ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

هل في الإمكان استئناف عصر النهضة؟

سعيد العلوي

الشرق الاوسط

30-9-2010

يجنح الكثير من المثقفين العرب في السنوات الأخيرة إلى الحديث عن «النهضة العربية الثانية»، تمييزا لها عن النهضة الأولى التي يوصف بها فكر المفكرين العرب، مسلمين ومسيحيين، في الفترة الممتدة بين أربعينات القرن التاسع عشر ومنتصف ستينات القرن الماضي. والحديث على النحو المذكور يحمل، من جهة أولى، حنينا إلى عصر سمته - في وعينا الآن - العقلانية والتنوير كما يفيض، من جهة ثانية، بالأمل في مستقبل أفضل يجاوز حالتي الركود والتقهقر اللتين تغلبان على فكرنا اليوم. والحديث عن «استئناف» الجهد الفكري الذي بذله رجال «عصر النهضة» يستمد شرعيته عند مفكرينا العرب المعاصرين من كون المعضلات التي جابهت الفكر العربي منذ المائة والخمسين سنة الماضية هي التي لا تزال تجابهه اليوم أيضا (الاستبداد، التأخر التاريخي، العجز عن إحداث تجديد في الدين كفيل بجعله موائما للعصر، الإصلاح الشامل للمنظومة التعليمية، الإفادة مما عند الغرب من الأسباب الحقيقية للتقدم...). الحق أن شرعية الحديث موجودة، فالمشكلات المشار إلى البعض منها لا تزال قائمة، إن لم نقل إنها قد ازدادت تفاقما، فنحن لا نزال نواجه بقضايا نتوهم أن الحسم فيها قد تم منذ عقود كثيرة، في حين أن الواقع يكذب ذلك بالجملة. الحق كذلك أن الفكر العربي المعاصر، منذ ستينات القرن العشرين، قد شهد انتكاسات وعرف أشكالا كثيرة من التدهور تجعل ذلك الفكر أقرب إلى عهود الانحطاط منه إلى الأزمنة المعاصرة، وبالتالي فهو في ابتعاد شديد عن الروح التي وسمت عصر النهضة. غير أن ذلك لا يعفينا من طرح السؤال الواضح التالي: هل في إمكاننا اليوم أن نتابع مسيرة قطعها أجداد لنا منذ قرن ونيف؟ وبعبارة أخرى فنحن نتساءل: هل في وسعنا حقا «استئناف» عصر النهضة؟

لا غرو أن في قولنا نعم إنكارا للتاريخ ولصيرورته معا، فالتاريخ نهر متدفق لا يسع أحدا أن يستحم فيه مرتين. نحن في غنى عن التدليل على وجوه المغايرة بين حالنا بالأمس وحالنا اليوم، وفي غنى عن الإبانة عن أوجه الاختلاف بين العالم في مجموعه عشية القرن العشرين، والغرب منه خاصة، والحال في أيامنا هذه. إن «الاستئناف»، في معنى الاستعادة أمر متعذر إذن، بل مستحيل، غير أن الاستلهام ممكن بطبيعة الأمر، استلهام فكر النهضة والاستمداد من العطاء التنويري لرجالها. ربما وجب أن نقول بلغة الفقهاء إن الاستمداد واجب. إن فكر النهضة يجد مكانه في مخزوننا المعرفي جنبا إلى جنب مع ابن خلدون، والماوردي، وكذا مع المعتزلة والحنابلة ومع البيروني وأبي الحسن العامري... وباقي مفكري الإسلام. وحيث كان كذلك فنحن نطرح السؤال العملي المباشر: أي القضايا، مما عرض له الفكر العربي في عصر النهضة، تستوجب الاستدعاء أكثر من غيرها؟ وبعبارة أخرى: ما القضايا التي نرى فيها تشابها مع تلك التي جابهت مفكرينا في الفترة المذكورة أو بالأحرى، أي منها تكتسي صبغة الاستعجال؟

الرأي عندنا أن أكثر تلك القضايا خطورة وأهمية في يومنا هذا ثلاث. الأولى هي الدين في صلته بالعصر. والثانية هي قضية الصلة مع الغرب: على أي نحو يلزم لتلك الصلة أن تكون؟ والقضية الثالثة تتصل بالتعليم والنحو الذي يتعين أن يكون بموجبه إصلاح نظمنا التعليمية حتى نكون في تجاوب مع العصر فنضمن لأولادنا العيش الكريم مع الحفاظ على شخصيتنا الحضارية.

لم يقف الإصلاحيون المسلمون النهضويون عند حدود النقد السلبي ولم يكن حديثهم مجرد تأس على الانحراف عن المحجة البيضاء كما يرى خصومهم ذلك، بل إنهم بادروا إلى تقصي سبل الاجتهاد حتى يظل الإسلام (كما يفهمونه) دعوة إلى إعمال العقل وإلى الحضور الإيجابي في العالم. لذلك فهم، بالجملة، قد سلكوا مسلك الدعوة إلى توخي المصلحة التي كان شرع الله دفاعا عنها ومن ثم وجدوا ضالتهم في الشاطبي وآرائه في مقاصد الشريعة، ومن ثم كانت دعوة محمد عبده إلى وجوب إحياء تراث صاحب «الموافقات». وأحسب أن العبرة في الرجوع إلى الكيفيات التي ساءل بها رجال الإصلاح في عصر النهضة الإسلام وقدرته على مواكبة العصر جلية واضحة.

أما القضية الثانية (الصلة مع الغرب) فالعبرة فيها في الرجوع إلى أسئلة الإصلاحيين العرب - مسلمين وغير ذلك - ظاهرة للعيان. سلك مفكرونا النهضويون مسلكا ديدنه الأخذ بما عند الغرب من أسباب «التمدن» وأسس «الرقي» (حتى نستعيد مفردات عصر النهضة). كان الاختلاف بين مفكرينا آنذاك اختلافا في درجة الأخذ والاقتباس، أما المبدأ ذاته، فلم يكن أبدا موضع اختلاف: لا فرق في ذلك بين الطهطاوي والشدياق أو بين عبده أو الكواكبي والشميل وسلامة موسى وطه حسين ثم علال الفاسي ومالك بن نبي. شتان ما بين من ذكرنا من أمثلة وأشخاص وبين دعاوى الرفض والدعوة إلى هجر «الغير» والانكفاء على الذات والقول بالتقابل المطلق بين «فسطاط الكفر» من جهة و«فسطاط الإيمان» من جهة أخرى.

أما التعليم، قضية القضايا، في «عصر النهضة» فالناظر اليوم في أحاديث رجال الفترة المذكورة يجد مادة لتأمل خصب في المعضلات العسيرة التي تتصل بإصلاح المنظومة التعليمية العربية. ذلك ما نجده في دعاوى الإصلاحيين العرب (إصلاح الأزهر، إصلاح القرويين...) وفي أحاديث غيرهم في التعليم. إنها، والحق يقال، مادة لفكر عميق تلك التي نجد عند طه حسين في «مستقبل الثقافة في مصر» وفي مؤلفات أخرى غير ذلك.

صفوة القول، إننا نكسب الكثير من استلهام الدرس النهضوي التنويري كما بثه في الصدور ونشره في الكتب والأندية مفكرون صدروا عن رؤى مختلفة مع اجتماعهم عند هاجس واحد: هاجس الإصلاح وعدم الرضا عن واقع كانوا يؤمنون بأنهم يستحقون حالا أفضل منه وبأنهم يملكون القدرة على الانتفاض والمطالبة بالتغيير. نعم، لا سبيل ممكنة، وجوديا وتاريخيا معا، إلى استئناف عصر النهضة. لكن لا مانع، بالمقابل، يحول دون استلهام روح ذلك العصر، اليوم وقد اغتنينا بتجارب مريرة كثيرة من الفشل والخيبة. فحيث كانت المعضلات العظمى لا تزال، في العمق، واحدة وحيث كان فكر النهضة يفيض بالصدق والأمل معا، فإن استدعاء فكر النهضة استدعاء يتوخى العظة والعبرة يكون مطلبا محمودا. فما أحوجنا الآن في النصوص التي نقدمها للناشئة في مدارسنا أن تشتمل على نماذج من الفكر التنويري لعصر النهضة. هل نضيف أيضا أن من نصوص المرحلة ما يصح اعتباره، بمقاييس البلاغة العربية، دررا تستحق الالتفات إليها؟ جماليات كثيرة يجدها القارئ لنصوص أحمد لطفي السيد ومحمد عبده والحجوي وطه حسين والفاسي وغيرهم كثير.

حيثما وجهنا الحديث عن النهضة فهو يعود بنا إلى القضية الأساس: قضية التعليم والتكوين. كذلك كان الشأن عند اليابانيين في الفترة التاريخية التي توازي «عصر النهضة» عندنا. وكذلك كان الشأن عند عموم دول أوروبا في القرن التاسع عشر أيضا. لا، بل إن القضية هي ما العالم منشغل به اليوم أشد ما يكون الانشغال. إنها دليل على وجود الأزمة وإرادة مجاوزتها معا. ذاك هو المغزى البعيد لنهضة تريد أن تكون دوما نهضة متجددة.

================

من ينقذ وحدة السودان قبل فوات الاوان؟

د. يوسف نور عوض

2010-09-29

القدس العربي

يتركز الحديث في السودان في الوقت الحاضر حول إجراءات استفتاء الجنوب المنتظر بعد ثلاثة أشهر ونيف، ونادرا ما يتطرق الحديث في السودان إلى مشروعية الاستفتاء ذاته وما إذا كان ضروريا في هذه المرحلة من تاريخ البلاد؟

ولكن ما نلحظه هو أن بعض المسؤولين بدأوا يثيرون قضايا تتعلق بالمشكلات التي سيواجهونها بعد إتمام الاستفتاء، غير أنهم ينظرون إليها من زاوية واحدة، وهي زاوية الدولة الموحدة حتى وإن جاءت نتائج الاستفتاء على غير ذلك..

ويبدو ذلك واضحا في بعض المواقف التي عبر عنها ياسر عرمان الأمين العام المساعد للحركة الشعبية، وهو مواطن شمالي انضم للحركة الشعبية عندما كانت تحارب بقيادة جون جرنق، واعتبر الكثيرون في ذلك الوقت مواقف ياسر عرمان مواقف مبدئية تخصه وقدروا له ذلك، ولكن حتى بعد توقيع اتفاقية نيفاشا استمر ياسر عرمان في تبني مواقف الحركة الشعبية دون تعديل، وهو مستمر في الوقت الحاضر في مهاجمة مواقف أولئك الذين يدعون إلى عدم تمتع الجنوبيين المهاجرين في الشمال بحقوق الجنسية الكاملة في حال قرر الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء المقبل، مشيرا إلى أن كثيرا من الدول المتقدمة تقبل مبدأ الجنسية المزدوجة، ولم يتوقف ياسر عرمان في موقفه ليتساءل لماذا يطالب بهذا الحق للجنوبيين إذا كانوا سيقررون طواعية مبدأ الانفصال الذي لن تتوقف تداعياته عند مسألة حق الجنسية فقط بل تتجاوزها إلى كثير من الأمور الاقتصادية والأمنية المتعلقة بعلاقة البلدين المنفصلين. وهنا لا نذهب بعيدا بل نتوقف عند تصريحات وزير الإعلام السوداني كمال عبيد الذي عبر عن موقف الحزب الوطني الحاكم الذي أكد أنه لن تكون للجنوبيين أي حقوق في الشمال إذا ما تم الانفصال، وقالت مصادر الحزب الوطني انها تريد أن تبصر بذلك الحركة الشعبية والجنوبيين بمخاطر الانفصال وما يتوقعونه إذا كانت نتيجة الاستفتاء المقبل رفض الوحدة والاستمرار في دولة السودان.

من جانبه قال 'وليد سيد' مدير مكتب الحزب الوطني في القاهرة إن مثل هذه التصريحات موجهة لكشف التضليل الذي تمارسه الحركة الشعبية تجاه مواطني الجنوب، وأكد أنه إذا تركت الحرية لمواطني الجنوب فإنهم سيكونون قادرين على إتخاذ الموقف السليم.

