ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 17/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الأمّة في مفهوم حديث

المستقبل - السبت 16 تشرين الأول 2010

العدد 3802 - رأي و فكر - صفحة 19

عبدالإله بلقزيز

ازدهر في بعض التأليف القومي العربي العمل بفرضية مقتضاها ان الأمّة العربية تكوّنت في التاريخ ما قبل الحديث، وتبلورت ملامح شخصيتها القومية قبل تكوين الأمم الحديثة ونشوء القوميات في أوروبا. وقد اقتضت الفرضية تلك من القائلين بها إعادة قراءة وبناء لوقائع التاريخ العربي الوسيط يستدل بها على صحتها؛ فسيقت من معطيات التاريخ شواهد وقرائن يقوم بها الدليل على أن ذلك التكوين ما انتظر عصر القوميات الحديث، والعلاقات الجديدة فيه، كي يكون. ولم يكن سهلاً على الذاهبين إلى القول بهذه المقالة ان يعثروا على المائز الضروري والحاسم الذي يباين بين معنى الأمّة الديني (=القرآني) ومعناها القومي المدني الحديث، فلقد كان التداخل بينهما شديداً الى حد يتعصى فيه على فعل الممايزة، لكنهم جرّبوا ذلك الفعل من غير قليل من التردد.

من النافل القول ان مسعى القائلين بفكرة التكوّن التاريخي طويل الأمد للأمة العربية إنما كان ابتداء مسعى معرفياً: تقويض الأطروحة الماركسية الذاهبة إلى التشديد على الاقتران التكويني والتاريخي لنشوء الأمم والقوميات بقيام السوق الرأسمالية، أو على الأقل مجافاة هذه الأطروحة واستبدالها، لكن هذا المسعى المعرفي لم ينفصل عن مسعى ايديولوجي سياسي لا تعوزه الصراحة، وهو تعظيم فكرة الشرعية القومية بموارد من التاريخ إضافية، أو قل إقامة شرعية الفكرة القومية على مقتضى تاريخي من الماضي وليس من الحاضر فحسب.

ربما كان الإمعان في إحكام الربط بين قيام الأمم الحديثة وميلاد السوق الرأسمالية وتوسع علاقاتها في نسيج المجتمعات الغربية إغراقاً في نظرة اقتصادية ماركسية (=ستالينية بالتحديد) إلى المسألة. لكن هذه النظرة، وإن غالت في التفسير الاقتصادي الأحادي لظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد مثل ظاهرة نشوء الأمم الحديثة، لم تعدم بعض وجاهة في ما ذهبت إليه من افتراض للصلة بين الأمرين؛ ذلك ان ميلاد السوق وتنامي فعل الرسملة إنما هو في وجه كبير منه قرينة من الواقع على التحقق التدريجي لعملية الاندماج الاجتماعي والقومي في المجتمعات التي وقع عليها فعل الرسملة ابتداء. وليست الأمم حقائق اجتماعية قبلية يكونها الشعور الجمعي بالانتماء المشترك بوصفه شعوراً تلقائياً خارج التاريخ، وإنما هي حصيلة ذلك التكوين التاريخي المركب الذي ينتهي بها إلى تحقق عملية الاندماج. وهو تكوين تتداخل فيه أبعاد وعوامل متعددة: اقتصادية، وسياسية، وثقافية، ولا يقبل الاختزال إلى عامل واحد ووحيد منها.

إن تأسيس فكرة قيام الأمة على فرضية "الشعور الجمعي" بالانتماء المشترك، يتجاهل ان هذا الشعور إذا كان لا بد من أن يعتد به ليس، هو نفسه، أكثر من نتيجة لعملية الاندماج تلك، وأي تعريف له خارج هذه السيرورة التاريخية إنما يحوله إلى مفهوم ميتافيزيقي ويقيم رؤية صوفية للأمة على مقتضاه. والغالب على الوعي القومي العربي النظر إليه بما هو مفهوم لا تاريخي، أي ناشئ من وجود سابق لتكوّن الأمة العربية.

ليس لدينا من سبيل، إذن، إلى العودة بمفهوم الأمة العربية إلى ما قبل نهايات القرن التاسع عشر، كما لا سبيل لدينا إلى إسقاط حقيقة الصلة بين تكوّن الأمم وتحقق سيرورة الاندماج الاجتماعي في المجتمعات الحديثة. إن مثل تلك العودة إلى زمن سابق إنما يخترع "حقيقة" غير موجودة ولم تكن شروط التطور التاريخي تسمح بتمكينها من الوجود، ووظيفته لا تعدو ان تكون الرغبة في التميز ب "أصالة" وخصوصية في التطور. أما إسقاط الصلة بين الأمة والاندماج، فقد ينسف الفكرة العربية من الأساس ويطرح الاستفهام حول شرعية وجود أمة في ظل حكم أجنبي (=تركي) مديد صهرها في كيانه السياسي والاجتماعي، وغني عن البيان ان التسليم بما سلمت به العلوم الاجتماعية والتاريخية من صلة بين تكوّن الأمم والتبلور الحديث لشروط تكوينها، أفضل سبيل للوعي القومي العربي إلى التحرر من التباس العلاقة بين معنى الأمة الحديث ومعناها التقليدي، وإلى الانخراط في ما انخرط فيه غيرنا من البحث عن أسباب التوحيد القومي.

قلنا ان البحث عن تاريخ للأمة العربية، قبل قرن من الزمان (هو زمن بداية تكونها الفعلي)، من قبيل اختراع فكرة ليست ممكنة الوجود. إنه يشبع شعوراً ب"الأصالة" التاريخية وفكرة "الأصالة" غير تاريخية وهي تغمر الوعي العربي المعاصر بكل أسف منظوراً إليها بما هي قرين الماهية التي لا تتبدل. والفرضية الحاكمة لوعي متمسك بفكرة "الأصالة" هي ان الفكرة هذه توفر لمطلب التوحيد القومي شرعية من التاريخ الماضي، وما أغنانا عن القول انها فرضية تتخيل تاريخاً ولا تصفه. وتاريخها المتخيل ينخلط فيه الواقعي بالاسطوري، والروحي بالمدني، ويتنزّل عندها بخليطه العجائبي منزلة المورد الخلفي الذي يغذي الفكرة القومية اليوم. إن ما يذهل عنه هذا الوعي الذي يصطنع له تاريخاً قومياً افتراضياً ان مطلب التوحيد القومي العربي له من أسباب الشرعية منذ قرن ما يفيض عن حاجته إلى اختراع أسباب أخرى من الماضي البعيد.

=============

خطط إنقاذ لم تحظ بالإشادة

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

16-10-2010

التكرار المستمر للخطاب المعادي للحكومة في الغرف السياسية منع الأميركيين من ملاحظة حقيقة هامة وربما مثيرة للدهشة: لقد عشنا للتو واحدة من أكثر نجاحات التدخل الحكومي في العصر الحديث - وهي خطط إنقاذ قطاعي السيارات والمصارف التي أنقذت الولايات المتحدة تقريبا من كساد كبير آخر.

الوضع الراهن للاقتصاد، بالتأكيد، ليس جيدا، خاصة مع استمرار معدل البطالة عند 9.6 في المائة. ولهذا السبب فإن الرئيس أوباما كان على حق هذا الأسبوع عندما جدد دعوته إلى استثمار 50 مليار دولار لخلق وظائف جديدة، في الوقت الحاضر وفي المستقبل، عن طريق إصلاح البنية التحتية لقطاع النقل في البلاد.

ولكن في مواجهة عاصفة المشاعر المناهضة للإدارة الحالية، حيث أي ذكر لخطط «التحفيز» و«الإنقاذ» الحكومي يتبعه انتقاد، فإن خطة إصلاح البنية التحتية لقطاع النقل للأسف ليس لها أي فرصة في النجاح. وهذا يعني أن مجلس الاحتياطي الاتحادي سوف يضطر إلى استخدام أدواته الأقل فعالية لتحفيز الاقتصاد.

ما الذي يفسر الغضب العام تجاه واشنطن؟ إنه شيء واحد وهو انتقاد الحكومة عندما تفشل في تحقيق أهدافها، ولكن تجاهل الإنجازات التي حققتها الحكومة في أوقات الأزمات نوع من الغباء المتعمد.

وخصوصا كما هو الحال في خطط إنقاذ قطاعي السيارات والمصارف، حيث قامت الحكومة بإنقاذ شركات خاصة عرضت ممارستها البلاد للخطر.

البداية الجيدة عند الحديث حول ما يتعين على الحكومة أن تقوم به في وقت الأزمة هو كتاب جديد بعنوان «المراجعة الشاملة» الذي كتبه ستيفن راتنر (قيصر صناعة السيارات) الذي قاد الفريق الذي نفذ خطة إنقاذ شركتي «جنرال موتورز» و«كرايسلر»، والتي بلغت تكلفتها 82 مليار دولار. وينبغي أن أوضح للقارئ أن راتنر هو صديق لي، ويذكرني بالفضل في مقدمة كتابه وكنت واحدا من المدعوين لحفل صدور كتابه.

كما يحكي راتنر قصة قطاع السيارات، فهي تحمل نفس الدرس الأساسي لخطة إنقاذ القطاع المالي: شركات خاصة اتخذت قرارات خاطئة وضعت الاقتصاد الأميركي في خطر، وفي المقابل اتخذت الحكومة قرارات جيدة (على الرغم من أنها لا تحظى بشعبية سياسية) للإبقاء على هذه الشركات ومساعدتها على الوقوف مرة أخرى، خوفا من أن انهيارها سوف يعني مشكلة أكبر بكثير.

وهنا نقطة لا يبدو أن أحدا في مجال السياسة أدركها: لقد نجحت تدخلات الحكومة وتم إنقاذ الشركات ومعظم الأموال التي استثمرها دافعو الضرائب في إنقاذ هذه الشركات من المرجح أنه سيتم استردادها. لكن يتحدث كثير من السياسيين كما لو أن العملية برمتها كانت كارثة، لكنها لم تكن كذلك. فما حدث هو أن مؤسسات وشركات خاصة اتخذت قرارات خاطئة، ولكن المسؤولين الحكوميين قاموا بصورة عامة بالخطوات الصحيحة.

ويتوقع راتنر أن «وزارة الخزانة الأميركية سوف تسترد معظم، إن لم يكن كل، ال82 مليار دولار التي دفعها دافعو الضرائب الأميركيون لإنقاذ قطاع السيارات».

ويقول راتنر: وحتى لو خسرت الحكومة في نهاية المطاف 20 مليار دولار، «فإن ذلك يبدو ثمنا ضئيلا لتفادي كارثة اقتصادية كبرى كانت ستضرب قطاع السيارات وتؤدي بالاقتصاد الوطني إلى الانتقال من ركود عميق إلى كساد مباشر». ويرى راتنر أنه منذ إعادة الهيكلة القسرية لشركتي «جنرال موتورز» و«كرايسلر» العام الماضي، فإن صناعة السيارات وفرت 76000 وظيفة جديدة.

ويبدو من المرجح أن هناك قصة نجاح مماثلة مع معظم ما تبقى من الأموال التي استخدمت في برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة. وهذا البرنامج الذي رافقته تسهيلات طارئة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، سمح ب«عمل تدريجي» للنظام المالي الذي كان على وشك الانهيار. ويبدو أن معظم الأموال التي استثمرت في برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، سوف تسترد أيضا، بما في ذلك القروض المقدمة إلى شركة «أي آي جي» عملاق التأمين سيئة السمعة.

وواشنطن هي هذا الهدف السهل الذي ينسينا الأشرار الحقيقيين في هذه القصة وهم المصرفيون والمديرون التنفيذيون في شركات تصنيع السيارات الذين قادوا شركاتهم ومصارفهم نحو الكارثة. ويرسم راتنر صورة مدمرة، وخصوصا ل«جنرال موتورز»، حيث يبدو أن كبار المسؤولين التنفيذيين «متوهمون أنه برغم الأدلة على التراجع لعقود، فإن الشركة لا تزال أكبر مصنع للسيارات على وجه الأرض». وإذا نظرنا إلى الوراء على تجربة لقطاعي السيارات والمصارف اللذين أشرفا على الانهيار، نكتشف أنه من الواضح أن نجاح خطط الإنقاذ كان ممكنا فقط لأن الكونغرس بدأ العمل خلال فترة انتقال الرئاسة وصوت لبرنامج إنقاذ الأصول المتعثرة الذي بلغت تكلفته 700 مليار دولار خلال شهري الأزمة: ديسمبر (كانون الأول) عام 2008 ويناير (كانون الثاني) عام 2009. ويحذر راتنر قائلا: «إذا لم يكن فريق العمل قادرا على العمل في ظل برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، لكنا تعرضنا لمواقف من الكونغرس لا نهاية لها، تشمل نقاشات وجدلا ووقوفا عند أدق التفاصيل وفي هذه الأثناء ستكون واحدة أو أكثر من الشركات المتعثرة قد أعلنت إفلاسها».

يجب على الرئيس أوباما والديمقراطيين عدم الخوف من هذا الأمر، فالحقيقة هي أن خطط إنقاذ قطاعي السيارات والمصارف التي نفذتها الحكومة كانت ناجحة وكانت شرطا ضروريا من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يبدو أنه يتحقق ببطء. توقفوا عن الاعتذار؛ وابدأوا في تلقي الإشادة على سياستكم التي حققت نجاحا.

* خدمة «واشنطن بوست»

=============

تحذير عالمي

فيليب بوبيت

الشرق الاوسط

16-10-2010

أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول)، تحذيرا للمسافرين الأميركيين يشير إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية في أوروبا، وفي اليوم ذاته، أصدرت بريطانيا تحذيرا آخر للمسافرين بسبب وجود تهديدات بوقوع هجمات إرهابية في فرنسا وألمانيا، وبعد فترة وجيزة، حذرت الحكومة الفرنسية مواطنيها من خطر وقوع هجوم إرهابي في بريطانيا.

