ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

إسرائيل وإيران: ندية الاستراتيجية!

 مأمون فندي

الشرق الاوسط

18-10-2010

تغير المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فلم يعد العرب لاعبين، بل أصبحوا ساحة للعب، بمعنى أنهم أصبحوا ساحة تجاذب بين إسرائيل وإيران. فلا العرب ولا قضية أراضيهم التي تحتلها إسرائيل ولا حتى تهديداتهم، هي الشاغل الأهم للرأي العام الإسرائيلي ولا بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو. الشاغل الأهم بالنسبة لإسرائيل اليوم هو «إيران النووية»، أو إيران التي تقترب من إنتاج القنبلة، ورئيسها الذي يعلن كلما راق له أن الصهيونية قد انتهت، أو أن إسرائيل يجب أن تمحى من على الخريطة. هذا التهديد الوجودي لإسرائيل جعلها تركز على إيران من ناحية ما يعرف بالندية الاستراتيجية في المنطقة. أما إيران فكل تركيزها هو تعظيم مكاسبها في المنطقة، وأن تكون هي مُحاور الغرب الوحيد بما في ذلك الولايات المتحدة حول قضية توازن القوى والاستقرار في المنطقة، وفي هذا لا تختلف إيران أحمدي نجاد وخامنئي المعاديين للغرب من حيث الاستراتيجية الإقليمية عن إيران الشاه صديقة الغرب. الفارق هو أن العرب في معادلة اليوم أصبحوا مجرد أدوات في صراع الندية الاستراتيجية بين إسرائيل وإيران. إيران تريد العرب بناسهم وأرضهم وقودا لحربها القادمة مع إسرائيل، تهدد بهم أحيانا أو تستخدمهم كوقود بالفعل. أما إسرائيل فترى في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي مجرد وسيلة تبريد إقليمي تجعل العرب يقبلون دور الوقوف على الحياد في حال هجوم إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، لذا تدخلهم في زواريب ما يسمى ب«العملية» السلمية.

وفي هذا السياق، نقرأ أمرين: الأمر الأول هو زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان، والثاني هو انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كلا الحدثين يثبت بلا شك أن العرب أصبحوا أدوات لعب أو ساحة لعب بدلا من فاعلين إقليميين. لقد تبدلت طبيعة الصراع الاستراتيجي في المنطقة، والأكثر عجبا من تبدلها هو قبول العرب لدورهم الجديد، سواء أكان هذا الدور قد رسم في إسرائيل أو أميركا أو طهران. جماعة «المقاومة والممانعة» تخضع لرؤية إيران، وجماعة الاعتدال «سرقتهم سكين» واشنطن، وسحرتهم العملية السلمية «اللي مش خلصانة».

ولنبدأ بزيارة الرئيس الإيراني إلى لبنان كمؤشر للصراع الاستراتيجي الجديد. بداية، الذي تابع كلمة أحمدي نجاد في لبنان وما تبعها من تصفيق حار أثناء حديث الرجل عن أبطال المقاومة، وما بدا من استهجان وامتعاض لدى جمهور مستمعيه عند ذكره اسم رئيس الحكومة سعد الحريري.. من تابع ذلك ترتسم لديه صورة واضحة عما آلت إليه الأمور. المهم أن نعرف أن أحمدي نجاد لم يأت إلى لبنان لنصرة نصر الله وحزبه، ولكن لاستخدام حزب الله واللبنانيين الشيعة لتخويف إسرائيل، وبهذا تكون رسالته لإسرائيل هي التالي «إن هاجمتم مفاعلاتنا النووية، فإن رجالنا في حزب الله وفي حماس سوف يشعلون الأرض نارا تحتكم»، وأعتقد أن الرسالة بالنسبة للإسرائيليين قد وصلت كما قصدها صاحبها تماما.

ومن هنا، لا تنظر إسرائيل اليوم لا إلى حماس ولا حزب الله على أنهما حركتان مقاومتان من أجل تحرير الأرض العربية، بل تنظر إليهما على أنهما أداتان من أدوات صراع إسرائيل مع إيران. ويجب ألا نغفل أنه عندما كانت طبيعة الصراع في السابق مختلفة (أي العرب ضد إسرائيل) وقفت إيران على الحياد، بل أيدت إسرائيل أحيانا، أما اليوم فإيران لا تطالب العرب بالوقوف معها في حربها مع إسرائيل فحسب، بل تطالبهم بأن يكونوا وقود هذه الحرب سواء أكان المعتدي على إيران هو إسرائيل أو أميركا. وليس بعيدا عن الذاكرة تهديد أحمدي نجاد أنه في حال اعتداء أميركا على المنشآت النووية الإيرانية، فإن أتباعه سيحرقون المصالح الأميركية في الخليج. أما في حالة أن تشن إسرائيل الهجوم على إيران، فأحمدي نجاد سوف يستخدم بلا تردد الدم العربي بدلا من الدم الإيراني، فدم العرب أرخص بكثير بالنسبة لطرفي الصراع. هذا عن إيران، أما كيف يرى الإسرائيليون العرب في معادلة الصراع الاستراتيجي الجديدة في المنطقة، فحدث ولا حرج.. هي نفس الرؤية العنصرية البغيضة، من رؤية مائير كاهانا وعوفاديا يوسف اللذين نعتا العرب بالصراصير والحشرات، إلى رؤية ديان ومائير اللذين صورا العرب كمجموعة من الكسالى لا تستطيع أن تشن حربا، إلى رؤية وزير خارجية إسرائيل الحالي الذي وصف العرب بأنهم مجموعة من الإرهابيين غير متحضرين.

إذن لبنان ليس بلدا تحميه إيران من حرب قادمة، لكن لبنان هو أداة التهديد، وكذلك وقود الحرب القادمة بين إسرائيل وإيران، فبدلا من التضحية بأبناء إيران مما يكلف القيادة الإيرانية ثمنا سياسيا باهظا في الداخل، يكون من الأسهل على نجاد أن يدخل حربه مع إسرائيل بدماء عربية على الجبهة اللبنانية.

في ظل هذا التغير الجديد في طبيعة الصراع وفي نوع التوازن الاستراتيجي، يسهم العرب بثلاثة تصورات: الأول هو تصفية دولهم من الداخل من خلال مقاومات وهمية تتضخم على حساب دولها حتى تكاد تبتلعها. والتصور الثاني هو إلحاق دولهم طوعا في قاطرة خارجية تجرهم. أما التصور الثالث فهو الاعتماد على دول الاستعمار القديم أو أميركا في عملية إنقاذ الوضع القائم. ولقد كان آخر مشاريع القاطرة هذه، هو مشروع رابطة دول الجوار المقترحة من قبل الجامعة العربية التي تلحق مصير العرب بإيران وتركيا، وهي رؤية قريبة من الرؤية الإيرانية التي ترى أن هناك جبهة مقاومة تمتد من إيران إلى تركيا مرورا بحماس وحزب الله. وحتى نكون منصفين، فرؤية رابطة دول الجوار لا بد أن نراها في سياق نداءات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى المتكررة ومنذ فترات طويلة لتدارك الوضع العربي المقلق. وعمرو موسى دبلوماسي عربي متميز، وظني أنه ومن حوله لم يجدوا حلا للوضع العربي المهلهل سوى إلحاقه بقاطرة إقليمية تجره، وبهذا تكون الجامعة العربية قد حلت نفسها طواعية. فالقاطرة العربية الكسيحة إما أن تجرها إيران بمفردها، لا ندري إلى الجنة أم الجحيم، وإما أن تجرها إيران وتركيا معا، وفي ذلك تكون تركيا جزءا من القاطرة كبوليصة تأمين ضد نوايا إيران السيئة، أو تستغيث بأميركا والغرب.. إذن بعد عقود طويلة نبحث عن الاستعمار بشكله العثماني أو الفارسي أو الغربي. المهم هو أننا لا نحرك أنفسنا بأنفسنا، لا بد أن يحركنا الخارجي، وهي المدرسة ذاتها التي تقول «حبيبي ضاع مني يا مين يجيبوا لي»، حتى الحبيب في أغانينا الشعبية نحتاج إلى من يأتينا به.

قد تكون لدينا خيارات أخرى أكثر إشراقا من الرؤى الثلاث التي ذكرتها، لكننا نحتاج إلى مناخ حر نتحدث فيه عن خياراتنا الأخرى المتاحة، من دون أن نهدد من الداخل أو من الخارج. المنطقة مليئة بالعقول القادرة، فقط اسمحوا لها بحديث حر وجاد، بدلا من أحاديث النفاق، سواء بممالأة الغرب أو ممالأة القائمين على الحكم، أو بالتصفيق الحار لأحمدي نجاد والهتاف باسمه.

============================

التوسع في تصدير «الثورة» الإيرانية!

الإثنين, 18 أكتوبر 2010

بصيرة الداود *

الحياة

عندما شغل علي أكبر ولايتي منصب وزير الخارجية في إيران قال عبارته الشهيرة والصريحة: «إن ساحلنا الجنوبي والخليج ومضيق هرمز وعجمان هي حدودنا الاستراتيجية الأكثر أهمية. وإن هذه المنطقة حيوية بالنسبة إلينا ولا يمكن أن نكون لا مبالين حيالها».

ذكرت مراراً أن قوة إيران في سياستها الخارجية وليست الداخلية، كون الجغرافيا السياسية لإيران هي التي تنعكس آثارها على صنع قراراتها الخارجية. ولكن ماذا لو بحثنا في تأثير التاريخ على صانع القرار السياسي في إيران؟

من المعروف أن التاريخ العربي والفارسي تداخلت حلقاته عبر التاريخ قبل وبعد ظهور الإسلام، وهذا التداخل أثر إيجاباً وسلباً على العلاقات العربية - الفارسية، في حين نشأ نوع من التفاعل والتبادل الحضاري بين العرب والفرس في منطقة الخليج العربي عبر التاريخ فأثرت العلاقات بينهم وتبلورت إلى حد التقارب بين بعضهم بعضاً في العادات والتقاليد والاختلاط من طريق المصاهرة الاجتماعية منذ العصر العباسي الأول، إلا أن تلك العلاقات أثرت سلباً زمن الدولة العثمانية، خصوصاً عندما حكمت العراق الدولة الصفوية التي أبقت الصراع بين العثمانيين والفرس ما يزيد على قرنين من عمر التاريخ الحديث، ولأسباب سياسية ودينية «مذهبية» يأتي في مقدمها تشكيل الدولتين العثمانية والصفوية الفارسية كقوتين إقليميتين في تلك المرحلة من القرن السادس عشر الميلادي، ولكل منهما مشروع سياسي وعقائدي مذهبي، بحيث كان الصفويون يحاولون مد نفوذهم إلى بعض المناطق العراقية كلما سنحت لهم الفرصة بعد هزيمتهم أمام العثمانيين، أو يضعون أيديهم على البحرين، فيبادر العثمانيون الى شن هجوم مضاد يدخلون من خلاله إلى عمق المدن الإيرانية.

ومنذ عهد شاه إيران السابق كان للتاريخ أثره الفاعل في صنع القرار بالنسبة الى السياسة الخارجية في إيران، فعلى رغم ثبات سياستها في عهده، خصوصاً في ما يتعلق بتأكيده على أحقية إيران في البحرين ومعارضته عام 1958 اتفاقية الحدود بين السعودية والبحرين والتهديد بانسحاب إيران من أية منظمة دولية تضم البحرين، إلا أن سياسة شاه إيران الخارجية الثابتة بدأت تتغير بعد ذلك خصوصاً بعد اتفاقية بريطانيا مع إيران وتدخلها في مسألة البحرين، والتي سمحت من خلالها بأن تتاح للشعب البحريني حرية الاستفتاء على تقرير مصيره والذي انتهت نتائجه لمصلحة تأييد البحرينيين للاستقلال، ووقّعت إيران على إثر ذلك اتفاقات مع كل من قطر والكويت عام 1969-1970، وأجبر بعدها الشاه محمد رضا بهلوي على الاعتراف بالبحرين كدولة مستقلة في الوقت نفسه الذي صرح فيه آية الله صادق روحاني برفضه لهذا الاعتراف واعتزامه قيادة حركة «ثورية» من أجل استعادة الأرض المسلوبة التي تخلّى عنها الشاه بكل بساطة بحسب زعمه.

وعلى رغم معارضة بعض الملالي في إيران منذ تلك الفترة لتصريحات روحاني، ومساندة البعض الآخر لها، إلا أن ذلك كشف ومنذ تلك الفترة التاريخية عن نيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول علاقاتها السياسية مع دول الجوار وخصوصاً البحرين والإمارات العربية المتحدة.

