ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 02/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

إذا كانت فلسطين لم توقظهم فجبال تورا بورا لن تفعل

الإثنين, 01 نوفمبر 2010

جهاد الخازن

الحياة

إذا كانت حملتي الشخصية على إدارة بوش وعصابة الحرب على العراق واليمين الأميركي المتواطئ الى درجة المشاركة في الجريمة «تحصيل حاصل»، فهي ما ينتظر من أي مواطن ينتصر لأبناء أمته وللإنسانية نفسها، فإن الجزء الأكبر من غضبي وإحباطي وخيبة أملي بالنفس البشرية استهدف المسلمين أنفسهم والميديا الليبرالية الأميركية وفشلهما في منع الحرب ثم في المطالبة بالعدالة لضحاياها.

يفترض في المجرم أن يرتكب جريمة، وهو ما فعل الليكوديون وطلاب الامبراطورية الأميركية الذين أداروا جورج بوش وإدارته، ولكن ماذا يفترض في أهل الضحية؟ إذا كانوا عاجزين عن منع الجريمة، أو الانتقام لشهدائهم، فلا أقل من أن يطلبوا حكم العدالة في الموضوع.

العرب والمسلمون لم يحاولوا منع الجريمة ضد شعب العراق (ولا أقول نظام صدام حسين المجرم)، ثم عجزوا عن وقفها بعد بدئها، ولا يزالون حتى اليوم أعجز من أن يذهبوا الى محكمة جرائم الحرب الدولية طلباً لمحاكمة المجرمين.

الموقف العاجز هذا يتجاوز العدالة المجردة، فهو يشجع كل طامع باحتلال بلادهم علناً أو بالسيطرة عليها سراً. وقد وجدت الحرب على طالبان مبررة بعد إرهاب 11/9/2001، إلا أن القوات الغازية لم تقتل الإرهابيين من القاعدة أو تعتقلهم لأنها كانت بحاجة الى بقائهم لتبرر الحرب على الإرهاب، وغزو العراق بالتالي، فكان أن أصبح الاحتلال من نوع الإرهاب الذي ذهب للقضاء عليه.

على الأقل خيبة أملي بالعرب والمسلمين لم تكن كبيرة لأنني لم أتوقع لهم أن يفيقوا من سباتهم، وإذا كانت فلسطين والقدس والمسجد الأقصى لم توقظهم فإن جبال تورا بورا ووادي سوات لن تفعل.

ما صدمني كثيراً وهزّ قناعات قديمة عندي كان موقف الميديا الليبرالية الأميركية. وتحديداً «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» فهما ليبراليتان، وكل منهما مدرسة في الصحافة الرصينة، والأولى عندي ارتبط اسمها دائماً بأوراق البنتاغون سنة 1971، والثانية بفضيحة ووترغيت في أواسط السبعينات.

الجريدتان أيدتا الحرب على العراق ضمناً إن لم يكن صراحة، والأسباب كانت، ولا تزال، إسرائيلية ونفطية. ولا أصدق أن «نيويورك تايمز» خدعت بمراسلتها جوديث ميلر والمنشقين العراقيين الكذبة، وإنما هي أفسحت لهم المجال لإيجاد جوّ مؤيد للحرب. وكان هذا موقف «واشنطن بوست» الليبرالية في كل شيء إلا عندما يكون الموضوع اسرائيل، وبعض كتّاب صفحة الرأي فيها من أحقر الليكوديين أعداء كل مصلحة أميركية.

اليوم الجريدتان لا تزالان على الموقف نفسه، والوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، وهي دليل قاطع آخر على جريمة الحرب، لم تجد من الجريدتين سوى الانتقاد والتحليل الانتقائي، ولعلهما رأتا في الوثائق ما يدين تواطؤهما فاختارتا حالة إنكار واضحة الأسباب.

الوثائق الجديدة تثبت ما نعرف عن قتل مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وتعذيب سجناء في أبو غريب ومعتقلات أخرى إلا أن الجريدة التي نشرت أوراق البنتاغون وذهبت الى المحاكم لمواصلة النشر اختارت أن تنشر معلومات عن بعض الوثائق، ومعها تحقيق مع مؤسس ويكيليكس دانيال سانغ بدا فيه وكأنه مطلوب للعدالة مهووس بأمنه الشخصي ورفاقه يتنكرون له ومنظمة العفو الدولية وصحافيون بلا حدود تهاجمانه لكشْفِه أسماء متعاونين مع القوات الأميركية ما يعرضهم للخطر (كما قلت أمس هذا كذب لأن 70 ألف وثيقة عن أفغانستان نشرت في الصيف لم تؤد الى موت متعاون واحد).

ونقلت افتتاحية في «واشنطن بوست» عن «نيويورك تايمز» أن الوثائق لم تكشف شيئاً جديداً، فالقتل والتعذيب والجرائم الأخرى غطيت في حينها، والجريدتان اختارتا التركيز على دور إيران في مساعدة المسلحين في العراق من دون أن تقولا إن الاحتلال كان سبب عودة إيران الى العراق بعد أن هزمها صدام حسين هزيمة كبرى في الحرب بين البلدين.

«واشنطن بوست» قالت في افتتاحيتها إن «تسريبات ويكيليكس تؤكد بشكل عام التغطية الصحافية السابقة»، وأراها تؤكد أيضاً تقصير الصحافة الليبرالية في كشف تزوير أسباب الحرب على العراق لمنع الإدارة من شنها في جريمة قتل فيها 4500 أميركي مع مئات ألوف العراقيين.

العرب والمسلمون ربما عذروا لأنهم فاشلون أصلاً، أما الصحافة الليبرالية الأميركية فلا عذر لها سنة 2003 أو اليوم.

=====================

التغيير في واشنطن يغير قواعد اللعبة في الإقليم؟

الإثنين, 01 نوفمبر 2010

جورج سمعان

تبدو الأوضاع في المنطقة، خصوصاً في لبنان والعراق، كأنها تعود إلى المربع الأول. سقط الرهان على التسويات وأنصاف الحلول بما هي بديل من الانفجار والحسم، أو تأجيل لهما في أحسن الأحوال. الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله أطلق الرصاصة الأولى على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لم ينتظر مجلس الوزراء. تجاوز المعالجات الدائرة لملفي شهود الزور والقرار الظني المتوقع صدوره عن المدعي العام دانيال بلمار. وجاءه الرد سريعاً بجملة من المواقف الدولية المنددة، أبرزها من واشنطن ونيويورك. وحملة من الاتهامات لإيران وسورية بتقويض الاستقرار في لبنان ووضع اليد عليه. وتحولت المحكمة ساحة متقدمة في المواجهة الدائرة في المنطقة. لم تنفع كل المحاولات لتحييدها عن هذا الصراع... وليست «حادثة العيادة الطبية» سوى رسالة رمزية تؤشر إلى الآتي الأعظم.

منذ أن أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وضع المقاومة في لبنان في خط النار الأول ل «جبهة مقاومة الشعوب» في مواجهة «المشروع الأميركي – الاسرائيلي»، من سورية وفلسطين والعراق إلى تركيا فإيران... بدا واضحاً أنه يمنح سلاحها «شرعية اقليمية» ويقيم له وزناً وازناً في ميزان القوى الإقليمي، ويرفعه عن طاولة البحث والنقاش في الساحة الداخلية اللبنانية. لذلك لم يكن متوقعاً من «حزب الله» غير إطلاق النار على المحكمة الدولية التي رأى إليها من زمن أنها تجاوزت أهدافها وباتت أداة من أدوات السعي إلى تشويه صورته والقضاء على سلاحه بما هو عنصر لتطويع خصومه السياسيين وبسط سيطرته الداخلية. أي أن الحزب نظر وينظر إلى القرار الظني رصاصة الإنطلاق في الهجمة السياسية إقليمياً ودولياً على هذا السلاح. ولا يخفي الحزب مخاوفه من أن يتيح القرار مبررات لإسرائيل من أجل رد الاعتبار إلى جيشها وما خسره في حرب تموز (يوليو) 2006.

ولم يتوان القلقون من دور «حزب الله» وموقعه الاستراتيجي في المواجهة، كما أعاد تحديده الرئيس الإيراني، عن تأكيد تمسكهم بالمحكمة. وما دام ان الجميع، بمن فيهم الحزب، يتحدثون عن مضمون القرار الظني وما سيحمله من اتهامات فلا بأس من تحويل القرار سلاحاً لخصوم «المحور الإيراني». واللافت في الجولة الحالية من الصراع على المحكمة هذه «العودة» الأميركية المتجددة إلى لبنان على وقع المواقف المنددة بسورية وإيران، والتي تشبه الحملة التي واكبت إطلاق المفاوضات، غير المباشرة ثم المباشرة، بين الفلسطينيين والاسرائيليين أوائل السنة. فهل مناسبة «العودة» ممارسة الضغوط في لبنان لتسهيل بعض المقايضات في العراق؟ أم أن مقتضيات معركة الانتخابات الأميركية فرضت مثل هذه الحملة الموقتة... وفيها ما فيها من محاولة إرضاء لليمين الاسرائيلي الذي يرفع لواء «المواجهة المصيرية» مع إيران؟

المهم أن انقسام اللبنانيين على المحكمة، وانسداد الأفق أمام أي مخرج سياسي، يذكران بالأجواء التي كانت سائدة عشية 7 أيار (مايو) 2008 وأدت إلى ما أدت إليه. ف «حزب الله» أقفل الباب أمام أي احتمال لحلول وسط في شأن المحكمة. ولا يأبه لزج لبنان بمواجهة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ويرفض مجرد الحديث عن امكان طرح سلاحه في أي مقايضة أو مساومة... يعني ذلك أنه لن يتردد في تكرار تجربة 8 أيار إذا وجد ذلك خياراً لا مفر منه. علماً أن الوضع اليوم مختلف عما كان قبل سنتين. فسورية أعادت شبكة علاقاتها السابقة بالأطراف اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين ناصبوها العداء إثر اغتيال الرئيس الحريري. وقد أبدى الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة حرصه على الحكومة برئاسة الحريري، مقروناً بالدعوة إلى تحرك يفضي في النهاية إلى التخلي عن المحكمة.

إنطلاقاً من هذا الوضع المختلف لا يمكن سورية أن تتجاهل اليوم ما يعنيه سكوتها على إطلاق يد الحزب في لبنان، أميركياً ودولياً وعربياً وتركياً. مثلما لا يمكنها أن تتجاهل معنى أن يتحول الحزب المرجعية الأولى في بيروت... إلا إذا كان غرق لبنان في الفوضى مناسبة لعودتها بلا منازع إلى إدارة شؤونه. وهو ما يعيدها قبلة للباحثين عن حل لمستقبل التسوية في المنطقة ومستقبل المقاومة أيضاً. إلا إذا كان الحرص الذي يبديه الرئيس الأسد على الحريري وحكومته هو من باب غسل اليدين سلفاً مما قد يواجهه اللبنانيون قريباً.

أما في العراق، فلا بد من انتظار الردود على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز القيادات العراقية إلى لقاء في الرياض بعد موسم الحج لإيجاد مخرج من الأزمة السياسية برعاية الجامعة العربية. لم تأتِ هذه المبادرة لتأكيد ما هو معروف من فشل لكل المساعي التي بذلت حتى الآن لتشكيل الحكومة. ولم تأتِ لقطع الطريق على الآمال التي علقت على مبادرات «التحالف الكردستاني». فهذه شابها الكثير من التفاؤل وتواجه الكثير من العقبات، وإن لم تخفق بعد. جاءت لتؤكد، في المقام الأول، أن الرياض، ومعها معظم شركائها في الجامعة، لم تسلم ولن تسلم بالهيمنة الإيرانية الكاملة على الإدارة في بغداد. بل هي مستعدة لأداء دور كابح ولاجم. كما لو أن «الكفالة» العربية التي أعطيت لسورية لم تفلح في إقامة نوع من التوازن بين التأثيرين العربي والإيراني في العراق.

وتدرك الجمهورية الاسلامية معنى مشاركتها المملكة العربية السعودية في أكثر من ملف، من لبنان إلى باكستان وأفغانستان مروراً بالعراق وفلسطين. وتقيم لذلك حساباً. لذلك لا يمكنها أن تتجاهل مصالح المملكة في الإقليم، خصوصاً العراق، البوابة الأساس لدول الخليج قبل أن يكون «البوابة الشرقية» للعالم العربي. ولا يغيب عن بالها أن الرياض لم تكن مرتاحة يوم جلس الأميركيون والإيرانيون في بغداد قبل سنوات للبحث في مستقبل هذا البلد. وتعرف أيضاً أن المملكة لم تهضم بأي شكل من الأشكال احتلال صدام الكويت، وما كان يمكن أن يمثله من خلل في موازين القوى. وأن ما رفضته يومها لحماية مصالحها الحيوية السياسية والاقتصادية النفطية لا يمكن أن تقبل به اليوم أياً كان الظرف. أي أنها لا يمكن أن تسلم بهذا الطوق الإيراني، من العراق إلى غزة ولبنان... فحدودها الجنوبية مع اليمن. كما أن سياسة الاتصال الهاتفي المطمئن التي يحرص عليها الرئيس أحمدي نجاد مع الملك عبدالله لا تبدد المخاوف مما يرسم للعراق وما يجري في لبنان، وفي فلسطين أيضاً... وحتى في كابول حيث وصلت «المساعدات» إلى الرئيس كارزاي نفسه!

وإذا كانت المملكة رأت - بخلاف مصر مثلاً - أن سياسة القطيعة مع سورية أضرت بمصالح البلدين وموقعيهما، وراعت دمشق في خاصرتها اللبنانية، فإنها لا يمكن أن تركن إلى الخلل الراهن في ميزان القوى الاقليمي لمصلحة إيران. لأن نجاح الجمهورية الاسلامية في إحكام سيطرتها على العراق ومن بعده لبنان يسهل عليها الهيمنة على منطقة الخليج بأكملها، ويحولها الدولة الإقليمية الكبرى، واللاعب الرئيس في حل أزماتها وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فضلاً عما يمكن أن تحركه هذه الهيمنة من طموحات مكبوتة للتجمعات السكانية الشيعية في معظم دول مجلس التعاون. و «رسائل» الرياض كثيرة في هذا المجال. وليس آخرها المناورات السعودية - المصرية المشتركة. وصفقة التسلح الكبيرة بين الرياض وواشنطن لرفع قدرات القوات السعودية.

يبقى أن المشهد الجديد في لبنان والعراق يسبق المشهد الأميركي الجديد الذي يتوقع أن ترسمه نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس. فإذا صدقت التوقعات - وهو المرجح - فإن ميزان قوى حزبياً جديداً في واشنطن سيترك انعكاسه على السياسة الخارجية. الأمر الذي سيعيد خلط الكثير من الأوراق، وسيدفع معظم اللاعبين في المنطقة إلى إعادة النظر في حساباتهم... وإعادة تموضعهم واصطفافهم. لذلك يبدو أن اللاعبين في المنطقة باتوا يستعجلون حسم ما لم يعد يحتمل تأجيلاً، من بيروت إلى بغداد. كما أن كلا المشهدين يسبقان إعلان قرب استئناف جلسة مفاوضات قد تكون مفصلية بين الجمهورية الاسلامية والدول الست حول الملف النووي منتصف هذا الشهر... وباتت هي الأخرى تحتاج إلى حسم.

=====================

«ربما الضحايا يستحقون ذلك»!

د. بثينة شعبان

الرأي العام

1-11-2010

الضجّة الكبرى التي أثيرت حول الوثائق التي سرّبها موقع «ويكيليكز» التي تكشف جرائم الحرب الأميركية على العراق، تثير في النفس مشاعر متناقضة. أوّلها الشّعور بالامتنان لمجموعة من أصحاب الضمائر الحرّة الذين يخاطرون بسلامتهم وحياتهم لينصفوا ضحايا لا يمتّون لهم بصلة لا دينياً ولا عرقياً.

ولكن الشعور المرافق لهذا، هو أن كشف الحقيقة يفترض أن يكون مهمة الإعلام «الحرّ» الأساسية فلماذا ننتظر كل هذه الأعوام تلاطمنا أمواج تسونامي من المقالات المضلّلة التي تنشر في أمهات الصحف والقنوات «الحرّة» بانتقائية تطمس حقيقة جرائم الحرب أو تبررها، وتبذل جهودها للتغطية على مجرمي الحرب، والجلادين فقط لأنّ الضحايا عرب مسلمون!

لقد كتبتُ غير مرّة، أن مقارنة ما يجري في واقعنا من أحداث، مع ما أقرأه عن مجريات هذه الأحداث في الإعلام الغربي «الحرّ» يدفعني إلى القول لا يوجد مبرر لقراءة ما يكتبون وينشرون عن الأحداث هنا، ووصلني أكثر من رد من قراء غربيين يقولون «في ضوء ما تكتبين كيف نثق بعد اليوم بما نقرأه في صحفنا المحلية».

