ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

نجاد والمظلة السعودية – السورية

الخميس, 14 أكتوبر 2010

زهير قصيباتي

الحياة

أكثر من معتوه، ذاك النائب الإسرائيلي الذي تمنى تصفية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جسدياً، خلال وجوده في لبنان... النائب أستاذ طب، خبير في الاستئصال لا يعطي سوى مثال عن تفشي وباء الفاشية في إسرائيل التي لم تعد ترى أي وسيلة سوى التصفية للخلاص من أعدائها.

ولم يكن من شأن دعوة النائب أن تذلل الانقسام بين اللبنانيين على زيارة نجاد، الذي يمتدح بعضهم "بطولته"، بينما يتشاءم آخرون لأن مجيئه قد يعزز تصلّب فريق المعارضة سابقاً في مواقفه، في الوقت الذي يخوض معركة إسقاط المحكمة الدولية وشطب القرار الظني قبل صدوره.

وفي كل الأحوال، يحتاج الأميركيون الى جهد كبير قد يبقى عبثاً، في تسويق قلقهم من "زعزعة استقرار لبنان"، على خلفية الزيارة، فيما يأتي الموقف الرسمي الإسرائيلي – مصادفة – تحذيراً للبنانيين.

الأكيد أن ما جاء نجاد من أجله، لا يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين بيروت وطهران، بمقدار ما يتوّج ترسيخاً لسياسة المسارين: مع الدولة التي تريد تعاوناً لمصلحتها، ومع الحليف القديم، "حزب الله" الذي يذكّر اللبنانيين دائماً بأن مساعدات الجمهورية الإسلامية في إيران وأموالها، هي وحدها التي مكّنت أهل الجنوب من الصمود سنوات في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ثم أتاحت للمقاومة منع إسرائيل من تسجيل انتصار في حرب تموز (يوليو) 2006.

رغم ذلك، يجتهد نجاد في زيارته للتوفيق بين سياسة المسارين وإعطاء جرعة إضافية لعلاقة مع الدولة، لا بد أن تمر عبر مؤسسات ووزارات، توقع مذكرات التفاهم للتعاون. وهناك من قارن بين لغة الرئيس الإيراني في حديثه عن دعم الحكومة اللبنانية، ولغة مأسسة العلاقات السورية – اللبنانية، وذكّر بقول نجاد أخيراً أن المحكمة الدولية شأن لبناني. ولكن، هل يلغي ذلك حقيقة أن أبرز حلفاء طهران، هو الذي يقود المعركة لإسقاط المحكمة التي يعتبرها مسيّسة؟ وهل يكفي هدوء الضيف الإيراني المناقض للحملة الإسرائيلية على "تداعيات" الزيارة، لإقناع فريق 14 آذار بأن ما يريده نجاد هو أولاً دعم الدولة اللبنانية، لا مؤازرة الحلفاء وحدهم في معركتهم في الداخل؟... هم المتهمون بالسعي الى السيطرة على كل الدولة.

ما يسقِط ذرائع "القلق" الأميركي من زيارة نجاد، هو أن الاتفاقات اللبنانية –الإيرانية الجديدة لن تشمل الجانب العسكري، وحرص الرئيس الإيراني على إطلاق نداء من بيروت من أجل وحدة اللبنانيين، ينسجم مع الطبيعة الرسمية لزيارته، خصوصاً أنه يحمّل إسرائيل مسؤولية محاولات إثارة الفتن في البلد. وأما حرصه على الاتصال بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، قبل ساعات من وصوله الى بيروت، فيُعتقد بأنه محاولة تطمين الى رغبة طهران أيضاً في تهدئة الوضع في لبنان، بعدما أكدت دمشق تمسكها بشبكة الحماية السعودية – السورية.

يقول أصحاب نظرية ثبات التحالف الثلاثي بين سورية وإيران و "حزب الله"، إن الموقف الرسمي السوري المتمسك بمفاعيل القمة اللبنانية – السعودية – السورية في بعبدا، لم يحل دون إطلاق الحزب حملته على المحكمة الدولية ثم إثارة ملف شهود الزور، فيما كان حلفاؤه يلوّحون بورقة إسقاط الحكومة. وإن كان بعض المشككين يرى في زيارة نجاد محاولة لصدّ ما يسمى إعادة تكليف دمشق منفردة إدارة الملف اللبناني، فهو يدلّل على صحة هذا الاستنتاج بحرص "حزب الله" على الاستقبال الشعبي للرئيس الإيراني، ووضع دور طهران في المرتبة الأولى، قبل حرب تموز 2006 وبعدها.

أياً يكن الأمر، يفتح تمني وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل "زخماً كبيراً" لنتائج زيارة نجاد في "ما يتعلق بالسلم اللبناني"، الباب أمام التكهن باحتمالات تمديد ما سمّي "هدنة" الزيارة في معركة "شهود الزور" والمحكمة الدولية. وإلى تكثيف الاتصالات العراقية العربية لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة في العراق، تبدو التهدئة في لبنان حاجة إيرانية، كلما استعدت طهران لجولة جديدة من التفاوض مع الغرب.

... ولكن، هل هي حاجة لحلفاء طهران، الذين يخوضون معركة مصير؟

مِن واجب جميع اللبنانيين الترحيب بالضيف الإيراني، فكيف إذا كانت زيارته هدنة، بعدها عودة الى اشتباك كبير، لا يُعرف أي مظلة حماية تصمد بعده، خصوصاً إذا اتسعت الصراعات الصامتة... غير اللبنانية.

=====================

البديل هو الديبلوماسية المقاومة وإعلان الدولة على حدود 1967

الخميس, 14 أكتوبر 2010

مصطفى البرغوثي *

الحياة

إن أي مفاوضات لن تنجح ما لم تجر بين طرفين متكافئين. متكافآن بميزان القوى الذي يسند كلاً منهما، وبشروط التفاوض ومرجعيته، وبإقرار مسبق بأن الأطراف المشاركة لن تواصل فرض حلولها الخاصة على الارض أثناء اجراء هذه المفاوضات.

والمفاوضات الناجحة تتطلب استعداداً سياسياً وذهنياً لانجاحها من الاطراف المشاركة.

وبتطبيق هذه المعايير على المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية التي انطلقت يوم الثاني من ايلول (سبتمبر) الماضي، فإن كل المؤشرات تشير الى الفشل الحتمي لهذه المفاوضات.

فقد جرت بين طرفين غير متكافئين، ومن منطلق غير متكافئ. طرف يحتل الآخر، ويتحكم بموارد حياته وحرية حركته ويستند الى دعم او صمت رسمي دولي على ممارساته وخروقاته المتواصلة للقانون الدولي.

والمفاوضات انطلقت في ظل غموض مطلق للمرجعية، وفي الواقع بحسب الشروط الاسرائيلية التي اصرت على «عدم وجود شروط للتفاوض» أي ان القانون والقرارات الدولية التي تنص على انهاء الاحتلال واقامة دولة حقيقية ذات سيادة ليست مرجعية ملزمة.

والمفاوضات بدأت في ظل استمرار الاستيطان الاسرائيلي وتوسعه ليس فقط في القدس بل وفي سائر الاراضي المحتلة (الذي لم يمثل التجميد الجزئي الا اكذوبة لإخفائه)، اي في ظل استمرار الجانب الاسرائيلي في فرض امره الواقع على الارض، وبالتالي تحول المفاوضات الى غطاء لهذا النشاط الاسرائيلي، الذي يستطيع التذرع بوجود المفاوضات لصد اي ضغط او احتجاج دولي على نشاطه الاستيطاني وعملية التطهير العرقي التي يقوم بها في القدس.

والواهم فقط من يعتقد ان لدى حكومة نتانياهو بتركيبتها وائتلافها ونهجها الليكودي المعلن اي استعداد سياسي وذهني لانجاح المفاوضات.

نحن اذاً امام فشل محتوم. وأولى تباشير الفشل ظهرت في اواخر ايلول عندما حان موعد تجديد «التجميد» المزعوم للاستيطان.

ان العمل الديبلوماسي يمكن ايضاً ان يكون مقاوماً وجزءاً من المقاومة الشعبية. المقاومة المستندة الى حق الشعوب في الحرية والكرامة والحياة، والمستندة الى القانون الدولي والقانون الانساني الدولي، والى القرارات الدولية والقضائية العديدة التي أكدت عدم شرعية الاحتلال، كما أكدت على حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة الكاملة السيادة بموجب قرار التقسيم الصادر عام 1947، والذي استندت اسرائيل اليه لاعلان نشوئها واستقلالها.

ولا يحق لأحد منع الشعب الفلسطيني من استخدام هذه القرارات لحماية مصيره ولخلق تكافؤ نسبي في مواجهة الجانب الاسرائيلي.

ومن هذا المنطلق فإن السبيل الأخير لمنظمة التحرير الفلسطينية وكافة القوى الفلسطينية لانقاذ حل الدولتين – ان كان ما زال ممكناً انقاذه، هو تبني الاعلان المستقل من الجانب الفلسطيني عن اقامة الدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لها، والتوجه الفوري الى كل الدول العربية ودول العالم وحكوماته وهيئاته الرسمية لمطالبتها للاعتراف بهذه الدولة ك «كيان رسمي مستقل كامل السيادة اسوة بكافة الدول الاخرى».

وبعد ذلك التوجه الجماعي بهذا القرار الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لاصدار اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ومطالبة اسرائيل بإزالة احتلالها عن كامل أراضيها وأجوائها وحدودها ومياهها الاقليمية.

أما المفاوضات ان أجريت بعد ذلك فستكون مفاوضات لتطبيق هذا القرار والحق وليس للتفاوض على الحق نفسه كما جرى حتى الآن.

ولنتذكر ان مصر والهند عندما تفاوضتا على استقلالهما عن بريطانيا لم تعطيا بريطانيا حق ترسيم حدودهما او حق التفاوض على تلك الحدود، والامر نفسه انطبق على الجزائر وغيرها.

ان دولاً واطرافاً عديدة في العالم تنتظر هذه الفرصة لإعلان دعمها لاستقلال الشعب الفلسطيني بالملموس وفي شكل محدد، ويجب ان تكون في مقدمها الدول العربية وكل الدول الصديقة للشعب الفلسطيني.

وهذه هي الفرصة لاختبار صحة الوعود الدولية وبخاصة الاميركية والاوروبية بدعم قيام دولة فلسطينية، فمن كان صادقاً في وعده، عليه الاعتراف بالدولة المستقلة وتأكيد شرعية النضال الفلسطيني لإزالة الاحتلال عنها.

لم يعد هناك أي مجال للمماطلة وإضاعة الوقت، ومواصلة انتظار الفرج من حوار أميركي او دولي مع اسرائيل.

ولكي تكون هذه المبادرة الديبلوماسية المقاومة فعالة فإنها يجب ان تترافق ايضاً مع اجراءات أخرى تأخذها الأطراف الفلسطينية والعربية ومنها:

1- اعلان منظمة التحرير الفلسطينية عن توقف السلطة الفلسطينية عن التنسيق الأمني مع الجانب الاسرائيلي ورفضها لمجمل فلسفة الأمن القائمة على ان الذين تحت الاحتلال مسؤولون عن تأمين الأمن للذين يحتلونهم، في حين يعجزون عن توفير الأمن لشعبهم المتعرض لبطش الاحتلال والمستوطنين.

2- مباشرة الدول العربية بإجراءات مقاطعة ضد اسرائيل، بما في ذلك وقف كل اشكال التطبيع معها، واعلان استعداد الدول العربية للانخراط في حال استمرار المواقف الاسرائيلية في حملة لفرض العقوبات عليها.

3- التوجه الجاد نحو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك انشاء حكومة وحدة وطنية توحد فوراً شطري الوطن الضفة وغزة، وتفعيل ما نصت عليه الوثيقة المصرية من إنشاء قيادة وطنية موحدة موقتة لحين التمكن من اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.

4- التوجه فوراً بحملة ديبلوماسية تشارك فيها كافة القوى والمؤسسات الفلسطينية لاقناع حكومات ومؤسسات العالم بالاعتراف الفعلي بالدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس.

5- ان يتخلى الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي عن مجمل فكرة تبادل الاراضي والتي استخدمت لتبرير التواجد الاستيطاني غير الشرعي ولتنظيم مخططات تطهير عرقية جديدة ضد ابناء الشعب الفلسطيني المقيمين في اراضي 1948.

ان كل ما نطرحه ملموس وواقعي، ويندرج في اطار ما يتقبله العالم كله من أشكال المقاومة السلمية والشعبية. ولا بد لهذا العالم من ان يفهم انه ان ادار ظهره لهذه المحاولة الأخيرة لانقاذ فكرة الدولة المستقلة وخيار السلام على اساس دولتين، فإنه يكون قد ارسل رسالة الى الشعب الفلسطيني الذي يرى أراضيه تُلتهم يومياً تحت جرافات الاستيطان، بأن حل الدولتين لم يعد واقعياً ولا قائماً.

ولن يترك العالم أمام الشعب الفلسطيني في هذه الحالة سوى خيار التخلي عن فكرة الدولة المستقلة والانخراط الشامل بكل مكوناته في نضال موحد ضد نظام «الابارتايد» والاستعباد العنصري الاسرائيلي، من أجل الحاق الهزيمة به واقامة دولة ديموقراطية واحدة يتعايش فيها الجميع بحقوق وواجبات متساوية.

على مدى سبعة عشر عاماً منذ اتفاق اوسلو البائس حاولت اسرائيل ان تضعنا أمام خيار «اما حكم ذاتي هزيل في بانتوستانات ومعازل يعمل كوكيل أمني لاسرائيل ويسمى دولة أو استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني». أما نحن فيجب ان نضعهم امام خيار «إما دولة مستقلة كاملة السيادة فوراً على جميع الاراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس او دولة ديموقراطية واحدة يتساوى فيها الجميع».

ونحن نعرف ان ثمن الخيار الاخير سيكون غالياً، ونعرف ما سيعنيه من تكاليف نضال عنيد وطويل ضد «الابارتايد».