وبعد سقوط بغداد عام 2003 سنحت الفرصة التاريخية مرة أخرى للتوسّع الإيراني في المنطقة عبر بوابتها الشرقية، فبعد تثبيت سياستها في العراق تحاول جاهدة الحصول على دعم إقليمي ودولي لتعزيز طموحاتها التوسّعية في عالمنا العربي والإسلامي، فنجحت في عقد اتفاقات مع سورية والولايات المتحدة الأميركية في ما يتعلق بتدخلها لإدارة شؤون العراق عبر الموالين والخاضعين لأوامرها السياسية ممن حكموا العراق ولا يزالون تحت مظلة الاحتلال الأميركي - البريطاني ودعم نفوذ السياسة الخارجية في إيران، كما تحاول سياسة إيران الخارجية التدخل في شؤون لبنان بعد نجاح سياستها في العراق، وذلك من خلال دور «حزب الله» الموالي لطهران وأحد أهم وأقوى أجنحة سياستها الخارجية والعسكرية في المنطقة، والذي لا يرغب في أن يرى لبنان مستقراً إلا إذا أعطي له حق الكلمة الفصل في إدارة شؤونه خصوصاً بعد انتهاء الحرب اللبنانية مع إسرائيل عام 2006.

إن إيران اليوم قد أعدت مسرحها السياسي والعقائدي والمذهبي والإعلامي من أجل أن تعزز طموحها التوسّعي وتكون اللاعب الرئيس والمحرك لشؤون المنطقة، وهذا ما يشكّل خطورة على الوضع الخليجي والإقليمي والعربي برمته، كون إيران لا تنطلق فقط من منطلقات سياسية بحتة، وإنما من منطلقات تاريخية عقائدية دينية ومذهبية، الأمر الذي بدأ يؤثر سلباً في بعض العلاقات السياسية بين إيران وبعض الدول المجاورة لها خليجياً، وعلى العلاقات الإيرانية مع الدول العربية من جهة أخرى.

وعلى رغم نجاح سياسة إيران الخارجية التوسّعية لكنها لا تزال على مستوى السياسة الداخلية لمجتمعها قاصرة عن تحقيق وتلبية متطلبات الشعب الإيراني، فهي تحرم الأقليات القومية من تحقيق مطالبها في الحصول على قدر من الحرية في إدارة شؤونها الذاتية، الأمر الذي لا يزال يجعل من هذه القضية داخل إيران وقوداً جاهزاً للاستعمال عند اندلاع الصراع السياسي بين التيارات المختلفة فيها.

عند القراءة التاريخية التحليلية والنقدية لدستور إيران كجمهورية «إسلامية» نلحظ فيه على الفور أهم بنوده الذي يحرم من خلاله المسلمين السنّة من أكراد وتركمان وعرب وغيرهم حقهم المشروع في رئاسة الدولة، واشترط الدستور على من يتولى رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية «أن يكون من أصل إيراني ويحمل الجنسية الإيرانية، ويكون مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد».

وهنا أتوقف لأطرح هذا السؤال التاريخي على طاولة صناع القرار في إيران:

كيف تقيم دولة ما شرعيتها على أساس ديني، وتطمح إلى تقديم نموذج «إسلامي» قابل للتصدير والتوسّع في المحيط الخارجي الأوسع منها والذي يخالفها من الناحية الدينية مذهبياً، وتعجز في الوقت نفسه عن التوفيق بين هويتها التي يحددها الدستور لرئيس الدولة بأن يكون من أصل إيراني وبين تحديد هويتها الشيعية المذهب كأحد أهم خصوصياتها التي تميزها كدولة «إسلامية»؟!

إن القضايا الاجتماعية الداخلية لكل دولة تبقى في رأيي المحرك الأساسي لقلب الأوضاع وتغييرها نحو الأفضل. فالثورات والانقلابات عبر التاريخ كان ولا يزال للقضايا الاجتماعية الدور الكبير فيها نحو التغيير، وإذا كانت الثورات والانقلابات عبر التاريخ الحديث عسكرية ودموية، فهناك ثورات وانقلابات بيضاء من الأفضل أن يشهدها تاريخنا المعاصر بين فترة وأخرى، وأعني بها الثورات الإصلاحية التي تخدم المجتمعات العربية وتبطل مفعول الأطماع التوسّعية.

============================

عيون وآذان (حزب الشاي يهدد أهم مبادئ عصابة إسرائيل)

الإثنين, 18 أكتوبر 2010

جهاد الخازن

الحياة

حزب الشاي، أو الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، يكاد يكون مضحكاً بسياسته ومرشحيه، لولا أن القضية هي الانتخابات في أقوى بلد في العالم وكنت اعتقدت في البداية ان تطرف هذا الجناح يجعله موضع ترحيب المحافظين الجدد الذين خطفوا السياسة الأميركية في إدارة جورج بوش الابن، إلا أنني وجدت بعد ذلك ان حزب الشاي يهدد أهم مبادئ عصابة إسرائيل.

المحافظون الجدد دعاة حرب دائمة لفرض هيمنة أميركية على العالم، سواء اعترف بعضهم بذلك أو أنكر بعض آخر. أما حزب الشاي فيريد تقليص الحكومة الفيديرالية وخفض الإنفاق العسكري. بل إن رون بول، أحد أبطال حزب الشاي، يريد اعادة النظر في السياسة الخارجية كلها، إضافة الى لجم الإنفاق العسكري.

هذا الإنفاق بلغ في الموازنة الأخيرة 720 بليون دولار، وأُصرّ على ان الرقم الحقيقي يقترب من تريليون دولار، لأن إنفاقاً عسكرياً كثيراً يوضع ضمن اعتمادات أخرى. ولكن حتى إذا أخذنا الرقم المعلن يظل الإنفاق العسكري الأميركي وحده نصف الإنفاق العالمي، في حين أن إنفاق الصين 6.6 في المئة وفرنسا 4.2 في المئة وبريطانيا 3.8 في المئة وروسيا 3.5 في المئة.

مع ذلك فأركان عصابة الشر والحرب يدعون الى مزيد من الإنفاق العسكري في عالم خطر، ويصرون على ان هذا الإنفاق ليس سبب الأزمة المالية، بل يحمّلون باراك أوباما المسؤولية عما أورثه جورج بوش بمساعدتهم (عندي نصوص كثيرة إلا ان المجال يضيق عنها).

لا أعرف إذا كان مرشحو حزب الشاي سيغيرون كثيراً في سياسة الحزب الجمهوري، ولا أجزم بأنهم سيفوزون في الثاني من الشهر المقبل عندما ينتخب الأميركيون جميع أعضاء مجلس النواب (435 مقعداً)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (هذه المرة 37 مقعداً من اصل مئة). ما أجزم به هو ان عصابة الحرب والشر أوسع نفوذاً على المدى الطويل وأكثر التزاماً وقدرة من امثال بيلين نفسها وكريستين اودونيل وشارون إنغل وجو ميلر وجان بروير وكارل بالادينو وميشيل باكمان.

اودونيل كانت مفاجأة الانتخابات التمهيدية، وكان حظها في الفوز معدوماً حتى أيدتها سارة بيلين، فهزمت مرشح قيادة الحزب الجمهوري مايك كاسل، ما جعل رئيس الحزب في ولاية ديلاوير يقول انها لا تصلح لمنصب القبض على كلاب ضالة، وأنها «كاذبة واهمة». وبما ان فوزها سلّط عليها الأضواء، فقد علمنا انها ترفض نظرية النشوء والارتقاء، وتقول ان الشركات الطبية الأميركية زاوجت بين البشر والحيوان، وطلعت بفئران لها عقل بشري. ويبدو انها تعاني من مشاكل مالية دائمة حتى ان جامعتها رفعت عليها قضية تطالبها فيها بدفع أربعة آلاف دولار من الأقساط المدرسية بعد 20 سنة من تخرجها.

شارون إنغل ليست أعقل كثيراً، فخلال حملة الانتخابات التمهيدية اتهمها منافسها بأنها تنتمي الى مذهب «ساينتولوجي» الذي يتبعه كثير من نجوم هوليوود. وهي تريد إلغاء وزارة التعليم، وانسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة لأنها «معقل للإيديولوجية الليبرالية»، وتعارض الإجهاض وأحادية الجنس (الشذوذ) ولكنها تؤيد حمل السلاح، وموقعها الإلكتروني يقول انها مؤهلة لحمل سلاح خفي.

جو ميلر هزم في الانتخابات التمهيدية في ألاسكا السناتور ليزا ميركوفسكي بعد ان أيدته بيلين ضد امرأة تمثل الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، وفي موقف قوي للفوز مرة ثانية. وسياسته حزب الشاي بامتياز، من إلغاء وزارة التعليم الى خفض المساعدات الخارجية.

جان بروير تشغل منصب حاكم أريزونا، وهي تؤمن بالله وبحمل السلاح، وتعارض الهجرة حتى انها زعمت اكتشاف جثث في صحراء ولايتها، إلا ان تحقيقاً تلفزيونياً أظهر اكتشاف جثة واحدة على مدى السنتين الماضيتين.

كارل بالادينو كان مفاجأة ولاية نيويورك في الترشيح لمنصب حاكم الولاية بعد ان هزم ريك لازيو، وهو نائب سابق من أعمدة الحزب. وخاض بالادينو حملته وهو يجر أمامه كلباً شرساً، وكان شعاره انه «غاضب حتى الجنون ولن يتحمل أكثر من ذلك»، مستعيراً عبارة من فيلم، وهو يريد ثورة شعبية يعتقد بأن حزب الشاي قادر عليها، وقد اتهم بوجود ابن غير شرعي له.

ميشيل باكمان المرشحة لمجلس الشيوخ عن منيسوتا تجمع كل السياسات السابقة لمرشحي حزب الشاي وتزيد عليها الانتماء الى كنيسة تبشيرية بروتستانتية تقول ان البابا هو «المسيح الدجال»، وباكمان تنكر ذلك.

أعتقد أن المرشحين في الانتخابات الأميركية موجودون ليبدو المرشحون في انتخابات مصر ولبنان عقلاء أذكياء.

============================

من هم الأسرى الحقيقيون؟

د. بثينة شعبان

الرأي العام

18-10-2010

حين سألت في مقالتي الماضية «إلى متى مؤامرة الصمت هذه؟» الصمت عن أحد عشر ألف أسير من المدنيين الفلسطينيين تمّ اختطافهم من بيوتهم تحت جنح الظلام من قبل المخابرات الإسرائيلية، والذين يعانون أقسى أنواع التعذيب على يد جلادين عنصريين ساديين في السجون الإسرائيلية، كنت أشير إلى أن الصمت الغربي حيال هذه الوحشية ناجم من أن الضحايا هم مدنيون عرب وحسب! ولكنّ ردود بعض المدونين العرب على مقالي ذاك ذكّرني بصمت أخطر وأعتى، ألا وهو صمت العقل العربي، وهذا الصمت هو الأخطر، لأنه مؤشر لتصدّع في الفكر والهوية والانتماء. فحين يضحّي شاب فلسطيني بنفسه كي لا يهدم بيت في حي سلوان بالقدس، وحين تجابه فتاة فلسطينية عزلاء آلة القهر العسكرية الإسرائيلية بمفردها، فذلك لأنّ كلاً منهما مؤمن بأرضه، وعروبته، وواجبه تجاهها، وليس فقط تجاه أسرته وبلدته، وإنما تجاه فلسطين، وهي وديعة أمته ومسرى نبيّه. ماذا نقول نحن لهؤلاء الذين ينتظرون الفرج من أعمالنا وهم يقبعون في غياهب سجون العنصرية الصهيونية؟

إن الوحشية والظلم والابتزاز الذي يتعرض له الأسرى العرب والأسيرات العربيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أشدّ وقعاً وأكثر إيلاماً من الظلمة التي عانى منها عمال المناجم الثلاثة والثلاثون في تشيلي منذ الخامس من أغسطس الماضي، والذين انتهت مأساتهم بحمد الله بنجاة الجميع في 14/10/2010، ولكن هذه المأساة ما كانت لتنتهي لو لم يتم تسخير العلم والمال والإرادة، لإنقاذ هؤلاء، ولو لم تعبّر تشيلي، رئيساً وحكومة وشعباً، عن حرص لا نظير له لإنقاذ حياة كلّ واحد من هؤلاء، مهما كلف ذلك من جهد وعمل. ولو أن مأساة هؤلاء قوبلت بأي نوع من التراخي، كالذي نشهده من قبل النظام الرسمي، أو الاستهتار، كالذي قرأته للأسف في ردود طالبت أن ننسى الأسرى الفلسطينيين وننشغل «بمشاكلنا الكثيرة» كما يطالبنا مراراً وتكراراً ليبرمان ونتنياهو بالضبط، لو كان التشيليون بهذا الدرك الأسفل من التراخي والاستهتار لما أنعمت أسرهم وبلادهم بعودتهم جميعاً سالمين. وبالإضافة إلى هذا الإنجاز التشيلي على المستوى الإنساني، والذي لا يمكن تضخيم قيمته، لأنه يجسد الفرق بين الفناء والحياة، فإن الإنجاز وضع تشيلي على خارطة الدول المحترمة فعلاً، الحريصة حقاً على حياة الإنسان، والمبدعة في إنقاذ هذه الحياة مهما كلّفها ذلك من جهد.