ولا يبدو أن مثل هذه الآراء تجد أذنا صاغية عند قادة الحركة الشعبية والإنتلجنسيا الجنوبية التي لا تفكر في شيء خلال هذه المرحلة سوى تحقيق الانفصال من أجل بسط سيطرتها، وهي ترفض أن تنظر إلى قضية الجنوب بموضوعية، ويظهر ذلك واضحا في آراء 'رياك مشار' نائب رئيس حكومة الجنوب الذي طالب بتطبيق اتفاق الحريات الأربع المطبق مع مصر في حال قرر الجنوب الانفصال، وهذا الاتفاق يتيح لمواطني البلدين حقوقا متساوية، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يسعى الجنوبيون لتحقيق الانفصال، فهل هم قادرون على أكل الكيكة والاحتفاظ بها كما يقول المثل الإنكليزى؟

والغريب أن بعض القياديين الجنوبيين يعتقدون أن ازدواجية المواطنة ستكون في صالح الشمال كما يقول 'أتيم قرنق' نائب رئيس البرلمان والقيادي بالحركة الذي أكد أن نحو ستة ملايين شمالي يرعون الماشية في الحدود بين الشمال والجنوب، وذلك بالطبع أمر يدعو إلى التفكير في اتجاه استمرار الوحدة لا الانفصال، ومع ذلك فما زالت هناك مواقف مهادنة في شمال السودان لا تتخذ مواقف رافضة لاتجاهات الجنوبيين بصورة واضحة، ولكن بكل تأكيد فإن المواقف الرسمية في شمال السودان تشجب التدخلات الخارجية وتطلب من بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة رفع يدها عن السودان، كما جاء في حديث وزير الخارجية علي كرتي أمام الجالية السودانية في واشنطن، إذ قال الوزير إن أمريكا لم تعد وسيطا محايدا في قضية جنوب السودان كما أن القمة التي عقدها الرئيس 'باراك أوباما ' أخيرا بشأن السودان لم تكن من أجل السودان وإنما لخدمة أهداف سياسية داخلية.

ويبدو في ضوء ذلك أن المواقف ما زالت مضطربة بشأن ما سيجري في جنوب السودان في الأشهر المقبلة، ويبدو ذلك واضحا من خلال تبادل المسؤولين في شمال السودان وجنوبه الاتهامات بشأن نشر القوات العسكرية في الحدود المشتركة بين الشمال والجنوب، ولا شك أن مجرد إثارة مثل هذه الاتهامات يثير تساؤلا ما إذا كنا نتحدث عن بلد موحد أم أننا نتحدث عن بلدين منفصلين، فقد رأينا بعض المسؤولين الجنوبيين يقولون إن الشمال يحشد نحو سبعين ألف جندي في الحدود المشتركة من أجل الاستيلاء على المناطق المنتجة للنفط في جنوب السودان، وفي الوقت ذاته يرد حزب المؤتمر الوطني باتهامات مماثلة إذ يزعم أن الجنوبيين يحشدون قوات كبيرة في المناطق المتنازع عليها، والغريب أن هذه الاتهامات تأتي بعد أيام قليلة من اللقاء المشترك بين قادة جنوبيين وشماليين مع الرئيس الأمريكي 'باراك أوبااما 'وبعض زعماء دول أخرى في الأمم المتحدة وثمة في الوقت ذاته تحركات تثير كثيرا من الشكوك إذ ذكرت مصادر غربية أن حكومة جنوب السودان بدأت في توزيع أسلحة على المليشيات في ولاية غرب الاستوائية بدعوى مواجهة جيش الرب، كما صرح بذلك 'جوزيف باكاسو' والي ولاية غرب الاستوائية الذي قال إن ولايته ستوزع أسلحة بقيمة مليوني دولار لهذا الغرض، وقبل التساؤل عن الغرض فإن هناك تساؤلا مهما هو كيف وفرت هذه الولاية هذا المبلغ الكبير من أجل شراء الأسلحة، وهل يشكل شراؤها ا أسبقية عند والي هذه الولاية بينما الكثير من المواطنين يعانون من الفقر والفاقة والجوع؟ والغريب أن برلمان جنوب السودان خصص مليوني دولار أخرى من أجل تدريب هذه المليشيات. أما منطق حكومة الجنوب فهو أن الحكومة في شمال السودان هي التي تدعم جيش الرب من أجل زعزعة الاستقرار في جنوب السودان. ولكن المنطق يقول إن الاستعداد بهذه الأعداد الكبيرة من القوات لا يمكن أن يفسر إلا على أنه تقوية لنزعات الانفصال في جنوب السودان.

ولا أريد أن أزعم في كل ما ذهبت إليه أن السودان يواجه حربا بين الملائكة والشياطين، لأنه لا توجد ملائكة ولا توجد شياطين، والمسألة لا تعدو أن تكون قصورا في الخيال الاجتماعي والرؤية السياسية، وهو قصور سببته تراكمات تاريخية طويلة لم يعمل الطرفان في شمال السودان وجنوبه على إزالتها، فمن ناحية ما زال الجنوبيون يشتكون من اضطهاد عنصري وديني ويرون أنه لا وجود لأرضية مشتركة مع الشماليين، ومن الناحية الأخرى فإن تاريخا طويلا عند السكان في شمال السودان رسخ عندهم النزعات القبلية والطائفية والتفوق العرقي والانتساب إلى واقع إثني لا جذور له في أرض السودان ذاتها، والغريب أن هذا الواقع أصبح ثقافة سائدة في السودان، وهي ثقافة لا تخدم غرضا ولا يوجد ما يؤكد حقيقتها في الواقع العملي، وحتى لو كان هناك ما يؤكدها فنحن نعيش في عالم حديث تنتفي فيه العرقيات والعنصريات التي ينبغي ألا تكون أساسا في بناء الدول

وهنا لا أريد أن أقول إن الوقت أصبح متأخرا لتجاوز هذا الواقع بل أقول إن الاستمرار فيه سيعرض مستقبل الوطن السوداني كله إلى أخطار جسيمة، أقلها تفكيك هذه الدولة الكبيرة وتحولها إلى مجتمعات متحاربة، والغريب أن العالمين العربي والأفريقي يعلمان هذه الحقائق ومع ذلك لا يتحركان من أجل القيام بجهود الإنقاذ قبل فوات الأوان، ذلك أن تفكيك السودان ستكون له تداعياته في كثير من الدول الأفريقية والعربية وهو ليس ضروريا في جميع الحالات ولن يكون الوسيلة لإقامة دولة خيالية يطمح الكثيرون إلى تحقيقها في الوقت الحاضر في السودان.

================

الانسحاب الأمريكي من العراق والشرق الأوسط الجديد

آخر تحديث:الخميس ,30/09/2010

يوسف مكي

الخليج

الشرق الأوسط الجديد هو المشروع الأمريكي الذي تبناه المحافظون الجدد, وقد اعتبرت ما دعي بالحرب على الإرهاب، واحتلال أفغانستان والعراق، أحجار الركن في هذا المشروع . والآن وقد جرى الإعلان عن إنهاء العمليات القتالية الأمريكية في أرض السواد، تطرح أسئلة ملحة في هذا السياق: ماذا يعني الانسحاب الأمريكي من العراق؟ هل يعني ذلك هزيمة عسكرية وسياسية للمشروع الأمريكي الكوني للقرن الحادي والعشرين، المعبّر عنه بالشرق الأوسط الجديد؟ بمعنى آخر، هل يعتبر الانسحاب في الجانب العملياتي تراجعاً عن المشروع؟

 

في حديث سابق، قلنا إن الاحتلال لا يستهدف بالضرورة، إبقاء القوات العسكرية في الأراضي المستهدفة . يكفي المحتل، أن ينجز أهدافه الاستراتيجية ويخضع البلد المحتل لسياساته ومصالحه الاقتصادية، وجملة الأهداف الأخرى التي دفعت به للغزو .

 

وإذا كان هدف الاحتلال الأمريكي للعراق، هو القضاء على قوة العراق العسكرية، وتفتيت وحدته الوطنية، وتأمين تدفق النفط وفقاً للسياسات الأمريكية، وإخراج العراق، من دائرة الصراع العربي مع الصهاينة، فإن المشروع الأمريكي، نجح من دون شك في مصادرة العراق كياناً وهوية . كما نجح في تحييد قوته العسكرية، ولم يعد له حضوره وثقله في صراع العرب مع الكيان الغاصب . ونجح أيضاً، وإن كان ذلك بشكل مؤقت في تسعير الصراعات الطائفية، وتعميم الفوضى، وسيادة قانون الغاب، والقتل على الهوية، وتحويل مدن العراق إلى كانتونات متناحرة . كما نجح في إعادة العراق القوي والمتلاحم إلى العصر الحجري، وبناء “عراق جديد”، يستمد حضوره من توافقات الإثنيات والطوائف وليس من علاقات تعاقدية بين مواطنين أحرار، تحكم علاقاتهم المساواة والندية والتكافؤ .

 

لكن المشروع الأمريكي لشرق أوسط جديد، فشل في التحرك بخطى سريعة، في تطويق المنطقة بأسرها، كما وعدت وأملت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن . لقد كان المؤمل أن يتم احتلال العراق، ويجري تنفيذ العملية السياسية فيه بسرعة . ثم يتم التحرك بسرعة لإخضاع بقية دول المنطقة . وكان بعض القادة الأمريكيين قد ساورهم الوهم بأن العراقيين سيرفعون الرايات البيضاء ويستقبلونهم بالزغاريد والرياحين . ولكن المقاومة العراقية، تكفلت، منذ لحظة الاحتلال بإيقاظهم من غفلتهم .

 

اكتشف الأمريكيون أن احتلال العراق لم يكن نزهة، وأن التكاليف البشرية والاقتصادية عالية جداً . لكنهم حين اكتشفوا ذلك، كانوا قد غرقوا فعلاً في أقسى أزمة اقتصادية تعرضوا لها منذ نهاية العشرينات من القرن المنصرم، تركت ظلالها ثقيلة وكئيبة على العالم بأسره . لقد أراد الأمريكيون من احتلال العراق، السيطرة على خزائن الأرض، فوجدوا أن خزينتهم أضحت خاوية، وحينها لم تسعف تداعيات اللحظة، مجموعة المحافظين الجدد للتراجع عن مشروعهم، ووجدوا أنفسهم عاجزين عن فعل أي شيء لتجاوز الكارثة .

 

فالجيش الأمريكي واحتياطيه جرى استنزافهما بالكامل، حيث نشر الأمريكيون منذ العام 2001 جل قوتهم العسكرية، لتأمين احتلالهم للعراق وأفغانستان، بما يعني أن العمق الأمريكي أصبح مكشوفاً، خاصة أن جميع الوحدات العسكرية التي أرسلت إلى ميادين الحرب، وأعيدت إلى الوطن الأم، أنهكت قواها، ولم تعد قادرة على العمل من دون إعادة تهيئة وتأهيل .

 

في هذا السياق، أفصح عدد من المراقبين السياسيين، أن الوجود الأمريكي في العراق حد من قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ قرارات مهمة في مواضيع إقليمية ودولية مهمة, وأن انسحاباً جزئياً ربما يسهم في تحسين القدرات السياسية الأمريكية، في اتجاهات أخرى .

 

الانسحاب الأمريكي من العراق، لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن الأمريكيين قد تراجعوا عن مشروعهم للقرن الواحد والعشرين . يكفي أن نطل على ما يجري حالياً في مسارح الحروب والمواجهات، في اليمن والعراق وفلسطين والصومال والسودان وموريتانيا وأفغانستان وباكستان، ليتأكد لنا أن الأمريكيين يصارعون بقوة لتثبيت مشروعهم في تفتيت هذه البلدان وإخضاعها، بما يعني أنهم لم يقرروا بعد التراجع عن مشروع الهيمنة الكوني الذي تبناه المحافظون الجدد، في مطالع هذا القرن .

 

شعور العراقيين بعمق الكارثة، وبفداحة ما جرى في أرض السواد، وأن الأمريكيين جاءوا إلى العراق، لكي يبقوا فيه طويلاً، ربما يفسر حيادية العراقيين الواضحة، تجاه القرار الأمريكي بالانسحاب العسكري من العراق . المنطقي والمتوقع هو أن يكون الإعلان عن هذا القرار، خطوة مرحباً بها من قبل غالبية العراقيين، اتساقاً مع تطلعات جميع الشعوب في الحرية وحق تقرير المصير . وبالتأكيد فإن تأسيس جيش وطني عراقي قوي، وحكومة نزيهة مقتدرة، بعيدة عن الاصطفاف الطائفي هو مطلب قومي ووطني ملّح . لكن العراقيين لا يثقون بالوعود الأمريكية، بعد أن جربوا مرارتها لأكثر من عقدين، من عمر الحصار والاحتلال .

 

إن ما جرى في مدينة الفلوجة، من خرق لإعلان الإدارة الأمريكية عن توقف الجيش الأمريكي عن المشاركة في العمليات العسكرية داخل العراق يثير قلق العراقيين، ويجعلهم لا يثقون بالوعود الأمريكية بتوقف جيوشها عن القتال في الساحة العراقية .

