ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 03/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

عندما يكون رئيس الحكومة أحد قادة فرق الموت في العراق

د. مثنى عبدالله

2010-11-01

القدس العربي

 هل الان فقط حصحص الحق، لان موقع ويكيليكس أماط اللثام عن جزء من المأساة العراقية؟ وهل الان فقط بانت الايادي التي تلطخت بدماء الابرياء، أمريكية وبريطانية وايرانية وعراقية وربما أخرى؟ انها مفارقة كبيرة حينما يصادر حتى حقنا في الاعلان عن مأساتنا فتصبح رهينة لدى الاخرين يعلونها متى ما يشاؤون ويخفونها متى ما شاؤوا، لذلك لم يصدق احد صراخ أطفالنا المرتجفين على المقاعد الخلفية للسيارة

والغارقين بدماء الوالدين اللذين استقرت في رأسيهما طلقات الغزاة في احدى نقاط التفتيش، حينما أعلناها سابقا. كما لم يصدقوا دموع نسائنا الثكالى بفقد الاب والاخ والزوج، كما تجاهلوا منظر شيوخنا اللاهثين تحت حر الشمس والباحثين في الطرقات والمستشفيات والمقابر عن فلذات الاكباد الذين خطفوا وهم متوجهون الى اعمالهم أو مدارسهم، ثم تبين أنهم أعدموا خلف جدران بساتين أطراف بغداد، كما لم تصدمهم السكاكين التي كانت تمزق شرف حرائرنا في السجون السرية والعلنية للمحتلين والسلطة، واغتصاب رجالنا وقلع أظافرهم وأعينهم وثقب أجسادهم بالمثقاب الكهربائي، واذابة أطرافهم بالاسيد وهم أحياء، وللمرة الالف لم يسمع أحد صراخنا بان جيوش الحرية قد هجروا الملايين من شعبنا داخل العراق وخارجه، وبات أطفالنا يقفون طوابير على وكالات الاغاثة طمعا في لقمة خبز أو علبة حليب، أو يتسولون على الطرقات في مدن العالم التي اكتظت بهم، وأن أجساد بعض نسائنا سقطت أمام ضغط الحاجة واغراء المال في مستنقع الرذيلة أمام عبدة الدولار، بينما كانت الكلاب تنهش الاجساد في طرقات بغداد.

شكرا لكم يا موقع ويكيليكس، فعلى الرغم من أنكم نشرتم جزءا يسيرا من توثيق مأساتنا، ولم تعلنوا للعالم ما حدث في الفلوجة وحديثة والزركة وديالى والموصل والنجف وكربلاء، وكل بقعة من أرض العراق دنستها صولات فرسان المحتلين، وصولات فرسان حليفهم المالكي وقبله الجعفري وعلاوي، كما لم تذكروا تراجيديا أبو غريب وكروكر وبادوش وبوكا.

نقول شكرا لكم لان العالم الان عرف معنى الديمقراطية الامريكية التي قادت جيوشها لغزو بلد آمن وشعب بريء، بحجج أثبت الواقع بطلانها وبدلائل كاذبة دحرجت مصداقية الكبار في العالم الى الحضيض.

شكرا لكم لان العالم الان عرف كيف تقيأت صناديق الانتخابات المزورة، وعلب الديمقراطية المستوردة قادة سياسيين ترعرعوا في أحضان المخابرات الدولية والاقليمية، وقدموا الينا ليتبوؤا مراكز السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهم يحملون سياط الطائفية والعنصرية والفئوية ويرفعون شعار (لا يستطيع أحد أن يأخذها منا بعد الان) كما قال رئيس الوزراء، ولينشئوا امبراطورية الاكثرية الطائفية كما قال غيره، ويتشبثوا بالسلطة بالاجتثاث وتسييس القضاء ومهزلة اعادة العد والفرز، وتحويل أجهزة السلطة الى فرق موت حقيقية تجوب العراق من أقصاه الى أقصاه بحثا عن معارض أو مقاوم أو صاحب رأي كي يطفو رصيد زعيم دولة القانون في صناديق النفاق والكذب على بقية الاصوات، بعد أن صنع من نفسه الها آخر وركب الغرور رأسه حتى بات فرعون العراق، لذلك يقول بأن على من يريد المصالحة أن يأتي تائبا ولديه النية في الانخراط في العملية السياسية، تلك المنظومة الفكرية والعملية الشاذة التي أتت به من زوايا النسيان، والتي بات يراهن عليها ويتشبث في عودته الى مقاعدها مرة ثانية كي ينفذ برنامجه الطموح في الاعمار واعادة البناء، كما يقول بعد أن حقق الامن الذي يدعيه في الاربع سنوات الماضية المظلمة، وكأن أيام الاحد والثلاثاء والاربعاء وكل أيام الاسبوع والشهر والسنين الدامية التي نزفت فيها بغداد والعراق دماء غزيرة بريئة قد حصلت في غير عهده.

يقينا أن موقع ويكيليكس لم يكن موقعا بعثيا أو صداميا أو تابعا لفلول القاعدة، هذه الاطراف التي يحملونها كل ما يحدث في البلد، لذلك لم يجد الناطقون باسم الحكومة من يلصقون به تهمة التشهير بمالكهم ويحملونه مسؤولية نشر الوثائق، ولم يكن أمامهم بعد أن ابتلعوا السنتهم هذه المرة سوى الادعاء بأنها مؤامرة استهدفت المالكي كي يبتعد الاخرون عن اعادة ترشيحه، وانها مجرد الالاعيب وفقاعات اعلامية لصالح أطراف سياسية مدعومة من أجندات أقليمية، متناسين ان كل الاطراف المؤيدة والمعارضة للمالكي هم مساهمون رئيسيون في كل الجرائم التي تحدثت عنها الوثائق، وبذلك ذهبوا الى الايمان بنظرية المؤامرة هذه المرة، طمعا في ايجاد تبرير فاشل، بعد أن كانوا يعيبون على غيرهم الايمان بتلك النظرية في تحليل ما حدث بعد العام 2003، كما تناسوا في خضم هذه الزوبعة من الفضائح، أن ما تم نشره هو وثائق كتبت بيد من له السيطرة الفعلية على الارض والمياه والاجواء العراقية، وهي القوات الامريكية التي لا تنطق عن الهوى بواسطة طائراتها التجسسية التي تواصل مسح خارطة العراق ليل نهار، وأقمارها الثابتة والمتحركة التي ترصد كل كبيرة وصغيرة، اضافة الى سفارتهم التي هي الاكبر في العالم والتي محطتها الاستخبارية ترصد كل المكالمات الصادرة والواردة.

ان التحالف بين الامريكيين والايرانيين وأقطاب العملية السياسية، الذي كشفته الوثائق قد يكون أصاب البعض بالدهشة، لكن شعب العراق كان يعرف جيدا ان محور الشر هذا كان له هدف واحد وهو تدمير العراق ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وأن الذي جرى بينهم هو مجرد توزيع للادوار، كان للامريكيين فيه حصة الثروة، وللايرانيين حصة الربط الاستراتيجي بالمشروع الايراني، أما المالكي فكانت حصته كرسي السلطة الذي من خلاله يستطيع التنفيس عن ولائه الطائفي الذي عبر عنه ممثل الجامعة العربية السابق السيد مختار لماني عندما قال (أنا على قناعة تامة بانه لو خير المالكي بين أمريكا وايران فسيختار ايران) لكن شعب العراق الذي عرف جرائم كل هؤلاء، كان يطمح أن لا يصافح قادة دول شقيقة جلاديه وذلك أضعف الايمان، حينما ذهبوا في جولات الاستجداء السياسي، وهم الذين يعرفون جيدا حجم جرائمهم قبل أن ينشرها موقع ويكيليكس، لانهم الاقرب الى مسرح الجريمة جغرافيا واجتماعيا. أما صورة أمين عام الجامعة العربية وهو فاغر فاه من الضحك مع المالكي، كما نشرتها وسائل الاعلام، فان العراقيين يحتفظون لانفسهم بالتعليق عليها حتى حين، لانهم أكتووا بنار هذه (الجامعة) منذ العام 2003 حتى اليوم، وكانوا يأملون أن ينفجر عمرو موسى باكيا أو صارخا بوجه المالكي، كما فعلها أردوغان مع القادة الاسرائيليين انتقاما للفلسطينيين. تبا للدبلوماسية الخرقاء التي استبدلت الدم بالماء، فذبح شعب العراق وفلسطين، بينما الذباحون يستقبلون في المدن العربية.

=======================

إسرائيل تتحايل على الجغرافيا والديموغرافيا، فماذا عن الزمن؟

الثلاثاء, 02 نوفمبر 2010

ماجد كيالي *

الحياة

قبل عقود من الزمن سادت فكرة مفادها بأن إسرائيل تلهث وراء التسوية والتطبيع مع العالم العربي، وأن على العرب أن يحذروا من ذلك، لأن التسوية سترسّخ مكانة إسرائيل، ولأن التطبيع سيفضي إلى هيمنتها على هذه المنطقة من النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية، وحتى أنه سيغيّر هويتها (العربية)!

وبغض النظر عن تناقض هذه الفكرة مع منهج الاستخفاف بإسرائيل، وما تتضمنه من مبالغة وتهويل وأخطاء، فإن وقائع عملية التسوية الجارية منذ عقدين، أكدت عكس ذلك. هكذا شهدنا أن إسرائيل عاشت صراعات داخلية حامية لنبذ التوجه نحو التسوية والتطبيع، بل إن الأمر وصل بها حد مخاصمة دول أوروبية، ومناكفة إدارات أميركية (وهو ما نشهده حتى اليوم)، لإصرارها على التملص من عملية التسوية.

وكنا في مقال سابق ذكرنا بأن عدم مسايرة إسرائيل لعملية التسوية ينبع من عدم وجود ما يضطرها لذلك، لا في موازين القوى بينها وبين العالم العربي (وضمنه مع الفلسطينيين)، ولا في المعطيات الدولية والإقليمية السائدة. وهذا يعني أن ثمة ضغوطاً من نوع مختلف تحض الإسرائيليين على نقاش التسوية، ما يفسّر مقولة أن «الإسرائيليين يتفاوضون مع أنفسهم»، وكأن عملية التسوية تتعلق بتقرير مستقبلهم، أكثر مما تتعلق بمستقبل علاقاتهم مع الفلسطينيين، وأكثر مما لها علاقة بتقرير مصير هؤلاء.

في هذا الإطار يمكن ملاحظة أربعة عوامل تعمل في هذا الاتجاه، وبمعزل عن علاقات القوى العسكرية والمادية والسياسية السائدة، أولها، الديموغرافيا، وثانيها، متطلبات السياسة الدولية (خصوصاً الأميركية)، والثالث، عامل نزع الشرعية، والرابع عامل الزمن.

بالنسبة الى العامل الأول، لم يعد خافياً خشية إسرائيل من رجحان الميزان الديموغرافي لمصلحة الفلسطينيين، فما الذي يمكن أن تفعله الصواريخ والدبابات بهذا الشأن، لا سيما أن ميزان الهجرة إلى إسرائيل لم يعد كما في التسعينات (حيث استقبلت إسرائيل حوالى مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفياتي السابق)، وأن مخططات الترحيل («الترانسفير») للفلسطينيين لم تعد تصرف في هذه المنطقة؟ وفي كل الأحوال فثمة نضوب في البلدان المصدرة للهجرة، ويهود الولايات المتحدة غير مستعدين للقدوم الى إسرائيل، في حين أن هذه لم تعد جاذبة لليهود، بخاصة أنها أكثر دولة لا تتيح استقراراً واطمئناناً لهم، بعكس الهدف من إنشائها.

ومن المعلوم أن المسألة الديموغرافية تمسّ تعريف إسرائيل لذاتها، فهل هي دولة يهودية أم ديموقراطية؟ أهي دولة لليهود أم لمواطنيها كلهم؟ أهي دولة عنصرية أم ثنائية القومية؟ ومعلوم أن هذه الأسئلة تلحّ على الإسرائيليين لأنها تخصّ تعريفهم لهويتهم (يهودية أم إسرائيلية؟)، وثقافتهم (دينية أم علمانية؟)، ونظامهم السياسي (عنصري أم ديموقراطي؟)، أكثر مما تتعلق بالآخر، الذي يكاد يكون ممحواً، وغير ذي صلة، بهذه النقاشات.

من جهة أخرى، لا شك في أن للاعتبارات السياسية الدولية والإقليمية دورها الضاغط على إسرائيل في شأن التسوية، ولو أنها لم تصل، ولم تشتغل، إلى الدرجة المناسبة. وفي هذه المرحلة مثلاً، باتت عملية التسوية بمثابة ضرورة لتسهيل السياسة الأميركية (لا سيما إزاء ملفات إيران والعراق ولبنان)، بحيث أنها باتت تعتبر جزءاً من الأمن القومي للولايات المتحدة، ما وضع إسرائيل في موقف صعب (داخلياً وخارجياً)، فهي غير جاهزة للتسوية، وفي الوقت نفسه لا تستطيع معارضة السياسة الأميركية والظهور بمظهر من يخرب عليها، لأن ذلك يعني بداهة إضعاف إسرائيل، وإضعاف الدعم الأميركي لها.

من ناحية اخرى فإن الخلاف مع الإدارة الأميركية ينعكس على شكل خلافات داخلية في اسرائيل، وتوتر بين الحكومة الإسرائيلية ويهود الولايات المتحدة، ودليل ذلك ما حصل في مؤتمر عقد في القدس مؤخراًٍ، وحضره مئات من قادة اليهود في العالم. ففي حين دعا هؤلاء القادة اسرائيل الى مسايرة عملية التسوية، قام نتانياهو بصد هذه الدعوة بذريعة الحرص على امن اسرائيل، وضرورة مواجهة الاسلام المتطرف وإيران النووية، بينما أيد الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز هذه الدعوة بقوة. وقال بيريز حينها: «إسرائيل غير قادرة على إعطاء الولايات المتحدة ما تعطيه لإسرائيل، ولكنها قادرة بطريقتها على مساعدتها من خلال وقف الصراع مع الفلسطينيين والتركيز على التهديد المركزي – إيران. ويتضح من ذلك أن إسرائيل تجد نفسها اليوم في مكانة حرجة في شأن موقفها من عملية التسوية على الصعيد الدولي إزاء الولايات المتحدة (وأوروبا)، ما يفسر محاولاتها إيجاد مخارج أو حلول وسط للخروج من هذه الحال، علماً أن إسرائيل لم تقل يوماً إنها ضد عملية التسوية، مع إنها عملياً تفعل كل شيء في هذا الاتجاه.

فوق هذا وذاك فقد برز في الآونة الأخيرة عامل جديد من عوامل الضغط على إسرائيل، ويتمثل ببروز شبكات المجتمع المدني الدولي، التي باتت تتحكم بالرأي العام، بعد تضعضع سيطرة الحكومات والاحتكارات على الفضاء الإعلامي، بفضل التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام والمعلوماتية. فبدفع من هذه التطورات توسعت حركات التضامن مع الفلسطينيين، وباتت حقيقة إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية ودينية أكثر انكشافاً في العالم. وقد شهدنا تأثير ذلك عليها، بمفاعيل تقرير غولدستون (في شأن ارتكابها جرائم حرب في غزة)، وبتداعيات هجومها على «أسطول الحرية»، وجريمة اغتيالها قيادياً من «حماس» في دبي، مع كل ما يتعلق بممارساتها الاحتلالية والاستيطانية والقمعية ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع المحتلين.

