والنار، أو تنتظر أدوارها المرسومة، أو أن بعضها الآخر لا يعرف بعد كيف يندب أخاه المقتول البعيد، فلا يريد حراكاً في موقعه المستديم.

منذ أن تمّ سلخ العراق عن باقي كيانه العروبي، وعزله في بوتقة الاحتلال، لم يترك الجراحون الأمريكيون والصهاينة مِبْضعاً أو سكيناً لتمزيق لحمه عن عظمه إلا وجربوه. لكن الاختراع الجراحي الأدهى والأقدم في مسالخ الاستعمار، هو في تحويل الجسد المجرح إلى مرتع لمختلف جراثيم التعفن والتحلل، لكي تنمو الجروح وتتغذى من بعضها، فيمسي الجسم المقتول قاتلاً لبقيته، حتى تفقد الجثة آخر آمالها في استعادة جسدها الحيّ يوماً ما.

عندما دخلت النهضة العربية المعاصرة في حقبة المذابح الذاتية، كانت ساحة التجارب الدموية الأولى لتلك الحقبة محصورة في أصغر وأجمل وأحدث أقطار العرب: لبنان. كانت هناك جولة أولى في أواخر الخمسينيات القرن الماضي، لما سوف يُصطلح عليه بالحرب الأهلية العربية، التي ستشكل قريناً ذاتياً لحدثيات النهضة. فالعام 1958، كان لمن يذكره، غاصّاً بنموذجي الحدث الإيجابي النهضوي ونقيضه التدميري معاً، يقعان في تواقت واحد، كفعل ورد فعل. فالإعلان عن قيام 'دولة الجمهورية العربية المتحدة'، كان بمثابة فتح باب العصر الوحدوي. كان الإعلان حاملاً للنداء التاريخي الأول عن عودة الأمة العربية إلى صلب التاريخ، هكذا تلقّتْه شعوب الأمة في كل مكان وقطر. تحركت جماهير المشرق صوب دمشق، حيثما كان مارد الوحدة متجسداً آنذاك في قامة الرجل الأسمر الذي يصنع التاريخ، وهو يطل ليلاً نهاراً خطيباً من شرفة القصر على وفود الآلاف المؤلفة، الآتية إليه مُبَايعَةً من عواصم الشام الكبرى والرافدين بعد دمشق، أي بيروت وعمان وبغداد. كان ذلك هو الفعل النهضوي التدشيني. وقد تبعه مباشراً رد الفعل عليه من العواصم المدبرة للمقتلات الكونية العظمى: باريس ولندن وواشنطن، وذنبَها تل أبيب، فكانت البداية في الحكم على القسم الأهم والأعمق من الجمهور المشرقي، وهو العراق، بمصير التفتت الذاتي، حينما اشتعلت المهالك المتبادلة بين قطبيْ الانقسام الأيديولوجي الأول، القومي والاشتراكي.

اشتعلت، هكذا، حربان أهليتان في عام الوحدة، في كلٍ من بيروت وبغداد، بمعنى أن الأمر (الدولي) قد صدر بمنع شعوب المشرق عن تلبية النداء الوحدوي، سواء بوسيلة القهر الخارجي (الإنزال العسكري البريطاني في عمان والأمريكي في بيروت)، أو بطريقة التحلل (الثوري) كما في بغداد. فالعنف الدموي الأجنبي لن يبقى خارجياً وحيداً، أو سيد الحراك العلني المكشوف فوق الخارطة العربية. والحكمة الإنكليزية القديمة، كما خطّها قلم فيلسوف دولة العنف (هوبز)، القائلة أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، لا بد من إشراك الضحايا بدماء بعضها. سوف تلقى أفعل تطبيق لها في عهد الاستعمار الجديد الموجه إلى العالم الثالث عامة، من مدخله الاستراتيجي، الشرق الأوسط؛ إذ ينبغي للغرب كيما يحفظ تفوقه المادي والحضاري، ألا يسمح لسواه، وخاصة حضارات الشرق، أن تنعم حتى بالحد الأدنى من سلامها الاجتماعي واستقرارها السياسي، بأن تتمكن من استعادة تملكها ثانية من ثلاثية الفكر والسياسة والحرية. لا بد من إعادة إدخال هذه الأمم العريقة في ديمومة البطالة الحضارية مقترنة بالعطالة الإنسانية في وقت واحد. والشرط المركزي والمثالي لإنجاز هذه الاستراتيجية، هو تفعيل شريعة ذئبية الإنسان فرداً وجماعة، بصرف النظر عن أية مسوغاتٍ ضرورية أو مفتعلة.

منذ سقوط التجربة الوحدوية الأولى أصبح مستقبل النهضة محفوفاً بأخطار انبعاث نقائضها الذاتية الداخلية، معطوفة على تهديدات نقيضها الخارجي الأكبر الذي هو الغرب الاستعماري؛ فقد مضى على اندثار حلم الوحدة حوالي نصف قرن، لكن كل ما أتى بعد هذا الحلم من محاولات الاستعادة بشتى عقائدها الأيديولوجية وتجاربها السياسية والاجتماعية، المتنازعة فيما بينها، كانت آيلة جميعها في النهاية إلى الحال الراهنة الموصوفة بالبطالة الحضارية... ومع ذلك نقول: هذا العصر العجيب الصاخب يظل متشبثا باسمه التاريخي الأصلي، كونه عصر النهضة الجديدة؛ فهو على الأقل يحفظ من دلالات النهضة ذلك الحيز الدقيق والحاسم الفاصل حتى الآن ما بين البطالة الحضارية وقرينتها العطالة الإنسانية، المؤجلة إلى حين مجهول.

حاكمية الدم المفروضة على مفاصل هذه النهضة كان رهانها الأساسي استمرارَ الإضرار بإنسانية مجتمعاتها.. (أي النهضة)، بأسلوب تعميق الهاوية بين الفكر والسياسة، بحرمانهما معاً من الثالث المرفوع بينهما: الحرية؛ حيثما يتحالف الاستبداد بنوعيْه الأهلي والأجنبي الغربي، مع الانحطاط المتوارث والمتجدد تلقائياً، فإنه لن يتبقى للنهضة من حقوقها (المثالية) المغدورة، إلا هذا الحق الأخير في المشاركة الكونية بالاعتراض على شرعة الأخوة الذئبية بين البشر؛ كأنما ليس ثمّة مصير نهضوي حقيقي للنهضة العربية، إلا من خلال تحولات إستراتيجية التاريخ الكوني في ذاته، وليس فقط فيمن يدعي تمثيله أو صنعَ أحداثه أو الضربَ بسيفه، أو النطق بلسانه، على طريقة معظم مثقفي المركزية الغربية.

لم يعد يحق للغرب أن (يسرق) هذا التاريخ لحسابه، كما بين في كتابه الأخير فيلسوف الإناسة (الأنثربولوجيا) البريطاني جاك غودي. ذلك أن البطالة الحضارية ليست مرضاً كينونياً يعتري النهضة الفاشلة، ويعبر عن إحباط وعودها بالنسبة لطلائعها؛ ويخص أمم العالم الثالث وحدها. فالغرب قد يعاني كذلك نوعاً من انسداد أفق التقدم أمامه، مما يجعل إمكانياته الإبداعية غير ذات موضوع إن فقدت القدرة على مناقشة أندادها الغرباء، من أمم الاقتصادات الشرقية الصاعدة. وفي هذه اللحظة من التباس الفجر المضيء مع الغسق الحزين في الزمن الغربي، تستيقظ بعض الضمائر الحية لدى المفكرين والعلماء، ليقوموا بمراجعة ذات النفس. ولعل الغرب كان هو السباق كذلك إلى إرساء قواعد النقد الذاتي في صلب ثقافته. وكانت حروبه الإهلية بين قومياته، وأزماته السياسية والاقتصادية الكبرى، أفضل المناسبات الموضوعية لانتعاش العقل النقدي. لكنه كان سريعاً ما كان هذا العقل نفسه يحطم مراياه النقدية الصريحة، ليستعيد مجدداً اجترار عبادة أوثانه المعهودة، وممارسة طقوس (سرقة التاريخ) من ملكيته الإنسانية الشاملة؛ ليجلس هو إمبراطوراً وحدانياً على عرشه.

لم يكن المفكر جاك غودي الأولَ من معارضي الصنمية الغربية؛ لكن كتابه (سرقة التاريخ) يجيء في منعطف البطالة الحضارية للغرب المهددة بعطالة إنسانيته. إنه على الأقل يساهم في تأكيد أن العالم لا يعيش أزمة الرأسمالية إلا كإنذار أو تمهيد لعودة الحقيقة المنسية القائلة أن النظام العالمي ليس اقتصادياً ولا عسكرياً إستراتيجياً بقدر ما أصبح هو النظام الذي ينبغي له أخيراً أن يتجاوز إزدواجية الأخوة الإنسانية بالأخوة الذئبية، وذلك بأن يعاد للبشرية حق التملك ككل من تاريخها الشمولي. لا شيء جديد في كل هذا الفكر إلا أن تكرار الحقيقة قد يذكّر ببداهتها المنسية.. إنه سلاحها الوحيد المتبقي ضد استبداد الضلال.

==========================

خريف ساخن ينتظر.. لبنان!

الرأي الاردنية

8-11-2010

المتابع للحراك السياسي والدبلوماسي «الغربي» المفاجئ واللافت الذي تشهده الساحة اللبنانية, يخرج باستنتاج أن ثمة جدول اعمال أوشك على الانتهاء, وأن قوى اقليمية ودولية تعهدت تنفيذه في التوقيت الملائم, الامر الذي يمكن رصده في محطات عديدة بدأت بعد انتهاء زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان, وهبوط مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان في بيروت, وما رشح عن تعهدات اميركية معلنة وصريحة, بدعم حلفاء واشنطن وحمايتهم, وأن ادارة اوباما لن تكرر «الخطأ» الذي ارتكبته ادارة بوش عندما تخلّت عن قوى 14 اذار, في الازمة الشهيرة والخطيرة التي واجهتها (اقرأ صنعتها لنفسها) في 7 ايار 2008, زد على ذلك مسارعة واشنطن الى رفع مساهمتها في تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان, وتحويلها مبلغ عشرة ملايين, في رد على «المأزق» الذي تعيشه مسألة تمويل المحكمة من قبل لبنان, والذي يرفض وزراء المعارضة «السابقة» تمريره, كجزء من أزمة اخرى, هي رفض التصويت على موازنة العام 2010, التي يبدو أنها ستكون احدى نقاط الافتراق بين طرفي اتفاق الدوحة, الذي جاء على خلفية السابع من ايار 2008؟

هل قلنا اتفاق الدوحة؟

نعم, فاللعبة الدائرة الان تتجاوزه كثيراً, وصولاً للتصويب على اتفاق الطائف (...) الذي بات موضع تشكيك من قبل فريق 14 اذار, وخصوصاً الطرف المسيحي فيه, الذي التقى اركانه قبل أيام عند الكاردينال مار نصرالله صفير, في استعادة (ربما تكون متأخرة) للتجمع المسيحي الذي عرف باسم (قرنة شهوان), وإن كان بعض رموز «الخامس من تشرين الثاني» نأوا بأنفسهم عن تسمية شبيهة (قرنة بكركي) ووصفوه بأنه «نداء» بكركي..

 

الدعوة الى الغاء اتفاق الطائف (وليس الدوحة فحسب), اطلقها رئيس الدبلوماسية الفرنسية برنار كوشنير, الذي زاد من زخم التدخل الاميركي الفرنسي البريطاني (جلسة مجلس الامن التي انتهت للتو بدعوة من الثلاثي الغربي هذا), عندما هبط هو الآخر (فجأة) في بيروت, رغم أن الرئيس الفرنسي التقى نظيره اللبناني على هامش القمة الفرانكوفونية في سويسرا قبل ايام, ومع نبيه بري في باريس ايضاً, وما رشح عن دعوة ساركوزي للقاءات مع قادة احزاب وفعاليات لبنانية مثل سعد الحريري وسمير جعجع..

 

كوشنير قال في ما يشبه «البوح»: أن هناك «خمس» دول عربية تطالب بعقد اتفاق جديد في لبنان! هنا, لا داعي للتكهن باسماء هذه الدول, فالمشهد الاقليمي (بامتداداته الدولية قطعاً) يفصح عن نفسه, لأن الانظار مشدودة الى القرار الظني (وقيل الاتهامي ايضاً), الذي سيصدره القاضي الكندي بيلمار, وعندها لن يتردد كثيرون في الكشف عن أنفسهم أو اختيار الخنادق التي سيقفزون اليها والاصطفافات التي سيسارعون للانضمام اليها..

 

سمير جعجع, الذي بدا وكأنه عرّاب لقاء مسيحيي 14 آذار (هكذا وصفوا أنفسهم رسمياً ولهذا فإن الاشارة لا تنهض على وصف طائفي), يقول أن الفضل لعودة (...) الاهتمام الاميركي الاوروبي بلبنان, يعود الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد!!

 

ثمة تبسيط وسذاجة في القراءة والاستنتاج ايضاً, وحكاية القرار الظني والتمسك بالعدالة والمحكمة الدولية, الذي واظب سمير جعجع وأمين الجميّل وما تبقى من هياكل الامانة العامة لقوى 14 آذار, التي وجدت نفسها بلا وظيفة أو جدول أعمال بعد خروج وليد جنبلاط عليها, وخصوصاً «زيارات» سعدالدين الحريري لدمشق, موجودة بقوة وتتصدر المشهد قبل الزيارة, بل ان وجود الرئيس الايراني في بيروت فتح الباب وإن في شكل موارب, لامكانية وساطة ايرانية, لم تتوج إلا بلقاء غير مثمر بين سعد الحريري ومعاون أمين عام حزب الله..

 

عودة الروح الى فريق 14 آذار, بدءاً من بكركي ثم تالياً وفي شكل لافت ومثير يستدعي التوقف عنده وقراءة ابعاده, الموقف الذي عبر عنه المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى (السنّي), الذي عقد برئاسة المفتي قباني والذي «نوّه» فيه بنداء بكركي «لما تضمنه من مرتكزات وطنية ولما نبّه إليه من اشارات مقلقة وهواجس تقض مضاجع كل اللبنانيين, خصوصاً مع تنامي مؤشرات الضغط على مؤسسات الدولة».

نقول عودة الروح الى «فريقي» 14 آذار, وبخاصة أن «مسيحيي» تيار المستقبل شاركوا بفعالية في لقاء بكركي, يضع الامور تحت المجهر ويدفع للاعتقاد أن جعجع والحريري (ما تبقى مجرد كومبارس) بدعم من الكاردينال صفير, قد اتخذا قراراً بالمواجهة اعتماداً على دعم أميركي فرنسي وعربي (للتذكير المفيد), وإذ ليس لهما أي قوات عسكرية ذات شأن في مواجهة قوات المعارضة, في حال استُدرجت الاخيرة الى المواجهة, فإن اسرائيل ستتولى القيام بالواجب, وقد لا تكون الذريعة القرار الظني, بل ربما قبله بكثير (بافتراض أنه سيتأخر الى اذار المقبل, علماً أن رئيس المحكمة القاضي الايطالي كاسيزي توقع صدوره الشهر المقبل) وفي هذه الظروف فإن سعد الحريري سيكون مستعداً لتقويض مستقبله السياسي والتضحية بالحكومة القائمة, التي يجدها الان عبئاً عليه كونها نتاج اتفاق الدوحة, حيث يستعدون في 14 اذار وعواصم القرار الغربي الى طي صفحة الاتفاقين (الطائف والدوحة) لفتح صفحة اتفاق جديد, قد يكون أكثر خطورة من اتفاق 17 ايار الذي وقّعه أمين الجميّل مع اسرائيل في العام 1983؟

هل ينجحون؟

ثمة مؤشرات تشي بأنهم سيحصدون ما هو أكثر من الخيبة, لأن صيغة غالب ومغلوب «السحرية» ستكون قد انهارت تماماً, وبات مطلوباً وجود غالب وآخر مهزوم!!

Kharroub@jpf.com.jo

==========================

المشهد السياسي في الشارع التركي

محمد الشواهين

malshawahin@yahoo.com

الرأي الاردنية

8-11-2010

قبل سنوات كان الأتراك ينظرون الى العرب على أنهم جيران في هذا الأقليم الذي يقع في منطقة الشرق الأوسط، وأنهم ساهموا في هزيمة آبائهم وأجدادهم في الحرب العالمية الأولى بعد ان كان لهم امبراطورية عثمانية عظمى في يوم من الأيام، واستمر الفتور في العلاقات العربية التركية صعودا الى درجة التوتر وهبوطا الى حد المجاملة، الى ان جاء نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الأسبق ذو الميول الإسلامية، وبدأ في تحسين علاقات بلاده مع العرب والمسلمين بشكل لافت للنظر، صاحب ذلك تراجع في العلاقة الحميمية التي كانت تربط تركيا باسرائيل، الوضع الجديد لم يرق لحماة العلمانية فسرعان ما أطاحت قوى الجيش العلمانية المتشددة  بصورة مباشرة أو غير مباشرة  بأربكان وحكومته وحل حزبه وتقديمه للمحاكمة التي قضت بحرمانه من ممارسة اية نشاطات سياسية مستقبلا .

المراقب لمجريات الأحداث هناك لمس انقلاب السحر على الساحر في دهاليز العلمانية المدعومة بل المحمية من الجيش كما أسلفنا، فلم يكن حل حزب الفضيلة والرفاه ذات الصبغة الاسلامية، يمنع من وصول طيب رجب أردوغان وشريكه عبدالله غول أقطاب من تشكيل حزب العدالة والتنمية حيث شقوا طريقهم الشاق وصولا الى الحكم، وذلك بتمكن حزبهم هذا من حصد مقاعد اغلبية برلمانية، أهلتهم للوقوف في وجه التغول العلماني المعادي للأسلمة، علما ان الغالبية الساحقة من الشعب التركي تدين بالاسلام .

المشاهد الآن في الشارع التركي خلوه من الاسرائيليين الى حد كبير مقارنة بما كان عليه الحال قبل سنوات معدودة، وفي نفس الوقت تزايد مضطرد في أعداد العرب الذين اخذوا يفضلون قضاء اجازاتهم او سياحتهم في الربوع التركية، وهناك أخذوا يحظون بمشاعر الاحترام والتقدير من الشعب التركي، كما ان التعاطف مع الفلسطينيين بشكل عام وأهالي قطاع غزة بشكل خاص بات واضحا كوضوح الشمس ،الاعلام الفلسطينية ترفرف في اماكن كثيرة وفوق المباني، صور العدوان الاسرائيلي على قافلة الحرية ايضا ملصقة على الجدران وفي كل مكان، الشهداء الأتراك الذين سقطوا برصاص الجنود الاسرائيليين على متن سفينة مرمرة التي كانت متجهة لكسر الحصار عن غزة، تجد صورهم تملأ شوارع المدن والقرى وفي المطاعم والمتاجر وحتى وسائل النقل العام والخاص .