والأمر الأغرب هو أنه حين حدث ذلك انبرى مسؤولون أميركيون وبريطانيون ليقولوا ضمن تبريراتهم المكرّرة «إن الكشف عن هذه الوثائق يعرّض أمننا الوطني للخطر ويعرّض أمن جنودنا للخطر».

والأكثر غرابة أنه لم تدع أي جهة قضائية في أيّ من الديموقراطيات الغربية المتورطة حكوماتها بجرائم الحرب على العراق للتحقيق بهذه الجرائم.

وبالطبع لم يجتمع مجلس الأمن ليدين هذه الجرائم، وهو الذي أصدر القرار بشنّ الحرب الأميركية على شعب العراق ووضع هذا الشعب على البند السابع.

لا شكّ أن هذا التعامل المتحيّز ضد الضحايا من المدنيين العرب والمسلمين في العراق وأفغانستان اليوم، كما في فلسطين منذ أكثر من ستين عاماً، يمثّل في جوهره عنصرية متخلفة لا تأبه بأرواح الضحايا من غير الغربيين، مهما كانت بشاعة الجرائم المرتكبة ضدهم، وتعبّر عن حرصها على حياة وحقوق الإنسان فقط إذا كان الإنسان غربياً. وقد حضرنا وقرأنا مسرحيات محاكمة جنود أميركيين اتخذوا من تعذيب المدنيين العراقيين، وجمع أصابع ضحاياهم الأفغان تسلية لهم، ومع ذلك لم تتم إدانتهم بعقوبة تزيد على عقوبة سارق دراجة هوائية في واشنطن! بينما تكرّس المحاكم الأميركية العسكرية كل قواها لتحاكم الطفل عمر خضر الذي اعتقل في «غوانتانامو» وهو بعمر الخامسة عشرة بتهمة قتل جندي أميركي في أفغانستان؟ وكلنا نعرف أن كل جندي اميركي يقتل العديد من المدنيين الأفغان العزّل، وخاصة الأطفال والنساء، والبعض يأخذ صوراً لضحاياه ليتباهى أمام مجتمعه المحقون بالحقد الديني والتطرف العرقي، والبعض الآخر يجمع آذانهم، ويقطع أصابعهم للذكرى، أو للتباهي أمام أقرانهم في المدن الأميركية المدجّجة بالتعصب الديني الذي تنشره وسائل الإعلام الأميركية «الحرّة» والتي تمتلكها أو تشرف عليها مجموعات دينية متعصبة متصهينة، تنشر الكراهية ضد الإسلام، وتبرّر في أفلامها وتغطياتها الصحافية والإذاعية والتلفزيونية قتل المدنيين المسلمين. وفي هذا الصدد أرى أن ما نقله يوآف زيتون في جريدة «يديعوت أحرونوت» (23 اكتوبر 2010) عن موقف الجنود الإسرائيليين من المدنيين الفلسطينيين، ينطبق تماماً على موقف الجنود الأميركيين والغربيين من المدنيين العزّل في العراق وأفغانستان وباكستان، حيث قال مقتبساً كلام فنانين إسرائيليين زاروا الضفة الغربية ليطلعوا على الواقع هناك «لا يفهم الجنود كم هي وحشية تصرفاتهم، فهم ينظرون إلى الفلسطينيين وكأنهم أشياء، أو صراصير. هذا جيش شرير». وأضاف آخر « أنهم يرون كل الشعب الفلسطيني كإرهابيين محتملين».

لقد قال الرئيس الأميركي ريغان مرة «إذا كنتم تريدون أن تعرفوا ما هي الشيوعية فزوروا جدار برلين»، وأقول اليوم إذا أردتم أن تعرفوا العدالة الغربية فزوروا معسكر «غوانتانامو»! وإذا كنتم تريدون معرفة جوهر الديموقراطية الغربية فانظروا إلى وثائق «ويكيليكز»! وإذا كنتم تشكّون بنظرية المؤامرة، اقرأوا كتاب «في سر الرؤساء» لمؤلفه الفرنسي فنسان نوزي، والذي يعرض فيه وثائق سرية فرنسية تؤكد حقيقة التآمر على سورية ولبنان في الأعوام التي سبقت وتلت اغتيال الحريري.

جريدة «الإندبندنت» البريطانية كتبت في 24 اكتوبر 2010 «أن الكثير مما نشرته وثائق «ويكيليكز» كان معروفاً من قبل». إلا أن أحداً من المسؤولين البريطانيين والأميركيين لم يُعر أي اهتمام لما كان ينشر آنذاك، لأنّ الحرب كانت مخططة لأسباب تختلف جذرياً عن الأسباب المعلنة».

وكما قال بيتر بيومونت في جريدة «الغارديان» 25 اكتوبر 2010، فإن ردة الفعل الغربية حين سرقت آثار العراق، هو أن هذا «مفهوم» وحين بدأت الجثث تظهر بعد سقوط بغداد بدأ تصنيف الضحايا ك «بعثيين سابقين» أو «إرهابيين محتملين»، وكان الإيحاء من كلّ ما كتب هو أن الضحايا ربما «يستحقون» الموت جزافاً! ولم يقلق هذا الأمر أحداً في الغرب، ولا حتى الإعلام الغربي «الحرّ»، فقتل المزيد من العرب هو هدفهم غير المعلن.

الكل يعرف عن حرب الإبادة التي يشنها التحالف الأميركي ضد المدنيين العرب، ويكتبون عنها، ويتباهى بها المجرمون دون خوف من عقاب، ها هي أميرة هاس تكتب في جريدة «هاآرتس» (24 اكتوبر 2010) عن المجزرة التي ارتكبها قادة الجيش الإسرائيلي في غزة 2009.

تقرير «غولدستون» حدد الجرائم والمجرمين، وطالب بمحاكمتهم، أما رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي فإنه يعترف أمام لجنة «تيركل» «أنه يوافق تماماً ومن دون أي تحفظ على طريقة سيطرة الجنود الإسرائيليين على أسطول المساعدات الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة»، أي أنه يتفاخر بإعدام المتطوعين الأتراك الأبرياء العزّل بدم بارد وعن مسافة قريبة جداً برصاصات في الرأس والصدر من قبل جنود إسرائيليين يحميهم طغاة «العالم الحرّ» وإعلامه «الحرّ» الملطخة أياديهم وأقلامهم بدماء المدنيين.

ونتنياهو المتورط بمجزرة قانا، يقتل المدنيين العزّل بجريمة فرض الحصار على المدنيين في غزة، وبجريمة التطهير العرقي المتمثلة بتهويد فلسطين.

نانسي شيبرهيوز تنشر في 25 اكتوبر 2010 في كاونتر بونش تقريراً مطولاً بدأت فصوله قبل أن ينشر الصحافي السويدي دونالد بوستروم عن انتزاع الإسرائيليين أعضاء من أجساد الفلسطينيين والمتاجرة بها. وتقول هيوز «رغم كل ما نشرت من تقارير موثقة إلى حدّ اليوم لم يعترفوا أو يعاقبوا أو يصححوا الإساءات الخطيرة لحقوق الإنسان الطبية في إسرائيل».

ممثلة حكومة أوباما في مجلس الأمن السيدة رايس تتهم سورية «بزعزعة استقرار لبنان لأنها تمدّ حزب الله بالسلاح»، ولكنها لا ترى القنابل النووية التي زوّدت بلادها حكومة المتطرفين اليهود في إسرائيل، ولا ترى المحاكم الإسرائيلية وهي تأمر بهدم مئات المنازل في القدس، ولا ترى الإسرائيليين وهم يقتلون يومياً العشرات من الفلاحين والأطفال العزّل في فلسطين؟ وهي لا ترى المستوطنين المسلحين يدهسون الأطفال الفلسطينيين، ويحرقون أشجار الزيتون، والمساجد والكنائس، ويسرقون من الفلاحين الفلسطينيين حصادهم، ويعتدون عليهم في بيوتهم وعلى أسراهم في معتقلاتهم؟ وهي لا تعرف أبداً عن أسلحة الدمار الشامل أو القنابل العنقودية التي زوّدت حكوماتها المتعاقبة إسرائيل بها! شعور رايس وأمثالها هو أن «هؤلاء الضحايا العرب المسلمون طبعاً يستحقون ذلك».

لقد ساهمت «ويكيليكز» مشكورة في تسليط الأضواء على الجرائم «التي يعرف عنها الجميع»، ولكن من سيحاسب الطغاة والقتلة الذين يتربّعون على قمة السلطة؟

إن ردود فعل المتورطين بجرائم الحرب، تؤكد أنهم يؤمنون «أن الضحايا العرب المسلمين يستحقون ذلك».

إن كلّ المتورطين بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان، يعبّرون عن وحدة صفّ وهدف، فهل يتنبه الضحايا ويسارعون إلى توحيد مواقفهم ومواردهم لصدّ الأخطار الحقيقية والتي تهدد وجودهم نفسه؟

=====================

اللعبة الأمريكية الأوروبية الإيرانية

آخر تحديث:الاثنين ,01/11/2010

عبدالله السويجي

الخليج

منذ سنوات، وبرنامج إيران النووي، الذي تصفه إيران بالسلمي، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تشك في أنه عسكري، يثير جدلاً مستمراً، ولكثرة تكرار العبارات نفسها، والمواقف ذاتها، بات الموضوع مملاً وغير مثير للمتابعة والانتباه، وصار مثل مشاهدة مسلسل “توم وجيري” الكرتوني للمرة الخمسين، لعبة مشبوهة تخفي أكثر مما تظهر، إلا أن ما تخفيه بدأ يظهر منذ فترة على شكل مصالح وصفقات أسلحة لأطراف محددة، وخلق أجواء رعب في منطقة الخليج، وإثارة نعرات منها ما هو طائفي ومنها ما هو قومي .

 

خلال الأسبوع الماضي تواصلت لعبة (توم وجيري) بطريقة مضحكة للغاية، فقد كشفت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يعملون على صياغة عرض جديد على إيران يشمل إمكانية مبادلة الوقود النووي معها، ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين بارزين في الإدارة قولهم إن العرض الجديد يتضمن “شروطاً أكثر تشدداً” على طهران، مقارنة بالعرض السابق المقدم العام الماضي، والذي رفضه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي . ويتضمن العرض الجديد، حسب الصحيفة الأمريكية، الطلب من إيران إرسال أكثر من ثلثي كميات اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج، كما سيُطلب من إيران، بموجب العرض الغربي الجديد، وقف إنتاج الوقود النووي الذي تصل درجة تخصيبه حالياً إلى نحو 20 في المئة، وهي خطوة مهمة للوصول إلى درجة تخصيب يمكن أن تنتج سلاحاً نووياً، وسيطلب من طهران أيضاً الالتزام بتعهدات اتفق عليها للتفاوض حول مستقبل برنامجها النووي . وتقول الصحيفة إنه لهذا السبب يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين أن العرض الجديد ربما سيفشل هو الآخر، لكنه سيظهر أن الرئيس أوباما مستمر في تعهده بالاستمرار في التفاوض مع الإيرانيين حتى مع ارتفاع درجة ضغط العقوبات على طهران . ويعتقد خبراء دوليون أن طهران تملك حالياً يورانيوم كافياً لصنع قنبلتين نوويتين، على الرغم من أن الأمريكيين يعتقدون أن الأمر يحتاج إلى سنة على الأقل لتخصيبه لدرجة التسليح، ومن ثم تحويله إلى سلاح نووي .

 

ووسط هذا الضجيج الكلامي اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أنه ينبغي السماح لإيران باستخدام الطاقة النووية المدنية، لكنها كررت اتهام طهران بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي، وشددت على وجوب عودة هذا البلد إلى طاولة المفاوضات مع المجتمع الدولي حول برنامجه النووي، وكانت كلينتون قد صرحت بأن خلاف بلادها مع إيران لا يتعلق بمفاعل بوشهر بل بمفاعلي نتانز وقم، ومن جهته قال النائب الإيراني علاء الدين بوروجردي أن تشغيل المفاعل سيظهر أن الغرب على خطأ في اتهامه إيران بالسعي لإنتاج سلاح نووي . وسيبقى هذا الكر والفر والإقدام والإحجام والشد والجذب مستمراً لفترة زمنية يحقق الطرفان الإيراني من جهة، والأمريكي والأوروبي من جهة أخرى مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية، وسيبقى العرب على حالهم، تستخدمهم الأطراف لتحقيق مآربها .

 

لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق مصالح كبيرة في منطقة الشرق الأوسط جراء صراعها (المفتعل) مع إيران، ويمكن إجماله في ما يأتي:

 

* أولاً: استطاعت الولايات المتحدة أن تغير مجرى الصراع بين العرب والكيان الصهيوني المستمر من أكثر من ستين عاماً، إلى صراع بين جزء مهم من الدول العربية وإيران .

 

* ثانياً: استطاعت أن تحول أولويات العداء من “إسرائيل” إلى إيران، وأن تشغل العرب بقضية بعيدة عن الصراع الرئيس، إلى درجة أعلن فيها مسؤولون صهاينة قبل فترة أنهم في خندق واحد مع العرب ضد إيران .

 

* ثالثاً: استطاعت تعزيز وجودها في المنطقة بذريعة مواجهة (الغول) الإيراني، و(الخطر الفارسي، والتمدد الشيعي) في المنطقة .

 

* رابعاً: استطاعت إقناع بعض دول الخليج العربية أن بإمكانها الدفاع عن نفسها والوقوف عسكرياً أمام التهديد الإيراني، فأبرمت صفقات بيع أسلحة أنقذت صناعة السلاح في أمريكا من الإفلاس، وعززت الاقتصاد الأمريكي، علماً بأن تسليم هذه الأسلحة سيكون خلال 10 أو 15 سنة، ما يعني أن الصراع أو لعبة (توم وجيري) ستبقى مستمرة لمدة 15 سنة أخرى، وأن هذه الدول في حاجة إلى حماية طوال عقد ونصف آخرين .

 

* خامساً: أتاح هذا الواقع لأمريكا أن تتدخل في رسم السياسات الإقليمية والمحلية في المنطقة، لما فيه الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار .

 

أما المكتسبات الإيرانية فيمكن ذكرها كما يلي:

 

* أولاً: تمكنت من تسويق نفسها بالدولة المحاربة (للشيطان الأكبر) المتمثل في الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وبذلك استطاعت استقطاب الدول المناوئة (للشيطان) وإقامة حلف استراتيجي معها .

 

* ثانياً: استغلت الفرصة لبناء ترسانة عسكرية هائلة في المنطقة، وربما تؤدي إلى امتلاكها لسلاح نووي للدفاع عن نفسها في وجه التهديد الأمريكي و”الإسرائيلي” وبعض الدول العربية .

 

* ثالثاً: تمكنت من شراء يورانيوم مخصب من روسيا ودول أخرى، وتوظيفه لتوليد الطاقة، ما سيوفر عليها الكثير من الوقود التقليدي .

 

إن انتهاء هذه اللعبة الأمريكية الأوروبية الإيرانية، إذا كانت فصولها تتم بالاتفاق أو بغير اتفاق، سيحرم الولايات المتحدة من وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة، وسيعيد الأنظار إلى العدو الأصلي والرئيس وهو دولة الكيان الصهيوني . وإن تحول إيران إلى دولة ديمقراطية أو شبيهة بالعراق الآن، سيسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً، وسيحرمها من وجودها العسكري قبالة روسيا والصين . وهكذا، فإن اللعبة ستستمر، طالما استمر التحالف الأمريكي الصهيوني الغربي، ولن تقوم حرب ولن تتحول إيران إلى حليفة لأمريكا . ويبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، والقضاء في يد أمريكا، عندها ينطبق قول الشاعر: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم . وإلى ذلك الوقت، ستبقى الموارد الخليجية والعربية مستهلكة استهلاكاً بشعاً من قبل أمريكا وأوروبا، وستبقى التحالفات الإيرانية كما هي، وسيبقى الكيان الصهيوني خالي البال، وإن أعلن بين وقت وآخر نيته لمهاجمة إيران، أو صرح بخطورة برنامج إيران النووي

=====================

وجه أميركا المظلم.. من الهنود الحمر إلى الفلبينيين

عن consortiumnews

ترجمة

الأثنين 1-11-2010م

ترجمة :رنده القاسم

الثورة

يرى الكثير من الأميركيين بلدهم وجنودها أشخاصا خيرين ينشرون الديمقراطية والحرية حول العالم، وعندما توقع الولايات المتحدة موتا ودمارا غير ضروريين يعتبر الأمر خطأ أو ضلالا.