وقد نشأ عن كل ذلك تزايد ظاهرة مقاطعة إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة (مقاطعة اقتصادية وأكاديمية وثقافية وفنية)، كما نشأ عنها ما بات يعرف بمسار نزع الشرعية عن إسرائيل. ولا شك في أن إسرائيل تبدي حساسية كبيرة إزاء هذا المسار، الذي نزع منها احتكار صورة الضحية، بل إنها باتت تعتبره بمثابة تهديد استراتيجي لها (ربما لا يقل خطورة عن التهديد الإيراني)، لا سيما أنها تخشى أن يفضي بها إلى نفس مصير نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. ومشكلة إسرائيل إنها لا تستطيع شيئاً إزاء هذا التحدي، فهنا ليس ثمة جيش، ولا عمليات عسكرية، ولا حكومات، ولا إقليم جغرافي معين، ولا عدو محدد، وإنما مجموعات بشرية، منتشرة في كل المجتمعات في العالم، لا ضغوط عليها، ولا مصالح تهدد بها، ولا قيود تكبحها. وهي مجموعات تتميز بوعيها لدورها، وتعمل من أجل سيادة قيم الحرية والعدالة والسلام، عبر شبكات «الانترنت» و«الفيسبوك» و«تويتر» و«اليوتيوب».

أخيراً، ومنذ قيام إسرائيل كان ثمة عامل الزمن، الذي ظل يشكل إقلاقاً شديداً لها، في شأن دوام استقرارها وأمنها ومستقبلها، وهذا يشمل الزمن الديموغرافي والسياسي والاقتصادي والعسكري لها، كما لدول المنطقة. وشدة ضغط هذا العامل تنبع من ضآلة حجم إسرائيل، لجهة الجغرافيا والديموغرافيا والموارد والعمق التاريخي، بالقياس الى محيطها العربي. ولعل ذلك يفسر هستيريا القلق التي تنتاب إسرائيل وحرصها المزمن على دوام تفوقها الاستراتيجي على محيطها، وفي مجالها الإقليمي أيضاً، لا سيما في مجال الأمن، وضمنه دوام احتكارها لما تسميه «سلاح يوم الآخرة» (السلاح النووي).

واضح أن إسرائيل تأخذ كل هذه الاعتبارات القلقة في حسابات استقرارها وتطورها ومستقبلها، ولكن مشكلتها أنها تأخذها على طريقتها، أي على أساس حفاظها على وضعها كدولة يهودية، استعلائية وغريبة، في هذه المنطقة، وعلى الضد من الحسابات التي قد تفضي لتحولها إلى دولة عادية، أي دولة مواطنين، من دون احتلال، ومن دون أيديولوجية صهيونية عنصرية، ومن دون ادعاءات دينية وخرافية.

ومثلاً، فقد ردّت اسرائيل على ما تسميه الخطر الديموغرافي بالانسحاب الأحادي من غزة، وبالتلويح بذات الخطوة في بعض مناطق الضفة، وبطرح يهودية الدولة. وفي ما يتعلق بمتطلبات السياسة الأميركية ها هي اسرائيل تلتف على ذلك بتأجيل ملف التسوية، وبطرح تسويات مرحلية جديدة، بدعوى معالجة ملف إيران أولاً. أما بالنسبة الى حملات المقاطعة ضدها، فهي تشكك بمقاصدها، وترميها بتهمة «اللاسامية»؛ مع إن هذه التهمة لم تعد ذات جدوى، مع انكشاف الممارسات الإجرامية الإسرائيلية. ويبقى عامل الزمن، وهو لها وعليها، حيث تراهن إسرائيل على بقاء العالم العربي على الحال التي هو فيها.

هكذا تحاول إسرائيل التملص من عملية التسوية، بتحايلها على الجغرافيا والديموغرافيا، وعلى العالم، وعلى الزمن، ولكن إلى متى؟

* كاتب فلسطيني

=======================

في ضرورة التطبيع مع التاريخ والجغرافيا

آخر تحديث:الثلاثاء ,02/11/2010

فهمي هويدي

الخليج

قبل أسبوعين كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أثينا، وطرح على نظيره اليوناني السؤال التالي: لماذا لا نعيد النظر في علاقات بلدينا بحيث يتحول التنافس بينهما من مبارة لكرة السلة إلى مباراة للكرة الطائرة؟ كان أردوغان يتحدث عن تفكيك بعض العقد التي تحكم علاقات الجارين، بحيث يكفان عن تدافع الاكتاف بينهما كما في كرة السلة، ويتجهان إلى إقامة منطقة عازلة بينهما، كما في الشبكة التي تفصل بين اللاعبين في لعبة الكرة الطائرة .

 

الاقتراح استهدف تخفيف التوتر العسكري المستمر بين البلدين وتذويب بقايا الصراع القائم بينهما منذ سنوات الدولة العثمانية وحتى بعد قيام الجمهورية في القرن الماضي . وهو نموذج تطبيقي للموقف المبدئي الداعي إلى طي صفحة المشاكل مع الجيران، اهتداء بسياسة “زيرو مشاكل”، التي أصبحت تعد حجر الزاوية في السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية . ذلك أن ثمة خلافاً بين تركيا واليونان حول الحدود البحرية والجوية والبرية في بحر إيجه الفاصل بين البلدين، وهو يتصاعد بين الحين والآخر بسبب المناورات العسكرية المستمرة لمقاتلات البلدين، الأمر الذي يكلفهما مبالغ طائلة واشتباكاً دبلوماسياً مستمراً . ولحل ذلك الإشكال حمل أردوغان معه حزمة من المقترحات التي دعت إلى ترك مسافة أو مساحة بين الحدود المقترحة والمتنازع عليها بين البلدين .

 

ثمة تفاصيل للمقترحات التركية لا مجال للخوض فيها . لأن ما يهمنا هو الفكرة الأساسية في الموضوع التي تمثلت في الإلحاح على تهدئة المحيط الاستراتيجي (كانت تلك زيارته الثانية إلى أثينا خلال خمسة أشهر) . والهدف المرتجى من ذلك أن تصبح تركيا دولة صانعة للسياسات وليست طرفا في المشكلات .

 

خلال شهر أكتوبر المنقضي تلاحقت إشارات أخرى محملة بالدلالات التي ترسم معالم الرؤية الاستراتيجية وأهدافها المتوخاة . من تلك الإشارات ما يلي:

 

عقد مؤتمر في اسطنبول لدول آسيا الوسطى التي تتحدث اللهجات التركية، والتي تصنف في أدبيات الجغرافيا السياسية بحسبانها تنتسب لغوياً وتاريخياً إلى “العالم التركي” . وهي التي تتوزع بين آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان، وتمثل كتلة بشرية تصل إلى 250 مليون نسمة يعيشون فوق مساحة من الأرض تصل إلى 11 مليون كيلو متر مربع . غابت عن المؤتمر اثنتان من دول آسيا الوسطى هما أوزبكستان وطاجكستان، لكن ذلك لم يغير من الرسالة التي لخصها الرئيس التركي عبدالله جول حين قال “إننا ست دول ولكننا أمة واحدة” . تستطيع أن تتصور الخلاصات التي انتهى إليها المؤتمر، والتي ركزت على تعميق الروابط الثقافية (اتفقوا على اعتبار الثالث من أكتوبر من كل عام يوم اللغة التركية) . والسعي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي من خلال المشروعات المشتركة .

 

عقد القمة التركية - الخليجية بالكويت، الذي يعد اللقاء الاستراتيجي الثالث بين الطرفين خلال ست سنوات . وهو ما تعتبره تركيا إسهاماً في تعزيز أمن الخليج واعتبار استقرار ذلك الأمن داخلاً في إطار الأمن الإقليمي وصلته وثيقة بالعمق الاستراتيجي لتركيا، وهذه اللقاءات استصحبت عقده سلسلة من التفاهمات والاتفاقات التجارية، التي تخدم المصالح المشتركة وتعد تجاوزاً للفكرة التقليدية التي طرحت منذ عقدين من الزمان، وتحدثت عن معادلة “المياه التركية مقابل النفط العربي”، وإذا أضفت إلى الجسور التركية الممتدة إلى الخليج، تلك الخطوات التي اتخذت لإلغاء تأشيرات الدخول بين تركيا وخمس دول عربية أخرى (سوريا ولبنان والأردن والعراق وليبيا)، فستدرك أن انفتاح أنقرة على الشرق وصل إلى مدى لم يخطر على بال أحد من قبل .

 

عقد المؤتمر الرابع عشر لرجال الأعمال في العالم الإسلامي، الذي اشترك فيه 3200 رجل أعمال قدموا إلى اسطنبول من أطراف ذلك العالم، كما اشترك فيه 32 وزيراً يمثلون تلك الدول . وشهده رئيس الجمهورية التركي ورئيس الوزراء . وعلى هامشه عقد مؤتمر لرجال الأعمال الفلسطينيين اشترك فيه 300 شخص منهم . الأمر الذي يعطي انطباعاً مباشراً بقوة الحضور الاقتصادي لتركيا في العالم الإسلامي، الذي بات يحتل موقعاً متقدماً في أولويات الاستراتيجية المرسومة، يدل على أن السياسة التركية تركز على تبادل المصالح باعتباره حجر الزاوية في علاقتها بالعالم العربي والإسلامي . فقد أدى ذلك إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري بين تركيا والعالم العربي لأكثر من أربع مرات منذ سنة 2002 وحتى العام الحالي، بحيث تجاوز 50 مليار دولار، نصيب مجلس التعاون الخليجي منها 20 ملياراً .

 

وفي منتصف الشهر واجهت تركيا موقفاً دقيقاً . ذلك أنها باعتبارها عضواً في حلف الأطلسي طلب منها المشاركة في مشروع الحلف للدرع المضادة للصواريخ . وهي منظومة دفاعية أمريكية موجهة ضد إيران، تبناها حلف الإطلنطي ويفترض أن تدخل حيز التنفيذ في عام ،2015 وقد تحفظت أنقرة على هذه الخطوة لأنها لا تعتبر إيران عدواً يجب التحسب له . ورغم أن الأمر يفترض أن يحسم قبل اجتماع قمة “الناتو” في لشبونة بعد أسبوعين (في 19 و20 نوفمبر)، إلا أن مسؤولاً تركياً قال إن بلاده حريصة على تأمين وحماية أراضيها كلها، وليس فقط تلك القريبة من إيران . وهذا الموقف التركي المتردد اعتبرته دوائر عدة نوعاً من التمرد على الهيمنة الأمريكية .

 

شاءت المقادير أن يختتم المشهد بحدثين وثيقي الصلة بالمؤشرات سابقة الذكر، هما:

 

أن مجلس الأمن القومي التركي، أعلى هيئة استشارية في البلاد أدخل تعديلات جوهرية على تعريف المخاطر الداخلية والخارجية، وصفت بأنها الأضخم والأشمل في وثيقة الأمن القومي التركي منذ حقبة الحرب الباردة . وهذه الوثيقة تعرف باسم “الكتاب الأحمر” . وتتضمن تحديدا الرؤية الاستراتيجية للنظام القائم إزاء مختلف الملفات الداخلية والخارحية . وبمقتضى التعديل الجديد تم إخراج الجماعات الدينية من خانة التهديد الداخلي، وكانت أنشطة تلك الجماعات تعد قبل التعديل “رجعية” وتهمة سياسية يعاقب القانون كل من يثبت انتسابه إليها . واكتفى التعديل بحصر التهديد الداخلي في الأحزاب اليسارية الثورية والكردية الانفصالية والدينية المتطرفة التي تلجأ إلى العنف . وإزاء ذلك أصبح من حق الجماعات الدينية أن تمارس أنشطتها العادية طالما أنها ظلت بعيدة عن التطرف والعنف .

 

من ناحية أخرى اعتبرت الوثيقة أن التخطيط لانقلاب عسكري أو السعي إليه بمثابة تهديد للأمن القومي . وهو ما يعزز موقف الحكومة في اتجاهها إلى محاكمة العسكريين الذين اتهموا في القضايا الانقلابية .

 

في ما يخص التهديد الخارجي، فإن الوثيقة أخرجت إيران وروسيا وسوريا من خانة العدو . ووضعت روسيا وسوريا في مرتبة الدول التي يجمعها مع تركيا تعاون وثيق . وتلك خطوة أزالت تماماً آثار الحرب الباردة من الوثيقة . في الوقت ذاته أثار الانتباه أن التعديلات الجديدة اعتبرت السلاح النووي “الإسرائيلي” تهديداً حقيقياً للأمن القومي التركي . وفي الوقت ذاته شددت على ضرورة إخضاع البرنامج النووي الإيراني “للمتابعة الحثيثة”، حيث اعتبرت الوثيقة أن امتلاك إيران للسلاح النووي إذا ما تحقق من شأنه أن يخل بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة .

 

الحدث الثاني أن الدكتور أحمد داود أوغلو مهندس السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية صدرت له في الأسبوع الماضي (عن مركز الجزيرة للدراسات) طبعة عربية منقحة لكتابه “العمق الاستراتيجي” الذي تحدث عن موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية . وهو الكتاب الذي ينظر للجمهورية التركية الثانية (ما بعد الكمالية)، وقد صدر حتى الآن في 50 طبعة، كما أنه ترجم إلى عدة لغات .

 

ومن الأفكار المحورية التي وردت فيه أن التاريخ والجغرافيا يمثلان العنصرين الأساسيين اللذين تبنى عليهما الاستراتيجية . وهما ثابتان، في حين أن المتغير الذي يجب العمل عليه هو كيفية قراءتهما . وفي رأيه أن تركيا انتزعت عنوة من محيطها بعد الحكم العثماني وخلال سنوات الحرب الباردة . حيث لم يكن من الطبيعي أن توجد تركيا المنتمية إلى حلف الناتو على حدود سوريا المتحالفة مع الاتحاد السوفييتي . وهو أيضا حال تركيا مع العراق وكذلك مع جورجيا وبلغاريا .

 

في رأيه أيضاً أنه لا نهوض لتركيا من دون أن تتواصل مع عمقها الاستراتيجي الذي يمتد باتجاه العالمين العربي الإسلامي والقوقاز وأرمينيا وإيران، وأيضا أوروبا . أي أن عليها أن تمتد غرباً كما تمتد شرقاً وفي كل الاتجاهات . وهو ما تؤهله لها حدودها المتعددة وهويتها المركبة بين آسيا وأوروبا . وتركيا حين تتصالح مع جيرانها فإنها تستثمر الجغرافيا وصولاً إلى “تطبيع التاريخ”، بمعنى أن تسير في الاتجاه الطبيعي للأمور وليس على العكس من المعطيات الحاضرة .

 

من الأفكار المثيرة للانتباه في الكتاب أن الدكتور أوغلو لا يرى أن العلاقة بين تركيا و”إسرائيل” حققت إيجابية تذكر، وإنما كان تأثيرها سلبياً لأنها همشت تركيا وأبعدتها عن لعب دورها الأساسي في المنطقة، خصوصاً أن تلك العلاقة لم تسهم في تحقيق السلام المنشود . أما العلاقة مع إيران فهي في رأيه أكثر أهمية بل هي جوهرية لتركيا من أكثر من زاوية، الأمر الذي يستدعي تنسيقاً دائما بين البلدين .

 

الذي يقرأ الوقائع والمشاهد التي تحدث على الأرض، ويتابع متغيرات وثيقة الأمن القومي، والأفكار التي طرحها الدكتور أوغلو في كتابه، يدرك أن هناك سياقاً مفهوماً وخطوطاً واحدة، إذ يجد المرء نفسه بازاء إرادة مستقلة لقيادة امتلكت رؤية واضحة، وضعت المصالح العليا للبلد ودوره في المقام الأول، واهتدت في ذلك بسياسة التطبيع مع التاريخ والجغرافيا .

=======================

مضادات حيوية للعُنف

خيري منصور

الخليج

2-11-2010

لم تكن الحياة ذات يوم على سطح هذا الكوكب سلاماً خالصاً محرراً من شوائب العنف وشتى أصناف الشرور، فالأسطورة مهدت للتاريخ كي يتولى الرواية، بدءاً من هابيل وقابيل حتى آخر الحروب، لكن البشرية سعت عبر مختلف الأساليب إلى تدجين العنف، مثلما سعت إلى الحدّ من كل المصائب من خلال الاستباق، وقد يكون التاريخ بمجمله هو ملف هذه المحاولات رغم أن مؤرخاً بارزاً مثل ويل ديورانت يقول إن السلم هو الطارئ، أما الحروب فهي الشيء المقيم، وحين قدم إحصائية بعدد الحروب التي عاشتها الإنسانية وجد أن استراحات المحاربين كانت مجرد هدنة لاعادة شحذ السلاح، بدءاً من السيف مروراً بالمنجنيق وحتى الصواريخ الذكية في حروب أيامنا .