ولكن الشعب الفلسطيني عُرف بطموحه للحرية والكرامة والعدالة، ولن يقبل ابناؤه ان يكونوا عبيداً للإحتلال. ومثلما فشلت أصناف الاضطهاد في كسر ارادة الفلسطينيين وتوثبهم الدائم لغد افضل لأبنائهم، فلن يطفئ عناد العنصرية وتكاسل العالم عن مواجهتها جذوة الامل في نفوسهم، والتي تتغذى يومياً بهذا التحول الرائع والمتعاظم لدى الشعوب على امتداد الكرة الأرضية لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

=====================

لماذا تلح “إسرائيل” على يهوديتها؟

آخر تحديث:الخميس ,14/10/2010

يوسف مكي

الحياة

قبل أكثر من عام من هذا التاريخ، صادق الكنيست “الإسرائيلي” على مشروع قانون يعاقب أي شخص يعارض وجود “إسرائيل” يهودية، بالسجن لمدة عام . ومنذ ذلك التاريخ، تبارى القادة الصهاينة، باختلاف توجهاتهم السياسية، على تأكيد يهودية الدولة . ودشنت الحكومة “الإسرائيلية” السابقة، برئاسة ايهود أولمرت ومشاركة وزيرة الخارجية، تسيبني ليفني حملة واسعة، باتجاه إضفاء مشروعية دولية على نظام الفصل العنصري، الذي يعتبر الانتماء للديانة اليهودية أساس المواطنة في الكيان العبري .

 

في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، جرى الزج بموضوع يهودية الدولة في المفاوضات، وأصبح القبول الفلسطيني بذلك شرطاً “إسرائيلياً” لاستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين . وصدر مؤخراً قرار من الكنيست يلزم العرب الفلسطينيين الذين يحملون جنسية “إسرائيل”، بأداء قسم الولاء للدولة اليهودية . لقد نقلت هذه التطورات موضوع يهودية الدولة الصهيونية إلى الجانب العربي، حيث تواصلت تصريحات قيادات السلطة الفلسطينية، وبعض المسؤولين، ومن ضمنهم الأمين العام لجامعة الدول العربية، مشيرة إلى أنها لا ترى سبباً للاعتراض على إلحاح الجانب “الإسرائيلي”، بإلحاق موضوع يهودية “إسرائيل” في المفاوضات مع الفلسطينيين .

 

في هذا السياق، طرحت جملة من النقاط، من قبل المسؤولين الفلسطينيين والعرب، لتبرير القبول بالمطلب “الإسرائيلي” . أولى النقاط هي أن قرار تقسيم فلسطين الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت رقم 181 في نوفمبر/تشرين الثاني ،1947 قضى بتقسيم فلسطين مناصفة بين اليهود والفلسطينيين، ونص على قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية، دولة فلسطينية وأخرى يهودية ووضع مدينة القدس تحت الإشراف الدولي .

 

النقطة الثانية هي أن العرب، منذ منتصف السبعينات من القرن المنصرم، أعلنوا استعدادهم للاعتراف ب “إسرائيل”، وأقر ذلك بقرارات عدة صدرت عن قمم عربية متعددة، آخرها المبادرة العربية لتحقيق السلام في المنطقة، المستند إلى الاعتراف المتبادل بين العرب والكيان الصهيوني، مقابل السلام، وعودة الأراضي التي احتلها الصهاينة عام 1967م . وعلى هذا الأساس، فإن تسمية الدولة الصهيونية وتحديد هويتها، على الأراضي التي احتلت عام 1948م، هما حق سيادي لا تملك الدول العربية ولا الفلسطينيون حق الاعتراض عليه . ومن وجهة النظر هذه، فإن من حق “الإسرائيليين”، أن يختاروا ما يشاءون من تسميات وهويات لكيانهم، حسب رأي عمرو موسى، في مقابلة أجرتها معه قناة “العربية” الفضائية .

 

في هذا الحديث، وأحاديث أخرى قادمة سنناقش هذا الموضوع من رؤية مختلفة، كما سنناقش أسباب إلحاح الكيان الصهيوني على تثبيت الهوية اليهودية ل “إسرائيل” على الصعيد الدولي، وإقحام ذلك في المفاوضات مع الفلسطينيين، والمبررات التي طرحت عربياً، للقبول بالمطلب “الإسرائيلي” .

 

وابتداء نشير إلى أن موضوع يهودية الكيان الصهيوني، كان حاضراً باستمرار في الأدبيات الصهيونية، منذ نشوء الحركة الصهيونية . وكان ذلك هو مبرر تأسيس الصندوق اليهودي، الذي أنشأه الصهاينة بقرار من مؤتمرهم الأول الذي عقد في بازل، بزعامة ثيودور هرتزل . وكانت الاتصالات بين الحكومة البريطانية والصهاينة، قد هدفت إلى إقناع البريطانيين بتبني قيام كيان قومي لليهود على أرض فلسطين . وقد توج ذلك المسعى بصدور وعد بلفور .

 

شكل وعد بلفور الركيزة الأساسية لتنفيذ المشروع الصهيوني . وجاء في نصه، الذي صدر في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917م، أن الحكومة البريطانية “تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين . وأنها ستبذل غاية جهدها لتحقيق هذه الغاية” .

 

ومن الواضح أن الحكومة البريطانية تحسبت للصعوبات التي ستقابلها في إقناع المجتمع الدولي بهذا الوعد، كونه بما نص عليه، يعني منح ضوء أخضر لتشريد سكان أصليين من ديارهم، وإحلال غرباء عن فلسطين، ليأخذوا مكان أصحاب الأرض . ولذلك اقتضت عملية تسويق المشروع إضافة عبارة أخرى للوعد المذكور، بدت مرتبكة وغير مقنعة لكل ذي بصيرة، تقول: “على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى” .

 

تجاهل النص وجود شعب فلسطين، وأشار إلى طوائف أخرى مقيمة في فلسطين، نوه بحقوقها المدنية والدينية، وليس بمواطنتها وهويتها وانتمائها . ولم يشر النص إلى الطريقة التي يمكن من خلالها ضمان الحقوق المدنية والدينية للمقيمين، مع تغير هائل منتظر في التركيبة الديمغرافية للبلاد .

 

استنبطت غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، أثناء معركة العبور، وأحد مؤسسي الكيان الصهيوني، والمهاجرة من الولايات المتحدة الأمريكية، نص وعد بلفور آنف الذكر، الذي تجاهل وجود سكان أصليين في فلسطين، تعبيرها الكاريكاتوري الشهير: “إن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” .

 

وخلال الحقبة التي أعقبت صدور وعد بلفور، عبر الشعب الفلسطيني، عن رفضه الحازم، لذلك الوعد، باعتباره انتهاكاً لحقه في تقرير المصير، وتتالت الانتفاضات الفلسطينية، ما بين الحربين العالميتين، احتجاجاً على الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ورفضاً لسياسات الحكومة البريطانية المشجعة على الهجرة . وشكلت لجان دولية من عصبة الأمم لتقصي الحقائق . وحدثت هدنة تلتها أخرى، من أجل إتاحة المجال، للوسطاء للتدخل، لوقف الهجرة، لكن تلك المحاولات باءت جميعاً بالفشل . وكانت ثورة ،1936 من أهم محطات النضال الفلسطيني، في مواجهة مشاريع الهجرة اليهودية . لكن غياب وحدة القوى الفلسطينية، وعدم وجود استراتيجية وطنية وقومية لمناهضة الهجرة، والتدخلات الدولية لصالح المشروع الاستيطاني الصهيوني، حجبت القدرة على مواجهة برامج الهجرة اليهودية، مما رصف الطريق، لإعلان تأسيس الكيان الغاصب .

 

توالت الحوادث سريعة . وسمع العالم بالمجازر التي ارتكبتها ألمانيا الهتلرية، بحق اليهود . واستغل الصهاينة تلك الأحداث للمضي سريعاً بمشروعهم في حيازة فلسطين . وشهدت الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، اندفاعاً سريعاً نحو الإعلان عن تأسيس الدولة الصهيونية . وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1947م، صدر قرار التقسيم 181 عن مجلس الأمن الدولي، وفيه اعتراف بحق الفلسطينيين، في تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، على أرض فلسطين، لكنه تعامل بندية مع غرمائهم من الغرباء اليهود، الذين لم يتجاوز تعدادهم ال 7% حسب إحصائيات الأمم المتحدة، فقسم فلسطين بالتساوي بين اليهود والسكان الأصليين .

 

ومرة أخرى، كان البريطانيون، وفقاً ليوميات وزارة الحربية المصرية، ووزارة دفاع المملكة الأردنية الهاشمية التي كشف عنها بعد عدة عقود، هم الذين حالوا دون نجاح قرار التقسيم، حين شجعوا القادة العرب، الذين ما زال بعضهم آنذاك، تحت الوصاية البريطانية، على الدخول في معركة غير متكافئة مع الصهاينة، انتهت بقضم أجزاء كبيرة من الأرض، من حصة الفلسطينيين، ولم يتبق من فلسطين التاريخية، خارج السيطرة الصهيونية عدا مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة . وقد سقطت جميعها في حرب يونيو/ حزيران 1967م بيد الصهاينة .

 

وقراءة تلك اليوميات، وشروحات محمد حسنين هيكل عليها في كتابه الجيوش والعروش، تكشف بوضوح عن الدور البريطاني، في تشكيل خارطة الكيان الصهيوني، والذي استمر منذ كارثة النكبة عام 1948م، حتى نكسة يونيو/ حزيران عام 1967م، حيث تغيرت خارطة الصراع مرة أخرى، بشكل أكثر دراماتيكية ومرارة .

 

ويبقى السؤال قائماً: لماذا يلح الصهاينة على يهودية “إسرائيل”، وما هي مخاطر الزج بهذا الموضوع في مفاوضات السلطة مع الكيان الغاصب . هذه الأسئلة، ومعها الأطروحات العربية التي تسلم بحق الكيان الغاصب في اختيار الهوية التي يرتئيها، باعتبار ذلك حقاً سيادياً، ستكون محاور للمناقشة في الحديث القادم، بإذن الله تعالى

=====================

إيران وسوريا وتوافق الملفات

آخر تحديث:الخميس ,14/10/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

إذا كانت هناك ثمة ظاهرة سياسية تستحق التأمل والتدقيق والتفكير، فهي ظاهرة اللقاءات السورية  الإيرانية المكثفة والمتسارعة على مستوى الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد . فقد زار نجاد سوريا زيارة سريعة، وهو في طريقه إلى الجزائر ثم إلى نيويورك في منتصف الشهر الماضي تقريباً، وها هو الرئيس الأسد يزور طهران زيارة سريعة أيضاً بعد أقل من 19 يوماً على لقائهما السابق في دمشق، في حين أن نجاد سيزور لبنان خلال أيام .

 

هذه اللقاءات تقول إن شيئاً ما له أهمية فائقة يجري تدبيره والإعداد له بين القيادتين، لكن أهم ما أثير بهذا الخصوص هو ما جاء على لسان الرئيس الإيراني وهو يقلّد نظيره السوري في طهران يوم الثالث من الشهر الجاري أرفع وسام إيراني، وتأكيده توافق البلدين في جميع الملفات، وفي مقدمتها العراق وفلسطين ولبنان .

 

إذا اكتفينا بتصريح أو بتأكيد الرئيس نجاد وجود توافق مع سوريا في تلك الملفات الثلاثة الشائكة، فإن الأمر يبدو طبيعياً في ظل علاقات التحالف الاستراتيجي المتصاعدة بين البلدين، لكن الأمر يدخل في دائرة التعقيد إذا ربطنا بين ما أكده الرئيس الإيراني وبين ما جاء على لسان الرئيس العراقي جلال الطالباني حول “وجود توافق من دون تنسيق، بين الأمريكيين والإيرانيين والسوريين على تسلم نوري المالكي رئاسة الحكومة”، ويزداد التعقيد تعقيداً مع تعمد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في لقائها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك، تحذير سوريا من محاولة زعزعة استقرار جارتيها لبنان والعراق . المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية فيليب كراولي تعمد أن يجدد التحذير الأمريكي بإعادة تجديد ما جاء على لسان وزيرته للوزير السوري، وقوله إن كلينتون “كانت مباشرة للغاية، وقالت بوضوح إن كان الأمر يتعلق بلبنان أو العراق، فإننا سنمنع أي محاولة لتقويض استقرار هذين البلدين” . واللافت أيضاً أن الأمريكيين وجهوا لسوريا هذه التحذيرات الساخنة والصريحة في وقت بدأت تعود فيه علاقات البلدين إلى دفء افتقدته على مدى سنوات مضت، وهو ما لم ينكره المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عندما أكمل تصريحه بالقول إن كلينتون أكدت للمعلم الهدف الأمريكي المتمثل بالوصول إلى “سلام شامل في الشرق الأوسط” يشمل سوريا .

 

السؤال المهم هنا حتماً سيتركز حول جدية تلك التوافقات بين إيران وسوريا حول الملفات الثلاثة (العراق وفلسطين ولبنان) في ظل التهديد الأمريكي لسوريا حول هذه الملفات، وكيف يمكن التحدث عن توافق ثلاثي إيراني  أمريكي  سوري حول العراق في ظل تهديدات أمريكا لسوريا بشأن العراق؟

 

هذا السؤال ربما تكون إجابته السريعة هي أن هناك نوعين من التوافقات: توافق مصالح أمريكية  إيرانية في العراق فرضت القبول بنوري المالكي رئيساً للحكومة، وتوافق مصالح أيضاً إيرانية  سورية فرضت كذلك تراجع سوريا عن تشددها في رفض المالكي وعن التزامها بدعم إياد علاوي، ومن ثم أصبح هناك توافق ثلاثي أمريكي  إيراني  سوري غير مباشر حول المالكي، أي توافق اضطراري على غرار ذلك القبول الاضطراري الذي فرض على مقتدى الصدر أن يتراجع عن كل ثوابته، وعن كل عداءاته وجروحه التي لم تندمل بعد هو وتياره مع المالكي منذ معركة “صولة الفرسان” التي خاضتها قوات المالكي ضد ميليشيات “جيش المهدي” .

 

هذه الإجابة السريعة لا تكفي لحل التناقضات المتجذرة بين أطراف هذه التوافقات، خاصة بين كل من إيران وسوريا مع الولايات المتحدة بشأن الملفين اللبناني والفلسطيني، وإن كانت قادرة على كشف حوافز لسوريا وإيران للتغاضي عن بعض الخلافات غير الاستراتيجية للحفاظ على مصالح استراتيجية، وبالذات ما يتعلق بالخلاف السوري مع المالكي وتفضيل سوريا وأطراف عربية أخرى خاصة السعودية ومصر لشخص علاوي كمرشح لرئاسة الحكومة العراقية .