 

إضافة إلى ذلك، هناك ارتباك وتناقض واضحان في التصريحات الأمريكية . فمن جهة، تتكرر الأقوال عن برامج انسحاب شامل للقوات الأمريكية من العراق . ومن جهة أخرى، يتم الكشف عن إقامة سبع قواعد عسكرية أمريكية دائمة في العراق، ومدها بكافة التجهيزات . والتناقض هنا واضح وصريح بين نية الانسحاب الشامل وقرار الأمريكيين البقاء طويلاً في العراق . وهناك معلومات تؤكد أن “البنتاغون” أتمت بناء نظام اتصالات عسكرية مستديمة في العراق . هذه الشبكة تسمى “نظام ميكروويف العراق المركزي-CIMS” ونفذتها شركة “غالاكسي ساينتفك كوربوريشن” . وهذه الشبكة الدائمة تعني أنه حتى لو انسحبت القوات الأمريكية فإن أعداداً كبيرة منها ستبقى في قواعدها التي أحصاها موقع “غلوبل سيكيوريتي” العسكري الأمني ب12 قاعدة دائمة في كافة أنحاء العراق, وكان الكونجرس الأمريكي قد خصص مبلغ 236 مليون دولار لبناء قاعدة عسكرية دائمة جديدة أخرى .

 

إن ذلك يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الانسحاب من العراق هو خطوة تكتيكية، وأن الانسحاب لن يكون نهائياً وكاملاً، وذلك يتسق مع ما أعلنته الإدارة الأمريكية من أنها سوف تستعيض عن وجود هذه القوات بالتعاقد مع شركات أمنية أمريكية، مثل “بلاك ووتر”، تضطلع تحت مسميات أخرى بنفس الدور الذي اضطلعت به القوات الأمريكية المنسحبة . وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الاتفاقية الموقعة بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية، تجيز بقاء قوات أمريكية في العراق، فإن الانسحاب العسكري لن يكون نهائياً .

 

قرار الانسحاب على هذا الأساس، يبدو تكتيكياً، ومفهوماً جداً، في ظل المعطيات والظروف الإقليمية والدولية التي تمر بها المنطقة، وبخاصة تداعيات الملف الإيراني . إنه يأتي متزامناً مع تصعيد أمريكي للغة الهجوم ضد إيران، والحديث عن احتمالات مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة .

 

ويأتي الحديث عن عجز القوات العراقية، من التصدي لأي تحديات خارجية، وهو ما أشار إليه الجنرال جورج دبليو كيسي ليؤكد المسار التكتيكي لهذا الانسحاب . فقد ذكر الجنرال المذكور أن “هناك كتيبة عراقية واحدة فقط، تستطيع القتال دون مساعدة من الولايات المتحدة، وأن العراق بحاجة إلى 40 كتيبة إضافية على الأقل كي يستطيع قيادة عمليات مكافحة المقاومة، ليس بمفرده ولكن بمساعدة أمريكية . كما يأتي متسقاً تماماً مع تصريحات قائد قوات الاحتلال الأمريكي، الجنرال أوديرنو الذي أعلن مع عدد من زملائه أن قواته قد تبقى لسنوات حتى تطمئن إلى قدرة القوات العراقية على الإمساك بزمام الأمور .

 

من المؤكد أن انسحاباً أمريكياً جزئياً للقوات العسكرية سيتيح للإدارة الأمريكية هامشاً أكبر من المناورة في ما يتعلق بمواجهة التحديات المعلنة مع إيران وكوريا الشمالية، وإسناد الكيان الصهيوني في مخططاته ضد سوريا ولبنان على الصعيد الدولي، وسيضع المقاومة العراقية أمام امتحان عسير وصعب، تجاه مواجهة احتمالات التدخل العسكري الإيراني المباشر في شؤون العراق .

 

ويبقى أن نؤكد أن مستقبل العراق، شأن يخص العراقيين وحدهم بالدرجة الأولى، لكنه يمس في الصميم خاصرة الأمن القومي العربي . والدفاع عن عروبة العراق وحريته واستقلاله ينبغي أن يكون مسؤولية العراقيين والعرب . ومن غير شك، فإن غياب هذا البلد العريق عن منظومة العمل العربي المشترك يترك فراغاً أمنياً وسياسياً كبيراً، ويعني تآكلاً لمنظومة الأمن العربي، وهو أمر ينبغي أن يتفاداه المخلصون من أمة العرب .

================

الصين تبني أكبر قوة بحرية في التاريخ

آخر تحديث:الخميس ,30/09/2010

جميل مطر

الخليج

في عام 2002 وقعت الصين مع بقية الدول الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا على إعلان بالتزام الحيطة وضبط النفس في التعامل مع كل قضايا المنطقة ومشكلاتها . وفي عام ،2010 وبالتحديد منذ شهرين، اجتمعت الدول الأعضاء في الرابطة، وحضرت الاجتماع السيدة هيلاري وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاجتماع، لتعلن أن بلادها تنظر إلى نزاعات الدول في بحر الصين الجنوبي في إطار المصلحة القومية الأمريكية، وانضم إليها في الإعراب عن قلقها إزاء تطورات الوضع في المنطقة قادة عشر دول مجاورة للصين، شعروا أن القوة المتصاعدة للصين على أرض الواقع جعلت الإعلان الصادر قبل ثماني سنوات خالي المضمون وغير ذي معنى . لم يعد سراً أن الصين تعمل منذ سنوات على بناء قاعدة بحرية للغواصات في جزيرة هاينان وهو ما اعتبره محللون عسكريون تحولاً استراتيجياً جذرياً في العقيدة العسكرية للصين . أول معنى من معاني هذا التحول كما فسرته الولايات المتحدة هو أن الحالة الملاحية في بحر الصين الجنوبي سوف تتعرض لقيود وقد تصبح مساحة المياه التي يمكن لأساطيل الدول الأخرى أن تتحرك فيها بحرية صغيرة للغاية، إذ سيتعين إن آجلاً أو عاجلاً على كل بواخر الشحن والبوارج وحاملات الطائرات والغواصات التي ترفع أعلام الدول الأخرى إطلاع القيادة البحرية الصينية مسبقاً على تحركاتها .

 

لا حاجة بنا إلى المراهنة على صدق هذه التوقعات من عدمه فالأمر الواضح والمؤكد هو أن الصين قد واجهت العالم بأمر واقع جديد في الاستراتيجية الدولية حين أعلنت على الملأ أن بحر الصين الجنوبي بؤرة اهتمام صينية ليست أقل خطورة على أمن الصين واستقرارها من البؤرتين التقليديتين، وأعني بهما تايوان والتبت، إضافة إلى بؤرة استجدت مؤخراً في إطار صحوة جماعات إسلامية في وسط آسيا، ألا وهي إقليم سينكيانج الذي تسكنه أغلبية من شعب الإيغور المسلم .

 

لم تخف الصين انزعاجها من موقف الوزيرة هيلاري وتصريحاتها، وبخاصة تلك التي دعت من خلالها إلى “مقاربة” متعددة الأطراف لحل مشكلات الحدود البحرية في إطار منتدى أمن آسيوي يضم إلى جانب الصين فيتنام والفلبين وبروناي وتايوان وإندونيسيا، أي الدول صاحبة حقوق في هذا البحر الذي يمتد من جزيرة هاينان شمالاً إلى جزيرة بورنيو جنوباً .

 

يعكس الاهتمام المتزايد من جانب الصين ببحر الصين الجنوبي، وكذلك ببحرها الشرقي وبحر اليابان ومضايق تايوان انشغالاً طبيعياً ومنطقياً بأمنها المباشر، خاصة أن المناطق المتاخمة لهذه البحار أصبحت خلال الثلاثين عاماً الماضية أهم قواعد النمو الصناعية والتجارية في الصين إن لم يكن في كل آسيا . . يعكس أيضا توجهاً استراتيجياً أوسع نحو العالمية، خاصة أن الشواهد تدل على أن الصين تبني في الوقت الراهن قوة بحرية لعلها احتلت بالفعل الآن المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وتسعى بحزم لتقليص الفجوة الفاصلة بين المرتبتين .

 

يذكرنا متخصصون في الشؤون الصينية بأرقام لا يمكن إغفالها عند متابعة ثم مناقشة توجهات الصين العسكرية في السنوات الأخيرة . لم يعد خافياً وأن الصين تستعد، ومنذ فترة ليكون في حوزتها 78 غواصة في عام ،2020 بمعنى آخر يكون لديها عدد من الغواصات يعادل ما سيكون لدى الولايات المتحدة الأمريكية . يتوقعون أيضا أن يكون لدى الصين ما يزيد على سبعمئة قطعة بحرية مسلحة مزودة بالصواريخ وأحدث أجهزة الاتصالات والتوجيه، وهي الآن تقيم مرافئ في بلاد عديدة أهمها باكستان وبنجلاديش وسيريلانكا تقول عنها بكين إنها محطات تموين لأسطولها التجاري ومخازن لبضائعها المتوجهة إلى الشرق الأوسط وما وراءه . بمعنى آخر ترفض الصين اتهام دول الغرب لها بأنها تقيم قواعد عسكرية في تلك الدول .

 

ويميل الخبراء العسكريون من أمريكيين وبريطانيين إلى تصديق بيانات الصين عن الموانئ التي تشيدها في الخارج وأنها ليست قواعد عسكرية، ولكنهم لا يستبعدون أن تضطر الصين قريباً جداً إلى التفاوض مع دول بعينها للحصول على قواعد أو تسهيلات بحرية تحتمي فيها أساطيلها التجارية والحربية أو لتنطلق منها لمطاردة القراصنة الذين ينشطون في المياه القريبة من شرق إفريقيا ومداخل البحر الأحمر والمضايق التي تحكم طرق الملاحة في بحر الصين الجنوبي .

 

ما أشبه اليوم بالبارحة، على الأقل في المقارنة الآتية، إذ تمر الصين الآن بما مرت به بريطانيا العظمى قبل قرون حين احتاجت إلى أسطول حربي يحمي مراكبها وتجارتها العالمية . وهنا ينتهي التشابه . ففي أزمنة هيمنة التجارة البريطانية لم يكن هناك في البحار والمحيطات والمضايق قواعد عسكرية بحرية وبوارج ومدمرات لدولة أقوى وأعظم تتولى حماية سفن بريطانيا وغيرها من ناقلات التجارة الدولية . بينما في الأزمنة الراهنة تصعد الصين كقوة تجارية لها وزنها وتبحر سفنها كل البحار مطمئنة إلى أن دولة عظمى هي الولايات المتحدة تتولى حماية هذه السفن الصينية ضمن مهمتها الموكلة لها ضمناً أو انتزاعاً من المجتمع الدولي لحماية طرق التجارة العالمية . ولكن يصعب علينا أن نتصور أن الصين ستواصل نموها الاقتصادي والتجاري معتمدة على حماية الولايات المتحدة الأمريكية لتجارتها في ممرات الملاحة الاستراتيجية في العالم . سيأتي يوم لن تكون فيه الصين وشركاتها التجارية العملاقة ومصالحها الاقتصادية مطمئنة إلى الحماية الأمريكية . هنا تظهر أهمية وخطورة ما حدث في اجتماع رابطة الآسيان منذ أيام عندما تأكدت مخاوف الصين بإعلان الولايات المتحدة أن بحر الصين الجنوبي يندرج تحت مظلة التزامها أن تبقى الممرات المائية ومنها بحار الصين مفتوحة لكافة الدول وللتجارة العالمية . كان يعنيها بشكل خاص بحر الصين الجنوبي حيث تمر أكثر من ثلث التجارة البحرية العالمية، وحيث يمر نصف مجمل واردات شمال شرق الصين والكوريتين واليابان وتايوان من النفط والغاز . وللسبب نفسه لم تقبل الصين أن تتولى الولايات المتحدة حماية هذا البحر والتجارة فيه، ولتأكيد رفضها الوجود الأمريكي قامت بإجراء مناورات بحرية تثبت بها سيادتها على البحر والجزر المتنازع عليها، وبخاصة مجموعة الجزر المعروفة باسم سبارتلي وباراسيل . يعرف العسكريون الصينيون كما يعرف أقرانهم في جنوب آسيا والغرب أن حماية تجارة الصين وأساطيلها وقواعدها في الخارج تتوقف على نجاحها في تأكيد هيمنتها على مياه هذا البحر، فهو البحر الذي ستنطلق منه غواصاتها وسفنها العسكرية وبواخرها التجارية المتجهة إلى المحيط الهندي والخليج والبحر الأحمر .