وبالمقابل، فإن إهمال بعض العرب للآلاف من المختطفين العرب، والمئات منهم نساء وأطفال، وعدم ظهور العمل الرسمي والشعبي، على حد سواء، الجاد المخلص والمثابر لإثارة زوبعة في ضمير الرأي العالم العالمي وبرلماناته، إلى أن يتم الإفراج عن هؤلاء المخطوفين والمعذبين ظلماً وعدواناً، إن هذا الإهمال لا يطيل مأساة هؤلاء الأسرى من أهلنا فقط، وإنما يحرمنا احترام العالم وتقديره، فكلما أثرنا مسألة ظلم واقعة على أهلنا في فلسطين مع مفكر أو إنسان غربي، يسأل ماذا فعل العرب حيال ذلك! العرب الذين يملكون القدرات المالية والسياسية الضخمة ماذا فعلوا لدعم إخوانهم، وأهليهم، وماذا فعلوا للحفاظ على أرضهم في القدس، والخليل، والنقب، والجليل، وبيت لحم وفي كل مكان في فلسطين؟

ومع كلّ هذا، حين كتبتُ عن الأسيرات الفلسطينيات ومعاناتهن، أتت ردود البعض، وأشك في أن البعض منها ردود عربية، رغم ظهورها بأسماء عربية، تصبّ في خانة الاختراق الثقافي على الأقل، وتسألني بعض الردود لماذا لا أركز على «معاناة» المرأة في سورية، وهم لا يعرفون شيئاً عن وضع المرأة في سورية، إلا من خلال ما يبثه لهم الإعلام الغربي، ومن الواضح خلال الأعوام الخمسة الماضية لماذا تناول الغرب سورية دون غيرها؟

لا يتسع المجال هنا لوصف ارتكابات الغرب في «غوانتانامو» و«أبو غريب» مثلاً، وحروبهم الوحشية بكل المقاييس في العراق وأفغانستان وباكستان، هذا الغرب الذي يدّعي حرصه على حياة فرد واحد هنا وآخر هناك، وبالطبع فإن ما يرتكبه الغرب، لا يبرر لأحد، كائناً من كان، ارتكاب الظلم ضد أي إنسان كان وفي أي مكان، أو موقع كان، وهذا بالضبط الموقف الذي أعيشه، وليس الذي أكتب عنه فقط. أما هؤلاء الذين يمنحون جائزة نوبل لمن وقف ضد كاسترو والثورة الكوبية، أو ضد ايران، أو ضد الصين، أو بشكل عام ضد حكومات يعاديها الغرب، فهم أنفسهم الذين ينفقون الأموال الطائلة على تمزيق العرب بالفتنة والانفصال، هم أنفسهم الذين يسلّحون إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وهم أنفسهم الذين يحاصرون العرب وينزعون سلاحهم، ويسيئون لنبيّهم، ويحرقون كتابهم المقدس، وهم أنفسهم يدعمون اعتقال فلسطينيين عُزّل تعصب أعين شبابهم الذين يُختطفون من قبل المخابرات الإسرائيلية ويساقون إلى المعتقلات في منظر يجب أن يخجل منه هؤلاء الذين يبحثون عن ثغرات لدينا ويسامحون أعداءنا على كل ما ارتكبوه من جرائم، ووحشية، ومجازر في العراق وفلسطين، واليوم في اليمن، وغداً قريباً جداً في السودان.

ها هي كلينتون تقول في بروكسل «إن الأمن بالنسبة إلى إسرائيل مهم جداً، فقد غادروا لبنان والآن هناك «حزب الله» وصواريخ على الحدود، وتركوا غزة والآن هناك «حماس» وصواريخ». لا تشير السيدة كلينتون إلى أن إسرائيل تملك مئات القنابل النووية، وكل أنواع الصواريخ والطائرات والغواصات القادرة على حمل الأسلحة النووية، ولا تشير إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الذي اقتلع حتى اليوم مليون شجرة زيتون من حقول المزارعين الفلسطينيين العزّل، ولا تشير إلى هدم إسرائيل، وهي تدلي بتصريحها في بروكسل، أربعين بيتاً في النقب، ولا تشير إلى موافقة نتنياهو على هدم اثنين وعشرين منزلاً عربياً في حي السلوان بالقدس، ولا تشير إلى قيام قوات الاحتلال بالقتل اليومي للمدنيين الفلسطينيين العزّل، ولا تشير إلى اختطاف إسرائيل يومياً للمدنيين العرب من منازلهم ومدارسهم ومزارعهم وهم معصوبو الأعين ينكّل بهم المستوطنون المدججون بالسلاح حتى أسنانهم، ويسوقونهم وهم مكبلون بالأصفاد إلى سيارات الاعتقال النازية تحت ضرب الجنود المبرح. أولا يثير هذا المنظر غضب هؤلاء الذين يكتبون ليدافعوا عن الجواسيس، أولم يُغضب هؤلاء القانون العنصري الجديد الذي شرعته إسرائيل، والذي وصفه اليهود في الصحف الإسرائيلية (انظر «يديعوت احرونوت» و«هاآرتس» يوم الاثنين 11/10/2010) بالقانون العنصري والفاشي، بينما صمتَ معظم هؤلاء العرب(؟)، وكأن شيئاً لم يكن. هذا القانون، الذي هو واحد من جملة قوانين عنصرية تهدف إلى تهجير عرب فلسطين المحتلة عام 1948.

أولا يرى هؤلاء ماذا يجري في السودان من تفتيت لأرض وثروات وشعب السودان، حيث يهدد أوباما هذا الشعب، إما الرضوخ للانفصال أو قتل الملايين منه، أولم تعلن هيلاري كلينتون من نيويورك أن «تقسيم السودان حتمي»، وأن «الانفصال سيتم بعد الاستفتاء!». أولم ترسل سفيرتها سوزان رايس لوضع الحدود بين «الشمال» و«الجنوب»؟ ورغم كل تصريحات الحكومة السودانية بأن الاستفتاء في منطقة أبيي سيكون مستحيلاً في يناير، فإن الإدارة الأميركية والمتعاونين معها ماضون في مخططهم لإرسال قوات دولية إلى السودان بهدف تفتيته، والقضاء على وحدة شعبه وأراضيه. هل يجب أن نرى المستعمرين يحتلون وينتهكون ويقسمون بلداننا واحداً تلو الآخر، حتى نؤمن أننا نحن جميعاً المستهدفون، وأنهم لا يميزون بين عربي وآخر، إلا بمقدار ما يقدم خدمات لهم، وخلال فترة تقديم الخدمة فقط، ثم يلقون به جانباً؟

إذا كانت الأسماء التي تردّ عليّ مستعارة، فسأكون سعيدة، أما إذا كانوا حقاً عرباً، ويكتبون بأسمائهم الحقيقية، آنذاك سأؤمن أنهم هم الأسرى الحقيقيون، معصوبو الأعين، المكبّلة عقولهم بالأوهام في معتقلات الغرب الدعائية، وأن اختراق الغرب أوصل بعض العرب إلى حدّ جلد الذات، وإلى حد ضياعهم عن أولوياتهم، وإلى حدّ تعاميهم عن قضاياهم الأساسية، وانشغالهم بأمور خلقت خصيصاً لإشغالهم عن مخططات خطيرة تحاك وتنفذ ضدهم، وضد وجودهم، ومصيرهم، ومستقبلهم.

إن وضع أهلنا في فلسطين، والسودان، واليمن، والعراق، وغزة، هو كوضع عمال المناجم الذين كانوا محاصرين في أعماق مناجم تشيلي، والمطلوب هو تسخير كلّ مقدرات هذه الأمة الفكرية والمعنوية والمادية لابتكار السبل من أجل إنقاذهم من هذا الحصار، وكل ما عدا ذلك يصبّ في مصلحة العدو ويساهم في تقويض الوجود والمستقبل العربيين.

============================

مسؤولية تصحيح صورة الإسلام

آخر تحديث:الاثنين ,18/10/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ،2001 وازدهار مقولة صدام الحضارات، وانطلاق حملات التشهير بالإسلام والتنكيل بالمسلمين في المجتمعات الغربية، وما رافق ذلك من حروب امبريالية جائرة في افغانستان والعراق ضد “إرهاب” وُصِمَ بأنه من صميم ثقافة المسلمين ونظام القيم في الإسلام . . .، تَوَاتَرَ استعمال عبارة “تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب” في أوساط عربٍ كثر، رسميين وغير رسميين، وساسة ومثقفين وإعلاميين، في سياق مسعى من هؤلاء جميعاً إلى تمييز أنفسهم عمن أدينوا بوصف الإرهاب من المسلمين، وإلى اجتراح سياسة دفاعية تكف عن دينهم ومجتمعاتهم أذى الاتهام ذاك وتبعاته السياسية . ولم تلبث العبارة أن فشت في الخطاب السياسي والإعلامي العربي - الرسمي والخاص - وانتشرت في الناس انتشار النار في الهشيم، لترسم سقف السياسات المطلوبة لمواجهة حملة التشهير وجدول أعمالها .

 

في الأثناء، وعملاً بقاعدة “تصحيح صورة الإسلام والمسلمين”، نشرت كتب، وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات للحوار بين الإسلام والغرب، ونشرت مئات المقالات في الصحف، وبثت مئات البرامج التلفزيونية، وأرسل مئات الدعاة إلى الخارج، وترجم القرآن الكريم إلى لغات عدة ووزعت منه مئات الآلاف من النسخ مجاناً في أمريكا وأوروبا . . . الخ، وكان مدار ذلك كله على إعادة تقديم صورة عن الإسلام يرضى عنها أهله وتجد المقبولية لدى الآخر . ولقد كان الجهد هذا ضخماً ومنسقاً، شارك فيه جمهور عريض من رجال الدولة والدعاة والمفكرين والصحافيين والسفارات، وصُرِفت فيه مبالغ مالية طائلة نهض بها إنفاقاً الدول والبنوك الإسلامية وجمعيات الدعوة والمتمولون الكبار . وبدا بحجمه عملاً غير مسبوق، على الصعيد الدعوي، في تاريخ المجتمعات الإسلامية الحديث، كما كان من حسن حظه أن صادف متغيرات صبت في رصيده، وفي رأسها الثورة الإعلامية والمعلوماتية والطفرة النفطية في السنوات السبع الأخيرة، فوفر له ذلك القدرة على المخاطبة والقدرة على الانفاق على مشروع يتطلب المال . على أن بعض ذلك الجهد “التصحيحي” ذهب إلى أبعد من ذلك، وغالباً تحت ضغط إملاءات خارجية، فانصرف إلى إنجاز جملة من المهمات المترابطة رامياً إلى التجاوب مع المطلوب منه دولياً من جهة، وإلى كبح جماح اندفاعة القوى الدينية المتطرفة من جهة أخرى، ومن ذلك أن القسم الأعظم من النظم القائمة في البلاد العربية والإسلامية دخل في سياسة مواجهة مفتوحة مع المؤسسات المالية والخيرية والدعوية التي ترعى قوى التطرف الديني وتوفر الدعم لنشاطاتها، أو تسهم في نشر أفكار التعصب وكراهية الآخر، فأقفل الكثير منها أو فرضت الرقابة المالية على تحويلاته بهدف تجفيف ينابيع التطرف، وهي إجراءات رافقتها حملات أمنية منظمة على الجماعات الدينية المتطرفة أو تضييق شديد على نشاطاتها الدعوية والثقافية والإعلامية . ثم إن من ذلك ما جرى من إعادة النظر في البرامج المدرسية للتكوين، وخاصة المتعلقة بالمواد الدينية والتاريخ في تلك البرامج، وما كان من تعديل وحذف فيها أثار حفيظة كثيرين ودفعهم إلى اتهام تلك السياسات بالنيل من مبادئ الدين وتزوير حقائق التاريخ إرضاء ل “القوى الصليبية” .