 

يبدو أن ما يحدث في لبنان الآن وما هو مرشح أن يحدث والذي أخذ يهدد التوافق السوري  السعودي حول لبنان، بقدر ما يهدد التقارب بين الرئاسة السورية ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بعد إصدار سوريا مذكرة توقيف بحق 33 شخصاً معظمهم من فريق الحريري، فرض المزيد من التقارب السوري  الإيراني حول لبنان، وأن احتدام الأزمة حول المحكمة الدولية والقرار المتوقع أن يصدر عنها باتهام عناصر من حزب الله بارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، والانقسام اللبناني حول زيارة الرئيس الإيراني لبيروت دعم من قناعات البلدين لمزيد من التقارب في المواقف أو لما هو أقوى وأصلب من التقارب، وإن هذا كله صب في مصلحة توافق سوري  إيراني حول شخص المالكي .

 

هذا التوافق كان له أيضاً ما يدعمه من وجهات نظر ورؤى إيرانية ترى في علاوي رأس حربة المشروع الأمريكي في العراق، وأنه من سيأخذ بالعراق في حال ترؤسه الحكومة الجديدة، إلى “محور الاعتدال”، ويكسر بذلك ما تسعى إيران وسوريا إلى تأسيسه من قوس تحالف استراتيجي داعم لتيار المقاومة للنفوذ الأمريكي  “الإسرائيلي” يمتد من إيران إلى تركيا عبر كل من العراق وسوريا .

 

إذا كانت سوريا قد اقتنعت بهذه الرؤية، فإن الغموض سيظل باقياً مع بقاء علامات الاستفهام قوية حول دور المالكي في المشروع الأمريكي وأسباب الدعم الأمريكي لترشيحه رئيساً للحكومة على حساب علاوي المقرب من حلفاء واشنطن في المنطقة؟

 

غموض لن تنكشف معالمه بعيداً عن التعقيدات الداخلية العراقية وما يمكن أن يسفر عنه صراع الكتل الداخلية من إعادة هيكلة لتوازنات القوى قد تتوافق وقد تتعارض مع تفاهمات الأطراف الخارجية .

=====================

ماذا وراء خلافات روسيا مع حلفائها؟

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا  

البيان

14-10-2010

أسئلة وجدل واسع يدور حول حقيقة الخلافات المتصاعدة بين روسيا وحلفائها، وخاصة إيران والجارة الشقيقة بيلاروسيا التي تعد أقرب دولة لروسيا، وبين البلدين مشروع قائم على وشك التنفيذ حول دولة اتحادية كونفيدرالية تجمعهما.

 

فلم تمض أيام معدودة على المرسوم الذي وقعه الرئيس الروسي ميدفيديف بمنع تصدير الأسلحة لإيران، وخاصة منظومة الصواريخ الدفاعية (إس ؟ 300)، وهو المرسوم الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن، حتى صدرت تصريحات من الرئيس ميدفيديف غاية في الحدة، تجاه رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو، والذي يعد الحليف الأول لروسيا.

 

حيث قال ميدفيديف إن «القيادة البيلاروسية أعلنت روسيا واحدا من الأعداء الرئيسيين»، وأضاف «إن العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا بات يشوبها التوتر، بسبب سلوكيات القيادة البيلاروسية التي تجاوزت الحدود»، وأشار ميدفيديف في حديثه إلى أن الأمر يهدد الوحدة بين البلدين.

 

ورد الرئيس لوكاشنكو على هذه الاتهامات، قائلاً «إن وسائل الإعلام الروسية تنشر أكاذيب عنه، بإيعاز من فريق الرئيس ميدفيديف».

 

مثل هذا التصعيد دفع البعض للتساؤل؛ لماذا يتصرف الرئيس ميدفيديف بهذا الشكل مع أقرب حلفاء روسيا الاستراتيجيين، مثل إيران وبيلاروسيا؟ وهل غيرت روسيا بوصلتها السياسية نحو الغرب وواشنطن؟ وما هو موقف رئيس الوزراء فلاديمير بوتين من تصرفات الرئيس ميدفيديف هذه؟!

 

الجدل كثير الآن على الساحة حول هذه القضية، ولكن ما يزيد من حدة الجدل والغرابة في الأمر، هو أن العلاقات بين روسيا وكل من إيران وبيلاروسيا لم تتأثر بأي شيء من جراء هذه التصريحات.

 

ولا يصدق أحد أن روسيا لن تعطي إيران السلاح المتفق عليه بينهما في حالة تعرض الثانية لتهديدات فعلية، وكأن هذا السلاح مؤجلا تسليمه فقط، وليس محظورا على إيران، ويستدل البعض على ذلك بما يقال عن التدريبات التي يقوم بها عسكريون إيرانيون على هذه الأسلحة في روسيا.

 

أما بالنسبة لبيلاروسيا فإن الأمر أكثر وضوحا، حيث ان العلاقات بين البلدين تسير بشكلها الطبيعي تماما، دون أي تأثر بتصريحات الرئيس ميدفيديف، والتي لم تنعكس سلبا على التعاون العسكري بين البلدين، حيث انه في اليوم التالي مباشرة للتصريحات.

 

قدم وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديوكوف شرحا مفصلا لاتفاقية التعاون العسكري بين البلدين خلال جلسة مجلس الوزراء، وقرر المجلس إحالة الاتفاقية دون تعديل، للرئيس ميدفيديف الذي وقعها وقرر إحالتها فورا إلى البرلمان للمصادقة عليها.

 

ولو كانت الخلافات بين البلدين بالدرجة التي تصورها تصريحات الرئيس ميدفيديف الغاضبة، لما تعجل مجلس الوزراء في تحويل هذه الاتفاقية إليه في اليوم التالي من التصريحات، ليوقعها ويأمر بالتعجيل بإحالتها للتصديق عليها من البرلمان.

 

وفي اليوم ذاته أيضاً كان هناك حدث آخر، حيث وقع وزيرا نقل بيلاروسيا وروسيا اتفاقية مراقبة السيارات على الحدود الخارجية لدولة الوحدة بين البلدين.

 

وعلق وزير النقل البيلاروسي إيفان شيربو على توقيع الاتفاقية قائلاً «إن الحدود بين بيلاروسيا وروسيا لم تعد قائمة، وجميع وسائل النقل السائرة على أراضي البلدين ستوضع تحت المراقبة الجمركية الموحدة على الحدود الجمركية لدولة الوحدة».

 

القول بأن موسكو لا تريد التعامل مع الرئيس البيلاروسي لوكاشنكو، غير صحيح بالمرة، فمن المعروف أنه لا توجد لديها خيارات أفضل داخل بيلاروسيا، كما أنه لا أحد يستطيع التشكيك في ولاء لوكاشنكو الكامل للكريملين في موسكو، وهو الأمر الذي لا يخفيه هو نفسه في أحاديثه لوسائل الإعلام.

 

هذا بالإضافة إلى أن الخلافات بين البلدين ليست واضحة وغير محددة، ولوكاشنكو لم يرد على ميدفيديف الهجوم، بل وجه هجومه للدوائر المحيطة بالرئيس متهما إياها بأنها وراء تصعيد الخلافات، وكأن الأمر كله خلافات شخصية بين الرئيسين، لا دخل للعلاقات بين البلدين فيها.

 

الحقيقة أن تصرفات الرئيس الروسي تجاه إيران وبيلاروسيا محيرة للغاية، وما يزيد الأمر حيرة هو عدم صدور أي تعليق من رئيس الحكومة بوتين، حتى وإن كان الأمر ليس من اختصاصاته كرئيس للوزراء، ولكنه هو مؤسس العلاقات مع البلدين، ولم يتعود الشعب صمته عند تصعيد الأمور.

 

ومن السذاجة تصور وجود خلافات بين رأسي السلطة، ميدفيديف وبوتين، لكن هناك سؤالاً مهماً نطرحه هنا ونجيب عليه فيما بعد؛ هل هناك رابط مشترك بين إيران وبيلاروسيا، خاصة في ما يتعلق بمنظومة الصواريخ (إس ؟ 300) التي دار جدل واسع من قبل حول أن إيران ستستلمها من بيلاروسيا؟

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي

=====================

قسم الولاء لإسرائيل عنصري بطبيعته

بقلم :صحيفة «غارديان» البريطانية  

البيان

14-10-2010

هناك روايتان في إسرائيل، لهما تأثير في قدرة قادتها على التفاوض على إقامة دولة فلسطينية مستقلة مجاورة.

الأولى هي الرواية الرسمية التي أعدت للاستهلاك الخارجي، وهي تلك التي تزعم أن إسرائيل مستعدة للجلوس مع الفلسطينيين في محادثات مباشرة دون شروط مسبقة، وأنه كان ينبغي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألا يضيع الكثير من الشهور العشرة التي استمر خلالها التجميد الجزئي لبناء المستوطنات، قبل دخوله في هذه المحادثات.

 

ولكن هناك رواية ثانية، يمكن وصفها بأنها تقضي باستمرار الأمور كما هي، ولا علاقة لها بمسألة الاحتلال، حيث ينصب اهتمام اسرائيل على البرنامج النووي الإيراني، والترسانة الصاروخية لحزب الله، أو أي تهديد يمكن أن يوصف بأنه متعلق بوجود اسرائيل.

 

كان هذا واضحا أشد ما يكون الوضوح، أخيراً، عندما وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على اتخاذ إجراء، يطلب من المرشحين للحصول على الجنسية الإسرائيلية التعهد بالولاء ل«إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».

 

ولا يسري يمين التجنيس هذا على اليهود الذين يمنحون الجنسية بصورة تلقائية بموجب قانون العودة، لذا فهو بحكم طبيعته قسم عنصري.

 

والنص الحالي للقسم، يلزم الأفراد ليس فقط بإعلان ولائهم لدولة إسرائيل، بل ولائهم للأيديولوجية، وهي الصيغة التي تم وضعها خصيصاً بهدف استبعاد خُمس مواطني إسرائيل، الذين يعتبرون أنفسهم فلسطينيين.

 

ولا يتوجب على عرب 48 أداء هذا القسم، ولكنه يلزم شركاءهم الذين يطلبون التجنيس. ولا يمكن لأي من هؤلاء أن يوافق على توصيف إسرائيل لنفسها كدولة يهودية. ويمكن أن تكون اسرائيل دولة لليهود ولجميع مواطنيها، ولكنها ليست أبدا دولة يهودية.

 

وليس هذا هو القانون الوحيد المطروح، فهناك عشرون قانونا آخر مطروحا له تأثير مماثل، منها، على سبيل المثال، قانون الولاء الخاص بأعضاء الكنيست والعاملين في قطاع السينما، والقوانين التي تجرم إنكار وجود إسرائيل.

 

وتلك التي تعاقب على الحداد في ذكرى يوم النكبة، والتي تلزم أي مجموعة تمولها دولة أجنبية بأن تقدم تقريرا عن كل مساهمة، وقانون منع الأقليات العرقية من الدخول إلى المستوطنات اليهودية. ووواضعو مشروعات القوانين لا يستهدفون فقط إنشاء أيديولوجية للدولة، بل يريدون فرض نظام شرطي لحماية هذه الأيديولوجية.

 

والسؤال الذي يكمن وراء هذا؛ ما السبب ولماذا الآن؟ هل هذه هي الإجراءات التي تتبعها دولة تستعد لتقديم حل تاريخي وسط، وإنهاء الاحتلال والعيش في سلام مع جيرانها؟

 

فإذا كان عرب 1948، ونحن معهم قد أخطأنا تفسير هذا الأمر، فلماذا يتم إبعاد واستفزاز هؤلاء الذين يمكن من خلال اتباع النموذج الخاص بهم التوصل إلى تسوية تاريخية، هؤلاء الذين قبلوا بوجود إسرائيل، والذين لم يحملوا أبدا في تاريخهم أسلحة ضد اسرائيل؟ وهذا ينطبق على المسيحي والمسلم أيضا، ولكن العكس هو ما يحدث.

 

ومعاناة عرب 1948 من عدم المساواة والتمييز ضدهم، ما هي إلا دعم للرأي القائل ان كونهم أقلية داخل دولة ذات أغلبية يهودية، أصبح أمراً لا يمكن احتماله.وقد وصف وزير الأقليات من حزب العمل «أفيشاي برفيرمان»، يمين الولاء بأنه خطأ فادح.

 

ولكن بالتأكيد الأمر أكبر من ذلك، فالخطأ يعني سوء التقدير، والأمر هنا ينطوي على القصد، ويسعى إلى استباق التفاوض بشأن المسألة الأساسية الثالثة بعد الحدود وتقسيم القدس، والتي تتمثل في حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وكان الرئيس الفلسطيني عباس واحدا من هؤلاء اللاجئين.

 

إذا كان نتنياهو يرفض تمديد تجميد الاستيطان، فإن عباس الأكثر ليناً الذي يمكن أن تصادفه إسرائيل، هدد بالاستقالة وحل السلطة الفلسطينية، أو السعي للحصول على اعتراف الولايات المتحدة والأمم المتحدة بدولة فلسطينية في المستقبل.

 

ونتنياهو إنما يعمل على قدوم هذا اليوم فقط، وبمعنى من المعاني فإنه يؤدي خدمة للعالم. فسوف يؤدي المواطنون في المستقبل يمين الولاء لدولة لا يمكنها صنع السلام.

=====================

زيارة نجاد ...إسرائيلياً

رندى حيدر

النهار

14-10-2010

لم يحجب إعلان إسرائيل التزامها الصمت وعدم التعليق رسمياً على زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان، بروز أجواء الترقب والقلق والحذر الشديد التي أشاعتها الزيارة داخل إسرائيل. وقد برز ذلك واضحاً في تعليقات الصحف الإسرائيلية التي أجمعت على الأهمية الكبيرة لهذه الزيارة وعلى انعكاساتها الأكيدة على إسرائيل.

ورأى أكثر من معلق إسرائيلي، أن الرئيس الإيراني حمل معه الى لبنان أكثر من رسالة موجهة الى أكثر من طرف داخلي وإقليمي ودولي، وأن إسرائيل ليست الوحيدة المستهدفة بالزيارة. وأعطى هؤلاء أهمية خاصة الى البعد  اللبناني الداخلي للزيارة التي تأتي في ذروة الخلاف بين "حزب الله" ورئيس الحكومة اللبنانية على خلفية القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الذي يقال أنه سيتهم أفراداً من الحزب بالضلوع  في عملية إغتيال رفيق الحريري. ففي رأيهم أن الرئيس الإيراني جاء ليعزز من جديد مكانة الحزب ويلّمع صورته كممثل للمقاومة ضد إسرائيل، وليبدد الأصداء  السلبية التي تسبب بها الخلاف الداخلي اللبناني على مكانة الحزب.