أما سائل الإعلام التركية المقروءة والمسموعة والمرئية فهي تبدي تعاطفا منقطع النظير مع القضية الفلسطينية، وتكشف الممارسات الاسرائيلية القمعية بحق اطفال ونساء وشيوخ فلسطين، اضف الى ذلك انها تولي القدس والاستيطان اهمية قصوى .

هكذا يبدو المشهد التركي هذه الأيام، العودة الى الروح والقيم الاسلامية، ثم تقليم متعمد وممنهج لاظافر الغول العلماني المدعوم من قوى الامبريالية والصهيونية، اذ اضحى واضحا الرغبة في التعاون مع العرب والمسلمين، مع تراجع ملموس عن التعاون الاستراتيجي مع دولة اسرائيل، الأهم من ذلك كله الحكومة الحالية فرضت تركيا كقوة أولى يحسب حسابها على مستوى الإقليم بأكمله .

==========================

هل يستعد العرب للحرب الإلكترونية؟

المستقبل - الاثنين 8 تشرين الثاني 2010

العدد 3825 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

لم تعد الحرب الالكترونية نسجاً من الخيال.

ان التجسس الالكتروني والتخريب الالكتروني والتضليل الالكتروني يمارَس على نطاق واسع منذ سنوات. وهو في حال تطور واتساع دائمين. وكان آخر مسرح لهذه الحرب المنشآت النووية الإيرانية. فقد استهدفت جرثومة الكترونية أجهزة الكومبيوتر ما ادى الى تعطيل 45 الف جهاز يقع 60 بالمئة منها داخل المنشآت النووية الإيرانية وخاصة تلك التي تعمل في انتاج المياه الخفيفة في بوشهر.

وكأي عمل ارهابي واسع النطاق لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه "القذيفة الالكترونية". غير ان اسم الجرثومة القذيفة يحمل توقيع أصحابها. "ستاك - نات" فالاسم يشتق من ميرتوس وهو أحد ألقاب الملكة إيستر التي كانت واحدة من الشخصيات البارزة في التاريخ التوراتي اليهودي. لم تنفِ اسرائيل التهمة ولم تؤكدها. إلا ان العالم كله أدرك انها هي التي أطلقت تلك الجرثومة في محاولة منها لشلّ القدرة الإيرانية على انتاج سلاح نووي.

وفيما تعمل ايران على معالجة أجهزتها الالكترونية من التداعيات المدمرة لهذه الجرثومة الاسرائيلية فان السؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا اذا أطلقت اسرائيل قذائف جرثومية الكترونية جديدة ضد الأجهزة الالكترونية التي تدير منشآت حيوية في الدول العربية مثل المطارات والجامعات والدوائر الحكومية والأمنية وسواها؟.

هل هناك استعدادات وقائية؟.

لقد أنشأت اسرائيل وحدة في جهاز الموساد (جهاز التجسس) أطلقت عليها اسم "وحدة 8200". ولا يقتصر عمل هذه الوحدة على التجسس الالكتروني فقط ولكنه يتعدى ذلك الى انتاج الآليات للهجوم الالكتروني عندما تدعو الحاجة.

وقد دعت الحاجة فعلاً الى استخدام هذه الآليات ضد ايران اعتقاداً من اسرائيل بأن امتلاك ايران للسلاح النووي يعرّض أمنها الاستراتيجي للخطر. وقد نجحت في ذلك ولو نجاحاً جزئياً.

مع ذلك لم تكن العملية الاسرائيلية ضد ايران الأولى من نوعها في عالمنا الالكتروني الحديث. فقد سبق للاتحاد الروسي أن شنّ حرباً الكترونية ضد استونيا في عام 2007. واصابت وزاراتها ومصارفها ودوائر الأمن فيها بالشلل.

ثم شنت هذه الحرب على جورجيا في عام 2008 وتمكن الروس من التشويش على الاتصالات بين القيادة العسكرية والوحدات التي كانت تقاتل القوات الروسية. كما تمكنوا من تضليل الطيران الجورجي الأمر الذي أدى الى الهزيمة التي لحقت بها على الرغم من كل الدعم والمساعدة التي كانت تتلقاها جورجيا من الولايات المتحدة واسرائيل وحلف شمال الأطلسي.

وفي أيار من عام 2007 تمكن الصينيون من اختراق جهاز المعلومات الالكتروني الخاص في مكتب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. كما تمكنوا من اختراق أجهزة عدد من الوزارات الألمانية بما فيها وزارة الصناعة ووزارة الدفاع !.

تمكن الصينيون كذلك حسب المعلومات الرسمية الألمانية من ضخ 160 ميغابايت من المعلومات السرية قبل أن ينكشف أمرهم. وقد اتهمت ألمانيا الجيش الصيني بارتكاب تلك العمليات.

حتى الولايات المتحدة التي تعتبر رائدة في الدفاع عن شبكة معلوماتها السرية تعترف وزارة خارجيتها بأنها تتعرض لمحاولة الاختراق بمعدل مليوني مرة في اليوم الواحد. وانه في كل جزء من الثانية يتعرض أحد المواقع الالكترونية الرسمية الى محاولة الاختراق.

ومن خلال السلاح الالكتروني يستطيع "العدو" أن يخرب شبكة الاتصالات العسكرية والسياسية وأن يشلّ الدورة الاقتصادية المالية والتجارية والصناعية وأن يعطل شبكة المواصلات..الخ.

كل ذلك من دون أن يطلق رصاصة واحدة. لقد أعدت اسرائيل نفسها لهذه الحرب كما تشير الى ذلك العملية التي استهدفت ايران. فهل أعدت الدول العربية نفسها ايضاً للدفاع.. وللهجوم عندما تقتضي الضرورة؟.

ففي عالم يزداد اعتماداً مدنياً وعسكرياً على الشبكة الالكترونية فان استهداف الشبكات الوطنية الداخلية يلحق بالدولة المستهدفة خسائر كارثية ويدفعها الى الشلل والانهيار بسرعة ومن دون قتال.

من أجل ذلك تداعت الدول الالكترونية الكبرى في العالم وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي الى البحث في إعداد معاهدة دولية جديدة تحظر استخدام السلاح الالكتروني تكون مماثلة في جوهرها لمعاهدة حظر استخدام السلاح النووي لما يمكن ان يلحق هذا "السلاح النظيف" من خراب ودمار وشلل بالحياة المدنية العامة.

غير ان اسرائيل التي تنتج السلاح النووي وترفض الانضمام الى معاهدة حظر اسخدامه لن يردعها عن استخدام السلاح الالكتروني ضد الدول العربية معاهدة دولية جديدة الامر الذي يشكل حافزاً اضافياً لتطوير جهاز المناعة الالكتروني العربي.

ونظراً لعدم ثقة الدول المعنية ذاتها باحترام معاهدة الحظر حتى اذا تم التوصل اليها فعلاً فانها تعمل على تحصين مؤسساتها من جهة وعلى تجهيز وسائل هجومها المعاكس من جهة ثانية. ومرة ثانية يفرض السؤال التالي نفسه: ماذا تفعل الدول العربية؟

لقد تبنت ادارة الرئيس باراك أوباما على سبيل المثال اجراءات دفاعية لمواجهة اي حرب الكترونية تتعرض لها. وبموجب هذه الاجراءات يتولى الرئيس نفسه اعطاء الاذن بالحرب هجومية كانت أو دفاعية. على ان تتولى التنفيذ وزارة الأمن الداخلي. وقد صيغت الاجراءات بحيث تؤمن رداً سريعاً للهجوم الالكتروني مع مراعاة المحافظة على الحريات المدنية من أي انتهاك تتعرض له من خلال رد الأجهزة العسكرية.

ومن المعروف أن قلب الشبكة الالكترونية الاميركية موجود في البنتاغون (وزارة الدفاع) فيما تنتشر الأهداف الأساسية للحرب الالكترونية في المواقع المدنية سواء داخل الدوائر الحكومية أو المؤسسات الخاصة. وسيتولى المسؤولية الأولية جهاز استحدث أخيراً مهمته مواجهة "الحرب الالكترونية" والاستعداد لها برئاسة روبرت بتلر أحد نواب وزير الدفاع.

ومن المتوقع أن تعد وزارة الدفاع الأميركية في وقت لاحق من هذا العام "استرتيجية متكاملة لمواجهة الحرب الالكترونية تحدد مهمات المؤسسات المختلفة بدءاً بالبيت الأبيض. حتى ان الكونغرس مدعو الآن لوضع تشريعات جديدة تتماشى مع متطلبات مواجهة الحرب الالكترونية وفي مقدمتها فرض مراقبة الكترونية استباقاً للتعرض للحرب المحتملة.

وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قد طرح أمام وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي مشروعاً لوضع استراتيجية لدول الحلف تمكنها من مواجهة خطر تعرضها لحرب الكترونية.

من خلال ذلك يبدو ان مثل هذه الحرب (التي بدأت فعلاً ولو على نطاق محدود وعلى عدد من الجبهات الساخنة الجورجية والأستونية والجبهات الباردة ألمانيا والولايات المتحدة - وأخيراً على الجبهة الإيرانية) قدر محسوم. فهل تستعد الدول العربية لها وهي تعرف جيداً ان اسرائيل تملك القدرات الالكترونية التدميرية؟

==========================

العيش الإسلامي  المسيحي المشترك نهج الرسول

هاني فحص

السفير

8-11-2010

استغرب المسلمون تكريم الرسول (ص) لوفد مسيحي زار المدينة (7 ه) قادماً من الحبشة، لاعتقادهم أن ذلك ينافي تنزيه النبي. وقال له البعض: «نحن نكفيك أمرهم»، ولكنه أصر على تكريمهم وقال: «انهم كانوا لأصحابي مكرمين، فأحب أن أكافئهم». بعدما كان قد قال: «أنا أولى الناس بابن مريم»، بانياً على التأسيس القرآني للمودة.

وجاءه وفدان من نصارى نجران، كان أحدهما مؤلفا من 60 رجلاً بينهم 14 من الأساقفة والعلماء، فاستضافهم في مسجده فأقاموا صلواتهم فيه مع شارة الصليب والتلفظ بالآب والابن.

وحاول بعض الصحابة منعهم فنهاهم وقال: «دعوهم دعوهم» ورفض الوفد الدخول في الاسلام لنفيه ألوهية المسيح وبنوته لله... فدعاهم الرسول الى المباهلة فطلبوا مهلة، فأشار عليهم أميرهم (العاقب) بأنهم اذا قرروا البقاء على دينهم فليوادعوا الرسول لينصرفوا الى بلادهم. فقالوا: «يا رسول الله احكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك»، أي من دون المباهلة. فكتب لهم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، جوار الله ورسوله، لا يغيَّر أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم وسلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبداً ما أصلحوا ونصحوا، غير مبتلين بظلم ولا ظالمين». وتوالت الوفود عام (9 ه) وأحدها كان من جرباء (الشهباء الآن) والآخر من اذرح قربها، وثالث من أيلة (العقبة) كتب له الرسول «هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله، ليَحْنَة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسياراتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر». أما وفد تغلب فقد كان (16) مسيحياً جاؤوا معلقين صلبانهم الذهبية على صدورهم، فاحتفى بهم المسلمون وأنزلهم الرسول في دار رملة بنت الحارث وأقرهم علي مسيحيتهم. وتوالت الوفود متزامنة مع رسائل الرسول (ص) الى حكام الامصار عرضاً للاسلام أو التعاهد واستمرار الحوار وادخال المسيحيين في ذمة المسلمين لا في ملكيتهم. فماذا يعرف عموم المسلمين عن تفاصيل هذا النهج التوحدي، الذي اعتدى عليه لاحقا حكام الجور تحت مظلة فقه السلاطين. وهو نهج موصول بالقرآن وحثه على العيش المشترك والحوار والاحترام المتبادل. أما المتطرفون الذين يقتلون المسيحيين لأنهم مسيحيون، أو يهمشونهم أو يهجرونهم، فيعرفون ذلك كله، ولكنهم يحرفونه، ولا يلبثون أن يدمنوا القتل فيقتلون المسلمين المختلفين عنهم مذهبياً، ويكملون على أهل مذهبهم المختلفين معهم سياسياً.

وإذا ما كان المسيحيون في العراق يتعرضون من دون سابقة شعبية الى هذا القدر من الاضطهاد والمضايقة والقتل والتخويف ويبحثون عن وطن بديل مستحيل، فإن المؤسف ان البعض يقلل من خطورة ذلك، وان كان البعض الآخر يبالغ في حجمه، فيسهم الفريقان في مضاعفة الخوف والعزلة والهجرة الداخلية والخارجية، وصولاً الى افراغ العراق من مكون أصيل في اجتماعه وثقافته وحضارته.

وأنا شاهد لم أسمع كلمة رضا على هذا الوضع من مسؤول عراقي، وكلهم يستنكرون وخائفون على العراق مما حدث للمسيحيين

وكما أن الاعتدال لا يقف عند حد إلا إذا وضع له حد، وعليه فلا بد من تضافر الجهود داخل الدولة والمجتمع، وبينهما الدينية القائدة، ليعود العراق الى مثاله التاريخي في تغليب التفاهم والاندماج والوفاق على الشقاق. وهنا نسأل الطبقة الحاكمة التي تسلمت الزمام بعد الطاغية: ألم تصبح رقعة الفتن أوسع واكثر عدداً؟ وان كانت اقسى في عهد الطاغية فانها كانت واحدة وضد الجميع... اما حال العراق الآن من حيث استشراء سلوك الفتنة، فإنها ابلغ وأشد ايلاماً واثارة للقلق. والمسألة ليست مسألة نيات، ولا ذريعة في ان الأمن العراقي مضطرب. ولا بد من عناية استثنائية بهذا الشأن، ولا يجوز ان يكون الاستبداد والحرية سواء فيما يعود الى المس بالعيش المشترك، الذي ندعو الى تجريم من يزعزعه قانونياً. واذا كان الارهابيون يتخذون من الشيطان مثالاً ومن فقه الشيطنة غطاء. فلا بد من ان نستمد مثالنا من فقه السلام ومن سلوك الرسول والأئمة والصحابة.

==========================

أزمة تتعدى السياسة!

ميشيل كيلو

السفير

8-11-2010

هل يكفي تغيير النظم لتغيير الواقع العربي القائم، ولعكس اتجاهات تطوره، أو لبدء تطور سياسي / اقتصادي / اجتماعي / ثقافي معرفي من نمط جديد؟. هل يكفي أن يذهب هذا الحاكم أو ذاك، كي تصحح أوضاعنا وتزول بلايانا، ونبدأ السير على الطريق وفي الاتجاه المطلوب؟. وهل مآسينا من طبيعة سياسية فقط، وهل هي قائمة في المجال السياسي وحده، أم أنها أكثر شمولا وعمقا وتنوعا وتشعبا مما تقوله أدبيات المعارضة وتزعمه ادعاءات السلطة؟.

أعتقد أن أزمتنا صارت من العمق والتشعب بحيث تخطت حقل السياسية المباشر، على أهميته، إلى حقول ما بعد سياسية، وأنها تغطي سائر مجالات وحقول وجودنا كدول ومجتمعات وسلطات ومواطنين، على تفرعها وتعددها. أعتقد، في الوقت نفسه، أن السياسات العربية الموحدة الطابع، المتنوعة الأشكال، التي مورست خلال نصف القرن المنصرم، تتحمل جزءا كبيرا جدا من المسؤولية عن وضعنا الراهن، الذي لم يعد قادرا إطلاقا على معالجة مشكلاتنا بوسائله وأدواته وأفكاره وأحزابه، وأن حالنا قبل هذه السياسات كانت أفضل بكثير منها اليوم، لأسباب بينها أن فكرة التغيير كانت شرعية ومستقبلية وتحظى بتأييد شعبي وازن، وأن المواطن العادي، أبن الشعب البسيط، الذي أخرجته النظم الراهنة بصورة تكاد تكون مطلقة من السياسة والشأن العام، كان يعتبر نفسه معنيا بتحقيق التغيير، وصاحب دور مؤكد فيه، بموافقة السلطة وإلا فضد إرادتها.

بدأ التدهور العربي الحديث من نقطة محددة، ووصل إلى كل مكان وأمر: لقد بدأ من عجز النظم السياسية العملي عن إحداث تحول في الواقع يعيد تأسيسه خارج تقليديته وركوده، ويأخذه إلى سيرورة تحديث مستمرة حاملها الرئيس، مواطن حر، هو فرد في مجتمع وعضو في دولة، يسهم في إنجاز التغيير بقواه الذاتية أيضا. ووصل التدهور إلى صعد عامة تتخطى السياسة وحقلها إلى حقول وأنشطة تشمل جميع مجالات وجود البشر عندنا، السياسية وغير السياسية، بل إنه يغطي اليوم المجالات غير السياسية أكثر كما يغطي المجال السياسي، الذي تسبب بوقوعه. فهو تدهور شامل لا يقف عند نمط أو حد أو فكرة أو تنظيم أو دولة أو قطاع اقتصادي أو تكوين مجتمعي أو رؤية ثقافية أو فاعلية إنسانية: إنه تدهور يطاول المواطن والمجتمع والسلطة والدولة ويتظاهر في كل شيء: من الاقتصاد إلى أنماط وجودنا الحضاري والمدني، إلى المجال الفكري والنفسي للفرد.

لا يكفي التغيير السياسي وحده، على أهميته الكبيرة جدا، لإخراجنا مما نحن فيه، وذلك لسببين اثنين:

 ان التغيير الآتي لن يكون بالضرورة والقطع تغييرا نحو الأفضل، كما تعتقد فكرة عامة تبسيطية، وإنما يرجح كثيرا أن يكون إلى الأسوأ. التغيير إلى الأسوأ هو احتمال جد قوي في ظل أوضاع أنتجتها وكرستها نظم العرب القائمة، التي أدخلت قدرا عظيما من اليأس إلى نفوس المواطنين، أحبطتهم وجعلتهم مشاريع شحنات قابلة للانفجار في أي وقت، بينما أخرجتهم من حقل السياسة وتركتهم يدخلون، بعلمها أو بدونه، في حقل شعوري غير عقلي وغير عقلاني، مفعم بالعنف، تنعدم فيه سبل وموضوعات الحوار ومسوغات الاعتراف بالآخر والمختلف. عرضتهم السلطة فيه بصورة منهجية لإذلال متنوع : من إذلال الرغيف، إلى إذلال العمل، إلى إذلال التجهيل، إلى إذلال التهميش والدونية والغربة عن الوطن والذات... الخ، مع ما تراكم في المجتمعات العربية من مشكلات وأزمات لا تحل، يعتقد أولي الأمر أنها ضرورية لتطويع وإركاع المواطن. لذلك، يرجح أن يكون بديل واقعنا السياسي القائم، واقع أكثر سوءا منه، من احتمالاته المرجحة حروب وفوضى، تقوض الدولة والمجتمع كليهما، وتمهد لظروف جديدة من الإذلال والاستبداد، سبق أن شهدنا مثيلا له في بلدان عربية عديدة خلال السنوات الأربعين الماضية، زادت أوضاعها السيئة سوءا وتعقيدا واحتجازا.