في المقالة التالية يبحث كل من الكاتب والشاعر (بيتير ديل سكوت) والصحفي الباحث والمحارب القديم (روبيرت باري) التاريخ الطويل لهذه الأعمال الوحشية أنه مستند يخلص إلى أن ما حدث لم يكن خطأ ولا ضلالا ولكن مبدأ متعمد في الجانب المظلم.‏

يوجد خيط شرير نادرا ما يعترف به يجري عبر عقيدة جيش الولايات المتحدة ويعود تاريخه إلى الأيام الأولى للجمهورية، فطالما دافع العرف العسكري بصراحة عن الاستخدام الانتقائي للإرهاب سواء أكان هذا في قمع مقاومة السكان الأميركيين الأصليين في القرن التاسع عشر أو في حماية المصالح الأميركية في الخارج في القرن العشرين أو خوض الحرب ضد الإرهاب عبر العقد الماضي.‏

والشعب الأميركي غافل بشكل كبير عن هذا العرف المخفي لأن الخطابات المؤيدة للإرهاب الذي ترعاه الدولة تقتصر على حلقات الأمن القومي ونادرا ما تطرح للنقاشات العامة التي عوضا عن ذلك تدور حول النوايا الحسنة للتدخلات الأميركية في الخارج.‏

وعن العقود الماضية كشفت التحقيقات في الكونغرس والصحافة عن بعض الانتهاكات ولكن عندما حدث هذا كانت القضايا إما شاذة أو مبالغ بها من قبل جنود فاقدين للسيطرة.‏

غير أن السجل التاريخي يظهر بأن التكتيكات الارهابية كانت على الدوام الجانب المظلم في عقيدة جيش الولايات المتحدة ولا تزال موجودة حتى يومنا نظريات عن حروب مواجهة المتمردين والصراعات ذات الحدة المنخفضة والحرب ضد الارهاب.‏

بعض المؤرخين أرجع تاريخ الموافقة الرسمية على هذه المبادىء المتوحشة إلى الستينيات من القرن التاسع عشر عندما كان جيش الولايات المتحدة يواجه تحدي الجنوب الثائر ومقاومة السكان الأميركيين الأصليين في الغرب ومن هذه الأزمات بزغت العقيدة العسكرية الحديثة «الحرب الشاملة» التي تعتبر الهجمات على المدنيين والبنى الاقتصادية التحتية جزءا مكملا لاستراتيجية النصر.‏

عام 1864 خلف الجنرال (ويليام تيكومسيه شيرمان) وراءه الدمار في أراض تابعة لمدنيين في ولايتي جورجيا وكارولينا وكانت خطته ترمي لتحطيم عزيمة الجنوب على القتال وقدرته على الاحتفاظ بجيش كبير، ونتج عن التخريب مزارع محترقة واتهامات كثيرة باغتصاب وقتل المدنيين.‏

وبنفس الوقت، وفي ولاية كولورادو كان الجنرال (جون م شيفينغتون) وسلاح الفرسان الثالث يطبقون تكتيكاتهم الارهابية لتهدئة قبيلة شايان (الأميركية الهندية) وفيما بعد وصف باحث اسمه (جون سميث) الهجوم عند نهر ساند sand creek)في كولورادو الذي استهدف هنوداً أبرياء في مخيم مسالم.‏

لقد نزعت فروات رؤوسهم وحطمت أدمغتهم، اغتصبت النساء اللواتي بلا حماية، ضرب الأطفال الصغار وسحقت رؤوسهم بالأسلحة وأخرجت الأدمغة منها ومثل بأجسادهم بكل ما تحمل الكلمة من معنى.‏

ورغم الهجوم على موضوعية سميث في ذاك الزمن غير أنه اليوم وحتى المدافعين عن غارة (sand creek) يسلمون بأن معظم النساء والأطفال قد قتلوا وتعرضوا للتشويه.‏

ومع ذلك في الستينيات من القرن التاسع عشر رأى الكثير من البيض في كولورادو في المذبحة الطريقة الواقعية الوحيدة لإحلال السلام تماماً مثلما رأى شيرمان أن مسيرته نحو البحر ضرورية لإجبار الجنوب على الاستسلام.‏

بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية أضحى شيرمان القائد العام للجيش وأدخل استراتيجيات تهدئة الهنود (إضافة لتكتيكاته الخاصة) إلى تعاليم القوات المسلحة الأميركية وخلفه عام 1883 الجنرال (فيليب شيريدان) الذي قاد الحرب ضد الهنود في ولاية ميسوري ورسخ الاستراتيجيات المذكورة كسياسة.‏

ومع نهاية القرن التاسع عشر قهر المحاربون من السكان الأميركيين الأصليين ولكن بقيت استراتيجية الجيش في الفوز.‏

أميركا الاستعمارية‏

عندما أعلنت الولايات المتحدة الفلبين كغنيمة في الحرب الاسبانية- الأميركية قاوم الثوار الفلبيون وفي عام 1900 اتخذ الجنرال (ج فرانكلين بيل) وعن وعي حروب الهنود الأميركيين واستراتيجيات (شيرمان) نموذجا احتذى به في حملته الوحشية ضد الثوار، واعتقد بيل أنه إذا عاقب أغنياء الفلبين عن طريق تدمير منازلهم ( كما فعل شيرمان في الجنوب) فإنهم سيجبرون على إقناع أبناء بلدهم بالاستسلام. ومع تذكره لدروس حروب الهنود الأميركيين، قام أيضا بعزل المشاركين في حرب العصابات عن طريق حشر الفيليبينيين في مناطق تحت سيطرة مشددة حيث بنيت المدارس وتم توفير احتياجات اجتماعية أخرى.‏

كتب المؤرخ ستيوارت كريغتون ميللير:( سيق كل السكان خارج المدن الرئيسية في مقاطعة باتانكا إلي معسكرات اعتقال، لقد كان هدف بيل الرئيسي الطبقات الأغنى والأكثر تعليما.. ولوضع الملح على الجرح، أجبر بيل هؤلاء الناس على نقل الوقود الذي استخدم لحرق المنازل في وطنهم).‏

والإرهاب كان من نصيب أولئك الموجودين خارج المناطق المحمية، ويصف أحد المراسلين مشهدا قام فيه الجنود الأميركيون بقتل الرجال والنساء والأطفال من العاشرة فما فوق فالفكرة السائدة هي أن الفيليبيني أفضل بقليل من الكلب: (ضخ جنودنا الماء المالح في أفواه الرجال لجعلهم يتكلمون وأسروا الأشخاص الذين رفعوا أيديهم واستسلموا بهدوء. وبعد ساعة ودون أدنى دليل على أنهم متمردون أوقفوهم على الجسر، أطلقوا عليهم النار فتساقطوا الواحد إثر الآخر في المياه أسفل الجسر ليكونوا عبرة لأولئك الذين يعثرون على جثثهم التي مزقها الرصاص) ولكن دفاعا عن هذا التكتيك أضاف المراسل: (إنها ليست حربا حضارية ولكننا لا نتعامل مع شعب حضاري، الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو القوة والعنف والوحشية).‏

وفي عام 1901 قام المعادون للاستعمار في الكونغرس بفضح وشجب تكتيكات بيل الوحشية ومع ذلك نالت استراتيجياته استحسان القوات المسلحة كطريقة مصقولة للتهدئة.‏

=====================

خلفيات التفرقة والوهن لدى العرب في العالم المعاصر (1)

جورج قرم

السفير

1-11-2010

لا يشكّ في أي محلل مطلع على تاريخ المجتمعات العربية المعاصرة بأنَّه تاريخ مليء بالفتن في ما بين الأقطار العربية، كما داخل العديد من المجتمعات القطرية، مما وضع معظم المواطنين العرب في حالة حيْرة وقلق، بلْ بالنسبة إلى الجيل الشاب، في الرغبة الشديدة إلى هجرة الوطن نظراً لصعوبة الظروف المجتمعية والاجتماعية فيه. لذلك، وأمام هذا المشهد المفجع، لا بدَّ من أن نسعى إلى استيضاح أسباب التفرقة والفتن التي أصبحت سمة رئيسية من حياتنا العربية المعاصرة، لكيْ نتمكّن من المساهمة الفكرية المتواضعة من أجل تسريع ظهور نهضة عربية، قطرية وقومية، تغيّر من المسار الانحطاطي الذي نحن فيه، منذ الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، والقضاء على ما سمَّيْتُه في مؤلَّفي «انفجار المشرق العربي. من تأميم قناة السويس إلى غزو العراق 1956-2007» «دينامية الانحطاط».

وسنستعرض هنا معطيات أزمة الوجود العربي المتواصلة على محوريْن. يتعلَّق الأوَّل بما يمكن أن أسمّيه الأسباب الأنتروبولوجية التراثية في تاريخ المجتمعات العربية؛ والثاني سيركّز على المعطيات الحديثة التي قد تتشابك مع المعطيات التاريخية لتجعل من الدول العربية والمجتمعات التي تديرها دولاً رخوة غير متعاونة في ما بينها، مما يحطّ من شأن العرب في النظام الدولي ويعرِّض الأمة بشكل متواصل إلى الفتن والقلاقل والتدخل الخارجي الذي يمكن أن يأخذ أشكالاً استعمارية متجددة من الغزو العسكري والاحتلال.

أولاً: المعطيات التاريخية والانتروبولوجية

أ ضرورة تجنُّب النظرة الأنتروبولوجية الجوهرانية

يجب أن نعالج تلك المعطيات بدقة متناهية لتجنّب الوقوع في النظريات الغربية حول العلم الانتروبولوجي الذي يدّعي تبيان سمات وطبائع وعقليات تميِّز المجموعات الإنسانية بشكل ثابت لا يتغيَّر عبر التاريخ، وهو طرح مهيْمن في علوم الانتروبولوجيا التي تمارس بأشكال مختلفة نوعاً من الرؤية الجوهرانية إلى طبائع الشعوب والمجتمعات، بحيث نعتقد أنَّ لكل شعب أو مجتمع أو ملّة أو إثنية أو مذهب ديني عقيدي موروث جيني الطابع لا يتغيَّر عبر التاريخ. هذه الجوهرانية قد اعتُمِدَت في كثيرٍ من الدراسات الاستشراقية حول المجتمعات العربية أو المجتمعات الإسلامية، وكأنَّ المقولتيْن مترادفتان أيْ كأنَّ هناك «مجتمع إسلامي» متطابق من أقصى شرق آسيا والقارة الهندية إلى المحيط الأطلسي، لا فرق بين عربي وأعجمي وتركي وأجزاء الشعوب الهندية أو الصينية المختلفة التي اعتنقت الإسلام ديناً.

وفي المجادلات الصاخبة بين المثقفين العرب في العصر الحديث، نرى البعض منهم كما سيظهر لاحقاً في الجزء الثاني من هذه الدراسة متأثرين إلى درجة كبيرة بهذه النظريات، فيتماهى عندهم صفة العربي وصفة اعتناق الديانة الإسلامية.

غير أنَّ المشاهدة التاريخية الدقيقة تفيد بأنَّ ليس من شعب إلا ونجده يتغيَّر عبر الأزمنة بفعل الظروف والأحداث والفتوحات والغزوات والحروب والتغيير في العادات الاجتماعية وفي المستوى العلمي والتكنولوجي. لذلك لا بدَّ من تجنُّب الوقوع في القول باستحالة تغيير الشعوب وحضارتها وعلومها عبر المراحل الزمنية الطويلة. ومما لا شك فيه أنَّ العرب اليوم هم غير العرب أيام ما يُسَمَّى بالجاهلية، وهم غير العرب في ظل هيْمنة العنصر العجمي والتركي على مقدّراتهم، وكذلك هم ليسوا تماماً كما العرب الذين قبعوا تحت الهيْمنة الاستعمارية البريطانية أو الفرنسية.

ب من هم العرب؟ وما هو دور النظام القبلي والبطريركي في مجتمعاتهم

وعندما نتحدَّث عن العرب، فنحن في الحقيقة نشمل الشعوب العديدة المستعرَبة على أثر الفتوحات العربية، خاصةً في بلاد ما بين النهريْن ومصر وشرق المتوسط وغربه؛ كما نشمل في كلمة العرب الشعوب الأخرى التي حافظت على كيانها اللغوي الخاص مثل العنصر الأمازيغي في غرب المتوسط والعنصر الكردي والآشوري والسرياني في شرقه. ولا شك في أنَّ مثل هذا التعريف قد يثير حساسية كبيرة لدى أبناء المجتمعات التي لم تُستعرَب، وإنْ اعتمدت الإسلام ديناً لها، لكنني أتحدّث هنا عن مجتمعات مركّبة حيث تعايش وتداخل كل من العرب والمستعرَبين والمجموعات الإثنية التي لم تتعرّب بحالة أمان وسلام خلال قرون طويلة. وأنا أعني هنا أيضاً بكلمة «العرب» من تعرَّب من الطوائف المسيحية الشرقية، لكنَّها بقيَت على الديانة المسيحية تحت نظام قرآني المصدر، الخاص بأهل الكتاب الذين يصبحون بذمة الحكّام المسلمين، كما أعني الطوائف اليهودية التي كانت في المغرب العربي في كثير من الأحيان أمازيغية الأصل. أما في المشرق، فقد كانت متجذّرة منذ آلاف السنين، وبشكل خاص في الأرياف اليمنية وفي المدن العراقية، وهي أيضاً استفادت من مزايا نظام الملل، بالإضافة إلى العديد من اليهود من الأصل الأوروبي، وبشكل خاص الإسباني، الذين هربوا من أوروبا ليعيشوا باطمئنان وسلام في ديار المسلمين.

وهذه الدقائق في استعمال كلمة «عرب» هي مهمة للغاية لأنَّ المعنى الضيِّق للكلمة يشير في الأساس إلى مجموعة القبائل من البدو الرُّحَّل التي كانت تقطن شبه الجزيرة العربية، وبشكل خاص في شمالها، بينما في جنوبها كانت المجتمعات أكثر تنوّعاً نظراً لوجود بيئة زراعية ومدينية هامة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو ما إذا كان العنصر القبلي في الحياة العربية هو الذي ما يزال يسيطر على الطبائع والعقليات في الزمن المعاصر وهو الذي يفسِّر المشاحنات والتفرقة والتنافس الفوضوي في ما بين العرب الذين بقوا قبائل غير منضبطة في إطار الدولة الحديثة؟ وهذا ما طرحه المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي عندما فسَّر التخلُّف العربي عن ركب الحضارة الحديثة بالبنية العائلية البطريركية الطابع، وهذا ما يعتقده العديد من المثقفين العرب المتأثرين بالأدب الأنتروبولوجي والإثني الأميركي الذي يركّز في ما يختص بالعرب على البنية القبائلية للمجتمعات، وكذلك على سلطة الرجل ضمن العائلة كسلطة مطلقة على جميع أفراد عائلتها.

ج الأسباب الوضعية للانحطاط العربي

وباختصار، فأنا لا أؤمن بمثل هذه المقاربة التفسيرية لمصدر التخلّف ودينامية الانحطاط العربي المعاصر، إذْ أرى أسباباً أخرى موضوعية وتاريخية يجب أن تُؤخَذ بالحسبان عند تحليل وضع العرب في ركب الحضارة العالمية الحديثة، وسأكتفي بذكر أهمها:

1. خروج العرب من القيادة السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط منذ القرن العاشر

إنَّ ظاهرة خروج العرب من التاريخ خلال العصر العباسي عند بلوغ الحضارة العربية الإسلامية أرقى المستويات لهيَ ظاهرة لافتة للنظر، لكنّها قلَّما تمّ درسها بشيء من الإمعان. كيف نرى فجأة العنصر العربي يبتعد عن إدارة دولة الخلافة التي أسسها بإنجازات عسكرية وحضارية عظيمة وترك الأمر للوزراء والقيادات العسكرية غير العربية؟ وهذا الخروج من الحكم سمح للممالك التركية والعجمية بممارسة الحكم الفعلي إلى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، عندما تفكَّكت السلطنة العثمانية وانحصرت قوة وسطوة الدولة الفارسية. وقد كانت الدولتان في حالة حروب متواصلة في ما بينها منذ بدايات القرن السادس عشر، مما أضعف الدولتيْن معاً وفتح الباب أمام الهيْمنة الأوروبية المتعاظمة على الشرق الأوسط. وهذه ظاهرة قلَّما تحظى بانتباه المؤرخين الذين أصبحوا أسرى منهج تأريخ الدول الإسلامية وليس منهج تأريخ العرب، وبالتالي فإنَّ الهوية اللغوية والثقافية للحكام لم يكن لها وزن في مقاربة تاريخ يركّز على الشعوب الإسلامية، وليس على الشعوب العربية طالما أنَّ الحاكم يدين بالإسلام.