 

يطلق الكاتب سيمفيندورفر “Sempfendorfer” تعبير طريق الحرير الجديد على خطوط الملاحة الصينية الممتدة من بحر الصين الجنوبي إلى أقصى نقطة عند الأمريكتين مروراً بالشرق الأوسط . يختلف هذا الطريق عن طريق الحرير القديم في أن القديم اعتمد على البر من مواقع في غرب الصين مروراً بوسط أسيا حتى غربها وجنوب أوروبا، بينما يعتمد الطريق الجديد على البحر من موانئ على سواحل بحر الصين الجنوبي مروراً ببحار الهند والعرب وصولاً إلى مياه الأطلسي . . هذا الطريق وما ينقله من بضائع هو الذي يفرض الآن على الصين بناء أكبر قوة بحرية بعد القوة الأمريكية سعياً وراء أن تصير قريباً أقوى قوة بحرية في التاريخ، وهو التعبير الذي استخدمه روبرت كابلان “Robert Kaplan” في مقال نشرته له مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية وفي حوارات أجراها في مواقع متعددة . لكنه يقول، وأختلف معه: إن إصرار الصين على بناء قوة بحرية في ظل وجود قوة أمريكية عظمى تحمي طرق التجارة الدولية لا يخرج عن كونه رفاهة تزين بها صعودها السريع في سلم المكانة الدولية، بينما كان بناء بريطانيا قوة بحرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ضرورة لا غنى عنها لحماية تجارتها العالمية .

 

أختلف مع كابلان وأمثاله من المفكرين الذين ما زالوا مقتنعين بأن ما كان جائزاً لشعوب الغرب على مدى قرون لا يجوز بالضرورة لشعوب الشرق، وبخاصة فيما يتعلق بالقوة وعناصرها . الشعوب تتغير . الصينيون الذين عاشوا قرونا يبنون القلاع والأسوار ومنها سور الصين العظيم ليحموا حدودهم البرية من غزو البرابرة، أي الأجانب، هم أنفسهم الذين قرروا في الثلاثين عام الأخيرة أن تصبح بلادهم أقوى قوة بحرية عرفها التاريخ .

================

"حزب الله" بين الأسد الأب والابن... أميركياً !

سركيس نعوم

النهار

30-9-2010

يضحك قادة "حزب الله" عندما يسألهم سياسي او إعلامي، وإن غير بعيد منهم او غير معادٍ لحزبهم من حيث المبدأ بسبب مقاومته الناجحة للاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان، عن خلاف قائم حالياً بين قادتهم وسوريا بشار الاسد، او عن خلاف محتمل قريباً بينهما، او عن تباين في وجهات النظر حيال عدد من قضايا الداخل والخارج. ويسارعون الى نفي ذلك كله جملة وتفصيلاً، ويقولون انه مجرد تخيّلات لأعدائهم بل لأعداءحزبهم وخطهم الاستراتيجي والسياسي الاسلامي الشامل اي غير المنحصر في لبنان وحده، ومجرد تمنيات يودون لو انها تتحقق. طبعاً لا ينفي هؤلاء احياناً بعض التباين في التفاصيل بين سوريا والحزب وربما بعض سوء فهم متبادل. لكنهم يؤكدون ان ذلك لا يفسد للودّ قضية، ولا للتحالف القائم بين الحزب وسوريا، ولا للحلف الاستراتيجي الذي يجمع سوريا بشار الأسد بالجمهورية الاسلامية الايرانية. لا بل ان هؤلاء يعتبرون ان حزبهم هو لحمة هذا الحلف، وهو لبنانياً بل اقليمياً الترجمة العملية الناجحة له، وخصوصاً بعد الانجازات الكثيرة التي تحققت منذ "التحالف الثلاثي" هذا، سواء على الصعيد اللبناني (تحرير من احتلال اسرائيلي)، او على الصعيد السوري (اختراق جدار العزلة الدولي بل الحصار على النظام في دمشق، وخصوصاً منذ اواخر 2004، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والعودة رقماً صعباً في معادلة امن المنطقة واستقرارها)، او على الصعيد الايراني (امتداد نفوذ طهران بقوة من خلال لبنان على ساحل المتوسط وفي مناطق عربية واسلامية اخرى).

هل نظرة الاميركيين الى العلاقة بين "حزب الله" وسوريا الأسد مشابهة للنظرة المفصّلة اعلاه التي يجهد قادة الحزب وانصاره لتعميمها، وخصوصاً في اوساط المشككين فيها داخل لبنان وفي العالم العربي والاسلامي فضلاً عن العالم الاوسع؟

طبعاً ليس سهلاً الحديث عن نظرة اميركية رسمية للموضوع المذكور اعلاه، وخصوصاً في ظل السياسة الرسمية الاميركية المعلنة تجاه "حزب الله" التي تعتبره ارهابياً، والتي تأخذ على سوريا الأسد دعمها إياه ودعم "حماس" (الارهابية في نظرها) الفلسطينية ايضاً.

لكن يمكن الاطلاع من اشخاص عملوا في انتظام على خط دمشق - واشنطن في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، وبتقطع في السنوات الاولى للعقد الاول من القرن الحالي، وكانت لهم اجتماعات ولقاءات على مستويات عدة بعضها رفيع جداً - يمكن الاطلاع منهم وفي ضوء خبرتهم على نوع العلاقة التي يعتقدون انها قامت بين "حزب الله" وسوريا حافظ الأسد وعلاقة سوريا بشار الأسد حالياً مع الحزب نفسه وفي مدى التقارب او التباعد بين العلاقتين.

ماذا يقول هؤلاء الاشخاص؟

يقولون ان العلاقة بين سوريا الأسد الأب لم تستقم مع "حزب الله" الذي "وُلِد" عام 1982 على يد ايران الاسلامية عام 1990، وذلك رغم الحلف الذي قام بين الدولتين وخصوصاً أثناء حرب عراق صدام حسين على ايران. وقد خاضت الدولتان حرباً شرسة بالواسطة وتحديداً بطرفين شيعيين لم تنته الا بعد تفاهم دمشق وطهران على الاستراتيجيا والسياسات وتفاصيلها وخصوصاً دور لبنان فيها. ويقولون ايضاً ان الأسد الأب لم يستقبل قيادة "حزب الله" طوال ولايته، وإن سبب عدم منحه ثقة كاملة كان اقتناعه بأن ولاءه (اي الحزب) موزع بينه وبين ايران، وهذا في احسن الاحوال. ولهذا السبب كان دعمه كبيراً جداً للفريق الشيعي الذي كان موالياً له في لبنان.

اما عندما تسلّم الدكتور بشار الاسد رئاسة سوريا، يضيف هؤلاء، فإنه "عَكَس" سياسة والده، وسهّل قيام علاقة ثقة وتعاون كامل مع الحزب وقيادته. وقد شجعه على ذلك إعجابه بمقاومته وانجذابه اليها. وأثار ذلك نوعاً من الخوف او الرعب في اوساط معينة داخل بلاده وفي المنطقة كما في العالم. كما شجعه عليه شعوره بالحاجة الى الحزب وبضرورة الاعتماد عليه لابقاء السيطرة على لبنان، ولاستكمال السيطرة داخل سوريا بعد التغيير الرئاسي. لكنهم (اي الاشخاص انفسهم الذين عملوا عقدين على خط دمشق واشنطن) يلفتون الى انهم يلاحظون نوعاً من التغيير. اذ ان الأسد الإبن يعود تدريجاً الى سياسة والده العامة وخصوصاً تلك التي لها علاقة ب"حزب الله". ويعزون ذلك الى اقتناعه بأن ولاءه الاول او ربما الاوحد هو لايران، وبأن سيطرته عليه ضعيفة جداً، وبأن ذلك يعكس طموحات ايرانية و"حزبية" مقلقة في نظره. ويعزونه ايضاً الى حرصه على تلافي استدراجه من اي أحد الى حرب مع اسرائيل قبل اوانها او ليست على "اجندته"، وخصوصاً إذا سيطر الحزب كلياً على لبنان. الى ذلك يقول الاشخاص انفسهم (وهم اميركيون) ان سوريا الأسد الإبن لا تشعر بأنها قوية كفاية للسيطرة على الحزب أولاً لأن عسكرها صار خارج لبنان. وثانياً، لأنها مقتنعة بالعجز عن السيطرة عليه حتى لو حصلت على ضوء اخضر اقليمي – دولي لاعادة عسكرها الى لبنان. طبعاً لا يعني ذلك استسلام سوريا بشار الأسد امام كل ذلك. فهو قوّى نفسه ولا يزال، واستناداً الى تحالفاته اللبنانية يوجّه رسائل متواصلة الى الحزب تحذره من الوقوع في وهم السيطرة المطلقة والمنفردة على لبنان. فضلاً عن انه وظّف سياسة الحزب وراعيه الاقليمي لإثارة مخاوف "الشعوب" اللبنانية الاخرى وتالياً لدفعها الى قبول الحماية السورية لها. وقد يكون ما يجري حالياً هو البحث التفصيلي في هذه الحماية، او بالأحرى استكمال إقناع المسؤولين بها بوسائل متنوعة قد لا تكون سلمية كلها. وفي هذا الاطار يضع الاشخاص انفسهم "التلاقي" الذي بدأ من الكويت بين السعودية وسوريا الاسد الابن والذي أثمر رئيساً لدولة لبنان ورئيساً لحكومته حليفاً للأولى. ولا يستبعدون ان تكون بلادهم موافقة على ذلك.

هل الاقوال المذكورة اعلاه صحيحة كلها؟

لا يمكن التقليل من اهميتها وصحتها. اما التحليلات المتعلقة بما يجري حالياً او بما بدأ يجري منذ تسلّم بشار الأسد الرئاسة مكان والده فإن الوقت مع التطورات كفيل باظهار مدى جديتها وصحتها. علماً ان التسليم بدور سوريا الحامي للخائفين او "المستهدَفين" يقتضي او يفترض ان يقتضي "ثمناً" كبيراً. فهل هؤلاء جاهزون لدفعه علماً ان لا ضمان كاملاً لهذه الحماية؟

================

اليمن في الواجهة... حروب ومعالجة ممكنة!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

30-9-2010

إلى اشعار آخر، تبقى أخبار اليمن في الواجهة. لا يمرّ يوم من دون كلام أو خبر عن الوضع اليمني حيث تبدو الأحداث متنقلة بدليل ما يحصل هذه الأيام في محافظة شبوه. رغم من ذلك، لا يزال الوضع اليمني قابلاً للمعالجة متى توافرت الظروف الكفيلة بذلك... قبل فوات الأوان طبعاً. ما نشهده اليوم على الصعيد اليمني يتمثل في محاولة هذا البلد الذي يمتلك حضارة عريقة الخروج من أزمته رغم من تضافر عوامل عدة تساهم في استمرار تلك الأزمة. تاتي على رأس هذه العوامل الامكانات المحدودة المتوافرة لدى السلطة اليمنية من جهة، والوضع المضطرب في الشمال والجنوب من جهة أخرى.

يخوض اليمن حروباً حقيقية على جبهات عدة. هناك التمرد الحوثي في الشمال الذي يؤمل بأن تكون الجهود القطرية وضعت حداً له في ضوء الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه بين الحكومة والحوثيين. إلى الآن لا يزال الاتفاق سارياً، وبات في الإمكان الكلام عن تحسن نسبي للوضع في محافظة صعدة والمناطق المحيطة بها، وعن نجاح قطري في منع نشوب حرب سابعة بين الجانبين، يبدو البلد في أشدّ الغنى عنها.

وهناك جبهة الجنوب حيث يسعى ما يسمى «الحراك السلمي» إلى عودة الانفصال، أو ما يسمى يمنياً عهد التشطير، وكأن التشطير الذي يعني وجود دولة في الشمال وأخرى في الجنوب شكل يوماً حلاً لمشاكل اليمن!

وهناك الفقر الذي تساعد في انتشاره ظاهرة النمو السكاني ذات الطابع العشوائي وهي ظاهرة تهدد باحباط أي محاولة لتحقيق نمو على الصعيد الاقتصادي. وهناك البرامج التعليمية البالية والمتخلفة التي تساعد في انتشار ظاهرة التطرف الديني التي كان المجتمع اليمني يرفضها في الماضي.

وهناك ما هو أخطر من ذلك كله، أقله بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وهو الوجود القوي لتنظيم «القاعدة» في مناطق يمنية عدة خصوصاً في مأرب وشبوة وأبين. وكان لافتا أنه لا يمر يوم إلا وتشهد أبين صدامات بين الجيش اليمني وعناصر تابعة لأجهزة أمنية من جهة وإرهابيي «القاعدة».