لكن الأهم في نظر بعض المعلقين الإسرائيليين، مثل ديفيد شاين خبير العلاقات الدولية في الجامعة العبرية، دلالة الزيارة على صعيد العلاقة بين إيران ولبنان. وفي تقديره أن مجيء نجاد هو للتأكيد على  إنتقال "لبنان من دائرة الرعاية السورية الى الرعاية الإيرانية"، وأن أحمدي نجاد هو "الملك الجديد الذي سيقدم له الزعماء اللبنانيون على اختلاف طوائفهم فروض الولاء".

يتفق الدكتور موردخاي كيدار الباحث في مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية مع شاين في وجهة النظر هذه. ويضيف أن "إيران حوّلت لبنان من دولة عصرية ليبرالية تقودها النخبة المسيحية ذات التوجهات الغربية، الى دولة ممزقة، تقودها ميليشيا شيعية متطرفة تأخذ توجيهاتها من إيران".

 وتساءل بعض المعلقين عن انعكسات السيطرة الإيرانية على لبنان على موقع سوريا هناك، وعلى العلاقة بين طهران ودمشق. ففي رأي عاموس هرئيل متابع الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" المستقلة والقريبة من اليسار الإسرائيلي، أن هناك تخوفاً سورياً من السيطرة الإيرانية على لبنان، وأن سوريا تراقب بقلق" تبدد حلمها بقيام سوريا الكبرى" بسبب الإيرانيين.

ويبدو واضحاً أن ثمة توجهاً اسرائيلياً نحو اعطاء أهمية خاصة للبعدين الداخلي والإقليمي لزيارة نجاد الى لبنان، وإبعادها عن النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي. ذلك على الرغم من الموقف الإيراني الواضح المعارض للمفاوضات المباشرة الدائرة حالياً بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بوساطة أميركية. ويصب هذا التوجه في صلب السياسة الإسرائيلية التي تعارض بشدة موقف إدارة الرئيس أوباما القائل بأن إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، سيساهم في حل مشكلة السلاح النووي الإيراني.

كما يخدم التشديد على البعد الداخلي لزيارة نجاد الى لبنان، المحاولات الإسرائيلية لتحميل لبنان حكومة وشعباً مسؤولية دخول بلدهم تحت الهيمنة الإيرانية، وكل ما يستتبع ذلك من مخاطر.

ما لم يناقشه الإسرائيليون بصراحة ووضوح، هو كيفية انعكاس الزيارة على الهدوء الهش الذي يسود حدودهم الشمالية مع لبنان، وبصورة خاصة على التهديدات التي توجهها إسرائيل على خلفية سعي إيران لإمتلاك السلاح النووي. وهم وإن كانوا يرون أن لا مصلحة ل"حزب الله" الآن في خوض مواجهة عسكرية جديدة ضد الجيش الإسرائيلي، لكنهم يتوجسون من أن تؤدي الزيارة الى رفع درجة التوتر بين الحزب وإسرائيل.

في رأي يوسي بيلين أحد أهم رموز معسكر السلام في إسرائيل، ومهندس الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، أن أهم وسيلة لإحتواء مفاعيل زيارة الرئيس الإيراني الى لبنان هي في تسريع المفاوضات مع الفلسطينيين، وفي احياء المسار التفاوضي مع سوريا. فوحده "السلام السوري-الإيراني هو الذي يطرد النوم من عيني نجاد".

=====================

«مفاجآت» المالكي.. هل تنقذ مستقبله السياسي؟

محمد خرّوب

kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

14-10-2010

ذهب زعيم ائتلاف دولة القانون الى دمشق «معتذراً»، بعد ان وجد الطريق الى عاصمة الامويين مغلقة، حتى في ظل اقتراب سوريا من ايران في مسألة فتح «كوة» في جدار الاستعصاء الذي يواجه تشكيل حكومة جديدة وفق نتائج انتخابات السابع من اذار الماضي، التي عمقت «الأزمات» في العراق اكثر مما أسهمت في «حلحلتها» واطاحت بالخطاب المتهافت الذي حاول المحتلون الاميركيون تسويقه عن الديمقراطية والتعددية التي جاءوا بها على ظهور الدبابات والمدافع.

 

نوري المالكي بعد ان ادار ظهره لسوريا عبر اتهامها (قبل عام) بأنها المسؤولة عن تفجيرات الاربعاء الاسود وهددها بالمعاملة «بالمثل» ملمحاً الى امكانية ارسال الانتحاريين وسيارات مفخخة، يذهب اليها طالباً «استكمال» الخطوة التي بدأتها عندما قبلت وجهة النظر الايرانية بمنح المالكي فرصة اخرى لتشكيل الحكومة العتيدة بعد «ضمان» موافقة التيار الصدري على ذلك (فيما واصل المجلس الاعلى العراقي بزعامة عمار الحكيم وحزب الفضيلة رفض تقديم مثل هذا الدعم) وهو أي المالكي، يراهن على امكانية حدوث تصدع او انشقاق في كتلة العراقية (اياد علاوي) ما يتيح له توفير الاغلبية المطلوبة في مجلس النواب للائتلاف الذي يطمح لقيادته.. فهل ثمة امكانية كهذه؟.

 

من المبكر الذهاب بعيداً في التفاؤل وبخاصة ان «تكتيكات» المالكي باتت مكشوفة للجميع وهو يتوسل مقاربات واساليب تصب كلها في خانة ضمان بقائه في موقعه رافضاً او معتقداً ان الجميع سيصرفون النظر عن مقارفاته والسياسات التي انتهجها طوال السنوات الاربع الماضية والتي اوصلت معظم الكتل والكيانات السياسية والحزبية (حتى من حلفائه السابقين) الى قناعات بأن الرجل معني بتكريس موقعه ونفوذه الشخصي، اكثر مما هو مهتم ببناء عراق جديد ينهض على العدالة وسيادة القانون وتداول السلطة على نحو سلمي ويُعظّم قيم المواطنة واحترام حقوق الانسان واشاعة الحريات العامة بعيداً عن الخطاب الطائفي والمذهبي والعرقي..

 

المشهد العراقي ما يزال مأزوماً، ومناورات الكتل الكبرى، وبخاصة العراقية وائتلاف دولة القانون (بعد انضمام الصدر)، تتواصل، رغم انها تعكس اضطراباً وارتباكاً، اكثر مما تؤشر الى قراءات ورؤى سياسية، يتساوى في ذلك اياد علاوي مع المالكي، رغم أن الاخير يمتلك هامشاً اوسع بعد ان فتحت دمشق له ابوابها (ولكن في شكل موارب ومشروط بالاعتذار عن تصريحاته الاتهامية وتهديداته العدائية).

 

مواقف علاوي الاخيرة تشي بذلك، اذ في استعداده ترشيح عادل عبدالمهدي (مرشح عمار الحكيم) مقابل ضمان رئاسة الجمهورية لكتلته، فانه يسعى لقطع الطريق على انشقاقات في كتلته حيث ستكون الرئاسة لشخصية سنيّة، يمكن ان يشغلها صالح المطلك على سبيل المثال، حيث يشاع ان المطلك «فتح خطاً» مع المالكي او ان الاخير سعى اليه، رغم ان ما قيل عن موافقة علاوي، يمكن ان يثير حفيظة «بيضة القبّان» والتي هي هنا التحالف الكردستاني الذي لم يزل اركانه يؤكدون انهم متمسكون بهذا الموقع وان جلال طالباني هو مرشحهم.. ما يعني ان كل شيء قابل للتغيير في أي لحظة، وان الذي سيقرر النتيجة في النهاية هي العواصم الاقليمية المؤثرة وليس ما يقوم به رؤساء الكتل والكيانات السياسية من مناورات او ما يصنعونه من احبولات او بالونات اختبار.

 

ليس مفاجئاً والحال هذه، ان نرى حركة هؤلاء المجموعة باتجاه دمشق وطهران والرياض والقاهرة، تلك العواصم التي تستقبلهم «كلهم» دون ان تفصح تلك العواصم عن قرارها النهائي الذي يبدو انه ينتظر صفقة «اقليمية ما»، بعد ان ابتعد او أُبعد الاميركيون عن المشهد، وهو ما يمكن ان نراه في «صمت» واشنطن عن التحالف «الجديد المفاجئ» بين المالكي والتيار الصدري، فيما دأبت ادارة اوباما (كما ادارة بوش) على رفض أي مشاركة لهذا التيار الذي تتهمه بالارهاب وبالتبعية المطلقة لطهران حيث يقيم «ويتعلم» في قم.

 

الحال ان زيارة المالكي الدمشقية، لن تسهم في انضاج الظروف الملائمة لقيام حكومة برئاسته رغم انها مؤشر على حجم الاستعداد الذي يبديه الرجل لتقديم أي «شيء» ليس آخره الاعتذار، لضمان مستقبله السياسي الذي يراه في وجوده على رأس حكومة اياً كان شكلها ونوعية وبرنامج ائتلافها، لأنه يدرك ربما انها فرصته الاخيرة، كون جلوسه في مقاعد المعارضة سيكون رصاصة الرحمة على مسيرته السياسية التي تميزت بالاندفاع والنرجسية وعدم الثبات على رأي أو التمسك بحليف او داعم او شريك..

«انني افضل المرشحين لرئاسة الحكومة»».

قال المالكي مباشرة بعد الانتخابات، ويبدو انه سيتمسك بهذا الرأي حتى النهاية.. أي نهاية!!

=====================

الحرية بين الديني والسياسي

غسان المفلح

2010-10-13

القدس العربي

تعددت تعاريف مفهوم الحرية الدينية، لكن هنالك شبه اتفاق على أن الحرية الدينية تمثل 'الإحساس بالانعتاق في اعتناق أي من المعتقدات والأديان من دون جبر أو إكراه'. أما إسلاميا فيعتبر 'أن الله أكرم الإنسان بهذه الحرية، من خلال هذه الحقوق منحه حرية الاعتقاد حيث قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) سورة البقرة الآية 256. سورة الكهف الآية : 29.

إن الإقرار بالحريات الثقافية - والدينية منها- إنما هو استجابة وجودية وتاريخية إنسانية يفرضها الواقع المتعدد لشعوب العالم. ولهذا فمن الطبيعي أن يكون لهذا الغنى الثقافي الحق في أن يمارس حريته في اختيار دينه أو لغته أو تراثه من دون جبر أو إكراه.

ليس في تاريخ الإسلام وحسب، بل في تاريخ معظم الأديان، هنالك فارق بين التعاليم والممارسة في الواقع، فالإسلام مثله مثل الأديان الأخرى، أقصى وهمش اتباع ديانات أخرى، خاصة في لحظة صعوده، أي ما عرف بتاريخ الفتوحات الإسلامية، حرية المعتقد لم تكن مقدسة في تاريخ الإسلام ولا في تاريخ الأديان عموما، لايهم كثيرا هنا الحديث عن درجة التسامح النسبي بين دين وآخر أو بين فترة زمنية وأخرى، الأديان عموما ما انتشرت في العالم لكونها تعترف بحرية المعتقد الديني، السبب: إنه التاريخ بكل حمولاته، ولكون الدين جزءا من المكون الثقافي لأي إنسان أو شعب، فهذا الأمر أيضا لا يقتصر على شعب من الشعوب. العثمانيون وخلفاؤهم الاتراك لاحقا حاولوا فرض اللغة التركية على بعض بلاد العرب، أثناء احتلالهم لها، واللغة بما هي الوعاء الثقافي لأي شعب، أيضا الاستعمار الفرنسي في الجزائر حاول فرنسة كل الشعب الجزائري، وما فعلته الجيوش الأوروبية في السكان الأصليين في كثير من البلاد..

الكرد في سورية ممنوع عليهم حتى اللحظة التعلم بلغتهم، لكن هذا المنع ليس دينيا بل هو منع سياسي بامتياز.

هذا الأمر من الاقصاء الديني أيضا لم يبق كما هو لدى كل الأديان، بعدما استتب الأمر لها في مناطقها، لهذا بقي فيت 'دار الإسلام' كما يقال، مكونات دينية وثقافية أخرى تمارس حريتها الدينية.

اللافت في الأمر أن الإسلام منذ لحظة مجيئه وهو يتداول هذه الآية التي تحولت إلى شعار'لا إكراه في الدين' بعكس الديانات الأخرى، أما الممارسة العملية فلها شأن آخر.

منذ مجيء الاستعمار الأوروبي إلى المنطقة، لم تعد المنطقة تشهد حروبا على أساس ديني، ربما شهدت بعض الحروب على أساس طائفي محدود أو اثني، لتغطية السياسة، وكانت الأديان الأخرى في منأى عن الإجبار لتغيير اتباعها لدينهم، ولم يتعرضوا للتهجير، لكن الإقصاء عن الحياة العامة بقي معمولا به، تماما كتاريخ اليهود في أوروبا، هل شهدت أوروبا حتى اللحظة مجيء ملك أو رئيس لدولة يهودي، ولايزال، فحتى ساركوزي الذي يقال انه من أصول يهودية، لكنه الآن مسيحي. أمريكا رغم قوة اللوبيات اليهودية ومؤسساتها هناك لم تستطع انتخاب رئيس يهودي، حتى أنه لا يفكر أي يهودي بالترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أو أية دولة اوروبية. حتى انتخاب أمريكا لرئيس من أصول أفريقية هو نتيجة لتاريخ من التمييز العنصري، لكنه مسيحي.

والإقصاء الذي نتحدث عنه هو الذي يتعرض له الإنسان بسبب انتمائه الثقافي- الديني يمكن إجماله في 'عدم الاعتراف بأنماط الحياة الدينية وخصوصياتها المتعددة، والحرمان الذي يتعرض له اتباعها من مبدأ تكافؤ الفرص قانونيا وعمليا بسبب هويتهم الدينية'.