ويبقى السؤال المطروح حول ما حصل في الأندلس من حروب ملوك الطوائف المدمِّرة والتي سهَّلت إعادة سيطرة المجموعات الإيبيرية المختلفة على شبه الجزيرة وطرد كلٍّ من اليهود والمسلمين العرب منها، أو إجبارهم على التنصرُن.

2. ظروف نيْل الاستقلال أعادت العرب وشركاءهم من الإثنيات الأخرى إلى الحكم دون سابق تجربة

لا أودّ هنا أن أحمِّل فقط العوامل الخارجية مسؤولية ما حصل من تقسيم المجتمعات العربية إلى دول متفرِّقة تعاني من مشاكل كبيرة في ترسيم الحدود في ما بينها. وقد تمَّ تثبيت الانفصال الجغرافي بين المشرق والمغرب العربي عبر إنشاء الكيان الصهيوني، ومن ثم كثافة التدخلات الخارجية في أمور الدول العربية الناشئة، خاصةً في المنافسة الدولية بين الدول الكبرى لوضع اليد على مصالح اقتصادية استراتيجية، وخاصةً النفطية منها؛ ولكن هذه العوامل الخارجية لا يمكن إنكارها، فمنطقة الشرق الأوسط هي منطقة عالمية استراتيجية على مفترق طرقات التجارة الرئيسية وتتمتع بثروات ضخمة. هذا بالإضافة إلى زعزعة الروابط التاريخية بين المسلمين واليهود من العرب بفعل إنشاء الكيان الصهيوني والضغط على العرب اليهود في المغرب العربي كما في المشرق لترك البلاد التي ينتمون إليها منذ أقدم الأزمنة وهم فيها شركاء المسلمين للهجرة إلى الكيان الصهيوني أو إلى الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة.

وفي هذا المضمار بالذات لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ العالم العربي قد يكون المنطقة الوحيدة في العالم، حيث تمَّ زرع وإنشاء كيان اصطناعي سياسي وعسكري، وهو الكيان الصهيوني ما يزال حتى الآن يتمتع بدعمٍ مطلق وأعمى بالسلاح والعتاد والمواقف السياسية المؤيِّدة لكل أعمال العنف الذي يقوم به تجاه الفلسطينيين واللبنانيين.

3. أسباب التقوقع والانغلاق الهويتي

إنَّ التقوقع الذي حصل على الهوية الدينية في نصف القرن الأخير على حساب الهوية الثقافية والحضارية العربية المنفتحة بطبيعة الحال على ثقافات الاثنيات الأخرى التي تعايشت بسلام على مدى القرون مع العنصر العربي والمستعرَب، قد ترافق أيضاً مع التقوقع على الهويات الإثنية والقبائلية والمناطقية والدينية والمذهبية على حساب كل عناصر الهوية الجامعة للمجتمعات العربية داخل كل قطر عربي أو في ما بينها. وهذه الظاهرة المعقدة لهيَ تعبّر عن فشليْن:

÷ العجز في تنمية حضارة عربية أمازيغية في المغرب العربي وتنمية ثقافية عربية سريانية في المشرق العربي وثقافة عربية فرعونية في مصر، وعدم الانفتاح على اللغة الكردية واللغة الأمازيغية وتراثهما والاهتمام بهما.

÷ عجز الدول الناشئة عن بناء مجتمع يسود فيه العدل والمساواة، وتزايد الفوارق بين فئات اجتماعية مختلفة بشكل عملاق في العقود الأخيرة، وذلك عبر إثراء بعض أفراد المجتمعات بشكل فجائي ودون مساهمة في الإنتاج والإبداع الاقتصادي أو التكنولوجي والعلمي.

ومما لا شك فيه أنَّ في ظل مثل هذه الظروف القاسية، يمكن أن نفهم تقوقع أبناء المجتمعات العربية حول زعامات تقليدية، دينية أو مذهبية، وبروز النزعات الانفصالية لدى الفئات غير العربية لغوياً، ومن جانب التطرّف ظهور حركات عبثية مسلَّحة تمارس الإرهاب في مجتمعاتها وترفع اتهامات التكفير يميناً وشمالاً وتطالب بمزيد من التقوقع على هوية دينية متخيَّلة تنفي كل التطور التاريخي الذي حصل في العالم وفي المنطقة منذ قرون.

وهذا هو الوضع الذي يجب أن نأخذه في الحسبان عندما نحلل الانحطاط الذي يصيبنا ونزعات الفتنة والتفرقة التي لا تنتهي. ومن أجل معالجة هذا الوضع لا بدَّ من النظر بإمعان ودقة في القضايا الفكرية الكبرى التي اختلفت النخب العربية عليها، أشد الاختلاف في بعض المواقع، مما حال دون بناء نظام معرفي وإدراكي عربي موحَّد يسمح بإدارة تعددية الأهواء واستيعاب ما تأتي به الحداثة من أفكار وتوجهات وطموحات مختلفة، وهذا ما سنستعرضه في الجزءالتالي من دراستنا.

ثانياً: الخلافات الفلسفية السياسية المثيرة للفتن في ما بين العرب

هناك العديد من المواضيع الخلافية الحادة بين العرب أدَّت إلى فتن وقلاقل متواصلة منذ مرحلة تفكك السلطنة العثمانية، وحريٌّ بنا أن نستعرض هذه المواضيع ونتفحّص مصدرها ونحدد الآليات المغذِّية للخلافات عبر هذا الاستعراض. وسنرى في ما يلي التشابك المفسِد بين إشكاليات تاريخية داخلية في الوجود العربي وبين إشكاليات مستورَدة من التصورات الفلسفية الكبرى الأوروبية، إذْ أنَّ هذا التشابك أدَّى إلى ظهور حركات راديكالية بتلاوين مختلفة.

1) الإشكاليات الداخلية التاريخية الطابع

سبق أن ذكرنا في الجزء الأوَّل من هذه الدراسة خروج العرب من التاريخ السياسي والعسكري للمنطقة ابتداء من القرن العاشر، وبشكل خاص في المشرق العربي، بينما ظل المغرب العربي نشيطاً رغم ما أصاب قوة العرب والامازيغيين المتحالفين من تراجع أدى إلى انهيار الوجود العربي الأمازيغي في الأندلس.

وقد أصبح العرب يعيشون مطمئنين في كنف السلطنة العثمانية ابتداءً من بداية القرن السادس عشر بعد أن كانوا قد تعوَّدوا على العيش في كيانات تديرها قيادات تركية الأصل في معظم أنحاء المشرق العربي (وكذلك عجمية الطابع في أجزاء واسعة من بلاد ما بين النهريْن).

ومنذ بداية القرن التاسع عشر بدا جلياً مدى تعرُّض المجتمعات العربية إلى الهجمات الاستعمارية الفرنسية في المغرب العربي والإنكليزية في المشرق العربي، وكانت السلطنة العثمانية قد دخلت في طور الانحلال بدءاً بمقاطعاتها البلقانية والقوقازية. وإذْ بالعرب يجدون أنفسهم دون حماية لمجتمعاتهم من الغزوات الاستعمارية الأوروبية. فظهرت بالتالي بدايات الانقسام بين من كان يرى من العرب ضرورة تقوية الروابط الدينية بين العرب والقيادات المسلمة من غير العرب لصدّ الهجمات الاستعمارية من جهة، وبين من كان يرى ضرورة إعادة إحياء هوية عربية مستقلة تناضل من أجل كسب استقلال المجتمعات العربية عن أية قوة خارجية، أوروبية كانت أم عثمانية أو عجمية الطابع، من جهة أخرى. وقد وقف في المشرق العربي جزء هام من النخبة في موقف وسطي، أيْ موقف يطالب السلطنة العثمانية بمنح العنصر العربي ومقاطعات السلطنة ذات الأغلبية السكانية العربية اللامركزية والحقوق الثقافية واللغوية.

وخلافاً للرؤية الاستشراقية التي تبنّاها بعض المثقفين العرب، فإنَّ النخبة العربية المشرقية المسيحية لن تنصب العداء المطلق للعنصر العثماني لكونه مسلماً، بلْ انخرطت في تيارات سياسية تؤكّد الولاء للسلطان، إنَّما تطالب بالحقوق العربية في إدارة السلطنة وذلك إلى جانب العديد من الشخصيات العربية المسلمة. غير أنّ الروايات الاستشراقية المتتالية طوَّرت سردية حول النهضة العربية وتطوير الهوية العربية تبرز «دور الأقليات» المسيحية أو الكردية أو اليهودية في العمل من أجل تنامي شعور قومي عربي منفصل عن الرابط الديني مع الشعوب المسلمة الأخرى، وهذا بطبيعة الحال مخالف تماماً للوقائع التاريخية، إذْ ستنخرط جماهير واسعة من كل الطوائف ليس فقط في الأحزاب العروبية الطابع التي ستنمو بعد انهيار السلطنة والقضاء على مؤسسة الخلافة، بلْ أيضاً في الحركات التقدمية الطابع المتأثّرة بالأدبيات الماركسية وبالحداثة الأوروبية وما كانت تحتوي عليه في حينه من قيَم وضعية ودنيوية الطابع.

غير أنَّ التناحر المستتر أو الظاهر قد تنامى منذ بداية تلك المرحلة التاريخية بين أنصار الحفاظ على الرابط الديني كأساس مزدوج للحياة المجتمعية العربية، كما للعلاقات مع المجتمعات والدول الإسلامية الطابع من جهة، وبين المتحمّسين إلى الحداثة الأوروبية ثم الأميركية الأصل من جهة أخرى. وقد رأى أنصار المدرسة الأولى المحافِظة أنَّ التأقلم مع الحداثة هي أداة لتقويض المجتمعات الإسلامية، نظراً لما تحتوي عليه هذه القيَم من قيَم لا تتفق مع القيَم التقليدية الإسلامية.

والجدير بالذكر هنا أنَّ إنشاء المملكة العربية السعودية في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، على أساس اعتماد المذهب الوهابي المتشدّد كعقيدة للدولة الجديدة سيصبح عاملاً أساسياً في تقوية النظرة الإسلاموية الطابع إلى أمور الدنيا بكل أبعادها الحداثوية والاستعمارية. أما الحداثويون العرب فقد رأوا في جمال عبد الناصر بطلهم ومحط آمالهم المستقبلية في تحقيق دولة الوحدة التي ستؤمِّن الحياة الكريمة لكل العرب. وقد تصادمت عند العرب رؤيتان للعالم، رؤية دنيوية وضعية ورؤية دينية ميتافيزيقية ما ورائية غيبية للعالم.

ولا بدَّ من الإشارة السريعة إلى ما أصاب النظرة العروبية الدنيوية من انتكاسة كبيرة بعد نكبة حرب 1967 وإفساح المجال أمام نشر المبادئ الوهابية، وكذلك مبادئ سيد قطب في مصر. وجميع هذه التطورات سهَّلت نجاح أطروحة الباحث الأميركي الراحل صامويل هانتينغتون حول صراع الحضارات التي حلَّت محل الصراع بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الليبرالي تحت قيادة الولايات المتحدة، وذلك بالرغم من وجود العديد من الشخصيات العربية وغير العربية في تبنّي الطرح المضاد في تحالف أو توافق أو تحاور الحضارات. وهو طرح يعزز بشكل غير مباشر طرح الصراع، إذْ يطالب بالحوار بدلاً من الصراع وكأنَّ وجود صراع بين الحضارات هو مسلَّمة ومسبِّب للحروب بدلاً من الأطماع الاستعمارية وحبّ الهيمنة والسيطرة والطموحات المجنونة لبعض القادة.

نتج عن هذه الإشكاليات الداخلية، وهي بدورها نبعت من الظروف الموضوعية التي أتاحت عودة العرب إلى الوجود الكياني في النظام الدولي بعد غيابهم على مدى قرون، خلافات وحساسيات كبيرة بين الكيانات المختلفة التي أخذت تستقل الواحدة تلو الأخرى ابتداءً من الخمسينيات من القرن الماضي. وكان قد سبق موجة الاستقلالات عن المستعمر الأوروبي صراع حادّ في موضوع من يرث من الكيانات العربية الناشئة مؤسسة الخلافة الإسلامية بعد إلغائها من قبَل مصطفى كمال أتاتورك سنة 1923؛ وكانت العائلة الهاشمية والعائلة السعودية وملك مصر في صراع مرير لإعادة مؤسسة الخلافة انطلاقاً من قاعدة سياسية عربية. أما بعد الاستقلال، فقد عصفت خلافات كبيرة بين الدول العربية الهامة للزعامة على كتلة الدول العربية المنضوية في جامعة الدول العربية؛ هذا بالإضافة إلى قضايا ترسيم الحدود بين الكيانات العربية الجديدة التي أنتجت قضية الصحراء الإسبانية سابقاً من بين قضايا أخرى متعدّدة تمَّت تسويتها على مر السنين دون ضجة.

أما أهم عنصر للمناحرة بين الأنظمة العربية، فقد أصبح الانقسام بين أنظمة تقدمية تمارس سياسات اقتصادية معيَّنة لنشر التعليم والصحة في مجتمعاتها وتقوم بالتأميمات وبالحدّ من الحريات الاقتصادية وتأييد حركات التحرر العربية وغير العربية من جهة؛ والأنظمة المحافِظة القريبة من مراكز القرار في الولايات المتحدة والمتحالِفة معها والتي تمارس سياسات اقتصادية تعتمد النظام الرأسمالي والمبادرة الفردية والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، من جهة أخرى، وتتكل هذه الأخيرة على معونات الدول الغربية، بينما تتكل الأنظمة التقدمية الطابع على معونات المعسكر الاشتراكي. وكما هو معلوم، ودون الإطالة في هذا الموضوع، فإنَّ نتائج الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 بدلاً من أن تُتَرْجَم نصراً مبيناً، أدَّت إلى مزيد من احتلال الأراضي العربية من قبَل إسرائيل والفراق بين مصر وسوريا وانقسام عربي متجدّد بين أنظمة الصمود والتصدي وأنظمة مهادنة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ممّا أفسح المجال أمام السلام المنفرد بين مصر وإسرائيل، تلاه مباشرةً وصول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت عام 1982 لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية وإقامة نظام يسيطر عليه حزب الكتائب المتحالف مع المحور الصهيوني الأميركي في حينه.

وكلما ظهرت بشكل مفجع علامات الانقسام الحادة بين الأنظمة العربية، توسّعت دائرة نفوذ رؤية العالم بالمنظار الإسلامي المتشدّد، بلْ والتكفير في بعض صيَغه كبديل للتعاضد العضوي بين المجتمعات العربية. وهذا بدوره خلق قلاقل داخلية في العديد من المجتمعات، حيث أصبحت أجهزة الحكم تقمع وتسجن قيادات تلك الحركات الدينية بعد أن كانت قد شجعتها في بسط نفوذها للقضاء على النفوذ الناصري العروبي الطابع والدنيوي.

 (للبحث تتمة)

[ محاضرة ألقيت في الصالون الدولي الخامس عشر للكتاب في الجزائر

=====================

لماذا استهداف طارق عزيز؟

المستقبل - الاثنين 1 تشرين الثاني 2010

العدد 3818 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

بعض المنطق يبدو اكثر من ضروري هذه الايام. المنطق يقول ان طارق عزيز لم يمتلك يوما اي سلطة تنفيذية في عراق- صدّام حسين. لم يكن طارق عزيز سوى عراقي آمن بمبادئ حزب البعث ووصل الى ما وصل اليه بفضل الحزب الذي حوّله صدّام الى حزب عائلي يتقدم فيه ولداه وصهراه حسين وصدّام كامل في مرحلة معينة استمرت حتى العام 1995، على كل الحزبيين الآخرين ايا تكن اهميتهم وايا يكن تاريخ نضالهم السياسي.

لم يتمكن طارق عزيز يوما من ايصال اي رسالة ذات اهمية الى صدّام حسين. كل المسؤولين العرب والاجانب الذين عرفوه يقولون انه كان مجرد واجهة للنظام وانه عندما كان يطلب منه نقل رسالة ما، كان جوابه انه يفضل استخدام وسيلة اخرى، غير شخصه، في حال كانت الرسالة تتضمن اخبارا غير سارة لصدّام. كان يخاف حتى المطالبة بالتوسط لاطلاق نجله الاكبر حين اعتقل الاخير في التسعينات ووجهت اليه تهمة "سرقة آثار"، في حين ان الامر كان متعلقا باستعادة "الاثاث" الذي اودعه في شقة استأجرها. وقد شاء سكرتير صدّام عبد حمود تصفية حساب ما مع نجل طارق عزيز فحول التهمة من سرقة أثاث" الى سرقة آثار"، علما بانه لم تكن هناك سرقة اصلا.