كان مهماً أن يعلن «الحراك» أن لا علاقة له ب «القاعدة». ولكن ما قد يكون أهم من ذلك بكثير ترجمة هذا الكلام إلى افعال، خصوصاً أنه يتبين يومياً أن «القاعدة»، بكل ما تمثله من أخطار على اليمن وعلى المنطقة كلها، تعتبر المستفيد الأول من أي اضطرابات تقع في أي منطقة يمنية.

بكلام أوضح، ان المواجهة الدائرة بين عناصر «الحراك» وقوات الأمن اليمنية تصب بشكل مباشر في مصلحة «القاعدة» وتشكل تهديداً للاستقرار في اليمن وتهديداً لكل مواطن يمني يسعى إلى العيش بسلام في وطنه ويؤمن في الوقت ذاته بأن للمجتمع اليمني قيمه التي تتناقض كلياً مع ما تحاول «القاعدة» فرضه من تخلف في كل حي وفي كل بلدة أو مدينة قد تقع يوماً تحت سيطرتها. من في حاجة إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حدث في أفغانستان في عهد «طالبان» حيث منعت المرأة من دخول المدرسة. وعلى من لم يقتنع بذلك ولا تزال لديه أوهام في شأن «طالبان» وممارساتها، التفكير ملياً في ما يجري في الصومال حالياً.

ليس كافياً التبرؤ من «القاعدة» حتى لا يعود لها تأثير في أي محافظة يمنية، خصوصاً في الجنوب. وليس كافياً أن يقول قادة الحوثيين ان هناك تناقضاً فكرياً ومذهبياً بينهم وبين «القاعدة» ومن يقف وراءها. هناك على الأرض أجواء تشجع «القاعدة» على التوسع في اليمن. ولابدّ في هذا المجال من الاعتراف بأن هذا التنظيم الإرهابي استفاد في مرحلة معينة من تواطؤ بعض الأوساط القريبة من السلطة للأسف الشديد.

هناك في المرحلة الراهنة وعي على كل مستويات السلطة لخطورة «القاعدة» وضرورة اجتثاثها من جذورها. هذا ليس كافياً نظراً إلى أن خطر «القاعدة» يشمل كل مواطن يمني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. السؤال كيف مواجهة هذا الخطر بدل العمل على تقويض السلطة المركزية، أو السعي إلى المساس بالوحدة. نعم، هناك أخطاء ارتكبت. لكن هذه الأخطاء لا تبرر بأي شكل العمل على خلق الفتن بين الشمال والجنوب، أو بين الشماليين أنفسهم من منطلق مناطقي، أو مذهبي، أو قبلي...

لا يحل مشاكل اليمن سوى الحوار. شرط أن يكون هذا الحوار في العمق، ومن دون عقد، ومن دون فيتو على أحد. لا أحد يستطيع أن يلغي أحداً في اليمن. ما حدث بين السلطة والحوثيين أخيراً خطوة مهمة، لكنها خطوة أولى على درب طويل يفترض أن يؤدي إلى جعل كل سكان صعدة والجوف وحجة وعمران يشعرون بأنهم يلقون اهتماماً من الدولة. وما يحصل في الجنوب لا يصب في مصلحة أحد في غياب الوعي بأهمية المحافظة على الوحدة تفادياً لمتاهات لا تخدم اليمن واليمنيين بمقدار ما أنها تجعل البلد يقترب من الصوملة.

الوضع في اليمن قابل للعلاج، خصوصاً إذا اعترف كل طرف بأخطائه. نعم، هناك أخطاء ارتكبت بعد الوحدة وبعد حرب صيف العام 1994، لكن ذلك لا يبرر العودة إلى التشطير نظراً إلى أن ليس ما يضمن قيام دولة واحدة موحدة في الجنوب في حال المساس بالوحدة.

يبقى أن اليمن مسؤولية خليجية وعربية أيضاً. «القاعدة» لا تنمو إلا في أجواء البؤس. ما شهدناه في الأشهر الأخيرة، إذا استثنينا الوساطة مع الحوثيين، هو شبه غياب عربي وخليجي عن اليمن. هذا لا يصب حتماً في مصلحة اليمنيين ولا في مصلحة دول الخليج العربية الساعية إلى محاربة «القاعدة» وقطع الطريق على تسلل قوى غير عربية، خصوصاً إيرانية، إلى اليمن.

كاتب لبناني مقيم في لندن

================

سياسة تلميع السراب في أفغانستان !

مايكل جيرسون

(كاتب ومحلل سياسي أميركي)

واشنطن بوست الاميركية وبلومبرج نيوز سيرفس

الرأي الاردنية

30-9-2010

لعل الأكثر إثارة للقلق في الكتاب الأخير للصحفي «بوب وودورد» المعنون «حروب أوباما» ليس ما يكشفه من صراعات داخلية بين أركان الإدارة والتفاصيل المرتبطة بذلك، بل الصورة التي يرسمها الكتاب للرئيس أوباما نفسه، والتي يبدو أنها أعجبت البيت الأبيض وحازت رضاه، وهذا عبر عنه أحد المسؤولين في الإدارة بقوله: «أعتقد أن الرئيس ظهر على نحو جيد في كتاب «وودورد»، حتى لو كان الأمر من حوله مضطرباً وغير منظم»، فقد بدا الرئيس في الكتاب متشككاً حيال الحرب في أفغانستان وبعيداً عن اتخاذ مواقف قاطعة حولها، بل إنه -حسب الكتاب- غير متأكد من وجاهة النصائح التي يسديها له قادته العسكريون، لأن همه الوحيد وشغله الشاغل، هو تأمين خروج أميركي من أفغانستان وتهيئة الظروف المناسبة للوصول إلى ذلك الهدف في أقرب وقت ممكن.

ومع أن الصورة التي رسمها الكتاب قد تبدو لموظف في البيت الأبيض، أو مسؤول إعلامي، على أنها نصر حقيقي لأوباما وتلميع جيد لصورته، لاسيما في ظل الارتياب الذي يستشعره الأميركيون أنفسهم إزاء الحرب في أفغانستان والشكوك التي تراودهم حيالها، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة في النظر إلى الجمهور الذي يتلقى رسائل أوباما، وهو جمهور لا يقتصر فقط على الرأي العام وحده، بل يشمل أيضاً الجنود المتواجدين في أرض المعركة والحلفاء الذين يشاركوننا في القتال ويقفون إلى جانبنا في أفغانستان، هذا فضلا عن أعدائنا الذين ينتظرون ما يقوله أوباما وما يرتسم حوله من صور.

والحقيقة أنه لا أحد من كل هؤلاء ستسره الملامح التي رسمها الكتاب لأوباما.

ولكن الكتاب يركز أيضاً على المحيط الذي يحف أوباما وأسلوب إدارة الحرب واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، بحيث سيسجل المؤرخون، دون شك، المراجعة التي أجراها أوباما حول الحرب في أفغانستان كتحذير أكثر من كونها نموذجاً للسير وخريطة طريقة لكسب الحرب، فقد أدى التردد الذي يطبع تحركات أوباما إلى إنشاء فريق للأمن القومي يزدحم بالآراء المختلفة والمتضاربة، غير قادر على الوصول إلى إجماع يحدد الأهداف من الحرب في أفغانستان. كما أن السياسات الرسمية كشفت الخلافات وزادت من تعميقها بين القيادة المدنية ونظيرتها العسكرية.

بل إن اختلافات وجهات النظر برزت حتى داخل هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة وبين أعضاء مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع وبين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الأفغان، فكيف مثلًا يمكن للسفير الأميركي في أفغانستان، كارل إيكنبوري، الاستمرار في منصبه بعدما تسربت تصريحاته المثيرة للجدل عن الصحة العقلية لكرزاي إلى الصحف؟ ومع أن أوباما سعى في البداية إلى تحديد الخطوط العريضة لاستراتيجيته في أفغانستان، إلا أن ذلك لم يفضِ إلى توافق، أو إجماع حقيقي بين المسؤولين في إدارته حول الطريق الأمثل الذي يتعين سلوكه لإنجاز المهمة الأفغانية، فلا يوجد ما يوحي بأن الانقسام في الإدارة حول موعد الانسحاب المحدد في يوليو 2011 قد تبدد، وبأن القيادة العسكرية موافقة على ذلك الموعد. والمشكلة أن عملية اتخاذ القرار حول أفغانستان وما صاحبها من تفاصيل لم تقتصر على ما رافقها من فوضى، بل باتت أيضاً مسيَّسة على نحو كبير لتتعقد الأمور أكثر بالنسبة لأوباما، وقد عبر الرئيس نفسه عن الحسابات السياسية بقوله: «إنني لا أستطيع خسارة كل الحزب الديمقراطي».

ومع أن دور القائد الأعلى للقوات المسلحة المتمثل في شخص أوباما هو اتخاذ القرارات الحاسمة التي تخدم المصالح العليا للبلد وتتسامى عن الاعتبارات الحزبية، إلا أن أوباما لم يستطع النأي بنفسه عنها ليجد نفسه في النهاية مجبراً على إدخالها في حساباته أثناء عملية مراجعة استراتيجيته في أفغانستان.

ولكن بصرف النظر عن المحيط الذي يؤثر على قرارات الحرب وعملية اتخاذ القرارات المعقدة في واشنطن الموزعة بين العديد من المؤسسات تبقى المشكلة الأهم هي في التردد الذاتي لأوباما والتباس موقفه الشخصي من الحرب التي قال عنها «علينا صياغة خطة تخرجنا من أفغانستان»، إذ يبدو أن الحرب التي اعتبرها أوباما خلال حملته الانتخابية حرب الضرورة التي يتعين كسبها قد أصبح الانسحاب منها اليوم أيضاً ضرورة قصوى، وهذا تماماً هو ما عبر عنه بقوله: «إن كل شيء نقوم به عليه أن يصب في كيفية الوصول إلى تلك النقطة التي نقلص بموجبها تواجدنا في أفغانستان».

وهذا الموقف دفع أوباما إلى اتخاذ خطوة حاسمة تمثلت في كتابة مذكرة واضحة تضع موعداً للانسحاب وتقيد الموارد المالية لضمان إقناع المؤسسة العسكرية المتحفظة إزاء خطط أوباما.

ومع أنه لا يمكن الوثوق دائماً في الجنرالات كما اتضح ذلك لبوش أثناء حرب العراق، إلا أنه أيضاً لا يمكن التأكد من صحة توجهات أوباما في ظل التردد الذي يطبعه والحسابات السياسية التي يأخذها بعين الاعتبار.

ويبدو في هذا السياق أن الخطة التي أعلن عنها أوباما والقاضية بالزيادة في عدد القوات بإرسال 30 ألف جندي إضافي وتحديد موعد للانسحاب، هي تنازل من الجيش أكثر من كونها استراتيجية متفقاً عليها.

ومهما تكن الصورة الإيجابية التي يرسمها كتاب «وودورد» حول أوباما وإشادته بالتزامه في التصدي للإرهاب وإدراكه للخطر النووي وغيرها من الأمور لابد من الاعتراف بأنه كلما عرفنا وجهة نظره حول أفغانستان تراجعت ثقتنا في قدرته على إيجاد الحل، فحتى بالرجوع إلى التاريخ الأميركي يصعب العثور على سابقة سعى فيها روزفلت أو ترومان أو غيرهما من الرؤساء إلى الظهور وكأنهم مترددون ومنغمسون في تأمل فكري عميق حول الجدوى من الحرب نفسها التي خاضتها أميركا في عهد أي منهم.