 

وإذا كانت هناك شرور لا سبيل إلى استئصالها من الجذور، فإن أضعف الإيمان هو محاولة فهم دوافعها وبالتالي الاتقاء منها سواء من خلال تلقيح الناس بمضادات ثقافية لها أو استدراك ما أمكن من عواقبها .

 

وما يقال منذ عشر سنوات عن العنف أو الارهاب رغم غموض هذه المصطلحات ومرونتها المطاطية هو أضعاف ما قيل أو كتب عن هذه الظاهرة في القرون الثلاثة الماضية .

 

ليس فقط بسبب وفرة المنابر ووسائل الاتصال، بل لأن هناك مصالح واستراتيجيات سياسية تسعى أحياناً لجعل الحبة قبة كما يقال، وذلك لتسويغ قرارات منها ما يسمى في أدبيات عصرنا الهجوم الوقائي وهو المرادف العسكري للحروب الاستباقية .

 

حاول العلماء في مجالي علم النفس والاجتماع البحث عن مجالات لتنفيس فائض العنف الغريزي لدى الإنسان، واعتبرت الرياضة بكل أنماطها المجال الحيوي الأول لهذا التنفيس لكنها سرعان ما وقعت فريسة عدوى العنف وتحولت إلى حروب رمزية أو بديلة تستخدم أسلحة مختلفة لكنها تغرف من القاموس ذاته .

 

وما يجري الآن على امتداد عالمنا هو بث ثقافة العنف وليس تقديم مضادات حيوية وثقافية لهذا العنف المتصاعد والذي أصبح هو الآخر مُعَوْلماً، لا جنسية له ولا هوية ولا تحول أي حدود من دون تسربه .

 

وثمة تناقض حاسم الآن بين ما يقترحه عالم النفس والمثقف وبين ما يراه الجنرال، فالجنرال لا يعترف بغير الكيّ بالنار حتى لو كان العضو يعاني من وعكة: عابرة، ولا يريد الجنرالات فهم أسباب العنف والعوامل التي تؤججه في مرحلة ما كالتباين الكارثي في مستويات العيش والوعي أو الاحساس بالظلم وعدم القدرة على صده أو انتظار الانصاف والعدل، وأسوأ ما وقع فيه فقهاء توصيف العنف ومن تعهدوا بمقاومته هو رسم خرائط وتضاريس معينة لهذا العنف، وكأنه وقف على ديانة أو جنسية أو لون . والحقيقة أنه وجد بقوة لدى الرجل الأبيض أولاً، سواء في مراحل الاستيطان الدموي أو في الحروب التي كانت دوافعها المناجم والأسواق رغم كل ما حملته من أسماء مستعارة ومُضَلّلة .

 

ويخطئ الأقوياء إذا تبنوا استراتيجية “داوِها بالتي كانت هي الداء” عندما يتعلق الأمر بالعنف وأسمائه المختلفة، فالبشر لا يولدون وبأيديهم سكاكين أو متفجرات، بل يصبحون قتلة وتائهين بلا بوصلة أخلاقية بسبب تدني الوعي، أو تحول العمى إلى وباء سواء كان عمىً ايديولوجياً أو عرقياً .

 

لقد اتضح ميدانياً وبالتجريب المباشر أن منسوب الجريمة ينحسر في مجتمعات أقل جهلاً وتعصباً، وأكثر قدرة على الحلم، ويقول علماء الاجتماع إن المجتمعات تستحق ما تفرزه سواء كان من القضاة أو القتلة .

لهذا ما من سبيل آخر لتحقيق الانتصار الإنساني على العنف غير المضادات الحيوية الثقافية .

=======================

آسيا في السياسة الروسية

 بقلم :صحيفة «نيزافيسمايا جازيتا» الروسية

البيان

2-11-2010

إذا تحدثنا بشيء من الموضوعية، فإن روسيا ليست الحلقة الأقوى في سلسلة السياسة الآسيوية. وعلى الرغم من التقلبات التي شهدتها موسكو على مدى العقدين الماضيين، فإنها لا تزال لاعبا مؤثرا لا يجوز تجاهله في الفضاء الأوروأطلسي.

 

ولكن مواقفها في آسيا أضعف كثيرا من ذلك، لاسيما على خلفية صعود الصين كقوة عظمى وسرعة تنمية الهند وحتى كوريا الجنوبية والبلدان الطموحة بمنظمة دول جنوب شرق آسيا التي تتميز تنميتها بشيء من الديناميكية. ومن الناحية الاقتصادية، يعد الشرق الأقصى الروسي منطقة متأزمة يجب بذل جهود كبيرة لضمان تنميتها. ومن الناحية السياسية، لا ترى آسيا في روسيا شريكا. لذا تتيح لها المشاركة في مؤتمرات إقليمية عديدة نفوذا اسميا وليس فعليا بدرجة كبيرة.

 

ويزيد من خطورة الوضع احتمال كون آسيا ساحة استراتيجية رئيسية للقرن الحالي من الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وإذا لم تتمكن موسكو من توسيع نطاق حضورها في هذه القارة على نحو كيفي، فإنها مهددة بأن تكون لاعبا ثانويا في الصراع بين القوتين العظميين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أي الصين والولايات المتحدة. ويعكس تنامي نشاطها في المنطقة إدراكها للمخاطر المحتملة والبحث عن سبل التصدي لها.

 

وتحتاج روسيا أولا وقبل كل شيء إلى وضع استراتيجية شاملة تضم تدابير تنمية الشرق الأقصى الروسي وتحديد مواقف روسيا في آسيا بشكل عام، وهما أمران لا ينفصلان. لن تتمكن موسكو من تحقيق تنمية شطرها الآسيوي بدون شركاء أجانب. وتعد مسألة زيادة نفوذ روسيا في آسيا مرهونة بتحسين الأوضاع الداخلية.

 

وإلى جانب ذلك يجب تنويع الشركاء، إذ ان الاعتماد المطلق على الصين في هذه العملية قد يتسبب في مشكلات سياسية ونفسية على حد سواء. وترددت في روسيا منذ عدة سنوات إشاعات مفادها أن ملايين الصينيين يحتلون سيبيريا، ولكنه تجلى فيما بعد أنها كانت مبالغة فيها على الأقل. ولكن من البديهي أن هناك فجوة اقتصادية متزايدة بين روسيا والصين، مما يشكل خطر إعادة توجه الشطر الآسيوي من روسيا نحو بكين مع بقائها اسميا في اختصاص موسكو.

 

ولضمان تحقيق التنمية المستدامة يجب ضمان توازن بين المشاركة الصينية واستثمارات ومشاريع من الدول الأخرى كالولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول الأوروبية إلخ.

 

وإذا حققت منطقة آسيا والمحيط الهادئ في القرن ال 21 لنفسها مكانة أوروبا في القرن ال 20، فإنها ستشهد تقلبات كثيرة. يذكر أن أوروبا قبل أن تصل إلى حالتها الراهنة، شهدت حربين عالميتين كارثيتين، ومواجهة نظامية كادت ان تتحول إلى صراع مباشر.

 

وتوجد في آسيا تربة خصبة للتقلبات، وذلك بصدد العداوة التاريخية والنزاعات الحدودية بين أكبر القوى الإقليمية. ويمثل الوضع حول الأمة الكورية المنقسمة خطرا كبيرا. وليس من الواضح كيف ستتطور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إذ وصلت تبعيتهما المتبادلة وغير المرغوب فيها إلى حد «التصفية المتبادلة المؤكدة».

 

وقد تتحول إلى مواجهة حادة. ولا توجد في آسيا على غرار أوروبا آليات ضمان الأمن، على الرغم من بعض المشكلات في بنية الأمن الأوروبي. لذا ستُرغم آسيا على إقامتها من نقطة الصفر تقريبا.

 

وتزيد هذه العوامل مجتمعةً من صعوبة المسائل التي يتعين على موسكو حلها. وستختلف المناهج على الأرجح عن تلك التي تعودت عليها روسيا في أوروبا. وإذا كان الكرملين يتعصب من زيادة النفوذ الأميركي في الفضاء الأوروأطلسي ويسعى لعرقلته، ففي آسيا، قد ترى روسيا في الحضور العسكري والسياسي الأميركي عنصرا هاما للتوازن.

=======================

الإرهاب.. والسياسة!!

الافتتاحية

الثلاثاء 2-11-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

عاصرنا الإرهاب عندما كان يضرب في هذا البلد.. أشهر طويلة أحدثت نوعاً من الخوف والتحسب.. وقبل أن نحسم معركتنا معه بكفاءة حقيقية.. سجلت قوى وسياسات محسوبة اليوم على «محاربة الإرهاب» مواقف لم تكن أقل من لا مبالية بالمعركة التي نخوضها دفاعاً عن شعبنا وأمننا واستقرارنا.. ونيابة عن العالم كله..

لم نلم أحداً في حينه.. إنما بهذا الشكل أو ذاك حذرنا الذين أشاحوا بوجوههم عنا، شبه شامتين أن ليس للإرهاب وطن.. وقلنا بوضوح.. يجب تعريفه.‏

غايتنا من التعريف أمران:‏

1-عدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة كحق شرعي مشروع لكل شعوب العالم.‏

2-عدم استغلال لافتة «محاربة الإرهاب» لتحقيق غايات سياسية وتسلطية.‏

طبعاً ليس الإرهاب بجديد في العالم.. أبداً.. وليست محاولات استغلاله لتشويه المقاومة أو للإفادة منه سياسياً بجديدة.. بريطانيا العظمى كانت تنظر إلى طلائع الثورة الأميركية 1776، أنهم مجموعات إرهابية.. الولايات المتحدة تعاملت مع المطالبين بحقوقهم من الأقليات العرقية كإرهاب..ألمانيا النازية نظرت إلى المقاومين في العالم «الفرنسيون مثلاً» كإرهابيين.. فرنسا سمّت ثوار الجزائر إرهابيين.. وهكذا..‏

لكن ما حصل في 11 أيلول 2001 صمم شكلاً واحداً للإرهاب يحاولون تعميمه على العالم وعلى الزمن.‏

حدث 11 أيلول عمل إرهابي نمطي موصوف.. لا شك لدينا بذلك أبداً.. ولا ننكر أن توجهاً لنا للتعاون في مكافحة مثل هذا الإرهاب قد قام.. واستمر.. واعترف مسؤولون أميركيون بنتائج إيجابية لهذا التعاون.. لكن.. لم تظهر الولايات المتحدة رغبتها في حينه في استمراره!! على العكس من ذلك بدا وكأنه عبء تريد التخلص منه..‏

لماذا؟! لماذا وهي الموجوعة من الإرهاب؟!‏

للسببين اللذين أوردتهما.. الإرهاب والمقاومة والاستفادة من الإرهاب في السياسة والتسلط.‏

التعاون السوري الأميركي كان محرجاً لهم.. لأن سورية بذلك كانت تضع تعريفاً عملياً للإرهاب.. إذ إنها حاربته.. وقاومته.. وانتصرت عليه في معركة شرسة. ومدت يد التعاون لمحاربته على المستوى الدولي.. وفي الوقت ذاته كانت وما زالت تدعم مقاومة الاحتلال والعدوان والهيمنة.‏

مختصر ذلك كله.. أن الولايات المتحدة غير مخلصة في مكافحة الإرهاب.. وهناك عتاة الإرهابيين تربوا وتدربوا في الأحضان الأميركية.‏

وفي الشكل الاستعراضي الضبابي الغائم الذي رويت فيه معلومات الطرود الحاوية على المتفجرات المنقولة من اليمن بشركات طيران عربية موجهة إلى الولايات المتحدة.. هل تبدو الولايات المتحدة محارباً حقيقياً للإرهاب..؟! وما الدور الذي لعبته؟!‏

لا شك أنه رغم الضبابية المحيطة بالحادث كله.. فإن أميركا أظهرت رد فعل أفضل من الماضي حيث أكدت جهات استخباراتية أنه كان بالإمكان- إلى حد ما- قطع الطريق على 11 أيلول 2001 قبل قدومه.. لكن.. إلى الآن الذي نراه أن الولايات المتحدة لم تقم بأي جهد يذكر.. فقط أسرع الرئيس أوباما إلى الإعلام، للإعلان عن المعلومة الاستخباراتية التي تلقاها من المملكة العربية السعودية وعن ضبط الطرود مفترضاً أنها موجهة إلى «معابد يهودية»..؟!‏

ليست هناك إيضاحات.. وكل الأطراف الأخرى ذات العلاقة والجهد، أشارت أنه لا دليل على توجه هذه الطرود إلى معابد يهودية.. وإلى أن تستطيع الولايات المتحدة تقديم الرواية الكاملة عما جرى.. ومستواه.. وأهميته وغايته.. أقول:‏

لقد سيسوا الحادث مباشرة.. طاعنين بأسس العمل الدقيقة لمكافحة الإرهاب.. التي ربما كانت تفترض الهدوء والعمل المحترف لكشف كل ملابسات القضية.. أليس من السذاجة القول: إن طرداً ملغوماً ينتقل من اليمن إلى الولايات المتحدة على أساس أنه طابعة..؟! طابعة من اليمن إلى الولايات المتحدة..؟!‏

ليس لدينا معلومات أن هناك من يصدّر طابعات من اليمن إلى الولايات المتحدة لأي غرض كان.. وليس لدينا معلومات بديلة.. لكن.. يحق لنا الاستغراب، ولاسيما بعد أن ظهرت براءة الطالبة اليمنية التي أتهمت اعتباطياً.. ونقف باهتمام عند ماأعلنه اليمن ممثلاً بالرئيس علي عبد الله صالح من رفضه للتدخلات الخارجية « الأميركية» دون أن نخفي مواقفنا دائماً أننا ضد الإرهاب بكل أشكاله وأينما كان ابتداء من الفظائع الإسرائيلية وانتهاء بالطرود الملغومة.. ولاننسى أن نذكر أن الارهاب ليس فقط الذي يوجع الولايات المتحدة.‏

ما لدينا هو تنبيه.. إن محاولة الاستفادة سياسياً من حوادث معينة ذات علاقة بالإرهاب.. هو خطر على مكافحة الإرهاب ومحاربته..‏

لاحظ..‏

طرود من دولة عربية..‏

منقولة بشركات طيران عربية لها سمعتها التي تضعها في مقدمة شركات الطيران العالمية.. «الإماراتية والقطرية».. إلى أميركا.. وإلى معابد يهودية..!!‏

هل هي محاولة للتذكير بطرفين لمعادلة الإرهاب.. أحدهما الطرف العربي كفاعل سواء بنيات أو بلا نيات.. والآخر يهودي كضحية..؟!‏

هل هي كذلك؟!‏

أم يُكتفى منها بأنها مناسبة لكسب أصوات الناخبين في اقتراعات الكونغرس الأميركي؟!‏

a-abboud@scs-net.org

=======================

واشنطن بوست .. من أسرار العلاقات الأميركية - الإسرائيلية

ترجمة

الثلاثاء 2-11-2010م

ترجمة: حكمت فاكه

الثورة

من جديد برز إلى الواجهة اسم (دينس روس) الخبير المخضرم في شؤون الشرق الأوسط كوسيط رئيسي خلف الكواليس بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية إذ يعمل عن قرب مع محامي نتنياهو الخاص- اسحق مولهو- ومع باراك وزير الحرب على إصلاح الخلافات والنزاعات بين الحكومتين بتكتم وسرية كاملين.