الدستور في أمريكا وأوروبا لا يمنع مجيء أي حاكم مهما كان دينه أو طائفته إلى الحكم بالانتخاب، لكن بشكل عملي أزعم أن الثقافة التي لازالت سائدة تمنع مجيء حاكم يعتنق اليهودية أو الإسلام، أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية تصرح 'بان ألمانيا لديها قيم لا تتراجع عنها قيم يهودية- مسيحية'، ولكن هل تنتخب ألمانيا الآن إنسانا يهوديا أو مسلما لمنصب مستشار ألمانيا، رغم أن دستورها لا يمنع ذلك؟ هذا ما يمكننا تسميته بالاقصاء بالمعنى العملي، لا يوجد حزب سياسي في ألمانيا يغامر في ترشيح يهودي أو مسلم لمنصب مستشار ألمانيا، ولا حتى في بريطانيا التي تعتبر المؤسس الفعلي لدولة إسرائيل، ربما ألمانيا تنتخب لاحقا مستشارا يهوديا، تقليدا لأمريكا بحكم أن لها ماضيا أسود مع يهودها ويهود أوروبا عموما.

هذا الاقصاء العملي، لا يمنع اتباع الأديان الأخرى من ممارستهم لحريتهم الدينية، كاليهود والمسلمين.

لكنه حتى اللحظة عدم الاقصاء العملي محتجز في راهن ألمانيا، رغم تشديدنا على أن الدستور الألماني لا يمنع ولا يقصي، ورغم وجود الحق في التمثيل السياسي.

أما في منطقتنا الشرق أوسطية، فالسياسة الراهنة خربت كل شيء، ولم يعد الناس يميزون بين الحرية الدينية والحرية السياسية، مرة اخرى لا نريد العودة للتاريخ في هذه النقطة، لكن يمكننا القول انه منذ أكثر من قرن من الزمن، تاريخ المنطقة لم يشهد حروبا دينية تهجيرية اقتلاعية، وبقيت الأديان غير الإسلامية تمارس حريتها الدينية، كذلك الأقليات الطائفية الإسلامية، وحتى في تعاليمها المختصة بالأحوال الشخصية، ولكن لازال عماد هذا الراهن التاريخي هو غياب الحرية السياسية، وغيابها عن الجميع وإن بتفاوت نظري، كأن نقول: الدستور ينص على أن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلما، ولكن هذا الرئيس لا يتغير ولا يسمح بالانتخاب، ولا يعترف بمفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون، لأن سلطته بنيت على هذا الأساس، فيصبح التفاوت نظريا فقط، والدستور يكون على مقاسه، وهذا الغياب للحرية السياسة لا يعني أن دساتير هذه البلدان تسمح بالحرية بمفهوم المواطنة على الطريقة الألمانية التي تحدثنا عنها، وهنا نأتي إلى خلاصة ما نريد الوصول إليه:

الحرية الدينية تقتضي تمثيلا روحيا ودينيا، وهذا متوفر، ولكن الحرية السياسية أيضا تقضي تمثيلا سياسيا، وهذا هو الممنوع في الكثير من بلداننا، لهذا يجب عدم الخلط بين الحرية الدينية وتمثيلها الروحي، وبين الحرية السياسية وتمثيلها السياسي.

الأساس هو الفرق بين التمثيل الديني والتمثيل السياسي: فهل يمكن للمكون الديني أو الطائفي- أي مكون ديني أو طائفي- في العصر الراهن أن يكون لديه مكون سياسي تمثيلي واحد، بمحض إرادته؟ يمكن أن تكون له مؤسسة تمثيلة دينية، ولكن من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن تجد مكونا دينيا له تمثيل سياسي واحد معبر عنه لكل اتباعه - فلا الإسلام السني له تمثيل سياسي واحد، ولا الشيعي ولا المسيحي ولا الدرزي مثلا في لبنان له تمثيل سياسي واحد- في ظل مجتمع سياسي يتمتع بالحرية السياسية.

هنا لا بد لنا من النظر للموضوع من زواية أخرى عندما تقع أعيننا على مثل هذه الحالة، يحتج كثير من مثقفين 'علمانين' ينحدرون من الطوائف المسيحية في العالم العربي، على بعض الدساتير التي تحدد دين رئيس الدولة بالإسلام، ولكن لم نشاهد لهم مثل هذا الاحتجاج على دين رئيس الدولة اللبنانية التي يجب أن يكون مسيحيا مارونيا؟ ولتأكيد ما نرمي إليه، أن البطريركية المارونية في بكركي يعتبرها كل الموارنة ممثلة دينية لهم، ومنهم من يحاول إعطاءها دورا سياسيا في هذا التمثيل، ولكن قلما وجدنا الموارنة لهم مؤسسة تمثيلة سياسية واحدة، إلا عندما حاول المرحوم الشيخ بشير الجميل أن يفرض هذا الأمر بالقوة، وتصبح القوات اللبنانية الممثل الشرعي السياسي والوحيد للموارنة، ولكنه لم يستطع.

المحصلة المكون الديني تمثيله الروحي شبه ثابت، هكذا التاريخ ولكن تمثيله السياسي هو التاريخ المتحرك والمتنوع وفقا لمصالح البشر وأهوائها وأيديولوجياتها وما تمتلكه من قوى تاريخية أيضا.

لهذا تعتبر دولة المواطنة والديمقراطية هي مفتاح الحل للحريات الدينية والسياسية، وليست الحل لوحدها. الديمقراطية تنفتح على عوالم التمثيلات السياسية، وما تعنيه من حريات وتعبير عن هموم الناس وأحلامهم وطموحاتهم، وفيها يتعلم الناس التعايش مع حرياتهم وحريات الآخرين، ومن دونها ستبقى مجتمعاتنا تدور في شبه حلقة مفرغة من الحداثة المنضدة لدينا كشعوب منطقة مدولنة.

كاتب سوري

=====================

عالم متعدد القوى يمضي نحو حقبة جديدة من التدافع

د. بشير موسى نافع

2010-10-13

القدس العربي

في كلمة ألقاها بجنيف في الأسبوع الماضي، أشار السياسي الأمريكي العجوز هنري كيسنجر إلى أن خارطة القوى العالمية أصبحت اليوم أكثر تعقيداً مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الأولى، ببروز قوى اقتصادية جديدة، يملؤها شعور قومي متنام بالثقة، مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، لم يعد من الممكن الحديث عن عالم أحادي القطبية.

والحقيقة أن ليس في هذا الاستنتاج من جديد، فقد أدرك مراقبو الشأن العالمي من أكاديميين ورجال دولة أن نموذج القطب الواحد كان قصير العمر بالتأكيد، وأنه ما أن ظهر على المسرح العالمي في التسعينات، بعد انهيار الكتلة الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة، حتى خبا في العقد الأول من هذا القرن، عندما اتضح عجز الولايات المتحدة عن التحكم المنفرد في الشأن العالمي، سياسة واقتصاداً.

الملفت في حديث كيسنجر، الذي تشكلت رؤيته للسياسة الدولية من دراسته لتوازنات القوى الأوروبية في القرن التاسع عشر، هو تذكيره بأن أوضاع القوى على الساحة الدولية تشبه إلى حد كبير خارطة القوى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

قادت عالم القرن التاسع عشر قوتان رئيسيتان: بريطانيا وفرنسا، بعد أن سبقتا القوى الأوروبية الأخرى في الاستحواذ على إمبراطوريتين متراميتي الأطراف، عابرة للقارات. داخل الساحة الأوروبية، حيث اندلعت الحروب طوال قرون، كان توازن القوى الذي أسس له بعد الحروب النابليونية ما زال مستقراً، تمسك بأطرافه بريطانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا، وإلى حد ما الدولة العثمانية. ولكن الممتلكات الإمبريالية العالمية وضعت بريطانيا وفرنسا في موقع خاص بهما، يفوق مقدرات أي قوة أوروبية أخرى. ولكن متغيرات جوهرية في خارطة القوة أخذت في التبلور في العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر، ولدت من رحم الوحدة الألمانية والنمو الصناعي الألماني الهائل، من تحول أمريكا المتسارع إلى قوة اقتصادية عالمية، ومن معدلات النمو اليابانية الكبيرة. بالنظر إلى المقدرات العسكرية الهائلة لبريطانيا وفرنسا، لم يكن هناك ما يدعو إلى القلق. ولكن، كما أن حاجات الأمم والشعوب الاقتصادية كانت سبباً رئيسياً للحروب والصراعات عبر التاريخ، فإن القوة الاقتصادية استدعت القوة العسكرية، ليس لتوفير الحماية وحسب، بل ولتعظيم الموارد والأسواق كذلك. وهكذا، ما أن حل العقد الأول من القرن العشرين حتى أخذ استقرار ما بعد الحروب النابليونية في التداعي. افتتح القرن بالحرب اليابانية الروسية، ثم بدأت ألمانيا بالتململ، مرة في اتجاه التحالف مع العثمانيين، وأخرى في محاولة وضع موطىء قدم لها في القارة الإفريقية. ولكن صراع القوة كان لابد أن يحسم في الساحة الأوروبية نفسها، قبل أن يؤسس لنموذج جديد لعلاقات القوى. وهذا ما أطلق ويلات الحرب العالمية الأولى، التي لم تخمد مدافعها حتى وضعت بذرة الحرب العالمية الثانية في المناخ الأوروبي.

في موازاة حديث كيسنجر، كانت الصين وتركيا توقع سلسلة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري الاستراتيجي، غير المسبوقة في سياق العلاقات بين البلدين، شملت تعهد الصين بتحديث شبكة من آلاف الكيلومترات من السكك الحديدية التركية، وآفاقاً لإعادة إحياء طريق الحرير ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 17 إلى 50 مليار دولار. وكانت الصين قد وقعت اتفاقيات تعاون كبرى مع إيطاليا، بعد أن مدت يد العون لليونان المفلسة في عملية شراء ضخمة لسندات الديون اليونانية، حتى أن أحد المراقبين الأوروبيين وصف الخطوة بأنها توشك أن تجعل اليونان أول مستعمرة أوروبية صينية. وليس في هذا ما يجب أن يدعو إلى الاستغراب، ففي الوقت الذي تعاني الاقتصادات الأوروبية والاقتصاد الأمريكي معاناة طالت أكثر بكثير من المتوقع من آثار الأزمة الاقتصادية المالية لعام 2008، ينمو الاقتصاد الصيني بمعدلات كبيرة وبلا عثرات تذكر. يجعل هذا النمو من الصعب إشباع شهية الصين لمصادر الطاقة والموارد الأولية، كما يدفع الصين إلى تحقيق شراكات اقتصادية وتجارية مع مختلف دول العالم، صغيرها وكبيرها.

بيد أن الصين ليست المنافس الوحيد في هذا المجال، بعد دخول اقتصادات من الحجم الكبير، مثل روسيا والبرازيل والهند، ومن الحجم المتوسط، مثل تركيا، ساحة المنافسة، سواء في دوائرها الإقليمية المحيطة، أو على المستوى العالمي. افادت البرازيل من التراجع الملموس في حيوية الاقتصاد الأرجنتيني، وأخذت في تعزيز نفوذها الاقتصادي في كل أمريكا اللاتينية؛ وقد ساعد الوزن العالمي للرئيس لولا، المنتهية ولايته، في فتح منافذ نشاط وتعاون اقتصادي للبرازيل في العديد من دول آسيا وإفريقيا.

أما تركيا، التي تستند إلى ميراث عثماني عميق الجذور، فقد بدأت منذ سنوات في تعزيز موقعها الاقتصادي والتجاري مع الدول العربية وإيران، كما مع دول القوقاز والبلقان. وإلى هذا النفوذ الاقتصادي الإقليمي، وليس إلى العلاقات الاقتصادية التقليدية مع دول الاتحاد الأوروبي، يعزى خروج الاقتصاد التركي السريع من أزمة 2008 الاقتصادية  المالية. وتعتبر روسيا حالة فريدة في منتدى القوى الاقتصادية الجديدة هذا. فروسيا وريثة دولة عظمى، وتعتبر المنافس العسكري الاستراتيجي الوحيد للولايات المتحدة على الصعيد العالمي. على أن روسيا، باستثناء الصناعات والتجارة العسكرية، تعتبر قوة اقتصادية وتجارية بائسة. ولكن الصعود الهائل في أسعار النفط والغاز في العقد الأخير، ساعد الروس على التحرر من أعباء الديون، وإعادة التوكيد على الدور والنفوذ، وإن اقتصرت استعادة الدور والنفوذ الروسية على الخارج القريب، أي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في وسط وشمال أوروبا ووسط آسيا والقوقاز. والواضح أن القيادة الروسية الحالية تتجه الآن نحو مشروع واسع النطاق للتجديد الصناعي والاقتصادي، يصعب توقع المدى والنتائج التي يمكن أن يصل إليها.

بكلمة أخرى، ثمة خارطة اقتصادية عالمية بالغة التعدد والتعقيد والاشتباك ترتسم ملامحها شيئاً فشيئاً. في هذه الخارطة لم تعد دول جانبي الأطلسي تستطيع الحفاظ على التفرد في الشأن الاقتصادي العالمي أو احتكار قراره. الواقع أن الصين أصبحت هذا العام بالفعل ثاني أكبر قوة اقتصادية عالمية بعد الولايات المتحدة، وأن أحداً لا يعرف حجم العطب الذي أحدثته الأزمة المالية الاقتصادية الطويلة في الاقتصادات الغربية على جانبي الأطلسي. من الضروري، بالطبع، عدم الذهاب بعيداً والمبالغة في توقع انهيارات اقتصادية غربية، أو تجاهل مقومات القوة الاقتصادية والإبداع التقني الأمريكي؛ فخلف الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية ميراث هائل من المقدرات الصناعية والاقتصادية، وتمتلك هذه الدولة مراكز بحث ومؤسسات جامعية لا توازيها أية مراكز وجامعات أخرى في العالم.

وهذه المراكز والجامعات هي في النهاية محركات الصناعة والإبداع. ولكن من المهم أيضاً ملاحظة التقلص النسبي والحثيث في المساحة التي تحتلها الكتلة الاقتصادية الغربية في خارطة العالم الاقتصادية. مثل هذه المتغيرات الكبرى في الوضع العالمي يمكن أن تطلق حراكاً دبلوماسياً عالمياً، لتأمين الانتقال السلمي نحو نموذج قوة عالمي جديد. فمهما كان للسوابق التاريخية من تأثير على العقل السياسي في حقل العلاقات الدولية، فليس ثمة شك في أن ذاكرة العالم ما زالت تحتفظ بالكثير من الويلات والآلام التي جرتها حربا القرن العشرين الكبريين وحربه الباردة. وربما يستطيع العالم بما اكتسبه من عقلانية ودروس أن يجد طريقه نحو احتواء الكوارث الكامنة في عملية الانقلاب والتحول الاقتصادي الهائلة التي تشهدها خارطة القوى الاقتصادية.