================

يهودية الدولة ماذا تعني ولماذا الآن؟

جهاد المومني

الرأي الاردنية

30-9-2010

قبل مؤتمر مدريد 1991 كانت اسرائيل ترجو العرب عبر الوسطاء الاعتراف بوجودها كدولة، فحصلت على هذا الاعتراف ضمن قائمة من الاعترافات العربية التي قدمت لاسرائيل مجانا وقبل الاوان ومنها على سبيل المثال قرار اممي يساوي بين العنصرية والصهيونية جرى التنازل عنه وتحررت الحركة الصهيونية العالمية من تهمة كبيرة دون ان تقدم اي مقابل، واليوم وبعد زهاء عقدين من الزمن على انطلاق ماراثون السلام تجاوزت اسرائيل مرحلة الاعتراف العربي بها كدولة وصارت تطالب بهوية يهودية خالصة لمواطنيها دون استثناء – حسب مفهوم الارهابي ليبرمان واتباعه ليهودية دولة اسرائيل -، وهذا يعني شمول أكثر من مليون عربي بهذه المطالبة التي قد تحققها اسرائيل اذا ما مضى قطار التنازلات الفلسطينية العربية في طريقه الى ما لانهاية، ولكن ورغم غرابة الطلب الاسرائيلي وما يتركه من شكوك حول النوايا والمخططات المستقبلية التي قد تصل حد وضع مصير عرب 48 على الطاولة، فأن الكشف عن هذه المطالبة منذ سنوات معدودة فقط وتبنيها من قبل حكومة المتطرفين الحالية في اسرائيل يعني احد امرين، فمن حيث التوقيت نفهم ان حكومة نتنياهو تجد في طلب الاعتراف الفلسطيني بيهودية اسرائيل فرصة مواتية لاستثارة المشاعر العربية ودفع الفلسطينيين الى رفض الشرط وبالتالي ضمان وقف اية مفاوضات بمجرد اقحامها بهذه القضية، الأمر الآخر يتعلق بالمخاوف الاستراتيجية والتاريخية والمستقبلية للاسرائيليين المهاجرين من مختلف اصقاع الارض، فكل اسرائيلي لديه شعور بان وجوده في هذه المنطقة هو وجود مؤقت محفوف بمخاطر مختلفة اولها ان العرب والفلسطينيين بشكل خاص قوة سكانية هائلة لا يمكن الانتصار عليها، وان هذه القوة (القنبلة )لا بد وان تنفجر في نهاية المطاف وتلحق بالاسرائيليين هزيمة نكراء بدون حرب وسيكون الاسرائيليون المشكوك اصلا بقدراتهم على الصمود فوق هذه الارض في مدن يجتاحها اعصار الاختلاط بالعرب ومستوطنات مهددة بالهدم او بالنزوح عنها لانها غير شرعية ولا يعترف العالم بها هم ضحاياها، هذه المخاوف وما ينتج عنها من تفاصيل هي ما اقنعت ادارة الرئيس باراك اوباما بتأييد المطلب الاسرائيلي والشروع منذ بدء المفاوضات المباشرة بالضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بيهودية الدولة الاسرائيلية او على الأقل حثهم للاقرار بهذا الحق.

 

ولكن في المقابل هناك مخاوف عربية وفلسطينية، فماذا تعني يهودية اسرائيل، هل تعني ان اسرائيل تصبح بعد الاعتراف العربي دولة لاتباع الديانة اليهودية وبالتالي ليس لغيرهم مكان فيها، الأمر الذي يهدد مصير مليون عربي، ام انها تعني اليهودية كهوية قومية كما هي الدول العربية مثلا للعرب ولغيرهم، وبالتالي لا خوف من تطبيقها والاعتراف العربي بها على مصير فلسطيني 48، او على اتباع الديانات الاخرى غير اليهودية بشكل عام..!؟

 

ما نريد قوله ان هذه القضية يجب ان تبحث بين الفلسطينيين والاسرائيليين للاتفاق بشأنها وتحديد المعنى السياسي والقانوني ليهودية الدولة بحيث لا تمس العرب في اسرائيل لا في هويتهم ولا في حقوقهم بضمانات أميركية دولية مكتوبة يجب ان يتم توثيقها في الامم المتحدة، ومن أجل الوصول الى هذا الاتفاق يجب ان لا يرفض الفلسطينيون الفكرة الاسرائيلية من حيث المبدأ ويقدموا لحكومة المتطرفين مبررا للبكاء امام العالم ولوم الفلسطينيين على اضاعة فرصة السلام، بل على العرب دعم المفاوضين الفلسطينيين للتقدم بطلبات صريحة ومحددة لاستيضاح المعنى المقصود بيهودية اسرائيل وبعد ذلك لكل حادث حديث.

================

هجرة العقول العربية ودور الجامعات في استثمارها

عبدالله محمد القاق

 abdqaq@orange.jo

الدستور

 30-9-2010

تُمثل هجرة العقول العربية ذات الكفاءات النادرة والمتخصصة الى الولايات المتحدة واوروبا من الدول الشقيقة نسبة تحتاج الى مزيد من الدراسة والتوقف لأنها تسهم في تفريغ الوطن من كفاءاته وعقوله المميزين الذين يستطيعون تقديم خلاصة دراساتهم وافكارهم في خدمة اوطانهم بدلا من ان يسهموا في تطور الدول الاوروبية واميركا دون طائل ومردود لتعليمهم للنهوض بامتهم وقضاياهم الوطنية والقومية ، لا سيما وان هناك العديد منهم ممن تسلموا مناصب ريادية في "ناسا" بالولايات المتحدة الاميركية واصبحوا قادرين على اختراق علوم الفضاء وغير ذلك من التطبيقات العلمية والعملية في مختلف المجالات ، الامر الذي يُحتم على الدول العربية العمل على اعداد استراتيجية شاملة وعامة بغية الاستفادة من هذه العقول المفكرة خاصة وان هذه الدول ومنها الاردن تبني مفاعلات نووية سلمية للطب والكهرباء والطاقة تحتاج الى الكثير من هؤلاء العلماء والمفكرين والمبدعين العرب في هذه الفترة الحرجة التي تفاخر الدول الكبرى بهذه العقول والتي استنزفت الكثير من الجهود العربية بغية صقل معارفها ، وتطوير افكار هؤلاء والمبدعين بشكل اصبح موضع الاهتمام العالمي وموضع تقدير الدول التي يعملون بها،

 

لقد نجحت الدول النامية كسنغافورة وتايوان والهند والصين ، باستعادة بعض هؤلاء المفكرين ، واستفادت هذه الدول من خبرات هذه الثروة الحقيقية لهؤلاء العلماء ، لان مثل هذه الثروة من شأنها ان تُسهم في توطين التكنولوجيا والعلوم التقنية وتوفر العلم والخبرة داخل الوطن والمجتمع ، بحيث يستطيع الصيد في وطنه بدلاً من ان يظل ساعياً لتقديم السمك اليه كل يوم لانه عاجز عن مواصلة العلوم التقنية المتطورة بصورة مستمرة وبعيداً عن الاعتماد على مواطني الدول الغربية.

 

هذه الهجرات اليوميى تُمثل الآلاف ، وهو دليل واضح على تخلف المجتمع في الوطني العربي على تقديم الحوافز والمزايا لهؤلاء العلماء ، حيث اشار الدكتور أحمد زويل احد العلماء العرب المصريين الحاصل على جائزة نوبل للسلام ، من ان دور الدول العربية كبير في السعي لاسترداد هذه الكفاءات العربية المزودة بالعلم والفكر ، والريادة ويتملكها ابداع كبير ، لأن هذه الطاقات هي بحاجة الى ان تتبناها الدول العربية والاسلامية ، وتقدم لها احتياجاتها العلمية والتقنية لتُصبح قادرة على خدمة بلادها بدلاً من تقديم الخدمات للدول الاوروبية واميركا في الكثير من الميادين. فالدول العربية قادرة على وضع سياسة وبرامج مدروسة وقوية لاستقطاب هؤلاء المفكرين العرب من الغرب عبر تأسيس شبكات معلومات واسعة يمكن بوساطتها - كما قال الاستاذ الدكتور نادر عبدالغفور الاستاذ في جامعة سالفورد البريطانية في مانشستر للكفاءة ان تعثر على العمل المناسب لاختصاصها في وطنها الأم ، وتقديم البنية التحتية كاساس لاستغلال تلك العقول في مجال المشاريع الخاصة بالبحث والتطوير.

 

واذا كان البعض يرى في بقاء هذه العقول المفكرة في الدول الاجنبية بانها عملية "الاستثمار من بُعد" بدلاً من خيار العودة جراء فشل الدول النامية في الاستقطاب المباشر لعودة الكفاءات وعدم قدرتها مادياً وصناعياً على توفير البيئة الحاضنة واقامة المؤسسات الصناعية المتطورة فاننا نعتقد ان ذلك يُمثل خطأ فادحاً وكبيراً حيث ان عودة هذه العقول وهي متميزة لعلماء ذرة وعباقرة في الطب والهندسة وتخصصات علمية متعددة ، هم احوج ما يكون للعمل في اوطانهم ، لاقامة برامج البحث العلمي ، والتقني واشراك هذه الفعاليات النادرة في تطوير الكفاءات بالاوطان العربية بدلاً من الاستفادة منهم عبر الدول الاجنبية.

 

لقد عقدت المؤتمرات العديدة في القاهة وبيروت ودمشق والكويت واتيحت لي الفرصة لحضورها وغيرها لبحث هذه القضية وتمت دراسة الحوافز التي يمكن من خلالها استعادة هذه العقول العربية المنتشرة في اصقاع العالم ، وتم استطلاع ارائها بخصوص استثمار طاقاتهم وابداعاتهم لخدمة الوطن عبر انشاء شركات تقنية هامة بغية دعم البنية الاقتصادية والعلمية والفنية والتنموية ، كما هو الحال في دول كالهند وسنغافورة وتايوان مع ضرورة الاسهام في تزويد هؤلاء الخبراء بمنح مادية وتسهيلات مصرفية وقروض يمكن تسديدها على المدى الطويل وبدون فوائد ، على ان تُعفى هذه المشاريع من الرسوم والضرائب الى ان يتم استقرارها ونجاحها في المجال العلمي والتسويقي.

 

واعتقد ان الدكتور خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الاردنية مهتم كثيراً في احتضان هذه العقول المهاجرة ، واستطاع عبر اتصالاته المتعددة ان يُنشئ للتعاون مع برنامد الاردن النووي "السلمي" للطاقة ، بصورة تدعو للاعجاب لكونه احد العلماء والمفكرين والمتميزين في شؤون العلم والطاقة والابداع الوطني ، الامر الذي يدعو الى زيادة دعمه وتشجيعه للحفاظ على علمائنا في الاردن وامكانية اجتذاب مجموعة من المفكرين والمبدعين والموهوبين من الاردنيين وغيرهم للعمل في مشاريع الاردن التقنية المتطورة عبر اعداد خطة عمل متكاملة تشمل استراتيجية لهذه الاعمال واهداف هذه المشاريع والتمويل اللازم والفترة الزمنية والفوائد المتوخاة من هذه المشاريع ، بحيث تعطى الاولوية للمشاريع التي تسهم في نمو الاردن اقتصاديا وصناعيا ومنها الالكترونية والمعدنية وتصفية المياه وشبكات الطرق والمواصلات ، مع التشديد على الاستفادة من قابلياتها العلمية والفكرية والادارية ، خاصة وان هؤلاء العلماء اختاروا الدول المتقدمة بسبب عدم توفر البيئة العلمية المناسبة لهم ما يجعلهم ينظرون الى هذه الدول الاجنبية كملاذ رئيس لهم لكونهم يبدعون هناك ويبتعدون عن بيروقراطية وروتينية العمل والرواتب في الدول النامية ، وسرعة احالة هؤلاء المبدعين على التقاعد ، في حين ان الدول الكبرى تستغلهم استغلالا كبيراً دون النظر الى اعمارهم،،

 

فالمطلوب الافادة من هؤلاء العلماء المتواجدين في الاردن وفي الوطن العربي بتوفير البحث العلمي الدقيق ، وهو ما طالب به الاستاذ الدكتور عبدالرحيم الحنيطي رئيس جامعة مؤتة عبر مقالات متعددة كتبها في جريد (الدستور) اسهاما منه في توفير بيئة جيدة للمفكرين والعلماء والمبدعين ، فضلا عن ايجاد سياسة حاسمة بالتحفيز بغية الافادة منهم عبر كل الوسائل والصعد.

 

والواقع ان انشاء بنك للمعلومات لتشجيع العقول التي لا ترغب في العودة على استثمار طاقاتها عن بُعد ، امر ينبغي على الجامعة العربية القيام به بغية الافادة من هؤلاء المثقفين والموهوبين للقيام بمشاريع علمية وتقنية في العالم العربي حيث ان العراق الذي كان يُعتبر من اكثر الدول تفوقاً بالعلماء والمفكرين ، هجره معظم المفكرين بعد الاحتلال الاميركي للدول الاوروبية واميركا واستطاعت المؤسسات العلمية في تلك الدول من الافادة من مواهبهم وافكارهم ، حيث اسهموا في اجراء ابحاث تطبيقية عديدة ، وأصبحت أفكارهم تشق طريقها الى التطبيق والتسويق ، كما وان المطلوب من جامعاتنا العربية ومنها الاردنية دعوة هذه العقول المهاجرة لالقاء المحاضرات والاشراف على ورشات التدريب والابحاث العلمية في الجامعات العربية،

 

فاذا كانت الدول العربية صادقة في الاستفادة من هذه الخبرات العلمية وتقدير كفاءاتها فان الواجب يدعو الى توفير المغريات المادية والحوافز والمكافآت ، وكذلك ايجاد بعض المستلزمات المعيشية المهمة لهم ، ليس بالطبع كما هو الحال في دول الغرب ، ولكن بشكل يكفل ويعكس الاهتمام بهذه الكفاءات كتطوير البحوث العلمية وعدم التثبت بالبيروقراطية في الوطن العربي وشراء الاجهزة والمعدات العلمية والتقنية ووضع التسهيلات لهم للسفر والمشاركة في المؤتمرات العلمية والتقنية المتطورة وتوفير الفرص للابداع والتفكير ، ومنح الجوائز لاولئك المفكرين من اجل خدمة البلد والاوطان العربية ، وهذه قضايا تعكس بشكل واضح رغبة الدول العربية في اجتذابهم والنهوض بالتقدم العلمي ، خاصة وان كل الدلائل والمؤشرات اثبتت في الآونة الاخيرة ان العقول العربية المهاجرة تفوضت على العقول الغربية حيث تم العلم على تهيئة الاجواء امامها للقيام بالابحاث العلمية الجادة والمبدعة ، فاصبحت هذه الفئة المبدعة من العرب ، واكثر كفاءة وابداعا من العقول الاجنبية في عقر دارهم حيث فاقوهم بالابداع والاختراف في مجتمع متطور في حين ان الدول العربية ما زالت متخلفة كثيراً من هذه البحوث ودعم العلماء ، وتوفير الكوادر المؤهلة لهذه المهام الصعبة.