لكن دور روس كما يصفه مسؤولون ومصادر أخرى مقربة من العملية يكتسي حساسية كبيرة لأنه قد يُنظر إليه على أنه يضعف مهمة ميتشل مبعوث أوباما الخاص للسلام في الشرق الأوسط.‏

وهذا ما يفسر لماذا لم يوافق أي أحد ممن تم استجوابهم على الكشف عن أسمائهم.‏

والحقيقة أن ميتشل يتعامل هو الآخر مع المحامي -اسحق مولهو- لكن روس الذي يعد أحد مدبري سياسة الشرق الأوسط البارعين في البيت الأبيض هو الذي عمل بشكل أساسي مع -مولهو- وباراك حول مجموعة حوافز تعرضها إدارة أوباما على نتنياهو مقابل تمديد تجميد البناء في المستوطنات ل60 يوماً من أجل الحفاظ على مفاوضات السلام مستمرة مع الفلسطينيين.‏

وقد حوّل البيت الأبيض أسئلة كنا قد وجهناها له إلى وزارة الخارجية.‏

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية (بي-جي-كراولي) في بيان صدر عنه إن (دور روس المهم في هذه الجهود معروف في الواقع ومحل تقدير) وأضاف كراولي قائلاً: بالتعاون مع جورج ميتشل وتحت إشراف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون يقوم روس بتشجيع الأطراف على مواصلة المفاوضات نحو اتفاق يؤدي إلى حل دولتين). وتقول مصادر في واشنطن وإسرائيل إن روس يوفر عنصراً كان مفقوداً في العلاقات الثنائية التي كانت متقلبة منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض.‏

في هذا الإطار يُذكر أن المسؤولين الإسرائيليين فضلوا تجاوز وزارة الخارجية ومبعوثي السلام والتعامل بشكل مباشر مع مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض حيث يفيد مسؤولون سابقون من إدارتي بيل كلينتون وبوش بأن الإسرائيليين يعتقدون أن البيت الأبيض هو الذي يصنع السياسة الخارجية في نهاية المطاف وهم مقتنعون بأن وزارة الخارجية تنحاز عادة للعرب.‏

والجدير بالذكر أن مستشارة الأمن القومي في إدارة بوش- كونداليزا رايس-عملت عن قرب مع -دوف ويسغلاس- كبير موظفي شارون، حيث ناقشا انسحاب إسرائيل من قطاع غزة.‏

وخلال ولاية بوش الثانية تعامل مستشار الأمن القومي- ستيفان هادلي- مباشرة مع يورام توربوفيتش كبير موظفي أولمرت في أحيان كثيرة للرد على شكاوى بخصوص ما كانت تقوم به رايس في دورها الجديد كوزيرة خارجية.‏

ويقول شخص مقرب من إدارة أوباما إن نتنياهو كان يبحث عن مثل هذه القناة منذ البداية ولم يستطع إيجادها .‏

وقد أصبح دور روس أكثر وضوحاً بعد أن غيّر أوباما الاتجاه هذا العام وقرر تحسين علاقاته مع نتنياهو.‏

ويقول مسؤول إسرائيلي وافق على التحدث شريطة عدم ذكر اسمه: إن لاعبين قلائل جداً منخرطون في هذا، حيث يقول رئيس الوزراء إنه من المهم أن نقوم بهذا بتكتم وبهدوء.‏

وانطلاقاً من دوره المركزي في إدارة كلينتون كمفاوض سلام في الشرق الأوسط فإن روس يعرف كلاً من مولهو وباراك جيداً.‏

وقد وصف روس في مذكراته «السلام المفقود» مولهو وهو صديق العمر بالنسبة لنتنياهو (الشخص الوحيد الذي كان يثق فيه نتنياهو بشكل كامل والشخص الوحيد ربما في محيط نتنياهو الذي كان يستطيع أن يقول له مالم يكن يريد سماعه).‏

وكان مولهو خلال ولاية نتنياهو الأولى كرئيس للوزراء في التسعينيات قد بدأ اتصالات مع الرئيس الفلسطيني عرفات.‏

وفي تلك الأثناء برز اسم باراك إلى الواجهة باعتباره وزير خارجية اسرائيل الفعلي لأن ليبرمان الذي يشغل المنصب متطرف جداً وآراؤه تثير اعتراض واشنطن.‏

وفي هذا الشأن يقول شخص آخر مقرب من إدارة أوباما: إن باراك شخص يعرفونه ويثقون فيه.‏

إنه الشخص المخاطب بالنسبة لأمريكا لكن باراك ليس من مساعدي نتنياهو المقربين بل هو في الحقيقة منافس سياسي يقود حزب العمل.‏

وبالأساس فقد انضم روس إلى إدارة أوباما كمستشار كبير لكلينتون بخصوص السياسات الأمريكية تجاه ايران. ولكن خلال أشهر قرر أوباما أنه بحاجة إلى خبرة روس في البيت الأبيض بخصوص الشرق الأوسط، وبسرعة يقول مصدر آخر: جدد روس اتصالاته مع مولهو ولكن ذلك كان ينطوي على خطر كبير بالنسبة لروس لأنه كان في الواقع يتداخل مع عمل ميتشل والوزيرة كلينتون لكن تقوية العلاقات بين البلدين مهمة جداً حتى تكون قناة روس مولهو ناجحة وفعالة.‏

وكانت العلاقات الأميركية الإسرائيلية على وشك الوصول إلى نقطة الانكسار في آذار الماضي بسبب التطاول على نائب الرئيس بايدن خلال زيارة لإسرائيل، وتلا ذلك الخلاف العلني تقييم من قبل الإدارة الأميركية خلص إلى أن الأجواء عموماً بحاجة إلى التهدئة.‏

وهكذا تميّز رد فعل الإدارة الأمريكية بالهدوء في حزيران على الهجوم الاسرائيلي القاتل على سفن كانت متوجهة إلى غزة. وبعد ذلك رحّب أوباما بنتنياهو بحرارة بالغة لدى استقباله في البيت الأبيض في تموز الماضي. وتقول أحد المصادر: (عندما تم إصلاح العلاقات كان من السهل أن تنجح هذه القناة وتكون ناجحة).‏

=======================

الدور الأميركي «المحجوب» في إصدار وعد بلفور

مهدي الدجاني

السفير

2-11-2010

من الحقائق التي لم تحظ بانتشار يتناسب مع خطورتها أن الإدارة الأميركية التي كان يرأسها ويسلون (1913-1921) شاركت في صياغة وعد بلفور. وقد نجحت دراسات أن تميط اللثام عن دور ويلسون ومستشاريه في صياغة الوعد منها الدراسة التي قام بها هشام أحمد المعنونة «جذور إنكار الحق: الموقف الأميركي من حق تقرير المصير للفلسطينيين من وعد بلفور إلى الحرب العالمية الثانية».

فقد تبين أن حاييم وايزمان استفاد من جهود أصدقاء ويلسون وأبرزهم لويس برانديس وإدوارد مانديل هاوس في إقناع ويلسون بمضمون الوعد والوصول به إلى المشاركة في صياغته. ويلاحظ أن بعض أعضاء إدارة ويلسون كانوا يرفضون الصهيونية، مما جعل برانديس وهاوس يتوخيان الهدوء في صياغة الوعد. أما برانديس فهو من كبار مؤسسي الصهيونية. وقد عينه ويلسون قاضياً بالمحكمة العليا ليكون أول قاض يهودي صهيوني فيها. وأما هاوس فكان الأقرب إلى ويلسون، ونظراً لمكانته العالية فقد أشرف على عملية إعداد أجندة أميركا الإستراتيجية المستقبلية. كان من التعديلات التي أجريت في واشنطن في ما يتصل بنص وعد بلفور اعتماد عبارة Jewish People عوضاً عن عبارة Jewish Race لتجنب إثارة قضية: من هو اليهودي؟ كما تمت إضافة العبارة الأخيرة بالوعد التي تنص على وجوب عدم تهديد حقوق اليهود السياسية ووضعهم السياسي في أي بلد آخر.

وقد آثر ويلسون أن يبقى دوره طي الكتمان كي لا تغضب تركيا التي كان يريد منها الخروج من الحرب العالمية، كانت الولايات المتحدة قوةً صاعدةً، وكانت الإدارة البريطانية ترى في الحركة الصهيونية الجسر الذي سيفضي بها إلى التحالف مع أميركا. وخلال سنة إصدار وعد بلفور انعقد أمل الإدارة البريطانية أن يوظف يهود الولايات المتحدة نفوذهم في الضغط على الإدارة الأميركية لتدخل الحرب.

المثير أن إدارة ويلسون هذه هي نفسها التي أصدرت النقاط الأربع عشرة التي تروج فيها للمبادئ الداعمة لحرية الشعوب. وقد تم ذلك قبل أن يحُولَ حولٌ كاملٌ على صدور وعد بلفور. ويأتي على رأس هذه المبادئ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

هنا نجد أنفسنا أمام تناقضٍ. فنحن أمام إدارةً تمثل قوةً صاعدة تشارك في إصدار وعد يعد أداه لمحو شعبٍ من الوجود وفي نفس الوقت تقوم بإصدار نقاط تروج لمبادئ يُفترض أن تكون رافعةً لجهود الشعوب التي تتوخى التحرير من أغلال الاستلاب منها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. فكيف نفهم هذا التناقض؟

الحق أن الإدارة الأميركية رامت تحقيق غاياتٍ أخرى من النقاط الأربع عشرة. فأولا، أرادت توفير فكرةٍ قانونيةٍ إنسانيةٍ مقبولة تصلح مسوغاً لتفكيك الإمبراطوريات القائمة. فقد أرادت تحفيز شعوب الإمبراطوريات أن تثور لتكون ثورتها معولاً يحطم تلك الإمبراطوريات وهو ما يفسح المجال أمام الإمبراطورية الأميركية لتبدأ في نسج خيوطها الاستلابية حول تلك الشعوب. كما أرادت توفير لافتة أخلاقيةٍ لسياستها الجديدة. كما أرادت توفير إطارٍ دبلوماسي براقٍ يصلح لفرض تسوية مع ألمانيا. ويذكر أن طائرات التحالف قد ألقت بالمنشورات الحاوية للنقاط الأربع عشرة خلف خطوط القوات الألمانية لإقناعها بالاستسلام، فأصبحت النقاط أساساً لمؤتمر باريس الذي عقد في يونيو1919 وأساساً لمعاهدة فرساي المهينة.

باختصار، إن كلا من «إصدار الوعد» و«إصدار النقاط الأربع عشرة» هو «في حقيقته» عمل عدواني. على الرغم من ذلك، فإن قطاعات بالأمة ظلت تعول على «المطالبة الدبلوماسية» الرقيقة بوجوب تطبيق مبدأ حق تقرير المصير على شعب فلسطين. لكن قطاعات أخرى فطنت لحقيقة السياسات الأميركية وسعت لمواجهتها على نحو متصاعد.

أين تكمن أهمية هذا الاستحضار؟ تكمن في أنه يحيطنا بجذور موقف الإدارة الأكثر عدوانا اليوم بإزاء قضية فلسطين وتعاملها مع فكرة «الوعد المعطى لحليفٍ بنيوي». كما تكمن في أنه يساعدنا على إحسان التعامل مع فكرة «الوعد الزائف المعطى لشعب يعاني الاستلاب» التي استحدثتها تلك الإدارة على يد بوش الابن ثم استنسخها أوباما بعد تصرم عقود طويلة على وعد بلفور. فنحن عندما نود قياس مصداقية وعدٍ دبلوماسي لا بد أن نخضعه لقراءة سديدة لموازين القوى التي نبت في تربتها وحقيقة السياسات الأخرى المتزامنة التي تنتهجها الإدارة المعنية وعلاقتها به لنخرج من ذلك باستبطان رشيدٍ لحقيقته.

من الحقائق التي لم تحظ بانتشار يتناسب مع خطورتها أن الإدارة الأميركية التي كان يرأسها ويسلون (1913-1921) شاركت في صياغة وعد بلفور. وقد نجحت دراسات أن تميط اللثام عن دور ويلسون ومستشاريه في صياغة الوعد منها الدراسة التي قام بها هشام أحمد المعنونة «جذور إنكار الحق: الموقف الأميركي من حق تقرير المصير للفلسطينيين من وعد بلفور إلى الحرب العالمية الثانية».

فقد تبين أن حاييم وايزمان استفاد من جهود أصدقاء ويلسون وأبرزهم لويس برانديس وإدوارد مانديل هاوس في إقناع ويلسون بمضمون الوعد والوصول به إلى المشاركة في صياغته. ويلاحظ أن بعض أعضاء إدارة ويلسون كانوا يرفضون الصهيونية، مما جعل برانديس وهاوس يتوخيان الهدوء في صياغة الوعد. أما برانديس فهو من كبار مؤسسي الصهيونية. وقد عينه ويلسون قاضياً بالمحكمة العليا ليكون أول قاض يهودي صهيوني يعين فيها. وأما هاوس فكان الأقرب إلى ويلسون. ونظراً لمكانته العالية فقد أشرف على عملية إعداد أجندة أميركا الإستراتيجية المستقبلية. كان من التعديلات التي أجريت في واشنطن في ما يتصل بنص وعد بلفور اعتماد عبارة Jewish People عوضاً عن عبارة Jewish Race لتجنب إثارة قضية: من هو اليهودي؟ كما تمت إضافة العبارة الأخيرة بالوعد التي تنص على وجوب عدم تهديد حقوق اليهود السياسية ووضعهم السياسي في أي بلد آخر.

وقد آثر ويلسون أن يبقى دوره طي الكتمان كي لا تغضب تركيا التي كان يريد منها الخروج من الحرب العالمية. كانت الولايات المتحدة قوةً صاعدةً، وكانت الإدارة البريطانية ترى في الحركة الصهيونية الجسر الذي سيفضي بها إلى التحالف مع أميركا. وخلال سنة إصدار وعد بلفور انعقد أمل الإدارة البريطانية أن يوظف يهود الولايات المتحدة نفوذهم في الضغط على الإدارة الأميركية لتدخل الحرب.

المثير أن إدارة ويلسون هذه هي نفسها التي أصدرت النقاط الأربع عشرة التي تروج فيها للمبادئ الداعمة لحرية الشعوب. وقد تم ذلك قبل أن يحُولَ حولٌ كاملٌ على صدور وعد بلفور. ويأتي على رأس هذه المبادئ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

هنا نجد أنفسنا أمام تناقضٍ. فنحن أمام إدارةً تمثل قوةً صاعدة تشارك في إصدار وعد يعد أداةٌ لمحو شعبٍ من الوجود وفي نفس الوقت تقوم بإصدار نقاط تروج لمبادئ يُفترض أن تكون رافعةً لجهود الشعوب التي تتوخى التحرير من أغلال الاستلاب منها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. فكيف نفهم هذا التناقض؟

الحق أن الإدارة الأميركية رامت تحقيق غاياتٍ أخرى من النقاط الأربع عشرة. فأولا، أرادت توفير فكرةٍ قانونيةٍ إنسانيةٍ مقبولة تصلح مسوغاً لتفكيك الإمبراطوريات القائمة. فقد أرادت تحفيز شعوب الإمبراطوريات أن تثور لتكون ثورتها معولاً يحطم تلك الإمبراطوريات وهو ما يفسح المجال أمام الإمبراطورية الأميركية لتبدأ في نسج خيوطها الاستلابية حول تلك الشعوب. كما أرادت توفير لافتة أخلاقيةٍ لسياستها الجديدة. كما أرادت توفير إطارٍ دبلوماسي براقٍ يصلح لفرض تسوية مع ألمانيا. ويذكر أن طائرات التحالف قد ألقت بالمنشورات الحاوية للنقاط الأربع عشرة خلف خطوط القوات الألمانية لإقناعها بالاستسلام، فأصبحت النقاط أساساً لمؤتمر باريس الذي عقد في يونيو1919 وأساساً لمعاهدة فرساي المهينة.

باختصار، إن كلا من «إصدار الوعد» و«إصدار النقاط الأربع عشرة» هو «في حقيقته» عمل عدواني. على الرغم من ذلك، فإن قطاعات بالأمة ظلت تعول على «المطالبة الدبلوماسية» الرقيقة بوجوب تطبيق مبدأ حق تقرير المصير على شعب فلسطين. لكن قطاعات أخرى فطنت لحقيقة السياسات الأميركية وسعت لمواجهتها على نحو متصاعد.