وفي الأسابيع الأخيرة، أشارت معلومات تم الحصول عليها من مصادر مختلفة إلى أن تنظيم القاعدة ربما يخطط لشن هجوم إرهابي واسع النطاق على أحد الأهداف الغربية. وقد كشف مواطن ألماني من أصل أفغاني اعتقل في كابل، في يوليو (تموز)، مخططا للقيام بهجوم إرهابي في ألمانيا على غرار هجمات مومباي في عام 2008. وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، أدى هجوم نفذته طائرة أميركية من دون طيار على شمال وزيرستان إلى مقتل 11 عنصرا من العناصر الجهادية، وتبين بعد ذلك وجود خمسة ألمان بين القتلى. وفي اليوم التالي اعتقلت الشرطة الفرنسية 12 شخصا على علاقة بصانع قنابل جزائري تم اعتقاله مؤخرا في إيطاليا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أشار مسؤولون أمنيون في عدة دول إلى رصد أحاديث بين الجهاديين عن اقتراب وقوع هجوم شبيه بالهجمات التي نفذت خلال الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وقد أشارت تقارير سابقة إلى أن الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة قد أعد شريط فيديو يتضمن رسالة من أسامة بن لادن لإصدارها بعد تنفيذ الهجوم المخطط له.

وفي هذا السياق فقد تسببت التحذيرات التي أصدرتها الحكومتان الأميركية والبريطانية إلى حدوث حالة من الارتباك، حيث نصحت الخارجية الأميركية المسافرين ب«اتخاذ تدابير السلامة اللازمة لحماية أنفسهم عند السفر». وأشار تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن غموض هذه التحذيرات «جسد المعضلة التي تواجه السلطات في الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية الكشف عن تهديد يقول محللو الاستخبارات إنه حقيقي لكنه غير محدد». كيف يتم التعامل مع مثل هذه التحذيرات؟

يمكن أن نحسن بشكل كبير نظام الإنذار إذا عدنا ودققنا النظر في استراتيجيته. والأهم من ذلك، أنه يتعين على الحكومة أن تميز بين ثلاث وظائف مختلفة يمكن أن تقوم بها توجيهاتها: الإعلام ورفع حالة التأهب والتحذير. ونقصد بالإعلام إماطة اللثام عن أكبر قدر ممكن من المعلومات تكون لدى الحكومة من دون الإضرار بالمصادر الاستخباراتية والتدابير المضادة. ونقصد برفع حالة التأهب الاتصال بالمسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص عن إدارة الأهداف المتوقعة عندما يكون هناك سبب وجيه لاتخاذ خطوات أمنية جديدة. ونقصد بالتحذير تحذير الشعب عندما يكون هناك شيء محدد يجب التحذير منه ويمكن أن تقوم الحكومة بإصدار نصائح محددة حول كيفية تقليل المخاطر بشكل كبير. كيف يتم تنفيذ ذلك على أرض الواقع؟

إذا كانت الحكومة تعتقد أن شيئا ما سيحدث لكنها لا تعرف أين أو متى، فإنه يتعين عليها إعلام الجمهور بطبيعة التهديد، ولا شيء أكثر من ذلك. ويشمل ذلك، مثلا، معلومات عامة حول أنشطة تنظيم القاعدة: «لقد تحدث أسامة بن لادن علنا عن رغبته في الحصول على أسلحة نووية وحاول، على الأقل مرة واحدة، شراء مواد نووية».

إذا كانت الحكومة تعتقد أن شيئا ما على وشك الحدوث وأنها تعرف مكان أو زمان الهجوم وليس كليهما، فإن عليها تنبيه مسؤولي الإدارات الفيدرالية والولايات والمسؤولين المحليين وكذلك عمال القطاع الخاص الذين يعملون في المصارف والمستشفيات وشبكات الطاقة والكهرباء وما شابه ذلك. وعلى سبيل المثال، تعلن الحكومة: «إننا نعتقد أن تنظيم القاعدة يستهدف تمثال الحرية».

وأخيرا، إذا كانت الحكومة ترى أنها تعرف كلا من زمان ومكان الهجوم القادم، فيتعين عليها أن تحذر المواطنين مباشرة وتوفر لهم أكبر قدر ممكن من المعلومات.

نحن بحاجة إلى هذه الفروق ليس فقط لتجنب إحداث حالة من الارتباك العام، ولكن أيضا للحد من التكاليف المفروضة على المجتمع بسبب تهديدات الإرهابيين. وعلى سبيل المثال، حين نقوم بالتنبيه أو رفع حالة التأهب في وقت كان يتعين فيه الإعلام فقط، فإن ذلك سيؤدي إلى رفع - وبصورة غير مبررة - التكاليف وربما يؤدي إلى اتخاذ احتياطات طويلة المدى قد يستحيل تأييدها. وبالمثل، إذا قمنا بتكرار التحذير في وقت كان يتعين علينا فيه رفع حالة التأهب فقط، فإن ذلك سيجعل تكلفة تحقيق الإنذار الحقيقي عالية. لكن من ناحية أخرى، إذا قمنا بالإعلام في وقت كان يتعين علينا فيه القيام بالإنذار، فإننا نفقد ثقة الشعب ونوفر مواد للقائلين بنظرية المؤامرة.

إن الاتجاه العام الذي يهدف إلى جعل كل الأميركيين على اطلاع بالنشاط الإرهابي أمر جيد، لكن تحذيرا مثل الذي أصدرته وزارة الخارجية مؤخرا للمسافرين كان كبيرا وغير محدد بصورة تجعله يضيف تكاليف دون أن يجعلنا أكثر أمنا.

* أستاذ القانون في جامعة كولومبيا

* خدمة «نيويورك تايمز»

=============

لبنان: من حلف بغداد إلى تحالف طهران!

السبت, 16 أكتوبر 2010

سليم نصار *

الحياة

انتهت الزيارة الرسمية التي قام بها للبنان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

ومع ان الدولة اللبنانية عدلت برنامجه السابق بهدف توسيع رقعة الاحتفالات... الا ان الاستقبالات الشعبية التي نظمها له «حزب الله» تجاوزت كل توقعات مظاهر الترحيب.

في خطابه بالمناسبة، دعا السيد حسن نصرالله الشعب اللبناني الى تقدير دور ايران - السياسي والمادي - في دعم حركة الصمود ضد العدو الإسرائيلي. وطالب الجمهور باستقبال يليق برئيس جمهورية الثورة الإسلامية الذي جعل القضية الفلسطينية في رأس اهتماماته الإقليمية والدولية.

وكشف أمين عام «حزب الله» في خطابه ايضاً عن بعض جوانب الدعم، فقال: «في الثمانينات والتسعينات عندما كانت اسرائيل تهدم البيوت، ولا تستطيع الدولة اللبنانية ان تعوض على المتضررين، قدمت ايران مبالغ طائلة وضخمة منذ ذلك التاريخ وصولاً الى حرب تموز».

صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت في منتصف شهر نيسان (ابريل) 2006 جزءاً من التقرير الذي قدمه البنتاغون الى لجنة الدفاع في الكونغرس. ويدعي التقرير ان ايران دفعت مبالغ طائلة تقدر بمئتي مليون دولار، وعززت ترسانة «حزب الله» بصواريخ متطورة كثمن لتحقيق طموحاتها الإقليمية.

وهذا ما اعلنه الرئيس نجاد الذي وصف انتصار «حزب الله» في حرب تموز، بأنه أوصل حدود ايران الى حدود اسرائيل. وهذا هو المعنى الرمزي من وراء زيارة بنت جبيل التي هدمها القصف الإسرائيلي، ودخل اسمها في المصطلحات العسكرية ك «ستالينغراد لبنانية» و «عاصمة المقاومة». خصوصاً انها لا تبعد اكثر من ستة كيلومترات – بخط مستقيم – عن الناقورة.

وفي ضوء ما وفره انتصار «حزب الله» لإيران من حضور على ارض الجنوب اللبناني، اصبحت طهران عنصراً مؤثراً في حل قضية الشرق الأوسط. تماماً مثلما تحولت الى عامل مؤثر في مستقبل العراق ايضاً.

ويستدل من تشكيل الوفد التجاري المرافق للرئيس نجاد، ان العلاقات الإيرانية – اللبنانية لم تتغير منذ قرن تقريباً، اي منذ تعيين عباس حسامي اول قنصل لطهران في بيروت سنة 1912.

سنة 1927 – اي بعد اعلان لبنان الكبير – رفعت طهران مستوى القنصلية الى قنصلية عامة، واختارت عباس فرهور لهذا المركز الذي شغله حتى سنة 1933.

بعد اعتراف ايران باستقلال لبنان وسورية، رفعت درجة التمثيل الديبلوماسي الى درجة سفارة، وعينت لهذا المنصب رحمت الله أتابكي الذي شغله حتى سنة 1958. وفي ايامه زار الشاه محمد رضا بهلوي لبنان تلبية لدعوة صديقه الرئيس كميل شمعون، الذي زار طهران سنة 1956.

وعلى رغم بناء علاقات وثيقة بين الشاه وشمعون، فإن العلاقات الديبلوماسية بين بلديهما تعرضت لانتكاسات متواصلة، أدت في بعض الأحيان الى المقاطعة.

القطيعة الأولى حدثت سنة 1965 اثر تصريح ادلى به وزير الإعلام الكويتي في مطار بيروت، اعتبرته طهران مسيئاً لها.

والقطيعة الثانية حدثت بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن تسليم الجنرال تيمور بختيار، رئيس منظمة «السافاك»، الذي لجأ الى لبنان. وقد استقطبت معركة استرداده جهات غير سياسية كالبطريرك المعوشي الذي طالب بعدم تسليم بختيار خوفاً من اعدامه. كذلك نجح محاميه شاكر ابو سليمان، الرئيس السابق للرابطة المارونية، في خلق تيار سياسي معارض للترحيل.

واستمرت القطيعة الديبلوماسية حتى سنة 1971. اي عندما قام الرئيس كميل شمعون بزيارة شاه ايران، بناء على طلب من الرئيس سليمان فرنجية. ونجح شمعون في ترميم العلاقات المتردية، واتفق مع الشاه على استئنافها بواسطة السفير خليل الخليل وسفير ايران لدى لبنان ركن الدين اشتياني. والملفت ان التقارير التي ارسلها الخليل الى الخارجية كانت تشير صراحة الى احتمال نجاح المعارضة في هدم نظام الشاه، حتى قبل عودة آية الله الخميني من فرنسا الى ايران.

عقب اعلان سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي (16 كانون الأول – ديسمبر – 1979) دخل نفوذ جمهورية الخميني الى لبنان عبر شخصين: الإمام موسى الصدر والرئيس حافظ الأسد.

وفي الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصرالله مساء الأربعاء الماضي في جمهور «الضاحية» اشاد بالإمام المغيب، مؤسس «حركة المحرومين»، والمشجع الأول على اسقاط نظام الشاه.

اما موقف الرئيس حافظ الأسد، فقد خضع لحسابات مختلفة تتعلق بمستقبل نظامه داخل القوى الإقليمية. ذلك انه رأى في قيام جمهورية ايران الجديدة، نهاية نظام متعاون مع اسرائيل. كما رأى في دعم ايران للحق العربي بديلاً من مصر التي اخرجتها معاهدة كامب ديفيد من الصف العربي. وكان واضحاً من عملية تسليم مقر السفارة الإسرائيلية في طهران الى منظمة التحرير الفلسطينية، ان الخميني اختار معاداة اسرائيل.

ولما اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية، اكتشف الأسد ايضاً ان وقوفه الى جانب ايران، يساعده على اضعاف اخطر خصومه الحزبيين، اي صدام حسين. ومع دخول القوات السورية الى لبنان سنة 1976، دخل نفوذ الثورة الإيرانية الى منطقة الجنوب، مستقوياً بخطب الإمام موسى الصدر ونشاطاته السياسية الواسعة.

قبل زيارة الرئيس نجاد الى لبنان، كتب المعلق مناحيم بن في صحيفة «معاريف» مقالة تحت عنوان: حان الوقت لاغتيال الرئيس نجاد اثناء زيارته لبنت جبيل، خصوصاً بعدما اظهرت استطلاعات الرأي ان ثلث الإسرائيليين سيهاجرون في حال حققت ايران قدرات نووية.

ويدعي مناحيم بن ان ادارة اوباما مع مئة سيناتور في مجلس الشيوخ، يؤيدون هذا القرار بعد الخطاب الاستفزازي الذي ألقاه نجاد في الأمم المتحدة، متهماً ادارة بوش بالتخطيط لعملية نسف برجي التجارة العالمية في نيويورك.

وذكرت صحيفة «هآرتس» ان اسرائيل مررت رسائل عدة الى الدولة اللبنانية بواسطة واشنطن وباريس وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، تطالبها فيها بإلغاء زيارة الرئيس الإيراني الى جنوب لبنان. وأعرب المسؤولون اللبنانيون عن استهجانهم لمثل هذا الطلب كونه يتنافى وحق السيادة الوطنية.

وترى واشنطن ان هذه «السيادة» معرضة للاختراق والزوال اذا نجحت ايران في السيطرة على الوضع اللبناني عبر حلفائها مثل «حزب الله» و «أمل» و «تكتل التغيير والإصلاح» و «المردة». كما ترى في خطاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تحولاً عن الثوابت التي اعلنها في جلسة القسم. ولم تخف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تخوفها من ان تؤدي زيارة نجاد الى تأجيج التوتر الداخلي، ومن تحويل الجنوب اللبناني الى «قاعدة ايرانية» عند ابواب الدولة العبرية!

واستهجن وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل منطق الوزيرة الأميركية، لأنها ترفض مساعدة لبنان... ولا تسمح لدول صديقة بمساعدته. وكان بهذا الكلام يشير الى رفض البنك الدولي تقديم تسهيلات مالية من اجل دعم الكهرباء والماء بينما قدمت ايران لوزارة الطاقة تسهيلات مالية بمبلغ 450 مليون دولار.

ومن المؤكد ان الاتفاقيات التجارية لا تقلق الولايات المتحدة بقدر ما يقلقها دور ايران العسكري والاستراتيجي. فهي تملك ترسانة حربية ضخمة مزودة بالصواريخ والبوارج والغواصات. وهي دائماً مستعدة لدعم حلفائها بالسلاح والأعتدة مثل «حزب الله» و «الجهاد الإسلامي» و «حماس».

ويستدل من المعايير السياسية التي حددها السيد حسن نصرالله في خطابه امام الرئيس نجاد، ان ايران وأصدقاءها نسفوا مشروع التسوية السلمية وأقفلوا الطريق امام فكرة «الدولتين لشعبين»، وأعادوا عقارب الوقت الى سنة 1967 وإلى إحياء لاءات الخرطوم، كما اعلنها جمال عبدالناصر. ومثل هذا الخيار الصعب سيؤدي حتماً الى نشوب حرب في المنطقة.