 أن نصير التغيير، الذي قد يتولى مستقبلا السلطة، سيجد نفسه في مواجهة مشكلات على درجة من التعقيد تجعل من غير المؤكد إيجاد حلول لها، ومن الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل بالنسبة له، أن ينجح في وضع نفسه خارج دائرة الفكر والممارسة التي أنجبتها، علما بأن مجرد خروجه منها لن يفضي بالضرورة إلى إقامة حقل سياسي مغاير للحقل الذي يريد تغييره. ثمة تشابك وتعقيد يسمان مشكلات الدولة والمجتمع في الفكر والممارسة، يجعلان من المحال البناء على سياسات النظام السابق، ومن الصعوبة بمكان التخلص من الأبنية التي أقامتها في مستوى الدولة والسلطة والمجتمع، والخروج عليها والعمل من خارجها والتحرر من نتائجها، نظرا لانعدام، أو لضآلة، خبرة الشعب السياسية، ولبنية السلطة التي سيرثها أنصار تغيير لن يستحق اسمه وينجح، إذا لم يقطع مع ما هو قائم، لكنه يملك سلطة تتناقض بنيتها مع ما يسعى إلى إنجاز، له في الطور التالي مباشرة لوصوله إلى الحكم. ويزيد الأمر صعوبة أنه سيجد نفسه مجبرا على العمل في مجالات أوسع بكثير من المجال السياسي، وسيعالج أزمات لا تقتصر عليه، لها طابع هيكلي يتطلب تغييره فترة زمنية جهدا يستمر لمدى متوسط، وأساليب ورؤى مغايرة لما هو سائد، لن تنجح في إحداث أي تغيير إذا لم توسع حقل السياسة وتجعله حقلا مجتمعيا بالدرجة الأولى، وجوده شرط لا بد منه لإحداث تبدل في السلطة، ولإقامة علاقات تضعها من جديد في خدمة الدولة والمجتمع، ولتحرير العمل العام من الأحكام والتصورات الأيديولوجية المسبقة، وابتكار وإقرار أنماط من المشاركة الشعبية تطاول كل مسألة وأمر، ولإقامة مؤسسات لامركزية تنهض على أشكال من الديموقراطية المباشرة، تقوض السلطوية في الفكر والممارسة، وتجتث جذورها وتفتح مجددا قنوات التواصل الاجتماعي والإنساني عند تكوينات المجتمع الدنيا، وتسهم في إضفاء طابع مجتمعي مفتوح على شأن عام هو محصلة لشؤون الخواص، وليس لعب نخب وأحزاب وأجهزة وحكام.

تتسم الأزمة العربية الراهنة بكونها لم تعد أزمة سلطة، أو دولة، أو مجتمع، أو فكر، أو مواطنة، بل هي هذه الأزمات مجتمعة ومتشابكة، ومتوالدة ذاتيا. في هذه النقطة، تكمن فرادة أزمتنا، التي لا تقوى على جعلنا نعيش في القديم، وتحبط سعينا إلى بلوغ الجديد، فهي أزمة تطاول القديم والجديد، تفرض علينا حالة انعدام وزن شبه مطلق، جددت السلطات القائمة قديمها باعتبارها مشروع حداثة ولحاق بالعالم والعصر، فأكل القديم الجديد ووضعنا أكثر فأكثر خارج العالم والعصر، وجعلنا فريسة سهلة الاقتناص. فهي إذاً ازمة بلا سابقة في تاريخ العرب الحديث، الذي عرف جوانب منها في بنيته التحتية، لطالما حلم وأمل بالتخلص منها عبر تغيير في بنيته الفوقية، وحين وقع هذا، تبين أن قوى التغيير لا تحمل منه غير الصفة، وأنها قوى محافظة تريد الإبقاء بأي ثمن على أمر قائم ليس بالجديد أو بالقديم، وأنها أضافت احتجازها السياسي إلى احتجاز هيكلي موروث، أعاد إنتاج السلطة بدلالته عوض أن تقوم هي بتغييره، مما جمع أزماتهما كلها في أزمة مركبة تغطي كل حقل وأمر، تنتج مكوناتها بعضها بعضا بالتقابل، تتبادل التأثير وتتكامل لتضع العرب على طريق مسدود احتجز تطورهم الكلي ثم، بمرور الوقت، الجزئي.

في ظرف الأزمة الراهن، لا يجد من يتصدون لها غير وسائل فكرية / معرفية غامضة التبلور على صعيدهم الذاتي، قليلة الفاعلية على الصعيد الشعبي، يريدون لها أن تتفاعل مع وعي – أو بالأصح لاوعي – المواطنين، الذي يعد جزءا خطيرا من الأزمة، لاتصاله بفقر روحي، ثقافي وفكري عام، يعانون منه، أنتجته برانية ما قدمته النهضتان العربيتان خلال نيف ومئة عام، من رؤى وتيارات ومدارس فكرية جعلت تغيير الواقع هدفا لها، تبين بمرور الوقت أنها لعبت دورا خطيرا في إنتاج الأزمة الفريدة التي نرزح تحت وطأتها، بينما ينتشر ويسيطر «فكر» مذهبي يواجه العالم والأزمة بإخراجهم منه والهروب من أزماتهم وأزماته، بينما يتعرض منتجو الوعي البديل، الديموقراطي والعلماني، لضروب شديدة من التنكيل والتقييد، ويرى الأمر القائم فيهم الجهة المرشحة أكثر من غيرها لإنتاج وعي مطابق للواقع، يتضمن بدائل معرفية / فكرية له، تتحداه وقد تشكل، بدورها، خطرا عليه.

لا سبيل إلى تخطي الأزمة الراهنة بغير دراستها في خصوصيتها المتفردة، دون إهمال أي جانب من جوانبها. والدراسة تعني معرفتها على حقيقتها، دون تهويل أو تهوين، ودون أدلجة أو تسييس. إذا كانت الأزمة أكبر من الحقل السياسي، فهذا معناه أن التصدي لها بوسائل السياسة وحدها لن يكون كافيا. وكذلك الحال أن حدث بوسائل الاقتصاد، أو أية وسائل تخص جانبا واحدا من جوانبها. هذا لا يعني طبعا أن السياسة لا شأن ولا دور لها في حل الأزمة، إنه يعني فقط أن حلولها، إن بقيت رهينة حقلها السياسي الخاص، ستكون جزئية ومحدودة، أي أنها لن ترد، كوسائل وحلول، على الطابع المتنوع والمتشعب للأزمة. بالمقابل، من الوهم الصرف الاعتقاد بإمكانية أو احتمال إيجاد حلول لمعضلاتها بوسائل السلطة العربية القائمة، على فرض أن هذه تريد حقا حلها. لا خلاص، كذلك، من أزمتنا، بواسطة برامج المعارضات العربية الحالية، التي تركز بصورة أحدية على جانبها السياسي / السلطوي، وتتجاهل فعليا بقية أوجهها، وتاليا حدتها وعمقها، وتفتقر إلى برامج وأدوات التعامل معها.

ستبقى أزمة العرب الراهنة ما دامت السلطات عاجزة والمجتمعات ضعيفة والمبادرة الشعبية معدومة، وما دام الوعي البديل غائبا عن مجتمع يستطيع أن ينتزع بتفاعله معه دورا متعاظما في الشأن العام، يتوقف عليه أكثر من أي شيء آخر إحداث تحول في موازين القوى السياسية الراهنة، وقيام مجتمع مدني، مجتمع مواطنين انتزعوا حقهم وحريتهم في الخروج من عالم نظامهم، لممارسة عمل عام يقع خارج الدوائر المغلقة، الضيقة إلى درجة التلاشي، المتاحة اليوم، هو مجتمع مستقل نسبيا عن تعبيراته السياسية، يمتلك المعرفة والرؤية الضروريتين لتنمية موقف شامل ومتنوع من أزمة العرب الشاملة والمتنوعة.

قال فيلسوف ألمانيا العظيم هيغل ما معناه: ان ثورة الواقع ستكون مستحيلة دون ثورة في الفكر تسبقها وتمهد لها. نحن، عرب اليوم، نقف على أبواب هذه الثورة. إننا لا نعيش بعد في طورها الأول، لكننا لم نعد قادرين على البقاء خارجه أو بعيدا عنه، لأن بقاءنا خارجه يعني موافقتنا على هلاكنا. نحن، عرب اليوم، بحاجة إلى ثورة في الفكر تحيط بمختلف جوانب أزمتنا، هدفها وضع المجتمعات العربية خارج الأمر القائم الحالي، وإقناعها بأن لديها القدرة على رفضه والخروج منه، لتحقيق طور التغيير الثاني: ثورة الواقع.

ليس الخروج من مأزقنا بالأمر السهل أو البسيط. إنه رهان تاريخي عصيب قدر ما هو معقد. لكنه رهان ماثل تفرضه أزمة لم تترك جانبا من حياتنا العامة أو الخاصة إلا وقوضته، إن استمرت كان فيها، كما قلت قبل قليل، هلاكنا الأكيد!.

==========================

إذا كان المثلث السعودي – السوري – الإيراني يضمن استقرار لبنان

لماذا يستمرّ التهديد بضرب السلم والاعتداء على الآخر؟

اميل خوري

النهار

8-11-2010

كيف أو بماذا سترد الدولة اللبنانية وأجهزتها الامنية والعسكرية على "السيناريوات" الانقلابية المتعددة الشكل اذا صار تنفيذها بعدما أطلقها ويطلقها أركان في قوى 8 آذار من على شاشات التلفزيون بدون خجل ولا وجل، فيثيرون الذعر والرعب في قلوب الناس الآمنين وبدون أي احترام للسلطة وقوانينها ولا لما نص عليه اتفاق الدوحة الذي حظر اللجوء الى استخدام السلاح او العنف او الاحتكام اليه، فيما قد يطرأ من خلافات أيا كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية القائم على تصميم اللبنانيين على العيش معا في اطار نظام ديموقراطي وحصر السلطة الامنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة، بما يشكل ضمانا لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الاهلي للبنانيين كافة؟ وبماذا ترد الدول والجهات العربية التي شاركت في مؤتمر الدوحة على انتهاك هذا الاتفاق وهي قطر والجامعة العربية، والمملكة الاردنية الهاشمية ودول الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية وجمهورية جيبوتي وسلطنة عمان والمملكة المغربية والجمهورية اليمنية؟ وبماذا ترد سوريا بصورة خاصة وهي تكرر القول ان أمنها من أمن لبنان وأمن لبنان من أمنها، ولا سيما ان بينها وبين لبنان معاهدة أخوة وتعاون وتنسيق واتفاق أمن ودفاع لا يزالان ساريين ما دام البلدان لم يعيدا النظر فيهما حتى الآن رغم ما لدى بعض الزعماء اللبنانيين من ملاحظات عليهما؟

تقول أوساط سياسية ان من يعلن عن "سيناريوات" انقلابية على الدولة وعلى كل من هو في الخط السياسي الآخر وتحديدا قوى 14 آذار وهي تستهدفهم وتستعد للاعتداء عليهم، انما يلقي على الجيش وقوى الامن الداخلي مسؤولية الدفاع عن مؤسسات الدولة وعن المواطنين المسالمين، فالمشهد على الارض هذه المرة قد يكون مختلفا عن المشهد الذي ساد في 7 ايار حيث كانت المواجهة بين طرفين جعلت القوات المسلحة تقوم بدور الفصل بين المتواجهين ولم تكن في مواجهة طرف واحد لتطلق النار في اتجاهه. فاذا تصرفت الاجهزة الامنية والعسكرية للدولة كما تصرفت في 7 ايار ولم تتدخل فورا لوقف كل معتد على الاملاك العامة والخاصة وعلى المواطنين المسالمين، فانها تكون المسؤولة عن اشعال نار الفتنة إذ تجعل كل فئة تتحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها وكأن لا دولة ولا أجهزة أمنية.

وترى الاوساط نفسها ان الدولة وأجهزتها تستطيع مواجهة أي سيناريو من السيناريوات التي يتباهى بها بعض قوى 8 آذار بتنفيذها ضد قوى 14 آذار وضد مؤسسات الدولة باجراءات فورية تكون بحجم الاعتداء حتى ولو اضطرت الى اعلان حالة طوارىء ومنع التجول في بعض المدن والمناطق دفاعا عن نفسها وعن مواطنيها او اعلانها مناطق عسكرية.

أما مسؤولية الدول العربية التي عليها ان تتحملها فهي الزام كل الافرقاء في لبنان التقيد بأحكام اتفاق الدوحة تحت طائلة اتخاذ الاجراءات اللازمة، كما أن مسؤولية مواجهة الحركة الانقلابية تقع ايضا على عاتق مجلس الامن الدولي لان القرار الظني الذي سيصدر عن المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد يكون سبب قيام هذه الحركة وان على مجلس الامن تقع مسؤولية حماية هذا القرار من المتصدين له وذلك باتخاذ اجراءات رادعة والا فقدت المحكمة هيبتها وباتت المحاكم الدولية بدون معنى ولا جدوى منها.

والأهم من كل ذلك في رأي الاوساط نفسها هو موقف سوريا بالذات من اعتداءات تقع على أمن لبنان وعلى المواطنين على يد حلفائها وهو أخطر بكثير من اعتداء تقوم به اسرائيل لانه اعتداء يوحد اللبنانيين فيما الاعتداء من الداخل يفرقهم ويقسمهم ويضعهم في مواجهة بعضهم البعض وهذا أقصى ما تتمناه اسرائيل. ومن مسؤولية سوريا ليس انتظار طلب لبنان تدخّلها لوقف احتمال قيام حلفائها في لبنان بتقويض الاستقرار فيه، انما الطلب اليهم بحزم الامتناع عن ذلك ترجمة لمقولة أمن لبنان من أمنها فعلا لا قولا، إذ لا أحد يصدق ان سوريا المتحالفة مع ايران لا تمون على هؤلاء الحلفاء، ولا تفرض عليهم احترام أحكام اتفاق الدوحة خصوصا ان لبنان اذا تعرض لفتنة فانها قد تمتد الى دول المنطقة لتشعل حربا واسعة تفتح الابواب لتنفيذ مخططات دولية او صهيونية في وقت أكثر ما يكون اللبنانيون والعرب في أمس الحاجة للتضامن تحسبا لأي عدوان اسرائيلي او تنفيذ لهذا المخطط عدا أن هناك شبكة أمان لحماية الاستقرار في لبنان مؤلفة من المثلث السعودي – السوري – الايراني. وهذا المثلث قادر على ضبط الوضع في لبنان نظرا الى قوة تأثيره على كل الافرقاء فيه، إذ لا أحد يصدق ان هذا المثلث غير قادر على حفظ الامن في لبنان ومنع تقويض استقراره.

ولا بد من التذكير باتفاق الدفاع والامن بين لبنان وسوريا الموقع في تاريخ 17/8/1991 استنادا الى معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، اذ ان هذا الاتفاق ينص على الآتي:

"بغية تأكيد تعهد كل من البلدين عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا او سوريا لأمن لبنان في أي حال من الاحوال، على الاجهزة العسكرية والامنية في كل من البلدين اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع أي نشاط او عمل او تنظيم في كل المجالات العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية من شأنه الحاق الاذى والاساءة للبلد الآخر (هذا الاجراء لم ينفذ شيء منه) وان يلتزم كل من الجانبين عدم تقديم ملجأ او تسهيل مرور او توفير حماية للأشخاص والمنظمات الذين يعملون ضد أمن البلد الآخر، وفي حال لجوئهم اليه، يلتزم الجانب الآخر القبض عليهم وتسليمهم الى الجانب الثاني بناء على طلبه (هذا الاجراء لم يتم تنفيذه) ولكي تتمكن الاجهزة العسكرية والامنية في كل من البلدين من القيام بمهماتها للسهر على تنفيذ الاجراءات المطلوبة، فانها تنسق اجتماعاتها الدورية في كل من البلدين لاجراء تبادل المعلومات يشمل كل قضايا الامن القومي والداخلي بما في ذلك قضايا المخدرات والارهاب والتجسس وينسق العمل على متابعتها ومعالجتها في كلا البلدين او في الخارج ايضا مع المؤسسات الدولية عند الاقتضاء وتتخذ كل التدابير القانونية والاجرائية لتسهيل العمل المشترك لأجهزة البلدين وأعمال الملاحقة والمعالجة" (لم ينفذ ذلك الا استنسابيا).

لقد بات أمرا ملحا تنظيم العلاقات اللبنانية – السورية في ضو ء الاتفاقات المعقودة في شتى المجالات، فلا يتذكرها طرف ساعة يشاء لتطبيق ما فيها بدون أي تنسيق مع الطرف الآخر كما حصل في الاتفاق القضائي الذي صدرت بموجبه المذكرات بحق شخصيات لبنانية وغير لبنانية. ولا أحد يعرف متى يتذكر طرف ما جاء في اتفاق الامن والدفاع، لتطبيق ما يرى ان له مصلحة في تطبيقه. وفي ظرف معين بدون علم الطرف الآخر، لا أن يظل تطبيق الاتفاقات بين البلدين ظرفيا واستنسابيا ومصلحيا.

وما دام الامن في لبنان مهددا ليس من الخارج فحسب بل من الداخل ايضا وهو الاخطر، فينبغي على الدولة اللبنانية التشاور والتنسيق مع الدولة السورية في الامر سواء في ضوء ما نص عليه الاتفاق او في ضوء أي اتفاق آخر للتمكن من ترجمة مقولة: "أمن سوريا من أمن لبنان"... فيتخذ القرار الحازم ولا يظل مجرد شعار...

==========================

برنامج الوظائف الأميركي والفقاعة المالية

بقلم :روبرت رايش

البيان

8-11-2010

لن يصدر أحدث برنامج للوظائف في واشنطن من الكونغرس أو البيت الأبيض. فالفروع السياسية لأميركا كانت مجمدة بفعل انتخابات التجديد النصفي. البرنامج سوف يصدر من مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وتم تصميم برنامج الوظائف التابع للمجلس من أجل إبقاء معدلات الفائدة منخفضة عن طريق ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد (أو ما يطلق عليه «التخفيف الكمي» على حد وصف مجلس الاحتياطي الفيدرالي). سوف يقوم المجلس بشراء المزيد من سندات الخزانة الأميركية وغيرها من الديون طويلة الأجل لخفض معدلات الفائدة طويلة الأجل.

ويعتقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن المعدلات المنخفضة طويلة الأجل سوف توفر المزيد من فرص العمل لأن الشركات سوف تتوسع، وسوف تزيد الصادرات، وسوف يتمكن المستهلكون من إعادة تمويل منازلهم.

ولسوء الحظ، فإن برنامج الوظائف التابع للمجلس لن يؤتي ثماره. ولسوف يؤدي إلى فقاعة مضاربة أخرى. وتخفيض أسعار الفائدة سوف يعزز الاقتصاد في ظل الظروف العادية، عندما لا يقع المستهلكون بشكل عميق تحت وطأة الدين. ولكن لا يزال الأميركيون غارقين في ويلات الكساد الكبير. وبدون برنامج وظائف حقيقي يعيدهم مجدداً إلى سوق العمل فإن الاستدانة بتكلفة أقل لن تكون الحل.

ويقوم برنامج العمل البديل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي على ثلاثة افتراضات خاطئة. الافتراض الأول هو أن انخفاض معدلات الفائدة سيحفز المزيد من الشركات لتوسيع طاقتها وتوظيف العمال. ولكن انخفاض الفائدة لن يحفز المزيد من الشركات على التوظيف عندما لا يقوم المستهلكون بالشراء.

 

الشركات الأميركية لا تجد مشقة في الحصول على المال. والمؤسسات الكبيرة تمتلك 8,1 تريليون دولار من السيولة، وهي لا تستخدم هذه السيولة لإضافة وظائف لأنها تعرف أن المستهلكين الأميركيين لا يمكنهم شراء المزيد من السلع والخدمات. فهم لا يزالون مكبلين بالديون والخوف من فقدان وظائفهم. بدلاً من ذلك تستخدم الشركات هذه السيولة للتوسع في طاقتها بالخارج، أو الاندماج مع أو استحواذ حصص في شركات أخرى، وتستثمر في تكنولوجيات تستعيض بها عن العمالة.

 

فلو أجاز مجلس الاحتياطي الفيدرالي للمؤسسات التجارية الكبيرة الحصول على المال بتكلفة أرخص، فسوف تفعل المزيد في الإطار نفسه. إن هذه الاستراتيجيات من شأنها تعزيز الأرباح. ولكنها لا تسهم في تعزيز التوظيف في الولايات المتحدة. إذا كان لها أي تأثير، فهي تحد من الحاجة إلى العمالة الأميركية.

 

ثانيا، يرى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن تخفيض معدلات الفائدة سوف يدفع الدولار إلى الانخفاض ويجعل الصادرات الأميركية أكثر قدرة على المنافسة، وأن المزيد من الصادرات سوف يوجد المزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة. ولكن انخفاض الدولار لن يحفز صادرات أميركا بشكل أكبر. فهو سيحفز دول أخرى على خفض قيمة عملاتها. ولا توجد دولة أخرى تريد أن تفقد حصص التصدير للولايات المتحدة. وهذا سوف يزيد معدل البطالة.

 

إن الاقتصاد العالمي يقف بالفعل على شفا حرب عملات من هذا النوع. وفي ضوء انخفاض الدولار أخيراً، فإن نصف دزينة أخرى من دول تجارية رئيسية تدفع عملاتها إلى النزول. وأخيراً، اتفق مسؤولون ماليون من 20 دولة صناعية كبرى على تجنب تخفيض قيمة العملة الرامي إلى تحقيق التنافس.

 

ثالثا، يعتقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن انخفاض أسعار الفائدة سوف يضع المزيد من الأموال في حوزة المستهلكين لأن ذلك سيحفز المزيد من الأميركيين على إعادة تمويل منازلهم. وهذا سيوفر لهم المزيد من السيولة للإنفاق، ومن ثم تحفيز المزيد من فرص العمل.

 

ولكن معظم الأميركيين لن يكونوا قادرين على إعادة تمويل منازلهم لأن البنوك أصبحت مجبرة الآن على اتباع معايير صارمة للإقراض. فالبنوك لن تقرض الأسر التي انخفض إجمالي دخلها، والذين ما زالوا مثقلين بارتفاع الديون أو الذين يدينون بالمزيد لسداد التمويل لمنازلهم، بما يفوق القيمة التي تستحقها. وهذا يعني أن معظم الأسر لن تكون مؤهلة للحصول على إعادة التمويل.

 

لذا، فلو أن الأموال السهلة التي يقدمها مجلس الاحتياطي لن توفر المزيد من فرص العمل، ولن تجد طريقها إلى جيوب معظم الأميركيين، فإلى أين سيذهب المال؟ إلى فقاعة أسهم أخرى.لقد بدأت الفقاعة بالفعل. بل إن الأسهم ارتفعت رغم أن باقي قطاعات الاقتصاد لا تزال متراجعة لأن مجلس الاحتياطي يبقي بالفعل على معدلات الفائدة قرب الصفر. والمحاولة الجديدة للحد من معدلات ذات الأجل الطويل سوف يؤدي إلى تضخم الفقاعة بشكل أسرع.

 

ومن خلال أسعار فائدة منخفضة جداً، فإن المستثمرين لا يمكنهم الحصول على الكثير من عوائد قروضهم. لذلك فهم يقومون بتحويل المزيد من أموالهم إلى أسهم.وفي الوقت نفسه، تقترض الشركات بمعدلات قرب الصفر من أجل إعادة شراء المزيد من أسهمها. وتستخدم «وول ستريت» الأموال ذات الكلفة الرخيصة من أجل المزيد من الرهانات في سوق الأسهم.

 

حتى أن سوق الأسهم يشهد ارتفاعاً بالفعل استناداً إلى الأموال الرخيصة. وفي الوقت الذي يغمر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاقتصاد الأميركي بالمزيد من السيولة، فإن فقاعة سوق الأسهم سوف تتضخم. وهنا درس ينبغي استيعابه. عندما لا يستطيع نوابنا المنتخبون ولن يستطيعوا تقديم برنامج وظائف حقيقي، فإن مجلس الاحتياطي يشعر بالضغط لطرح برنامج وهمي. ولكن برنامج وظائف وهمي لن يوفر وظائف. وإنما هو يطلق فقاعة مالية فحسب. ونحن نعلم ماذا يحدث عندما تغدو فقاعات مالية كبيرة جداً.

==========================

صراع إرادات أم إدارة صراعات؟

بقلم :سيار الجميل

البيان

8-11-2010

الاثنان معا، والأول تبلور بعد نضوج الثانية في العراق ! فما الذي يمكن قوله في كل ما يجري في العراق الآن؟ كيف يمكننا تفسير ما يحدث في العراق؟ هناك حقائق ثابتة على الأرض يعرفها الجميع، وهناك خفايا تمّ التغطية والتعمية عليها، حتى لا يعرفها الناس !

هناك إخفاقات واضحة في العملية السياسية وخرق واضح للدستور، فضلا عن صراع مفضوح على تولي السلطة بين أعضاء نخبة سياسية متباينة المشارب ومتخندقة الأهداف.. توّلت مسؤولية البلاد منذ ثماني سنوات، وبمباركة أميركية، وهي لا ترضى تداول السلطة ليس بينها وبين نخب أخرى تمنع وصولها بأي شكل من الأشكال، بل أصبحت لا ترضى تداول السلطة حتى في ما بينها هي نفسها.. صحيح أن الدستور لم يقل بالمحاصصة في الحكم، ولكن سمح بتكريسها بشكل مفضوح، كي تسود، ضاربا عرض الحائط أي مبدأ يوحّد الجميع في مشروع وطني واحد.

 

إذا كان العراقيون اليوم قد اقتنعوا بأن الحكم ينبغي أن يشارك فيه الجميع، فكان الأولى بهم أن يتمحوروا حول إرادة عراقية واحدة باسم الوطنية لا باسم المكونات، واعتقد أن الناس تخفي قناعة بذلك لأنها لم تعد تتحمل كل ما يجري باسم الديمقراطية، والديمقراطية براء من ذلك ! أما الأحزاب التي يجلس الآن ممثلوها في السلطة كونهم منتخبين، فهم رهان إرادات خارجية أكثر من صنع إرادة داخلية، بدليل ما يفرض على العراق من أجندات متضادة !

 

وربما يقول قائل: إن عدم تشكيلهم حكومة عراقية حتى اليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر على الانتخابات العامة، يعد دليلا على أنهم أقوياء يريدون فرض إرادتهم الداخلية على ما تتطلبه قوى الصراع الإقليمية في المنطقة أو الإرادة الأميركية رسميا بحكم اتفاقية أمنية ! هذا التنطع لا أساس له من الصحة أبدا، بدليل اختلاط الأوراق الداخلية مع أوراق القوى التي تتّنفذ نفوذا كبيرا في العراق، بل وتؤثر تأثيرا واضحا على قرار العراقيين. العراق اليوم، لا هو بيد حاكم دكتاتور أو زعيم واحد كما كان عليه وضعه في الماضي، ولا هو بيد شعبه الذي ناضل من اجل الحرية والديمقراطية والحياة الآمنة الكريمة..

 

لقد أمسى العراق بيد مجموعة حاكمة متنازعة لا تستطيع إدارة الصراع، وكانت هي نفسها وراء كل ما يحدث للعراق، وجعلوا شعبه ينازع بعضه بعضا.. لم تجد قاعدة شعبية واحدة، بل تجد اليوم عدة قواعد متفرقة ومتنازعة حول حكم العراق، ويقودها أبطال ماراثون سلطة يعلنون عن حكم شراكة (وطنية)، ولكن الثقة مفتقدة تماما في ما بينهم.. إن وضعية العراق اليوم صعبة جدا كونها تمشي نحو التعقيد، من دون أي إزاحة لركام المشاكل السياسية والاجتماعية. إن أي لحظة تاريخية تتوفر في تغير الموقف ببغداد، سيقود البلاد أما إلى جحيم جديد أو سينقذها إلى بر الأمان. وكثيرا ما يصدّق حكام العراق تأييد الشعب لهم، من دون أن يعلموا أن العراقيين ينقلبون مباشرة لتأييد من يتولى أمرهم!

 

إن صراع الإرادات في الإقليم للتدخل في شؤون العراق ليس مبعثه أية مصالح إقليمية، بل مصدره تصفية حسابات أيديولوجية أساسا، فالشرق الأوسط اليوم منقسم طائفيا بين نفوذين عقائديين سياسيين بين سنة وشيعة، والعراق فرس رهان قديم لهذا أو ذاك، كونه البؤرة التاريخية الأولى لولادة ذلك الانقسام وتطوره.. وهو عقدة تاريخية لكل من العرب وإيران وتركيا، يتيح لهم اليوم أن يلعبوا لعبتهم على ترابه الوطني، ليدفع شعبه الأثمان الغالية من دمائهم وأرواحهم ولعلّ أسوأ دور مورس في العراق منذ زمن بعيد يتمثّل بإحياء الفتنة الطائفية التي لا مصلحة للعراقيين بها أبدا!

 

السؤال الآن: هل باستطاعة العراقيين أن ينفضّوا بسرعة من انقساماتهم التي أخذت تترّسخ على حساب أمنهم ومستقبلهم؟ هل باستطاعتهم أن يوحدوا كلمتهم، ويحترموا مشاعر بعضهم الآخر؟ إن غالبية الشعب العراقي، ترفض الاملاءات الخارجية، وفرض إرادات الغير كما يتضح من نضالاتهم ومقاومتهم.. ولكن هل باستطاعتهم أن يتقدموا خطوة واحدة أو خطوتين اثنتين إلى الأمام، تتمثل أولاهما بالتجديد السياسي لمضمون كل من الأحزاب والدستور والعملية السياسية.. وتتضمن ثانيتهما بأن يقبل كل طرف للطرف الآخر بكل ما يعتقده هذا خطيئة ويعتبره ذاك إجراما، بحيث لا يمكن لأي طرف عراقي أن يتلقى أوامره من خارج الحدود...

 

فأنت أينما تولّي وجهك اليوم تجد الصراع على أشده بين العراقيين بسبب التشظي الطائفي والعرقي سياسيا في العراق. أقول إذا تحقق كل من هذين الشرطين، فسيكون العراقيون في مأمن من الآخرين، وسيقولوا للعالم: نحن أصحاب القرار في شأننا العراقي، ولا يمكن لأحد أن يتدخل في أمرنا.

 

وعليه، لا يمكن للعراق من تكوين إرادته الوطنية وتحديد مشروعه السياسي، إلا إن أدرك كيفية إدارة الصراع، بإبعاد شعبه عن التحزبات الطائفية وعن خلق الخصومات التي لا مبرر لها، ليستقر العراق من خلال أجندة مدنية ودستورية تفصل بين السلطات، وان تنبثق حكومة تتجرد من الحزبية والنفعية، وتقوم لجنة قانونية مستقلة بإصلاح الدستور ليقوم الشعب بانتخاب كل من رئيس جمهوريته ورئيس حكومته ورئيس برلمانه بنفسه.. وان يتداول السلطة أناس أكفاء لا يعرف عنهم غير عراقيتهم، ومهما كان دينهم أو عرقهم أو طائفتهم، وقد اسقطوا من قاموسهم كل الانتماءات مع احترامهم لها، إلا الانتماء للعراق، ليكون العراق بلدا محترما في هذا العالم. فهل ستتحقق دعواتي؟ قولوا: إن شاء الله.

==========================

بناء الشراكة الهندية - الأمريكية

آخر تحديث:الاثنين ,08/11/2010

أشلي جيه . تيليس

الخليج

الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها الرئيس باراك أوباما إلى الهند بوصفه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، تشكل فرصة فريدة لترسيخ شراكة عالمية مع قوة ناشئة سريعة النمو . والواقع أن الهند، التي من المنتظر أن تصبح صاحبة ثالث أو رابع أضخم اقتصاد على مستوى العالم بحلول عام ،2030 قد تصبح الشريك الاستراتيجي الأكثر أهمية للولايات المتحدة .

 

ففي العقود المقبلة سوف تثبت الشراكة القوية بين البلدين أهميتها البالغة في التعامل مع صعود الصين، وتعزيز توازن القوى في آسيا لمصلحة الهند والولايات المتحدة وآسيا ككل . فضلاً عن ذلك فإن نجاح الهند كدولة ديمقراطية من شأنه أن يعزز الحرية على مستوى العالم، وأن يحمي المصالح الأمريكية الأوسع نطاقاً .

 

ولكن رغم ذلك، وكما لاحظ العديد من المراقبين، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والهند أصبحت في الآونة الأخيرة تتسم بالفتور والتذبذب . ويتحمل كل من البلدين المسؤولية عن هذه الحال . فقد اضطر أوباما إلى التركيز على أولويات أخرى لا تقل أهمية، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي المضطرب والحروب الدائرة في الخارج . أما حكومة الهند فكانت على نحو مماثل مشغولة بصراعات سياسية داخلية والتحدي المتمثل في دعم النمو الاقتصادي في خضم الضغوط المنادية بإعادة توزيع الثروة . ولا يزال على المسؤولين الهنود فضلاً عن ذلك أن يعملوا على تغذية ورعاية الدائرة الصغيرة، المتزايدة النمو، من المواطنين الهنود المؤيدين للتحول السريع في العلاقات مع الولايات المتحدة .

 

 وتوفر هذه الزيارة فرصة كبيرة لكلا الجانبين لتنشيط هذه العلاقة الحيوية المهمة . فمن جانبها، يتعين على إدارة أوباما أن تتخذ عدداً من الخطوات لإعادة تأكيد دعمها لصعود الهند وإنجازاتها الديمقراطية، وكفاحها من أجل ترسيخ الأمن . ومن الأهمية بمكان أن تؤكد الولايات المتحدة على دعمها لمنح الهند دوراً أكبر في المنظمات الدولية والمساعدة في اندماج الهند في نظام منع الانتشار النووي العالمي .

 

وفي هذا السياق، يتعين على إدارة أوباما أن تؤازر الهند في مساعيها الرامية إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة . ويتعين على أوباما أيضاً أن يؤيد عضوية الهند في منظمات منع الانتشار الرئيسة مثل مجموعة الموردين النوويين ونظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ .

 

والهند أيضاً لا بد أن تقوم بدورها . وتستطيع أن تبدأ بخلق المزيد من الفرص للشركات الأمريكية، بما في ذلك الشركات العاملة في الصناعة النووية، للاستثمار في النجاح الاقتصادي الذي حققته الهند . وبوسعها أيضاً أن توسع من تعاونها الدفاعي إلى ما هو أبعد من مجرد شراء المعدات العسكرية الأمريكية الصنع من خلال تعميق مشاركاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، بهدف المساعدة في إيجاد الحلول لمشكلات عصيبة، كتلك الناجمة عن أفغانستان وباكستان وإيران . وباختصار، يتعين على الحكومة الهندية أن تبحث عن السبل الكفيلة بدعم المصالح الأمريكية في الهند في الأوقات العصيبة .

 

وتشتمل هذه المشاريع على إنشاء مبادرة لتحقيق الأمن الغذائي الدولي، والتعاون في مجال زيادة التدريب المهني في الدول الهشة، وتوسيع نطاق أبحاث الطاقة النظيفة، والاستثمار في الأنظمة العالمية للكشف عن الأمراض، والتعاون في مجال استكشاف غاز حجر الإردواز . وينبغي للبلدين فضلاً عن ذلك أن يعملا على إنشاء شراكات إبداعية، وهي الشراكات التي لن تعود بفوائد مباشرة على البلدين فحسب، بل وسوف تبين أيضاً كيف يمكن لمثل هذه العلاقة الثنائية القوية أن تعمل على تحسين النظام الدولي .

 

وباختصار، لا ينبغي لأوباما أن يسأل “ماذا تستطيع الهند أن تقدمه لنا؟”، بل “هل تصب الهند القوية الديمقراطية المستقلة في المصلحة الوطنية لأمريكا؟” . إذا كان الرد على هذا التساؤل بالإيجاب، ولا بد أن يكون الأمر كذلك، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة لا بد أن تركز على الكيفية التي قد تتمكن بها من المساعدة في استمرار نمو قوة الهند .

 

ومن خلال التأكيد على التزام الولايات المتحدة بإعانة الهند على الصعود، والتأكيد على أهمية الشراكة بين الولايات المتحدة والهند، يستطيع أوباما أن يساعد في التقريب بين البلدين والجمع بينهما على أساس من المصالح المشتركة، ودفع العلاقة بينهما إلى الأمام بدرجة كبيرة . ولا بد أن تبدأ هذه الجهود الآن .