 

وليس يعنينا، في هذا المقام، أن نتناول بالتقييم مجمل هذه السياسات التي جرت في الداخل والخارج، تحت عنوان “تصحيح صورة الإسلام والمسلمين”، وماذا عساها تكون قد احرزته من نجاحات في هذا المضمار، بمقدار ما يعنينا التنبيه على خطأ الفرضية التي حكمتها كسياسات وما تزال تحكم الكثير من وجوه التعبير عنها حتى اليوم . وليست الفرضية التي نقصد، والتي تحتاج إلى نقد، سوى عبارة “تصحيح صورة الإسلام والمسلمين”، وما تنطوي عليه من دلالات أو تفيده من إيماءات .

 

يفترض الانطلاق من فكرة “تصحيح الصورة” أن ثمة تشويهاً لها يحتاج إلى تصويب وتشذيب، هذا معنى متقرر سلفاً بمقتضى عبارة التصحيح، فلا موجب لبيانه أو شرحه . لكن السؤال البديهي في مثل هذه الحال هو: من المسؤول عن هذه الصورة المشوهة: الغرب أم المسلمون؟ إذا كان الغرب مسؤولاً، وذلك ما يذهب إليه قسم كبير من المسلمين يسيئون به الظن دائماً، فهل تقبل الصورة في وعيه تصحيحاً من طريق إجراءات تحسين صورة المسلمين وتلميعها بالإعلام والدعاية والمؤتمرات وشروح الدعاة عقيدة الإسلام للغربيين؟

 

هل ذلك يكفي أو يشكل استراتيجية جديرة بالانتهاج؟ أليس حسن صورة المسلمين من حسن أحوال دولهم ومجتمعاتهم ومكانتهم في الإنتاج والابداع العلمي في العالم؟ أليس مما يقتضيه ذلك أن تتوقف الحروب الأهلية وظواهر الفقر والتهميش وانتهاكات حقوق الإنسان والميز الصارخ ضد المرأة والفساد السياسي والمالي في مجتمعاتهم؟ ثم من ذا الذي عليه ان يقدم للغرب صورة أخرى عن الاسلام كدين يدعو إلى العقل والتسامح والحوار: الدعاة المسؤولون عما لحق بصورة الإسلام أم المفكرون؟ أجهزة الإعلام والدعاية أم مراكز الدراسات والجامعات؟

 

أما إذا كان المسلمون هم المسؤولون عن تشويه تلك الصورة بأقوالهم وأفعالهم، كما يقول الغربيون، فإن علاج الإعضال لا يكون بالإجراءات الأمنية والرقابية والتضييق على الحريات، ولا بتغيير برامج الدين والتاريخ في المدارس لتستجيب لمعايير من يأمر بذلك، وإنما بثورة ثقافية تبدأ من نشر الفكر العقلاني في المدارس والجامعات، ورفع القيود عن البحث العلمي في ميادين العلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية والتراثية، وإفساح المساحات في الإعلام للفكر التنويري أسوة بجيوش الدعاة والمتنصبين للفُتْيَا في شؤون الدنيا والدين، إذ الأفكار لا تقارعها إلا الأفكار .

من دون هذه الخيارات الشجاعة، لن يكون من معنى لعبارة “تصحيح صورة الإسلام والمسلمين” غير تقديم الاعتذار للغرب وإقامة الحُجة علينا من أنفسنا .

============================

الصين وتركيا على طريق التحالف

آخر تحديث:الاثنين ,18/10/2010

عبد الزهرة الركابي

الخليج

فاجأت أنقرة كلاً من واشنطن وتل أبيب بمشاركة الصين في مناوراتها الجوية السنوية التي جرت في الفترة الأخيرة من 20 سبتمبر/ أيلول الماضي إلى الرابع من الشهر الحالي، ومضمون هذه المفاجأة، هو أن تركيا عضو في حلف الأطلسي، ومن غير المرغوب فيه، قيام أي عضو بتدريبات عسكرية مشتركة مع دولة أخرى، تُعد من الدول التي هي في خانة الدول المنافسة كالصين، ثم إن مشاركة الصين في هذه المناورات تأتي بعد قيام تركيا بمنع الدولة الصهيونية من المشاركة فيها كما جرت العادة، كذلك فالمشاركة الصينية هذه جاءت في أعقاب امتناع أمريكا ودول أخرى أعضاء في الحلف عن المشاركة فيها تضامنا مع “إسرائيل” .

 

يُذكر أنه، بعد العدوان “الإسرائيلي” على غزة قررت تركيا منع الدولة الصهيونية من المشاركة في المناورات الجوية السنوية التي يُطلق عليها “نسر الأناضول”، وفي العام الحالي قررت أمريكا وعدد من أعضاء حلف الناتو عدم المشاركة في هذه المناورات، احتجاجاً على منع مشاركة الدولة الصهيونية فيها، لكن تركيا فاجأت أمريكا و”إسرائيل” وأعضاء حلف الناتو مثلما أسلفنا، عندما أجرت هذه المناورات بمشاركة الصين التي كانت بمثابة البديل عن الدولة الصهيونية التي أقلقتها المشاركة الصينية كما أقلقت أمريكا، لاسيما وأن هناك تعاونا “لوجستيا” حصلت عليه الطائرات الصينية التي عبرت أجواء باكستان وإيران من خلال تزويدها بالوقود في البلدين المذكورين .

 

وقد شاركت الصين بأربع طائرات “سوخوي 27” في هذه المناورات، وعمدت أمريكا إلى محاولة عرقلة هذه المناورات، عندما تدخلت لدى تركيا لمنعها من اشراك طائرات “إف 16” في المناورات، بادعاء الخوف من أن تتسرب تكنولوجيا هذا الطراز من المقاتلات إلى الصينيين، وذكّرت واشنطن أنقرة بأن في الاتفاقية المعقودة لدى شراء هذا النوع من الطائرات بنداً يمنع تسرب تكنولوجيا الطائرات إلى بلد ثالث، وهو ما يمكن أن يحصل أثناء المناورات حيث تنفتح الكود الخاصة بالطائرات، ما اضطر تركيا إلى إشراك طائرات من طراز “اف 4” بدلاً منها .

 

وفي هذا السياق، تمّت تدريبات مشتركة بين الصين وتركيا من هذا القبيل في السابق، ولكنّ الاتراك أبعدوها كلياً عن الأضواء ووسائل الاعلام، كما ان التدريب الصيني التركي الأخير تمّ بسرية تامة للغاية، واقتصر الاعلان عنه على بيان صحافي مقتضب صدر عن الطرفين المشاركين .

 

واعتبر المراقبون أن مثل هذا التعاون العسكري الصيني التركي، يأتي استكمالاً للتعاون المطرد في القطاع الاقتصادي بين البلدين، كما أنه يمثل في نفس الوقت رسالة تركية واضحة لأمريكا، يُراد من ورائها إبلاغ واشنطن بأن تركيا قوة إقليمية لها دورها، وان مثل هذا التعاون التركي الصيني من الممكن أن يتكرر في إجراء مناورات مشتركة فوق الصين في المرة القادمة .

 

وإذا كانت المناورات الصينية التركية مؤشراً على أن هناك تقارباً في العلاقات العسكرية بين أنقرة وبكين، وربما يؤدي هذا التقارب إلى طريق تحالفي في هذا الجانب، فإن هناك أيضاً مؤشرات تدل على ابتعاد أنقرة عن واشنطن وتل أبيب، وربما أيضاً عن حلف الأطلسي، خصوصاً أن واشنطن ودولاً أخرى في هذا الحلف، اتخذت موقفاً سلبياً حيال أنقرة وذلك بعدم المشاركة في هذه المناورات كرد فعل مقابل للموقف التركي حيال الدولة الصهيونية .

 

إن السرية التي غلفت المناورات الأخيرة وعلى خلاف ما كان يجري في المناورات السابقة، دلالة على أن أنقرة بدت حريصة على عدم إطلاع حلفائها في الناتو على الخطط التي تم تنفيذها في هذه التدريبات المشتركة، على اعتبار أنها لم تعد تخص أعضاء حلف الناتو بعد مشاركة الصين وامتناع الدول الأعضاء عن المشاركة فيها، وبالتالي فإن أسرار هذه التدريبات هي ملك للدول المشاركة فيها .

 

لا شك أن أكثر المتضررين من هذه التطورات في العلاقات الصينية التركية، هي الدولة الصهيونية، التي كانت مستفيدة من التدريبات التي تجريها في الأجواء التركية، وبطبيعة الحال فإن هذه التدريبات الجوية تمنح الطيارين “الإسرائيليين” اطلاعاً كبيراً على خطوط المسارات الجوية القريبة من بلدين عدوين للدولة الصهيونية هما سوريا وإيران، حيث إن القادة العسكريين “الإسرائيليين” يدركون أنه برغم تعاون بعض الدول الأوروبية، إلا أن أحداً لا يستطيع تعويض الموقع الذي كان للدولة الصهيونية في تركيا، ويشددون على وجه الخصوص على حقيقة أن لتركيا حدوداً مشتركة مع كل من سوريا وإيران، ما يعني أن التدرب في تركيا هو في الواقع تدرب على تضاريس مشابهة لتضاريس الدولتين العدوتين .

 

وعلى كل حال، راحت “إسرائيل” تداري خيبتها بعدما خسرت الساحة التركية، وذلك بإجراء تدريبات مشتركة مع اليونان ودول أوروبا الشرقية مثل بولندا ورومانيا، بيد أن أكثر ما يثير خشيتها، هو الانتقال الدراماتيكي لتركيا، من موقع التحالف معها إلى موقع التقابل معها، لاسيما وان تركيا راحت تؤدي دوراً إقليمياً معادياً لها منذ عدوانها على غزة، وامتداداً حتى عدوانها الوحشي على “اسطول الحرية” .

============================

خيارا أوباما للسودانيين

البقعة الساخنة

أحمد ضوا

الثورة

وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما السودانيين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اجراء التصويت في جنوب السودان بموعده المحدد في بداية العام المقبل وتاليا انفصاله أو التهيؤ لسقوط ملايين القتلى والجرحى جراء عدم التقيد بذلك.

هذا التصريح لرئيس أكبر دولة في العالم لا يمكن ادراجه في اطار التحذيرات من عواقب ما أسماه أوباما المواعيد والاتفاقيات كما يحاول البعض تفسير ذلك، بل هو تهديد معلن لكل السودانيين الذين يريدون الوحدة أن يفكروا ملياً قبل التصويت على هذا التوجه.. فربط الرئيس الأميركي اجراء التصويت في موعده المحدد وبين القول إن الانفصال هو سيد الموقف والخيار الذي لابد منه، رسائل أميركية شديدة الوضوح لفريقي الانفصال والوحدة في جنوب السودان خاصة وعموم السودان بوجه عام.‏

إن الحرص الأميركي في السودان على احترام الاتفاقيات والمواعيد والالتزامات وعدم انسحابه إلى أماكن أخرى دليل ومؤشر لا شك فيه حول السعي الأميركي لتفتيت السودان كمقدمة لإجراء تغييرات جيوسياسية في أفريقيا بالكامل وتطنيش الادارة الأميركية لكل التحذيرات الاقليمية والدولية من مخاطر انفصال جنوب السودان على الأمن والاستقرار في القارة السمراء المهزوز في أكثر من بقعة دليل على النوايا الأميركية الاستعمارية في هذه القارة التي لا يمر عام إلا وتعيش على وقع مجازر دموية وقودها شعبها الفقير ومحركها تلك الدول التي تستعيد شيئاً فشيئاً تاريخها الاستعماري والعنصري في هذه القارة.‏

من المهم أن يدعو الرئيس أوباما إلى احترام المواعيد والاتفاقيات ولكن الأهم أن تكون أميركا القدوة في هذا الشأن وهي ليست كذلك على الاطلاق بل هي من أكثر الدول التي لم تلتزم بأي وعد أو معاهدة وخاصة إذا كانت مرتبطة بالمصالح الإسرائيلية - الأميركية. والمثال الساطع في كل يوم وعودها للشعب الفلسطيني ووقوفها مع إسرائيل التي ترفض المعاهدات والقرارات الدولية الممهورة بالختم الأميركي.‏

كنا نتمنى من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لا يترك فرصة إلا ويتحدث عن السلام في المنطقة أن يحذر إسرائيل من مخاطر عدم التزامها بالرؤية الأميركية للسلام التي من ضمنها وقف الاستيطان خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكن ذلك لم يحصل على الاطلاق بل تغطي الادارة الأميركية ضعفها وانحيازها لإسرائيل بممارسة الضغط على الفلسطينيين أصحاب الحق والعرب ليقبلوا بالمواقف الإسرائيلية.‏

بالتأكيد الدعم الأميركي المعلن لانفصال جنوب السودان لا يأتي لأنه يحقق مصلحة الجنوبيين على الاطلاق أو خوفاً من عواقب الوحدة عليهم بل لأنه مصلحة أميركية إسرائيلية بالدرجة الأولى ومراكز الدراسات في كلا الجانبين بدأت بتسريب الخطوات اللاحقة.‏

============================

ميزان القوى لم ينقلِب في لبنان !