في ختام زيارته لدمشق، قال احمدي نجاد «ان سورية وإيران حققتا انتصارات كبيرة لأنهما افشلتا مخططات الأعداء لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة. «وقال ايضاً «ان دول المنطقة تنضم واحدة تلو الأخرى الى هذا الخط الذي تسير في مقدمته سورية وإيران».

ولكن، من أي دول يتألف هذا الخط؟

في «مهرجان الضاحية» اختصر الرئيس نجاد هذا الخط السياسي بالقول: «ان جبهة مقاومة الشعوب في فلسطين ولبنان وسورية وتركيا والعراق وإيران قد تألفت بالفعل».

وبما ان هذه الجبهة تتألف من شعوب وطوائف مختلفة، فإن حصرها بالقوى الشيعية في ايران والعراق وجنوب لبنان، يبقى مخالفاً للواقع. وعندما ذكر نجاد فلسطين كان يعني «حماس» و الجهاد الإسلامي» وليس فلسطين محمود عباس. فهل يسري هذا التصنيف على لبنان، بحيث تكون الدولة مشمولة ايضاً وليس «حزب الله» و «أمل» فقط؟!

كلام الرئيس نجاد اعاد الى ذاكرة بعض اللبنانيين مخاطر انحياز الرئيس كميل شمعون الى «حلف بغداد» الذي تألف سنة 1955 من العراق وتركيا وباكستان وإيران وبريطانيا.

وتصدى له على الطرف الآخر، صائب سلام وعبدالله اليافي ورشيد كرامي وحسين العويني بدعم من عبدالناصر.

وكان من نتيجة ذلك الصدام الإقليمي ان اندلعت حرب 1958 على الساحة اللبنانية.

فهل يكرر التاريخ نفسه في لبنان؟

* كاتب وصحافي لبناني

=============

إيران وإسرائيل بحاجة الى العداء المتبادل

الجمعة, 15 أكتوبر 2010

نيويورك - راغدة درغام

الحياة

ربما كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مؤمناً حقاً بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة على إسقاط الولايات المتحدة الأميركية وعلى إزالة إسرائيل من الوجود، ولذلك يشن حملات التصعيد وسط تهافت إعلامي عالمي عليه وتظاهرات شعبية نُظِّمِت من أجله كتلك التي جهزها «حزب الله» استقبالاً له في لبنان. انما واقع الأمر أن مواقف أحمدي نجاد الاستفزازية وأساليبه في «المقاومة» هي التي تقع ذخيرة لدى إسرائيل وطاقم الحكم المتطرف فيها الذي بدأ بتنفيذ خطة الدولة اليهودية بمعنى أن تكون إسرائيل لليهود حصراً وليس للفلسطينيين. بكلام آخر يقدم الرئيس الإيراني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ما يتمناه وهو: الذخيرة والزخم للتعجيل في تنفيذ خطة «تنظيف» إسرائيل من الفلسطينيين عبر الإبعاد القسري أو الطرد الجماعي أو «الترانسفير» بالقوة. والسؤال هو: ماذا سيفعل أحمدي نجاد أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما تنفذ إسرائيل ما في ذهنها رداً على مزايدات نظامه ومزايداته؟ هل ستدخل إيران حرباً مع إسرائيل، وهي التي لم يسبق أن خاضتها عبر العصور؟ الأرجح لا. وهل ستكون «المقاومة» المشتركة بين إيران وسورية و «حزب الله» و «حماس» و «الفصائل الفلسطينية» في لبنان حقاً مشتركة وشريكة في حرب لإنقاذ الفلسطينيين من مخالب تنظيف عرقي يمكن أن يكون أسوأ من ذلك الذي حدث في يوغوسلافيا السابقة قبل مجرد عقدين؟ الجواب هو شبه لا مؤكدة. إذن لماذا هذا التوريط الإيراني للفلسطينيين ولماذا يعتقد نجاد أن من ضمن حقوقه وصلاحياته أن يتحدث من محطة لبنان بما يستدعي الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ السبب هو أن الجمهورية الإسلامية في إيران والدولة اليهودية في إسرائيل تحتاجان بعضهما البعض عدواً. كل منهما يوظف العداء مع الآخر لمصالحه وطموحاته التوسعية منها و «التطهيرية» كما تفعل إسرائيل التي تطرق ناقوس الخطر الإيراني لتحصل على الأموال والتعاطف وتشدد أواصر تحالفها العسكري مع الولايات المتحدة وغيرها، سواء النووي أو الرامي الى الهيمنة الإقليمية كما تفعل إيران التي تريد أيضاً أن تقود العالم الإسلامي برمته، ولذلك تحتاج إسرائيل عدواً لها لتقود حملة شعبية ضخمة عنوانها «الموت لأميركا» و «الزوال لإسرائيل». ضحية هذا العداء المتبادل المرغوب به إيرانياً وإسرائيلياً هو فلسطين أولاً، ولبنان ثانياً، انما الأمر لن يتوقف على الاثنين فقط. فالحرب الآتية ستكون سائبة ما لم يبدأ العمل الفوري لجميع اللاعبين، الإقليميين والدوليين، لوقف الزحف نحو النزف باستراتيجية ومواقف غير اعتيادية. المملكة العربية السعودية ومصر في مقدمة الدول التي يجب أن تعيد النظر في بطء تعاملها مع مستجدات ملفي فلسطين ولبنان (وكذلك العراق) وأن تراجع فهمها لما يتطلبه الأمر في هذه المرحلة المهمة. وأول ما عليهما التنبه إليه هو ألاّ يتم التعامل مع التطورات في لبنان مذهبياً وطائفياً وانما أن يكون اقتصادياً ومؤسساتياً وسياسياً بامتياز لتجنب الوقوع في فخ المذهبية. وفلسطينياً، ما يجب على هاتين الدولتين العربيتين المهمتين أن تقوما به هو إضافة ملحق مهم جداً الى المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل – ملحق يستبق إجراءات تحويل إسرائيل الى دولة لليهود حصراً.

إدارة باراك أوباما التي تعمل على دفع المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بهدف استكمالها بعد سنة لتصبح فلسطين دولة عضواً في الأمم المتحدة، كما قال الرئيس الأميركي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقعت في فخ مجرد إقلاع المفاوضات وتجميد الاستيطان. بالطبع، ومنطقياً، إن الاستمرار في الاستيطان – والذي هو غير شرعي أساساً – يتضارب مع مشروع حل الدولتين وقيام دولة فلسطين. انما ما يُعلن سياسياً عن مشروع إسرائيل كدولة لليهود يتطلب يقظة أميركية.

لذلك، إن واشنطن مطالبة بأن تكون لديها استراتيجية مواجهة مع أية خطة إسرائيلية تنطوي على الطرد الجماعي للفلسطينيين لتطهير إسرائيل عرقياً أو دينياً. الاتحاد الأوروبي طالب إسرائيل هذا الأسبوع بأن تضمن حقوق جميع مواطنيها وذلك رداً على اقتراح نتانياهو في آخر «بدعة» له بأن يعترف الفلسطينيون ب «دولة قومية للشعب اليهودي» مقابل تجميد موقت للاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي. هذه «البدعة» أتت في أعقاب إقرار الحكومة الإسرائيلية «قانون المواطنة» العنصري الجديد الذي يطلب من المواطنين الجدد غير اليهود في إسرائيل تأدية قسم الولاء لإسرائيل بصفتها دولة يهودية. هذا الموقف المتواضع للاتحاد الأوروبي يكاد يكون مجرد رفع عتب. فعلى دول الاتحاد الأوروبي وإدارة باراك أوباما الحصول على ضمانات حازمة بأن حكومة إسرائيل لن تقوم بترحيل المواطنين العرب أو إساءة معاملتهم لإجبارهم على الرحيل.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتقدم بأية استراتيجية مسبقة لمواجهة هذه الخطط الشريرة، وهي ليست مطالبة بذلك. كل ما هي مُطالبة به هو وقف التعجيل بالخطة الإسرائيلية بسبب المزايدة الإيرانية وتوفير الذرائع تماماً كما يفعل محمود أحمدي نجاد.

إن الدول العربية – وبالذات مصر والسعودية – يجب أن تفكر بعمقٍ في الخيارات المتاحة لإيقاف تنفيذ إسرائيل هذه الخطة بذريعة أو بمبادرة أو باستراتيجية قديمة. فما تتداوله الأوساط الإسرائيلية هو عبارة عن معالجة جذرية لما تعتبره مشكلة ديموغرافية داخل إسرائيل نفسها. أي إن المطروح ليس مسألة حق العودة، وما تقدم به بنيامين نتانياهو بعيد بعداً شاسعاً عن المقايضة التي كانت مطروحة ضمناً في السابق بين حق العودة والتعويض (باستثناء عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان) بإزالة الاستيطان بمعظمه بحيث تكون إسرائيل دولة بأكثرية يهودية لا تُطالب باستقبال من يمارس حقه بالعودة من الفلسطينيين.

ذلك الطرح بعيد كل البعد عن عروض نتانياهو الذي يوصف اليوم بأنه «معتدل» مقارنة مع وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، فبتنسيق للأدوار، يقول نتانياهو اليوم انه جاهز ل «تجميد» الاستيطان مقابل «اعتراف» بأن إسرائيل لليهود فقط. وهذا يعني الحصول على موافقة فلسطينية أو عربية على طرد أو «ترانسفير» للفلسطينيين الذين يُعرفون ب «عرب إسرائيل» – تماماً كما أراد ليبرمان من خلال طرحه القائم على «التبادل السكاني». أما إذا فشل «الترغيب» بهذه «المبادرة السلمية» الإسرائيلية، فالمطلوب إسرائيلياً هو الذريعة لتنفيذ الاستراتيجية بالقوة. وهنا يأتي دور أحمدي نجاد والفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها «حماس» وكذلك دور «حزب الله». انها أدوار توفير الذرائع لاقتلاع الفلسطينيين من عقر دارهم.

بكل وضوح وصراحة، مهما كابر «حزب الله» ويتباهى بصواريخه وترسانته الظاهرة والخفية، فهو لن يتمكن من حماية فلسطينيي أو عرب إسرائيل من القمع الرهيب والطرد الجماعي بعدما تبدأ إسرائيل عملياتها تحت مظلة حروب مُبهَمة أو مفبركة. وبكل صراحة من المستبعد جداً أن تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية حرباً مباشرة مع إسرائيل، أقله ليس من أجل حماية الفلسطينيين من الإبعاد، كما أن خيار سورية الاستراتيجي هو التفاوض والسلام. إذن، حان الوقت لجردة صادقة بصدد «المقاومة» وحدودها وقدراتها، فحرام على أطراف «المقاومة» و «الممانعة» استخدام الفلسطينيين في هذه المرحلة الخطيرة جداً، وحرام على أطراف «الاعتدال» دفن الرؤوس في الرمال والتظاهر بأن هذا مجرد يوم آخر في النزاع.

لكل هذه الأسباب، إن الضمير وكذلك الوعي السياسي يتطلب من «حزب الله» أن يُراجع سياساته ويكف عن التوريط، توريط لبنان وتوريط الفلسطينيين وتوريط نفسه. الضمير يتطلب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ألاّ تقدم الشعب الفلسطيني فدية ل «عداء» و «عدو» تريده لمصالحها هو إسرائيل. والوعي السياسي يتطلب من العرب، لا سيما القيادات الرئيسية، أن تقوم بكل ما في وسعها لقطع الطريق على الخطة الإسرائيلية ابتداءً من إعطائها الذرائع، باسم «المقاومة» الإيرانية منها والعربية.

فليُطالب كل «ممانع» أو «مقاوم» بما لديه من أدوات وقدرات لإحباط خطة الحكومة الإسرائيلية. محمود أحمدي نجاد بارع في استراق الأضواء الإعلامية ليكون هو «الخبر». ربما في ذهنه تحويل الأنظار بعيداً عن الوضع الداخلي الإيراني السيء. ربما يريد التغطية على التملص من الضغوط الدولية، أو التجاوب معها لأن العقوبات حقاً مؤذية. ربما يريد إخراج نفسه واخراج جمهوريته من العزلة، ولذلك اخترع نفسه إعلامياً وبرع. انما كل هذا هو من أجل محمود أحمدي نجاد ومن أجل الجمهورية الإسلامية في إيران، وليس من أجل قطع الطريق على ما في ذهن القيادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

بنيامين نتانياهو من جهته بارع في الموارية والتحايل. فهو لا يريد السلام ولا يريد حل الدولتين. والقاسم المشترك بين أحمدي نجاد ونتانياهو هو البراعة في «استخدام» إدارة باراك أوباما، إذ أن الأول يضرب اليد الممدودة إليه متناسياً عمداً أن الولايات المتحدة هي التي أعطت الجمهورية الإسلامية موقعها وقدراتها على التدخل والإملاء كما تفعل اليوم، أما الثاني فإنه يعكف على استغلال شغف وهوس إدارة أوباما بصنع السلام ببالغ الصبر، فيتاجر بهدف صنع السلام وهو عازم على أكثر الحروب بشاعة وعنصرية.

=============

في الوقت الحالي لن تبتعد سورية عن إيران

زين الشامي

الرأي العام

16-10-2010

منذ أيام زار الرئيس السوري بشار الأسد إيران في زيارة هي التاسعة له منذ عام ألفين، عدد الزيارات في حد ذاته يعتبر مؤشراً على عمق العلاقة التي صارت تربط البلدين رغم من طبيعة النظام العلماني في دمشق والديني في طهران.

من الواضح أن الزيارة التي استغرقت يوماً واحداً فقط كان هدفها طمأنة الزعماء الإيرانيين، المتوجسين دائماً من تحركات دمشق، على قوة التحالف بين البلدين. وهذا ليس بجديد، فكلما شعرت طهران بتقارب غربي مع سورية إثر زيارات لمسؤولين أميركيين أو أوروبيين للعاصمة السورية حتى نلحظ بسهولة مدى قلق العاملين في السفارة الإيرانية في دمشق، وكل العاملين في الملحقيات والمؤسسات الثقافية الأخرى التي باتت منتشرة بكثافة على الأراضي السورية، حيث نراهم في كل مكان بحثاً عن تحليل أو شرح سياسي واستراتيجي لما يجري بين دمشق والغرب، وما هي احتمالات أن تذهب سورية بعيداً عن تحالفاتها الإقليمية سعياً وراء مفاوضات السلام ومن أجل عودة الجولان، أو من أجل تلبية مصالحها الخاصة.