بيد أن هناك احتمالاً آخر، بلا شك، احتمال أن تعجز القوى العالمية عن تلمس طريق التحول السلمي، وأن تتصاعد المنافسات الاقتصادية، وتطلق في النهاية شرارة التدافع العسكري والاستراتيجي. وربما تعتبر الاستجابة العالمية لتداعيات الأزمة المالية الاقتصادية مؤشراً هاماً على الكيفية التي تتعامل بها القوى الاقتصادية الرئيسية مع بعضها البعض ومع التحولات التي تشهدها خارطة القوى العالمية. ففي ربيع العام الماضي، وقفت دول العشرين معاً في لندن في مؤتمر هام، معلنة تضامنها وعزمها العمل معاً لسد ثغرات النظام المالي العالمي والتعاون لتجاوز الأزمة ومنعها من التحول إلى حالة من الانهيار الاقتصادي. وبمرور زهاء العام ونصف العام، لا يبدو أن وعود المؤتمر قد تحققت. ثمة خلافات طاحنة بين الولايات المتحدة وأغلب القوى الاقتصادية الغربية، من ناحية، والصين، من ناحية أخرى، حول سعر العملة الصينية المنخفض، الذي تعتقد الدول الغربية أنه سعر غير عادل، وأن الدولة الصينية ترفض أن تترك لقوى السوق دفع سعر العملة للأعلى، بهدف المحافظة على معدلات التصدير الصينية مرتفعة. وبالرغم من الإدراك العالمي المتسع لعواقب التنمية الاقتصادية الفادحة على البيئة، لم تزل القوى الاقتصادية الرئيسة تتبادل اللوم حول المسؤولية عن النظام البيئي وتوزيع الأعباء الأطراف المختلفة. وبالرغم من أن الأمور لم تصل بعد إلى حد التدافعات العسكرية الحادة، فربما تجدر الاشارة إلى أن روسيا خاضت حرباً صغيرة قبل عامين ضد جورجيا، لتوكيد نفوذها في شمال القوقاز، وأن حرب الولايات المتحدة في أفغانستان لا تخلو من اعتبارات استراتيجية تتعلق بالصين وروسيا، وأن القوات الأمريكية لم تزل في العراق، وأن هناك جدلاً لا ينقطع حول معدلات التسلح الصيني، وأن الهند تتحول سريعاً إلى قوة إقليمية كبرى. وفي موازاة هذه التطورات، تشهد الساحة العالمية عملية اصطفاف وتحالف بالغة الحساسية، تحاول فيها كل من القوى الاقتصادية الرئيسة إخفاء حقيقة نواياها وتجنب استفزاز الأطراف الأخرى في شكل مبكر.

هذا عالم جديد، وليس من السهل القول بأن ساحة القرن التاسع عشر الدولية تعيد توليد نفسها. مشكلة التنافس الدولي في النصف الثاني للقرن التاسع عشر أن ساحته كانت أوروبية في مجملها، وأن أوروبا ظلت معملاً للحرب طوال قرون. ما يشهده عالم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو بروز قوى اقتصادية كبرى داخل وخارج القارة الأوروبية. هذا تطور جديد، لم تعرفه العصور الحديثة من قبل، وهو تطور غير قابل للتنبؤات السهلة وسيناريوهات قراءة المستقبل التقليدية. ولكن تجاهل هذا التطور من قبل الصغار أو الكبار لن يكون بلا ثمن فادح، على أية حال.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

=====================

الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران

د. عاهد مسلم المشاقبة

الرأي الاردنية

14-10-2010

شاءت الأقدار أن تبقى العلاقات الإيرانية الأميركية رهينة سياسات استحكمت فيها الأيديولوجية الإمبريالية ويمكن تشبيه الصراع الأمريكي – الإيراني بالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في لحظة جراء الأحقاد والنباذات الثنائية في ظل تاريخ إيران مثخن بالعداء كما أن الاستقطاب الثنائي بينهما جعل من محاولات التهدئة للأمور ضرباً من الخيال خاصة وأن الذاكر ة الإيرانية المفعمة بأحداث تراجيدية تجد نفسها على الدوام حين ترتفع بقوة قبضات أيدي المتظاهرين في شوارع طهران وتعلو جماجمهم المعصبة بشعارات التضحية والثورة ضد الأعداء

وازداد بالمقابل العداء الأميركي لإيران منذ العام (2000) إذ ساهمت العديد من العوامل في زيادة هذا التوتر بين البلدين خاصة ما يتعلق بالادعاءات الأمريكية بخصوص البرنامج النووي الإيراني إضافة إلى الدعم الإيراني المستمر والمتواصل للمنظمات التي تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية المتحدة بأنها منظمات إرهابية

ثم تابعت السياسة الأمريكية المعادية تجاه إيران لتضيف ما يكفي لو أدى أي تحرك بالاتجاه الآخر فقد دأبت الإدارة الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض بإتباع سياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران وكان منظرها السفير مارتن انديك وتوالت بعد ذلك السيناريوهات تجاه إيران وتنوعت السيناريوهات المرجحة ما بين الصدام العسكري، أو الحل السلمي أو استمرار التوتر لفترة بما في ذلك الرأي الذي يرجح أن فرض العقوبات واستمرارها قد يأتي بنتائج فعالة إلا أن الولايات المتحدة ترى أن ثمة خيارات تمتلكها لتوجيه ضربة قوية للمنشآت النووية الإيرانية هذا وقد سعت الولايات المتحدة لتطوير ما يسمى بالقنابل الذكية العملاقة بهدف تدمير المواقع الإيرانية النووية المحصنة بطبقات من الخرسانة وتستطيع تنفيذ هجمات قوية عبر صواريخ كروز وطائرات الشبح.

ورغم أن الخيار العسكري ممكن إلا أنه يرتبط بخيارين:

غزو واسع النطاق لإسقاط النظام.

الضربات التكتيكية على المنشآت النووية وبالاستفادة من التجربة العراقية فإن القيام بغزو دولة مثل إيران وذات طبيعة جبلية صعبة وتمتد عبر مساحات جغرافية شاسعة يتخللها مناطق حفرية قد توفر هذه الطبيعة ملاذاً آمناً للمتمردين تمكنهم من الاختفاء والقيام بهجمات مضادة إضافة إلى أن الشعب الإيراني كله يجمع على الرفض المطلق للوجود الأمريكي على أرضه لأي سبب كان ناهيك عن التكلفة العالية للخيار العسكري الأمر الذي قد يفتح الباب على مصراعيه أمام الخيار للضربات التكتيكية ضد المنشآت النووية وقد يكون هو الأكثر ملامسة وواقعية من غيره.

وحتى تكتسب الولايات المتحدة الشرعية التي تؤهلها للقيام بذلك تسعى دوماً من خلال سياسة الاحتواء المزدوج لإبراز إيران كدولة مناوئة للسلام العالمي أمام الأسرة الدولية كما أنها تقوم بمتابعة الشكاوى القانونية في المحاكم الدولية ضد إيران وتسعى لوقف التعاون الغربي مع إيران من خلال إتباع سياسات الضغط وأهم من ذلك هو سعيها لزج اسم إيران فيما يسمى بمحور الشر.

ولم تنظر إيران بعين الاستغراب إلى هذه التسمية إذ أعاد هذا الاسم إلى أذهان الإيرانيين أن الولايات المتحدة تسعى من العام 1979 إلى تغيير النظام في إيران خاصة مع ظهور الثورة الإسلامية حيث قامت الولايات المتحدة بتوفير التمويل اللازم لبعض المجموعات المعارضة للنظام خلال فترة الثمانينات وقد وصف الرئيس المعارضة للنظام خلال فترة الثمانينات وقد وصف الرئيس بوش إيران بأنها جزء من محور الشر واقترح الرئيس بعد ذلك في العام (2006) ضرورة تغير النظام من خلال تقدم الدعم لمجموعات المعارضة وتعزيز الديمقراطية أو من خلال نهج وسائل أكثر نجاعة مثل الغزو الأمريكي بسبب ضعف أداء مجموعات المعارضة.

وفي واقع الأمر ومنذ الحرب الباردة ارتبطت مصالح الولايات المتحدة وقوتها بشكل متين بمستقبل الشرق الأوسط وهي تدعي دوماً أنها تريد الحفاظ على الاستقرار ومنع انتشار الأسلحة النووية وتهدف إلى إبقاء ممرات آمنة لنقل الطاقة وترى الولايات المتحدة أن إيران تمثل عقبة كبيرة تقف في طريق تحقيق إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لذا فإن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية تجاه الشرق الأوسط القيام بغزو واسع النطاق لإسقاط النظام في إيران أو توجيه تلك الضربات التكتيكية على المنشآت النووية الإيرانية. وهي بهذه السياسة تسعى إلى فرض المزيد من الهيمنة في المنطقة وبالتالي جرها إلى المزيد من الغليان والتوتر.

=====================

التطهير العرقي الناعم للفلسطينيين

سمير الحجاوي

hijjawis@yahoo.com

الرأي الاردنية

14-10-2010

تواصل إسرائيل مساعيها لتكريس نفسها «دولة يهودية» تخص أتباع الديانة اليهودية دون غيرهم، هذه المساعي بدأتها إسرائيل منذ تأسيسها بعد سلب ارض فلسطين من الفلسطينيين بمساعدة القوى الكبرى في العالم، وذلك للوصول إلى تطبيق شعار «ارض بلا شعب لشعب بلا ارض».

 

العملية الإسرائيلية لتهويد الأرض الفلسطينية وتفريغها من الفلسطينيين دشنت في المرحلة الأولى بعمليات تطهير عرقي من خلال تنفيذ مجازر ضد الفلسطينيين مكنت إسرائيل من اقتلاع ملايين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم وطردهم منها ودفعهم إلى خارج فلسطين، وفي المرحلة الثانية بدأت عملية قضم الأرض والاستيلاء على المزيد منها وزرع فلسطين بالمستوطنات والمستوطنين، وهنا أيضا تمكنت من تحويل المستوطنات والمستوطنين إلى واقع حقيقة ملموسة « يجب التفاوض حولها،وتحويل الاستيطان من قضية غير مشروعة إلى قضية « لا بد من التفاوض حولها»، وهكذا استطاعت إسرائيل أن تحول القضية الفلسطينية ، من قضية شعب احتلت أرضه واقتلع من دياره إلى مسألة التفاوض على بعض المستوطنات هنا وهناك دون مناقشة القضية الأساسية ألا وهي احتلال فلسطين وتشريد الفلسطينيين، وفي مواكبة لهذه الألاعيب الإسرائيلية بدأت مرحلة ثالثة لتهويد المزيد من الأرض الفلسطينية وتغيير معالمها خاصة في مدينة القدس وتحويلها من مدينة إسلامية- مسيحية إلى مدينة يهودية.

 

لم تكتف إسرائيل بتزييف التاريخ وتغيير معالم الجغرافيا وتشريد شعب بأكمله، بل تواصل جهودها لتحصل في «مرحلة السلام والمفاوضات» على ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، وهنا بدأت تنفيذ المرحلة الرابعة ألا وهي وضع الشعب الفلسطيني في الزاوية والتضييق عليها وخنقه، عبر الحصار على غزة، والبدء بعملية «تطهير عرقي ناعمة» ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وهم الفلسطينيون الذي صمدوا في ديارهم بعد حرب عام 1948 التي استولت فيها العصابات اليهودية على أجزاء من فلسطين وأعلنت قيام دولتها عليها بدعم من بريطانيا وأمريكا ودول الغرب والاتحاد السوفييتي السابق.

 

هؤلاء الفلسطينيون، الذين نطلق عليهم عرب الداخل أو عرب 48 أو فلسطينيي الداخل، يتعرضون الآن لحملة اقتلاع طويلة المدى عبر مشروع للتطهير العرقي والإثني يستند إلى نظريات عنصرية ولدت من رحمها النازية الألمانية والفاشية الايطالية، والتي تعتبر الأساس النظري للحركات العنصرية اليمينية في أوروبا حاليا. وقد تم التعبير عن هذه الحملة بإقرار الحكومة الاسرائيلة مشروع قانون قسم الولاء لإسرائيل كدولة «يهودية»، الأمر الذي يعني استثناء الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 «أي إسرائيل اليهودية»، من حقوق المواطنة وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية أو «مقيمين ووافدين» على الأرض اليهودية. مما يعني ضمنيا إلىاجبار العرب الفلسطينيين على الإقرار بالصهيونية التي أدت إلى قتلهم وتشريدهم، وهو ما يخالف أي منطق.

 

موافقة الحكومة الإسرائيلية بغالبية أعضائها على إقرار قسم «الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية»، وتصريح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن «دولة إسرائيل هي الدولة-الأمة للشعب اليهودي» تعني بكل بساطة أن لا مكان لغير اليهود فيها، وهو ما يناقض الديمقراطية التي ألصقت بتعريف الدولة، فكيف تكون دولة لأتباع دين واحد وديمقراطية في نفس الوقت،فهذا مستحيل نظريا وعمليا.

 

إسرائيل تستمر بطمس معالم الهوية الفلسطينية وإسكات التاريخ الفلسطيني و اختلاق تاريخ مزيف مبني على «الأساطير والخرافات والادعاءات والحقوق الإلهية المزعومة» تمهيدا للإلغاء الكامل لوجود الشعب الفلسطيني على الأرض. وهي لا تكتفي بتشريع هذه العنصرية في مؤسساتها بل تطالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وتضمين ذلك في أي اتفاق سلام مقبل، والتخلي عن حق العودة للفلسطينيين، وضم الكتل الاستيطانية التي تشكل أربعين في المائة من الضفة الغربية، ومنح إسرائيل مناطق أمنية في غور الأردن وعدم التسلح والكف عن المطالب التاريخية بفلسطين والتنازل عن المياه والأجواء والسيادة وعدم الدفاع عن الفلسطينيين في فلسطين 48 ثم بعد ذلك التوصل إلى سلام، فأي سلام هذا الذي يمكن التوصل إليه في ظل هذه الظروف والشروط.

=======================

كنوز العرب التي في المزابل والسجون

منصف المرزوقي

الجزيرة نت

ما القاسم المشترك بين السوري العربي هيثم المالح واليابانيين "أراكاوا تيوزو" و"شيبا أيانو" و"كاناموري أيشي"؟ لا شيء تقريباً باستثناء الاشتراك في نفس العمر (ثمانين سنة) عندما عرفوا حدثاً هامّاً في حياتهم، ربما شكّل ذروة هذه الحياة.