كبير زملاء مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

==========================

قراءة للخريطة السياسية الجديدة للولايات المتحدة

آخر تحديث:الاثنين ,08/11/2010

كلوفيس مقصود

الخليج

النجاح غير المسبوق للحزب الجمهوري في إيجاد أكثرية كبيرة في مجلس النواب، وتقليص الأكثرية التي كان يتمتع بها الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ بخسارة ستة أعضاء أتاح لزعماء الحزب الجمهوري

 

أن يعلنوا بشكل واضح وصريح أن كثيراً من القوانين التي وقع عليها الرئيس أوباما خاصة ما يتعلق بالضمان الصحي وغيرها من الإجراءات التي اتخذها من حيث السياسة المالية، والتي تلخصت في تصريح زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن الهدف الرئيسي لهذا النجاح هو أن يكون الرئيس أوباما رئيساً لفترة رئاسية واحدة، بمعنى آخر أن هناك تصميماً على إجهاض أية محاولة من قبل الرئيس أوباما لإنجاز العديد من برامجه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتعليمية . إن ردة الفعل هذه دلت على تفسير “مبالغ فيه للنجاح الذي حققه الجمهوريون في الانتخابات النصفية الأخيرة، ونشير إلى عبارة مبالغ فيه” لأن الرئيس أوباما باستطاعته أن يعطل من خلال ممارسته حق النقض “الفيتو” أي محاولة جدية لإلغاء مفاعيل القوانين التي وافق عليها في عهد الكونجرس الأخير . وبالرغم من أن ما حصل أضعف هيبة الرئيس ونفوذ الحزب الديمقراطي إجمالاً، ما يساهم في ضرورة إعادة النظر بما هو حاصل في الولايات المتحدة من مخاض سياسي وفكري رسم بعض خطوطه ما يسمى ب”حزب الشاي” الذي تنطوي تحت جناحيه عناصر يمينية وعنصرية توظف حالة البطالة السائدة بنسبة تسعة ونصف في المائة لتصبها في برامج شعبوية مبسطة للغاية مع العلم بأن كلمة برامج لا تنطبق على هذا التيار . إلا أنه لا يجوز أن نقلل من أهمية هذا التيار المتميز بالفلتان وانعدام العقلانية في ممارسة السياسة في العديد من الولايات، إلا أنه إضافة إلى كونه يشكل عنصر ضغط رادعاً للحزب الديمقراطي لأن يبلور برامجه إلا أنه في المدى القريب سوف يهدد القيم السياسية التي يمثلها تقليدياً الحزب الجمهوري، إذ إن هناك قطاعات مهمة داخل الحزب الجمهوري أقصاها “حزب الشاي” وبالتالي لا مفرّ من أن يستولد هذا الوضع في مرحلة لاحقة أزمة داخل الحزب الجمهوري .

 

هنا يمكن الاستنتاج بأن دعوة الرئيس أوباما لإيجاد سياسات مشتركة تؤدي إلى تسويات وتنازلات متبادلة قد تصبح ممكنة بعد فترة الزهو التي نشاهدها حالياً في الولايات المتحدة . فهناك اعتقاد سائد بأنه على الرغم من التحالف الانتهازي القائم بين حزب الشاي والجمهوريين، حيث تحاول قيادة الحزب الراهنة أن توظف هذا التيار الشعبوي بهدف المجابهة مع إدارة أوباما مع العلم بأن الذين سقطوا في الانتخابات من الحزب الديمقراطي، مع بعض الاستثناءات هم مما يسمون ب “المعتدلين” داخل الحزب الديمقراطي والذين تحالف معهم الرئيس السابق كلينتون وأعيد انتخابه بعد سنتين من سيطرة الجمهوريين على الكونجرس كما هو حاصل الآن .

 

 في هذا الصدد، جابه أكثر الرؤساء شعبية خلال الثلاثين سنة الماضية بدءاً بالرئيس رونالد ريغان ثم كلينتون وأوباما، بعد سنتين من عهدهم انتصار الحزب المعارض . الديمقراطيون في عهد ريغان والجمهوريون في عهدي كلينتون وأوباما، وبعد سنتين من انتصار المعارضة نجح ريغان وكلينتون في إعادة الانتخاب لفترة أخرى والاحتمال كبير في أن يتمكن الرئيس أوباما من تأمين إعادة انتخابه، طبعاً هذا لا يعني أن هذه النتيجة سوف تكون مضمونة ولكنها مرجحة .

 

 ما كادت النتائج تعلن، حتى اتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي إجراء بإصدار ستمائة مليار دولار كحافز للمساهمة في تعزيز الأولويات المالية وتقليص البطالة ما يعرقل شراسة المجابهة التي ينوي زعماء الحزب الجمهوري القيام بها، خاصة وأن البنك الاحتياطي الفيدرالي هو هيئة مستقلة ومفوض بموجب تأسيسه الحفاظ على الاستقرار المالي . من هذه الزاوية فإن الكآبة التي سادت ولا تزال قد توفر الفرصة للمجلس الاقتصادي التابع للبيت الأبيض لإعادة النظر في كيفية إعادة معالجة مستوى البطالة ما يردع تمادي مجلس النواب صاحب الحق في كل التشريعات المالية وكل ما يتعلق بالميزانيات في الإدمان على تعطيل التشريعات المالية للرئيس أوباما .

 

السؤال المطروح الآن هو كيف تنعكس هذه الخريطة السياسية الجديدة على السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام، وفي ما يتعلق بالقضايا العربية بشكل خاص؟ إن صلاحيات الرئاسة الأمريكية كبيرة ونامية دستورياً وسياسياً وبالتالي ما دام مجلس الشيوخ لا تزال أكثريته في الحزب الديمقراطي فإن التأثير على السياسات الخارجية سوف يكون قليلاً بالنسبة للتحديات التي يقوم بها الحزب الجمهوري في السياسات الداخلية والاقتصادية والاجتماعية . هذا لا يعني أن كل ما يريده الرئيس أوباما في السياسة الدفاعية والخارجية مضمون أن يتم كما تريد إدارته إلا أن باستطاعته أن يبقي ثوابت سياسته الدولية قائمة ومنها معاهدة الحد من التسليح النووي مع روسيا والتي يحاول الجمهوريون أن لا تمر، كما أن مساعدات تنمية في الدول النامية قد تتقلص في ميزانيات وزارة الخارجية نظراً لأن صلاحيات التمويل لأية سياسات تبقى في مجلس النواب ما قد يقلص من رغبة الرئيس في مساعدة الدول الفقيرة والتي تتبناها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون . يبقى أن الرئيس أوباما يرث حربين، حرباً من دون شرعية في العراق حيث يحاول بشكل جدي أن يسرّع الانسحاب منها بقدر الإمكان وكما يقول “بمسؤولية” في حين ما أورثه الغزو غير الشرعي وغير القانوني أثناء إدارة بوش أدى إلى عكس المبتغى المعلن من قبل المحافظين الجدد ولا يزال العراق يعاني من هذه التداعيات في إيجاد استقامة في الحكم وفي وحدته الوطنية . أما بالنسبة لأفغانستان، فهناك في الولايات المتحدة شبه إجماع بأن التدخل العسكري الأمريكي يتمتع بشرعية مقبولة وإن كانت هناك اعتراضات متنامية على ادامة فترة الحرب وأن أسبابها بالرغم انسجامها مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لم تعد في الذاكرة الجماعية الأمريكية حاسمة بالقدر الذي كانت تتمتع به، ما يؤدي إلى رغبة وربما تصميم من جانب الرئيس أوباما على إنهاء هذه الحرب في خريف ،2011 عندئذٍ قد يؤدي هذا الأمر لأن يسترجع أوباما هيبته وقوته الانتخابية وبالتالي يعطل على ميتش ماكونيل تصميمه على إخراجه من البيت الأبيض .

 

 يبقى الموضوع المتعلق بالقضايا العربية المصيرية . ففيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، صحيح أن الرئيس أوباما تصدى جزئياً للمكابرة والغرور اللذين تميز بهما نتنياهو في تعامله مع الولايات المتحدة، وصحيح أيضاً أن مطالبته بتجميد الاستيطان اعتبرته “إسرائيل” مبالغة في الضغط عليها في حين أن هذه الثغرة في سياسته تجاه النزاع الفلسطيني لم تكن مطلقاً في صالح الحقوق الفلسطينية ما أدى إلى سقوط السلطة الفلسطينية في حالة الانجذاب ما جعلها تطالب بالتجميد بدلاً من التفكيك، هذا جعل من التجميد الذي هو تعريفٌ “تجميد مؤقت” وكأن الاستيطان حق وفي أحسن الحالات تقليص تمديده مرحلياً وهذا بدوره أصبح عرضة لإسقاطه كخيار في مطالبة الرئيس أوباما لحكومة نتنياهو . وقبيل الانتخابات النصفية بأيام طالب الرئيس أوباما ورئيس السلطة الفلسطينية بأن يكون هناك تجميد لشهر أو شهرين بغية “استئناف المفاوضات” كما أن الرئيس أوباما أعطى ضمانات كحوافز من أجل هذا التمديد “للتجميد” تتمثل في مساعدات عسكرية منها أسلحة متطورة، البعض منها ليس في الترسانة العسكرية الأمريكية . في هذا الصدد، نتساءل: أليس تجاوب نتنياهو مع طلب التجميد لمدة شهرين لو تم، تفوقاً استراتيجياً كبيراً مع كل الدول العربية؟ لذلك وفي هذا الظرف بالذات ومع تزايد عدد مناصري “إسرائيل” في مجلسي النواب والشيوخ كيف نتوقع الاستمرار في ما هي عليه “مفاوضات” مسيرة السلام؟

 

لذا، لا نستطيع أن نتوقع تجرؤ الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة على تلبية الحد الأدنى من تأمين الحقوق الفلسطينية ما يستوجب بالتالي من العرب إيجاد وقائع جديدة تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في سياستها تجاه القضية الفلسطينية . كذلك الأمر، في هذا الصدد نجد أن السفير السابق للمملكة السعودية في واشنطن الأمير تركي الفيصل أكد في محاضرته يوم 5 نوفمبر/ تشرين الثاني في مؤسسة كاردجي أن المملكة العربية السعودية قامت بمجهود بغية الاعتراف ب”إسرائيل” لو تجاوبت مع إعادة كل الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية أو تأمين حل لمطالبات اللاجئين الفلسطينيين، ثم حذر من عودة فلسفة المحافظين الجدد لأن عدداً كبيراً من الأمريكيين اعتبروا بأن هذه الحركة ماتت إلا أن الانتخابات التي حصلت أعطت مؤونة جديدة لمروجي الحرب أن يستمروا في تمريناتهم المفضلة بإشعال الحروب . صحيح أن الأمير تركي الفيصل ليس مسؤولاً يعبر بالضرورة عن موقف الحكومة السعودية رسمياً إلا أن هذا التقويم تتجاوب معه شرائح شعبية داخل السعودية وعلى المستوى العربي العام .

 

من جهة أخرى أن الحكومة اللبنانية مهددة بفقدان وحدتها نتيجة للتدخل السافر من الإدارة الأمريكية الحالية وتأييدها فئة ضد فئة أخرى تحت ستار أن حزب الله هو “إرهابي” فيما تعتبره الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني أنه يتمتع بالشرعية وبالتالي فهو حزب معترف به مشارك في البرلمان ومشارك في حكومة الوحدة الوطنية، صحيح أنه لا وجود لإجماع وطني على ذلك، كما أنه لا وجود لإجماع على إقصائه لكن هناك توافقاً على تأكيد أولوية الوحدة الوطنية في لبنان . لذلك فأي تحريض من أية جهة كانت على المستوى الدولي أو الإقليمي من شأنه أن يهدد الأمن الوطني اللبناني وهذا ما يتنافى مع أية علاقات مستقيمة بين أية دولة ولبنان . كذلك الأمر هناك مواقف تتطلب تنسيقاً عربياً حاسماً ومواقف عربية موحدة تجاه كل ما هو حاصل ليس في فلسطين ولبنان فحسب، وإنما أيضاً تجاه ما هو حاصل في السودان والصومال واليمن وغيرها وإذا بقي عدم التنسيق على حاله بين الدول العربية فسوف تتم الاختراقات من كل صوب وستمعن بدورها في تأخير استكمال الحقوق الوطنية والقومية لشعوب الأمة وفي طليعتها فلسطين .

إن اجترار هذا الطلب الأخير من دون أي تجاوب عملي يستولد الكبت، وأرجو أن لا يستولد التشاؤم: إذ نستطيع أن نتجاوز الكبت ولكن التشاؤم يعني الاستقالة .

==========================

من يغتصب روح الشرق؟

د. بثينة شعبان

الرأي العام

8-11-2010

قبل يوم واحد فقط من المجزرة الوحشية التي ارتكبتها قوى الإرهاب ضد المصلّين في كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في حيّ الكرادة بوسط بغداد، وقع اعتداء إرهابي مماثل حرق فيه المستوطنون اليهود الكنيسة المعمدانية الواقعة في شارع الأنبياء في القدس العربية المحتلة، بعد أن قاموا بحرق العديد من المساجد وقتل المصلين فيها ضمن الجرائم التي يرتكبونها لتهويد فلسطين.

أحد الرعاة في الكنيسة المعمدانية السيد زكريا الشرقي قال: «إن مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين كسروا النافذة الخلفية للكنيسة المكوّنة من طابقين وألقوا زجاجات حارقة أدّت إلى حرق الطابق الأرضي بجميع محتوياته». وقد بنيت الكنيسة المعمدانية في القدس عام 1897، وكانت تضم الكلية الانجيلية الفلسطينية حتى عام 1948 حين قامت عصابات إرهابية صهيونية بطرد الكهنة من الكنيسة خلال حملة التطهير العرقي التي رافقت تأسيس إسرائيل.

وليس هذا هو الاعتداء الإسرائيلي الوحيد على الكنائس، والمساجد، في فلسطين المحتلة، بل إن قتل المصلّين في بيوت الله هو ممارسة إجرامية اعتادتها المجموعات الإرهابية الصهيونية منذ أكثر من سبعين عاماً في فلسطين. فقد قتل باروخ روبنشتاين المصلّين في الحرم الإبراهيمي الشريف وهم يؤدّون الصلاة، وقد نصب الصهاينة له تمثالاً على مدخل مدينة الخليل. وغالباً ما تمرّ هذه الجرائم ضد الأماكن الإسلامية المقدسة دون أي إدانة من الذين يعتبرون أن من مسؤولياتهم الحفاظ على التعايش بين الناس، والدفاع عن الحرية الدينية. ومع أشد الإدانة للجريمة البشعة التي ارتكبت في كنيسة سيدة النجاة ضد مصلّين، أتوا ليتعبدوا الخالق في بيت الله، فإننا لا يمكن إلا أن نقارن بين ردود الأفعال على الجرائم ضد الكنائس في العراق، وردود الأفعال الخافتة على الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون الصهاينة ضد المسيحيين وكنائسهم في فلسطين المحتلة، والتي تكاد تكون معدومة.

لم أرَ أي تغطية إعلامية أو إدانة سياسية للجريمة التي ارتكبها المستوطنون اليهود ضد الكنيسة المعمدانية في القدس، والذين أحرقوا طابقاً بأكمله مع كل محتوياته، ولم تصدر إدانة واحدة من أي منظمة دولية، أو غربية، أو حقوقية في أي مكان في العالم، الأمر الذي يعني أن مثل هذه الجريمة مقبولة ومستساغة، إذا كان مرتكبوها مستوطنين يهودا، وهي مدانة إذا ارتكبها إرهابيون آخرون. هذه الازدواجية تشجع الكيان الصهيوني على الاستمرار في جرائمه هذه الرامية إلى تهجير المسيحيين من فلسطين والشرق، وتشديد الفتنة بين أتباع الأديان السماوية الذين يعبدون إلهاً واحداً، ويتعايشون على هذه الأرض بمحبة ووئام منذ آلاف الأعوام، إلى أن أتت العصابات الإرهابية الصهيونية وبدأت بنشر حملات التفجير، والمجازر، والاغتيال، والحروب في الشرق الأوسط كله، من فلسطين إلى أفغانستان شرقاً. ومع تهجير الصهاينة لملايين الفلسطينيين بالمجازر الوحشية منذ أربعينيات القرن العشرين، بدأ عدد المسيحيين في فلسطين ينخفض إلى مستوى غير مسبوق للمرة الأولى منذ أربعة عشر قرناً من التسامح والعيش المشترك. كما أن قيام إسرائيل بعملية زعزعة استقرار لبنان التي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 وما تلاها من عنف أدى إلى تهجير المسيحيين من لبنان، وهذا ما يحدث في العراق منذ عام 2003 حيث تقوم اليد الإسرائيلية بزعزعة استقراره لأهداف تتعلق باستراتيجية الهيمنة على الشرق الأوسط.

إن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، لا تفرّق بين مسلم ومسيحي، فالشهداء والأسرى والمعتقلون هم دائماً من المسيحيين والمسلمين، وها هم المستوطنون يواصلون إرهابهم ضد المسلمين والمسيحيين بعد أيام من إحراقهم الكنيسة المعمدانية في القدس، بالاعتداء على قبر النبي يوسف في مدينة نابلس تحت حماية جنود الاحتلال الإسرائيلي فيما تستمر الاعتداءات على المساجد وإحراق المصحف الكريم. وقد اشتدت منذ حرب بوش على العراق، هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين والعراق ضد المسيحيين العرب، واشتدت أكثر منذ صدور توصيات السينودس السادس لمسيحيي الشرق المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية التي عكست بمضمونها « التنديد بالعنف والإرهاب وبكل تطرف ديني وشجب كل أشكال العنصرية واللاسامية والإسلاموفوبيا»، داعيةً المسيحيين إلى «التمسك بأوطانهم وأرضهم»، وخاصة بعد تأكيد السينودس «أن المسيحيين مكوّن أساسي من مكوّنات شعوب المنطقة، وعلى ضرورة مشاركتهم الفاعلة في حياة بلدانهم السياسية والثقافية والاقتصادية في إطار الاحترام المتبادل والحوار المستمر مع أبناء الأديان الأخرى وخصوصاً مع شركائهم المسلمين».

ويتفق المسلمون الذين عاشوا بأجواء التسامح مع المسيحيين واليهود طوال أربعة عشر قرناً مع هذا النهج، فقد تميّز الإسلام دوماً باحترام الديانات الأخرى والتعايش معها، لا بل إن المسلمين عرفوا بالتسامح مع فئات تدين بأديان ما قبل اليهودية والمسيحية والإسلام، ومازالت تعيش في بلاد الرافدين منذ آلاف الأعوام، مثلاً كالصابئيين الذين يمارسون حرياتهم الدينية ويمارسون مهنهم التاريخية منذ آلاف الأعوام، ولم يتعرضوا للضغوط والتهديد والاعتداء، إلا بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وكذلك شأن المسيحيين والكنائس في العراق، والتي لم يتم التعرض لها منذ تأسيسها الأول، رغم كل التقلّبات السياسية التي شهدها هذا البلد المدمى. وتنفرد إسرائيل بأنها الدولة الوحيدة التي تمنع المسلمين من الصلاة في الجمع المقدسة والأعياد في مساجدهم، ويمنعون المسيحيين من الوصول إلى كنائسهم دون أن يجرؤ أحد في الغرب «الحر» المدافع عن حقوق الإنسان من إدانة هذه الوحشية.