من حق إيران ان تشعر بقلق دائم اتجاه تحركات دمشق الديبلوماسية لأنها تعرف تماماً أنها من دون سورية ما كان لها أن تنفد منذ نهاية الثمانينات إلى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بهذه السهولة، وما كان لها أن تصبح قوة إقليمية مؤثرة وصاحبة نفوذ في لبنان أو في غزة لولا تغطية وموافقة من دمشق.

أيضاً من حق إيران أن تشعر بقلق اليوم بعد مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد تحسن علاقات سورية مع الولايات المتحدة التي تراهن على دق أسفين بين الدولتين وفك عرى تحالفهما من خلال إغراء دمشق بالدخول في مفاوضات السلام.

ومعروف أن إيران كما قلنا تنظر بريبة إلى هذه النوايا الأميركية وتخشى من تقديم الولايات المتحدة إغراءات كبيرة لسورية تتمثل في رعايتها لمفاوضات السلام، وربما اجبار إسرائيل على الانسحاب من هضبة الجولان وتوقيع اتفاق سلام مع سورية، وهذا ليس بمستبعد خصوصا أن زيارة الرئيس الأسد أتت بعد مضي أقل من اسبوع على اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع نظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك، وبعد تصريحات لمسؤول أميركي قال بعد اجتماع كلينتون والمعلم ان دمشق «مهتمة جداً» باستئناف محادثات السلام مع إسرائيل في إطار تسوية بالشرق الأوسط تسعى إليها واشنطن.

من ناحية ثانية، تريد الولايات المتحدة أيضاً أن تنأى سورية بنفسها عن «حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران، وهو أخطر ما تخشاه طهران اليوم في ظل التهديدات بضرب مفاعلاتها النووية.

لكن هل حقاً تستطيع الولايات المتحدة الذهاب إلى حيث تريد مع دمشق؟ نقصد... هل يمكن فك هذا التحالف الذي يجمع بين سورية وإيران والذي يمتد إلى اكثر من ثلاثين عاماً، وهل تقبل دمشق أن تبتعد عن إيران بهذه السهولة فيما لا يلوح بالأفق أي فائدة جدية أو استراتيجية جراء التقارب مع الولايات المتحدة، ومع العقبات التي تواجه عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهل تقبل دمشق أن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي قبل أن تضمن عودة الجولان المحتل كاملاً إلى السيادة السورية، بمعنى هل تبيع دمشق هذه الورقة المهمة من دون أن تقبض أي ثمن؟

صحيح أنه لولا دمشق ما كان لإيران كل هذا النفوذ الإقليمي في المنطقة العربية، لكن في الوقت نفسه يجب أن نعترف أن سورية استفادت كثيراً من إيران في تعزيز موقعها الإقليمي خصوصا بعد الاحتلال الأميركي للعراق الذي تبعه حصار دولي كبير للنظام السوري. فخلال الأعوام الخمسة التي تبعت ذلك الاحتلال لم يكن لدمشق أي علاقة طيبة مع أي دولة إقليمية أو أجنبية سوى إيران وتركيا. وخلال هذه الأعوام عولت دمشق كثيراً على طهران اقتصادياً وعسكرياً، كذلك استطاعت دمشق الابقاء على نفوذها في لبنان من خلال «حزب الله» الذي يعتبر الحليف الأوثق لإيران. طبعاً كان هناك مصالح متبادلة بين البلدين وكانا يشعران معاً بالتهديد، لكن النظام في دمشق يدرك أن طهران كانت أقرب دولة له في تلك المحنة، خصوصا بعد خلافه مع العديد من الدول العربية المؤثرة والتي وصلت لمرحلة من التشنج والبرود والخلافات تشبه القطيعة الديبلوماسية.

ثم هناك رأي يعتقد جازماً أن التحالف السوري - الإيراني أكبر وأعمق من أن تستطيع أي دولة في العالم فك عراه، مهما كان حجم الترهيب أو الترغيب، وسواء استعادت سورية الجولان أم لم تستعده، وسواء تحسنت علاقتها مع الغرب أو لم تتحسن، وسواء خربت علاقتها مع كل الدول العربية أم حافظت على طبيعتها ومستواها الحالي، وذلك لأن ما يربط إيران وسورية و«حزب الله» في لبنان، يتجاوز التحالف السياسي أو الالتقاء في المصالح، ويرى هؤلاء اللوحة الإقليمية بمنظار خاص، حين يقولون انه ومع استتاب الأوضاع في العراق ووجود حكومة مقربة من طهران أو حليفة لها، فإن الخط الذي يبدأ من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، يتعدى التحالف السياسي والمصالح الخاصة المتعارف عليها للدول. طبعاً نقصد التحليل والرؤية التي تعطي مكانة للعامل الديني والطائفي وراء هذا التحالف على حساب العوامل الأخرى.

هؤلاء يرون أن رهانات الولايات المتحدة على فك هذا التحالف ستبوء بالفشل بسبب هذه الطبيعة الخاصة للعلاقة السورية - الإيرانية، ولعلاقة البلدين مع «حزب الله».

لكن رغم ذلك فإن التاريخ يقول غير ذلك... واذا ما عدنا إلى منتصف الثمانينات في لبنان سنجد أن طهران ودمشق تصارعا عسكرياً من خلال «حزب الله» المدعوم من إيران ومن خلال «حركة أمل» المدعومة من سورية. كذلك يعلمنا التاريخ الطويل أن أهل دمشق معروفون بنجاحاتهم التجارية وعقدهم لصفقات ناجحة، فيما الإيرانيين فنانون حقيقيون في كل شيء وليس فقط في صناعة السجاد.

=============

مسألة الأقليات في العالم العربي

آخر تحديث:السبت ,16/10/2010

سليمان تقي الدين

الخليج

أدت سيادة الفكر القومي باتجاهاته المختلفة في العالم العربي إلى إنكار مسألة الأقليات على امتداد القرن العشرين . فقد نزع الفكر القومي أينما كان إلى افتراض وجود أمة ذات وحدة لا تتجزأ .

 

إن مركزية هذا الفكر حول العنصر العربي وحده، قضى بتغييب عناصر المجتمعات العربية الأخرى، سواء أكانت هذه العناصر اثنيات قومية أو جماعات دينية، أو كانت فئات اجتماعية .

 

لقد اختزل الفكر القومي الأمة في الحزب والايديولوجيا الحزبية حتى صارت الأمة نفسها بجسمها الغالب صورة رمادية باهتة، بل صورة ميتة لا حياة فيها ولا حراك . فلم يغفل الفكر القومي التعددية القومية المميزة لتاريخ العرب والمسلمين، بل أغفل أيضاً التعددية المذهبية وألقى عليها ستاراً كثيفاً من التصورات المثالية، كل ذلك في خدمة هدف رئيسي لهذا الفكر هو أن يطابق بين الأمة والدولة، والمجتمع والدولة .

 

وفي لحظة صعود القوى القومية إلى السلطة في معظم الأقطار العربية الرئيسية منذ خمسينات القرن العشرين، طورت خطاباً سياسياً وايديولوجياً يسعى إلى دمع قوى المجتمع وصهرها في بوتقة متماسكة واحدة، وحيثما استحال ذلك بسبب صلابة بعض المتحدات القومية الأخرى، أو بعض العصبيات الدينية والطائفية، سعت إلى إلغائها في الواقع عبر سياسات “التعريب” القهرية الهادفة إلى إزالة جميع مقومات التنوع والتعدد بأساليب ووسائل شتى اختلفت باختلاف الظروف التاريخية والاجتماعية لبلدان العالم العربي في ظل الدولة القطرية .

 

استطاعت النظم القومية أن تكبت إلى حد بعيد كل هذه المعطيات الاجتماعية أو الثقافية، واستخدمت ضغوط وتحديات الاستعمار والامبريالية ذريعة لإخماد أي حراك سياسي داخلي، فألغت عملياً كل تعبيرات المجتمع المباشر لتحل مكانها سلطة تدعي احتكار هذا التمثيل، فظلت الحياة السياسية العربية إلى زمن طويل أسيرة هذا التزوير السياسي لإرادة الشعوب . لقد قصرت هذه النظم صيغ التمثيل على الجبهات التي تم فرضها بسلطة الأمر الواقع، وعلى الحزب الحاكم الذي صادر كل هيئات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب سياسية أخرى وتيارات .

 

لقد فرضت الدولة العربية “القطرية” نفسها أداة قاهرة لإعادة تشكيل المجتمعات العربية . واستطاعت هذه الدولة أن تفرض نسقاً معيناً من التطور الاجتماعي والسياسي لاسيما عبر التدخل الفعال من سلطة العسكر الحاكمة في تكوين أجهزة الدولة وترتيب الفئات الاجتماعية . وتحت ذريعة ضبط الصراع الاجتماعي والتحكم بنتائجه، أنشأت هذه النظم كتلاً اجتماعية خاصة ترتبط مصالحها بأجهزة الدولة نفسها . فصارت الدولة فوق المجتمع بنية اجتماعية وامتيازات سياسية وثقافية .

 

توسلت هذه النظم ايديولوجية هي مزيج من العلمانية لمناهضة الحركات الدينية أو ذات الثقافة الدينية، واستخدمت الثقافة السياسية الدينية لمناهضة تيارات العلمانية، أنتجت خلال عقود من هذا الهجين الثقافي أدوات لقهر التفكير الحر والجدل الفكري والثقافي . ولأن القوى التي مثلتها هذه النظم هي نخب وشرائح هامشية وفي بعض الأحيان جماعات أقلية بمعنى من المعاني، ضاعفت من كبتها للحريات ولوسائل المشاركة، وزادت من عناصر استخدام امتيازات السلطة كأساس لتمتين مواقعها، فكان عليها بالضرورة أن تحرم قوى المجتمع الأساسية من حقوقها .

 

هكذا صارت السلطة داخل الكيانات القطرية العربية، أسيرة مصالح جهوية قبلية طائفية عائلية وما إلى ذلك . وبمقدار ما تضيق رقعة الفئات الاجتماعية التي تمثل بمقدار ما يتسع خطابها القومي العابر للحدود الوطنية . وبدلاً من أن يطور الفكر القومي نظرة واقعية للعالم العربي وقضاياه أسقط عليه طروحات نظرية مثالية، وعندما اصطدم هذا الفكر بالواقع المعاش استخدم وسائل الترهيب والتخوين والاقصاء وتعامل مع مشكلات التعدد الظاهرة على أنها من مخلفات الاستعمار ومن أدواته . ولأن العلم يغيب عن الفكر المثالي فقد غاب الإحصاء في العالم العربي وتحول إلى جريمة يمنعها القانون . وأصبح الحديث عن الأقليات وعن تنوع المجتمع تخريباً للوحدة الوطنية، علماً أن حجم مسألة الأقليات القومية يفوق في مجموع العالم العربي عن نسبة العشرين في المئة، وأنه يشكل في بعض المجتمعات الوطنية ثقلاً وازناً يفوق هذه النسبة بكثير .

 

هكذا مثلاً لفتنا المفكر الفرنسي اليساري الصديق للعرب، مكسيم رودنسون، منذ العام 1979 في كتابه “العرب” إلى حجم المشكلة التي تواجه حركة التحرر الوطني العربية . وكان الهاجس الأساسي للمفكر رودنسون أن يساعد في بلورة مفاهيم عربية صحيحة .

 

فبعد أن رسم صورة تاريخية للسلالات العرقية والثقافية والدينية التي عبرت هذه المنطقة المسماة العالم العربي على مدى التاريخ، يدخل في تفصيل التكوين الإثني والديني والمذهبي . ويتبين أننا أمام خارطة واسعة من التلوينات التي تفوق حجم الأقليات إذا ما أخذنا بالاعتبار مسألة أخرى هي المسألة الطائفية .

 

والحقيقة هي أن الحديث عن مسألة الأقليات يوحي بتحجيم المشكلة لأنها مشكلة “أقلية” أما في واقع الأمر فهي مشكلة اندماج وطني ومواطنة . وتلك المسألة تتعلق بالأكثرية نفسها إذا وجدت على نفس السوية والأهمية .

 

لقد ساد اعتقاد في فترة من الزمن أن تراجع المطلب الوحدوي العربي، واستقرار الكيانات القطرية، وكأنه دليل على أن هذه الكيانات ربما كانت أكثر انطباقاً على صورة المجتمعات العربية . لكننا اليوم نشهد أزمة وحدة هذه الكيانات التي تتصدع أمام الضغوط الخارجية بسبب عمق أزمتها الداخلية، وتعبر هذه الأزمة عن طبيعتها على شكل انقسامات عمودية قبلية ومناطقية ودينية وطائفية وقومية، أي وفق العصبيات السابقة على المواطنة . صحيح أن الأزمة ليست مطروحة بنفس الحدة في جميع الدول والكيانات، لكن مقوماتها موجودة تقريباً في معظم الدول العربية .

 

تغتذي هذه الانقسامات دون أدنى شك من تفاوت توزيع الثروة والسلطة ومن الامتيازات الثقافية وتتقوى اليوم من الضغوط الخارجية . وينكشف بشكل واضح اليوم أن الدولة القطرية لم تكن تعبر عن صورة المجتمع ولم تكن قادرة على بلورة متحدات اجتماعية متماسكة وقوية، ليس لأنها مجتمعات قطرية، بل لأنها لم تبن الدولة الحديثة وفقاً لمعايير الدولة الدستورية، أي دولة المؤسسات والقانون . لقد فشلت هذه الدول في التنمية وفي تأمين المشاركة السياسية وفي بناء المواطنة .

 

هكذا يعيش العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه أزمة هوية على مستوى نظامه الإقليمي، من خلال انهيار الجامعة العربية، ويعيش أزمة وحدة وطنية على المستوى القطري، ويعيش أزمة وحدة وطنية على المستوى القطري، من حرب الصومال بين القبائل، إلى اتفاق نيفاشا في جنوب السودان، إلى الفيدرالية العراقية بين الأكراد والعرب، إلى النظام الطائفي اللبناني .