باختصار، لم يكن طارق عزيز في اي يوم من الايام شخصا مهما على الصعيد العراقي. كان بعثيا قديما لم يحل كونه مسيحيا من الوصول الى موقع وزير الاعلام، ثم وزير الخارجية ونائب لرئيس مجلس الوزراء. مرة اخرى، لم يتجرأ طارق عزيز في يوم من الايام على نقل رسالة ذات مغزى سياسي معين الى صدّام حسين. الدليل على ذلك انه عندما شرح له وزير الخارجية الاميركي جيمس بايكر مطلع العام 1991 ما الذي سيحل بالعراق في حال لم ينسحب من الكويت من دون قيد او شرط، رفض طارق عزيز تسلم الرسالة الموجهة الى الرئيس العراقي، وقتذاك. تضمنت الرسالة تفاصيل ما ستفعله اميركا في حال لم يتخذ صدّام قرارا واضحا بسحب جيشه من الاراضي الكويتية فورا من دون قيد او شرط. تذرع طارق عزيز في الاجتماع الذي عقده مع بايكر في احدى قاعات فندق "انتركونتيننتال- جنيف" بانه لا يستطيع ان ينقل الى رئيسه مثل هذا النوع من الرسائل. والواقع انه لم يكن يمتلك الجرأة على فعل ذلك. فبقيت الرسالة في الفندق الى حدّ الآن.

لماذا اذا الحكم الجديد باعدام طارق عزيز ولماذا الخلط بينه وبين سكرتير صدّام ووزير الداخلية السابق سعدون شاكر؟ هل لانه مسيحي اوّلا والمطلوب التأكيد ان لا مكان للمسيحيين في العراق الجديد؟ هل لانه تصدى فعلا للاحزاب الدينية ثانيا؟ ام ان السبب الحقيقي ان طارق عزيز ساهم ثالثا واخيرا في الدفاع عن العراق، على الجبهة الديبلوماسية، في اثناء الحرب مع ايران بين العامين 1980 و1988؟

يمكن القول ان مضمون الاسئلة الثلاثة المطروحة يشكل اسبابا كافية لهذه الحملة على طارق عزيز الذي لم يجد ولن يجد من يدافع عنه غير افراد عائلته وبعض من بقي لديهم حد ادنى من الشجاعة التي تسمح بتسمية الاشياء باسمائها والقول انه جاء وقت تصفية الحساب مع كل عراقي ساهم في حرب الاعوام الثمانية. هذا لا يمنع من الاعتراف بان القرار الذي اتخذه صدّام حسين في حينه والقاضي بشن الحرب على ايران كان قرارا خاطئا وينم عن غباء سياسي لا حدود له. ولكن يبقى ان قرار الحرب كان قرارا اتخذه شخص واحد وحيد في مرحلة سيطرته على مقدرات البلاد... ولا ذنب للذين رضخوا للقرار باعتبارهم موظفين في الدولة. ولم يكن طارق عزيز سوى موظف بعثي تكمن اهميته في انه يتكلم الانكليزية ويقدم للعالم صورة شبه حضارية عن النظام.

الاهم من ذلك كله، ان الحكم غير النهائي بإعدام طارق عزيز يؤكد الفشل الاميركي في العراق. ويؤكد خصوصا ان ادارة بوش الابن لم تفعل شيئا سوى تقديم العراق على صحن من فضة الى إيران. ما نشهده اليوم، في عهد باراك اوباما، هو تأكيد جديد لقدرة إيران على ان تفعل ما تشاء في العراق. قضية طارق عزيز ليست سوى دليل صغير على مدى اتساع النفوذ الايراني في العراق. الدليل الاكبر ان ايران قررت عدم الاخذ بنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي حلت فيها "القائمة العراقية" برئاسة الدكتور اياد علاّوي في الطليعة. وضع النظام الايراني فيتو على علاّوي وها هو السيد نوري المالكي في طريقه الى تشكيل حكومة جديدة ستبصر النور يوما ما عندما تجد طهران انها دجّنت المالكي ما فيه الكفاية.

لم تتضمن الوثائق الاميركية التي نشرها موقع "ويكي ليكس" جديدا. لا اسرار حقيقية في الوثائق سوى انها تؤكد فظاعة ما ارتكبه الجيش الاميركي في العراق والتدخل الايراني المباشر على كل المستويات. ما قد يكون مفيدا من نشر الوثائق اكتشاف العرب، كل العرب، ان هناك توازنا مختلفا في المنطقة وان بعد الذي حصل في العراق، ليس مستغربا ان تتصرف ايران بالطريقة التي تتصرف بها داخل كل دولة عربية. يفترض في العرب بدل التلهي في محاولة اكتشاف اسباب ما يحدث في لبنان او البحرين او اليمن او الكويت... او فلسطين ان يعوا اخيرا ان الزلزال العراقي لا يزال في بدايته لا اكثر ولا اقلّ وانه بات هناك خلل كبير في التوازنات الاقليمية لمصلحة ايران لا اكثر ولا اقل!

=====================

تحديات الإسلام في أوروبا

المستقبل - الاثنين 1 تشرين الثاني 2010

العدد 3818 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

أي مستقبل للإسلام في أوروبا ؟

للإجابة على هذا السؤال الذي يشغل بال مؤسسات البحث والدراسات في كل من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لا بد من التوقف أمام تجربتي أوروبا مع كل من المسيحية واليهودية.

بالنسبة للمسيحية عرفت أوروبا حروباً دينية طاحنة بين الكاثوليك والبروتستانت. لعل أعنفها كان في ألمانيا وفرنسا. ولم تخرج الدول الأوروبية من دوامة هذا الصراع الديني إلا بعد أن تبنّت مبدأ العلمانية قبل أكثر من مائة عام. وبموجب ذلك تم الفصل بين الكنيسة والدولة فصلاً كاملاً. ولا تزال الحكومات الأوروبية تمتنع بموجب القانون عن تقديم أي مساعدات الى الكنائس أو الى المدارس التابعة للكنائس والتي تقلص عددها كثيراً. وكان يحظر على رجال الكهنوت حتى التنقل في الشوارع العامة وهم بملابسهم الكهنوتية (سويسرا مثلاً).

وعندما شكل الاتحاد الأوروبي لجنة خاصة برئاسة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان لوضع مشروع الدستور الأوروبي الموحد، طلب البابا الراحل يوحنا بولس الثاني تضمين المشروع نصاً يقول بالأصول المسيحية للهوية أو على الأقل للثقافة الأوروبية. ولكن اللجنة رفضت طلب البابا، وأصرّت على أن يكون المشروع علمانياً لا يشير الى أي دين.

وبموجب الدراسات الاستطلاعية الرسمية فان أقل من عشرة بالمائة من الأوروبيين يتوجهون الى الكنائس لأداء الصلاة يوم الأحد. ولذلك فرغت دور العبادة من المصلّين مما حمل السلطات على تحويل بعضها الى قاعات للفنون أو الى متاحف مفتوحة.

وبمجرد فتح ملف قضية دينية تقفز الى الذهن الأوروبي صور صفحات الصراع الدموي التي لا تزال عالقة في الثقافة العامة.

أما بالنسبة لليهودية فان التجربة لا تقل مأساوية. فقد تعرّض اليهود في كل أنحاء أوروبا من روسيا في الشرق حتى بريطانيا في الغرب، وعلى مدى أجيال عديدة الى الاضطهاد والعزل والتمييز الديني. وعرف اليهود الطرد والإبعاد من دول مثل فرنسا وبريطانيا واسبانيا وسواها. ولا شك في أن أسوأ ما تعرضوا له كان على يد النازية الألمانية حيث واجهوا ما يطلقون عليه "المحرقة".

وإذا كانت معالجة الحروب الدينية المسيحية المسيحية انتهت بإقصاء الدين عن الحياة العامة، فان معالجة اضطهاد اليهود انتهى أو كاد بإقامة اسرائيل على حساب الفلسطينيين العرب، مسلمين ومسيحيين.

ومن خلال ذلك تصور المجتمع الأوروبي انه قد ارتاح من تأثيرات العامل الديني مسيحياً كان أو يهودياً في الحياة العامة. الى ان برز فجأة العامل الديني الاسلامي من خلال المهاجرين المسلمين الذين استوطنوا العديد من الدول الأوروبية. الأتراك في ألمانيا. والمغاربة والجزائريين والتونسيين في فرنسا وهولندة واسبانيا. والباكستانيين والهنود في بريطانيا. والليبيين في ايطاليا..الخ.

تميّز الحضور الاسلامي في الدول الأوروبية من اسكندينافيا في الشمال حتى ايطاليا في الجنوب ببناء المساجد والمدارس الدينية. واستحدث أنماطاً اجتماعية جديدة في المجتمعات الأوروبية قائمة على اللحم الحلال، والحجاب ومقاطعة الخمر والميسر ولحم الخنزير.. وبدت المقارنة مقلقة للأوروبيين بين الكنائس الفارغة من روادها، والمساجد العامرة بروادها حتى أرصفة الشوارع المحاذية لها.

وهكذا فإن أوروبا التي اعتقدت انها تجاوزت مرحلة المجتمع الديني الى المجتمع المدني، وجدت نفسها مرة جديدة وقد عاد اليها المجتمع الديني بكل حيثياته.

فالحضور الاسلامي أنعش عملية الإحياء المسيحي في أوروبا فتحركت الكنائس "متضامنة" مع المسلمين في الاعتراض على قوانين مدنية تقضي بمنع استخدام الرموز الدينية كالحجاب الاسلامي الذي يغطي رأس المرأة المسلمة، وإشارة الصليب على صدر الرجل (أو المرأة) المسيحي.

أمام هذه الظاهرة الجديدة فان طبيعة رد الفعل العلماني الأوروبي تطرح علامات استفهام كبيرة: هل يواجه الاسلام في أوروبة ما واجهته المسيحية ؟ اي هل يدفع الاسلام للانكفاء والى الانحسار داخل مساجد مغلقة على من فيها ؟ أم ان المسلمين في أوروبا سيواجهون ما واجهه اليهود من اضطهاد وإبعاد وتمييز ؟

لم يعد خافياً أن اليمين السياسي المتشدد الرافض للمهاجرين وبخاصة المسلمين منهم- في تصاعد كبير. يبدو ذلك واضحاً في فرنسا وبريطانيا وهولندا وايطاليا وكذلك في السويد والدانمرك، وهو ما عكسه الاستفتاء السويسري على منع إقامة مآذن للمساجد، فالأحزاب اليمينية السياسية في حالة استقواء بعد أن مرّت لعقود طويلة في حالات ضمور وتراجع شديدين. وهي الآن تستخدم مشاعر العداء (الاسلاموفوبيا) للاسلام سلّماً للوصول الى البرلمانات والى الرئاسات. وتغذي هذه المشاعر اجهزة الاعلام التي تتعمد تقديم صور نمطية سلبية عن المسلمين. وتوظف في حملة التشويه بعض العادات الاجتماعية لمهاجرين مسلمين على انها تعكس التعاليم والعقيدة والشرع الاسلامي. مع ان هناك بوناً شاسعاً بين الدين والتقاليد. حتى ان بعض هذه التقاليد الاجتماعية لا تعكس بالضرورة جوهر الاسلام وعقيدته.

من هنا السؤال: هل يتعلم المسلمون الأوروبيون من التجارب التي مرت بها كل من المسيحية واليهودية من قبل لصياغة نمط عيش مشترك مع المجتمعات الأوروبية المختلفة؟.

=====================

أصبحت جنوب أفريقيا هنا

تسفي برئيل

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

1-11-2010

كيف استطاع الجمهور في اسرائيل أن يُدير ظهره لعدة عشرات من العنصريين ويدعهم يدخلون وحدهم عرين الأسود في أم الفحم؟ لماذا لم تنضم جماهير بيت اسرائيل الى السائرين في المسيرة؟ هل يُمثل مخائيل بن أري، وباروخ مارزل وايتمار بن غبير أنفسهم فقط أم هوامش اليمين المتطرف؟ إن آلاف المواطنين الاسرائيليين هزوا رؤوسهم موافقين على الاستماع لتفسيرات زعران اليمين لسبب المسيرة.

وإن مئات آلاف الاسرائيليين راضون عن قانون المواطنة، وسُعداء لاقتراح القانون الذي يسمح – عندما يُتخذ وسيُتخذ – بتمييز العرب الذين يريدون شراء بيت في بلدة يهودية، ويرى أكثر الجمهور حنين الزعبي خائنة. أين كان كل اولئك في مسيرة الفاشية؟ ألا يلذ لهم أن يظهروا فجأة مع من يُمثل حكم النازية باخلاص؟.

كان يجب أن يظهر في مسيرة كهذه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، وعضوا الكنيست انستاسيا ميخائيلي ودافيد روتام، ورؤساء «يشع»، والموالون للحاخام عوفاديا يوسيف، ورؤساء المجالس المحلية اليهودية في الجليل والغور مع آلاف من سكانهما، والى جانبهم أصحاب بيوت في تل ابيب ورعنانا يرفضون ايجار العرب الشقق. هذه مسيرة كان يجب أن تحمل شعار «مسيرة الفخر (الوطني)». لكنه جاء 1300 متظاهر فقط مع رجال الشرطة الذين حرسوهم.

لكن من المؤكد انهم ليسوا وحدهم. فهم ببساطة ما عادوا مُحتاجين الى مظاهرات تبجح. لأن الفصل العنصري الاسرائيلي يخرج من الشارع، ويُستل من النطاق الخاص، ويلبس صورة رسمية قانونية. تحول من فصل عنصري تطوعي، يغطي قُبحه بتفسيرات عن «الفروق الثقافية» وعن «الاهمال التاريخي» الذي يحتاج الى قليل من الميزانية فقط، والى أنبوبي مجاري كي يكون كل شيء على ما يرام – تحول الى فصل عنصري موجّه، مكشوف مُلزِم لم يعد يحتاج الى أي تفسير.

في جنوب افريقيا في الخمسينيات خاف البيض حتى من المهاجرين البيض، كي لا يأتوا معهم بأفكار ليبرالية يصمون بها «التراث» المحلي. لكنهم خافوا من السود في الأساس. وفي غضون زمن قصير تبنى الانغلاق الابيض طائفة من القوانين كانت ترمي الى حماية طهارتها.

ففي 1949 اتُخذ القانون الذي يمنع الزواج المختلط؛ وفي 1950 و1957 اتُخذت القوانين الاخلاقية التي جعلت العلاقات الجنسية بين العنصرين جناية تبلغ العقوبة عليها سبع سنوات سجن. وفي 1950 اتُخذ ايضا قانون تسجيل السكان الذي حصل كل مواطن بموجبه على تصنيف عنصري. وفي 1953 اتُخذ قانون التربية الذي قرر أن يتلقى السود تربية مختلفة، أقل قدرا من تربية البيض وفي 1950 أُجيز قانون «مناطق المجموعات»، الذي حدد سكن كل مجموعة عِرقية، وهو قانون أفضى الى اقتلاع 3.5 مليون أسود من بيوتهم خلال عشرين سنة.

يُقدم هذا التفصيل هنا خدمة لعنصريي الكنيست، في حال لم يعرفوا أي القوانين يقترحون لاكمال خطتهم. وهذه ايضا خدمة للجمهور الذي لم يحضر المسيرة في أم الفحم، كي يعلم ماذا يجب عليه أن يطلب بعد.

بتأخر كبير يُنقل قانون «مناطق المجموعات» من جنوب افريقيا الى سِفر القوانين الاسرائيلي. فلم يعد العربي يستطيع أن يشتري ارضا، أو أن يبني بيتا أو حتى أن يستأجر شقة، في بلدات يسكن فيها حتى خمسة بيوت أب لا تريده. بحسب فحص منظمة «عدالة» سيحمي القانون 68.3 في المائة من جملة البلدات في اسرائيل من الوصم. أما سائر البلدات، ولا سيما المدن الكبيرة، فستضطر الى الاستمرار في خلال ذلك على ترتيب أمورها مع الفصل العنصري التطوعي. لكن زمانها سيحين ايضا كما وجدت جنوب افريقيا حلا مناسبا لمدنها. يمكن مثلا منح لجان البيوت صلاحية أن تحدد من يحق له شراء أو استئجار شقة في بيت مشترك. فان ما هو جيد لبلدة جماهيرية صغيرة، يناسب من باب أولى مبنى سكنيا أصغر. وسيُتخذ بطبيعة الامر ايضا قانون لتشجيع النميمة.

وهكذا، في حين تبحث حكومة اسرائيل عن اعتراف فلسطيني بهويتها اليهودية، تبني داخلها هوية الدولة المزدوجة. انها حكم ذاتي محمي لأكثرية يهودية وحكم ذاتي سجين لأقلية عربية. وفي سرعة تحدد اسرائيل حدود الحكم الذاتي العربي وتمنح الأقلية العربية بواسطة قوانين الفصل العنصري مكانة قانونية لجيب ناقص الحقوق، واقليم ثقافي عِرقي يستطيع بفعل إبعاده عن المجموع أن يطلب ايضا اعترافا دوليا بمكانته الخاصة.