 

الامل كبير في ان تتضافر الجهود العربية والاسلامية من اجل اجتذاب العقول المهاجرة وتوفير البيئة العلمية لها كي تسهم في بناء القدرات العلمية العربية ، بدلا من استمرار الاعتماد على الدول الاجنبية لبناء مؤسساتنا العلمية والتقنية في هذا العصر الذي أصبح هو الذي تتطور فيه اساليب مصادر المعلومات ، تلك الكم الهائل من المعرفة والبيانات والحقائق والاسس والقواعد التي تعتبر وسيلة لثقافة المجتمع والتي أخر بدولنا العربية الافادة من هذه التقنية وتجارب علمائنا ومفكرينا وعقولنا المهاجرة ايضا،

================

الانتفاضة المظلومة

رشيد حسن

الدستور

30-9-2010

لم تتعرض حركة تحرر وطني ، ومقاومة للاحتلال والاستعمار ، كما تعرضت له انتفاضة الاقصى ، من تجريح ، وانتقاص ، وتشويه ، ولا تزال ، وممن يفترض انهم من قادتها ، وساهموا في تفجيرها ، وتوجيهها ، ردحا من الزمن.

فاذا كان الهجوم على الانتفاضة ، هو جزء من برنامج ، قادة ورموز السلطة و"اوسلو" ، القائم على رفض الكفاح المسلح ، ورفض مقاومة الاحتلال ، بحجة ان عسكرة الانتفاضة ، "خربت بيتنا" "ودمرت ما بنينا" ، فاننا نتساءل وبالفم الملآن ، وهل "لا بديل عن المفاوضات ، الا المفاوضات" ، ادى الى انسحاب قوات الاحتلال ، وتحرير الوطن؟؟ وهل اقنعت التنازلات الفلسطينية للعدو الصهيوني ، بوقف الاستيطان؟؟ وهل تجاوبت حكومات العدو ، منذ "اوسلو" والى اليوم ، مع قرارت الشرعية الدولية ، بضرورة رفع الحصارعن قطاع غزة ، والتوقف عن تدنيس الاقصى ، وهدم المنازل ، ومصادرة هويات الالاف من العرب المقدسيين...الخ.

 

قطعا العدو لم يلتزم ب"اوسلو" ، فلم تقم الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات ، كما نصت الاتفاقية ، ولم يتوقف العدو عن ممارساته العدوانية ، وحروبه الخفية ، ضد القدس والاقصى ، وضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، رغم التنازلات الفلسطينية غير المتوقعة ، والاعتراف بالعدو على %78 من ارض فلسطين التاريخية.

 

الانتفاضة ، يا سادة ، قد تكون جانبت الصواب في احيان ، وهذا عمل مفهوم في حروب التحرير الشعبية ، اذ تتراخى الكثير من الضوابط ، ولكن من غير المفهوم ، ان تتحمل كافة الاوزار والخطايا ، ويبرئ الاحتلال الصهيوني.

 

فلولا الاحتلال ، وحروب الابادة ، التي شنها ، ويشنها العدو الصهيوني ، على الشعب الفلسطيني ، ورفضه الاعتراف بحق هذا الشعب في الحرية ، والحياة الكريمة ، وحق تقرير المصير ، اسوة بكل شعوب الارض ، لما تفجرت انتفاضة الحجارة ، ولما تفجرت انتفاضة الاقصى ، بعد انتهاك المجرم شارون لحرمة وقدسية المسجد الاقصى ، اولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين.

 

لماذا لايصار الى التأشير على الجرائم التي ارتكبها العدو خلال الانتفاضتين المباركتين: الحجارة والاقصى؟؟

 

الم يقم جيش العدو ، وبأوامر من رابين ، بتكسير ايدي وارجل اطفال الحجارة؟؟

 

الم يقم هذا الجيش البربري ، بحرب ابادة في مخيم جنين ، وقد حوله الى ارض محروقة؟؟ الم يقم بتدمير نابلس القديمة ، المدينة التاريخية الاثرية ، مذكرا العالم بجرائم النازي.

 

الم يقم باغتيال العديد من قادة الانتفاضة ونشطائها ، واطلاق النار على البعض وهم احياء؟؟

 

الم يستعمل الاسلحة المحرمة "الفوسفور الابيض" في عدوانه على غزة؟؟

 

الانتفاضة هي الرد الطبيعي على الاحتلال ، وجرائمه ، والرد الطبيعي على طرد الشعب الفلسطيني من وطنه ، في اربع ارجاء المعمورة ، والرد الطبيعي على محارق العدو.

 

ونسأل من ينسون ، او يتناسون ، هل استقبل ثوار الجزائر ، الجيش الفرنسي ، والمستوطنين الفرنسين بالورود؟؟ وهل هادنت الثورتان الفيتنامية والكوبية ، المستعمرين ، والعملاء؟؟

باختصار...ادانة الانتفاضة ، هي ادانة لنضال الشعب الفلسطيني ، واستخاف بدماء الشهداء من ابنائه ، الذين اختاروا الشهادة ، لتبقى شعلة النضال والمقاومة ، متقدة عالية ، وهي قطعا ، محاولة يائسة لقطع الطريق على الانتفاضة الثالثة القادمة.

"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". صدق الله العظيم.

================

الطائفية تلك الآفة القاتلة .. كيف السبيل لمواجهتها ؟

د. نايف علي عبيد

2010-09-29

القدس العربي

يشهد الوضع العربي والإسلامي هذه الأيام موجة كبيرة من التأجيج والتوترات الطائفية التي تنذر باتساع رقعتها ، والتي لن تجلب للأوطان والشعوب ، إلا الكوارث والدمار ، إن لم يتم تداركها بسرعة وبعقلانية من قبل المفكرين وعلماء الدين ومؤسسات المجتمع المدني والرسمي أيضاً، وبتغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار .

فلاشيء يمكن أن يُدمّر الأوطان ويفتت الشعب الواحد مثل إثارة النعرات والحزازات الطائفية . فهي " أي النعرات الطائفية " أخطر من العدوان الخارجي . فالعدوان الخارجي يعمل على توحيد الشعب لمقاومته وطرده . أما " الطائفية " فتعمل على بذر بذور الفتن ، وتستخدمها الجهات المعادية لإشاعة أجواء الاحتقان والاضطراب وتكرّس الانتماءات الضيقة والمصالح الفئوية على حساب المصالح الوطنية العليا . وإذا جاز لنا المقارنة والتشبيه ، فإننا نشبه الوطن أولاً بصخرة كبيرة ، والعدوان الخارجي بقذيفة كبيرة تستهدف تلك الصخرة ( الوطن )، يمكن أن تحطم جزءاً من حوافها . أما " الطائفية " فهي أشبه ب " المتفجرات في قلب الصخرة " تفجرها بالكامل . إنها تدمر نسيج الأمة ، وتزرع الحقد في النفوس ، وتشظي الوطن إلى وحدات صغيرة متصارعة ، تستقوي بالخارج ، الذي بدوره يستغلها لتنفيذ مآربه .

والسؤال الرئيس هنا ، كيف يمكن مواجهة هذه الآفة القاتلة ؟

الأمر جدّ خطير ، يتطلب وقفة جماعية جديّة وسريعة ، يلتقي فيها المفكرون وعلماء الدين ، بمن فيهم شيوخ المذاهب وأئمة المساجد ، والمسؤولون في كل دولة عربية لمواجهة هذه الظاهرة الفتاكة ، ووضع السبل الناجعة لعلاجها . كما يتطلب الأمر تطبيق القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق جميع المواطنين في العمل والمساواة وإبداء الرأي دون تمييز . كما يتطلب الأمر العمل على المدى الأطول ، وبدراسة متأنية ، من خلال مناهج التعليم منذ مراحله الأولى لتكريس روح المواطنة ووضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر .

الإنسان العربي يشعر اليوم بمرارة كبيرة عندما يقارن ما كان عليه بعض آبائهم وأجدادهم قبل ثمانين عاماً ، من التسامح ونبذ الطائفية ، وما وصل إليه الحال هذه الأيام . وفي هذا السياق أود أن أشيرإلى رسالة بعث بها الأمير شكيب أرسلان إلى علي عبيد عام 1931 ،( بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي في مدينة القدس (1931) برئاسة الحاج أمين الحسيني لبحث أثر هجرة اليهود إلى فلسطين ، وقد طلب الحاج أمين الحسيني " السنّي " من إمام النجف " الشيعي " عند الصلاة أن يأمّ المصلّين ). كان ذلك قبل حوالي ثمانين عاماً ، تحتوي هذه الرسالة على بعض العبارات الجديرة بالتأمل .

العبارة الأولى تركز على ضرورة وحدة الأمة بجميع فروعها ومذاهبها حيث يقول الأمير " سرني أنكم كنتم حاضرين المؤتمر الإسلامي فإن هذا ضروري وقد أصبح الاتحاد لا مناص منه لأن هذه الأمة بجميع فروعها يعز بعضها مع بعض ويذل بعضها مع بعض والذي تعز بعزه وتذل بذله يجب أن تكون معه ويكون معك "

هذه العبارة تجعلنا نوجه نداء إلى جميع العلماء والعقلاء في وطننا العربي وهو : " الطائفية " هذا الصدع في بنيان الأمة والوطن من يعمل على رأبه ؟

برأينا أن المشكلة الطائفية في عالمنا العربي بشكل خاص ، والإسلامي بشكل عام ، ليست إحدى مشاكلنا فحسب ، بل ثغرة واسعة أيضاً كانت وما زالت مجالاً لتدخل الأيدي الخارجية المغرضة الهادفة لتفتيت وحدة الوطن وتدميره . فهل كان بعض آبائنا وأجدادنا وقبل أكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمن أوضح رؤية منا ، وأكثر تسامحاً ، بالرغم من تطور حركة الحياة والتاريخ ، كانوا يدركون ما تفعله " الطائفية " من تفتيت وتمزيق للأمة وإضعاف للأوطان .. وبعد أكثر من ثلاثة أرباع قرن ، وللأسف يعمق جيلنا " الطائفية " .. هذا الجرح النازف منذ أواخر عهد الخلفاء الراشدين ( رضي الله عنهم ) وحتى اليوم ، يدمي جسد هذه الأمة وينهكها ، فكأنما تحاول الأمة العربية الإسلامية تدمير نفسها بنفسها طوعاً واختياراً .. هل كان العدو والهدف سابقاً أكثر وضوحاً وتحديداً وأصبح اليوم ضبابياً وغائماً ؟

إننا ندعو علماءنا من كافة الطوائف والملل أن يسموا فوق الخلافات ويجعلوا العلاقات بينهم تواصلية ودية .. لا علاقات صراعية .. وأن ينبذوا مثيري النعرات الطائفية من بين صفوفهم .. فالجميع مستهدفون .. ولا مكانة لهم في عالم اليوم إلا بالتعاضد والمودة والإخاء . كما ندعو أن يبدأ الأكثرية من أية طائفة كانت بما فيهم المسيحيون العرب ، وفي المكان الذي يتواجدون فيه ، بمبادرة الحوار بين الطوائف . فإذا كانت هناك مبادرات للتحاور الإسلامي – الغربي – مع الاعتراف بأهمية مثل هذه الحوارات وضروريتها – ألا يوازيها في الأهمية والضرورة أن تتحاور الأمة العربية فيما بينها بجميع طوائفها ومذاهبها لرأب الصدع ؟ ألا يكفي هذه الأمة ما تعاني من جراح ومآسي أخرى.