 

ماذا يعني كل ذلك سوى أن العرب ليسوا الآن في موقع المجتمعات الموحدة وطنياً، وأن الصراع السياسي داخل أقطارهم لا يقود إلى التقدم الاجتماعي، بل يقود إلى التفكك والى استنزاف طاقاتهم ومواردهم عبر هذا الصراع على السلطة، بين قوى لا يحمل أي منها مشروعاً للتقدم . وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى خطورة المسألة الطائفية، التي تتفاقم اليوم تحت وطأة الاتجاهات الدينية المغالية والقوى السياسية التي تفترض أن الإسلام السياسي هو البديل من أزمة النظم القومية . فالإسلام المذهبي التقليدي المتوارث عن واقع التخلف يطرح مشكلته المذهبية ويطرح مشكلته مع التحديات المعاصرة . وهو يعيد إنتاج نفس أزمة الفكر القومي منذ اللحظة التي يسقط فيها صورة المجتمع الواحد على المجتمع التعددي المتنوع . ولا نريد من هذا القول استبعاد الإسلام من واقع الحياة في مجتمعات ذات ثقافة اسلامية عميقة، ولكننا نبحث عن خطاب توحيدي عربي تأتلف فيه ثقافة الإسلام مع روح العصر .

 

إن من مقدمات ذلك يتصدى المفكرون العرب لهذه المهمة بإتجاه بلورة ثقافة عقلانية غير منقطعة الجذور عن المخزون العاطفي والشعوري للأمة ولا عن معطياتها الدينية الخاصة . وليس في هذا التوجه روح تلفيقي أو توفيقي تبسيطي، بل هو حل يجب استنباطه على قاعدة بناء مدينة غير معادية للدين، أساسها فكرة المواطنة وحقوق المواطنة . إن ما يشجع على ذلك هو أن بعض الفكر الإسلامي المستنير يقبل اليوم بالدولة الديمقراطية، دولة القانون، أي الدولة التي تستمد شرعيتها ومشروعيتها من التمثيل الشعبي والسيادة الشعبية وليس من المرجعية الدينية .

معادلة صعبة . . نعم . . ولكنها المعادلة الوحيدة للخروج من مأزق الدولة الذاهبة إلى حد التفكك هنا وهناك على امتداد العالم العربي .

=============

العرب والأفارقة

بقلم :حسين العودات

البيان

16-10-2010

كانت القاهرة في ستينات القرن الماضي، موئلاً وملجأ ومعيناً لحركات التحرر الأفريقية، فقد فتحت أبوابها لهذه الحركات، وقدمت لها المساعدات المالية والتعليمية والدعم السياسي، وفتحت كلياتها العسكرية لتدريب المناضلين الأفارقة، وأبواب جامعاتها لاستقبال الطلاب الذين كانوا يقبلون للدراسة بها بدون شروط.

 

وتقدم الحكومة المصرية لمعظمهم منحاً دراسية، ووضعت الدبلوماسيين والقانونيين المصريين تحت تصرف حركات التحرر الأفريقية يقدمون لها خبراتهم وخدماتهم، وأسست إذاعة خاصة بأفريقيا تذيع بخمس وعشرين لغة.

 

وعقد الرئيس جمال عبد الناصر علاقات صداقة (سياسية وشخصية) مع قادة حركات التحرر الأفريقية، وقادة الدول الأفريقية المستقلة في ذلك الوقت. وكان العرب (مسيسين وغير مسيسين) يحفظون عن ظهر قلب أسماء زعماء أفارقة كثر ويعرفون تاريخ حياتهم ونشاطهم والمنظمات أو الدول التي يرأسونها ، مثل قوامي نيكروما (الذي سمى ابنه جمالا ومازال هذا يعيش في القاهرة).

 

وأحمد سيكوتوري وجومو كينياتا، وفيما بعد باتريس لومومبا ونيلسون مانديلا وغيرهم، وكان لمصر دور هام جداً في استمرار حركات التحرر الأفريقية في نضالها، وفي استقلال بعض الدول الأفريقية أو استكمال استقلالها وتحررها، وبالإجمال كانت القاهرة عاصمة أفريقيا الحقيقية، سياسياً وثقافياً وعسكرياً وفي مختلف المجالات.

 

وكان أخشى ما يخشاه الاستعماران البريطاني والفرنسي في أفريقيا هو التحريض المصري عليهما، والدعم المصري للشعوب المستعمرة، ولم يعد يفيدهما كثيراً أنهما تخليا عن استعمار بعض الدول عام 1960، أو دعما استقلال عديد من الدول الواقعة تحت هيمنتهما، فقد استقلت أربع عشرة دولة أفريقية عام 1960 دفعة واحدة عن الاحتلال الفرنسي، وتراخت قبضة الاحتلال البريطاني في مستعمراته خوفاً من حركات التحرر، ولم يبق في الواقع من المستعمرين منذ ذلك الوقت سوى الاستعمار البرتغالي في أنغولا وموزمبيق، ودولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبقايا مستعمرين في بعض المناطق الأخرى.

 

لم تنس الدول الأفريقية العون المصري، فهبت بعد هزيمة يونيو 1967 هبة واحدة، وجددت رفضها إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ومن كانت لها مثل هذه العلاقة قطعتها، وبالإجمال كانت العلاقات الأفريقية العربية متينة وقوية وتتصف بالتعاون والفهم والتفاهم المتبادلين، دون الحاجة لبروتوكولات مشاركة، أو أعمال تنسيق، أو اتفاقات لا تتجاوز كونها حبراً على ورق.

 

تراجعت العلاقات المصرية  الأفريقية واستطراداً العلاقات العربية الأفريقية بعد رحيل عبد الناصر، وفُتحت أبواب أفريقيا مجدداً للنفوذ الغربي الأوروبي القديم والأمريكي المتقدم، ثم تبين لهذا النفوذ أن استمراره يكلفه أعباء كثيرة وكبيرة، فأخذ يتراخى ويتراجع، فوجدت الصين فرصتها سانحة، ودخلت أفريقيا كمستثمر بثوب من يقدم المساعدات، وأخذت تقيم المشاريع الصناعية.

 

ومشاريع استخراج الثروات المعدنية والبترولية وغيرها، وقد تجاوز حجم الاستثمارات الصينية الثلاثين مليار دولار.ثم تحولت العلاقة الصينية  الأفريقية الاقتصادية إلى علاقات سياسية، وعقدت الصين مؤتمر قمة أفريقية صينية في بكين قبل سنتين شارك فيها معظم الرؤساء الأفارقة، وأينما توجهت الآن في أفريقيا، ستلتقي بالصينيين، يستثمرون ويقيمون المشاريع ويمددون أنابيب نقل النفط، وربما كان في مخطط الحكومة الصينية أن يصل حجم استثماراتها في أفريقيا إلى ستين مليار دولار خلال سنوات قليلة.

 

كان من البديهي، بعد انسحاب وتراجع الدور العربي، أن يتسلل النفوذ الإسرائيلي إلى أفريقيا، واستطاعت إسرائيل أن تقنع معظم دول أفريقيا (إن لم يكن كلها) بإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، وأن تقيم مشاريع زراعية عديدة وكبيرة في عدة بلدان أفريقية، وتدرب اليد العاملة ليس في مجال الزراعة فحسب بل في مجالات أخرى من بينها المجال العسكري، ويتعاظم النفوذ الإسرائيلي، وتصبح السياسة الإسرائيلية ذات شأن في أفريقيا، ليس فقط في مجال تأمين المصالح الإسرائيلية.

 

وإنما أيضاً في محاربة المصالح العربية، ولنا من دورها في تحريض الدول الأفريقية الواقعة على حوض النيل على إعادة النظر باتفاقية توزيع مياه النيل خير مثال، مع أن الاتفاقية المعمول بها الآن والتي وقعها عبد الناصر حفظت حقوق الجميع وكانت متوازنة، بل يقول بعض الخبراء أنها كانت في صالح الدول الأفريقية، وهذا ما أصر عليه جمال عبد الناصر في ذلك الوقت.

 

إضافة إلى أن إسرائيل تقيم منشآت في أفريقيا على أنها منشآت اقتصادية أو صناعية أو غيرها، وهي في الحقيقة قواعد عسكرية أو مراكز تجسس تعتبرها جزءاً من أمنها القومي. وفي المحصلة مدت إسرائيل مجالها الحيوي ليصل إلى باب المندب ويغطي معظم أفريقيا، وتراجع المجال الحيوي العربي ليلامس حدود بلاده.

 

من الممكن فهم التقدم الصيني في أفريقيا باعتبار الصين دولة صناعية كبيرة وقوة اقتصادية، ومن الممكن تلمس أسباب التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا وتوسيع مجال إسرائيل الحيوي ليغطي القارة، إلا أن الملفت للنظر هو الدور الإيراني المستجد في أفريقيا.

 

وتزايد حجم الاستثمارات الإيرانية فيها، وتعدد الصناعات التي تنشئها، والاتفاقات الاقتصادية والعسكرية والتعليمية التي وقعتها مع دول أفريقية عديدة، حتى تكاد إيران تكون القوة الخامسة في أفريقيا، مع أنها بلد نام، لا صناعي ولا زراعي متقدم، ولا تزيد معارفه التقانية والاقتصادية عن غيره من الدول العربية المماثلة، وليس أغنى من عديد من هذه الدول، ولا من بلدان الجوار الأفريقي.

 

عقد العرب والأفارقة مؤتمرهم الثاني في مدينة سرت الليبية الأسبوع الماضي بعد ثلاثة وثلاثين عاماً على المؤتمر العربي الأفريقي الأول، وقرروا (العمل المشترك والتنسيق) ورفع بعض الشعارات الأخرى، فهل بقي للعرب نصيب في التعاون مع القارة السمراء؟. نرجو ذلك.

كاتب سوري

=============

شراكة استراتيجية عربية إفريقية

بقلم :ممدوح طه

البيان

16-10-2010

تابعنا في الأسبوع الماضي نتائج القمتين المهمتين اللتين عقدتا في مكان واحد هو مدينة «سرت» الليبية، وفي زمان واحد في يومين متتاليين هما الثامن والتاسع من أكتوبر الماضي، برئاسة واحدة، الأولى عربية استثنائية بدت ضرورية، والثانية إفريقية عربية استراتيجية وغير عادية.

 

ومثلما كان لظرف الزمان ولظرف المكان أثره في مسار ومقررات القمة الأولى التي عقدت بهدف واحد هو «تطوير منظومة العمل العربي المشترك»، في الطريق إلى بناء «الاتحاد العربي»، الذي بدا محل خلاف رغم إقراره، كان للجغرافيا والتاريخ المشترك بين العرب والأفارقة تأثيره الإيجابي في مسار وقرارات القمة الثانية، وأهمها إقرار «الشراكة الاستراتيجية العربية الإفريقية» من دون خلاف.

 

فمن حيث التاريخ والزمان في القمتين، تبدو الأهمية واضحة، في ما أصبح ملحا وضروريا، بل ومصيريا، في مواجهة المخططات الاستراتيجية الصهيونية والغربية السافرة بتفتيت المفتت وتقسيم المقسم أصلا من دول عربية وإفريقية، وأبرز الأمثلة على ذلك بكل أسف أمثلة عربية، إفريقياً في الصومال والسودان، وآسيوياً في العراق واليمن ولبنان، وهو ما يضاعف من أهمية مثل هذه القمم للرد بتحرك اتحادي عربي أولاً، وعربي إفريقي ثانياً، مضاد للتحرك الانفصالي التقسيمي الأميركي والغربي.

 

وبالرغم من الأهمية المضاعفة لكلا القمتين وما انتهت إليه من نتائج، فلقد بدا الاهتمام الشعبي والإعلامي العربي بهما أقل من تلك الأهمية، بسبب ما تعودنا عليه في العقود الأخيرة من النتائج الأقل تلبية لطموحات الشعوب من هذه القمم، بما كرس فجوة ما بين إرادات الشعوب وقرارات القادة، آن الأوان لسدها في مثل هذه الظروف المصيرية.

 

وبرغم ما بدا خلافاً سلبياً بين موقفين عربيين من مشروع الاتحاد العربي الذي تطمح إليه الشعوب العربية، إلا أن مسار الحوار الذي ساد القمة الاستثنائية الأولى أفضى في النهاية إلى وفاق إيجابي بإقرار جوهر ما انتهت إليه اللجنة العربية الخماسية التي شكلتها قمة سرت العادية في مارس الماضي لدراسة المشاريع العربية المختلفة لتحقيق الهدف الرئيسي، وهو تطوير منظومة العمل العربي المشترك وإصلاح الجامعة العربية، والسير إلى الأمام في دراسة مشروع «منتدى الجوار العربي» الذي طرحته الجامعة العربية.

 

كان المطروح على اللجنة الخماسية مشروعاً ليبياً مر على طرحه ثلاثين عاماً هو مشروع «الاتحاد العربي» وهو مشروع فيدرالي على غرار «الاتحاد الأوروبي» الذي سبقه وتم تنفيذه، و«الاتحاد الإفريقي» الذي لحقه وجاري تنفيذه.

 

وفي المقابل مشروع مصري سعودي تنسيقي لا يرى البدء ب«الاتحاد»، ويبقي على صيغة «الجامعة» العربية، مع تطوير تدريجي في أطرها وهيكلها وآليات عملها وصولاً إلى الاتحاد، وبين المشروعين مشروع يمني وورقة قطرية تطرح صيغة وسطاً عبر مشروع كونفدرالي هو «اتحاد الدول العربية»، وأقرت القمة مشروع التطوير الجوهري في الطريق إلى الاتحاد.

 

لكن القمة الإفريقية العربية الثانية في قاعة «واجادوجو» كانت الأكثر حرارة وحيوية وديناميكية برغم تأخير عقدها على مدى ثلاثة وثلاثين عاما كاملة بغير مبرر معقول، ومع ذلك فكان الحماس لإقرار مشرع الشراكة الإستراتيجية واضحا على الجانبين العربي والإفريقي معا، وهي الشراكة الطبيعية القائمة في الواقع جغرافيا وتاريخيا وبشريا، والذي تمليه ضرورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وتنموية، والذي عكسته مواقف عربية بارزة في تحرير إفريقيا من الاستعمار وفي دعم أفريقيا للقضايا العربية وفي مقدمتها قضية تحرير فلسطين وكسر الحصار على ليبيا.

 

فأكد بيان القمة «الدعم الراسخ والمساندة الكاملة لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي وحقه في ممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير والعودة إلى وطنه والعيش في سلام واستقرار داخل حدود دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية»، وأن استراتيجية الشراكة هذه هي الوسيلة الرئيسة لإحياء التعاون ودفعه في خضم التحديات الراهنة.

 

وكلف وزراء الجانبين عقد اجتماعات دورية مشتركة لبلورة خطط العمل واتخاذ التدابير التنفيذية في مجالات تخصصهم، داعياً المجتمع الدولي ومجموعة الدول الثماني خصوصاً، إلى الوفاء بتعهداتها في شأن إصلاح النظام المالي والنقدي العالمي.