=====================

الخيارات الفلسطينية والعودة للمربع الأول..

سلطان الحطاب

alhattabsultan@gmail.com

الرأي الاردنية

1-11-2010

تعود المنطقة إلى الوراء لمزيد من التوتر والإحتقان واستغلاق المنافذ، فإسرائيل ما زالت تصادر أي فرصة للتحرك بإتجاه الإنقاذ وهي بتحركها في الأوساط اليمينية الأميريكية وضغطها المتواصل من خلالها على الإدارة قبيل الإنتخابات عادت لتحريك مضامين الحرب الأميريكية على الإرهاب بإضافة فصل آخر جديد يجعل الرئيس أوباما يتورط ليصل إلى نفس سوية بوش الإبن رغم أن الرئيس أوباما بداية عهده حاول فضح لعبة الحرب على الإرهاب وشكك فيها إلا انه الآن يتبنى الإتهام لطائرة الإمارات وربط ذلك باليمن وبمصدر الخبر من العربية السعودية يعيد انتاج صورة جديدة سوف تتمكن اسرائيل من الاختباء وراءها أمام مطالبتها بإنفاذ الإستحقاقات المترتبة عليها..

 

ويبدو أن اسرائيل التي لا تريد تغييراً في الواقع القائم من الجمود والذي استفادت منه تعمل على توفير المزيد من الذرائع التي توفرها الإدارة الأميريكية الآن بجعل الحرب على الإرهاب وأولوياته اولاً وليس اجبار اسرائيل التي لم يجبرها أحد ولم يضغط عليها أحد بما يكفي للإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة لصالح إقامة دولة فلسطينية..

 

المواقف تزداد جموداً وتصبح باهتة أكثر والخيارات الفلسطينية تتراجع فالرئيس عباس الذي طرح ثلاثة منها أمام الحليف المصري أبو الغيط لم يستجب إلا لواحدة هي استئناف المفاوضات مع صرف تأييد مصري للموقف الفلسطيني دون التزام بمواقف اخرى حيث لم توافق مصر على الخيارات الفلسطينية البديلة للتفاوض وقالت انها أي الخيارات سابقة لاوانها.

 

كل شيء مازال في مكانه والشهر المنتظر جرى استهلاكه في الانتظار الذي لم يحمل نتائج فلا الاسرائيليون جمدوا الاستيطان أو التزموا بذلك ولا الفلسطينيون عادوا الى المفاوضات ولا الأميركيون صنعوا اختراقا ولا العرب اتخذوا قرارات تترجم ماقالوه في سرت وما رحلوه منها...

 

اذن اسرائيل تمارس مواقف تهدم فيها خطة الطريق وتدير ظهرها لكل المناشدات وتواصل الاستيطان ولم يعد يهمها التفاوض وهي ترى ضرورة المحافظة على الإئتلاف الحكومي الحاكم وتعزيزه و بتسديد المزيد من الفواتير للمتطرفين وعلى رأسهم وزير الخارجية ليبرمان الذي حقر الوزراء الذين زاروه (الفرنسي والاسباني)...

 

العرب الذين يدورون في حلقة مفرغة ينتظرون الاميركيين.. والامريكيون لا يفعلون شيئا عملياً ويوعزون للأوروبيين للتحرك ضمن حدود مرسومة ليبقى السجال حول السلام نظرياً بين الأمريكيين والأوروبيين في حين تستفيد اسرائيل من الوقت في تأكيد مواقفها والمطالبة بمزيد من المواقف العريبة حول يهودية الدولة وإعادة بناء ولاء جديد للعرب فيها والعمل على انتقاص مواطنتهم ومواقف أخرى تستهدف نقل الصراع إلى نقاط فرعية جديدة بعيدة عن جوهر الموقف وهو تصفية الإحتلال وانهاؤه واقامة الدولة الفلسطينية..

 

ماذا بعد.. وكيف يمكن كسر هذه الحلقة الجهنمية التي وضعت اسرائيل العالم فيها مراهنة على مزيد من تورط المنطقة وزجها في قضايا اضافية تجعل مطالبتها بالإنسحاب مسألة ثانوية..

 

ضغوط الفلسطينيين حتى الآن لم تثمر ولا يقبضها الإسرائيليون بجدية فقد عملت على اجهاض ما بأيديهم من أوراق يهددون بها مثل الذهاب إلى الولايات المتحدة لتعترف بالدولة الفلسطينية كما وعدت حين قال رئيسها أوباما أريد أن أرى دولة وممثلها هنا العام القادم وهي أي اسرائيل تهدد إذا ما جرى طرح دولة واحدة بسيناريوات مفاجئة وترى أن العرب لا يستطيعون أن يذهبوا إلى مجلس الأمن لتوليد الدولة الفلسطينية العتيدة طالما بقي الفيتو الأميريكي سلاحاً من أسلحتها تجهض به ما يواجهها من قرارات تطالبها بالحقوق الفلسطينية..

 

الموقف الأميريكي الذي كان مفترضاً أن يحوي الموقف الإسرائيلي ويثنيه عن مواصلة تدمير عملية السلام جرى احتواؤه بل جرى اشغاله في قضايا جديدة وخطيرة وذات أولوية كبرى للولايات المتحدة على النار قضايا هامة ومستجدة.. عن نشاط القاعدة الجديد الذي بدأ يصل عبر الطائرات إلى المطارات الأميريكية وعن السودان الذي بدأ يتفسخ وبدأ الناس فيه يحسون بالسكين التي تقسمهم.. ولبنان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من مصيدة المحكمة الدولية التي نصبت لإستقراره..

ماذا بقي؟ ومن سيتحدث بعد استفحال الحرب الأوبامية الجديدة على الإرهاب في ماركتها الجديدة على اليمن عن الانسحاب الاسرائيلي أو الدولة الفلسطينية أو حتى الرغبة في الضغط على عباس الذي لم تعد الحاجة ماسة للضغط عليه!!

=====================

نُذُر عربية وبشائر اسرائيلية!

خيري منصور

الدستور

1-11-2010

تقترن نذر التقسيم والتجزئة للعالم العربي ببشائر لاسرائيل ، وما قيل عن التطبيع والتمثيل الدبلوماسي بين جنوب السودان واسرائيل في حال انتصار الانفصال على الوحدة ليس طارئا ، أو جملة معترضة في هذا الكتاب الأسود ، فما تراهن عليه الصهيونية منذ بواكيرها هو تجزئة العالم العربي بل تَذَرّره بحيث يصبح ألف عاصمة وعاصمة كي تظفر باعتراف هنا أو سفير هناك فهي أول مستفيد من مصائب العرب وغالبا ما حولت هذه المصائب الى فوائد ، لهذا سعت بكل الاساليب الى نقل عدوى التجزئة الى كل التضاريس العربية لأنها كما تتصور قادرة على التفاهم أو حتى الاشتباك مع كل طرف على حدة..

 

وما تخشاه اسرائيل هو القبضة العربية ، لكن حين تصبح هذه القبضة أصابع رخوة ومتباعدة تسهل السيطرة عليها بل الاملاء عليها كي تكتب أو تشهد تبعا لما تراه مصالحها ، وحكاية التزامن الدراماتيكي بين النذر والبشائر تكورت مرارا ما دام كل مأتم عربي هو عرس اسرائيلي ، ولا أظن ان العرب الآن وبعد كل ما تجرعوا من مرارات الخيبة والانفصال والاستفراد بهم فرادى بحاجة الى وسائل ايضاح كي يدركوا بأن السيناريوهات المخبأة في الادراج هي الاسوأ ، وان ما قيل عن شبه الليلة بالبارحة ليس دقيقا لأن الغد سيكون أشد تنكيلا من الليلة والبارحة معا،

 

واسرائيل التي سال لعابها مبكرا على افريقيا تحلم بالمزيد من مشاهد الانفصال أو ما يسمى حسب الأدبيات السايكس - بيكوية الجديدة الاستفتاء على الوحدة. ففي شعاب هذه القارة لاسرائيل تطلعات قليلها معلن وكثيرها مؤجل ويجري التكتم عليه ، فهي لا تسعى فقط بحثا عن مجالات حيوية للاقتصاد ، بل عن مجالات أشد حيوية للسياسة والثقافة ، وما يتبع ذلك من فلسفة غسل الذاكرات والأدمغة ، لأنها متضررة من بقاء العربي على قيد ذاكرته ، وتريد عربا مقطوعي الجذور ومنبتين بحيث لا وحدة أبقوا ولا حرية قطعوا،

 

وثمة قرائن عديدة تبنىء المراقب بأن العرب الآن مستغرقون في غيبوبة سياسية من درجة لا يرجى الشفاء منها ، فهم لا يرون أبعد من أنوفهم ويتوهمون بأن القضايا المحلية هي صاحبة الأولوية في كل المجالات ، وهم بذلك لا يتجاهلون ما يسمى جناح الفراشة في هذا العالم الذي ضاق حتى أصبح بمساحة غرفة ، بل يعصبون أعينهم عن مشاهد لا سبيل لتجاهلها ، لأن لها رائحة تنذر بكارثة..

 

ما نخشاه الآن ليس ما يجري ميدانيا في السودان أو اليمن أو لبنان والعراق ، بل تحول ما يجري الى تاريخ جديد وثقافة ذات أطروحات مضادة لكل ما عشناه قرونا وما تربى عليه وجداننا القومي ، فما يحدث الان بعسر او على استحياء سوف يحدث غدا أو بعد غد في حفلات تدق فيها الطبول ويرقص الموتى في جنائزهم.

 

اسرائيل تؤهل المزيد من السفراء لما سوف ينجم عن استفتاءات التقسيم في الخريطة العربية التي تغير مقياس رسمها مثلما تغيرت ألوان تضاريسها في الأطلس ، فهي كلها الآن رمادية وأنهارها مهددة بطقع رؤوسها عند المنابع وبحرمانها من أي مصب،،

=====================

سلاح المقاومة وسلاح القرارت الدولية!

محمد صادق الحسيني

2010-10-31

القدس العربي

يأخذ علينا فيما يأخذ الغرب 'المتمدن' لاسيما الطرف الامريكي منه، باننا لجأنا في سياق الدفاع عن انفسنا في بلداننا التي ترزح تحت الاحتلال الى تشكيل 'مجموعات مسلحة' خارج نطاق الجيش الرسمي، وبذلك نكون قد خرجنا على 'الدولة ' التي ننتمي اليها، وانتزعنا منها قرار السلم والحرب الذي يفترض انه يعود الى الجيش الرسمي، وبالتالي فانه يطلق على قوات الدفاع الشعبية تلك بالميليشيات الخارجة على القانون ويحذر دوما في ماكينته الدعائية من خطرها الدائم على السلم والامن الاقليميين والدوليين!

نحن بالمقابل نسمي هذا الحراك الشعبي المنظم ب'المقاومة' ونعتبره وهو في الواقع كذلك وطبقا لكل الاعراف والقوانين وشرائع الارض والسماء امرا مشروعا، ولا يتنافى مطلقا مع مهمات جيوش بلادنا الوطنية قوية كانت ام ضعيفة!

وفيما يسمي الغرب السلاح الذي بيد شعبنا بسلاح المليشيات، فاننا نسميه سلاح المقاومة!

ولكن لمن لم يطلع على دستور الولايات المتحدة الامريكية وقوانينها نذكره ولو من باب 'الزموهم بما الزموا به انفسهم' بان تشكيل الميليشيات امر مشرع في حالتين:

الاولى: عند تعرض امن البلاد الى خطر امن قومي فعندها يتم اللجوء الى تشكيل مجموعات مسلحة - ميليشيا - لمساعدة الجيش الرسمي.

الثانية: في حالة تحول الحكم الى نظام ديكتاتوري فعندها يتم اللجوء الى نفس الخيار من اجل اعادة الديمقراطية الى البلاد.

بل ان الامر في امريكا يذهب الى ابعد من ذلك، ففي الحروب القومية ومن اجل درء الخطر الاجنبي عن وحدة وانسجام المجتمع لجأت الادارة الامريكية في عدة حروب الى تجميع كل من تراهم 'خطرا احتماليا' على سير الحرب في معسكرات خاصة الى حين انتهاء المعارك كما حصل في الحرب العالمية الثانية مثلا مع مواطنيها من اصل ياباني، وكذلك مع بعض ذوي الاصول المكسيكية وغيرهم في حالات اخرى، تحت ذريعة احتمال تعاطفهم مع العدو الخارجي وذلك تحت عنوان alien act '!

هذا من جانب واما من جانب آخر فان ثمة ما هو اخطر من هذا مما يتم الحجر عليه وعدم تظهيره في الخطاب السياسي والدعائي اليومي عند فتح المساجلات الغربية معنا حول حقنا في الدفاع عن انفسنا واسترجاع حقوقنا المغتصبة، الا وهو موضوع السلاح الاخطر الذي يملكه الغرب زورا وبقوة معادلة المنتصرين في الحربين العالميتين الا وهو 'سلاح القرارات الدولية'!

فبهذا السلاح الاخطر شطبوا في لحظة غفلة من طرف شعوبنا وحكامنا وتواطؤ دولي مريب واحدة من اهم واخطر مواقع خريطتنا الجيو سياسية والجيواستراتيجية الا وهي دولة فلسطين التاريخية!

الم يحصل هذا بسلاح القرارات الدولية الظالمة والمجحفة هكذا وبجرة قلم واحدة؟!

الم يحصل مثل هذا من قبل مع درة المغرب العربي والاسلامي اي الجزائر بلد المليون شهيد؟!

الم يحصل ما يشابهه في الخطورة بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى عندما مزقوا الوطن العربي الى اكثر من عشرين جزءا واخضعوا بقوة السلاح الاستعماري الاحتلالي وسلاح الميليشيات الصهيونية عددا من دولنا الى بلدان تحت الانتداب؟!

الم يحصل عشرات المرات مثل هذا في اطار قرارات تسمى دولية وهي في الواقع صهيونية تم فرضها فرضا على المجتمع الدولي لتثبيت ما هو باطل اصلا الا وهو الكيان الصهيوني على ارض فلسطين التاريخية؟!

الم يحصل مثل هذا في فرض حصار ظالم على ليبيا، ومن ثم حصار ظالم آخر على العراق طال اوليات وضروريات العيش الابتدائي للملايين من ابناء هذين الشعبين الشقيقين؟!

الم يحصل مثل هذا على بلد اسلامي فقير مثل افغانستان كان اسمه نورسستان يوما حتى صار اسمه ظلامستان بسبب حروب الدمار الشامل الذي تشن عليه تحت غطاء القرارات الدولية وبذريعة مكافحة الارهاب والبحث عن الارهابيين؟!

الم يحصل مثل هذا مترافقا بحروب ابادة جماعية مع العراق المظلوم والجريح والمستنزف بذريعة وجود اسلحة دمار شامل خجل منها حتى كولن باول وصرح بانها ستبقى وصمة عار في جبينه ما دام حيا؟!

ثم الا يحصل مثل هذا الآن مع غزة هاشم وكأننا عدنا الى زمن الجاهلية الاولى، وتحت غطاء قرارات دولية ظالمة يشارك فيها حتى بعض ابناء جلدتنا؟!

واخيرا وليس آخرا الا يحصل الآن مثل هذا ضد شعبنا الحر والابي في لبنان وتحت ظلال سيفي القرار 1701 وقرار تشكيل المحكمة الدولية، وهو ما يسعى البعض الآن لنقل مستوى تعسفها الى الفصل السابع.

من اجل اكمال طوق الحصار على المقاومة الشعبية التي باتت تمثل ارادة اكثرية الشعب اللبناني الطامح بانتزاع قراره المستقل من انياب مروجي سلاح القرارات الدولية؟!

وبعد ذلك كله هل يحق لهم فعلا مطالبة ايران وسورية بوقف دعم حزب الله وحماس وغيرهما من منظمات المقاومة الشعبية المشروعة باعتبار ان سلاح المقاومة هذا خارج الشرعية الدولية؟!!

انه كلام هراء في هراء ولا يستند سوى الى مثلث التحالف الدولي غير المقدس بين سلطات الثروة والقوة والخداع والذي يتكثف اليوم متمظهرا في ما بات يعرف بسلاح القرارت الدولية!!

والآن نسأل كل مواطن حر شريف في العالم اجمع، ما هو السلاح الاخطر على الامن والسلام الدوليين، سلاح المقاومة والذي هو سلاح مجموعات شعبية تبحث من خلاله عن حرياتها وحقوقها واستقلال بلدانها ام سلاح القرارات الدولية الذي بات اشبه بسيف الطغيان الدولي القادر على شطب خرائط شعوب وامم من على وجه البسيطة ومن خرائط الجغرافيا والتاريخ الرسمي لمجرد تمسكها بالاستقلال الناجز؟!