وقد أدّى صمت أصدقاء إسرائيل وحلفائها في الغرب عموماً عن إدانة هذه الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الكنائس والمساجد والمصلّين، مسلمين ومسيحيين، في فلسطين، المتواصلة منذ أكثر من ستين عاماً، إلى نقل جيوش بوش الغازية هذه العدوى إلى العراق وأفغانستان وباكستان، وغداً سينشرون ذلك حيثما يحلّون، خصوصا وأن بلدان المنطقة جميعها مستهدفة، ولا ننسى صورة الجنود الأميركيين وهم يبيدون بدم بارد وأمام كاميرات التلفزيون الجرحى من المصلّين في أحد مساجد الفلوجة.

وفي الوقت الذي تم تصنيف الهجوم على كنيسة سيدة النجاة بالعمل الإرهابي، وهو عمل إرهابي شنيع مدان دون شك، لم تتم تسمية الاعتداء على أي مسجد بما فيه المسجد الأقصى في القدس، أو أي كنيسة من قبل المستوطنين، أو قوات الاحتلال بالعمل الإرهابي. والخلاصة هي أنه إذا لم يقف الغرب ضد الجرائم البشعة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي يومياً، ضد أتباع الديانات السماوية من مسلمين ومسيحيين، فإن هذه الجرائم سوف تنتقل بالعدوى إلى إرهابيين آخرين يبثون سموم الفرقة والعنصرية بين من عاشوا بمحبة ووئام وتسامح لآلاف الأعوام. وهنا يمكن الجزم بأن الصهيونية لا تمثل خطراً فقط على المدنيين الفلسطينيين العزّل الذين تعاملهم بإهانة، وتقودهم إلى سجونها المظلمة، وتغتالهم أمام عدسات الإعلام «الحر»، بل تشكل خطراً على مفهوم التعايش والتسامح والسلام في الشرق الأوسط، الذي قدّم على مرّ التاريخ أنموذجاً للعيش المشترك بين أتباع الديانات والطوائف والمذاهب المختلفة طوال آلاف الأعوام. أولم يولد المسيح في الشرق في بيت لحم، أولم يسري سيدنا محمد (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أولم ينطلق بولس الرسول من دمشق حاملاً معه رسالة المسيح وناشراً المسيحية في العالم برمته، من هم هؤلاء الذين يريدون إفراغ الشرق من مسيحييه، كما أفرغوا بلدانه من اليهود؟ ومن هم الذين يعتدون على المساجد والكنائس لدبّ الفرقة التي لم تكن موجودة يوماً هنا بين المسلمين والمسيحيين، إلا بعد قيام إسرائيل، والتي لا تغتصب الأرض المقدسة في فلسطين فقط، وإنما انتقلت اليوم إلى اغتصاب روح الشرق المتسامحة، ونعمة العيش المشترك في هذا الشرق المسالم، والذي يمثل التعايش فيه أحد أهم أوجهه الحضارية المضيئة، والذي يتعرّض للحروب، والمجازر، والتعذيب، والتعصّب، منذ قيام إسرائيل وبشكل متصاعد لحد اليوم.

ومن هذا المنطلق، فإن التصدي لهذه الجرائم الصهيونية في فلسطين، هو واجب كل إنسان حرّ، ليس دفاعاً عن العيش المشترك في فلسطين وحسب، بل ودفاعاً عن التسامح والعيش المشترك، والسلام في الشرق الأوسط. وكما أن جريمة قتل المصلّين الأبرياء في كنيسة سيدة النجاة ببغداد هي عمل إرهابي مدان، فإن أي مساس بأماكن مقدسة، إسلامية أو مسيحية، وبمصلّين مسلمين أو مسيحيين يعبدون الله، هو عمل إرهابي يجب أن يدينه العالم كله سواء كان هذا في المسجد الأقصى، أو في الكنيسة المعمدانية، أو في أي بيت من بيوت الله في فلسطين، والعراق، وباكستان، وأي مكان في العالم.

لقد أصبح الصمت عن جرائم الكيان الإسرائيلي خطيراً على عيش وحرية وأمن وسلامة البشر في كل مكان، فهل من يقرأ قراءة صحيحة العلاقة بين الكنيسة المعمدانية في شارع الأنبياء في القدس، ومزار النبي يوسف في نابلس، وكنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة بوسط بغداد؟

د. بثينة شعبان

المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية العربية السورية

==========================

عيون وآذان (الكونغرس... اسرائيلي أكثر من الكنيست)

الإثنين, 08 نوفمبر 2010

جهاد الخازن

الحياة

الموقف الفلسطيني والعربي من مفاوضات السلام مع إسرائيل لم يكن معزولاً عن الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، والمهلة التي أعطاها الجانب العربي للرئيس باراك أوباما كانت تهدف الى تركه يركز على الانتخابات الصعبة من دون ضغوط يهودية أميركية. أما وقد انتهت الانتخابات فالسؤال هو ماذا سيحدث الآن؟

المصادر الإسرائيلية كافة تشير الى ان بنيامين نتانياهو سيعلن وقف الاستيطان، ضمن أضيق نطاق، أو ثلاثة أشهر أخرى، قد تمتد الى سنة، وكل معلق اسرائيلي أو يهودي اميركي يحاول ان يروّج لفكرة أن زعيم ليكود تغير، وأنه تحدث عن "دولتين لشعبين"، وهو كلام غير مسبوق منه.

لا أرى نتانياهو تغير إطلاقاً، فهو لا يزال متطرفاً دجالاً، ومواقفه وتصريحاته وتسريباته لا تهدف الى شيء غير كسب الوقت، فكما دمر عملية السلام في ولاية بيل كلينتون الثانية بين 1996 و1999 فهو يعمل لتدميرها في ولاية أوباما الذي يعتبره الليكوديون أقل الرؤساء الأميركيين تأييداً لإسرائيل في حوالى نصف القرن الأخير.

سمعت الرئيس أوباما يقول في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ستة أسابيع: عندما نعود الى هنا السنة المقبلة فقد يكون بحوزتنا اتفاق يؤدي الى عضو جديد في الأمم المتحدة هو دولة فلسطين مستقلة، ذات سيادة تعيش بسلام مع إسرائيل.

أعطي الرئيس الأميركي أعلى علامات في حسن النية والرغبة في حل، إلا انني لا أجده قادراً على تحقيق سياسته في وجه لوبي (أو لوبيات) إسرائيل، والكونغرس الذي قلت دائماً انه اسرائيلي أكثر من الكنيست، وزاد إسرائيلية بعد الانتخابات النصفية.

يفترض إزاء التطرف الإسرائيلي والعجز الأميركي ان تصبح المفاوضات عبثية، وهي كذلك إلا انها ضرورية حتى لا يحمَّل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشلها.

الرئيس محمود عباس لديه خيارات عندما تفشل المفاوضات نهائياً، ومعلوماتي انه سيطلب من إدارة أوباما إعلان تأييدها دولة فلسطينية في حدود 1967، أو يذهب الى مجلس الأمن الدولي بطلبه هذا، أو يسعى الى قرار من الجمعية العامة يعترف بدولة فلسطينية.

سألت هل يعلن أبو مازن هذه الدولة فاستبعدت مصادره ذلك، وهي أشارت الى ان المجلس الوطني الفلسطيني أعلن دولة فلسطين في الجزائر سنة 1988، وكان وزير خارجيتها أبو اللطف، وأيدت إعلانها غالبية من دول العالم، أو أكثر من الدول التي تعترف بإسرائيل.

إذا فشلت مفاوضات السلام كما يتوقع الجانب الفلسطيني، وإذا لم يستطع أبو مازن انتزاع اعتراف اميركي أو دولي بالدولة، فهو سيحمل أوراقه ويعود الى بيته من دون ان يتنازل عن شيء إطلاقاً، ولو شعرة على حد قوله.

المفارقة اليوم هي ان العالم الخارجي يقف مع الرئيس عباس غير ان غالبية شعبه ضده خوفاً من نتائج المفاوضات. والخوف مبرر إلا ان الرجل لم يتنازل عن شيء إطلاقاً، وهناك رهان (جنتلمان لا فلوس) بيني وبين بعض القراء فأنا أقول إنه لن يتنازل عن شيء وأنا أعرفه شخصياً وهم لا يعرفونه.

المفجع في الوضع كله ان الدولة الفلسطينية ممكنة، والبنك الدولي قال في تقرير له: إذا حافظت السلطة الفلسطينية على مستوى أدائها في بناء المؤسسات وتقديم الخدمات العامة فإنها قادرة على إقامة الدولة في اي وقت في المستقبل القريب.

نجاح حكومة سلام فياض في إرساء اسس الدولة يعكس خلفية رئيس الوزراء كاقتصادي قبل ان يكون سياسياً، إلا أن النجاح جاء بثمن باهظ هو تعاون أمني غير مسبوق مع قوات الاحتلال.

عندما أشرت الى هذا التعاون جاءني رد غاضب هو: اسأل أصحابك في حماس عنه. أركان السلطة الوطنية يقولون ان حماس هي المسؤولة عن التعاون الأمني مع إسرائيل فهم لن يسمحوا لها بأن تدبر مقلباً ضد السلطة في الضفة الغربية كما فعلت في قطاع غزة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

أحاول أن أبقى على مسافة واحدة من فتح وحماس، قرباً لا بعداً، وأدرك ان عند حماس مئة رد على تهم السلطة، ولعلّي أسمعها قريباً وأنقلها الى القراء، أو يجتمع الطرفان في دمشق كما نسمع ويحلان مشاكلهما.

في غضون ذلك، الحكم في إسرائيل بيد يمين متطرف عنصري استيطاني يحاول ان ينتزع مزيداً من الفوائد والتنازلات من الإدارة الأميركية ليستمر في عملية السلام، فلا يكملها ويبقى ما انتزع من الأميركيين.

==========================

آفة الفساد تتفاقم والمسؤولية ضائعة؟!

الإثنين, 08 نوفمبر 2010

عرفان نظام الدين *

الحياة

يوماً بعد يوم نعيد اكتشاف حجم الفساد المستشري في الجسد العربي من المحيط الى الخليج لينهشه وينهب ثرواته ويزيد من المخاطر القائمة والشروخ الهائلة في المجتمعات التي تعاني من آفات كثيرة مثل البطالة والإرهاب والفقر والأمية وانتهاكات حقوق الإنسان وغياب التخطيط للمستقبل وعدم توفير الحدود الدنيا من مستلزمات الحياة الطبيعية ومشاريع البنى التحتية وغيرها.

فكل شيء يبدو ضبابياً رمادياً مع تفشي آفة الفساد وعدم تحديد المسؤوليات عن تفاقم أخطارها وحمايتها وضياع المسؤولية عنها وغياب المحاسبة والرقابة والردع، إن لم نقل توفير الحماية للفاسدين وخلق الأرضية الصالحة لهذه الآفة من دون وازع من ضمير أو شعور بالمسؤولية عن تخريب الإقتصاد الوطني والقومي وتدمير مقومات الأوطان وتشريد الملايين وتمهيد التربة الصالحة للعنف والفتن والإضطرابات والإرهاب.

ومع تزاوج هذه الآفة مع المشاكل والأزمات الأخرى التي تعاني منها المنطقة وبينها أزمة الشرق الأوسط والكيان الصهيوني الغاصب والمطامع الأجنبية بالثروات العربية والحروب والبراكين المهددة بالإنفجار والقاء حممها على الجميع من دون استثناء يبدو المشهد العام مأسوياً أخطر ما فيه أنه لم تظهر في الأفق أية بادرة للحل أو مجرد شعور بأن الفرج قريب وان الأمل متاح لضرب هذه الآفة وحلحلة الأوضاع لعل المواطن العربي يجد لنفسه متنفساً ويطمح لحياة حرة آمنة يؤمن فيها لقمة العيش لأطفاله والحد الأدنى من المطالب المشروعة لهذه الحياة أو يحلم بمستقبل زاهر ومستقر يجد فيه فرصة عمل وبيئة صالحة لتوفير العلم والعلاج والدواء لأطفاله.

وقد يقول قائل إن الفساد مرض عام ينتشر في العالم كله وليس محصوراً في العالم العربي فهو لا يفرق بين بلد وبلد وبين قارة وقارة وبين شعب وشعب، ولا تحتكره الدول المتخلفة أو «النامية» والديكتاتورية والشمولية بل نجد فضائحه تزكم الأنوف في الدول التي تسمى متقدمة وتلك التي تتميز بأنها رمز الديموقراطية ومثال العدالة والشفافية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان وصولاً الى روسيا. حتى إسرائيل التي يزعم البعض أنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة تجتاحها موجات من الفضائح الخطيرة وقصص الفساد والرشوة ومعها الفضائح الجنسية التي طاولت رؤساء ورؤساء وزراء وكبار المسؤولين.

وهذا صحيح وحقيقي ومعلن إلا أن الفرق بيننا وبينهم أن القانون هو الحكم وأن المحاسبة قائمة على قدم وساق وهي لا تستثني أحداً بل تطاول الكبير والصغير والفقير والغني والقاضي ورجل الأمن، فكم من الرؤساء سقطوا وحوكموا وكم من الوزراء سجنوا وعوقبوا وفقدوا مستقبلهم السياسي وتعرضوا للمهانة والذل والإحتقار من الشعب، وكم من النواب حوسبوا على مخصصات أو أموال طالبوا بها من دون وجه حق كما جرى مع أعضاء مجلس العموم البريطاني أخيراً.

أما في ديارنا العامرة فالقانون مغيب والمحاسبة معدومة ولا تطاول إلا الضعفاء والفقراء والمساكين الذين لا ظهر يحميهم ولا مسؤول يدافع عنهم ويخرجهم من السجن ولا قضاء ينصفهم بتعميم العدالة لتطاول الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء هؤلاء أو تستخدمهم كأدوات لتنفيذ مآربها وتحقيق غاياتها الخسيسة.

وهناك أمر مهم آخر في مجال تحديد الفارق بين الفساد الأجنبي والفساد العربي، فالأول في مجمله يتركز على قبض عمولات أو رشاوى من شركات ورجال أعمال أو الحصول على مساعدات للأحزاب قبل الانتخابات العامة أو تقديم طلبات إعانة أو بدلات للسكن والنقل والطبابة لغير مستحقيها أو إستغلال نفوذ لقاء بدل مالي من أجل الحصول على لقب مثل لورد أو ما شابه أو لضمان ترشيح لمنصب عام. وهذه أعمال يعاقب عليها القانون وتوصف بأنها مشينة تستوجب العقاب والتشهير إلا أنها لا تصل الى حدود الجرائم وأعمال الإحتيال التي تدمر الإقتصاد أو تؤدي الى إيذاء المواطنين أو تعريض حياتهم للخطر.

أما آفة الفساد العربية فهي تطاول كل المجالات وتدخل في مختلف أصناف وأشكال التدمير والإيذاء والإجرام والممارسات التي تؤدي الى تعريض حياة المواطنين للخطر مثل المشاريع الوهمية والغش في بناء جسور تنهار مع أول هطول للمطر أو تزايد الضغط عليها أو بناء مساكن بمواد مغشوشة وكميات لا تأخذ في الاعتبار المتطلبات الهندسية والسلامة العامة، فتنهار فوق رؤوس سكانها أو تعبيد طرق بأساليب عشوائية سرعان ما تنتشر فيها الحفر وتؤدي الى حوادث قاتلة يدفع ثمنها آلاف المواطنين من حياتهم وحياة أولادهم وصحتهم وأعصابهم.

والأمثلة كثيرة في مجالات الرشوة والفساد والغش والهدر والعبث بأموال الدولة وصولاً الى استيراد الأدوية الفاسدة والمنتهية صلاحيتها والمواد الغذائية الفاسدة والسموم ونشر المخدرات والحبوب المخدرة التي تدمر حياة مئات الألوف من الشباب العرب وتأمين التغطية الأمنية والسياسية والقانونية للمرتكبين والمجرمين وحمايتهم وهي جرائم كبرى لم يعد من الجائز السكوت عنها أو التغاضي عن مخاطرها التي تزداد يوماً بعد يوم.

تضاف الى ذلك كله الأثار غير المباشرة، بل وحتى المباشرة، لآفة الفساد ومخاطر كل هذه الأعمال الإجرامية المنضوية تحت لوائها والتي تتمثل في تدمير الإقتصاد ونهب الثروات وهدر الأموال وتكبيد الدولة خسائر فادحة نتيجة للغش ما يعني حتماً ضياع فرص العمل وتقليص المشاريع المنتجة لا سيما في مجالات الصحة والتعليم والصناعة والغرق في بحار الفقر والحاجة والعنف.

والسؤال الملح المطروح كل يوم في مختلف المنتديات ووسائل الإعلام هو: من المسؤول عن انتشار هذه الآفة؟ وهل يمكن حصر المسؤولية بالمرتكبين والفاعلين والمتنفذين والمجرمين؟

والجواب الطبيعي والمنطقي يكمن في خلق الأجواء المناسبة لتعميم مبدأ الشفافية وتأكيد قرار المحاسبة بعزم وحزم والإحتكام الى القانون ومبدأ الثواب والعقاب بلا هوادة ولا تمييز ولا كيل بمكيالين وفق سياسة إزدواجية المعايير السائدة حالياً.

وعندما تنتصر العدالة وينتصب ميزانها يمكن أن تبدأ عملية تحديد المسؤوليات ورفع الغطاء عن كل أطراف هذا الوباء الخطير بكل ما تمثله من قرب أو بعد أو ما تتحمله من مسؤوليات على مختلف درجاتها وأدوارها المباشرة وغير المباشرة.

فكما أن المبدأ السائد في الديموقراطية هو «لا ديموقراطية بلا ديموقراطيين ولا حرية بلا أحرار» فأنه يمكن تعميمه على الفساد ليصبح القول أنه «لا فساد بلا مفسدين، ولا فاسدين بلا شركاء لهم من منفذين ومتعاونين ومسهلين ومشجعين وغاضي الطرف». تطبيقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما» أي جميع أطراف العملية الإجرامية وكل من شارك فيها أو توسط لإتمامها أو لتأمين التغطية لها.