أين تكمن أهمية هذا الاستحضار؟ تكمن في أنه يحيطنا بجذور موقف الإدارة الأكثر عدوانا اليوم بإزاء قضية فلسطين وتعاملها مع فكرة «الوعد المعطى لحليفٍ بنيوي». كما تكمن في أنه يساعدنا على إحسان التعامل مع فكرة «الوعد الزائف المعطى لشعب يعاني الاستلاب» التي استحدثتها تلك الإدارة على يد بوش الابن ثم استنسخها أوباما بعد تصرم عقود طويلة على وعد بلفور. فنحن عندما نود قياس مصداقية وعدٍ دبلوماسي لا بد أن نخضعه لقراءة سديدة لموازين القوى التي نبت في تربتها وحقيقة السياسات الأخرى المتزامنة التي تنتهجها الإدارة المعنية وعلاقتها به لنخرج من ذلك باستبطان رشيدٍ لحقيقته.

=======================

خلفيات التفرقة والوهن لدى العرب في العالم المعاصر (2)

جورج قرم

السفير

2-11-2010

الإشكاليات الداخلية، أعطيت بعداً إقليمياً ودولياً عندما تشابكت مع إشكاليات خارجية، يستعرضها الباحث جورج قرم في ما يلي:

2) استيراد الإشكاليات الخارجية

هناك نوعان من الإشكاليات المستورَدة لا تقل الأولى خطورةً عن الثانية، بلْ هي المدخل إلى استيراد النوع الثاني من الإشكاليات الخارجية. إنَّما قبل استعراض هذه الإشكاليات، لا بدَّ من وصف كيفية انتشارها في الثقافة العربية.

أ مراحل انتشار الإشكاليات

والمرجعيات الغربية الطابع في الوطن العربي

تأثَّرت النخب العربية إلى أبعد الحدود بالإشكاليات الفلسفية التي أنتجتها بكثافة الأدبيات الأوروبية ابتداءً من القرن السادس عشر. لكن يجب أن نفرّق بين مرحلتيْن مختلفتيْن من التأثر بالإشكاليات الأوروبية.

ففي المرحلة الأولى التي بدأت مع رحلة رفاعة رافع الطهطاوي عام 1826 إلى باريس، انحصر التأثر بالفلسفة السياسية الغربية على نخبة قليلة من علماء الدين وبعض المهتمين بالشأن العام من مقاطعات عربية مختلفة، كما بدأت في المغرب العربي بالنشاط الفكري لخير الدين التونسي (1820-1889) أو خير الدين باشا والشيخ بن باديس في الجزائر (1889-1940). وقد كانت مرحلة لفت فيها انتباه هذه النخبة العربية المنجزات السياسية والاقتصادية ومبادئ فسلفة التنوير التي كانت تقف وراءها، وقد ظهرت سجالات مهذبة وراقية بين شخصيات هذه النخبة حول ما يمكن استيراده من أنماط العلاقات الاجتماعية والمؤسسات السياسية المرافِقة لها التي أمَّنت تقدّم وازدهار المجتمعات الأوروبية، وما قد يخالف منها التعاليم الدينية أو التقاليد الراسخة. لكن في الإجمال، لم يظهر في هذه المرحلة أي رفض شامل لإنجازات أوروبا وما يرافقها من تحسُّن اقتصادي واجتماعي وليبرالية سياسية، سواءً تعلَّق الأمر بقضايا المرأة ووجودها الناشط في المجتمع، أو ما تعلَّق بمبدأ الانتخابات، وتراجع سلطة الملوك واستبدادهم، وكذلك تحسُّن وضع الفئات الشعبية عبر نشر التربية واهتمام الدولة والمجتمع المدني بالرعاية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمحدودة الدخل (...)

أما في المرحلة الثانية، ابتداءً من مرحلة استقلال الأقطار، أصبحت الأنظمة التربوية العربية تتوسع بشكل كبير. وقد دخلت العلوم الإنسانية في برامج الجامعات وفي معظم الأحيان أتت بشكل جاهز ومعلَّب من برامج التعليم في أوروبا أو في الولايات المتحدة؛ هذا بالإضافة إلى الأعداد المتزايدة من الطلاب العرب الذين تمَّ إرسالهم إلى الخارج للدراسة في الجامعات الأوروبية أو الأميركية المشهورة، وكذلك في جامعات الاتحاد السوفياتي أو دول أوروبا الشرقية الإشتراكية.

إنَّ هذا التطور الخطير لم يرافقه أي جهد داخلي نقدي لتكييف البرامج في العلوم الإنسانية لحاجيات وظروف البيئة العربية المحلية ومسارها التاريخي. وقد انبهر العديد من الطلاب العرب المتخرجين من الجامعات المحلية أو الأجنبية ببريق الفلسفات الأوروبية المنشأ. وتم اعتماد الإشكاليات المطروحة في هذه الفلسفات والنظريات الاقتصادية والسياسية والسوسيولوجية والدينية المتفرعة عنها دون أية نظرة نقدية لها.

ب أهم الإشكاليات الفلسفية التاريخية التي أثَّرت على الخلافات الداخلية العربية

تفاعلات إشكالية الأصالة والحداثة

وفي نظرنا أنَّ أخطر ما أُدْخِل في الثقافة العربية خلال هذه المرحلة هو الإشكالية بين الحداثة والأصالة التي مزَّقت الفكر الأوروبي خلال القرن التاسع عشر وأنتجت العديد من الأعمال الهذيانية الطابع في الثقافة الأوروبية، وهي أصبحت جزءاً محورياً من ثقافة النخبة العربية ولا سيّما عندما يتعلَّق الأمر بفلسفة هيغيل أم ماركس أم نيتشه أم فيبير، هذه الأسماء الكبيرة التي خيَّمت على الإنتاج الفلسفي الأوروبي وانتشاره عالمياً. وبطبيعة الحال أنَّ مفهوم الأصالة الذي لم يكن موجوداً في الكتابات العربية أساساً، أخذ ينتشر بسرعة فائقة في كل الأدبيات العربية، خاصةً السياسية منها، والروائية أيضاً. وقد أصبحت الأصالة ترمز إلى الحفاظ على التقاليد والقيَم الدينية كرابط مجتمعي قوي أمام الأثر التفتيتي للحداثة، أيْ التغيير المتسارع الناتج عن تغييرات اقتصادية واجتماعية عملاقة، أتت مع النفوذ الأوروبي المتعاظم، ومن ثم من الثورات الشعبية والعسكرية، ومن ثروة النفط المفاجئة ومن المعونات الخارجية السخية وعوامل أخرى لا حاجة إلى ذكرها هنا.

وهذا التطور الخطير ليس محصوراً بالمنطقة العربية، بلْ قد تم تصديره من أوروبا إلى سائر أنحاء العالم بدءاً من روسيا حيث انقسمت النخبة الروسية في القرن التاسع عشر انقساماً خطيراً بين أنصار الأصالة السلافية (Slavophile) والحفاظ على الديانة المسيحية الأرثوذكسية المذهب والتراتبية الاجتماعية التقليدية من جهة، وأنصار الفرْنَجة أو الأوْرَبة أو الاستغراب (Occidentaux)، من جهة أخرى؛ كما تمّ تصديرها إلى الشرق الأقصى من اليابان إلى الصين إلى الهند.

إنَّ تداول هذه الإشكالية قد سبب العديد من الانقسامات في كل الدول خارج أوروبا التي تداولت فيها عبر تحديث الأنظمة التعليمية في العلوم الإنسانية واستيراد البرامج التعليمية. والجدير بالإشارة إليه هنا أنَّ كلمة «حداثة» ومحتوياتها الواقعية أو التخيّلية يحيط بها في الفلسفات الأوروبية العديد من المشاعر والعواطف السلبية أو الإيجابية حولها، وبالتالي السلبية أو الإيجابية تجاه الماضي بكل مكوِّناته من ناحية التراتبيات الاجتماعية والأنظمة السياسية ودور الدين في المجتمع كعامل استقرار وشرعية لأنظمة الحكم الملكية، وكذلك الحفاظ على الأنساق المعمارية القديمة والبيئة الريفية.

فلنرَ الآن كيف تسببت تلك الإشكاليات الأوروبية بانقسامات كبيرة بين النخب العربية وسَّعت من نطاق الانقسامات الداخلية المصدر، خاصةً أنَّ إشكاليتيْن فرعيتيْن تفرّعتا في الثقافة العربية عن إشكالية الأصالة والحداثة، وما إشكالية فصل الحيّز الديني عن الحيّز المدني أو الدنيوي وإشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام.

والغريب في الأمر أنَّ الثقافة العربية خلال مسارها القديم لم تطوِّر أي نوع من الشعور بالتناقض بين القديم والجديد أو شعور الخوف من التطورات الدنيوية الكبيرة. والبرهان على ذلك التعريف الرائع الذي أعطاه العلاَّمة ابن خلدون للحداثة بمعنى مرور المراحل التاريخية وحصول التغيير، وهو تعريف واقعي موضوعي لا يعتمد إثارة العواطف عندما قال: «إنَّ أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنَّما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال»(1). كما أنَّ بالنسبة إلى ابن خلدون «إذا تبدَّلت الأحوال جملة، فكأنّما تبدل الخلق من أصله وتحوِّل العالم بأسره، وكأنَّه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدَث» (2). وما أوضح هذا التعريف للحداثة وهو تعريف حيادي منهجي لا يتأثَّر عند ابن خلدون بالتقييم الإيجابي أو السلبي حول تطور الزمن، ذلك أنَّ هذا التقييم هو الذي يؤدي اليوم إلى الخلافات العميقة بين العرب، كما أدّى في الماضي إلى الخلافات بين الأوروبيين أنفسهم، تجسَّد في كره متبادل ومتأجِّج بين أنصار الثورة الفرنسية وفلسفة الأنوار، وبين من كان يرى ضرورة بالتمسك بالقديم ومعتقداته ومؤسساته وتراتبياته الاجتماعية والسياسية ومعتقداته الدينية - التشريعية والمؤسساتية الجامعة الثابتة. وهذا أيضاً ما ولَّد في قارات أخرى الفتن الفتاكة كما حصل في روسيا مع الثورة البولشيفية، أو في الصين مع ثورة ماوتسي تونغ، وأيضاً في عالمنا العربي مع الانقلابات العسكرية والفكر الثوري العربي وحركات معادية ومعاكسة للتغيير الثوري.

ويظهر جلياً من كلام ابن خلدون أنَّ العرب تبدلت لديهم الأحوال بشكل كامل وتحوَّل العالم حولهم بأسره. وبالفعل، كما يزيد ابن خلدون، واجه العرب بانهيار السلطنة العثمانية وتأكيد تفوّق أوروبا العسكري والتقني والاقتصادي «عالماً محدَثاً». ولكن يبدو أنَّ العرب لم يعوا بالشكل الكافي أنَّ عالمهم القديم قد انهار تماماً وخلال بضعة عقود، وأنَّهم قد أُدْخِلوا مجدداً سيْرورة التاريخ التي كانوا قد خرجوا منها منذ نهاية الحروب الصليبية، عندما قبلوا بشكل نهائي بأنظمة حكم يمسكها الفاتحون المسلمون من الأصل التركي (المماليك ومن ثم العثمانيون).

وأمام هذا التغيير الشامل بدأت تمزقات الوجدان العربي بين الحماسة إلى ركب الحضارة الأوروبية التي أصبحت كونية الطابع ورفضها بأشكال مختلفة، وبشكل خاص عبر التقوقع على الهوية الدينية، وهي التي كانت قد منحت شرعية الحكم طوال قرون للمماليك والعثمانيين، بينما كان الأوروبيون الذين سيطروا على الديار العربية من بعد الحكم العثماني هم من ديانة مختلفة. ولذلك كان من الطبيعي أن يتجسَّد شعور الرفض للحكم الأوروبي لدى فئات معيَّنة من الشعب كما من النخبة المقاومة للحكم الأوروبي عن طريق إبراز اختلاف الهوية الدينية مع المستعمر وليس إبراز اختلاف الهوية القومية.

وقد رأى البعض من المثقفين العرب في حينه أنَّ ثورة الشريف حسين ضد الحكم العثماني بتحريض من بريطانيا نوعاً من الخيانة ضد الأمة في مفهومها الديني. وليس من المستغرب أن نرى إلى اليوم استعمال مفهوم الأمة مبهماً وغير دقيق، إذْ يشير في بعض الخطابات إلى الأمة بالمعنى الروحي والديني التي تشمل كل المسلمين في العالم، وإلى الأمة القومية التي تشتمل على العرب وخواصهم اللغوية والحضارية، وفي بعض الأحيان وتحت تأثير الأدبيات الأنتروبولوجية والإثنية الطابع أو الاستشراقية، والتركيز على الهويات الفرعية، العشائرية والقبلية أو المناطقية أو المذهبية أو العرقية.

وفي الحقيقة، أنا لا أفهم ماذا تعني الأصالة إذا أصبحت انحطاطاً وجموداً والنظرة إلى الوراء، أيْ إلى عهود ذهبية ولَّت بلا رجعة؛ فالشخص الذي يعيش في الفقر والأمية والبطالة لا يعطي أية أهمية للأصالة كما تراها النخب المثقّفة المعادِية للتغيير لأسباب مختلفة. ولهذا السبب، لا يمكن تجنُّب مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية وما تقتضيه من تغيير في بعض العادات الاجتماعية في أي مجتمع كان. غير أنَّ المحتوى الديني في مفهوم الأصالة قد تجذَّر عند بعض العرب من خلال توظيف الدين في المعترك السياسي الحديث بجعل المجتمع الإسلامي الأوَّل، أي مجتمع المدينة أيام النبي، النموذج الذي يجب أن نعود لنتقيَّد به بكل حذافيره الموروثة، متخيَّلةً كانت أم حقيقية؛ مع الإشارة إلى أنه مهما تطورت أساليب علم التاريخ، فلا أحد من الأحياء كان موجوداً في حينه للتأكُّد من صحة أقوال النصوص التاريخية القديمة والنصوص التراثية الطابع. والمهم هنا أن يحافظ الإنسان على تماسُك هويته، وهذا التماسك مستحيل حيت تتفكك الهوية إلى عناصر مختلفة متناقضة بسبب تمزقات فلسفية تاريخية، وهذا هو ما يميِّز سلباً الوضع العربي اليوم.

[ محاضرة ألقيت في الصالون الدولي الخامس عشر للكتاب في الجزائر

هوامش

(1) إنَّ الاقتباسات من كتابات ابن خلدون منقولة عن الدراسة القيِّمة التي وضعها الدكتور ناصيف نصار ونُشِرَت بعنوان «ابن خلدون في منظور الحداثة» في مجلة المستقبل العربي، العدد 334، بيروت، كانون الأوَّل/ ديسمبر 2006.

(2) أنظر المرجع المذكور سابقاً.

(للبحث صلة)

=======================

أوباما وأساطير الانتخابات النصيفة للكونغرس الأميركي

المستقبل - الثلاثاء 2 تشرين الثاني 2010

العدد 3819 - رأي و فكر - صفحة 22

مأمون كيوان

ستجري في أوائل هذا الشهر عملية إعادة انتخاب 435 مقعداً في مجلس النواب و37 مقعداً في مجلس الشيوخ. وتعد انتخابات التجديد النصفي طقساً ديموقراطياً أميركياً خاصاً إذ إن معظم الديموقراطيات تختار مشرعيها وقياداتها التنفيذية في الوقت نفسه، وقد أدت الى ولادة مقولات سياسية عديدة حول دلالاتها ونتائجها. إلا أن عدداً من هذه المقولات المنتشرة، هي مجرد خمس أساطير إن لم تكن خرافات.

وقد دحضت الصحافة الأميركية تلك الأساطير الخمس على النحو الآتي:

1 الانتخابات النصفية تسمح بتوقّع نتائج الانتخابات الرئاسية المستقبلية: تتحدد هذه الانتخابات الى حد كبير بعوامل قصيرة الأجل، بما في ذلك شعبية الرئيس والوضع الاقتصادي. ونتيجة لذلك، فإنها نادراً ما تشير الى اتجاهات طويلة الأمد، ولا قيمة لها في توقع نتائج الانتخابات الرئاسية أو التشريعية اللاحقة. والرؤساء الذين لحقت بهم خسائر كبيرة في الانتخابات النصفية، كهاري ترومان في العام 1946 ورونالد ريغان في العام 1982 وبيل كلينتون في العام 1994، أعيد انتخابهم بسهولة بعد ذلك بعامين. لذا، حتى لو حقق الجمهوريون مكاسب كبيرة في العام 2010 كما هو متوقع على نطاق واسع، فإن الأمر لن يقول لنا شيئاً عما سيحدث في العام 2012. وعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي لحقت بالجمهوريين قبل عامين، يبدو أنهم مرتاحون إزاء آفاق العودة بقوة في العام 2010.