سركيس نعوم

النهار

18-10-2010

لا يزال البعض من أهل السياسة في لبنان، وهو للمناسبة قريب جداً من فريق 14 آذار، يرفض الاعتراف بأمرين رغم ان الدلائل على صحتهما ليست قليلة على الاطلاق. الأمر الأول، هو أن ميزان القوى في البلاد لم ينقلب لمصلحة فريق 8 آذار الذي يقوده "حزب الله" وتدعمه سوريا وايران، وإن كثر الحديث عن هذا الأمر باعتباره واقعاً جعله كذلك في اذهان الناس والمواطنين وقد أصابهم بشيء من الاحباط والقلق وربما الخوف. والدلائل على ذلك كثيرة في رأيه. منها ان الطائفة الشيعية ليست كلها مع التوجه السياسي الداخلي والاقليمي الذي تؤمن به وتروج له القوتان الشيعيتان الاساسيتان في لبنان أي "حزب الله" وحركة "امل". فهناك قسم من ابنائها قد لا يكون كبيراً، وقد يكون اما نخبوياً في معظمه، واما جزءاً من تيارات واحزاب وانتماءات سياسية قامت القوتان المذكورتان على انقاضها بعدما ساهمت ممارساتها وكذلك التطورات الاقليمية والمحلية وابرزها الحروب منذ عام 1975، في افقادها الكثير من قواعدها. ومنها ايضاً ان التحول الجذري للزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط في اتجاه "حزب الله" ومن خلاله في اتجاه سوريا، وتحوّله داعية لمطالب الحزب ولمواقف دمشق وخصوصاً المتعلقة ب"المحكمة الدولية" وبأمور أخرى كثيرة، لم يرافقه تحول مماثل عند قاعدته الدرزية الكبيرة جداً بل عند غالبية الطائفة الدرزية التي اعتبرته كما والده الشهيد كمال جنبلاط الزعيم الأول لها. وقد جهر المعترضون من الدروز بمواقفهم السلبية من التحول المذكور سواء من داخل الحزب التقدمي الاشتراكي او من خارجه. ولا يبدو انهم، ورغم كل الجولات التي قام بها وليد بك لاستعادة اجماع الطائفة أو شبه اجماعها عليه بعد تحوله الانقلابي، سيغيرون مواقفهم، على الاقل في المستقبل المنظور. ومنها ثالثاً، ان في مقابل "البلوك" الشيعي الكبير صاحب الموقف "الانقلابي"، وصاحب القوة العسكرية الاكبر في البلاد أو بالأحرى الوحيدة فيها، هناك "بلوك" سنياً كبيرا جداً في مواجهته، وهو يرفض كل اطروحاته الانقلابية في رأيه، كما انه مستعد لمواجهتها بأي وسيلة يملكها. وهذه المواجهة تقلق "حزب الله" وفريق 8 آذار لأنها تطلق حرباً مذهبية مؤذية له اسلامياً وعربياً ومحلياً ودولياً، وتفقده مبرر وجوده المسلح بل مبرر سلاحه الذي هو مقاومة اسرائيل، وليس مقاومة اخصامه او منافسيه في الداخل او المختلفين معه في العقيدة الدينية أو في المذهب الديني أو في الايديولوجيا الدينية - السياسية. ومنها رابعاً، انقسام الطائفة المسيحية فريقين: واحداً مع 14 آذار و"تيار المستقبل" الذي يقوده، وآخر مع "حزب الله" الذي يقود فريق 8 آذار وقد لا يكون التمثيل الشعبي المسيحي متساوياً عند القسمين. لكن التطورات الكثيرة التي حصلت على الساحة الداخلية قلصت الفارق في نسبة التمثيل بينهما. ومن شأن ذلك تعطيل التأثير الفعلي لهذه الطائفة في مجريات الحوادث، ودفعها الى تلافي التورط فيها اذا تحولت عسكرية او عنفية لأنها ستكون الخاسر أياً يكن الطرف الاسلامي الرابح. في النهاية، وبموقف كهذا يخسر اكثر الفريق الشيعي الذي يعتمد على حلفائه المسيحيين أو الذي قد يضطر الى الاعتماد عليهم في مسارات معينة من الصراع العنفي، اذا نشب لا سمح الله. ومنها خامساً، الوضع الاقليمي والدولي الذي يميل "المهوِّلون" واصحاب السلاح الى تجاهله، والذي قد لا يسمح ورغم الظروف الصعبة لأطرافه بحسم يقرره السلاح، ويكون على حساب فئات بل طوائف ومذاهب داخل لبنان، ولمصلحة اخصامهم الاقليميين اصحاب مخططات السيطرة على المنطقة وفي مقدمهم ايران الاسلامية. ومن هؤلاء الاطراف تركيا "حزب العدالة والتنمية الاسلامي" الحاكم، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، واستطراداً الاردن رغم ضآلة امكاناته غير العملانية طبعاً. ومن هؤلاء المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة التي حذرت قبل ايام وعلى لسان مساعد وزيرة خارجيتها لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وكان في زيارة للقاهرة، سوريا من التورط في ما يخطط له "حزب الله" في لبنان وربما بدعم من ايران. اذ قال "ان سوريا تعرف ان علاقتنا بها مرتبطة بمدى حرص اصدقائها في لبنان على المحافظة على الاستقرار فيه". ومن الدلائل على دور ما للوضعين الاقليمي والدولي حامٍ للحد الادنى، من توازن القوى الداخلي في البلاد أو بالاحرى مانع للقوة المسلحة من فرطه بواسطة سلاحها، امتناع "حزب الله" عن اقتحام السرايا الحكومية اثناء "اعتصام بيروت" او احتلال وسطها. وكان سبب الامتناع "نصح" ايران "الحزب" بذلك، ولكن بعد اتصال "حاسم" من تركيا الاسلامية بقيادتها، وليس اقتناعاً منه ورغم "التحريض" السوري بسلبية الاقتحام عليه وعلى البلاد، على الاقل كما يقول كبار فيه.

اما الامر الثاني الذي لا يزال البعض نفسه من اهل السياسة في لبنان، وهو قريب من فريق 14 آذار، يرفض الاعتراف به فهو اقدام "حزب الله" على حسم الصراع الدائر في لبنان عسكرياً رغم الحديث المستمر عن ذلك والسيناريوات التي تنشرها وسائل الاعلام ويلوح بها اقطاب 8 آذار ومؤيدوهم. فهذا مجرّد تهويل لا يمكن تنفيذه. واذا جُرِّب فان الاخفاق سيكون مصير منفذيه. ولذلك فانهم لن يلجأوا الى السلاح عملياً.

وفي الانتظار تستمر المحكمة الدولية ويستمر الدعم الدولي والعربي لها وربما تستجد تطورات سواء عسكرية اقليمياً تضعف 8 آذار، أو سياسية مثل مفاوضات فتسوية بين سوريا واسرائيل، ومفاوضات فتفاهم بين ايران واميركا لا بد ان تدفع هذا الفريق الى الاعتدال.

هل النظرة المتفائلة للبعض نفسه من الجهات السياسية اللبنانية في محلها؟ ام انها مجرّد تمنيات؟

============================

من أجل تعايش سلمي بين الثقافات والديانات

بقلم: رجب طيب أردوغان وخوسيه لويس ثاباتيرو‏

في مبادرة إطلاق «تحالف الحضارات»‏

لوفيغارو

الأثنين 18-10-2010م

ترجمة: سهيلة حمامة

النهار

خلال الحقبة الأخيرة من عصرنا الحالي شهدنا وللأسف أحداثاً طارئة تستوجب اللوم والنقد، أفرزتها انشقاقات دينية واختلافات ثقافية في بلدان عدة متميزة في تراثها وحضارتها،

لتتخطى حدودها وتنتشر بسرعة صوت «المفرقعات» باتجاه كل حدب وصوب!‏

أحداث مأساوية تشير بوضوح أننا نسكن عالماً يزداد فيه التداخل الثقافي والعقائدي والديني والتواصل الاجتماعي حد التشابك والتعقيد.‏

عالم يوفر فرصاً ثمينة تقابلها تحديات هائلة.. عالم تصم أذنيه دوي أزمات متنوعة من زواياه الأربع.. ينذر بخطر وشيك ليس ككل الأخطار، يلّح علينا أجمعين ابتكار آليات مرنة تقدم حلولاً واقعية وعملية لهذا السيل الجارف من التحديات التي تفرضها العولمة.‏

لذلك سارعت هيئة الأمم المتحدة بتأسيس ما يسمى «تحالف الحضارات» ومنشؤه، في الواقع، مبادرة تجسدت في رحم إرادة حملت أجوبة شافية وافية لأزمة الثقافات المتداخلة، ومن أهدافها الرئيسة تكريس التفاهم المتبادل بشكل أفضل، عن طريق بناء جسور بين المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة، والمطالبة بأسلوب تعايش متناغم بين الشعوب ذات التقاليد الدينية والثقافية المختلفة. بعبارة موجزة نقول بينما كنا نتهيأ للاحتفال بالذكرى السنوية التاسعة لاعتداءات 11 أيلول،استطاع التحالف أن يبرهن تميزه في مقاومة القوى التي تهود السلم العالمي.‏

وتحت رعاية، تركيا واسبانيا، تحولت المبادرة تلك المنطلقة من السكرتاريا العامة للأمم المتحدة في تموز عام 2005 إلى برنامج سياسي ذي مرجعية فيما يتعلق بالحوار وتآزر الثقافات المختلفة. وبعد مضي خمس سنين من العمل الدؤوب يستند التحالف، اليوم، على دعم الشريحة العظمى من دول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وقرابة عشرين منظمة دولية تشكل معاً أعضاء في «مجموعة الأصدقاء» التابع للتحالف، والمتعلقة بشدة بمبادئ الاحترام والتفاهم المتبادلين، كما التسامح والقبول بسرور بالتنوع الثقافي، والمصممة بعزم على العمل في مشاريع خاصة جنباً إلى جنب مع أي مجتمع مدني يبدي مساهمة أكبر كل يوم.ولا نبالغ في القول إن ثمة منظمات غير حكومية، ومؤسسات خاصة، ووسائل إعلام، وقادة دينيين، واجتماعيين وشخصيات أخرى اعتبارية على امتداد العالم تشارك جميعها وبفعالية كبرى في تحقيق المبادرة إياها, كما يشهد على ذلك منتدى تحالف الحضارات العالمي الذي انعقد في أيار الماضي في مدينة Riode janeiro

ومازاد في تشجيعنا إجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009 مدعماً بقرار 14/64، وتصميم الرئيس الأمريكي أوباما، في هذه السنة للانضمام إلى مجموعة الأصدقاء. جميع هذه التطورات تؤكد أكثر أن تحالف الحضارات مبادرة ملائمة اتخذت في اللحظة الحاسمة.‏

إلى ذلك يرتكز ضمان التحالف على وسيلتين ناجحتين أولاهما تتجه نحو الحصول على نتائج بفعل تحقيق مشاريع ملموسة في مجالات التربية والشبيبة والمهاجرين ووسائل الإعلام، وبالفعل بدت النتائج المسجلة في هذا اليوم مشجعة ومن ضمن المشاريع المستخدمة نذكر بوجه خاص آلية الإعلام للرد السريع، وهي بمثابة جهاز إنذار سريع لكشف الأحداث التي تنذر بنزاعات وخلافات، ومراكز مصادر تستخدم للتدريب على تفسير وشرح وسائل الإعلام ، ومركز التربية الدينية والعقائدية لأقوام وشعوب مختلفة، وبرنامج دولي للشراكة للقادة الشبّان، إضافة إلى مشروع silatech ويمثل في الواقع مبادرة ترمي لتشجيع توظيف واستثمار الشباب في العالم العربي.‏

وثانيهما تتمثل بقدرتها على إحداث تزاوج أو توحيد مابين مقاربة عامة( طريقة معالجة موضوع ما أو فهمه) وإجراءات معتمدة لتحقيق حاجات نوعية لكل مجتمع مع ضرورة استنادهما أعني الوسيلتين، أيضاً إلى مبادرات على المستويات الإقليمية والمحلية والدولية معاً.‏

وهكذا استراتيجيات إقليمية في الجنوب الغربي من أوروبا ، والبحر المتوسط، كما أمريكا اللاتينية، في إطار التحالف طبعاً وثمة بالمقابل خمس وعشرون دولة عبر العالم تبنت خطة وطنية من أجل الحوار بين الثقافات يعتمد على تشجيع مساهمات محلية «دبلوماسية بين المدن » والتبادلات بين شعوب وجماعات ذات تقاليد ثقافية مختلفة.‏