سؤال هو ايضا برسم من تبقى من اصحاب الضمائر الحية في مجتمع ما يطلق عليه بالمجتمع الدولي زورا وبهتانا!!!

=====================

من أسئلة النهضة المغدورة.. ماذا بعد البطالة الحضارية؟

مطاع صفدي

2010-10-31

القدس العربي

الفكر والسياسة لا يجتمعان في العلاقات الدولية إلا ليكون أحدهما مطيَّة للآخر. وبالطبع فالسياسة هي المتغلّبة في هذه الثنائية، قليلاً ما يفلت بعض الفكر خارج إكراهات التوظيف. وإذا ما تحقق له ذلك أحياناً نادرة. فقد يحدث ما ليس في حسبان السياسة السائدة. قد تقع الصدفة الذهبية، التي تُسمى بالتغيير. لكن مادام الفكر فاقداً لفرصة الانفلات هذه، فإنه يظل خادماً مطيعاً لسلطة الأمر الواقع. إنه في هذه الحالة تغدو له وظيفتان متكاملتان، تقديم الاستشارة لأرباب المقامات العالية، أو النفخ في أبواق الإعلام المحيطة بقصورهم.

القول أن مجتمعات العرب والإسلام لا تفكر منذ أن تركت عقائدَها تصنع عقلها الجماعي، وبالتالي منعت أفرادها من ممارسة حق التساؤل أو الاستفهام، وليس الاعتراض بعد، وأدانت سلفاً هذه الممارسة إن تجرأ عليها البعض، بجريرة الخروج على الجماعة، هذا القول ليس توصيفاً تجريدياً مكروراً عن كل ماهو متداول حول غيبوبة العقل العربي إجمالاً تحت عباءة الموروث الشعبي ومعاييره النهائية في الخطأ والصواب، في الحرام والحلال، في القبح والجمال الخ... بل قد يحتمل التحليل كلَّ هذا التوصيف، ولكنه يتحاشى الدنوّ من ضواحي العلّة الأصلية، ذلك أن هناك طرفاً ثالثاً ما بين ثنائية الفكر والسياسة مسكوتاً عنه، وهو الحرية. فالحدود الثلاثة هذه، هي أقانيم الحوار الدائم في ثقافة النهضة والمدنية. وقد تنوعت النظريات المشتغلة على الأخذ بأحد الثلاثة كمرجع للآخرْين، ما يعني أن أحادية النظرة تظلّ لها سيطرتها حتى في النطاق الثقافي الصرْف.

لكن حين تكون تجربة التخلف والنهوض بالنسبة لمجتمعاتنا، هي المحك الواقعي لمفهمة معطياتها، فينبغي لثلاثية الفكر والسياسة والحرية أن تعيد التلاؤم بين دلالاتها العامة والكلّية، وخصوصية هذه التجربة. هذا لا يعني أن تنشئ هذه التجربة علْمها الخاص كذلك، وإن كان الأمر يبدو ليس بعيداً عن هذا الأفق تماماً. إذ أن علوم الإنسانيات كان وطن التفكير بموضوعاتها ومناهجها غربياً خالصاً. وحتى عندما تتوجه إلى غير محيطها فإنها لا تستطيع أن تنظر إلى (الآخر). إلا من خلال عيونها المثبّتة في رؤوسها، المحكومة هي بتهاويل نزعة المركزة العقلانية Logocentrisme المعروفة عن مرآوية المشروع الثقافي الغربي العاكسة لتفوق ذاتيته وتميزها عن سواها. وقد بقي (علم) النهضة غائباً عن وعي الرواد، في حين كان التنظير سباقاً، ومعيقاً إلى حد بعيد، ولادةَ الاهتمام المعرفي الخالص. فالتنظير يسارع إلى تلقف الأفكار الجاهزة كما هي في قوالبها الأصلية. ويعمل على حشر الواقع العربي تحت هيكلها الدلالي.

من هنا يأتي الجواب على ذلك التساؤل المُمضّ كيف أن الوعي العام لم يستفدْ فكراً حقيقياً ما من مختلف الأيديولوجيات الكبرى التي تبنتها أجيال متوالية من مثقفي النهضة المعاصرة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده، حتى نهاية العقد الأول الحالي من القرن الواحد والعشرين. فإن اكتساح الأسطرات الغيبية والسلفية للساحات السياسية والثقافية يوحي ببدائية الوعي العام؛ كأنه لا يزال يحمل عقلاً قاصراً أو طفيلياً، لا تمكنه سذاجته من دحض الأوهام الجديدة التي تهاجمه من كل حدب وصوب. فلا مناعة فطرية أو مكتسبة تدفع عن عقول الشبيبة خاصة، نوعين من غوايات الأوهام المتناقضة، أحدهما يحترف التبشير بثقافة الموت، كوسيلة وحيدة لتغيير الحياة الدنيا نفسها، وذلك بتدمير أنظمة الظلم المسيطرة على أحيائها؛ وأما النوع الثاني من غويات الوهام هذه، فهي الأعم والأكثر انتشاراً وتحشيداً لزرافات الفتية الباحثين عن المتع الحسية المباشرة بأقرب السبل، وأبخس الأثمان أو أغلاها لا فرق.

كأنما تنشأ وتشب الأجيال العربية الصاعدة في صحراء قاحلة جرداء من الأفكار واالسياسات والحريات، تلك التي يمكن القول عنها أنها من صناعة أهلية، فهي إما أنها واردة إليها تاريخياً من ما وراء الحاضر وهمومه الفعلية، أو مجلوبة إليها جغرافياً من وراء المحيطات، حاملةً معها همومَ الأمم الأخرى، مغلَّفةً بأفكار ثقافوية، وداعية لسياسات تخدم اهدافها الذاتية، ومدّعيةً لحريات متنوعة المضامين تحت الشعار الواحد: للديمقراطية. هكذا يبقى الواقع العربي - بالخط العريض- هو المفقود أو المحجوب دائماً بوقائع سواه. ذلك أن الواقع هو صانع التحدي الأعظم الذي تتحاشى نوره الساطع العيون المرهقة بظلال الأشباح الغابرة أو النائية، من (أفكار) الآخرين، ومن (سياساتهم)، ومن (حرياتهم).

تلك هي البطالة الحضارية التي تميز أنماط حياة الجماعات والأفراد في بلادنا. وهي الوجه الآخر للتخلف؛ بل هي الحصيلة البائسة لأعراضه المادية، منعكسةً على الصعيد الإنساني العربي المتبطل حضارياً، إذ أصبح أضعف الفُعلاء في تكوين ذاته وفي السيطرة على مقدراته؛ إنه الكائن الأخير الذي يمكن أن يُحسب له حساب في تقرير المصائر العامة لمجتمعاته. فالصورة الإجمالية المخيمة على كلّية هذه المجتمعات هي أنها أمست مع صحاريها شيئاً واحداً، أو جسماً لاعضوياً متشابهاً ما بين إنسانه وجماده. كما لو أن صحارى الجغرافية العربية أحالت أخيراً سكانها إلى نوع آخر من ذرات رمالها. إذ كيف يمكن للجماعة البشرية ألا تفقد إنسانيتها مع إدمانها لفقدانها العلامات الثلاث المميزة لوجودها، وهي الفكر والسياسة والحرية، بل هي الأسماء الثلاثة للمسمّى الواحد الذي هو إنسان العصر.

والمرعب في هذا الفقدان وإدمانه، هو حال السجين الذي يولد لأم سجينة (كما يحدث في معتقلات عربية وإسرائيلية)، ثم يعيش المولود حياته كلها ما بين القضبان، دون أن يعرف سواها. فالمجتمع المتبطّل حضارياً لا يمكنه أن يعيش متغيرات الزمن حوله إلا تكراراً لزمنه العقيم إياه. وبالتالي يفقد الاحساس بالفقدان، ويتعاطى مع آلياته وأنماطه كأمور عادية طبيعية. ولعله يجعلها كذلك معياراً عالياً فوق كل ما يغايرها. فمن الظلم والجهل معاً أن يُلام السجينُ المؤبّد أو الأزلي، على تقبله لمصير لا يعرف له تبديلاً ولا تغييراً. حتى لو أتيحت له بوادر معرفة به لماماً، فإنه يجحدها وينكرها. لا تكون الشعوب (رجعيةً) بطبيعتها الا عندما يضيع إحساسها باختلاف يومها عن أمسها أو غدها، فليس الأمر أن المجتمع الخائب، أو المتبطل حضارياً، أنه قابل للتقهقر سريعاً إلى أحضان الأسطورة، بل هو لا يكاد يبوحها حتى يرتدّ إليها. فهي تشكّل له مأمنه الدائم، ضداً على عاديات الدهر؛ وهنا يستريح الفرد القلق من أعباء فكره وحريته، ويغرق ذرةً أخرى في ضريح جماعته.

من يتحرك على سطح المستنقع الجماعي، إن هي إلاّ نخب متفرقة عابرة بالزمان والمكان. لكنها هي التي تدعي في كل مناسبة أنها حاملة أعباء كل الآخرين على أكتافها. خلال أربعة أو خمسة عقود من عمر النهضة العربية الثانية المعاصرة كانت هذه النخب هي القوالة والفعالة بالنيابة عن شعوبها. وهي فئات غَلَبَ عليها عنصرُ المتعلمين أو أشباههم (من طَلَبة ومعلمين)، ثم ما لبث أن زاحمها العنصر العسكري، وانتزع منها سريعاً مبادرات الحراك السياسي، مصحوبةً دائماً بالمختزلات الشعارية المأخوذة من صيحات الطلبة المتظاهرين في شوارع هذه العاصمة أو تلك من مدن المشرق العربي، ذلك الوطن الأصغر المبشر بالوطن الأكبر، والمفرخ لكل عقائده المستقبلية، ولخيباته كذلك.

تلك مرحلة الربيع من عمر الاستقلال الوليد حينما كان الجيل يعيش حرية بلاده المستعادة من الغاصب الأوروبي، كما لو كانت حرية حقيقية لكل فرد من أبنائه. لم يكن آنذاك ثمةّ فارق طبقي أو نوعي بين الدولة ومجتمعها. كانت (النهضة) نفسها حالة إنسانية خالصة، سابقة على وعودها ومشاريعها، لكنها ممتلئة فَخاراً عاطفياً، بما سوف تحققه من أفكار مغايرة للحضارة المقموعة طيلة ألف سنة بعدَها، وصانعةٍ جديدة لمؤسسات الحداثة والعدالة معاً؛ كان الفكر الاستقلالي آنذاك حاراً وشفافاً، بديهياً صريحاً تحت عيون الشبيبة، مختصراً ببضعة أسماءٍ لأفكارٍ كبيرة. كان الجيل يتأبىَّ بأنفةٍ أن يسمي حراكه الجماعي سياسةً. كانت آمرية الأسماء الكبرى كافية عنده لخلق معايير الفهم والسلوك معاً؛ والأسماء الكبرى هذه ليست شخصية، بل هي مجرد دلالات لمعان شائعة، لكنها غير متعينة في حد ذاتها، أي قبل استخدامها من جانب الناطقين بصدقيتها والآخذين بشرْعتها؛ بكلمة أخرى لم يكن جيل الاستقلال سياسياً أو مسيساً، كان اعتقاده بدلالات التحرر العربي بعد عبودية الألف سنة، التزاماً وجودياً بحقائق عصره، كما تصور وآمن دائماً.

هل انقضى ذلك العصر ومعه حقائقه إلى غير رجعة. لسنا هنا في معرض إطلاق الأحكام الجازمة إيجاباً أو سلباً. فالتاريخ العربي المعاصر لا يزال يعيش محاولات التخلص من عقابيل الانحطاط، دون الانخراط الواعي في صراع التجارب النهضوية. إنها مرحلة الوقوع تحت سيطرة جدلية التقدم والارتداد. غير انها جدلية جانحة إلى جاذبيات الارتداد اكثر منها قدرةً على ترسيخ خطوات التقدم المتعثرة والملتبسة غالباً، ولعل السبب في ذلك يعود إلى هيمنة مناخ من ثقافة البطالة الحضارية، فهذا المناخ مسؤول عن فرقعة العلاقة المتلازمة بين ثلاثي الفكر والسياسة والحرية، بدءاً من حرمان الحدين الأولين من الفوز بالحد الثالث الجامع بينهما وهو الحرية.

ما خسره جيل الاستقلال هي تجربة التحويل الفاصلة لحريته المكتسبة، من مستوى الدولة، إلى مستوى المجتمع، من مشروعية الدولة في عين ذاتها أو أصحابها، إلى مشروعية إنسانية المجتمع الحافظة والمحفوظة بمكتسبات أفراده من حرياتهم المدنية. فليست هذه الخسارة مجرد عرض صدفوي. إنها تكشف هذه الواقعة المرة، وهي صعوبة أو استحالة التخلص من عقابيل الانحطاط في حال تحول عجز النهضة إلى بطالة حضارية مستديمة... بما يعني أن خمسين أو ستين عاماً من تاريخ الاستقلال العربي، كانت النهضة عبرها محرومة من فعاليات مجتمعاتها؛ المحكوم عليها بالبطالة الحضارية إلى أن تنسى اسم النهضة وعنوانها.

====================

مفترق طرق لباراك أوباما.. وأزمات أميركا والعالم

إياد أبو شقرا

الشرق الاوسط

1-11-2010

«الليبراليون يتهموننا دائما بالعمل على كبت أصواتهم.. وأنا أقول: نعم فلنكبتها!» (آن كولتر)

المسألة دائما نسبية، ثم إن تصرفات الليبرالية الأميركية تساعد على تأكيد ذلك الانطباع بأن لا مكان ل«اليسار» في الولايات المتحدة. ولكن، في الحقيقة، ووفق مقاييس أقوى دول العالم وأغناها، توجد فوارق جدية بين ما يمكن وصفه ب«اليسار» الليبرالي و«اليمين» المحافظ. والمشاعر العدائية المتبادلة بين الجانبين تظهر في كل مناسبة تطرح فيها قضايا حساسة تمس حياة المواطن والمجتمع.. وهذا ما حصل عبر فترات عديدة من عمر البلاد.

أصلا، كان جون ريد، الصحافي الأميركي المتخرج في جامعة هارفارد واليساري الملتزم، أول من أرخوا «الثورة البلشفية» بكتابه الشهير «عشرة أيام هزت العالم» (صدر عام 1919)، ولقد دفن بعد وفاته في جدار الكرملين مثل كبار قادة الاتحاد السوفياتي. وعندما اجتاحت موجة «المكارثية» الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اضطهد عدد كبير من المثقفين والأكاديميين ونجوم السينما والمسرح الأميركيين التقدميين، واضطر بعضهم للانتقال إلى أوروبا حيث عاشوا، وبعض منهم استقر فيها ولم يعد إلى أميركا.

ومع أن الهم الأساسي عند الأميركيين بعد عقود قليلة من تأسيس جمهوريتهم الناشئة تركز على التمايز في النظرة إلى طبيعة «الاتحاد» الذي جمعهم، ومعه شكل العلاقة بين الحكومة المركزية وحقوق الولايات، واستمر حتى الثلث الأول من القرن العشرين، فإن الثلث الأخير من القرن العشرين أفرز تحديدا واضحا للانقسام «اليساري - اليميني».

في الماضي كان الحزب الجمهوري هو القوة الضاغطة العاملة من أجل حكومة مركزية قوية، بينما كان الحزب الديمقراطي صوت المؤمنين بحقوق الولايات والطبيعة «الفيدرالية» للدولة. وفي حين أتاحت هذه الطبيعة للحزب الجمهوري في بلد رأسمالي غني أن يحافظ على عقائديته وبراغماتيته، كان تنوع القاعدة الشعبية – تبعا للولايات ومكوناتها المختلفة – عنصرا أسهم حتى الآن في شمولية الحزب الديمقراطي وهشاشته الداخلية في آن معا. وبالتالي، ظل الجمهوريون مرتاحين عموما بتبني خيار اليمين إبان «الحرب الباردة» على الرغم من تراجعهم التدريجي في ولايات الشمال الشرقي والشمال الأوسط، القريبة إلى الليبرالية الأوروبية اجتماعيا وثقافيا، بينما تمزقت كتلة الديمقراطيين في ولايات الجنوب بعدما وقف «ليبراليوهم» الشماليون بقوة وراء «حركة الحقوق المدنية» المناوئة للعنصرية.