2 الفوز لن يحالف أصحاب المناصب: نسمع هذه المقولة، كلما تزامنت انتخابات التجديد النصفي مع انتشار واسع لاستياء الناخبين. ولكن الواقع، أنه حتى عندما لا يبدو الناخبون سعداء، يتم انتخاب الغالبية العظمى من شاغلي المناصب في كلا الحزبين. وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي تظهر انخفاضاً في التأييد الشعبي هذا العام، فلم يخسر سوى عدد قليل من شاغلي المناصب مقاعدهم في الانتخابات التمهيدية. وفي حين يتوقع أن تكبّد الجولة الثانية خسائر أكبر من المقاعد، ليس من المتوقع أن يخرج أكثر من 10 في المئة من أعضاء البرلمان.

وغالباً ما ينتمي الأعضاء الذين يخسرون مقاعدهم في الانتخابات النصفية، الى حزب الرئيس، ففي العام 1994، خلال عهد بيل كلينتون الرئاسي، لم يخسر سوى أصحاب المقاعد الديموقراطية فيما خسر الجمهوريون في العام 2006 خلال ولاية جورج بوش الثانية. أما هذا العام، فمن المرجح ان يكون معظم "الضحايا" من الديموقراطيين.

3 - رسالة الرئيس تلعب دوراً بارزاً: ليس لرسالة الرئيس الأميركي من تأثير يذكر على انتخابات التجديد النصفي. واذا كان الناخبون غير راضين عن رئيسهم واقتصاد بلادهم. فسيعجز حتى اصحاب الكاريزما السياسية كالرئيس الأسبق رونالد ريغان عن منع تكبد حزبه خسائر. وينطبق الأمر نفسه على مستشاري الرئاسة، اذ بدا كارل روف عبقرياً في العام 2002 لأن تأييداً عاماً وقوياً رافق الرئيس بوش في أعقاب هجمات 11 ايلول 2001، غير ان عبقريته زالت بعد ذلك بأربع سنوات، يوم لم يعد الناخب الأميركي راضياً عن رئيسه وحربه على العراق.

وقد تتأثر بعض المقاعد الفردية برسالة الرئيس. وفي عام كهذا، يشكل الفارق بين خسارة الديموقراطيين 35 مقعداً، أو خسارتهم 40، الفارق ما بين رئاسة نانسي بيلوسي أو الجمهوري جون بوهنر للبرلمان، بالرغم من ذلك، لا يرجح ان يتمكن الرئيس باراك أوباما من تغيير الكثير خلال الأشهر القليلة المقبلة، فالصورة تكاد تكون قد اكتملت.

4 - الاقتصاد هو العامل الأهم: ليست هذه المقولة، صحيحة دائماً، انخفاض الاقتصاد يشوه عموماً صورة حزب الرئيس. ويسهم في خسارة هذا الحزب في انتخابات التجديد النصفي. لكن ضعف الاقتصاد لا يعني تلقائياً كارثة انتخابية، وخاصة اذا كان الناخبون منشغلين بمشاكل أخرى مثل الحروب أو الفضائح.

وهذا العام، قد يلعب الاقتصاد دوراً بارزاً في الانتخابات النصفية، فنتيجة الانهيار الاقتصادي، وأموال الانقاذ المالي التي أغنت المصارف والمؤسسات الكبرى، اضافة الى التعافي البطيء والبطالة المرتفعة، يبدو ان العامل الاقتصادي عاد الى الواجهة مجدداً.

ويذكر، ان اصحاب الثروات من الأميركيين يضخون مبالغ مالية طائلة في الانتخابات النيابية الحالية كما لم يسبق لهم ان فعلوا اية انتخابات سابقة، وفي حين يحظى الحزب الجمهوري بحصة الأسد، يحشد الديموقراطيون بدورهم الملايين، مجسّدين واقع أن الحزبين ليسا إلا أدوات سياسية في يد الأرستقراطية المالية.

مهّد لهذه الموجة من التبذير قرار المحكمة العليا الأميركية الصادر في كانون الثاني الماضي في قضية "يونايتد" والذي قلب تقليداً دام 80 عاماً. فقد أجاز للنقابات والجمعيات التبرّع بمبالغ غير محدودة لدعم المرشحين.

وآلت هذه التشريعات لظهور فجائي لبعض المنظمات ذات الأسماء الرنّانة والمضلّلة، ك"صندوق مستقبل أميركا"، و"أميركيون لأجل ضمان العمل"، والمموّلة من قبل أثرياء ورجال أعمال. وتكمن مهمة هذه المنظمات بشن هجمات دعائية واسعة على منافسي مرشحيهم المفضلين. ووجد تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أن مصروف هذه المنظمات بلغ في العام 2010 خمسة أضعاف ما كان قد صُرف في الانتخابات الفصلية في العام 2006. وكانت شركتان تابعتان للجمهوريين قد صرف كل منهما، 18 مليون دولار في الحملة الدعائية الحالية.

5 الانتخابات النصفية تمنح سلطة الإدارة: قد تشكل نتائج التصويت في جميع أنحاء البلاد رسالة موحدة تحمل حكماً شعبياً على الحزب الحاكم، من المرجح أن يكون سلبياً. لكن الحزب الفائز، يسعى غالباً الى استخدام هذه النتائج وتصويرها موافقة شعبية على أهدافه السياسية.

وإذا فاز الجمهوريون في تشرين الثاني المقبل، فلا شك أنهم سيحاجون بأن في ذلك، ما يفوضهم بمتابعة أجندتهم الخاصة، والعمل ضد أجندة الرئيس. لكن قرارات كهذه قد تعود سلباً على الحزب الفائز، هو ما حدث في العام 1994 يوم ربح الجمهوريون مقاعد الكونغرس بقيادة نيوت غينغريتش وتصرفوا كما لو لم يكن للرئيس أي أهمية، وكأنهم المسؤولون عن الحكومة ومشاريعها، ما أعطى الرئيس كلينتون فرصة لتصوير الجمهوريين على أنهم متعجرفون ومتطرفون، ما ساهم في انتخابه لولاية ثانية في العام 1996.

=======================

تهويد القدس: المرحلة النهائية إسقاط المسجد الأقصى !!

المستقبل - الثلاثاء 2 تشرين الثاني 2010

العدد 3819 - رأي و فكر - صفحة 22

جيروم شاهين

كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، الأسبوع الفائت، عن حصولها على صور فوتوغرافية توضح الحجم الكبير لحفريات ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في مناطق أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه الملاصق على امتداد مئات الأمتار. وتدل الصور على أن هناك شبكة من الأنفاق والحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه وأن هناك مخططا لربط هذه الأنفاق ونسبتها إلى تاريخ عبري في المواقع المشار إليها. ويشمل هذا المخطط بناء إنشاءات جديدة لتستخدم مراكز تهويدية وتلمودية وأخرى مراكز أمنية للجيش والشرطة.

وقالت إن الحفريات في عمق الأرض في المنطقة الملاصقة للحرم القدسي أظهرت آثاراً من العهد الاموي والعهدين الأيوبي والمملوكي، لكن الاحتلال الإسرائيلي يدعي أنه عثر فيها على مكتشفات أثرية ترجع الى ما يطلق عليه عصر الهيكل الأول والثاني.

منذ اكثر من ثلاثة آلاف سنة تشكل اورشليم عصب التلاقي والافتراق لشعوب المنطقة المجاورة لها. واذا كانت مدن بقدمها على ساحل البحر المتوسط لا يشكل تاريخها مشكلة، فان تاريخ القدس هو لب المسألة التي طرح اشكاليتها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين.

ليس ثابتا تاريخيا ان القدس مدينة يهودية، فعلاقة اليهود بها عارضة وتقتصر على مراحل متفرقة من تاريخ قديم، حتى ان أصل اسمها كنعاني مركب من اسمين هما: يوري شليم اي مدينة السلام. وكانت الأرض التي تقع عليها القدس تعرف بأرض كنعان، حتى ان ابرهيم في هجرته من العراق يقول انه وصل إلى ارض كنعان واقام خارجها.

ويتضح من الكتابات التاريخية ان العرب على اختلاف قبائلهم سكنوا أرض فلسطين قبل اليهود، منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة وعلى مراحل متواصلة، سواء اكان الكنعانيون فيها حين قيل ان شعبا يدعى فلسطو غزاها من البحر واقام فيها واعطاها اسمه، فانها في التوراة تعرف بأرض كنعان، اي ان ساكينها كنعانيون. والمؤكد ان اليهود وصلوا إلى تلك البقعة الجغرافية وسكنوا في مناطق منها على مراحل متقطعة لا تتجاوز المرحلة المئة سنة. حتى ان عالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فلنكشتاين المعروف بأبي الآثار، يشكك في وجود اي صلة لليهود بالقدس.

وموضوع تهويد القدس حاليا لا ينفصل عن مسار صهيوني متواصل منذ احتلال فلسطين عام 1948.

اتسعت مساحة القدس من خمسة آلاف متر مربع في الحي اليهودي الذي كانت تسكنه تسعون أسرة يهودية عام 1948، الى آلاف الكيلومترات حالياً مع تغليب الطابع اليهودي عليها. وقد اتخذت السلطات الإسرائيلية سلسلة خطوات لتهويد القدس بعد احتلالها عام 1948، ولا سيما شطرها الشرقي عام 1967 حيث بدأت عملية التهويد تدعمها قرارات صادرة عن الكنيست الإسرائيلي تصب في هذا الهدف.

وأبرز هذه الخطوات مصادرة الأراضي خارج سور المدينة القديمة وإنشاء مستوطنات عليها لتشكل حزاما يهوديا حولها يحاصر بقية العرب فيها ويدفع بهم إلى الرحيل، وليس هذا الحزام الوحيد بل تقام أحزمة من المستوطنات في ثلاثة مواقع حول القدس.

ومنذ حلول بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية في نيسان عام 2009 باشر خطة استيطانية جديدة في القدس شكلت حجر عثرة في مسار المفاوضات، مستندا إلى قرارات اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتطبيق إجراءات التهويد وتسهيله.

أما آليات تهويد القدس فتعتمد على أنماط من التزوير والطمس للمعالم الدينية الإسلامية والمسيحية، بدأت عام 1948 بهدم عشرات المساجد في القرى المدمرة والمهجرة، ثم اعتماد أسلوب طمس المعالم الدينية في القدس بغية تهويدها بتحويلها من مسجد إلى كنيس كمسجد النبي داود ومسجد النبي صموئيل ومسجد خليل الرحمن وغيرها.

وأبرز الاعتداءات تقع على المسجد الأقصى الرمز الإسلامي الأول في القدس، وتمثلت في الخطوات الآتية:

- السيطرة على حائط البراق وتحويله إلى "حائط المبكى".

- هدم "حارة المغاربة" المجاورة للحائط في 10 حزيران 1967.

- احراق المسجد الاقصى في 21 آب 1969.

- اجراء حفريات بذرائع مختلفة تحت المسجد الاقصى بغاية انهياره.

- منع ترميم المسجد منذ عام 1967.

لقد تبنت الحكومات الإسرائيلية سياسة تهويد القدس بسلسلة إجراءات واعتداءات على أهل المدينة، وعلى الأماكن المقدسة إسلامية ومسيحية، حتى لم تبق حارة او زاوية في القدس الا وتعرضت للحفريات، فاذا اكتشفت آثار إسلامية تلقى الإهمال والضياع وحتى التدمير ولا توثق. وكان أهم الانتهاكات والاعتداءات وأخطرها الشروع في تنفيذ مخططات الحفريات تحت أساسات البلدة القديمة والأماكن المقدسة بذريعة الكشف عن التاريخ اليهودي وهيكل سليمان، ولكن الهدف الحقيقي لهذه الحفريات تصديع هذه المعالم والتسبب بانهيارها.

لقد استخدمت الحكومة الإسرائيلية كل الإمكانات المتوافرة لديها واتخذت القرارات ووضعت المشاريع ونفذتها بكل الوسائل والأدوات من أجل تنفيذ عملية تهويد القدس وما زالت مستمرة، وهي تنجز في المرحلة الأخيرة جزءا اضافيا من مخططات التهويد ولن يكون الأخير منذ اتخذت قرارها بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ثم قرار نتنياهو الاخير بتهويد إسرائيل وهي الخطوة الأكثر خطورة.

=======================

قرارات اليونسكو والموقف الأميركي

ابراهيم العبسي

Ibrahim.absi@yahoo.com

الرأي الاردنية

2-11-2010

اتخذ المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو المختصة بالتربية والثقافة والعلوم والتراث الإنساني في منظمة الامم المتحدة قبل ايام عددا من القرارات الجريئة والشجاعة التي تتعلق بالحقوق الثقافية والتراثية والانسانية الفلسطينية التي تدعي اسرائيل بانها جزء من تاريخها اليهودي وتراثها التلمودي. والمواقع هي القدس العربية وما تحتويه من معالم ثقافية وتاريخية عربية وفلسطينية واسلامية وانسانية، وباب المغاربة في القدس العربية ذاتها ، والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، ومسجد بلال في بيت لحم الذي يدعي اليهود بانه قبة راحيل. اذ اعتبر المجلس التنفيذي لليونسكو ان هذه المواقع جزء من حضارة وثقافة وتراث الشعب الفلسطيني ولا حق لليهود فيها على الاطلاق. وللامانة نقول ان ذلك لم يكن ليتحقق لولا الجهود العربية الهائلة التي رمت بثقلها في هذا المجال، والتي اعتبرها المراقبون نجاحا ودليلا على امكانية نجاح الدول العربية في مجالات اخرى فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي. وبالطبع كان ذلك النجاح صدمة كبيرة بالنسبة للمندوب الاسرائيلي في اليونسكو واكبر من صدمة بالنسبة للمندوب الاميركي الذي فقد اتزانه الديبلوماسي وبدأ مثل الكاوبوي يهدد اعضاء المجلس التنفيذي بالعقوبات السافرة ويلوح بقطع المعونات المالية عن بلدانهم ، اذ كيف يتخذ هؤلاء الصغار قرارات تعارضها امريكا التي تفرد ظلها الاسود على هذا الكوكب وفي مقدمته منظمة الامم المتحدة بكافة هيئاتها الاقليمية والدولية!!

 

الا ان احدا من اعضاء المنظمة لم يرف له جفن وبدأ الزهو على معظمهم كونهم انتصروا لهذا الحق التراثي والثقافي والإنساني الفلسطيني ضد مزاعم اسرائيل الباطلة المدعومة من البعبع الاميركي، في الوقت الذي انعقد فيه لسان المندوب الإسرائيلي وبدا المندوب الاميركي وهو في قمة الغيظ والغضب.

 

هذه هي اميركا وهذا هو الموقف الاميركي التقليدي المعادي للقضايا العربية خصوصا القضية الفلسطينية هذا العداء النابع من العداء الصهيوني للقضايا العربية والقضية الفلسطينية تحديدا. فالموقف الاميركي تابع للموقف الاسرائيلي فما ترفضه اسرائيل تسارع الولايات المتحدة لرفضه موظفة في ذلك نفوذها القوي وامكانياتها الرهيبة لصالح اسرائيل.

 

فاذا كان هذا هو الموقف الاميركي من قضايا تتعلق بالتراث الحضاري والثقافي الفلسطيني، فما الذي يمكن ان يكون عليه الموقف الاميركي غدا عند بحث القضايا المصيرية بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي تسمى بقضايا الحل النهائي التي تعتبر جوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي!!