ودوماً عبر التحالف تستطيع هيئة الأمم المتحدة تعزيز قدرتها في التغلب على التحديات العالمية ومن هذه الناحية يمثل التحالف أداة قوية لخدمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بقدر مايمثل من أداة دبلوماسية وقائية وعنصر مكون للسلام.‏

وفي الواقع يمثل التعايش للثقافات والأديان المختلفة إحدى التحديات الهامة التي يواجهها المجتمع الدولي في القرن الواحد والعشرين، لقد برهنت تركيا وإسبانيا مثل أعضاء كثر في مجموعة الأصدقاء عن التزامهم الوطيد والراسخ لتكثيف وتوثيق التعاون بشكل أكبر بين الدول، إن بناء جسور ممتدة وتحريك الحوار باسم التفاهم المتبادل إنما يمثل إحدى أولويات أهدافنا، التعطل والكسل ليسا في الرهان على الإطلاق ، بل ساحتنا واسعة جداً للنيات الحسنة والعمل الجاد المخلص.‏

ولنا أن نضاعف جهودنا لخلق عالم أفضل وأكثر أمناً وسلاماً، وتحويل بؤر الاختلافات والنزاعات الثقافية والدينية إلى ينابيع ثرّة من التفاهم والتآزر والتعاضد وبهذه الوسلية الممكنة نستطيع، وبعون الله، تعزيز أركان السلام والتطور لمنفعة شعوبنا والأجيال القادمة على حدّ سواء.‏

============================

عالم مستنزف

بقلم :محمد فاضل

البيان

18-10-2010

جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتكمل حقبة تاريخية أبرز ما يميزها هي غياب النماذج الكبرى في الرؤى والزعامات على مستوى العالم. وهي بهذا تمثل ذروة للمرحلة الممتدة منذ نهاية الحرب الباردة (أوائل تسعينات القرن الماضي)، التي اعتبرت نصراً للمعسكر الغربي والرأسمالية في طورها الجديد.

 

لكن هذه الذروة (الأزمة الاقتصادية) تمثل استنزافاً لعالم بدأ يعاني من الترهل فعلاً على المستوى السياسي. لقد اعتبرت نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي السابق نصراً للرأسمالية والمعسكر الغربي.

 

وكان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) يتحدث غداة حرب الخليج الثانية (1991) عن نظام عالمي جديد، لكن العبارة ظلت مبهمة ولم تكن ملامح ذلك النظام الجديد قد تبلورت أو تشكلت حتى في أذهان مخططي السياسة الأميركيين والرئيس نفسه.

 

كانت تلك فترة اندفاعة للولايات المتحدة بحق. فبعد ان طرد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الجيش العراقي من الكويت، أرسلت إدارة الرئيس بوش قواتاً أميركية إلى الصومال الممزق بفعل الحرب الأهلية. وكانت عبارة النظام الدولي الجديد لاتزال تتردد على لسان الرئيس وأركان الإدارة. لكن دون عناء كبير، كان النفط وراء هذه المهمة الجديدة.

 

فلقد أرسل بوش الأب القوات الأميركية إلى الصومال بضغط من شركات النفط الأميركية العاملة هناك والتي حصلت على امتيازات للتنقيب وكان من الضروري حماية هذه الاستثمارات في بلد فقد سلطته المركزية وغاص في أتون الحرب الأهلية، وليس لأي اعتبار آخر.

 

في ذلك الحين، كانت روسيا تتخبط تحت إدارة الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وهي تتلمس طريقها بعد سيطرة المافيات على الاقتصاد الروسي الذي غدا اقتصاداً مفتوحاً.

 

فيما اجتاحت العالم موجة من الإعجاب المتنامي بالأسواق الحرة والخصخصة، تنعي كل تلك النماذج الاقتصادية المغايرة التي كانت تعطي للدولة دوراً يقل أو يكبر في إدارة الاقتصاد.

 

كانت آسيا، قد اختارت مبكراً نماذجها، الصين وهي تواصل وصفتها الخاصة: اقتصاد حر رأسمالي تحت إدارة حزب واحد. النمور الآسيوية.

 

أما الهند فقد راحت تتخلى عن القطاع العام بحذر وتفتح أسواقها للاستثمارات الغربية يساعدها في ذلك (مثل الصين) سوق هائل يغري المستثمرين وكوادر بشرية من الإداريين والمخططين الاقتصاديين مؤهلة تأهيلاً عالياً ويد عاملة رخيصة.

 

كانت الهند توالي مقاربات بدأتها منذ ثمانينات القرن الماضي، ولم تأت أواخر التسعينات إلا وكان الاقتصاد الهندي يحقق معدلات نمو تجاوزت ذلك المعدل الذي اسماه الاقتصاديون الهنود «معدل النمو الهندوسي» الذي لم يكن يتجاوز ثلاثة في المائة. دول أميركا اللاتينية لم تتخلف عن ركب المأخوذين بالاقتصاد الحر ولا دول منطقتنا، الشرق الأوسط.

 

تلك السنوات تميزت (حتى اليوم)، بنماذج نجاح اقتصادي باهرة في بعض المناطق، ومعدلات نمو اقتصادي قياسية تتعدى عشرة في المائة سنوياً كمعدل، لكن في ظل غياب قامات كبيرة في الزعامة السياسية، عدا استثناءات قليلة. لقد حدث تحول مهم.

 

فبعد ان كانت الزعامة معقودة للسياسيين والمناضلين القدامى في الأحزاب التي قادت معارك الاستقلال، انعقد لواء القيادة لنمط جديد من الزعماء هم في الغالب المخططين الاقتصاديين. ومن نجح منهم في الوصول إلى سدة الحكم قدم نموذج نجاح خاصاً به. أبرز من يمكن الإشارة لهم هنا هو رئيس وزراء ماليزيا السابق: مهاتير محمد.

 

حقبة الرئيس بيل كلينتون في الولايات المتحدة، التي امتدت ثماني سنوات، شكلت ما يمكن تسميته بفصل أخير من النجاح. فبيل كلينتون الذي ترك جانباً كل مخططات التدخل في مناطق العالم وتراجع استخدام القوة في عهده إلى أدنى الحدود، قاد نجاحاً اقتصادياً قياسياً انعكس في رخاء لا مثيل له في التاريخ الأميركي.

 

وبالتوازي، كانت الصين والهند تواليان نمواً اقتصادياً حرك في جزء كبير منه الطلب على النفط والتجارة الدولية. الخلاصة هناك ان عهد كلينتون كان آخر عهد لذلك المزيج الذي ميز الأحزاب العمالية في أوروبا ونسختها الأميركية (الحزب الديمقراطي): مزيج من الأفكار الكبرى للرعاية واقتراب سياسي من اليمين.

 

وعلى نحو ما، يمكن القول ان ذلك الفاصل كان آخر رد على مرحلة ثلاثي مارغريت تاتشر (بريطانيا) ورونالد ريغان (أميركا) وهيلموت كول (ألمانيا).

 

فهؤلاء الذين وصلوا إلى الحكم في بداية ثمانينات القرن الماضي، قادوا تلك الموجة التي أعادت الاعتبار للأفكار الرأسمالية الصميمة. فما ان بدأت تاتشر في بيع مؤسسات القطاع العام، إلا وظهرت مدرسة اقتصادية جديدة أخذت بألباب العالم اسمها «الخصخصة».

 

وها هي الأزمة المالية تعيد الاعتبار لدور الدولة من جديد عندما لم تجد الحكومات مناصاً من ضح مليارات الدولارات لإنقاذ المصارف المفلسة (التي تسببت في الأزمة) وإنقاذ قطاعات صناعية أخرى.

 

حتى الآن، فان التعافي الاقتصادي وعودة الانتعاش مازال يعتمد على دور الحكومات، فما هي العبرة من ذلك كله؟

 

العبرة ان النموذج الاقتصادي الذي عرفه العالم في العقود الثلاثة الأخيرة بات بحاجة إلى مراجعة. العالم كان قد بدأ يفتقد للقادة الرؤيين، وكانت حقبة الحرب الباردة حقبة صراع تدفع كل أطرافها إلى مواجهة تحديات تتعلق بالبقاء أكثر.

 

أبعد من هذا، تأتي الأزمة الاقتصادية المخيمة الآن لتظهر ان العالم المستنزف إلى أبعد مدى، بات بحاجة إلى قادة استثنائيين. ولربما يلعب المخططون الاقتصاديون أدواراً أكبر في المستقبل.

 

لربما نشهد مرحلة يتبوأ فيها المخططون الاقتصاديون سدة الحكم بدلاً من الجلوس أمام شاشات الحواسيب في غرف المقاصة في البورصات أو قاعات المحاضرات في الجامعات أو مجالس إدارات الشركات.

============================

من الردع النووي نحو الأمن العالمي

بقلم :صحيفة «إزفستيا» الروسية

البيان

18-10-2010

تحولت فكرة الردع النووي إلى عقبة لا تجتاز على الطريق غير السهل والطويل لنزع السلاح العالمي. وليس سرا وجود ثمة أعداء لعملية نزع السلاح النووي ليس فقط في الولايات المتحدة، بل وفي روسيا أيضا. وهناك أشخاص ليس بوسعهم التخلص من قوالب إيديولوجية الحرب الباردة.

 

لكن ثمة عدد غير قليل من أولئك الذين يطرحون مخاوف غير خالية من المبررات والحجج بهذا الشأن. ولا يمكن تجاهل هذه الحجج بل يجب أخذها بعين الاعتبار بشكل جدي إذا أردنا القضاء على حواجز واقعية منصوبة على طريق تقليص الأسلحة النووية اللاحق.

 

يظن البعض في روسيا على سبيل المثال أن القدرة النووية للبلاد تعتبر عاملا رئيسيا لوضع روسيا القانوني بصفتها دولة عظمى. وفي حال نزع هذه الصفة عنها فان الولايات المتحدة وغيرها من الدول ستتخلى عن حسبان مصالح روسيا على الصعيد الخارجي.

 

إننا مقتنعون بان الوضع القانوني لروسيا في العالم سيعتمد أساسا على مدى تطور اقتصادها وارتفاع مستوى معيشة شعبها والحقوق الاجتماعية والسياسية والحريات الممنوحة للمواطنين ومستوى العلم والثقافة.

 

لكن روسيا مضطرة إلى الاحتفاظ بالقدرة العسكرية الكافية بما فيها القدرة النووية للدفاع عن نفسها وحلفائها والذود عن مصالحها الشرعية ما دام التهديد باستخدام القوة العسكرية قائم في العالم.

 

إذن فان الطريق نحو نزع السلاح النووي يمر خلال ارتفاع الثقة بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين. لقد أعلنت إدارة اوباما سياسة تعدد الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الدولي وترسيخ أصوله القانونية ومؤسساته العاملة وأولوية الطرق الدبلوماسية في حل المشاكل المتنازع عليها والشراكة المتساوية في الحقوق مع روسيا.

 

ومن المهم أن تطبق هذه المبادئ في الممارسات الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها. ويخص هذا الأمر منظومة الدرع الصاروخية والأسلحة التقليدية وحاملات الأسلحة الإستراتيجية غير النووية وبرامج عسكرة الفضاء الكوني. وستتطلب هذه المسارات وغيرها من الاتجاهات في الوقت القريب المزيد من الجهود الرامية إلى تعزيز الثقة.

 

فيما يتعلق بالمستقبل البعيد المدى فإننا وصلنا إلى استنتاج مفاده أن عالما خاليا من الأسلحة النووية، ليس عالمنا المعاصر نزع عنه السلاح النووي.

 

لأنه من الضروري تشكيل نظام دولي مبني على مبادئ ومؤسسات أخرى علما أن العالم الخالي من السلاح النووي لا يجب أن يتحول إلى عالم تندلع فيه حروب باستخدام أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية والأسلحة غير النووية الحديثة وأنظمة قائمة على مبادئ فيزيائية جديدة.

 

المقصود هنا ليس الحروب الكبيرة فحسب، بل النزاعات الإقليمية، علما إن الدول الصغيرة تصف حاليا السلاح النووي بأنه وسيلة فعالة لتحييد التفوق الهائل الذي اكتسبته الدول الكبرى في مجال الأسلحة التقليدية.

 

ويعتبر هذا الأمر بالذات دافعا قويا لانتشار السلاح النووي على المستوى الإقليمي مما يولد خطر الإرهاب النووي.. إن إزالة هذه المخاطر يتطلب تشكيل آليات أمنية للحل السلمي للنزاعات الدولية الكبيرة والإقليمية الصغيرة على حد سواء.