فلو استثنينا وجوه الفساد وقياداته، لأن جرائمهم واضحة ودورهم معروف وعقابهم ضروري لا جدال فيه ولا شك، فإنه يمكن تحميل أطراف أخرى المسؤولية عن انتشار الآفة عن قصور أو تقصير، أو عن تشجيع وترحيب وقلب للقيم والمعايير. فالأهل وأولياء الأمور مسؤولون عن عدم غرس القيم والمبادئ السليمة في قلوب أولادهم وتوجيههم التوجيه الصحيح وتنبيههم الى عواقب هذا الجرم الخطيرة، والمدرسة لا تقوم بدورها المطلوب في التوعية كما كان يجري في السابق على يد المربين والمعلمين الأوائل والرواد في مجالات التربية والتعليم. ورجال الدين مقصّرون في مجال التوعية والتنبيه وشرح مبادئ الدين والحساب والقصاص. والإعلام مسؤول عن تقصيره في لعب دور فاعل على مستتوى التوعية الى خطورة آفة الفساد وفضح الفاسدين وجرائمهم والكف عن الترويج للمفسدين في الأرض وإظهارهم كنجوم مجتمع ورجال خير وقدوة للناس يضرب بهم المثل كما يفعل بعض الإعلام المغرض والمرتشي أو المستفيد من مساعدات أو رشاوى أو إعلانات تخفي وراءها غايات في نفس المفسدين.

«فالساكت عن الحق شيطان أخرس» وحساب الآخرة أشد عذاباً من حساب الدنيا، ولكن لنبدأ من الخطوات العملية في تأمين المحاسبة وتطبيق القوانين ومعاقبة كل من تسول له نفسه أن يخوض غمار تجربة الإفساد أو التلاعب بأموال الدولة ومصائر الناس وحياتهم ومستقبل أجيالهم، وعندما تطاول العدالة رؤوس الجميع بلا تفريق ولا تمييز نكون قد وضعنا أيدينا على «خريطة طريق» لمكافحة الفساد ومنع انتشاره.

* كاتب عربي

==========================

أوباما يلعب لعبة الدجاجة النووية مع إيران

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

8-11-2010

بينما تتوجه أنظار الأميركيين إلى انتخابات التجديد النصفي، يستمر صراع مرير بين الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في الشرق الأوسط.

وتدور رحى الصراع في العراق ولبنان؛ حيث يضغط الإيرانيون من خلال وكلائهم من أجل ما يصل إلى مستوى السيطرة السياسية، بينما تقاوم الولايات المتحدة وحلفاؤها - أحيانا بضعف، ولكن بالقدر الذي كبح التقدم الإيراني. وقد تتصاعد الحرب بالوكالة في الأسابيع المقبلة داخل كل من بغداد وبيروت.

وتأمل إدارة أوباما أن تكون هذه المنافسة مع إيران تمهيدا لمحادثات جادة حول حدود البرنامج النووي الإيراني. وترى الإدارة أن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الإيرانيين مثلت ضغطا عليهم، ولكنهم يردون عليها بالقتال داخل العراق ولبنان بهدف إثبات أنهم لا يزالون يتمتعون بالنفوذ.

وقد أعطى البيت الأبيض مرارا إشارات إلى إيران مفادها أن لديه رغبة في التوصل إلى حل سلمي للبرنامج النووي، وجاء الرد الإيراني غامضا كالمعتاد، ولكن قال الإيرانيون إنهم مستعدون لعقد محادثات مع واشنطن وحلفائها الرئيسيين خلال الشهر الحالي، ربما في فيينا.

وتضمنت الإشارات المحيرة التي تقول برغبة إيران في مفاوضات تواصل إسفانديار رحيم مشائي، أحد أهم المستشارين السياسيين للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، مع شخصيات أميركية. وقد حضر مستشار سياسي آخر للرئيس الإيراني اجتماعا نظمته الولايات المتحدة في روما في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول إرساء الاستقرار في أفغانستان. وقد أوضحت الولايات المتحدة، عبر الكثير من الوسطاء، أنها ستقبل مفاوضات مرحلية بدأت بحل وسط قدمته تركيا بشأن تزويد مفاعل طهران النووي البحثي بالوقود النووي ثم الانتقال إلى برنامج إيران النووي الشامل.

وبلغ عمر لعبة الدجاجة النووية نحو 10 سنوات، وعلى الرغم من المناورات حول الجولة المقبلة من المحادثات، لا يوجد دليل قوي يذكر، حتى الآن، على جدية إيران في التوصل إلى صفقة، بينما تظل حملتها من أجل التمتع بنفوذ سياسي في بغداد وبيروت مستمرة.

لطالما كانت المقاومة الأميركية لطهران نوعا من استراتيجية التظاهر بالضعف، يقوم في إطارها حلفاء الولايات المتحدة بامتصاص الضربات الإيرانية، بينما تتفاوض واشنطن من أجل الوصول إلى حل وسط - ومجازا تنتظر أن تدمر إيران نفسها. وأمل الولايات المتحدة، على حد قول السفير الأميركي السابق ريان كروكر، هو أن «يحد النفوذ الإيراني من نفسه، فكلما ازداد ضغطهم، ازدادت المقاومة التي يواجهونها».

أما في العراق، فقد مر أكثر من سبعة أشهر منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في مارس (آذار) الماضي دون تشكيل حكومة جديدة، وقد ألقت إيران بثقلها دعما لسعي رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي إلى الاحتفاظ بمنصبه، ويقال إنها شكلت فرقة مهام خاصة في بغداد من أجل الضغط على الفصائل العراقية. ويقال أيضا إن إيران منعت دعما مستترا للأحزاب الشيعية التي رفضت دعم المالكي.

ومن الغريب أن تدعم الولايات المتحدة مسعى المالكي بشكل تكتيكي، لكن واشنطن أصرت على إشراك القائمة العراقية، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، والمدعومة من السنة، في الحكومة الائتلافية. ويدعم مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان والذي يعتبر لاعبا فاعلا أساسيا في هذه المفاوضات، المطلب الأميركي.

ويخشى بعض العراقيين من أن طهران تخطط لحملة انتقامية. ففي الأسبوع الماضي، أرسل مصدر إلي تقريرا استخباراتيا عراقيا مزعوما يقول: «إن ضباطا استخباراتيين إيرانيين (يخططون) لعملية على مرحلتين تتضمن اغتيال أعضاء (سابقين) في حزب البعث وضباط سابقين وحاليين في الجيش ووكالة الاستخبارات».

وداخل لبنان تكتسب الحرب بالوكالة ضراوة بالقدر نفسه؛ حيث يقوم حزب الله، وهو ميليشيا شيعية أنشأتها إيران، بإذكاء المشاعر ضد محكمة دولية يقال إنها تستعد لإصدار لائحة اتهام ضد عناصر في حزب الله الشهر المقبل تتعلق بمقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005. وقد نظمت واشنطن تحالفا، يضم روسيا، من أجل دعم عمل المحكمة. وإذا أصدرت اتهامات، ربما يتحرك حزب الله من أجل الإطاحة بالحكومة اللبنانية، مما يعني المواجهة. ومن غير الواضح حاليا كيف ستتعامل الولايات المتحدة وإسرائيل مع ذلك، ولكن لا يوجد أمامهما سوى خيارات محدودة.

في الأسبوع الماضي، اتهم أحمدي نجاد، الغاضب، روسيا بالترويج ل«الشيطان» من خلال دعم عقوبات وإلغاء صفقة صواريخ أرض - جو كان مخططا بيعها لإيران.

وتأمل إدارة أوباما أن تسعى إيران، بعد شعورها بالعزلة، إلى الوصول إلى تسوية فيما يتعلق بملفها النووي. ولكن كما قال كريم سجادبور في «فورين بوليسي»، فإن هذا النظام الحاكم الذي يعاني «عقدة الضحية» يحتاج إلى أميركا كعدو أكثر من أي وقت مضى. ومن المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة أن تدرس كل مساحة معقولة للتسوية، ولكن الحروب بالوكالة داخل العراق ولبنان تظهر أن إيران في حاجة إلى التفاوض من قوة أيضا.

بعد لغط الانتخابات، يجب على الرئيس أوباما أن يتحول إلى هذا الاختبار ويكتشف ما إذا كانت إيران تريد مفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق أم لقتل الوقت.

==========================

المنطقة والفوضى الخلاقة!

هاشم صالح

الشرق الاوسط

8-11-2010

ما الذي يجري حاليا في منطقتنا؟ وهل يمكن فهمه أو فك ألغازه بعبارات قلائل؟ أنا مهووس بالوضوح وأريد أن أفهم. وقد ساعدني على هذا الفهم مؤخرا تصريحات السيد كوشنير في بيروت بعد زيارة البطريرك صفير، ومحاضرة الأمير تركي الفيصل في معهد كارنيغي للسلام بواشنطن. لا أقصد بذلك أن الرجلين متفقان على تحليل أمور المنطقة. على العكس، إنهما مختلفان تماما. فموقف المسؤول العربي المهموم بمصلحة الحق الفلسطيني والعربي بالدرجة الأولى غير موقف المسؤول الفرنسي المهموم بمصلحة إسرائيل وتثبيت أقدامها في المنطقة حتى قبل مصلحة فرنسا ربما.

مسكينة فرنسا! أين أنت يا ديغول بل وحتى يا بومبيدو وجيسكار ديستان؟ راحت تلك الأيام وراحت معها السياسة العربية الأصيلة والبعيدة النظر لفرنسا. وراح العرب، ربما، وإلا لما تجرأوا عليهم و«استوطوا حيطهم» على هذا النحو. يرى السيد كوشنير لا فض فوه أن التناقض الأساسي في منطقة الشرق الأوسط هو بين السنة والشيعة. الترجمة الحرفية لذلك: الصراع بين السنة والشيعة أخطر بكثير من الصراع بين العرب واليهود على فلسطين. اهتموا به قبل كل ما عداه بل أشعلوه وصبوا عليه النار لكي يشتعل أكثر فأكثر، ولكي تنسى الناس نهائيا قصة فلسطين التي تزعج الناس الحضاريين الراقيين جدا جدا، من أمثال السيد كوشنير وبقية المحافظين الجدد في الغرب الأوروبي - الأميركي - الإسرائيلي.

وهكذا يأخذ الوزير الفرنسي أحلامه وتمنياته على أساس أنها وقائع راسخة لا يرقى إليها الشك. الكارثة، وهذا ما يدمي القلب، هو أن متطرفي الشيعة والسنة يعطونه الحق أو قل يخلعون المصداقية على كلامه من خلال تصريحاتهم الطائفية البغيضة والمتخلفة بعضهم ضد بعض. انظر ما يفرزونه على الإنترنت والفضائيات من قيح الأحقاد المذهبية وصديدها ومن طعن للوحدة الوطنية في الصميم. لذلك قلت وأقولها ألف مرة: «القاعدة» وكل الأصوليات سنية كانت أم شيعية هي أكبر حليف موضوعي للصهيونية العالمية. لم تزدهر إسرائيل ولم تنتعش مثلما ازدهرت وانتعشت بعد 11 سبتمبر (أيلول). ولكن بانتظار أن تندلع هذه الحرب المذهبية وتحرق لبنان وسورية والعراق والخليج العربي وتتحقق آمال كوشنير ونتنياهو وكل المحافظين القدامى والجدد، دعونا نفكر ولو للحظة في الاحتمالية الأخرى.

وهنا نصل إلى محاضرة المسؤول العربي السعودي في واشنطن. إنه على عكس كوشنير يرى أن السبب الرئيسي لتأزم المنطقة ليس الصراع السني - الشيعي وإنما الصراع العربي - الإسرائيلي ورفض اليمين الصهيوني لمبادرة السلام العربية المعروضة بكل سخاء على الغرب وإسرائيل منذ عام 2002. كما ويعود التأزم أو قل الانسداد التاريخي إلى إصرار إسرائيل على الاستيطان الذي ينبغي أن ندعوه بالاستعمار بالمعنى الحرفي للكلمة.

ويهاجم الأمير تركي الفيصل هنا فلسفة المحافظين الجدد ومعه الحق. فالواقع أنها أوصلت المنطقة إلى حالة من الفوضى غير الخلاقة بل وغير الأخلاقية بالمرة. هناك فوضى خلاقة من دون شك ولكن ليست هذه. هذه فوضى مفتعلة بل وشريرة هدفها تفجير كل عصبيات المنطقة من أجل تفتيتها لا من أجل توحيدها على أسس جديدة تتجاوز العصبيات القديمة الضيقة كما كانت ستفعل الفوضى الخلاقة. ثم إن التركيز على إيران، كما يقول تركي الفيصل، ما هو إلا تشتيت للانتباه وصرف للأنظار عن الموضوع الرئيسي: أي مشكلة بلع فلسطين كلها من قبل اليهود. لذلك عندما تسمع مسؤولا غربيا يتحدث لك عن إيران وخطرها الماحق فافهم فورا أنه يريد أن يصرف نظرك عن الخطر الإسرائيلي أو يجعله نسبيا جدا جدا. هذا لا يعني بالطبع أن إيران لا تشكل خطرا أو ليست لها ميول توسعية ورغبات في الهيمنة. ولكنه يعني أن هناك إرادة غربية لتفجير كل تناقضات المنطقة من طائفية ومذهبية لمصلحة أن يستريح طرف واحد ويتنفس الصعداء هو: إسرائيل. ومن أجل سواد عيون إسرائيل كل شيء يهون..

ونفهم من كلام الأمير العربي أن نية أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون طيبة في الأساس ومضادة للمستعمرات، ولكن تيار المحافظين الجدد لم يلق سلاحه بعد. بل إنه عاد إلى الظهور من جديد مؤخرا وربما حرف السياسة الأميركية عن مسارها الصحيح الذي رسم خطوطه العريضة الرئيس أوباما في خطابه الشهير بجامعة القاهرة. فهناك أصوات تدعو علانية إلى إجبار الفلسطينيين على القبول بالمستوطنات وترك إسرائيل تفعل ما تشاء بحجة أن الأولوية هي لمواجهة إيران التي أصبحت تشكل الخطر الأكبر على العرب وإسرائيل في آن معا! وهنا يختتم الأمير كلامه قائلا: إن إيران تشكل خطرا ولكن آخر ما يريده العالم هو «حرب محافظين جدد» جديدة..

في الختام لا يسعني إلا أن أشيد بتصريحات شيخ الأزهر المستنير والمسؤول الدكتور أحمد الطيب. فهو على عكس شيوخ التعصب والظلام يقلل كثيرا من خطورة الخلاف اللاهوتي السني - الشيعي لأن النبي واحد والقرآن واحد واللغة واحدة وأركان الإسلام واحدة. بقي أن بعضهم يفضل علي بن أبي طالب للخلافة والبعض الآخر يفضل أبا بكر أو عمر. وهذه مسألة ثانوية في نهاية المطاف. إنها تخص فروع الدين لا أصوله. فكلهم فاضل وأفضل، رضي الله عنهم جميعا. وبالتالي «كبرها بتكبر وصغرها بتصغر». ولله الأمر من قبل ومن بعد. وحتى برنارد لويس الذي لا يمكن اتهامه بأنه يريد بالعرب والمسلمين خيرا اعترف بأن الخلاف السني - الشيعي أقل بكثير من الخلاف الكاثوليكي - البروتستانتي داخل المسيحية. ولكن ماذا يفعل شيوخنا الأشاوس؟ إنهم يكبرونه ويضخمونه حتى ليكاد يتحول إلى سور الصين الكبير الذي يفصل نهائيا بين الطرفين ويحولهما إلى دينين مختلفين كليا لا إلى مذهبين متفرعين عن نفس الدين. «يا ظلام الجهل خيم إننا نهوى الظلاما..» اللهم قد بلغت!..

=======================

نصّ العهد النبوي لنصارى نجران ملزم للمسلمين في كلّ مكان وزمان

بقلم محمد السماك

أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي

مداد القلم 5/11/2010

انظر أيضاً: المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك/ حوار مع الأستاذ محمد السماك في برنامج الشريعة والحياة في فضائية الجزيرة

 http://www.aljazeera.net/NR/exeres/930368FA-0189-44ED-9F5C-1237A53E61EC

______

في قراءة متأنية لنص العهد النبوي لنصارى نجران استوقفني أمران شكليان، الأمر الأول هو أن العهد لم يكن لنصارى نجران حصراً، إنما للمسيحيين عموما. والأمر الثاني هو أن الالتزام الإسلامي بنص العهد لم يكن محددا بمسلمي الفترة الزمنية التي صدر فيها، ولكنه نصٌّ ملزم لكلّ المسلمين في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة.

يؤكد الأمر الأول ما ورد في مقدمة العهد حيث يقول: "هذا كتاب أمان من الله ورسوله، للذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شيء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبدالله، رسول الله إلى الناس كافة؛ ذمّة لهم من الله ورسوله".

ويؤكّد الأمرَ الثاني قولُه "إنه عهد عهده إلى المسلمين من بعده، عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة، ولا لذي شيعة من السلطان وغيره نقضه، ولا تعدّيه إلى غيره، ولا حمل مؤونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة في هذا الكتاب، فمن حفظه ورعاه ووفى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمّة رسول الله، ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدّله فعليه وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين".

في ضوء العهد النبوي إلى المسلميين عامة، وفي ضوء الإلزام النبوي بنصّ العهد للمسلمين عامة، وفي ضوء اعتبار من يخالفه أو ينكثه أو يبدله عاصياً لله ولرسوله، من المهمّ التوقف أولا أمام بنود العهد، ومن ثَمَّ مقارنتها بواقع العلاقات الإسلامية – المسيحية وبدور المرجعيات الدينية الاسلامية في التعامل مع هذا الواقع.

• • •

ينص العهد فيما ينص عليه(1):

أولا، "أن احمي جانبهم –أي النصارى– وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح، حيث كانوا من جبل أو وادٍ أو مغارٍ أو عمران أو سهلٍ أو رمل".

ثانيا، "أن أحرس دينهم وملّتهم أين كانوا؛ من برّ أو بحر، شرقاً وغربا، بما أحفظ به نفسي وخاصتي، وأهل الإسلام من ملّتي".

ثالثا، "أن أدخلهم في ذمّتي وميثاقي وأماني، من كلّ أذى ومكروه أو مؤونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابّاً عنهم كلّ عدوّ يريدني وإياهم بسوء، بنفسي وأعواني وأتباعي وأهل ملتي".

رابعا، "أن أعزل عنهم الأذى في المؤن التي حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شيء من ذلك".

خامسا، "لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيتٍ من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء من بنائهم في شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمّة الله".

سادسا، "أن لا يُحمَّل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبّد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئاً من الجزية أو الخراج...".

سابعا، "لا يُجبر أحد ممّن كان على ملّة النصرانية كرهاً على الاسلام. "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن"، ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد".

ثامنا، "إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذبّ عنه والغرم عن جريرته، والدخول في الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما مُنّ عليه، أو يفادى به".