ثم مع تصاعد التيارات الأصولية البروتستانتية اليمينية، وعلى رأسها «الأغلبية الأخلاقية»، اندفعت هذه التيارات من منطلقات محاربة الشيوعية والدفاع عن «مسيحية» أميركا والاقتصاد الحر ومكافحة الإجهاض والتسامح الجنسي والعرقي، لدعم الحزب الجمهوري، ومن ثم، فرض برامجها السياسية عليه. وفي المقابل، صار الحزب الديمقراطي، ب«خيمته» الواسعة الفضفاضة والهشة، الملاذ الطبيعي لمن يقف مع التنوع والتسامح وتقبل الرأي الآخر.. ولكن في تركيبة هلامية تفتقر إلى الانسجام المصلحي الراسخ. بكلام آخر، ربما يكون الديمقراطيون أكثر عددا من الجمهوريين في أميركا اليوم، لكن نسبة التوافق بينهم على الأولويات أقل، ومن ثم، فإن المحفز للتجييش والمشاركة السياسية الانتخابية أضعف بكثير.

واليوم، هذه بالذات هي المشكلة التي تواجه الرئيس باراك أوباما في أول انتخابات نصفية، وأول اختبار انتخابي يواجهه بعد انتصاره التاريخي قبل سنتين.

لقد عجز أوباما، رغم نياته الصادقة، عن تكوين محفز عملي يجيش القاعدة الجماهيرية لحزبه ويدفعها نحو مراكز الاقتراع في ظل أزمة اقتصادية حادة وموروثة تحتاج معالجتها إلى فترة زمنية تزيد على 24 شهرا في مجتمع استهلاكي لا يريد أن يصبر، وسياسة خارجية مترددة ومرتبكة تحاول أن ترضي كل أطراف النزاعات.. وهذا، طبعا، مستحيل.

الديمقراطيون مهددون خلال الساعات المقبلة بفقدان غالبيتهم في مجلس النواب، وسيخسرون مقاعد في مجلس الشيوخ قد تؤدي، أو لا تؤدي، إلى فقدانهم السيطرة عليه أيضا. إلا أن الانتصار الجمهوري، بصرف النظر عن حجمه، قد يكون أشد إيلاما للمجتمع الأميركي والعالم منه لباراك أوباما نفسه. فهو سيأتي تحت رايات قوة يمينية متطرفة هي تيار «حفلة الشاي» التي ستعمل على تعطيل جزء كبير من سياسات الرئيس الديمقراطي، لكن بروزها واشتداد وطأتها قد يفيدانه على المدى الأبعد إذا أحسن استغلال شططها، لأنها ستوفر له فرصة تحميلها تبعات أي فشل يتحمل اليوم تبعاته منفردا.

نعم، ربما من مصلحة أوباما بروز هذا «البعبع» المتطرف.. لكن على الأميركيين، ونحن أيضا، دفع الثمن، على الأقل لمدة سنتين.

====================

إسلام أو إسلاموفوبيا

محمد جميح

الشرق الاوسط

1-11-2010

يعرف الكاتب الأميركي ستيفن سكوارتز في موضوع له في مجلة «فرونت بيج» (Front Page)، «الإسلاموفوبيا» (Islamophobia) - أو «الخوف من الإسلام» - بأنها إدانة الإسلام كليا، وإدانة تاريخه، ووصفه بالتطرف، وإنكار وجود غالبية مسلمة معتدلة، واعتبار الإسلام مشكلة تواجه العالم، وأنها تتمثل في توجيه أصابع الاتهام للطرف المسلم في كل الصراعات التي يكون أحد طرفيها مسلما، وأنها التحريض على الحرب ضد الإسلام. وذلك واضح من خلال كم هائل من الإصدارات التي صدرت خلال الأعوام القليلة السابقة خاصة بعد أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة.

وقد بلغ الأمر حدا جعل سكوت بوينتنغ، من معهد مانشستر للتحولات الاجتماعية، يقول في مجلة «العلوم الاجتماعية» (Journal of Sociology) إن الإسلاموفوبيا تعد شكلا من أشكال العنصرية ضد المسلمين، عنصرية مستمرة ضد الآسيويين والعرب.

أما جون دنهام، في «التايمز» البريطانية، فيلمح إلى وجود تشابه بين «الإسلاموفوبيا» التي تستعملها دوائر أكاديمية وإعلامية وسياسية محددة لتخويف الشعوب الغربية من الإسلام والمسلمين في هذه الأيام، و«معاداة السامية» التي كشفت عن وجهها الحقيقي في ثلاثينات القرن المنصرم والتي أدت إلى «الهولوكوست» اليهودي في ما بعد.

وعلى أي حال فإن الخطاب المعادي للإسلام في الغرب يقوم على أساس أن:

الإسلام دين جامد غير قابل للتغيير والاستجابة لمستجدات العصر.. هو دين غريب ليس لديه قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، لا يؤثر ولا يتأثر بثقافة غيره من الحضارات، وهو - حسب رؤية التيارات المعادية للإسلام في الدوائر السياسية والأكاديمية الغربية - أدنى مرتبة من القيم الغربية، بربري غير عقلاني، عدائي تجاه المرأة، داعم للإرهاب محرض على صراع الحضارات. وهو فوق ذلك آيديولوجيا تسعى لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية.

ومعظم الكتابات التحريضية التي كتبت عن الإسلام خلال السنوات الماضية تقوم على أساس فرضية أو أكثر من الفرضيات السابقة التي لم تعد فرضيات بل أصبحت - لدى عدد من النافخين في الأبواق على جانبي الأطلسي - مسلمات ينبغي تحذير صانعي القرار في الدول الغربية من عواقبها الكارثية على الحضارة الغربية في أبعادها اليهودية المسيحية.

وقد قدمت إليزابيث بول دراسة معمقة في موسوعة الدراسات العرقية والإثنية (Encyclopedia of Race and Ethnic Studies) عن صورة المسلمين في الميديا البريطانية، تعرضت فيها بشكل دقيق لعدد من المقالات والتناولات الصحافية التي كان موضوعها الإسلام في الفترة الممتدة بين عامي 1994 و2004 في الإعلام البريطاني. وقد خلصت الدراسة إلى أن الإعلام في بريطانيا يعرض المسلمين بصورة سلبية، ويصور الإسلام على اعتبار أنه يشكل تهديدا للقيم والمجتمعات الغربية. وذكرت الدراسة أن التناول الصحافي - محل البحث - لا يلقي بالا لوجهة النظر المسلمة حول القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين والتي تثيرها الميديا البريطانية. وذكرت الباحثة أن الكثير من الدارسين يرون أن انتشار الخوف من الإسلام في بريطانيا لا يعود إلى معلومات صحيحة عن الإسلام، أو إلى أسباب ترجع إلى الإسلام في حد ذاته، لكن إلى الصورة النمطية (Stereotype) التي تقدمها الميديا البريطانية للجمهور عن الإسلام. وخلصت الدراسة إلى أن مصطلحات معينة صاغتها الصحافة لإدانة الإسلام أصبحت متداولة بشكل كبير، وذكرت من هذه المصطلحات «الإرهاب الإسلامي» (Islamic terrorism) والعنف الإسلامي (Islamic Violence) و«القنبلة الإسلامية (Islamic Bomb) وغيرها من المصطلحات التي تعج بها صحافة التابلويد على جانبي الأطلسي بشكل عام.

ومع أن الكثير من المنظمات التي مارست العنف كانت تتدثر بعباءة المسيحية، فإننا لم نجد مصطلحا مثل «الإرهاب المسيحي» أو «العنف المسيحي» لدى هذه الميديا الصفراء أو السوداء.

وقد جاء في تقرير لمجلة «العدل والمساواة» (Fairness and Accuracy) أن الكتاب الذين يتهمون بإشاعة الإسلاموفوبيا في الغرب يعتمدون تكنيكا يقوم على تشويه صورة الإسلام بتقديم معلومات خاطئة عنه، وقد أورد التقرير عددا من الأسماء العاملة في هذا الحقل، أذكر منها غلن بك وهو مقدم برامج تلفزيونية وإذاعية في الولايات المتحدة، ويعد من المحافظين هناك، ومايكل سافاج وهو إذاعي وكاتب سياسي أميركي محافظ، وروبرت سبنسر وهو مؤلف عدد من الكتب وله عدد من الأعمال الصحافية عن «الإرهاب الإسلامي» كما يسميه، ودانيال بايبس وهو كاتب أميركي إسرائيلي الهوى.

ومما يلحظ أن الذين يحاولون إشاعة جو من الخوف من المسلمين في الغرب يقيمون طروحاتهم على أساس من النظرة الدونية للإسلام أو للمسلمين، تلك النظرة العنصرية التي لم تخل منها دوائر سياسية متقدمة في بعض الدول الغربية.. يقول رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني على سبيل المثال إن قيم الحضارة الغربية تعد أعلى مرتبة (Superior) من الإسلام، وذلك تعميم لا يجرؤ عليه منصف ينظر للأمور نظرة إنسانية بعيدا عن الأفكار التي أسست للأحزاب الفاشية والنازية في أوروبا القرن الماضي.

ويقول المدعي العام الأميركي الأسبق جون أشكروفت «الإسلام دين يدعو الرب فيه الإنسان إلى إرسال ابنه ليموت من أجله (من أجل الرب)، بينما المسيحية إيمان يرسل فيه الرب ابنه ليموت من أجل الإنسان»، في غمز لقناة الإسلام وسخرية من مبدأ الدفاع عن النفس الذي شرعه الإسلام وجعله «جهادا في سبيل الله». ولعل أشكروفت نسي أو تناسى أن كلمة «في سبيل الله» أينما وردت في أدبيات الإسلام فإنها تعني في «سبيل المجتمع أو الناس أو البشرية أو القيم»، لأن الله في - الأدبيات الإسلامية وعلى رأسها القرآن - قوي عزيز ليس في حاجة إلى أن يموت أحد من أجله.

ولا يخفى أن بث روح الرعب والكراهية للإسلام في الغرب إنما يرتبط بأحزاب سياسية يمينية وتيارات أصولية محافظة ليست لها برامج عمل واضحة في ما يخص تحسين الأوضاع المعيشية للناخبين، فتلجأ تلك الأحزاب والتوجهات إلى «بعبع» الإسلام لجلب مزيد من الدعم الشعبي تحت طائلة الخوف من «الهجوم الإسلامي» الذي توشك «القاعدة» أن تشنه فتهلك به الحرث والنسل في هذه الدولة الغربية أو تلك. وقد لاحظ أوليفر دوف - في «الإندبندنت» - أن الحزب القومي البريطاني يستعمل الإسلاموفوبيا من أجل كسب المزيد من الدعاية السياسية، والشأن ذاته ينطبق على معظم أحزاب اليمين في أوروبا التي تصاعدت أسهمها السياسية بسبب رفعها لفزاعة الإسلام والأجانب لتخويف الناخبين الأوروبيين.

ومع تنامي أداء أحزاب اليمين الأوروبي بعد أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة، فإن المؤشرات ترجح استمرار ظاهرة الإسلاموفوبيا وترويع المجتمعات الغربية وشحنها ضد الإسلام، تارة بصورة كاريكاتورية، وأخرى بمقالة صحافية، وثالثة ببرنامج إذاعي أو تلفزيوني، ورابعة بتصريح لشخصية مرموقة تتناوله وسائل الإعلام بمزيد من الأضواء والتحليل.

وأختم مع إليزابيث بول متسائلا: هل التحدي الغربي القادم هو الإسلام أو الإسلاموفوبيا؟ أما دانيال بايبس وزمرته من المحافظين الجدد فيرون أن الإسلام هو التحدي الغربي، في حين ترى إليزابيث بول أن الإسلاموفوبيا هي التحدي الذي لا بد من أن تسخر لمواجهته الإمكانات، قبل أن تتحول إلى خطر يصعب التعامل معه.

====================

وصدق الدكتور سلمان العودة

د. محمد عبده يماني

http://www.al-madina.com/node/271023

28/10/2010

فرحتُ بحديث العالِم الشيخ الدكتور سلمان العودة عن المسجد النبوي الشريف، وأهمية أن لا يقف أمام الحجرة الشريفة رجال بملابس عسكرية.. ولا مرشدون بملابس غير لائقة.. لأن هذا المكان يضم ثرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتعلّمنا أنه مكان كريم على الله.

ولا شك أن هناك أهميةً لإظهار هذا المكان بالمظهر اللائق من حيث الرجال الذين يقفون عنده، وملابسهم، وتصرفاتهم، والتي يجب أن تتسم بالأدب الذي يتفق مع هذا المكان الشريف، الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نرفع الصوت فيه، فضلاً عن أي تصرفات غير لائقة.

وصدق الدكتور سلمان العودة عندما نوّه إلى أن وجود العسكريين بملابس عسكرية غير ضروري هنا.. ومن الممكن توحيد الزي -كما كان في عهد الملك عبدالعزيز- بشكل يتفق مع المظهر المطلوب للمواجهة الشريفة.

ثم إنه من المهم أن نعلّم هؤلاء الإخوة الذين يقفون على هذا المكان لتنظيم مرور الناس بأن عليهم أن يتصفوا بالرحمة، والهدوء، وسعة الصدر مع الزائرين، والمسلِّمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه الكريمين: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.

وكذلك الأمر في الروضة الشريفة، وما يجب أن يتأدب به المشرفون فيها، فلا يقسون على الزوّار، بل يُرحب بهم، وتُتاح لهم الفرصة للسلام، والصلاة، وقراءة القرآن.. وأن يكون الحرّاس والوعّاظ من الرجال الذين يتمتعون بأدب جم، وسعة صدر، وابتسامة، وفرحة بهؤلاء الضيوف.

والآن.. وقد وفق الله خادم الحرمين الشريفين إلى إطلاق قناة لنقل الصلوات من المسجد النبوي الشريف على مدار الساعة.. وأخذت الكاميرات تتنقل من ركن إلى ركن، ومن صوب إلى صوب، وتركّز على المواجهة الشريفة، وعلى الروضة، فمن الواجب أن نتنبّه إلى ذلك كي لا تنقل عبر الهواء مباشرة صورة لأي معاملة فيها عنف، وفيها شجب شديد، أو قسوة على الزائرين، خاصة وأن فيهم مَن يزور هذا الحرم النبوي الشريف، ويقف على الشباك، ويسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرة الأولى.. وقد لا يعلم الأصول في السلام، فندلّه برحمة وأُخوّة وتوعية؛ حتى يدعو لنا، ولخادم الحرمين على تيسير الصلاة في المسجد النبوي الشريف.. وتوفير كل هذه الخدمات والإمكانات العظيمة.

ومن هنا فإني أرى أن الدكتور سلمان العودة قد أصاب كبد الحقيقة، عندما نبّه إلى هذا الأمر.. وأرجو من معالي الأخ الشيخ صالح الحصيّن أن يأخذ هذا الأمر في الاعتبار.. وكذلك معالي الأخ الدكتور عبدالعزيز خوجة -وقد أكرم الله وزارة الإعلام في عهده بهذا النقل المباشر من الحرمين- أن ينسقا مع شؤون الحرمين على مراعاة الآداب في هذه الأماكن، واختيار الرجال والنساء المناسبين.. لأن أقسام النساء في المسجد أيضًا بها بعض المرشدات اللاتي يحتجن إلى توجيه؛ لأن فيهن غلاظةً وقسوةً.. وقد نقل لنا الكثير من الناس، وكتبوا للصحف والمؤسسات الدينية عن طريقة التعامل التي تقسو فيها بعض المشرفات على الزائرات، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى حُسن التعامل.. إذ لابد من إكرام هؤلاء؛ لأنهم ضيوف على المدينة المنورة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وجاءوا للصلاة والسلام.. ونحن مؤتمنون على هذا.. فلابد أن نحسن اختيار وتوجيه مَن يقوم بمثل هذه المهمات.

وبهذه المناسبة فإننا نتمنى أن يتم التعامل بتراحم، وخشوع، وأدب أكبر مع الطائفين، والعاكفين، والساعين بين الصفا والمروة، ونوصي مَن يقف على مثل هذه الأماكن الشريفة أن يكون رحيمًا خلوقًا، ويتعامل مع ضيوف الرحمن بأدب، وأن يحرص على عدم العنف معهم، أو زجرهم.. ففي مثل هذه الأماكن يجب أن نعي أننا نتعامل مع ضيوف الرحمن.. وأن من حقهم علينا احترامهم، وتوقيرهم، وإرشادهم، والبُعد عن العنف بأي شكل من الأشكال.

وكذلك الأمر في قسم النساء في المسجد الحرام بمكة المكرمة، حيث إن هناك مجموعة من النسوة اللاتي أوكل إليهن إدارة هذه الأماكن.. وقد شكا أناس من سوء تعاملهنّ وقسوتهنّ على النساء.. وبصورة لا تليق بالمسجد الحرام.. فالله.. الله.. بالأدب في المسجد الحرام، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