 

ودعا الرئيس المصري حسنى مبارك في كلمته الافتتاحية إلى العمل على تعزيز الشراكة الإفريقية العربية باعتبارها طريقا لخدمة لقضايا السلم والأمن والتنمية، وطالب العرب والأفارقة بوضع أيديهم مع بعض لوضع الشراكة بين إفريقيا والعالم العربي على مسار جديد لتعزيز التعاون العربي الإفريقي على الساحة الدولية.

 

وطالب بالعمل على تطوير التعاون بين الجانبين العربي والإفريقي ودعم آلياته ليصبح بحق شراكة إفريقية عربية فاعلة وفقاً لاستراتيجية شاملة وخطة عمل محددة وآليات للتنفيذ في إطار زمني متفق عليه.

كما دعا الزعيم الليبي معمر القذافي العرب والأفارقة إلى التمسك بالوحدة، والتحليل العميق والتصرف الحكيم لمواجهة التحديات مشيرا إلى أن ثلثي العرب هم أفارقة، عن طريق تكثيف اللقاءات فيما بينهم، داعيا ثلث العرب الآسيوي إلى التكامل مع إفريقيا الواعدة.

ومتعهدا بأنه سيكون مخلصا خلال رئاسته للقمة على خلق فضاء عربي إفريقي يعكس حجم ووزن دوله وشعوبه بين الفضاءات العالمية الأخرى، في عصر الكبار الذي لم يعد فيه مكانا للكيانات الصغرى.

كاتب مصري

=============

الزخم الإقليمي والانكفاء الأميركي

سميح صعب

النهار

16-10-2010

مع الانسحاب الاميركي العسكري المتواصل من العراق، والإخفاق الذي يواجه العملية السياسية في هذا البلد بعد مضي أكثر من ستة أشهر على الانتخابات النيابية من دون التوصل الى اتفاق على تأليف الحكومة المقبلة، ومع تعثر جهود البيت الابيض في إحياء عملية السلام في الشرق الاوسط، يبدو اللاعبون الاقليميون في موقع أفضل لتشكيل الاجندة السياسية في المنطقة.

من العراق الى فلسطين مروراً بلبنان، تواجه الولايات المتحدة تراجعاً في نفوذها في مقابل تقدم المحور المعاكس. فسوريا وايران تضطلعان اليوم بدور محوري في تأليف الحكومة العراقية الجديدة، بعد الاخفاق الذي واجهته واشنطن في دفع المكونات السياسية العراقية الى تجاوز خلافاتهم والاسراع في عملية التأليف. ولم تُجْدِ الضغوط التي مارسها نائب الرئيس الاميركي جو بايدن عبر اكثر من زيارة في حمل العراقيين على الاتفاق.

وفي المجال العراقي يتأكد ان الجهة العراقية التي تدعمها سوريا وايران هي الاوفر حظاً في تولي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، لا سيما بعد رأب الصدع في العلاقات بين دمشق ورئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي. وادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي تخوض سباقاً مع الوقت لدفع العملية السياسية في العراق الى الامام بما يؤمن لجنودها انسحاباً آمناً، لا يزعجها ان تتلاقى مصلحتها مع مصلحة طهران في دعم تولي المالكي رئاسة الوزراء لولاية ثانية.

وفي فلسطين، انطفأت عملية التسوية مجدداً مع معاودة اسرائيل البناء في مستوطنات الضفة الغربية، متجاهلة كل المناشدات الاميركية كي تمدد تجميد البناء ولو لفترة شهرين من أجل إنقاذ المفاوضات المباشرة التي لم تكد تبدأ في 2 ايلول حتى توقفت في 26 منه مع انتهاء مفعول قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد جزئي للبناء في المستوطنات.

ومع فشل الرئيس الاميركي باراك اوباما في إقناع نتنياهو بتمديد التجميد، تلقت واشنطن ضربة قوية لجهودها التي تبذلها منذ نحو عامين من أجل تحريك المسار الفلسطيني. وهذا الفشل اعطى انطباعاً بعجز اوباما عن ممارسة ضغوط جدية على اسرائيل، وأثبت في الوقت عينه صدقية المراهنين في الجانب الآخر على عدم جدية الدولة العبرية في المضي قدماً في عملية التسوية.

وفي لبنان، ليس من حاجة الى إثباتات على تراجع النفوذ الاميركي واتجاه الامور لمصلحة سوريا وايران، وكان الاندفاع الاميركي الذي سجل في لبنان بعد عام 2005، تتمة لاندفاع مشروعها في المنطقة عقب الحرب على العراق. ومع تراجع المشروع الاميركي في العراق، خرجت سوريا من العزلة التي فرضت عليها بعد الحرب.

وعلى رغم محاصرة ايران بالعقوبات الدولية، فإن نفوذها الاقليمي اليوم هو أقوى. وتبدو واشنطن في حاجة الى استمرار التهدئة الايرانية في العراق، والى دور ايراني غير مشاغب في افغانستان كي تتمكن من الخروج بأقل خسائر ممكنة من المستنقع الافغاني.

 فضلاً عن ذلك، لم تنجح كل المحاولات التي بذلتها واشنطن لإبعاد سوريا عن ايران من أجل تعميق عزلة طهران لإرغامها على التراجع عن المضي في برنامجها النووي. وفي المقابل تندفع ايران اكثر فأكثر نحو إبراز عناصر القوة في المنطقة. والزيارة التي قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى لبنان على رغم كل التحذيرات الاميركية والاسرائيلية، تهدف الى إبراز أحد هذه العناصر.

كما ان سوريا وايران نجحتا عبر تطوير علاقتهما بتركيا في بناء محور اقليمي له كلمته في تقرير مصير المنطقة لا سيما بعد التدهور الذي حصل على جبهة العلاقات التركية - الاسرائيلية، ليثبت ان الكثير من الضربات التي تتلقاها اميركا سببها اسرائيل.

=============

حروب صغيرة بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل

ترجمة جنان جمعاوي

عن كتاب: Tirs croisés

كارولين فورست  فياميتّا فينر

الرأي الاردنية

16-10-2010

اتخذت دولة إسرائيل صبغة دينية منذ نشأتها. ففي 19 شباط 1947، كتب بن غوريون، رسالة وجهها إلى اليهود الأرثوذكس أو «أغودات»، شرح فيها كيف ينظر الصهاينة إلى العلاقة بين الدين والدولة، وذلك في مسعى لثنيهم عن الاعتراض على إنشاء دولة إسرائيل واحتجاجهم أمام هيئات دولية، كما حدث سابقاً.

ووفقا للرسالة، فان القادة المستقبليين لإسرائيل يتعهدون بضمان أن تكون المحاكم اليهودية معقودة حصرا للحاخامات، من اجل النظر في مسائل الأحوال الشخصية لليهود، وذلك لضمان ان يكون يوم السبت والأعياد اليهودية معترفاً بها كأيام عطلة رسمية، ولضمان احترام القوانين الغذائية في جميع مؤسسات الدولة والحفاظ على استقلالية النظام التعليمي المتشدد. ومنذ ذلك الحين، كافح العديد من المؤرخين لمعرفة أي صبغة يمنحون هذه الرسالة التي سميت «الوضع القائم».

إن الضغط الشديد الذي مارسه المتشددون، منذ البداية، يفسر، وبشكل مؤكد، لماذا لم تستطع إسرائيل قط أن تكتب دستورا مدنيا، كان سيؤثر سلباً على سيادة، أي المتشددين.

في 1949، خلال الجلسة الأولى للكنيست، حذر ممثل «أغودات إسرائيل» النواب من انه «لا يمكن لأي دستور أن يحظى بالمصادقة أو بالاعتراف، إلا إذا كان يتناسب تماما مع التوراة. وأي محاولة أخرى في إسرائيل ستشكل انتهاكا للقانون». وأضاف «أحذركم: إن أي محاولة لوضع مشروع دستور سيؤدي حتما إلى صراع فكري وأيديولوجي وحشي وبلا هوادة». هذا التلويح بالحرب الأهلية ليس سوى واحد من سلسلة طويلة من التهديدات.

ولم يتمكن العلمانيون من النكث بالوعد الذي قطعه بن غوريون أمام المتدينين. ففي 1953، بعد إصرارهم، تم التصويت على قانون يقضي بتوسيع نطاق اختصاص المحاكم الحاخامية لتشمل مسائل الزواج والطلاق. وما اعتبر دليلا «مفضوحا» على وجود «تصدع» في علمانية اسرائيل المعلنة، هو المكان، حيث فرض اليهود المتدينون سلطتهم على الإسرائيليين. ففي ظل غياب الدستور الذي يكفل لكل مواطن معاملة متساوية، فان المسائل في إسرائيل تجري مثلما تجري في لبنان، أو في أي دولة بعيدة عن الحداثة، انشقت عن الامبراطورية العثمانية. كل مواطن يعود إلى دينه أو مذهبه أو عقيدته في الأمور التي تتعلق بحياته المدنية: الزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، والوصايا والإرث، والجنازات...

وكما كان يحصل في ظل الامبراطورية العثمانية، لا يخضع المواطنون الإسرائيليون للمحاكمة في المحاكم ذاتها، سواء كانوا من المسلمين أو الدروز أو المسيحيين أو اليهود. أما العلمانيون، فهم مجبرون على اتّباع القوانين الخاصّة بديانتهم الأصلية. وعليه، يعتمد اليهود العلمانيون للغاية على الحاخامات، الأشد أرثوذكسيةً في أحيان كثيرة، الذين غالباً ما يحكمون في هذه المحاكم. هذه السلطة تخوّل الحاخامات منع الارتباط بين الناس الذين يعتبرون، من وجهة نظر القانون الديني، غير يهود، أي كل من كان أحد أبويه فقط يهودياً، أو أولئك الي اعتنقوا اليهودية على أيدي حاخامات غير أرثوذكس.

وهكذا، وضعت «مجمع حاخامات إسرائيل» قائمة سوداء من أربعة آلاف شخص تعتبر يهوديتهم «مشكوكا فيها»، وبالتالي يخضع أمر عقد قرانهم لتحقيق دقيق. كما يفرض القضاة أن يتمّ الاحتفال بالزواج وفقا للطقوس الدينية التي ينص عليها القانون: التسجيل في الحاخامية، حفل «شوباه» أمام الحاخام، طقوس الحمام التقليديّ للنساء. وبالتالي، فإن على المنتمين إلى ديانات مختلفة من يهود وغير يهود والراغبين بالزواج، ببساطة أن يطيروا إلى قبرص، كما يفعل جيرانهم اللبنانيون، الممنوعون من الزيجات المختلطة.

ولا تقبل المحاكم أية مفاوضات في أمور الطلاق، وهي تميل عادة لصالح الرجال لأنهم، وفقا للقانون الديني هم وحدهم القادرون على حل الزواج. في 2003، رفضت المحكمة الحاخامية في حيفا منح الطلاق لامرأة أجبرها زوجها على التصويت مثله لصالح حزب الليكود. وقد نصحت المحكمة الزوجة بالتصويت مثل زوجها لتجنب أي نزاع عائليّ.

هذا النوع من الأحكام، بالإمكان نقضها في المحكمة العليا، كما حدث في شباط 1994، عندما رفضت المحكمة الحاخامية اعطاء امرأة مطلقة ممتلكاتها على أساس أن الشريعة اليهودية لا تنص بإعطاء أي حقوق للزوجة.

ورداً على هذا النوع تحديداً من تدخل الدولة، نظّم الراديكاليون صفوفهم في لوبي انتخابي. ولا يهادن الرجل الثاني في «الحزب الوطني الديني»، ويقول «نحن نعتزم تعزيز الحاخامية في ما يخصّ الزواج والطلاق وتنظيم الجنازات. كما نريد أن نضمن احترام السبت يوماً للراحة»، مبدياً استياءه من انه «تم منح المحكمة العليا امتيازات كثيرة جدا».

لا يوفر اليهود المتدينون أية وسيلة لمحاولة السيطرة على حياة اليهود العلمانيين. هيمنتهم جليّة في مجال التعليم، وفي حظر فتح المتاجر أيام السبت، أو في وسائل النقل العام. في 2001، انتزع «الرجال في الثياب السوداء» قراراً أثار احتجاجاً عارماً، حصل بموجبه الحريديم على خط حصري لهم في وسائل النقل، ليتمكن رجال الحريديم من الركوب في الحافلة في المقدمة، فيما تجلس نساء الحريديم في الخلف.

وبالفعل، جهّزت شركة «دان» حافلاتها البالغ عددها 3100 بلافتات تشجع على الصلاة. أمّا الشركة المنافسة لها «ايجد»، فقد تم تكليفها من قبل وزارة النقل لفتح خط منفصل لحافلات الحريديم. رفضت الشركة في البداية الخضوع لهذا الأمر لكنها تراجعت عن قرارها، عند ردّ اليهود الأكثر أرثوذكسية بفتح خطّ من الحافلات المقرصنة. هذه المرة، كان فوزهم كاملاً، بما أن الشركة منحتهم حسما حتى 20 في المئة، عندما يستقلون حافلاتها. وأكثر من ذلك أيضاً، دعيت الشركات الموجودة في محيط المحطة المركزية للحافلات، إلى إعادة النظر في سياساتها، بطريقة تأخذ في الحسبان «حساسيات» الحريديم. فمثلاً، قام متجر للملابس الداخلية بتغيير واجهاته. ومذاك، تفشت ظاهرة الحافلات التي تفصل بين الجنسين، على نحو كبير، لدرجة أن الحريديم طالبوا وزارة النقل للحصول على خطوط حافلات مخصصة للرجال حصراً.

وعندما لا يكفي ضغط اللوبي، لا يتردد جنود التوراة في استخدام القوة. ففي كانون الأول 2001، تمكَّن جنود التوراة بقوة الحجارة، من نقل بعض مواقف محطات الحافلات خارج المحطة الجديدة لتجنب مرور الحريديم في مراكز التسوق لركوب حافلاتهم.

أما في أيام السبت، فيمكن أن يقطع أي نشاط بحجة «احترام العطلة» اليهودية. في 11 تموز 1999، شكّل مئات الشبان الحريديم سداً بشرياً لإغلاق الطريق الذي يربط «ريهوف بار» بإيلان، من مساء الجمعة حتى مساء السبت.

مع ذلك ومنذ العام 1997، توصل الإسرائيليون العلمانيون، بعد مفاوضات شاقة، إلى حل وسط. الا أن اليهود الأصوليين يمكنهم دائما العدول عن آرائهم ومعاودة ممارسة الضغط.