 

لذلك فان فكرة نزع السلاح النووي التي يجب أن تبقى هدفا استراتيجيا لا يمكن تطبيقها إلا في سياق عملية إعادة التنظيم الشامل للنظام العالمي كله. وسيساعد هذا الأمر دون شك في حل غيره من القضايا المحورية المطروحة أمام القرن الحادي والعشرين.

 

ومنها قضايا الاقتصاد العالمي والأموال العالمية وتأمين الطاقة والبيئة والمناخ والقضايا الديموغرافية والأوبئة المعدية والجرائم الدولية والتطرف الديني والاثني.

وفي هذا السياق فان نزع السلاح النووي لا يعتبر هدفا بحد ذاته بل يعد أحد الاتجاهات والمقدمات المهمة لإعادة تنظيم الحياة الدولية على أساس أكثر تمدنا وحضارة ووفقا لمتطلبات القرن القادم.

============================

لماذا تنشر واشنطن رعب «القاعدة» في أوروبا؟!

ياسر الزعاترة

الدستور

18-10-2010

كان مفاجئاً ذلك الإعلان الأمريكي الذي صدر قبل أسبوعين وطالب المواطنين الأمريكيين بتوخي الحذر أثناء سفرهم لأوروبا بسبب إمكانية وقوع هجمات "إرهابية" على عدد من المدن الأوروبية ، وقيل في التفصيل إنها قد تكون على شاكلة هجمات بومباي.

 

وعندما تساءلت الأوساط السياسية عن حقيقة الحيثيات التي استندت إليها واشنطن في إطلاقها التحذير المذكور ، أجاب جيمس جونز ، المستشار الأمني للرئيس أوباما (استقال مؤخراً) قائلاً إن السلطات الأمريكية ليست لديها أية دلائل على وجود أهداف محددة ، فيما كشفت بعض المصادر الأوروبية أن المعلومات المتوفرة لا تعدو أن تكون اعترافات لسجين ألماني من أصل أفغاني معتقل في قاعدة باغرام الأمريكية ، وقد تأكد ذلك عندما أذاعت شبكة فوكس نيوز الأمريكية تقارير أشارت إلى أهداف محددة من بينها فندق إدلون في برلين وبوابة براندنبورغ الشهيرة وبرج التلفزيون في العاصمة الألمانية.

 

من المفيد ابتداءً القول إن القاعدة هي أسعد الناس بمثل هذه التحذيرات ، والسبب أن ذلك يبقيها في دائرة الضوء والتأثير ، كما أنه يؤكد جزءًا من نظرية عملها ونشاطها ممثلة في استنزاف الأعداء مالياً ، حيث تكلف الإجراءات الأمنية المتبعة في المناطق الحساسة مبالغ طائلة سبق أن أشار إليها أسامة بن لادن في إحدى رسائله ، بل إن بعض عناصر القاعدة ، وربما بعض المؤمنين ببرنامجها أيضاً قد يقومون هم أنفسهم ببث رسائل معينة يُفهم منها احتمال وقوع هجوم هنا أو هناك ، فقط من أجل بث الرعب ، وهو جزء مما يسميه البعض "الجهاد الإلكتروني".

 

قد تكون للتحذيرات التي تنطلق بين حين وآخر صلة ببعض الأجهزة الأمنية التي تقدم معلومات من هذا القبيل على سبيل الاحتياط ، فإذا وقع هجوم ولو هامشي هنا أو هناك قالوا إنهم سبق أن حذروا ، متجاهلين عشرات التحذيرات التي ثبتت عبثيتها ، بل ومتجاهلين أيضاً عشرات الخلايا التي أعلنوا إلقاء القبض عليها ثم ثبت أنها لم تكن خلايا ولا ما يحزنون ، بدليل الإفراج عن أعضائها بعد قليل أو كثير من الوقت.

 

على أن هذا التحذير الذي نحن بصدده ، وفي هذا التوقيت بالذات لم يكن عبثياً كما يبدو ، والأرجح أنه كان مقصوداً لأهداف سياسية أكثر من أي شيء آخر ، بل إننا نميل إلى أنه أطلق بترتيب مع الدول الأوروبية الأساسية (بريطانيا ، فرنسا ، ألمانيا) التي تتحالف مع الولايات المتحدة فيما تسميه الحرب على الإرهاب.

 

إن تصاعد أعداد القتلى من جنود الناتو ، وبخاصة من الدول المشار إليها هو الذي يقف على ما يبدو وراء التحذير المشار إليه ، إلى جانب أسباب أخرى ، ذلك أن زعماء الدول المذكورة يحتاجون إلى تبرير يقدمونه للجمهور بخصوص نعوش القتلى التي تصل تباعاً ، وعلى نحو مرعب ، من أرض المعركة في أفغانستان ، وليس لديهم سوى تحذيرات من هذا النوع تبرر تلك الحرب وتؤكد أنها ضرورية لمنع مزيد من الهجمات التي تخططها القاعدة من هناك ومعها حلفاؤها في حركة طالبان على جانبي الحدود الأفغانية والباكستانية. وقد يضاف إلى ذلك جعلها بمثابة تبرير للأعداد المتزايدة من القتلى المدنيين (الباكستانيين) الذين يسقطون بسبب هجمات الطائرات بدون طيار ، والتي يقال إنها تستهدف عناصر "الإرهابيين" في تلك المناطق.

 

والحق أننا لا نستبعد أن تقوم بعض الجهات الاستخبارية الغربية بافتعال هجمات هنا أو هناك عبر بعض أشكال الاختراق لعناصر إسلامية من أجل القول إن التحذيرات كانت جدية ، وبالتالي إقناع الناس بأهمية الحرب التي تخوضها قواتهم في أفغانستان من دون أي أمل بالانتصار.

 

المثير للسخرية في سياق التحذير الأخير هو القول إن الهجمات المتوقعة يمكن أن تكون دموية على غرار هجمات بومباي ، فيما يدرك العقلاء أن وقوع هجوم من هذا النوع في أية عاصمة أوروبية ينبغي أن يقيم الدنيا ولا يقعدها لأنه يعبر عن فشل أمني من العيار الثقيل ، إذ ماذا تفعل تلك الأجهزة وعملاؤها وكاميراتها وأجهزة التنصت التي لا تترك شاردة ولا واردة ، فيما أثبتت تجربة السنوات الأخيرة أن أية هجمات محتملة لن تعدو أن تكون أعمالاً فردية ينفذها من آمنوا بنموذج القاعدة من بعيد دون اتصال مباشر مع قيادتها مثل نضال حسن وعمر الفاروق.

 

من المؤكد أن المسلمين في الغرب سيتضررون كثيراً من هذه التحذيرات المتواصلة التي تبقيهم في دائرة الشبهة ، ليس بالنسبة للأجهزة الأمنية التي تعرف الحقيقة ، بل بالنسبة للناس العاديين أيضاً ، كما تسيء إلى صورة الإسلام والمسلمين عموماً ، وهو ما يؤكد خطأ التفكير في أية عمليات تستهدف الناس المدنيين في تلك الدول ، خلافاً لقتال جنودها في أفغانستان أو العراق.

============================

مشكلة أوباما اليهودية

ابراهام بن تسفي

اسرائيل اليوم الاسرائيلية

الرأي الاردنية

18-10-2010

أحد التحالفات الأكثر قِدما في السياسة الامريكية، والذي صمد حتى الآن في اختبار الزمن وحافظ على طابعه الخاص وخطوطه الهيكلية التقليدية، كان التحالف الذي تبلور قبل ثمانية عقود تقريبا بين الطائفة اليهودية والحزب الديمقراطي.

في ظل الدرك الأسفل الساحق، الرئيس فرنكلين روزفلت وضع البنية التحتية لقيام تحالف الأقليات الأكبر، والمدماك اليهودي كان عنصرا مركزيا في اطاره. وبالفعل، في ظل التعاون الكامل مع جماعات اجتماعية وعرقية اخرى، عمل يهود الولايات المتحدة بمثابرة على الدفع الى الأمام برؤيا دولة الرفاه دفاعا عن الطبقات الضعيفة.

منذ الثلاثينيات وجدت الطائفة اليهودية بيتا حارا في حضن الحزب الديمقراطي. المواقف الليبرالية للطائفة، التي عكست حساسية وعطفا على مصاعب مهاجرين وأقليات عرقية اخرى ايضا، ولا سيما على خلفية الازمة الاقتصادية الحادة وعصر التمييز والفصل العرقي، انخرطت مع المفهوم الفكري للرئيس روزفلت.

وقد سعى هذا الرئيس الى توسيع الدور الفيدرالي في الاقتصاد والى الاقتلاع من جذورها للرأسمالية منفلتة العقال، الساحقة وعديمة الكوابح التي تتحرك بشكل حصري من قوى السوق (التي أثبتت نفسها كهدّامة في 1929).

على هذه الخلفية لا غرو أن المرشحين للرئاسة والرؤساء الفعليين، ممن سعوا الى أن يُنتخبوا مجددا عن الحزب الديمقراطي حصلوا على نسب تصويت عالية على نحو خاص في اوساط يهود الولايات المتحدة.

في حالات معينة (مثل انتخابات 1964 و1968) بلغت نسبة التأييد اليهودي للمرشحين الديمقراطيين 90 في المائة من الصوت اليهودي.

كما أن مرشحين ديمقراطيين لف عدم اليقين موقفهم من اليهودية واسرائيل، نالوا معدلات تصويت عالية في اوساط يهود الولايات المتحدة (80 في المائة من اليهود أيدوا جون كنيدي في انتخابات 1960 مثلا)، ولكن استطلاعات أُجريت مؤخرا تشير الى امكانية أن تكون أمام ناظرينا تحدث ثورة في كل ما يتعلق بمدى حصانة هذه الشراكة في عصر الرئيس اوباما. وبينما حصل اوباما في الانتخابات على 78 في المائة من الصوت اليهودي، يؤيده اليوم 51 في المائة فقط.

السبب الاول هو انتقاد قسم هام من المنظمات اليهودية لسلوك اوباما تجاه اسرائيل، والى التركيز الزائد من جانبه على مسألة البناء في المستوطنات، بالتأكيد بالقياس الى النهج العاطف لبوش. ولكن يوجد ايضا بُعد لا يرتبط بالساحة الاسرائيلية – الفلسطينية: خيبة أمل من أداء الادارة في مجالات الاقتصاد والرفاه. خلافا للأجيال السابقة من اليهود، الذين أداروا صراعا من اجل مجتمع المساواة وأيدوا توسيع النشاط الحكومي لمساعدة الضعفاء، فان الكثير من اليهود يعتقدون اليوم خلاف ذلك. الجمهور اليهودي يتشكل في معظمه من سكان الأحياء الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى – العليا وهم بعيدون عن الوعي الطبقي للأجيال السابقة.

اذا ما فقد اوباما حقا الصوت اليهودي، فسيكون ممكنا القول إننا نشهد تحولا ونوجد في عصر جديد من التعاون بين يهود الولايات المتحدة والجمهوريين.

============================

بين الإسلام او الظلم: الشارع الفرنسي يختار 'عدوه'؟

مطاع صفدي

2010-10-17

القدس العربي

لا شك أن الغرب قد انتهى إلى تعيين عدوه الإستراتيجي للمرحلة الآنية والمستمرة إلى مستقبل مجهول، هذا العدو ليس القوة الاقتصادية الهائلة الصاعدة من أعماق الشرق، بل هو أخطر منها بكثير في الاعتبارات الفلسفية الغربية، هي انبعاث الحضارة العربية الإسلامية مجددًا. وهو التهديد المُوغل إلى أقدم عصور التاريخ، وكانت بدايته منذ سقوط روما الإمبراطورية، وقيام دولة الكنيسة الشرقية في القسطنطينية. فالشرق الأدنى بالنسبة للغرب، هو التوأم المضاد الذي يتوجس منه اللاوعي الغربي، بكلّ ما يحتويه أو يصدّره من الأديان، من المسيحية نفسها والفتوحات، والثورات والحضارات المزدهرة والآفلة.

يتخذ الإسلام اليوم صورة المهاجر الجنوبي المنتشر في شوارع العواصم الأوروبية المزدهرة، كأنه الإستثناء المرفوض في اللوحة الجميلة المتجانسة.لا تريد العين في هذه البلاد أن تألف الوجوه الملونة، ولا الهيئات البشرية التي تحملها.

هناك رفض غريزي ضد المختلف، يعاني منه الوجدانُ الغربي تناقض ثقافته (المتنورة) مع وقائع الحياة اليومية. فأية دعوات تستثمر هذا الرفض العفوي، يمكنها بسهولة أن تحوّله إلى رفض نمطي مؤدلج، ومن ثم مسيَّس وتعبوي.