لنتوقّف في البداية عند اليابانيين الثلاثة.

هم ينتمون لمجموعة تضمّ أكثر من خمسين اسماً ويعرفون تحت اسم "نينجن كوهيهو" أي الكنوز البشرية الحيّة.

سنة 1950 قرّرت الحكومة اليابانية أن تعطي الدولة، بعد استشارة أهل الذكر، لقب كنز بشري حيّ، لكلّ رجل أو امرأة تميّز بعمله المتقن في أحد الميادين الفنّية التي تعرّف الثقافة اليابانية مثل الصناعات التقليدية.. وبالطبع تكريمه بصفة تفوق المعتاد.

وفي غضون أقلّ من نصف قرن تشكّلت قائمة لا تفوق حالياً مائة شخص، تضمّ عمالاً وعاملات في قطاعات فنّية، أحيانا جدّ هامشية، لكنّها تلعب دوراً هامّاً في هويّة الأمّة اليابانية ويمكن اعتبارهم أعضاء جديرين بأصدق وأشرف أرستقراطية.

إنّه تقليد رائع لم تأخذه عن اليابان لحدّ الآن إلا كوريا وتايوان وتايلند وحاولت اليونسكو أن تتبنّاه وأن تعمّمه في العالم بغية الحفاظ على كلّ تراث فنّي أصيل مهدّد بالضياع. ألا يقول مثل أفريقي إنّ موت بعض الشيوخ كاحتراق مكتبة.

صحيح أنّ هذا التكريم الخارق للعادة لا يشمل إلا صنفاً معيّناً من الأعمال الفنّية ذات العلاقة الوثيقة بالتراث التقليدي، لكن لنتأمّل بعض المعاني التي تزخر بها ظاهرة الكنوز البشرية الحيّة.

هي دلالة على حقائق جعلتها ممكنة ومنها أنّ هناك:

- تقديس الأمّة اليابانية للعمل والعطاء.

- ترصّدها للبحث عنه ومكافأته.

- تمثيلها من قبل دولة لا تخشى من إعطاء لقب كهذا يضع المكرّم فوق كلّ رجل سياسي وربما حتى فوق الإمبراطور.

- إرادتها رفعةَ من رفعوها خاصّة إذا كانوا أشخاصاً متواضعين ومغمورين ولم يسعوا للشهرة وإنّما أفنوا أعمارهم في خدمة ثقافتها وهم لا يعون حتى بخطورة ما يفعلون.

- انتباهها لضرورة وصول التكريم والاعتراف للشخص قبل فوات الأوان وألا يموت الشيخ الجليل بالحسرة في الفؤاد ليمضغ وهو ميّت عنقود العنب الذي رفضت له حبّة واحدة منه وهو حيّ.

- فخرها واعتزازها بهؤلاء المبدعين ووعيها بأهمّيتهم في تواصلها وعظمتها.

- أخيراً لا آخراً حثّها على الخلق والإبداع والرسالة داخل الرسالة: قوموا بواجبكم تجاهنا نحن الأمّة وسنقوم بواجبنا نحوكم إذا اتّضح أنّكم أحسن أبنائها.

كيف نستغرب بعد هذا تفجّر الطاقات وكيف لا تكون اليابان من أولى الدول والشعوب في كلّ الميادين، علماً بالطبع بأنّ مبدأ الاعتراف والمكافأة والتكريم الكبير قائم في كلّ الميادين، حتى وإن لم يتّخذ صبغة تكاد تكون من قبيل التقديس كما هو الحال في الكنوز البشرية الحيّة؟

انظر وضع هيثم المالح مقارنة مع اليابانيين المذكورين أعلاه. لنذكّر مرّة أخرى أنّ الرجل بلغ ثمانين حولاً ولم يسأم -من النضال عن شعبه وأمّته- وكلّ جريمته ما سمّي في سورية إطالة اللسان... اللسان الذي هدّدني على مرأى ومسمع من الملايين لواء مخابرات مصري بقطعه، لأنّ أسيادنا أينما كانوا لا يطيقون نقداً. تأمّل المعاني المضمّنة في سجن مريض في الثمانين، سبق أن قضى في ضيافة النظام السوري ستّ سنوات.

الرسائل المراد توصيلها كالآتي:

- لا نقدّر ولا نحترم أحداً ولا يكبر في أعيننا كبير ولا نستحيي من سجن عجوز في الثمانين فانتبهوا لحالكم.

- لا قيمة لأيّ شخص فيكم بما يقدّم إلا إذا كان ما يقدّمه لنا، لأنّنا نحن الوطن ومن ضدّنا آلياً ضدّ الأرض والتاريخ والشعب والأجيال القادمة.

- لا نريد عطاءً ولا بذلاً إلا الذي يصبّ في مصلحتنا والبقية شغلكم.

- لا وجود لكنز بشريّ إلا القائد الملهم الفذّ الذي لم تجد بمثله الأقدار وكلّ ما عداه من ضمن الألف كأفّ.

تقول المقارنة لا تجوز فاليابان تكرّم فنانين تقليديين لا سياسيين أو مناضلي حقوق الإنسان وهيثم المالح ليس رسّاماً على الخزف أو خطّاطاً على خشب الأبنوس لحشره في موضوع كهذا.

اعتراض وجيه يقابله اعتراضان نتمنّى أن يكونا وجيهين أيضاً.

الأوّل أنّه لا شيء يشابه التكريم الياباني يتلقّاه حرفيّو فاس وحلب والقاهرة، في ميادين فنّية مثل الخط والرسم والنقش والسجاد إلخ.

من منكم سمع يوماً بعاملة في مصانع السجّاد بالقيروان ابتدعت أجمل اللوحات الفنّية، لم يعرف قيمتها إلا السيّاح الأجانب وعرفت تكريماً كالذي عرفته "جونوكوشي ميي" التي دخلت سنة 1955 قائمة الخالدين والخالدات في الثقافة اليابانية؟ القاعدة أنّ كلّ فنّانة مبدعة في فنّ السجّاد، تموت بعد أن أكل العمل المضني عمرها وعينيها دون أن تجني منه إلا ما يسدّ رمقها ورمق أطفالها.

ثم من سمع منكم بأنّ أهل المهن الفنّية يتابعون بنشاط كلّ مبدع ومبدعة ويتّفقون على ترشيحه للتكريم ولا يبقى على الدولة إلا التنفيذ؟

أغلب أهل الصناعات التقليدية والفنون المرتبطة بها يعيشون بقرب المزابل في أزقّة مدننا العتيدة يجاهدون لبيع بعض البضاعة للسيّاح، من أجل البقاء على قيد الحياة.

وحتى عندما يتمّ تكريم بعض الكتّاب أو الفنّانين فهو مجرّد إجراء شكلي تمنّ فيه دولة لا شرعية ببعض الفتات من الاعتراف، على من أظهروا لها الولاء الكافي. ثم استغربوا بعد هذا الكساد الفكري والفنّي في وطننا العربي والحال أنّه لم يثبت لحدّ الآن أنّ للدماغ الياباني ضعف الخلايا في الدماغ العربي.

الاعتراض الثاني أنّه لا شيء يمنعنا من توسيع مفهوم "الكنز البشري الحيّ" إلى كلّ المبدعين أيّاً كان مجال خدمتهم للمجموعة الوطنية من الرسم على البلّور أو المحافظة على أقدم طريقة في تزيين ملابس العرس، إلى العطاء في ميادين العلم والأدب والسياسة... بالطبع كلّ هذا يوم يصبح للشعوب العربية دول وللدول العربية شعوب وتردم الهوّة بينهما بالشيء الذي تبخّر متسبباً في معاناتنا جميعاً: الاحترام المتبادل.

والآن كفى بكاءً ونحيباً على حالنا. يجب تغيير ما بأنفسنا كما أُمرنا بذلك من أحسن آمر. لنستبطن أنّ هيثم المالح، مثل الصادق شورو في السجون التونسية ومناضلي الحرّية في السجون العربية، ليس ضحيّة وإنّما أسير حرب... أنّ الحقوق تفتكّ ولا تعطى... أنّ واحداً من حقوقنا التي يجب أن نمارسها -لا أن ننتظرها دوماً من دول لا تخدم إلا عصابات وعائلات- هو التعرّف على كنوزنا البشرية الحيّة وتكريمهم قبل خطب التأبين الرائعة والعبثية.

نعم بانتظار أن تكون لنا دول مهمّتها تحفيز الطاقات الهائلة التي تنضح بها مجتمعاتنا وليس إجهاضها... وبانتظار أن تكون لنا حكومات تعرف أنّ الزمردة لا ترمى في المزبلة أو في سجن وإنّما توضع أينما يجب أن توضع الكنوز... ولأنّ كلّ طريق طويل يبدأ بخطوة والغيث النافع بقطرة، فهل تسمحون لي باسمكم جميعاً أن أرشّح هيثم المالح للقب كنز عربي حيّ، وأن نكرمه كلّنا هذا اليوم في عقولنا وقلوبنا.

=======================

مليون مغترب سوري و80 مليار دولار:

ثلاثة أخماسهم من حملة الشهادت العليا وألادمغة

المصدر : بلدنا -وعد زينية

نقلاً عن نوبلز نيوز 11/10/2010

تكرّر أم علي، على مسامع ابنها الأصغر والمدلل، مقولة لطالما آمنت بها، مستنكرة فيها فكرة السفر، حتى ولو كان بقصد السياحة، قبل أن تكون هجرة أو غربة. هي دائماً تقول: إنَّ ترك البلد دليل فشل.. قانعة إياه بأنَّ الذي يفشل في بلده يفشل في أيّ بلاد أخرى.

التاريخ يعيد نفسه في كل هجرة كان للأزمات الاقتصادية، التي تعرّضت لها بلاد الشام زمن الحكم العثماني، دور مهم لبداية الهجرة السورية رسمياً، لاسيما إلى دول أمريكا الجنوبية والدول العربية في العام 1820، تلتها هجرات العام 1900 إلى أمريكا الجنوبية وأوروبا، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وبداية شرارة الحروب، لحقها، بعد الحرب العالمية الأولى، هجرات إلى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وهجرة إلى فرنسا من أجل الدراسة أثناء الانتداب الفرنسي؛ حيث استقرَّ قسم منهم هناك، ثم تكرَّرت الهجرات إلى أمريكا الجنوبية وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى هجرة أخرى إلى دول الخليج بعد ظهور النفط ونمو المعيشة فيها. واتجه بعض السوريين، بعد العام 1970، إلى أستراليا والصين وإندونيسيا. ومع الوقت الحالي، لم يتغيَّر الوضع كثيراً؛ حيث إنَّ الاستثمار المحلي مازال يخطو خطواته الأولى؛ ما جعل عدد السوريين (والذين لهم أصول سورية) المقيمين في الدول العربية (عدا لبنان) يصل إلى ما يقارب 2 مليون و750 ألف سوري.

 أما عدد السوريين (ومن لهم أصول سورية) المقيمين في الدول الأوروبية فهو 5 ملايين سوري. أما في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، فينقسم السوريون إلى من تجنّسوا بالجنسيات الأمريكية وانصهروا في المجتمع الأمريكي وفقدوا الهوية السورية. ويقدَّر عددهم ب8 ملايين. وهناك قسم تمسَّك بجنسيته وأصوله، ويقدّر عدده ب4 ملايين سوري.  وفي أمريكا الجنوبية، الحديث يطول ويطول؛ حيث يُقدَّر عدد السوريين الفاقدين لهويتهم وجنسيتهم والذين ذابوا في المجتمع الأمريكي وتجنّسوا بجنسيته وما زالوا محتفظين بولائهم لسورية نحو 19 مليون سوري، بينما يبلغ عدد الذين ما زالوا محتفظين بأصولهم السورية وجنسيتهم 11 مليون سوري. والسبب، في هذا الاختلاف، يرجع إلى الهجرات القديمة منذ العام 1820.

عندما يصبح الإحصاء مخيفاً والجواب مستحيلاً  لم يكن الأمر بهذه السهولة. فوزارة المغتربين، ومنذ شهر تقريباً، أرسلت بعض الأسئلة للاستفسار حول بعض الأمور، والتعرف إلى آلية عمل الوزارة مع المغتربين وماذا تقدّم لهم. وطلب إليها، مراراً وتكراراً، الإجابة عن استفسارات وأسئلة حول النشاطات والفعاليات التي تقوم بها الوزارة لجذب المغتربين وإعادتهم إلى بلدهم الأم، أو للتواصل معهم على أقل تقدير في بلاد الاغتراب، بالإضافة إلى سؤال ثانٍ بخصوص دورها في جذب الاستثمارات إلى سورية ومشاريع التنمية، وكيفية استثمار سورية للمغتربين بما يدعم قضايا سورية في الخارج. لكن، ومن أسف، حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق لم تدلِ وزارة المغتربين بأي ّ معلومة تذكر؛ ما أعطانا الحق بسؤال آخر: هل عدم الجواب هو الجواب؟!..

 وبخصوص عدد سكان سورية (المقيمين على أرض سورية في لحظة كتابة هذا التحقيق) أشار الدكتور شفيق عربش (مدير المكتب المركزي للإحصاء) إلى أنه وصل إلى 20 مليوناً و757 ألفاً و934 نسمة. وهو الرقم الذي يتبدَّل بشكل ساعي، مؤكداً أنه في ازدياد واضح، كما يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 23 مليون نسمة وفقاً للمسجلين في السجل المدني السوري.

 

80 ملياردولار.. الأموال السورية في الخارج

يرى زياد عربش (دكتور في الاقتصاد) أنَّ «الخسارة ليست بهجرة رؤوس الأموال بقدر ما هي خسارة إنسانية، تتمثل في هجرة العقول والكفاءات. فالهجرة، وإن كانت لعامل صغير، تعني نزيف ملايين الليرات السورية؛ ذلك لأنَّ المهندس أو الطبيب، حتى يصل إلى مقاعد الجامعة وينهي دراسته الأولية ويحصل على دبلوم جامعي عال في سورية، تكون الدولة والأسرة قد أنفقت عليه طوال هذه السنوات، ليذهب إلى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية والخليج وأستراليا. ولا يستفيد البلد الأم من هذه الخبرات، وهو في أمسّ الحاجة إليها.