في 14 شباط 1999، احتج 250 ألفا من الناشطين الدينيين ضد حكم أصدرته المحكمة العليا، بحق حريديمي دمّر، في إطار عملية وصفت «بالفدائية»، منزل سيدتين مسيحيتين، بحجة أنهما تحاولان تحويل اليهود إلى المسيحية. ووفقاً لمصادر الشرطة كانت هذه أكبر تظاهرة دينية منذ قيام إسرائيل. والى جانب الافراج عن زملائهم، طالب المتظاهرون، خصوصا، بإنهاء ما سموه «الأحكام المناهضة للدين من قبل المحكمة العليا». وفي الأشهر الأخيرة، سمحت المحكمة بفتح متاجر نهار السبت، وألغت الإعفاء العسكري ل28 ألفا من الحريديم. هؤلاء ثاروا، منددين بالأحكام، لا باعتبارها معادية للدين فقط، ولكن بوصفها «معادية للسامية».

وذهب أحد الحريديم إلى حد التوعّد بأنه «إذا لم تقتنع المحكمة العليا بضرورة وقف تدخلها في الشؤون الدينية، فان الحرب واقعة لا محالة». وأيده في ذلك الرجل الثاني في حزب «شاس» الياهو سويسا، ووزير الداخلية في حكومة نتنياهو.

في المقابل، يجد العلمانيون صعوبة في بلوغ مستوى الغضب اللازم للمقاومة. ففي ذلك اليوم حيث استعرض الحريديم عضلاتهم، لم يتمكن العلمانيون سوى من حشد 50 ألفاً للمشاركة في تظاهرة مناهضة، غالبيتهم كانوا من الشباب جاءوا مع لافتات مثل «دعونا نمنع اسرائيل من ان تصبح ايران جديدة».

ويعيش الإسرائيليون في خوف دائم من رؤية مجتمعهم ينهار، هم يخشون من أن يتطور التوتر بين العلمانيين والأرثوذكس إلى حرب أهلية. أما الحريديم، فإنهم يحلمون فقط بحرب أهلية يهودية. وعليه، ليس نادراً أن ترى دعوات في الصحف، تحض على الكراهية ضد العلمانيين: «هناك بؤرة نفايات... حيث الكراهية للتوراة ومبادئه مزمنة. هم (العلمانيون) يتمتعون بأكثر النفوس شراً، جيلا بعد جيل. وضدهم، يجب شنّ الحرب».

في 1989، نفذت مجموعة من «القتلة» تدعو نفسها «اليهودية الأصولية القومية»، وكانت تضم متطرفين يقدمون على طعن اليهود بحجة أنهم «ملوثين بعادات الاحتلال الروماني»، سلسلة من الهجمات ضد الاسرائيليين التقدميين، كمديرة أحد معاهد استطلاعات الرأي التي تجرأت على نشر دراسة، تبين أن معظم الإسرائيليين يقبلون إجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، أو كاتب يرثي وفاة أطفال فلسطينيين، أو رئيس بلدية بتاح تكفا، الذي سمح بافتتاح السينما خلال عطلة السبت، أو رب العمل في صحيفة «هآرتس»، الذي وجد مذنباً بتهمة «الإضرار بالمعنويات الوطنية».

الكاتب عاموس عوز، مثل الكثير من الإسرائيليين العلمانيين، عانى الأمرين من مناخ الرعب السائد، تحت مسمى القومية الدينية: «إسرائيل تعمل على تمويه هدفها الحقيقي: وهو فرض رؤيتها الخاصة البشعة والمشوهة لليهودية على دولة إسرائيل. إذا أرادت طرد العرب أولاً، فذلك لقمع اليهود ثانياً واخضاعنا جميعاً لطغيان كذبة أنبيائهم البرابرة. هذه هي طبيعة الحضارة اليهودية».

=============

جمدوا بناء المستوطنات

* افتتاحية صحيفة «جابان تايمز» اليابانية

الدستور

16-10-2010

لم يمر سوى شهر واحد على استئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى واجهت هذه المحادثات أولى عقباتها. فالفلسطينيون طالبوا إسرائيل بتمديد تجميدها المؤقت لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، كشرط لاستئناف المفاوضات.

 ويسعى الإسرائيليون للحصول على حدود لدولتهم شبيهة بالتصورات التوراتية التي يحلمون بها، أما الفلسطينيون وملايين العرب والمسلمين في أرجاء الشرق الأوسط، فيعتبرون تلك المحاولات الطامة الكبرى.

 وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي، يقيم في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو عام 1967، ويقيم في تلك المناطق عدد من السكان الأصليين الفلسطينيين يضاهي خمسة أضعاف عدد المستوطنين، أي نحو مليونين ونصف المليون فلسطيني.

 ويحاول الإسرائيليون من خلال بناء المستوطنات، التعامل مع الامتداد السكاني لإسرائيل، علاوة على تحقيق حلمهم بإعادة إنشاء وطن قومي لليهود مشابه في حدوده للتصورات التوراتية.

 لكن هذا الحلم هو بمثابة كابوس لملايين الفلسطينيين الذين يقيمون على تلك الأرض، ولا تستطيع إسرائيل تحقيق حلمها إلا بطردهم وتشريدهم من ديارهم، منتهكة بذلك القانون الدولي، حيث تعتبر المحكمة الدولية أن المستوطنات غير شرعية، وهو ما تعارضه إسرائيل، وترفض التزحزح عن موقفها.

 في نوفمبر 2009، فرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجميدا مؤقتا على بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وقد أقنعته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بوقف أعمال البناء فيها، للمساعدة في إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، بعد نحو عامين من انقطاعها.

 وكان التجميد محدودا ولم يشمل القدس الشرقية، لكن تلك البادرة كانت كافية لحمل السلطة الفلسطينية على استئناف المفاوضات.

ولسوء الحظ انتهى مفعول التجميد المؤقت للمستوطنات في نهاية سبتمبر الماضي، أي عقب استئناف محادثات السلام مباشرة، ولم يبد نتنياهو رغبته في تمديد التجميد.

 وفي حين يصر بعض المراقبين على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو رجل سلام يرغب في تحقيق اتفاقية سلام وجعلها جزءا من تركته التاريخية، فإن سلوكه الماضي يفترض عكس ذلك. فلطالما تصرف كسياسي متطرف، يرغب في فرض حلول من جانب واحد على التسوية المتفاوض عليها.

 وتهدف إسرائيل من بناء المستوطنات إلى محاولة فرض أمر واقع على الأرض، وجعل مقايضة السلام بالأرض أمرا صعبا، واعتبار ذلك تنازلا من جانبها، على الأقل في حال حدوثه.

 وقد بادر المستوطنون باستئناف أعمال البناء في المستوطنات، فور انتهاء فترة التجميد المؤقت للمستوطنات.

 وفيما يؤكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أنه لا يمكنه استئناف محادثات السلام، قبل أن يوافق نتنياهو مجددا على استئناف تجميد أعمال البناء في المستوطنات، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن مستقبل المستوطنات يجب بحثه على طاولة المفاوضات، بدلا من وضع شروط مسبقة.

 وحثت الولايات المتحدة من جانبها نتنياهو على تمديد قرار تجميد المستوطنات لمدة 60 يوما آخر، مقابل ضمانات أمنية وسياسية تقدمها له. ويحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي لاتخاذ قرار بهذا الشأن على وجه السرعة، قبل أن ينفد الوقت.

 لقد واجهت إسرائيل خيارا أساسيا على مدى 40 عاما، ويمكنها الآن أن تحظى بالسلام مع جيرانها، أو تتمسك بالأراضي التي احتلتها عام 1967. والخيار الأخير ربما يغذي أحلام دولتها اليهودية الحديثة، لكنه بالتأكيد يضمن استمرار الصراع في الشرق الأوسط.

 وبالطبع لن تضمن تل أبيب تحقيق السلام والأمن، إلا بالمفاوضات وتقديم تنازلات وتحقيق تسويات بشأن الأراضي. ويبدو هذا الخيار واضحا، ويتعين تجميد الاستيطان لإعطاء فرصة لمحادثات السلام مع الفلسطينيين على الأقل.

=====================

الحرب الافغانية غائبة عن الانتخابات الاميركية

«ا ف ب»

الرأي الاردنية

16-10-2010

 رغم النقاش المحتدم في الولايات المتحدة بشان الحرب في افغانستان ، الا ان هذه الحرب المستمرة منذ تسع سنوات تغيب بشكل شبه تام عن حملة الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الثاني من تشرين الثاني نظرا لتركز اهتمام الناخبين والمرشحين على الاقتصاد الاميركي الضعيف.

ويزداد الاستياء من الحرب في افغانستان في الولايات المتحدة ، الا ان الانتخابات البرلمانية المقبلة ربما تعطي قوة جديدة لاعضاء الكونغرس الذين يطالبون بالتزام عسكري قوي وطويل الامد في البلد المضطرب. وتتوقع العديد من استطلاعات الراي ان يحقق الحزب الجمهوري ، الذي هاجم الرئيس الديموقراطي باراك اوباما بشان عدد من القضايا واتفق معه بشكل كبير بشان نشر مزيد من القوات في افغانستان ، مكاسب في الانتخابات المقبلة.وقال بيتر براون مساعد مدير معهد الاستطلاعات في جامعة كوينيبياك "يجب ان يكون هناك اختلاف بين الناس حول الحرب لكي تصبح مسالة تستحق النقاش". وقال النائب الديموقراطي دينيس كوسينيش من ولاية اهايو واحد ابرز منتقدي الحرب ، ان حزبه اخطأ في انه لم يشغط بما يكفي لتغيير المسار. وقال "ان تكلفة الحرب باهظة للغاية" مشيرا الى عدد القتلى من المدنيين والجنود اضافة الى الناحية الاقتصادية.

وصرح انه "كان يجب على الحزب الديموقراطي ان يعتبر ذلك مازقا في السياسة الخارجية ويتخذ خطوات للخروج منها. وبدلا من ذلك صادق الحزب على خطة ادارة اوباما لاتخاذ خطوات للتورط بشكل اكبر".

 

واختلف الحزب الجمهوري مع اوباما بشان جانب من استراتيجيته في افغانستان يتعلق بتحديده موعدا لبدء سحب القوات في تموز ,2011 ودعا النائب جون بونر ، الذي من المرجح ان يتولى رئاسة مجلس النواب اذا فاز الجمهوريون بالاغلبية ، اوباما الى التركيز على "النجاح" بدلا من وضع "جداول زمنية عشوائية" في افغانستان. وقال "بعد سنوات من القتال الشديد ، الذي كان ثمنه غاليا ، لا نستطيع ان نقلل من اهمية تاثير النقاشات الداخلية والسياسية على القرارات التي يتخذها اصدقاؤنا واعداؤنا على حد سواء".

 

واعلنت ادارة اوباما التي زادت عديد القوات في افغانستان ثلاثة اضعاف لتصل الى 100 الف جندي ، ان الجدول الزمني لبدء الانسحاب يخضع للوقائع على الارض ، ولكنه ضروري لدفع الرئيس حميد كرزاي لفعل المزيد وعدم الاعتماد بشكل مفرط على المساعدة الاميركية. ولكن رغم اختلاف اوباما والجمهوريين على الجدول الزمني للانسحاب ، الا ان عدد الاميركيين الذين يعارضون الحرب بشكل تام يتزايد.

 

واظهر استطلاع اجرته شبكة "سي ان ان" امس الاول ان %58 من الاميركيين البالغين يعارضون الحرب. كما اظهر استطلاع نشره معهد غالوب في اب الماضي ان نسبة كبيرة بلغت نحو %43 من الاميركيين قالوا ان الولايات المتحدة اتخذت قرارا خاطئا بارسال جنود الى افغانستان بعد تعرضها لهجمات 11 ايلول ,2001

 

الا ان روس فينغولد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسن واكثر منتقدي الحرب ، يخوض واحدة من اصعب الحملات التي يقودها مرشح ديموقراطي للاحتفاظ بمنصبه. وفي ايار الماضي قاد فينغولد محاولة فاشلة للطلب من اوباما وضع جدول زمني غير ملزم للانسحاب من افغانستان ، وقال انه تم انفاق اكثر من 300 مليار على تلك الحرب مما اثقل كاهل الولايات المتحدة بالديون فيما لا تزال القاعدة تقيم ملاذات امنة لها خارج افغانستان.وقال ديريك كراو المعارض للحرب والمدير السياسي لمؤسسة "بريف نيو فاونديشن" ان اعضاء الكونغرس يجب ان يولوا اهتماما اكبر للشعب حتى لو كانت الحرب لا تهيمن على الانتخابات المقبلة. واوضح "اذا تصرفوا خلال هذه الانتخابات بطريقة تزيد من عدد القتلى من القوات في حرب لا تجعل البلاد اكثر امانا ، فسيواجهون صعوبة في اقناع الناخبين بانهم يستطيعون ان يثقوا بهم في قضايا السياسية الخارجية في الانتخابات الرئاسية في 2012".

==============

صفر عربي نافر لمواجهة يهودية الدولة

نزار السهلي

2010-10-15

القدس العربي

باستثناء منح فرصة للإدارة الأمريكية , بإيجاد وتهيئة مناخ جديد ,لإعادة إطلاق المفاوضات المباشرة , لم يرشح عن القمة الطارئة في سرت أيجديد , في الملفات التي أعلن مسبقا أنها ستخضع للنقاش , ومن جديد دخل العمل العربي في سباته المعهود , مع الفشل الذي خرجت به القمة , يصبح شعار تفعيل العمل العربي المشترك , وبند العلاقة مع دول الجوار" إيران وتركيا " مرحل إلى القمة المقبلة مع الكثير من القضايا التي بقيت حبرا على ورق , من دعم القدس لمواجهة التهويد , الى فك الحصار عن غزة , الى الاستيطان الذي يلتهم كل شعارات السلام الجوفاء , استبدلت بدعم عربي لأمريكا , لتبحث لهم عن مناخ جديد .

واهم ما ظهرته قمة سرت , هو دعم الجهود الأمريكية , ومنحها فرصة شهر لإيجاد مخرج ملائم للأطراف المتفاوضة بعد فشل , إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان لمدة شهر , فكيف يمكن في غياب العمل العربي المشترك .