وهكذا وتحت وطأة المخاوف المتزايدة لدى أصحاب النظام العام، المحاصرين في طبقاته العُليا، من تململ مجتمعاتهم تحت وطأة العسر الاقتصادي الذي عليهم وحدهم أن يدفعوا أثمانه الفادحة، تجري العملية النفسية الأدهى، المُصطلح عليها بلفظة (الترانسفير)، وذلك بنقل الإستهداف الإنفعالي من موضوعه الأصلي إلى موضوع آخر لا علاقة له البتة بالأول؛ إذ يشعر أرباب النظام الرأسمالي أن المواجهة مع مجتمعاتهم تقترب أكثر كلّما تفاقمت عقابيل سياسية التقشف المفروضة؛ بدلاً من إشراك الطبقات الغنية في تحمّل أعباء الأزمة، وذلك بتقبل زيادة محسوسة من الضرائب، فقد فضلت إصلاحات (النظام) أن تسوّق سياسة التقشف التي تعتدي عملياً، وتدريجياً على معظم مكتسبات الحقوق الاجتماعية لغالبية المواطنين العاملين.

سوف يصبح المهاجرون المسلمون هم سبب كلّ علّة، تشكو منها مجتمعات الأزمة الرأسمالية المتفاقمة. كأنما لم يكونوا هم الأوائل من ضحايا البطالة. والحرمان من أبسط شروط الحماية الغذائية والمالية، هناك أجيال عديدة من المهاجرين ولدوا وعاشوا في بلاد الغُربة، دون أن يعترف بهم أيّ مجتمعٍ شماليٍ كمواطنين، حتى من الدرجة الثالثة أو الرابعة. لقد تم عزلهم عن مؤسسات المدينة والدولة. لم يُتحْ لأبنائهم حقّ التعليم. وإذا ما تم للبعض ذلك، فإن الخريجين القليلين من الشبان السُمر لا مكان لهم في أية وظيفة عامة أو خاصة، إلا في حالات نادرة. فحين يفرض على الفتيان ألا يكون لهم من مأوى سوى حياة الشوارع، كيف لا تنتشر الانحرافات الأخلاقية والقانونية بين بعضهم.لكن الأغرب في وضع هؤلاء هي مواقف اللوم التي يجترّها الإعلام، والإتهام دائماً برفض الاندماج. كأنما المسجون المعزول يُتاح له أن يقبض على مفتاح زنزانته، لكنه يرفض أن يفتح بابها برضا سجانه.

كان اللوم يقع على (إختلاف) المهاجر. كان مُداناً سلفاً بهيئته ومن ثم بسلوكه، بعنصره (المتخلف)..وأخيرا أصبح مذنباً بدِينه، بإسلامه.فالغضبةُ العارمة التي تتبناها قيادات سياسية وأيديولوجية في القارة الهرمة، تريد اعتبار تواجد ملايين المسلمين في ديارهم، نوعاً من الغزو المزدوج، العقائدي والاقتصادي معاً، ذلك أن الأَسْلَمَة لم تعدْ مقتصرة على أبناء الجنوب الوافدين، بل تعدَّت حاجز العنصر واللغة، وصار لها انتشارها المتزايد بين المتعاطفين مع (إنسانية) الإسلام و(أخلاقيته)، من بين الشبيبة الأوروبية الباحثة عمّا يملأ فراغ حياتها من القيم والُمثل الجديدة. لكن في الواقع فإن ظاهرة (غزو) الأسلمة هذه ليست من الاتساع أو الذيوع بحيث تخيف المراقب الموضوعي.فالأَسْلَمة الأوربية لن تتجاوز كونها ظاهرة فرعية شبيهة مثلاً بالبوذية الغربية، أو بعقائد فئوية كثيرة خارجة عن الأديان التقليدية، وتستهوي قطاعات هامشية من الباحثين عن هوايات أو هويات غرائبية بالنسبة إلى ما هو سائد ومستهلك من الانتماءات الكبيرة والمستهلكة في بلادهم.

أما حديث الغزو الإسلامي لقارة المسيحية والعلمانية الغربية المتقدمة، فقد أصبح مقترناً في الوقت عينه بضخ متواتر لأخبار الغزو الإرهابي، فيما تذيعه من وقت إلى آخر مصادر أمنية حكومية، عن مؤمرات إسلاموية يعدّها إرهابيون باكستانيون أو سواهم ضد مراكز مدنية مأهولة في عواصم أوروبا الغربية، وخلال توقيت واحد أو متقارب.كأنما الأنظمة الحاكمة هناك اتفقت على تنظيم حملة تخويف نفسي ضد مجتمعاتهم عينها، لعلّها تنسيهم خوفهم الأصلي من ضياع مكتسباتهم الاجتماعية، بدءاً من تأخير مستقبلهم التقاعدي.

صناعة 'عدو الغرب الأول' جارية على قدمٍ وساقٍ منذ كارثة الحادي عشر من أيلول (2001)، وهو الإسلام كدين وبشر ودول وتاريخ معاصر لأكثر من مليار ونصف المليار من سكان العالم.

ومؤرخو هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، يمكن لبعضهم، غير المعروف بعد، أن يُغلق قصة هذا العقد ما بين بدايته في كارثة نيويورك، ونهايته المرحلية مع إنفجار أزمة الصيرفة العالمية وتداعياتها المتواصلة بعدها، منذ أواخر العقد وحتى اليوم وغداً؛ فقد انخرط هذا العقد، بإرادته أو بدونها غالباً، في وعثاء حقبة أمريكية خالصة، ولا يزال يعيش ذيولها دون أمل بالفكاك عنها قريباً.إنها أمريكية خالصة من حيث أن القابض على موقع الآمرية الإستراتيجية في أحداثها هو العقل الأمريكي، وهو نفسه كذلك المتلقي الأول لعقابيل هذه الآمرية المطلقة، وإن كان يجر معه ووراءه عقول التابعين له، الأقربين والأبعدين.

هناك من يَرى أن الفهم المتأخر لأحداث نيويورك ينبغي استمداده من حصيلة الأزمة المالية العالمية التي هي في جوهرها وفي أبعادها أمريكية.هذا لا يعني أن الهجوم النيويوركي ذا العنوان الإسلاموي، قد أرسى الأسباب غير المباشرة لانطلاق الأزمة المالية. بل هو الأمر على العكس، إذ لم يجر (اصطناع) الأولى، إلا أملا في إعاقة الكارثة الاقتصادية أو تأخيرها ما أمكن. يعتقد أصحاب هذا الرأي أن ثمّة يقيناً مترسخاً لدى نخبة الخبراء العارفين بحقائق الرأسمالية المالية، أن الفقاعة الكبرى لهذه الظاهرة لا بد أن تتمزق، وتتكشف عن لعبة الخداع الأعظم الذي بنى أساطيرَها وأمجادها؛ وحين ستتبدد ذرات هذه الفقاعة فسوف يتعرَّى تحتها ما هو أشدّ إرعاباً وفظاعةً منها بمراحل هائلة، إذ سوف يتعرى جوهر الرأسمالية الأمريكية عينها، الفاقدة أصلا لأية جوهرية صدفية في مبناها المالي والاقتصادي معاً.

كيف يمكن أن تقوم وتستمر أكبر إمبراطورية في التاريخ على رأسمال لا تمتلكه أصلا، نحو تراكم مديونية هائلة بالأرقام الفلكية.والأعجب من هذا أن تتمتع هذه المديونية بأقوى عملة (سابقاً) هي الدولار الذي لا رصيد له إلا مطبعة وزارة المال الأمريكية التي تصدّر أوراقه الخضراء المتحكّمة بالاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني، حتى أن الخبراء الأمريكيين أعلنوا مراراً، وبالفم الملآن، أن أمريكا دولة مفلسة واقعياً، وهي ذاتها تعيش على فوارق الفوائد بين المديونيات العاجلة والآجلة. وان إشهار إفلاسها متوقف على إرادة واحدة من كبار الدول الدائنة لها، وهي الصين اليوم، لكن المانع الفعلي هو الخوف من تهاوي النظام العالمي ككلّ.

إلا أنه مع حلول الأزمة المالية، واستعصاء الحلول الخجولة المتبعة، لم يعد الحديث عن تهاوي النظام العالمي، واقتراب مقدماته، مجرد تعبير عن نزعة تشاؤمية أو عدمية؛ حتى يمكن القول أنه أصبح حديثَ الساعة في منتديات النقاش المتخصص أو الثقافي العام، وليس في دوائر السياسة العُليا في الغرب وحده.

تحت هالة الذعر الوجودي إزاء هواجس هذه النهاية شبه المحتومة ينبغي أن يُعادَ فهم وتفكيك مغامرات الإمبراطورية التي ألزمت بوعثائها وأهوالها، تحولات المصير العالمي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، في خطوطها الثلاثة العسكرية والسياسية، ومن ثم الاقتصادية. فكان لا بد من الحدث المركزي الإنفجاري في كلّ خارطة تابعة لأحد هذه الخطوط، من أجل إعادة التحكم في ردود الفعل المختلفة الناجمة عن ذلك الحدث، وفق الهدف الإستراتيجي الذي يعبّر عن سيناريو مطبوع معيّن في مخيلة صُنَّاعه الأوائل. فالأمريكي يفتخر، منذ أيام المعلّم هنري كيسنجر أنه هو اللاعب الرئيسي في الخرائط العالمية، والمهندس البارع في رسم طوبوغرافيتها؛ ومخترع لعبة البيادق في شطرنجها، وهو المتحكّم والحكم في إدارة أشواط اللعبة، وصولاً إلى نتائجها المرسومة لها سابقاً.فهل من مفكر، بل من مجرد مراقب حيادي، لا يصدق مثلاً أن العولمة لم تكن سوى إختراع أمريكي. ومن ثم يقع تحويلها بعد عقدين من إطلاقها، من عولمة إقتصادية إلى عولمة عسكرية بوليسية مع تفجير الحدث الأيلولي النيويوركي؛ ومن ثم ثالثاً تقع في أواخر العقد الأول الحالي من الألفية الثالثة عولمة الكارثة المالية المستديمة بفعل تداعياتهاالموضوعية، والمستدامة بأفعال سَحَرَة المال الكبار أنفسهم، المعروفين والمجهولين، أو المتجاهَلين (بفتح الهاء).لكن من طبيعة التطورات السياسية/الكلّيانية آن يفلت أحياناً أمام قيادتها في اللحظات الحاسمة، مهما امتلكت هذه القيادة من مقدرات السيطرة الفائقة بوسائل العنْفين العقلي والمادي معاً.

وهذا ما تواجهه الإمبراطورية إزاء معضلاتِها البنيوية في ذاتها، والعقبات الكأداء في ساحاتها المفتوحة في محيطها، الزاخرة بشتى الإحتمالات المتناقضة، لكنها المتكالِبة جميعها على محددات المصير الإمبراطوري. وقد أمسى (الإسلام) اليوم يحتل بؤرة الاستهداف؛ كما لو أنه هو القطب الآخر، الأعظم والأخطر، الذي يترصّد الرهانات الأخيرة للإمبراطورية، غير أنه كلّما نجح بعض الإسلام في إحباط أحد هذه الرهانات في عقر ديار العرب والإسلام، كلّما ارتدّت كرة اللهب إلى اليد التي قذفتها.فإختراع (الإسلام) كالعدو المطلق للغرب، لم يستطع التحشيد الإعلامي ضد تمثاله، أن يحول مثلاً غضب الجماهير الفرنسية عن تمثال الحقيقة الأخرى المخفية أو المتوارية بفعل ألاعيب التزوير الدعاوى المنبث من أوكار سوداء لا تخطئها النظرة الثقافية الواعية، التي يتميز بها المجتمع الفرنسي. فهو يعرف مكمن الخطأ، والخطيئة الأصلية.عدوه ليس غازياً من خارج وطنه.ليس هو الوجه الأسمر ولا البُرقُع النسائي، ولا المساجد والمآذن.إنه بكلمة واحدة (النظام) الذي يجره غباؤه التقليدي إلى تلفيق إصلاحات زائفة يرفضها الحس الجماهيري، لكنها تفجر غضبه، تذكره بالاصلاحات الحقيقية الممنوعة من التداول بأسمائها وعناوينها الأصلية.

يتسلم الشارع الفرنسي قيادة المرحلة الراهنة والقادمة، وتلك هي أهم واقعة فاتحة على مستقبل الإصلاح الشامل وليس فقط على مستقبل (التقاعد) لأجيال اليوم، وللغد القريب.

' مفكر عربي مقيم في باريس

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