تاسعا، "لا يُرفضوا ولا يُخذلوا ولا يُتركوا هملا، لأني أعطيتهم عهد الله على أنّ لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين".

عاشرا، "على المسلمين ما عليهم بالعهد الذي استوجبوا حقّ الذمام، والذبّ عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كلّ مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم".

حادي عشر، "لهم ان إحتاجوا في مرمة –ترميم- بيعهم وصوامعهم، أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها –ترميمها-، أن يُرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك ديناً عليهم، بل تقويةً لهم على مصلحة دينهم ووفاءً بعهد رسول الله موهبةً لهم ومنّة لله ورسوله عليهم"(2).

• • •

لن أفيض أكثر من الحديث عن هذا الموقف الديني المبدئي الشرعي التأسيسي لعلاقات المسلمين بالمسيحيين. وهو موقف التزم به الخلفاء الراشدون من بعد النبي عليه السلام، ولعلّ من أشهر المواثيق التي تؤكّد هذا الالتزام، العهدة العمرية لمسيحيي القدس، والمنح التي قدمها الأمويون لمسيحيي دمشق لبناء كنائسهم.

ثم إنه إضافة إلى هذه الثوابت الدينية الملزمة هناك موقف إسلامي عامّ ملزم أيضا يتمثل في حديث للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). فعندما سئل: من هو المسلم، أجاب: "المسلم من سلم الناس (أي كلّ الناس بصرف النظر عن الدين أو اللون أو العنصر أو الثقافة) من يده ولسانه". فلا أذية بعمل (باليد) ولا أذية بكلمة (باللسان). وإذا كان هذا هو الموقف العام تجاه الناس كافة، فكيف يجب أن يكون من أولئك الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم "أقرب مودّة للذين آمنوا" والذي ربط هذه المودّة الايمانية بأنّ "منهم قسيسين ورهباناً وأنّهم لا يستكبرون"؟.

إذا عرضنا لواقع العلاقات الإسلامية–المسيحية اليوم في ضوء ما تتسم به من مظاهر سلبية هنا أو هناك، لا نستطيع إلاّ أن نتساءل هل إن المرجعيات الدينية الإسلامية نجحت في نشر هذه المبادئ في الثقافة الدينية العامة، وهل عملت على تكريسها في السلوك اليومي للمسلمين؟

يحملنا على طرح هذا السؤال أحداث ووقائع تتوالى فصولاً في دول عربية مثل العراق، وفي دول غير عربية مثل نيجيريا، وفي دول إسلامية مثل ماليزيا، تشير إلى ما يتناقض، أو إلى ما لا ينسجم، مع المبادئ والقيم النبوية الملزمة للمسلمين جميعا. ويعود ذلك إما إلى الجهل بهذه الالتزامات، أو إلى تجاهلها، وتالياً إلى تغييبها عن الثقافة العامة في بعض المجتمعات الإسلامية. ولو أنّها كانت حاضرة ومؤثرة وفاعلة كما يجب، لما امتدّت يدٌ لاغتيال كاهنٍ هنا أو راهب هناك، ولَما فُجّرت كنيسة هنا أو بيت مسيحي هناك.

ولأنّ الطبيعة لا تعرف الفراغ، فإن تغييب هذه الثقافة يشرع الأبواب أمام ثقافة أخرى معاكسة، يمليها الجهل بالثوابت الإيمانية ويملي مبادئها التطرّف والغلوّ بما هو كراهية الآخر ومحاولة لإلغائه.

عندما يتعرض الإسلام إلى الافتراء وإلى محاولات التشويه والتضليل، غالبا ما تبادر مرجعيات مسيحية كبرى إلى التصدّي لهذه المحاولات وإلى تسفيهها.. من الموقف من منع الحجاب في فرنسا، إلى الموقف من الفيلم المسيء لرسول الله عليه السلام في هولندا، إلى الرسوم الكاريكاتورية في الدانمارك، إلى منع بناء المآذن في سويسرا.. انتهاء بالدعوة إلى حرق القرآن الكريم في كنيسة مجهولة في بلدة صغيرة من ولاية فلوريدا الاميركية. فقد ارتفعت أصوات مرجعيات مسيحية تندد وتستنكر، من الفاتيكان، إلى مجلس الكنائس العالمي، إلى مجلس الكنائس الوطني الأميركي، إلى اتحاد الكنائس الإنجيلية، إلى مجلس كنائس الشرق الاوسط. وشاركت في رفع هذه الأصوات مرجعيات دينية يهودية في الولايات المتحدة وأوروبا.

حتى عندما ارتُكبت جريمة 11 سبتمبر 2001 رأينا كيف بادر البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلى استضافة مؤتمر إسلامي–مسيحي في الفاتيكان من أجل أن يعلن الموقف المبدئي وهو "أن الإجرام لا دين له".

لا شكّ في أنّ هذه المواقف المسيحية الأخلاقية السامية تتعزّز وتستقوي بمواقف لمرجعيات إسلامية من قضايا تتعلّق بانتهاك حقوق مسيحيين هنا أو بالافتراء على المسيحية هناك، علماً بأنّ مثل هذه المواقف ليست مفترضة على قاعدة المعاملة بالمثل، إنما هي مفروضة على قاعدة الالتزام بالإسلام شرعةً ومنهاجا.

من هنا نعود إلى بيت القصيد، وهو أهمية دور المرجعيات الدينية الإسلامية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها العلاقات الإسلامية المسيحية في العالم العربي وفي العالم، في التعريف بالثوابت الإيمانية النبيلة التي قامت عليها هذه العلاقات منذ العهد النبوي والتي يجب أن تقوم عليها اليوم وغداً وحتى نهاية الزمن.. ولنا كمسلمين في رسول الله اسوة حسنة.

وأخيرا، أودّ أن أختم هذه الكلمة القصيرة بالآية القرآنية الكريمة(3) التي تقول:

"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين".

_____________

(1) مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمعها محمد حميد الله –دار النفائس– بيروت، الطبعة السادسة 1987

(2) المرجع السابق نفسه ص 189

(3) آل عمران 113 و114.

=======================

سياسة "هز" الكتاكيت

كتب - رائد العابد

رئيس تحرير شبكة الإعلام العربية "محيط"

يحكى أن أحد أبناء حاكم قبيلة في بلاد ما وراء الشمس طلب من أبيه أن يحكم شعب تلك القبيلة الطيب، فوافق الأب على تحقيق أمنية ابنه شرط أن يأخذ قفصا فيه مجموعة من الكتاكيت (صيصان) إلى ميدان عام ويطلقها هناك ويحاول تجميعها مرة أخرى داخل القفص.

فضحك الابن وقال: "إذا كان حكم الشعوب بسهولة تجميع الكتاكيت فأنا لها بكل تأكيد"، فابتسم الحاكم بخبث وأعطى ابنه قفصا مليئا بالكتاكيت وقال له أرني براعتك.

فأخذ ولي العهد "الطموح" القفص وانطلق إلى ميدان عام وفتح باب القفص فانطلقت الكتاكيت في كل الاتجاهات لتملأ الميدان والشوارع المجاورة، بينما الابن حائر وعاجز عن تجميعها، وفشل في مهمته وعاد خائبا إلى أبيه.

فأحضر الحاكم قفصا آخرا ووضع فيه مجموعة من الكتاكيت وطلب من ابنه تعلم "سر المهنة". وأخذ الحاكم يهز القفص والكتاكيت بداخله ، تارة بعنف وتارة برفق ، إلى أن "داخت" و"استكانت". فطلب من ابنه الذهاب بها مرة أخرى إلى الميدان العام وإعادة المحاولة.

فهرع ولي العهد "المبتدئ" إلى الميدان وفتح باب القفص وكانت المفاجأة.. لم تبارح أي من الكتاكيت مكانها وبقيت تترنح في القفص. فرجع إلى والده بالقفص والكتاكيت والدهشة تملأ وجهه!!

فضحك الزعيم الأوحد وقال: "هكذا تحكم الشعوب".

=======================

الرئيس الأسد يلغي خيار المقاومة صراحة

أحمد أبو مطر

ahmad.164@live.com

إيلاف 7/11/2010

انشغلت الساحة السياسية العربية في الأعوام القليلة الماضية بتقسيمات مبنية على شعارات فضفافة، أدّت إلى توترات إقليمية بين أطراف عربية، لم تكن الساحة العربية بحاجة لها لمزيد من الانقسام والتشتت والفرقة. وكانت أهم هذه التقسيمات ما شاع بعد حرب يوليو 2006 بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ووزعت تلك التقسيمات الدول العربية بين فريقين:

الأول: فريق دول الممانعة والمقاومة الذي تترأسه وتتزعمه وتقوده سوريا.

الثاني: فريق دول الاعتدال، وغالبا كان يقصد به مصر والمملكة السعودية والأردن وغيرها من دول عربية.

كان من المنطقي والموضوعي تصديق هذا التقسيم، لو أنّ هناك فوارق ميدانية عملية بين دول الفريقين، إلا أنّ الموضوعية تقتضي التأكيد أنّ الفريقين من هذه الدول العربية، لا تختلف مطلقا في تطبيقاتها الميدانية إزاء الاحتلال الإسرائيلي. فدول مثل مصر وقعت اتفاقية السلام والصلح مع إسرائيل في زمن الرئيس السادات في مارس 1979 التي عرفت بإسم "اتفاقية كامب ديفيد"، واستعادت مصر بناءا عليها كافة أراضيها المحتلة منذ عام 1967، التي لم يتم تحريرها بعد حرب أكتوبر عام 1973. هذا بينما سوريا المحتلة أراضيها في هضبة الجولان منذ عام 1967 لم تطلق رصاصة واحدة، ولم تنظّم أية مقاومة مسلحة أو شعبية في داخل الجولان لتحريره، وكانت وما زالت تمنع أية عمليات مسلحة من حدودها ضد الدولة الإسرائيلية، وكانت توجه من يريد فعل هذه العمليات إلى جنوب لبنان، وتسهل وصوله إلى هناك، وكان هذا يمارس مع كل المنظمات الفلسطينية. وقد استمرت سوريا في مفاوضاتها السياسية السرّية والعلنية مع دولة إسرائيل منذ زمن الرئيس حافظ الأسد، واستمرارا في زمن نجله الرئيس بشار الأسد، عبر وساطات تركية وغيرها، من أجل الوصول إلى تسوية سلمية تضمن الانسحاب الإسرائيلي من جولانها المحتل، وهذا حق منطقي ودولي لها. وبالتالي لماذا مفاوضات السلام الساداتية كانت خيانة، بينما مفاوضات السلام الأسدية مقاومة وممانعة، مع أن مفاوضات السادات أعادت كامل الأراضي المصرية المحتلة، ومفاوضات الأسد ما زالت تسعى لذلك بالنسبة للجولان السوري.

فتنة أشباه الرجال

ازداد الوضع العربي تأزما وانقساما رغم عدم وجود فوارق بين أي معسكرين كما أوضحنا، بعد حرب حزب الله مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في يوليو 2006، وتداول إشاعات وأوهام حول تأييد بعض الدول العربية للعدوان الإسرائيلي، ومزايدة بعض الدول العربية الخطابية، واشتعل الموقف الانقسامي بعد خطاب الرئيس بشار الأسد في البرلمان السوري بعد تلك الحرب، حيث لمّح بشكل غير مباشر لبعض الدول العربية، مستعملا صفة (اشباه الرجال)، فإذا الحكام العرب حسب الرئيس الأسد فريقين (رجال) و ( اشباه رجال)، رغم أن الجميع في خانة واحدة لا يطلقون رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، بينما يزايد بعضهم بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية. وهذه المزايدة الكلامية كانت سبب الخلاف أو المشادة الكلامية بين الرئيسين الأسد ومحمود عباس في قمة سرت الأخيرة. إذ نقلت مصادر فلسطينية وعربية حضرت الجلسة المغلقة في القمة العربية المذكورة، أنّ المشادة بدأت عندما تحدث الرئيس الأسد ( أنه ليس من صلاحيات لجنة المتابعة العربية اتخاذ قرارات بشأن المفاوضات، وانتقد موقف السلطة الفلسطينية إزاء المصالحة وتحدث عن خيار المقاومة). فردّ عليه الرئيس محمود عباس بحدة قائلا: " نحن لا نطلب من أحد أن يغطّي خطواتنا. نحن نعرف مصالح شعبنا وأمناء عليها، ولا نريد تغطية من أحد. إذا كان هناك من يعتقد أنه يجب عدم مناقشة تطورات القضية الفلسطنية في الجامعة والقمة العربية، فهذا شيء آخر، وإذا أردتم ذلك فليكن. أما عن خيار المقاومة، فنحن من إخترع المقاومة، ومن درّب الآخرين، ومن قدّم قوافل الشهداء، وإذا كان القرار العربي هو خيار الحرب، فلتتخذوا القرار ونحن معكم. ولكم نرجوكم كفى..لا تقاتلوا بنا".

مقاومة بدماء آخرين ومزايدات كلامية

وتطورت المشادة خارج القاعة، عندما وقف مسؤول فلسطيني مشارك في القمة، متحدثا بصوت عال وانفعال شديد مع مشاركين عرب عن مسيرة الخلاف الفلسطيني السوري طوال نصف القرن الماضي، صارخا " إنها خلافات سببها المقاومة التي يزايدون باسمها منذ سنوات. هل تتذكرون اعتقال نظام حافظ الأسد للمرحوم المناضل الدكتور جورج حبش عام 1968، وقيام رفيقه المرحوم الدكتور وديع حداد مع مجموعة من الجبهة الشعبية باقتحام السجن وتحريره وتهريبه إلى لبنان؟. هل تنسون مجزرة وحصار مخيم تل الزعتر عام 1976 التي ارتكبتها ميليشيات كميل شمعون بعد أيام قليلة من دخول الجيش السوري إلى لبنان، وعدم تحرك هذا الجيش لنجدة المحاصرين ووقف جرائم الميليشيات الشمعونية التي أودت بحياة مئات من سكان المخيم طوال الحصار الذي استمر أكثر من خمسة شهور، على مرأى ومسمع وسكوت كامل من القوات السورية؟. هل نسيتم قيام نظام حافظ الأسد بطرد القائدين الشهيدين ياسر عرفات وخليل الوزير من دمشق عام 1983 ؟ هل نسيتم اعتقال عشرات المناضلين الفلسطينيين من كافة الجبهات والتنظيمات، ومنهم صلاح صلاح عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، وتوفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية. هل نسيتم حصار النظام السوري والمنشقين الفلسطينيين لياسر عرفات ومقالتليه في مخيم طرابلس شمال لبنان عام 1983 لمدة زادت عن ثلاثة شهور، سقط فيها أكثر من ألف قتيل فلسطيني، ولم ينج عرفات وخليل الوزير وحوالي خمسة ألاف من مقاتليهم إلا بعد التدخل اليوناني الفرنسي، حيث خرجوا على متن خمسة سفن يونانية بحراسة وحماية البحرية الفرنسية".

هذا بينما انتقد مصدر دبلوماسي عربي، شارك في القمة العربية في سرت، الموقف السوري من موضوع المقاومة قائلا: ( استغربنا تشديد الرئيس السوري على المقاومة، في حين أنّ منسوب المقاومة الرسمية والتنظيمية في هضبة الجولان تساوي صفرا، فهل يقصد الرئيس السوري أن نقاوم على طريقته في الجولان، وأن ندفع الجنود الإسرائيليين للتثاؤب من قلة المقاومة).

وفي الصحافة السورية أيضا،

نفس التنظير لهذا النوع من المقاومة وانتقاد أشباه الرجال، فالصحفي السوري خلف علي المفتاح، كتب تعليقا على خطاب الرئيس السوري المذكور، في موقع الفرات الصادر عن دار الوحدة السورية، بتاريخ الحادي عشر من سبتمبر 2006 قائلا: ( ولعل حكمة تقول كلما كثر أعداؤك فاعلن أنك القوي، والعداوة هنا من اشباه الحكام واشباه الرجال أو أنصافهم، فالمسيرة المظفرة التي بدأتها المقاومة قتاليا في لبنان وسياسيا في سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، مفتوحة لمن يريد الانضمام إليها لأن مسيرة واثقة من النصر،لا تنظر إلى الواقع باستاتيكيته وجموده، بل ديناميته وفعله التاريخي المنتصر دائما).

تخيلوا هذا التحليل والتفريق بين (مقاومة قتالية لبنانية) و (مقاومة سياسية سورية)؟. حسب هذا المنطق الفارغ من أي محتوى فكل العرب مقاومين سياسيا كونهم لا يعترفون بدولة إسرائيل، ولا يتفاوضون معها، بينما المقاومة السياسية السورية تتفاوض سرا وعلنا، لإرجاع جولانها المحتل، ونقول هذا حق لها يجب دعمه وتأييده، فقط بعيدا عن هذه المزايدات التي لا تنطلي على عاقل أو وطني.

الرئيس بشار يضع حدا لهذه المزايدات

وأخيرا يضع الرئيس بشار الأسد حدا لهذه المزايدات، وتصنيفات الرجال وأشباه الرجال، وذلك في تصريحه للصحافة القبرصية والعالمية يوم الخميس الرابع من نوفمبر الحالي، وهو تصريح مهم نقلته كافة وكالات الأنباء العالمية والسورية والمجموعة اللبنانية للإعلام (قناة المنار) التابعة لحزب الله، حيث قال الرئيس بشار حرفيا: ( إن الطريق الوحيد للسلام في المنطقة هو بالمفاوضات بهدف توقيع اتفاقية سلام تعيد الأمور إلى طبيعتها). مؤكدا على عودة الجولان المحتل والالتزام بالشرعية الدولية. أعتقد أنّ هذا التصريح الجريء من الرئيس بشار الأسد، يضع حدا لكل مزايدات التقسيم بين ممانعة واعتدال، وبالتالي يلغي خيار المقاومة من خلال قوله (الطريق الوحيد)، أي لا خيار سوى المفاوضات، ومن شأنه أن يفتح الطريق لمصالحات عربية، خاصة بين الدول العربية المهمة المؤثرة، فبعد هذا التصريح لم يعد هناك رجال أو اشباه رجال، بل الكل رجال من نفس النوع والمواصفات، همهم السلام الحقيقي العادل الذي يعيد كل أرض محتلة لأهلها من خلال المفاوضات حسب تشديد الرئيس بشار، بغض النظر عن نوع الاحتلال وجنسيته، وبالتالي يتطلب هذا الدعم العربي الكامل للنظام والشعب السوري لإعادة جولانه المحتل منذ عام 1967....فهل تبدأ مصالحات عربية صريحة وصادقة رغم تعقد بعض ملفاتها المحتوية على موضوعات أخرى سنتطرق لها لاحقا؟.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