 

من المؤكد ان واشنطن لن تتخلى عن ثوابتها التقليدية في مساندة ودعم الرؤيا الاسرائيلية العدوانية والباطلة تماما كما كانت طوال العقود الماضية... ومثال قريب على ذلك لمن يتوهمون بحدوث متغيرات في السياسات الاميركية

 

نذكر فقط برسالة الضمانات التي ارسلها اوباما الى نتنياهو وتعهد فيها باحباط الاعتراف بالدولة الفلسطينية عند عرضها في مجلس الامن الدولي.

=======================

قانون الولاء لإسرائيل من تعاليم الشيطان

أيوب سالم عالية

الرأي الاردنية

2-11-2010

قانون المواطنة أو الولاء لاسرائيل، ومثله قانون الرب اليهودي القاضي بانهم (أي اليهود) الشعب المختار، ويمنحهم فلسطين، تلاهما شيطان واحد. ولما كان قانون المواطنة العنصري استفزازيا، فانه سينقل حياة فلسطينيي الداخل من ازمة إلى ازمة، باعتبار انه يستهدفهم بشكل رئيسي، فقد تنادت مجموعة من مثقفيهم إلى تأليف «جبهة عربية يهودية موحدة» ذات خطاب جديد، يقوم على مبدأ «التشاركية» بين العرب واليهود.

 

ويرى هؤلاء ان هذه الجبهة اذا قُدر لها النجاح، فانها قادرة على تفريغ قانون الولاء من مضمونه، او على الاقل كسر حدته.. لكنني اتساءل من يضمن ان لا تئد اسرائيل هذه الجبهة، كما استطاعت في الماضي وأد المشاريع العربية؟ وان كان الامر كذلك، فيجب ان تكون هذه «التشاركية» حقيقية واقعية وملموسة وليست وهمية، بالتساوي بين فلسطينيي الداخل واليهود، خصوصا وان فلسطينيي الداخل ظلوا يعيشون منذ النكبة في كيان عنصري، ينفي وجود الاخرين، ويسرق موروثهم، وينبذ التعددية التي يراها خطرا محدقا به.

 

ولتحقق هذه الجبهة الاختراق المطلوب وتتنفس بكل قوة، يتطلب ان تكون ذات قاعدة عريضة، تشارك فيها جميع الاطياف السياسية والمجتمعية والدينية الفلسطينية واليهودية، وذات امتداد عربي وعالمي رسمي وشعبي.

 

ولكي نصل إلى الوعي القيمي المستهدف، فانه من الطبيعي أن تكون هناك برامج عملية، تخاطب العقل والمجتمع اليهودي والعالمي، وان تستوعب التاريخ، وان تعبر عن كل المعادلات بوضوح، وبحلول واقعية.. لذا فعلى القائمين عليها ان يتمتعوا بالخبرة الواسعة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل وفي القانون الدولي، وعلى دراية واسعة بالعقل الإسرائيلي، وكيفية تشكيله، وبتلك القوانين المتعلقة خصوصا بالفلسطينيين، وان تكون لهم امتدادات واسعة من العلاقات الشخصية في الداخل والخارج، وما دام الامر كذلك، وبسبب الدافع الذي تكونت منه، فلا بد ان تستمد افكارها ومبادئها من شرعية الوجود الفلسطيني في ارضه، لان قانون المواطنة او الولاء يلغي هذه الشرعية التي لا تؤخذ من نتنياهو او ليبرمان. ونظرا لطبيعة اهداف هذه الجبهة، وكينونة تشكيلها، فانه يُفترض ان لا تكون هناك سلطة اعلى من سلطتها، وان تتمتع بشخصية مستقلة، تملك حرية الحركة الحقيقية لكي تتجنب العمل في الظل.

 

ومسألة الدعم المالي لهذه الجبهة، يمثل شريان الحياة ويجب ان يؤخذ ذلك بعين العناية بالتوازن مع الدعم المعنوي والسياسي العربي الشعبي والرسمي.. واعتقد ان مثل هذه الجبهة، بقدراتها المتعددة، وبالكفاءات العالية، وبقاعدتها العريضة، سوف تتمكن، وبعيدا عن الاستقطاب، ان تخوض التحديات التي جاءت من اجلها ومقارعة الصهيونية التي لا مفر من تحديها.

=======================

الاستيطان الصهيوني ليس موقفا سياسيا

فؤاد دبور

الدستور

2-11-2010

 ربطت السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات المباشرة مع حكومة العدو الصهيوني برئاسة الإرهابي بنيامين نتنياهو بتجميد الاستيطان الصهيوني في الأرض العربية المحتلة اثر عدوان الخامس من حزيران عام م1967 لأشهر معدودة لا تزيد في حدها الأعلى عن ثلاثة أشهر لكن حكومة العدو ترفض هذا الشرط وتستمر في توسيع المستعمرات الاستيطانية القائمة وبخاصة في محيط مدينة القدس. والاستيطان بحد ذاته يعني قيام غرباء بالاستيلاء على ارض الغير وإنشاء مستعمرات فوقها من اجل إسكان المهاجرين اليهود الذين يتم استيرادهم من دول عديدة في هذا العالم بعد طرد أصحاب الارض الأصليين باستخدام كل الوسائل وفي مقدمتها القوة وارتكاب المجازر والمذابح الدموية وتشكل العملية الاستيطانية الركن الأساسي لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين العربية في المشروع الصهيوني الذي وضعت أسسه الحركة الصهيونية في مؤتمرها الأول الذي تم عقده في مدينة بال السويسرية عام م1897 بقيادة تيودور هيرتسل ، الذي أكد على إقامة وطن "للشعب اليهودي" في فلسطين العربية عبر الاستيلاء على أرضها بذريعة دينية مزيفة "ارض الميعاد" وقد أكد في كتابه "دولة اليهود" على أهمية الاستعمار الاستيطاني لأرض فلسطين بعد ترحيل العرب عنها كهدف للحركة الصهيونية "ان ا لحركة الصهيونية منذ نشأتها كحركة سياسية وضعت أمامها هدف الاستيلاء على اكبر مساحة من الأرض لإقامة دولة يهودية عليها". بمعنى ان قضية الاستيطان الصهيوني في فلسطين ليست موقفا سياسيا بل هي في حقيقة الأمر قضية إستراتيجية في الفكر والمشروع الصهيوني الذي يعتمد على عنصرين أساسيين ، الاستيلاء على الأرض واستقدام المهاجرين لاستيطان هذه الأرض.

 

وإذا ما عدنا إلى تسلسل التاريخ من بعد المؤتمر الصهيوني الأول نجد ان اليهود والصهاينة قد ركزوا جهودهم نحو تحقيق هذين الركنين الأساسيين ورصدوا المال اللازم ومن اجل ذلك وعملوا على بناء القوة اللازمة أيضا لتحقيق هدفهم الاستراتيجي ، "الدولة اليهودية" حيث انشأ اليهود الصندوق القومي اليهودي ووضعوا خططا للاستيلاء على الأرض باستخدام المال لكن ورغم ما أغدقوه من أموال فلم ينجحوا في تحقيق هدفهم حيث كان ما تم الحصول عليه من أراض لا يتجاوز 2% من ارض فلسطين قبل صدور وعد بلفور البريطاني ووقوع فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني التي سهلت لليهود عملية الاستيلاء على الأرض الفلسطينية مما رفع مساحة الأرض التي استولى عليها اليهود حتى عام م1948 إلى ما يقارب 7% فقط من مساحة ارض فلسطين أقاموا عليها ما يقارب الثلاثماية مستعمرة استيطانية ، وتم ذلك كما أسلفنا بدعم من الاستعمار البريطاني الذي أسهم في تحقيق التوسع الجغرافي والديمغرافي لليهود في فلسطين وعمل على ترسيخ وجودهم بهدف إيجاد امر واقع يتم التسليم به فلسطينيا وعربيا قبل انتهاء فترة الانتداب مثلما هيأ الاستعمار البريطاني كل وسائل القوة العسكرية للصهاينة وذلك من خلال ترك سلاحه للصهاينة قبل مغادرته فلسطين مما مكنهم من إقامة كيانهم عبر الحرب العدوانية التي شنتها المنظمات الإرهابية الصهيونية ضد العرب أصحاب الارض وقد أسفرت هذه الحرب عن إنشاء الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني فوق %78 من فلسطين في الخامس عشر من أيار عام م1948 ، حيث اخذ الصهاينة بإنشاء المستعمرات الاستيطانية فوق هذه الأرض بعد طرد أصحابها الأصليين وهدم معظم مدنهم وقراهم وكانت الحرب العدوانية في الخامس من حزيران عام م1967 والتي استطاع الصهاينة من خلالها احتلال كامل ارض فلسطين العربية مما أتاح الفرصة أمامهم لاستكمال مشروعهم الاستعماري التوسعي الاستيطاني الاجلائي الاحلالي حيث بدأوا من الأيام الأولى بعد العدوان على ضم مدينة القدس ومساحات واسعة من الأرض الفلسطينية من حولها وإقامة المستعمرات الاستيطانية تمهيدا لتهويد المدينة المقدسة والمقدسات وما حولها من ا حياء وارض ، كما اخذوا ببناء مستعمرات استيطانية في العديد من المناطق في الضفة الغربية المحتلة وبخاصة حول مدينة الخليل وبيت لحم ونابلس ورام الله كما أقدم الصهاينة على ضم الجولان العربي السوري المحتل اثر هذا العدوان وإقامة المستعمرات الاستيطانية على أرضه.

 

ان هذه الإجراءات الصهيونية الاستيطانية تؤكد على ان الكيان الصهيوني عبارة عن تكوين استيطاني يهودي تشكل عبر الاستيلاء على الأرض العربية وطرد أصحابها بالقوة وإحلال مكانهم جماعات سكانية يهودية غريبة متعددة الأصول والأعراق وهم ينظرون إلى العملية الاستيطانية باعتبارها عنصر حياة ووسيلة حل للمسألة اليهودية عبر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وقطع صلتها التاريخية بأصحابها الأصليين واستقدام يهود العالم إلى فلسطين ، باعتبارها ، على حد زعمهم ، ارض الشعب اليهودي ، ومن هنا نستطيع ان نشير إلى القوانين التي أصدرتها حكومات العدو الصهيوني والتي من شأنها التخلص من العرب الفلسطينيين عبر طردهم من أرضهم وبكل الوسائل والتي كان أخرها صدور قانون ما يسمى بالجنسية والمواطنة من جهة وقيام قطعان المستوطنين بمحاولات يائسة لطرد السكان العرب من مدنهم وقراهم مثلما حصل في مدينة أم الفحم قبل أيام وقرية كفر قاسم بعد ذلك حيث تأتي هذه الأفعال الإجرامية العنصرية في سياق تهويد ارض فلسطين العربية عبر نفي وجود الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه ماديا ومعنويا.

 

تأتي هذه الإجراءات والتشريعات والاعتداءات الوحشية من اجل ان تصبح فلسطين قاعدة آمنة للمشروع الصهيوني وهذا لا يمكن ان يتم دون الاستيطان والتهويد وعليه فإن الصهاينة يصرون على رفض مجرد تجميد الاستيطان لمدة محدودة لأنهم يدركون جيدا ابعاد مشروعهم الاستيطاني الذي يشكل أساس تحقيق أهداف هذا المشروع في إقامة الدولة اليهودية ، القاعدة اللازمة لتجميع اليهود حيث يحكمون سيطرتهم على الأرض ويستمرون في ممارسة الإرهاب والإبادة للسكان العرب والانطلاق بعد ذلك لاستكمال أهداف مشروعهم في الهيمنة على المنطقة بأسرها بهدف نهب ثرواتها بالتشارك مع الداعم الأساسي لهم ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية.

 

ومن الطبيعي انه عندما يتم اضطهاد وقتل وحصار وتجويع وطرد السكان الأصليين وعندما تفشل كل الوسائل والأساليب التي يسمونها المفاوضات والاتفاقيات مع العدو وبخاصة أوسلو وملحقاتها وتفشل كل المشاريع التي تم طرحها لإيجاد حل يعيد الحقوق لأصحابها فإن أصحاب الحقوق هؤلاء لا يجدون أمامهم سوى الطريق الوحيد الصحيح لاستعادة أرضهم ووطنهم وحقوقهم وكرامتهم وحريتهم وإقامة دولتهم عن طريق المقاومة والكفاح والجهاد ضد الأعداء الغاصبين ولمواجهة الغول الاستيطاني ووحشية المستوطنين الذين يستخدمون اشد الأساليب الوحشية والعنصرية والإرهاب ضد العرب لإذلالهم وكسر إرادتهم ودفعهم إلى الاستسلام والهروب أمام غطرسة القوة الصهيونية.

 

نعود لنؤكد على ان المشروع الصهيوني الهادف إلى إقامة "دولة اليهود" في فلسطين يرتكز على اغتصاب الأرض واستقدام الإنسان اليهودي من الخارج ، ولن يتغير هذا المشروع ولن تتبدل أهدافه مما يجعلنا نؤكد على أهمية وعي حقائق هذا المشروع والتصدي له عبر بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية المستندة إلى المقاومة وبناء الموقف العربي الواحد الداعم لهذه المقاومة ومدها بكل أسباب القوة والقدرة على المواجهة ، وقد أثبتت الاحداث ومجرياتها قدرة المقاومة على إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني مثلما حصل في لبنان وفلسطين وبخاصة في قطاع غزة.

=======================

الإيباك تصنع القرارات الخاصة بالشرق الأوسط

أ. د. علي الهيل

2010-11-01

القدس العربي

إن نحن سلَّمنا بما أثبته جون ميرشيمار وستيفن ولت في كتابهما 'اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية'، بالدليل القاطع والبرهان الساطع، وهو أمر معلوم من الداخل الأمريكي بالضرورة، أنَّ الإيباك (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة) وردهاتها أو لوبياتها (الإسرائيلية) الصهيونية، سواء تلك التي في داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو تلك التي في دول الاتحاد الأوروبي، بنسب متفاوتة، هي التي تصنع القرارات الخاصة بالشرق الأوسط وبشكل دقيق في الصراع الفلسطيني الصهيوني وفي العراق وفي مجمل العالم العربي، وإسلاميا في أفغانستان وباكستان على وجه الخصوص، في السر والعلن وإن لم يَبد ذلك ظاهرا دائما على السطح، فإنَّ ويكيليكس يفترض، لنقل ذلك على الأقل، أن تقرأ تسريباتها ضمن هذا المنظور الميريشيماري/الولتي. وآخرون كثرٌ في الغرب قاطبةً طرحوا مثل هذا الطرح قبل وبعد ميرشيمار وولت.

غير أن أسباب شهرة كتاب ميرشيمار وولت بالتحديد، التي ضربت الآفاق يمكن أن تعود إلى أن الكتاب صدر في عام 2006، وهو توقيت حرج لوضع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو المتردي عسكريا في العراق وأفغانستان، وحتى تاريخه وإلى هزيمة الإيباك أي (إسرائيل) والغرب على يد فصيل في لبنان وهو'حزب الله' وتنامي القوة الإقليمية لإيران نجاد وسخط الشارع الغربي على الحربين في العراق وأفغانستان وتململ الاقتصاديين ودافعي الضرائب الأمريكيين من التكلفة العالية للحربين، التي وصلت سنتئذٍ إلى زهاء التريليونين (أي ألفي مليار دولار) واستمرار تصاعد خطر (القاعدة) ضد المصالح الغربية و(إسرائيل) في العراق وافريقيا واليمن وغيرها من أجل خدمة (أكذوبة) الأمن (الإسرائيلي) الصهيوني المهدَّد أو بمعنىً أدق أمن وديمومة تأثير الإيباك وهيمنته، إضافة إلى سمعة المفكرين ميرشيمار وولت الأكاديمية وصدقية طرحهما الفكري في جامعة هارفارد والجامعات الأبرز الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، بالإضافة إلى تدخل الإيباك مباشرة في صنع القرار الغربي في ما يتعلق بالشرق الأوسط لمصلحة (إسرائيل) حتى لو أجمع العالم كله على إدانتها في الجرائم الواضحة، مثل حرب غزة والاعتداء على سفن قافلة الحرية في المياه الدولية واغتيال المبحوح على أيدي عملاء (الموساد) في دبي باستعمال جوازات سفر أوروبية وكندية مزورة وغيرها من الأمثلة، فقد أشار كتاب ميرشيمار وولت إلى كيفية إطلاق الإيباك لمنظماتها مثل (مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي والرباعية الدولية ومحكمة الجرائم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان... إلخ) للكيل بمكيالين، مكيالٍ (لإسرائيل) وآخر مجحفٍ للعرب وللمسلمين لصالح (إسرائيل)، وويكيليكس ليست خروجا على ذلك، وإن تم نفي مثل هذا الارتباط من قِبل مؤسسها جوليان اسانج.