دعم الشعب الفلسطيني ورفع الظلم والحصار والعدوان عنه , واستبدال كل تلك الشعارات بتامين حضور قوي للجهود الأمريكية , الضاغطة باتجاه العرب والفلسطينيين , لإبداء المرونة المنحنية أمام سيل العدوان والتعنت الإسرائيلي , فيما الجهد الأمريكي منصب على إرضاء وإبقاء التفوق النوعي لإسرائيل من خلال رسائل التطمين السخية , على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي , فرسالة الضمانات الأمريكية لإسرائيل محتوية على توفير التفوق الأمني بصفقة الطائرات من نوع f35 , وتعهد أمريكي بافشال أي مشروع قرار في مجلس الامن للاعتراف بدولة فلسطينية , فمزق العرب والفلسطينيين ورقة التلويح بمجلس الامن , وبدت الخيارات العربية والفلسطينية , خاضعة ومذلة , أمام استمرارالعدوانالإسرائيلي , الذي تثبته للشعوب العربية في كل مناسبة وبعد كل قمة .

رد لم يتأخر

الرد الإسرائيلي جاء سريعا على قمة سرت , وصادقت الحكومة الإسرائيلية , على مشروع " قانون الولاء "الذي يستهدف الفلسطينيين الصامدين فوق أرضهم منذ ما قبل " قيام إسرائيل " وبعد فرض النكبة عليهم .

ينظر الفلسطينيون , اليوم الى جملة القوانين العنصرية التي تصيغها المؤسسة الصهيونية بمخاطر كبرى تنتظرهم , بدءا من فرض الولاء للصهيونية , وانتهاءً بفرض نكبة جديدة عليهم , وإخراجهم من دائرة الصراع مع ملفات أخرى تتعلق بالقدس واللاجئين والحدود والأمن .

الفاشية التي تحيط بالسياسة الإسرائيلية , وحكومتها العنصرية ,واللعب بتوليفة الأحزاب , يمينية أو يسارية تنم عن انتهازية مطلقة ذات لون واحد من العنصرية التي يتم التعاطي معها مع أصحاب الأرض الأصليين وهي ذات السياسة المتبعة , مع الطرف الفلسطيني المفاوض , ومع الجانب العربي , الذي تقدم له إسرائيل خطابا موحدا , تترجمه مجموعةالاعتداءات , التي تصيغها المؤسسة الصهيونية , ضمن سياسة ضمنت لإسرائيل المركز المتقدم لتهديد امن المنطقة والعالم , فالكارثة القادمة من منبع الفاشية والعنصرية , تهدد الأمن والسلم الدولي الذي يتشدق العالم الحر لإحلاله في المنطقة من خلال مساعي تجهضها إسرائيل .

ويمكن اعتبار , انه من بعد كل مفصل تاريخي , يحدد فيه الجانب العربي والفلسطيني أدوات المواجهة والبدائل العاجزة له , يصبح سلوك إسرائيل أكثر سهولة في طريق العدوان , ويتيح لإسرائيل مواصلة , إدراج ما كان محظورا في السياسة الانتهازية لإسرائيل , موضع التنفيذ , وبالنظر الى القضايا المدرجة على طاولة التفاوض نجد أن ,سكان البلاد وأصحابها خارج المعادلة مع القدس واللاجئين , وعلى العكس تماما توغل إسرائيل في رسم سياسة قائمة , على جعل شعار يهودية ونقاء إسرائيل , من كل ما هو غير يهودي , من خلال عمليات التهويد وسرقة التاريخ والتراث العربي والإسلامي لسكانها , وعبرنه أسماءها , والسطو على الآثار وطمس كل اثر يشير للوجود العربي قبل قيام إسرائيل بآلاف السنين , ومع الفشل المستمر بالوصول للهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى والقدس .

ان نمط السلوك العام , الذي تنتهجه الصهيونية بشكل مؤدلج , ذو مرجعية تلمودية تستند الى أساطير وخرافات حفرت في الوعي الصهيوني نظرية استلاب العقل لترسيخ " خرافة شعب الله المختار" , بينما تتم محاربة , الفكر القومي العربي والتاريخ والإرث الإسلامي , وكل مواجهة لعدوان إسرائيل ومؤسستها الصهيونية , على أنها تعاليم تحض على الإرهاب والكراهية ومعاداة السامية , وهو شعار تبنته معظم الدول العربية والإسلامية , للذود بنفسها من تهمة قد تلتصق بها , في الوقت الذي تسن إسرائيل مجموعة القوانين الفاشية , والتي تقود الى ممارسة الإرهاب المنظم والقتل , والتطهير العرقي , وسرقة البلاد بكاملها , تحت مسميات مرتبطة بخرافات عجزت عن تسويقها في المنطقة العربية .

تدرك إسرائيل , انه حتى بوجود الأقلية من أصحاب البلاد فوق أرضهم , فان عدالة حقهم في قضيتهم الوطنية هي المؤرق لوجودها المصطنع والهش , وان إشكالية هذا الوجود وهشاشته , تقتضي تنظيم وتسويق فلسفة اكثر عنصرية وفاشية , وإشاعة سياسة الترهيب والابتزاز , لثني عزيمة وإصرار شعب يحتفظ بحقه في مقاومة قوانين صادرة من محتل غاصب لا شرعية له .

غاصب يبحث عن شرعية من الضحية , برغم الغطرسة والقوة التي يمتلكها , إلا أن شرعيته الهشة , لا تحميها الطائرات والدبابات والمستوطنات وكل السياسة العدوانية التي شملت فلسطين التاريخية و المنطقة العربية , لن تجعله ينعم بطمأنينة مزيفة يدعيها وبديمقراطية ترتدي ثوب زاهي بألوان الفاشية والعنصرية.

تغرق إسرائيل , الجانب الفلسطيني والعربي بسيل جارف من العدوان , وتأخذ بوهم " السلام والمفوضات "الممسك بها الجانب العربي , الى سكة لها طريق واحد تعبدها المؤسسة الصهيونية بكل وضوح , وكتبت على شاخصات الطريق كل مفردات العدوان البعيدة كل البعد عن وهم السلام المنتظر , بينما جعبة الفرص العربية والفلسطينية وخياراتها المحددة باتجاه البيت الأبيض وتل أبيب , سهلت من تنامي العدوان الصهيوني للأرض والإنسان العربي , وهو ما اظهر الخيارات الإسرائيلية الممعنة في تهويد الأرض والمقدسات أمام البدائل العربية والفلسطينية , المؤمنة بالسلام وبالمفاوضات بديلا عاجزا للمواجهة , والحديث الأتي بعد قمة سرت الطارئة , في القمة العربية الإفريقية الثانية , على تعزيز الشراكة و التعاون لمواجهة التحديات , فيما الشراكة والتعاون البيني بين دول العالم العربي مفقودة ومنعدمة أمام الخطر الرئيسي الذي يتهدد وجودهم , الا اذا اعتبر واقع الحال العربي من خلال تكريس القطرية الضيقة , التي يؤمن بها النظام الرسمي العربي كبوابة للخلاص من كل تبعات "القضية المركزية" التي يتغنى بها في كل مناسبة , وأصبح اللهث خلف الشريك الجديد " إسرائيل " هو الضامن والكفيل باستمرار النظام الرسمي العربي بحيث أصبحت شعارات , التضامن والعمل المشترك , تخص الحدود البعيدة للعالم العربي , ومنعدمة فيما بين دوله , والرهان المستدام على أمريكا هو طريق الخلاص لها , لقد أضاع العرب كل الفرص , التي تعيد لهم كرامة أذلتها آلة العدوان الإسرائيلي , وصحوة عربية ليست في طريقها للتحقق .

واذا كان السؤال والجواب المتعلق , بما الذي يجبر إسرائيل للاذعان للحق العربي , أمام حالة فلسطينية وعربية منحدرة ومستلقية أمام الراعي الأمريكي , وصمت عربي من عدوان مستمر , فالجواب لا شيء وصفر الفعل العربي لن ينتج إلا مزيد الاصفرار التي توازي الفعل والشعار العربي والفلسطيني المنهمك في لعق المواقف

ولحس الشعارات .

صفر السياسة العربي

المأزق المتجدد الذي يدخله العمل العربي المشترك , ورؤيته لدعم " قضيته " المركزية , ولوك الشعارات لن تنتج إلا أصفاراً في معادلة الصراع , والحسابات الفلسطينية والعربية في بنك الأهداف الإسرائيلية لن تزيد الا رصيد العدوان المستمر على الأرض , فقضية الاستيطان وتجميده , ليست هي المشكلة , انما عدم فرض المطلب الفلسطيني والعربي بتحرير الأرض ورحيل المحتل من كل الأرض العربية هي المأزق , والإشكالية التي فرضها , الطرح الفلسطيني والعربي , هو خضوع الحقوق الفلسطيني والعربية للمساومة الإسرائيلية والأمريكية , التي تدفع باتجاه القبول بما يمنحه الإسرائيلي على الجانبين العربي والفلسطيني , الذي يعتبره ايجابي في تصريحاته وشعاراته الممجوجة .

بدائل العرب المطروحة , في كل القمم هي بدائل عاجزة ومكررة , أنتجت خيارات إسرائيلية متاحة , للإيغال في العدوان والسيطرة , وتهويد الأرض والمقدسات , فالذي يمتلك الخيارات هو من يسيطر على الأرض , ومن يمتلك البدائل , هو من يمتلك الشعارات البديلة التي ترد على القوانين العنصرية وعلى القتل والدمار والحصار والقهر وعلى ضياع القدس وحق اللاجئين في العودة إلى أرضهم , فأية بدائل يقدمها الفلسطيني المفاوض والعربي الداعم للحق الفلسطيني لمواجهة الميركافا والجرافة والطائرة الإسرائيلية , غير الوقوف أمام عدسات التلفزة وميكروفونات صمت آذان الشارع العربي , وأعمت عيونه غبار العدوان المتواصل .

بيانات القمم العربية , و المواقف المنددة بالعدوان كثيرة وتلقى القبول والاستحسان من إسرائيل وأمريكا والغرب طالما كانت خالية من كل فعل يشير لدعم المقاومة التي بها ومن خلالها خلاص الأرض والإنسان من المحتل .

كاتب فلسطيني

=======================

نحتاج إلى عدو داخلي وخارجي

زئيف شتيرنهل

هآرتس 15/10/2010

2010-10-15

القدس العربي

يجب الاعتراف بالحقائق: رؤساء احزاب اليمين ذوو تصور استراتيجي وقدرة نظر الى الأمد البعيد، وهم يعلمون ايضا ملاءمة الأدوات لتنفيذ المهمة. إن قانون الجنسية الجديد، الذي يرمي الى انشاء وضع عداوة دائمة بين اليهود والآخرين جميعا، هو وجه واحد فقط من الخطة الكبرى التي أصبح افيغدور ليبرمان متحدثها الرسمي.

والوجه الآخر هو وعد وزير الخارجية لأمم العالم بأن حربنا مع الفلسطينيين حرب أبدية. اجل، الهدف واضح: اسرائيل مُحتاجة الى عدو خارجي وداخلي معا، والى شعور دائم بوضع طوارىء وأن السلام سواء مع الفلسطينيين في الداخل أو مع الفلسطينيين الاسرائيليين قد يُضعفها فيبلغ بها خطرا وجوديا.

وفي الحقيقة، عند اليمين الذي يشتمل على أكثر قادة اليمين، ادراك أن على المجتمع الاسرائيلي خطر الانحلال من الداخل. يأكل جسم الأمة فيروس العقيدة الديمقراطية وعقيدة المساواة، التي تعتمد على المبدأ الكوني لحقوق الانسان وترعى القاسم المشترك بين جميع البشر مهما كانوا. وما هو المشترك بين البشر أكثر من حقهم في أن يكونوا أسياد مصيرهم وأن يساوي بعضهم بعضا؟

بحسب هذا التوجه، هنا بالضبط تكمن المشكلة: فالتفاوض في تقاسم البلاد خطر وجودي لانه يعترف بحقوق الفلسطينيين المساوية، وبهذا يسعى الى تقويض مكانة اليهود المتميزة في ارضهم. ولهذا من اجل تهيئة القلوب الى سيطرة اليهود وحدهم على سكان البلاد جميعا يجب أن نتمسك بمبدأ يقول إن الأصل في حياة البشر ليس المشترك بل المميِّز. وما هو الشيء الأكثر تمييزا من التاريخ والدين؟.

والى ذلك، توجد تراتبية واضحة للقيم. فنحن يهود قبل كل شيء، والدولة اليهودية الديمقراطية يهودية قبل كل شيء، واذا ضُمن فقط ألا يوجد صدام بين هويتها القبلية  الدينية وضرورات الحكم اليهودي وبين قيم الديمقراطية يمكن أن تكون ديمقراطية ايضا. على كل حال سيكون تفضيل دائم مطلق ليهوديتها، وهذه حقيقة تضمن صراعا لا ينتهي لان العرب سيرفضون قبول حكم الدونية الذي تخصصه لهم دولة ليبرمان ويعقوب نئمان. لهذا رفض هذان الوزيران، بتأييد صامت من بنيامين نتنياهو اقتراح أن يكون يمين الولاء 'بحسب روح وثيقة الاستقلال'. ففي نظرهما أن وثيقة الاستقلال التي تضمن مساواة للجميع، دون فرق ديانة وأصل، هي وثيقة مدمرة، كانت غايتها الحقيقية في زمانها إرضاء غير اليهود والفوز بمساعدتهم في حرب الاستقلال. واليوم، في اسرائيل المسلحة من أخمص قدمها حتى أعلى رأسها، لا يطلب سوى أعداء الشعب منح اعلان، تقبله قلة فقط في جدّية، مكانة قانونية.

هنا يدخل الصورة البعد الديني على نحو طبيعي. فكما كانت الحال مع المحافظين الثوريين في مطلع القرن العشرين وكما هي مع القوميين المحافظين الجدد في ايامنا، يلعب الدين دورا حاسما في صوغ التكافل الوطني والحفاظ على حصانة المجتمع. يُرى الدين بطبيعة الأمر نظام سيطرة اجتماعية بغير مضمون ميتافيزيائي. لهذا يستطيع الناس الذين يبغضون الدين ومضامينه الاخلاقية أن يُساكنوا تحت سقف واحد أناسا مثل نئمان الذي يأمل أن يُحكّم الشريعة في اسرائيل في يوم ما. وهم يرون أن دور الدين هو تحكيم التميز اليهودي ودفع الأسس العامة خارج مجال الوجود القومي. وهكذا أصبح التمييز وعدم المساواة العرقي والديني معايير مقبولة، وارتفع مسار سلب اسرائيل شرعيتها رتبة وكل ذلك نتاج عمل عبري.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