ففي ألمانيا والنمسا وحدها 8 آلاف طبيب سوري. وفكرة معظم الناس أنَّ تحويلات المغتربين هي دعم أساسي للاقتصاد الوطني، هي، على حد وصف الدكتور عربش، خاطئة. فبمجرد نظرة شمولية طويلة المدى، تكتشف أفضلية أن يعجَّ البلد بالكفاءات على أن يكون طالباً لها؛ لأنَّ هذه الهجرة تعني الدخول في حلقة مفرغة، يتحوَّل البلد فيها إلى بلد طارد للكفاءات وأصحاب المبادرات، ويتحول البلد الآخر إلى بلد ليس مؤهلاً لاستيعاب طاقته وكفاءاته داخل أراضيه فحسب، وإنما مستقطباً للكفاءات المهاجرة إليه ولرؤوس الأموال أيضاً.

وبينما يتمّ تجاهل النظر إلى النواحي العلمية والاجتماعية، يقتصر الاهتمام، بحسب عربش، على الناحية المالية للمغتربين؛ وذلك لعدة أسباب تتعلَّق بتدوال الصحافة أرقاماً عن أموال السوريين في الخارج تصل إلى 80 مليار دولار أو أكثر.

ومع ذلك، فبعض المغتربين من أصل سوري (ممن التصقوا في البلد الثاني) قد لايعودون باستثماراتهم إلى البلد الأم. وبعضهم الآخر، قد تكون استثماراته في سورية في مرحلة زمنية ليست بعيدة المدى.

وتبقى النقطة الأساسية، على حدّ تعبير عربش، غير متعلقة برأس المال؛ كونه العامل الأساسي في التنمية. ولو كان هذا صحيحاً، لكانت السعودية وليبيا (لغناها النفطي على سبيل المثال) تتقدَّم على السويد والدنمارك وغيرها من الدول المتقدمة.. إلا أنَّ الواقع يشير إلى أنَّ السعودية وليبيا لم تحقّقا التنمية المستدامة، بل ترتفع معدلات البطالة فيها أيضاً.

وفي الوطن العربي، أشار عربش إلى أنه، وبالمقارنة مع باقي الدول العربية، تشهد تونس والأردن انخفاضاً في نسبة المغتربين وهجرة الكفاءات قياساً بسورية. وهنا تبرز ضرورة العمل على إعادة إحياء العمل الفكري والفيزيائي وإعطاء القيمة للعمل على حساب الريع والمصادر الريعية.

 

في البرازيل.. سورية أخرى  

أكبر جالية سورية في العالم تقيم في البرازيل، وعدد أفرادها 13 مليوناً، منهم 7 ملايين من السوريين الذين تعود أصولهم إلى مدينة حمص واللاذقية، تليها الجالية في الولايات المتحدة ثم الأرجنتين. أما السبب المباشر لوجود ما يقارب 5 ملايين سوري في إسبانيا، فهو أنَّ معظم الإسبان توالدوا من العرب الذين كانوا يحكمون الأندلس. ويقدَّر عددهم بنصف عدد سكان إسبانيا. ويشكل السوريون خمس المنصهرين العرب، بسبب انحدارهم من أصول أموية هجينة. وفي حال جمع هذا الرقم مع السوريين في بقية دول العالم، نصل إلى 73 مليون شخص، منهم 35 مليوناً فقدوا هويتهم السورية، و38 مليوناً يحملون الجنسية السورية، 20 مليوناً منهم يعيشون على أرض سورية، ويتوزع الباقي على بلدان العالم.

 

مناصب وتجار.. سمعة نظيفة

تمكّن الكثير من المنصهرين في دول أمريكا الجنوبية من السوريين من الوصول إلى أرفع المناصب وأعلاها، حتى إنَّ الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم ترجع أصوله إلى سورية (جده وأبوه وأمه سوريون)، ووزير الداخلية الفنزويلي الحالي طارق العيسمي تعود أصوله إلى محافظة السويداء، بالإضافة إلى محافظ مدينة «بويرتو لكروس» الفنزويلية وليم صعب ذي الأصول السورية أيضاً. أما السوريون المقيمون في أمريكا الجنوبية، فهم من فئة التجار وأصحاب المهن الرفيعة. وجميع تقارير المنظمات الدولية والحكومات العالمية تشير إلى حسن سيرة وسلوك المواطن السوري بشكل عام. وتتمتّع الجاليات السورية في البلاد العربية والأوروبية والأمريكية بالسمعة الحسنة والسلوكات القويمة المحترمة.. فما الذي يحصل في بلادهم إذاً؟!.. لا أحد يدري.. ربما العدوى من السكان المقيمين، الذين تقدر زيادتهم السنوية، بحسب آخر إحصاءات للهيئة السورية لشؤون الأسرة، بنصف مليون نسمة.

 

هل يعودون إلى سورية؟..

يقول زياد جمال الدين (مغترب سابق): «لو درت كل البلاد وقُدّم لي كل شيء أتمنّاه، لما ساوى جزءاً صغيراً من شعوري عندما أشم هواء سورية، وبمجرد أن تطأ قدمي أرضها. فسورية (بلدي) أتذكرها تماماً بكل زواياها وبتفاصيل حياة ساكنيها حتى الصغيرة منها.. هي لا تقتصر على إدمان قهوة الصباح على الشرفة أو أرض الديار، ولا على تلك الرغبة التي تعتريك لتناول كأس شاي مع الجبنة البيضاء البلدية، ولا على النميمة ولعب الطاولة في قهوة رجالية والقهقهة في صبحية.. هي أحلام طفل يكره المدرسة ويريد أن يصبح طبيباً.. هي هموم صغيرة تكبر وأحلام كبيرة تتضاءل.. هي، باختصار، الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه، فعدنا إليه؛ لأني ومعظم المغتربين في بلاد غريبة نفتقد الحياة الاجتماعية المتماسكة التي رضعناها مع حليب أمهاتنا في بلادنا».

 

إحصائية تضمّ جميع الأفراد ذوي الأصول السورية (آباء أو أجداد منصهرون)، وكذلك من يحملون الجنسية السورية:

 

الدولة              عدد السكان      عدد السوريين        النسبة للسكان   

لبنان                   6.000.000             800.000                13.3 %

الولايات المتحدة    350.000.000         8.000.000               2.28 %

كندا                    38.000.000           4.000.000             10.52 %

المكسيك           120.000.000           600.000                  0.5 %

كولومبيا              45.000.000            1.500.000              3.33 %

فنزويلا                30.000.000            1.500.000                 5 %

البرازيل         200.000.000          13.000.000               6.5 %

 الأرجنتين     45.000.000             6.000.000                 13.3 %

استراليا         25.000.000         100.000                    0.4 % 

الكويت         3.000.000            500.000                 16.67 % 

السعودية     27.000.000           700.000                  2.59 % 

الإمارات        4.000.000             150.000                  3.75 % 

ايطاليا         70.000.000            100.000                 0.14 % 

بريطانيا        70.000.000               650.000                 0.71

 

ثلاثة أخماسهم  من حملة الشهادت العليا وألادمغة

 د.جمال باروت

يعمل الطبيب "سمير عيسى" في السعودية، ويدير مستشفيات زراعة الكبد هناك على حين تنتظر سورية أن تملك مستشفاها الوحيد المتخصص بزراعة الكبد قريبا.

ليس «عيسى» الطبيب الوحيد العامل في الخارج رغم أنه عضو هيئة تدريسية في جامعة حلب ولكنه واحد من مئات بل آلاف المتعلمين والباحثين السوريين في الخارج منهم من قد يعود كما حال «عيسى» والعاملين في الخليج العربي ولكن هناك من استقر في بلده الجديد وخاصة في أوروبا وكندا وأميركا ويعملون هناك مع عائلاتهم.

فقد قدرت دراسة الخبير والباحث الاجتماعي السوري محمد جمال باروت نسبة المهاجرين السوريين ممن هم في المستوى التعليمي الثالث (الجامعي وما فوق) إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في عام 2000 بأنها تشكل (35.1%) من إجمالي عدد المهاجرين السوريين حتى ذلك العام، وبينت دراسات منظمة الهجرة والتنمية في الأمم المتحدة أن نسبة السوريين أولئك تشكل 0.9% من مجمل المهاجرين الأجانب في بلدان منظمة التعاون والمقدرة نسبتهم ب(11.8%).

24 ألف طبيب سوري في أميركا وألمانيا

لكنها تنوه إلى أن نسبة 3.7% من هؤلاء المهاجرين، توازي أقرانهم في سورية، مقتربين في ذلك من نسبة مهاجري المستوى التعليمي الثالث في مصر إلى أقرانهم والمقدرة ب(3.6%)، على حين قدرت نسبة من يحملون الشهادة الثانوية وما فوق التعليم الثانوي ب(31.12%) من ذلك الإجمالي، ونسبة من هم دون التعليم الثانوي ب(33.8%) من المهاجرين ويعني ذلك على مستوى الاتجاه العام أن نسبة هجرة الكفاءات، ومن هم في طور الكفاءات وفق مؤشر مستوى التعليم تشكل أكثر من ثلاثة أخماس المهاجرين السوريين إلى دول OECD، بما يتسق مع اتجاه جذب دول تلك المنظمة والدول الغربية عموماً للكفاءات في العالم.

بينما قدرت دراسة للبنك الدولي أن عدد المهاجرين السوريين الذين تلقوا تعليماً ثلاثياً (جامعياً)، أي كل مراحل تعليمهم في سورية يمثلون سنويا (5.2%) من إجمالي عدد المهاجرين السوريين حتى عام 2005 المقدر وفق تلك الدراسة ب(480.708) مهاجرين أو (2.5%) من إجمالي عدد السكان، وأن نسبة الأطباء السوريين المهاجرين الذين أتموا تعليمهم الطبي في سورية تقدر سنوياً ب(9.5%)من عدد الأطباء الخريجين.

الواقع يشير إلى أن نسبة الأطباء المهاجرين الذين تلقوا تكوينهم في سورية قد تفوق هذا التقدير الذي لا يشمل في الواقع سوى الأطباء السوريين المهاجرين إلى بعض بلدان منظمة التعاون والتنمية، ولا يشمل الأطباء السوريين المهاجرين إلى دول مجلس التعاون ولاسيما إلى المملكة العربية السعودية.

إذا كان ارتفاع نزيف مخزون سورية من الأطباء هو الوجه الآخر لزيادة معدل تخريج كليات الطب لهم بعد تخريج كلية الطب في جامعة حلب عام 1974 وكلية الطب في جامعة تشرين للدفعة الأولى، ما يدفع إلى القول بشكل معقول حسب تعبير باروت «نسبة الأطباء المكونين في النظام التعليمي السوري الذين يهاجرون من سورية هي أضعاف النسبة المحددة بالتقرير المتوسطي للهجرة»، وكمثال مقطعي تبين مصادر الجمعية الطبية العربية الأميركية أن عدد الأطباء السوريين في الولايات المتحدة الأميركية يفوق 6 آلاف طبيب من أصل نحو 15 ألف طبيب عربي ويحتل الأطباء السوريون والمصريون المرتبة الأولى في عدد الأطباء العرب على حين يقدر عدد الأطباء السوريين المقيمين في ألمانيا 18 ألف طبيب من أصل عدد الجالية السورية والمقدر ب95 ألفاً.

 

هجرة الأدمغة سلبية على سورية

مثل هذه الهجرات تكون إيجابية حين يتمكن بلد الإرسال من إعادة استقطاب عقوله وكفاءاته المهاجرة مباشرة أو بشكل غير مباشر، والمؤهلة لعملية نقل المعرفة في مرحلة دخول الاقتصاد العالمي عصر اقتصاد المعرفة، وتشابك الأسواق وانفتاحها وتنافسيتها.

بينما تكون الهجرة سلبية عندما تكون سياسيات الاستقطاب تلك غير ناجحة مع اتباع الدول لسياسات تحرير اقتصادية عامة وتحرير التجارة بشكل خاص، والتي تفترض مواجهة تحديات السوق المتشابكة التي باتت أكثر تعولماً من أي وقت مضى، وفي ضوء ما سبق يمكن أن «نقيم أن الأثر الصافي لهجرة الأدمغة والكفاءات السورية سلباً» بحسب تعبير باروت، الذي تابع «يمكن القول بصفة عامة إن الأثر السلبي لهجرة الأدمغة والكفاءات على مخزون أي بلد من رأس المال المعرفي والبشري يكون واضحاً وكبيراً حين تكون نسبة خريجي التعليم التقني والعالي ولاسيما في اختصاصات العلوم الدقيقة متدنية أو متوسطة».

بينما يكون أقل سلبية حين تكون نسبته مرتفعة كما في الهند والصين مثلاً وهذا ما ينطبق إلى حد كبير على حالة سورية، ففي المنظور المقارن لهجرة الأدمغة والكفاءات السورية مع نظيرها في دول المنطقة تبدو هذه النسبة متدنية حين تحتل سورية المرتبة السابعة (3.7%) في هجرة الكفاءات التي أتمت التعليم الثالث (الجامعي) بين ثماني دول عربية وهي قريبة من مصر التي تحتل المرتبة الثامنة (3.6%) بالقياس إلى المغرب (19.5%) والجزائر (15%) وتونس (14%) والعراق (7.6%)، والسودان (4.4%) ولكنها تبدو مرتفعة في إطار المنظور النسبي مع الأخذ بالحسبان أن هذه النسبة تشمل الكفاءات المهاجرة إلى بعض منظمات التعاون والتنمية فقط في عام 2000 ولا تضم المهاجرين إلى دول مجلس التعاون الخليجي التي تتسم بتركز قدر كبير من الكفاءات السورية في أسواقها،

إلا أنها تبدو مرتفعة في التقييم النسبي في ضوء ندرة الأدمغة (رأس مال معرفي) والكفاءات (رأس مال بشري) السورية، ودخول سورية من نحو عقد تقريباً في ما يمكن تسميته مرحلة التصحر العلمي من جهة وارتفاع وتيرة تراجع عدد الخريجين السوريين في تخصصات العلوم الدقيقة والتخصصات التقنية العليا والوسيطة أو المساعدة التي تعتبر -الوسيطة- رغم كثرة معاهدها في سورية ومن أكثرها فاقداً في سورية بمعدلات تتراوح بين 82% في معاهد وزارة التعليم العالي وبين 69% للوزارات الأخرى على حين يشكل طلاب المعاهد المتوسطة ما لا يقل عن 22.8% من طلبة التعليم ما بعد الثانوي.....

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