لما كانت الإيباك كما مر بنا في مقالات سابقة تقرر من سيكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فهو أو هي لا يمكن أن يرشح نفسه إلا إذا صادقت عليه الإيباك، بل وسائر التعيينات في القضاء وفي منصب العمدة ورئاسة المجالس البلدية وغيرها لا بد من أن تمر من خلال مصفاة (فلتر) الإيباك، فإن الإيباك ما كانت لتسمح بتسريبات، وهي ليست كذلك، بل هي معلومات قديمة بَيدَ أن الإيباك أعطتها صفة 'تسريبات' لمحاولة الإيهام، لويكيليكس ما لم يكن للإيباك مأربٌ أو مآرب. وفي هذه الحالة استعملت الإيباك عصاها ويكيليكس لتحقيق مآربها.

وكما فعلت الإيباك قبل غزو العراق للتحريض على إزالة نظام صدام الذي بدأ بالقرار الأحادي غير الشرعي (باعتبار أنه لم يصدر عن إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين عدا الولايات المتحدة الأمريكية وتابعتها بريطانيا) بغزو العراق والحرب عليه واحتلاله، اتخذ في أقبية الإيباك وأمليَ على المحافظين الجدد بوش الابن ورامسفيلد وغيرهما بحكم أنهم الأقرب أيديولوجيا للصهيونية وعقيدة الإيباك؟ وقبل العراق غزو واحتلال وشن الحرب على أفغانستان، الآن تعمل الإيباك بعد أن قضت من العراق وطَرا.

إذن، الإيباك هي التي أدخلت الغرب إلى العراق وشنقت، وإن بدا بشكل غير مباشر، صدام أسوة بالملك فيصل وعبد الناصر وبومدين وذي الفقار علي بوتو وغيرهم الكثير، استنفدت أغراضها في العراق فقد اغتالت معظم العلماء والنوويين العراقيين وأفقرت العراق بالفساد الإداري والمالي وزرعت الفتنة بين طوائف البلد الواحد، بحيث لن يستطيع أن ينبس ببنت شفة واحدة ضد (إسرائيل) دعك عن أي شيء آخر وسلَّحت ال PKK الكردي ودربته ليكون شوكة في خاصرة تركيا / إردوغان.

إن الإيباك تمهد بتسريبات ويكيليكس لتأجيج مشاعر الشارع الأمريكي والغربي والتعجيل بانسحاب أمريكي مبكر، ومعها ما تبقى من دول الناتو من العراق ليتسنى للإيباك التركيز على إيران وتركيا وسورية وحزب الله وحماس والجهاد، ورياح التغيير التي بدأت تهب على المنطقة العربية وكلها ليست في صالح (إسرائيل)، فالملك محمد السادس في تطور نوعي وغير مسبوق رفض استقبال شيمعون بيريز ولبنان استقبل محمود احمدي نجاد ضاربا عرض الحائط التهديدات الصهيونية والأمريكية والغربية الفرنسية بالتحديد، ومن لبنان وجه نجاد أعنف هجوم على (إسرائيل) والولايات المتحدة والغرب، وسورية وإيران والسعودية وتركيا (ساست) بدأت تشكل 'مظلة أمنية فوق لبنان'، كما قال نبيه بري من باريس، مفوتة الفرصة على الإيباك و(إسرائيل) والغرب لمذهبة لبنان وإدخالها مرة أخرى في نفق مظلم، وهوغو شافيز (عدو الإيباك رقم 1 في أمريكا اللاتينية) جاء الى دمشق وشن منها هجوما غير مسبوق على (إسرائيل) والولايات المتحدة واستهزأ بهما وبالغرب طويلاً وأثلج صدور السوريين الذين لم يكفوا عن التصفيق وعن القهقهات العالية، وإردوغان يوم 16 تشرين الأول/اكتوبر وجه هجوما لاذعا على الولايات المتحدة من إسلام أباد نتيجة موقفها المتخاذل من الاعتداء (الإسرائيلي) على مواطنيه الأتراك في المياه الدولية وقتلهم بدم بارد يوم الحادي والثلاثين من أيار/مايو، وأمير قطر من لندن أعلنها مدوية يوم 28 تشرين الأول/اكتوبر أن دولة قطر لن تسمح للأمريكان استعمال قاعدة (الِعديد) الجوية لمحاربة إيران. كل هذا التجرؤ على الغرب وهو تجرؤ نوعي وتطور غير مسبوق ومن خلاله على الإيباك و(إسرائيل) تنظر إليه الإيباك بعيون قلقة.

' كاتب قطري

professoralialhail@qatar.net.qa

=======================

حروب بالأصالة وبالوكالة!

ميشيل كيلو

2010-11-01

القدس العربي

مرت إستراتيجية الحرب بالوكالة بمراحل متتابعة في بلداننا العربية، فقد بدأت بخلفيات دولية: كحرب غير مباشرة بين الامريكيين والسوفييت، ثم تعربت مع انتصار امريكا النسبي في عقب الهزيمة التي حلت بالعرب في حزيران/يونيو من عام 1967، وهي اليوم متعددة الأطراف: عربية/عربية، وإيرانية/عربية، وأمريكية/إيرانية، وامريكية/عربية. في السنوات الأخيرة، بلغت درجة من العمومية صار المرء يخشى معها أن تنشب في كل مدينة وقرية وحي وبيت عندنا.

والحرب بالوكالة مصطلح يصف امتناع قوى متعادية عن خوض حرب مباشرة بين جيوشها، وقيامها بتكليف جيوش بلدان أو قوى أخرى بشن هذه الحرب، فهي إذن حرب بالواسطة، غير مباشرة، بين قوى لا تستطيع أو لا تريد خوض قتال مباشر بين جيوشها، وحرب مباشرة بين أدواتهم وأتباعهم في الدول المتحاربة. وقديما قدم جنرال بروسي كاره للحرب تعريفا طريفا وعميقا لها، عندما قال: الحرب فعل عنيف يقتتل خلاله أناس لا يعرفون بعضهم ولا عداوة بينهم لمصلحة أناس يعرفون بعضهم جيدا وبينهم عداوة راسخة. في الحرب غير المباشرة، الحرب بالواسطة، يقتتل بالفعل أناس ليس ثمة مسوغات كافية لنشوب الحرب بينهم، لمصلحة آخرين،هم في منطقتنا قوى خارجية أساسا، لا حل لمشكلاتهم بغير العنف والقتل: بالحرب التي نخوضها بأمر منهم.

لعل أكثر أشكال الحروب بالواسطة هي الحرب التي شنتها الصهيونية على العرب بعد استيلائها على فلسطين عام 1948، ومرت في طورين:

- حرب غربية/امريكية بدرجات متفاوتة، استهدفت العرب، استخدم لخوضها جيش صهيوني/يهودي قام بالمهمة المطلوبة، محققا جملة أغراض إستراتيجية مرسومة بدقة، وهدفا صهيونيا مباشرا وخاصا هو إقامة دولة يهودية في فلسطين، تذرع مؤسسوها بحق إلهي ترتب على وعد إلهي ما، لكن مستشار الشؤون الاقتصادية لدى رئيس وزراء الصهاينة الحالي، نتنياهو، قال قبل أيام كلاما فائق الخطورة وكاشفا حول الهدف من إقامة لكيان الإسرائيلي، عندما صرح في 'مؤتمر الطاقة والأعمال لعام 2010'، الذي عقد خلال يومي 21 و22 من شهر تشرين أول/اكتوبر الجاري، محذرا قومه من 'أن بقاء إسرائيل مرتبط ببقاء سعر النفط تحت حد معين، وإلا عنى ارتفاعه فوق هذا الحد أن بقاءها لن يكون مجديا للعالم'!! (لا حق ولا وعد إلهي ولا من يحزنون بل نفط غربي وكلاب حراسة للنفط الغربي). بهزيمة العرب في هذه الحرب، وتقرب بعضهم من المعسكر الآخر، المعادي للرأسمالية الغربية، كما مثله السوفييت، بدأت:

- حرب غير مباشرة: غربية/سوفييتية، طرفاها المباشران الصهاينة والعرب. لا ينفي هذا بطبيعة الحال أن الطرف الفلسطيني/العربي لم يحارب نيابة عن السوفييت، بل قاتل خلال الساعات القليلة التي قاتل فيها !-، دفاعا عن نفسه ضد هجوم الغرب وامريكا المتواصل عليه بواسطة الجيش الإسرائيلي، وأن السوفييت دعموه في إطار صراعهم الكوني مع الرأسمالية وليس لأنهم أرادوا إزالة إسرائيل أو كسر شوكة امريكا. لقد حاولوا امتصاص بعض فائض القوة الامريكي، وعملوا على إزعاج امريكا في الشرق الأوسط، منطقة النفط، وعلى الحد من خطورة هزائم العرب عليهم وعلى نظامهم، ورسموا لأنفسهم دورا يفيد من قدرات العرب في الصراع الدولي، دون أن يكلفوا العرب بالقتال نيابة عنهم أو لصالحهم. بالمقابل، واصلت إسرائيل لعب دورها الكامل كطرف يخوض حربا بالوساطة لمصلحة امريكا وبتكليف منها، وتحت إشرافها المباشر في أحيان كثيرة، كما كان الحال قبل وخلال حرب حزيران، وحتى اليوم.

مع هزيمة حزيران، وقع تحول نوعي في الصراع الإسرائيلي ضد العرب (لم أؤمن في حياتي للحظة واحدة بوجود صراع عربي ضد إسرائيل: لو صارع العرب إسرائيل حقا، لما كان هناك اليوم إسرائيل!)، فقد انتقل العرب منذ أواسط السبعينيات إلى تجفيف وتجميد صراعهم مع إسرائيل، وافتتاح مرحلة صراعات وحروب عربية/عربية مدعومة من أطراف دولية متناقضة، انطوت معها صفحة القدر الزهيد جدا من صراعهم، الإعلامي والكلامي أساسا، ضد إسرائيل، دون أن تطوي ولو ليوم واحد صفحة الصراع الإسرائيلي ضدهم أو تتغير وظيفته الأصلية: فرض رقابة وثيقة، عبر القوة والردع، بصور مباشرة وغير مباشرة على المنطقة المجاورة وإركاعها، مع التمسك بالاحتلال وسيلة لإركاعها. في هذه الحقبة، التي تغطي اليوم معظم بلداننا العربية، خاضت البلدان والدول والنظم والإمارات والدويلات والدساكر العربية حربا غير مباشرة، بالواسطة، لأسباب وذرائع تافهة غالبا تتصل بالغنائم والنفوذ استخدمت فيها قوى محلية تكلفت بعمليات القتل المنظم والعشوائي في مناطقها، بعد أن تلقت من 'الأشقاء'كل ما يلزم للذبح والإبادة من أسلحة وأموال ومقاتلين. ومن يراقب اليوم 'الوطن العربي' سيصاب بالذهول مما سيراه من عداء مستحكم بين أبناء قوم يقال إنهم إخوة وينتمون إلى أمة واحدة أو مجتمع واحد، وسيرى انقسامهم واستعدادهم للقتال في كل مدينة وحي وقرية، وسيقف حائرا أمام انتشار هذه الحرب الزماني والمكاني، وحماسة النظم للانخراط فيها، وإيمان مواطنيها أن الآخر، الجار والقريب، هو العدو وان لا نجاة لهم بغير إبادته، في حين تحول الأعداء والمحتلون إما إلى وسطاء بين المتقاتلين، أو انخرطوا في القتال إلى جانب هذه الطرف أو ذاك، أو بين الأطراف جميعها، فهم مع الجميع وضد الجميع في آن معا، ولا شيء يثير اهتمامهم قدر استمرار الحرب المستعرة واتساع نطاقها وإطاحتها بما بقي من أواصر طبيعية وعادية بين العرب: أمة ودولا وأفرادا.

في المرحلة الأخيرة، أي في أيامنا الراهنة، دخلت القوى الإقليمية على خط الحروب بالواسطة، فصرنا أوفر شعوب الأرض ثراء بالعنف المتبادل، الذي يشمل الآن حروب الغرب: المباشرة وغير المباشرة، وحروب العرب : المباشرة وبالواسطة، وحروب القوى الإقليمية، دون أن ننسى طبعا الحروب الداخلية الدائرة، أو المرشحة للانفجار على طول العالم العربي وعرضه، وتعد بدورها حروبا بالواسطة، ستكون طويلة وقابلة للتوسع وبلا حدود، كما تخبرنا تجربة العراق، والصومال واليمن وقريبا السودان ولبنان، ناهيك عن فلسطين.

عندما تجد نظم الحكم الشرعية نفسها في مواجهة خطر الحرب بالواسطة، فإنها تسعى إلى:

- توحيد صفوفها والمسارعة إلى حل خلافاتها، كي تضيق أو تلغي قدرة خصومها وأعدائها على الإفادة مما يمكن أن يثور بينها من أزمات أو مشكلات، تمكن الآخرين من إثارة الحرب بينها.

- تحصين داخلها ضد أي اختراق خارجي، وإزالة نقاط الضعف التي يمكّن استغلالها الخارج من إثارة وتأجيج التناقضات بين مواطنيها، وتاليا دفعهم إلى ارتكاب أعمال عنف بعضهم ضد بعض، قد تنتهي إلى حرب يتدخل فيها ويديرها ويفيد منها الآخرون.

- العمل من خلال الهيئات والمنظمات والقوانين الدولية، وبواسطة تحالفات خارجية وإقليمية، على تقييد يد الخارج ومنعه من التدخل في الشأن الخاص، وجعل ثمن تدخله باهظا ورادعا بالنسبة إليه.

لم تقصر نظمنا، غير الشرعية، في تفتيت صفوف دولها على النطاق القومي، وفي العمل بعضها ضد بعض لصالح أعدائها في الداخل والخارج، وإنما امتنعت أيضا بعناد جنوني عن إصلاح أوضاعها وإزالة ما فيها من نقاط ضعف يمكن أن تنقلب إلى اختراقات محتملة. وبدل أن تلجأ إلى القانون الدولي والمنظمات الشرعية العالمية، لجأ كل واحد منها إلى الدول المعادية واستقوى بها على النظم 'الشقيقة' وشعوبها. لا أظنني بحاجة إلى أمثلة، فهي أكثر من الهم على القلب، ويعرفها كل مواطن، مهما كان عازفا عن السياسة.

والآن: هل يمكن أن يقول عاقل بفشل امريكا في إثارة الفوضى عندنا، إذا كنا نخوض كل هذه الحروب مباشرة وبالواسطة، وكان كل من هب ودب من جيراننا الأقربين وأعدائنا الأبعدين يستطيع متى شاء إثارة الفتن والمشكلات والحروب عندنا؟. وكان نمط 'اللانظام 'العربي السائد حصينا ضد العلاقات الطبيعية بين دوله وشعوبه، وضد المصالحة مع الدول والمجتمعات العربية، ومصفحا ضد الشرعية وتطبيق القانون: دوليا كان أم وطنيا أم محليا؟. أليس وجود هذا الكم من الخلافات والتناقضات والحروب المباشرة وغير المباشرة دليلا دامغا على سقوط النظام السابق إلى حضيض 'اللانظام' الحالي؟. أخيرا: هل لهذا 'اللانظام' أي أسم آخر يصفه ويليق به غير الفوضى، خلاقة كانت، أي من صنع امريكا، أم غير خلاقة، أي من صنعه هو؟.

' كاتب وسياسي من سورية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