باحث عربي

================

هل سيحقق العالم أمنه الغذائي؟

بقلم :صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

البيان

30-9-2010

ينبغي على دول العالم زيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 50% بحلول عام 2030، ومضاعفة هذه النسبة بحلول عام 2050 لتلبية الطلب على الغذاء في المستقبل. ويبدو هذا هو الإجماع السائد بين الاقتصاديين والعلماء والسياسيين وممثلي القطاع الزراعي. ولكن هل يتعين على العالم القيام بذلك حقاً؟

 

حتى لو تجاوز عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة في عام 2050، وهو الأرجح في ظل الاتجاه الحالي، فربما لا يحتاج العالم إلى مضاعفة إنتاجه من الغذاء، إذا لم يحدث إهدار للغذاء وتغيرت العادات الغذائية إلى طرق أكثر صحة.

 

وتأتي الحاجة إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 100%، استناداً إلى تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن التقرير يعني أن الإنتاج العالمي من الأغذية خلال 45 عاماً بداية من عام 2005، يحتاج إلى زيادة بحوالي 70%.

 

فما هي الرسالة المراد تبليغها إذن؟ يتعين على العالم زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني بشتى السبل الممكنة، (الحليب واللحوم والبيض) بنسبة 70% على الأقل.

 

ولكن أليست هذه المهمة شاقة، نظرا لأن التوسع الحضري على امتداد العالم يعني تآكل الأرض الزراعية، وفي وقت أجبرت فيه الدول التي لديها فائض زراعي على أن تصبح بلدانا تعاني من شح الغذاء اليوم؟ أ

 

ليس من المدهش أن نجد الصين، وهي أول من زرعت الأرز ولا تزال أكبر منتج له، تقوم باستيراد هذا المحصول الذي يشكل غذاءها الرئيسي؟ أليس من المدهش أنه ليست الصين منشأ زراعة الشاي، والتي لا تزال أكبر المنتجين والمستهلكين له، بل كينيا هي التي تحولت إلى أكبر مصدر للشاي في العالم؟

 

أليس من المدهش أن الهند التي قدّمت السكر للعالم، مضطرة إلى استيراده اليوم؟ أليس من المستغرب أن الهند وباكستان، اللتين كانتا من أوائل الدول التي زرعت القطن، تضطران لاستيراده اليوم؟

 

الإجابة على جميع هذه الأسئلة هي «لاس، لأن هذه هي النتيجة الطبيعية لاقتصاد السوق وسياسات العولمة. لم يعد الإنتاج العالمي من الأغذية وتوزيعها يعتمد على قوانين العرض والطلب البسيطة، بل على سياسات دقيقة ومعقدة لمنظمة التجارة العالمية وأهواء الشركات متعددة الجنسيات.

 

فلو تمكنا من الحفاظ على المواد الغذائية دون إهدارها، وإذا استطعنا تغيير عاداتنا الغذائية غير الصحية، فلربما لا يحتاج العالم إلى زيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 70% لتغذية السكان. ولكن ذلك سيكون مخالفا لمتطلبات اقتصاد السوق.

 

إن اقتصاد السوق يدور في مجمله على زيادة الإنتاج بلا حدود، وتكوين الثروة. لذا، فإذا تعرضت ملايين الأطنان من الحبوب الغذائية في مخازن الحكومة الهندية للتلف، فإننا ينبغي أن ندعها تتلف، بدلاً من محاولة توزيعها بين الفقراء والجوعى. لماذا؟ لأن توزيع الغذاء بالمجان يتعارض مع قوانين اقتصاد السوق.

 

ألم يعد الغذاء يعتمد على العمل المضني للمزارعين؟ ولا يعتمد على أي من نزوات الطبيعة أو الري المناسب، كذلك؟ إنه يعتمد على قوانين السوق التي وضعتها المنظمات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركات متعددة الجنسيات.

 

إنها قوانينهم وخططهم هي التي أرغمت جميع أو معظم الدول الإفريقية تقريبا، على أن يصبح لديها عدم اكتفاء في الغذاء، وفرضت على معظم دول العالم النامي، الاعتماد على الإمدادات من البلدان المتقدمة التي تدعم اضطراريا منتجاتها الزراعية. لقد تجاوز عدد الجوعى في العالم اليوم مليار شخص.

 

وحتى إذا كان على العالم مضاعفة الإنتاج الغذائي، كما تطالب بذلك المنظمات الدولية، بحلول العام 2050، فسوف يكون هناك 290 مليون جائع.

 

أين ستنتهي هذه الدورة من الجوع والفقر؟ الجواب لا يعرفه أحد، وسيظل الأمر كذلك طالما يسمح لمؤسسات بريتون وودز والشركات متعددة الجنسيات بتقرير مصير العالم.

================

لبنان: بين المحكمة ودولة الطائف

الخميس, 30 سبتمبر 2010

بول سالم *

الحياة

يُهدد التوتر الراهن حيال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بدفع البلاد ليس فقط إلى مشاحنات ومواجهات سياسية وأمنية ولكن الى زعزعة ما تبقى من مقومات الدولة واتفاق الطائف.

كان قرار دعم المحكمة موضع إجماع في اجتماعات الحوار الوطني العام 2006، وعنصراً أساسياً في البيانات الوزارية لحكومتين مُتعاقبتين. لكن الآن، ومع احتمال اتهام القرار الظني بعض أعضاء «حزب الله»، يطالب الحزب وحلفاؤه رئيس الوزراء والحكومة بالإنسحاب من المحكمة ووقف التعاون معها.

«حزب الله» يشير إلى قضية شهود الزور الذين وجّهوا في البداية شكوك المحكمة نحو سورية، كدليل على أن هذه المحكمة لاهي مهنية ولامُحايدة، وبأنها استُخدمت من قِبَل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، أولاً للضغط على سورية ثم الآن لعزل «حزب الله» وتقويض نفوذه. وقد حذّر مسؤولون في «حزب الله» وفي سورية وحلفاء لها، من أنه ما لم يُغيّر رئيس الحكومة موقفه، فإن المحكمة والقرار الظني سيقودان إلى حرب أهلية.

بيد أن رئيس الوزراء سعد الحريري بقي على موقفه، وأعلن أن المحكمة التي تفصل في مسألة اغتيال والده وشخصيات كثيرة أخرى، ليست موضع تفاوض. كما أنه امتنع عن إقرار تحقيق سريع في شأن شهود الزور .

ويعرب النائب وليد جنبلاط، الحليف السابق للحريري، عن تمنيه «لو أن المحكمة لم تكن»، وهو يحاول، مع الرئيس نبيه بري، أن يجد حلاً توافقياً لهذه المُجابهة. لكن من الصعب ايجاد حل وسط بين قبول أو رفض المحكمة الدولية وقرارها الظني.

لقد بات واضحاً أن القمة السعودية - السورية التي عقدت في بيروت في آخر تموز (يوليو) الماضي، حققت هدوءاً موقتا، لكنها لم تجد حلاً لقضية المحكمة. صحيح أن سورية حافظت على علاقات طيبة مع الرئيس سعد الحريري، لكنها لم تتدخل مباشرة في قضية المحكمة، تاركة «حزب الله» ليقود الحملة على المحكمة ومُشجِّعة حلفاءها الآخرين في لبنان على رفع وتيرة الضغط. والحال أن سورية تريد من لبنان ان يقطع العلاقات مع المحكمة، لكنها لاتريد تحمّل لائمة فرض هذا الأمر. ويُقال هنا أن العلاقات السورية - السعودية تردّت بعد أن قبلت دمشق بخيار طهران بأن يكون نوري المالكي رئيساً للحكومة العراقية. وهذا التردّي قد يُفسّر جزئياً التصاعد السريع للتوترات في لبنان.

الرئيس الحريري لا يزال على موقفه، على رغم أن استراتيجيته ليست واضحة. بالطبع، لدى حزب الله وحلفائه الموقع الأقوى أمنياً، وما كانت عملية «اقتحام» مطار بيروت لاستقبال اللواء جميل السيّد الا عرضاً واضحاً أمام أخصامه لقدرة الحزب على أن يفعل ما يشاء ومن دون أي سقف او تردد. كما أن للحزب وحلفائه ما يكفي من الوزراء في الحكومة لإسقاطها دستورياً اذا شاءوا.

في المقابل، ليست لدى الحريري قوة أمنية دفاعية، لكن ربما هو يحسب أن «حزب الله»، كما سورية وإيران، سيترددون أمام خطر نشوب حرب اهلية مذهبية بين السنّة والشيعة في لبنان، أو على الأقل بأن مثل هذه الخطوة من جانب «حزب الله» ستكون مُكلفة للغاية له وقد تؤثّر بشدة على صورته في العالمين العربي والإسلامي.

وكان الحريري قد نجح مؤخّراً في تحويل قضية المحكمة إلى خط أحمر سنّي في لبنان، وفي دفع العديد من القادة السنّة الآخرين إلى الاندراج في هذا الموقف. وهو يدرك أنه على رغم أن «حزب الله» وحلفاءه يستطيعون إسقاط الحكومة، إلا أنهم يريدون منه شخصياً التنازل في هذا الشأن، من جهة لأنه نجل رفيق الحريري الراحل، ومن جهة أخرى لأنه لن يكون من السهل اقناع زعيم سنّي آخر بالحلول مكانه على رأس الحكومة ليقوم علناً بمنح «حزب الله» ما يريد في هذه القضية الفائقة الحساسية في العلاقات السنية - الشيعية.

وقد يلزم «حزب الله» الهدوء إلى ما بعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان في الفترة بين 13 و15 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وهي الزيارة التي سترفع وتيرة التوتر مع إسرائيل والغرب، ومع السعودية ومصر ودول عربية أخرى. وفي أي حال، فالتصعيد الداخلي سيبدأ على الأرجح بعد انتهاء هذه الزيارة، وستتوافر لدى «حزب الله» بالتأكيد مروحة واسعة من الخيارات السياسية والأمنية التي يمكنه استخدامها ضد الحريري. لكن، إذا رفض هذا الأخير الرضوخ، حتى ولو حوصر عسكرياً وسياسياً، فإن البلاد ستدخل مرحلة طويلة من الشلل والتوترات شبيهة بتلك التي حدثت بين أواخر 2006 وأوائل 2008، ولكن بحدة أكبر. فهذه المرة، لن تكون المجابهة سهلة الحل عبر اتفاقية شبيهة باتفاق الدوحة الذي نظّم أمراً واقعاً، بل قد تتضمن انهياراً أوسع لمقومات الدولة ولأجواء الإجماع على اتفاق الطائف.

ان مستوى الانقسام في لبنان وصل الى ابعد الحدود حيث يطال مفهوم الدولة، ومبدأ السيادة، وموقع الدستور والمؤسسات الدستورية، والهوية الوطنية، ووحدة الشعب، وصيغة الحكم وتقاسم السلطة، والسياسات الخارجية والأمنية، وغيرها من القضايا الجوهرية. وإذا طال أمد المواجهة، فقد تجر البلاد الى أزمة سياسية مفتوحة تتعدى قضية المحكمة والحكومة وتشبه مرحلة النصف الثاني من عقد الثمانينات. وفي خواتيم أزمة طويلة كهذه، قد يُصر «حزب الله» على إعادة النظر في بعض مقومات اتفاق الطائف، ومنها صيغة تقاسم السلطة في البلاد.

والواقع أن «حزب الله» في وضع مشدود للغاية، فهو قد يُواجه قرارات ظنية دولية، وحرباً مُحتملة مع إسرائيل، أو عزلة إذا ما أحرزت مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية أو السورية - الإسرائيلية تقدماً. وفي المقابل، يتمتع الحزب بهيمنة تاريخية وكاسحة في لبنان، وهو يرى كيف شرّعت الطائفة الشيعية الشقيقة في العراق دورها القوي هُناك. وعلى رغم أن «حزب الله» تعايش في السابق مع الأمر الواقع وصيغة الطائف، مُفضّلاً التركيز على قضايا الأمن والمقاومة، إلا أنه قد يختار، في ضوء المأزق والتحديات الحادة التي يُواجهها، وفي معترك أزمة مفتوحة الأمد والأفق، أن يستخدم قوته الكاسحة لإعادة فتح ملف الطائف والمطالبة بالدور المركزي لطائفته في الحكم والحكومة.

بالطبع، لاشيء مُحتّماً في هذا السيناريو، كما لن تكون الأمور سهلة إذا ما سارت في هذا الاتجاه. لكن مع ذلك، ولأنه لا يبدو أن ثمة حلاً وسطاً للنزاع حول المحكمة، ولأن هذا النزاع يلامس قضايا وجودية وحساسة جداً لدى كلٍ من الطائفتين السنّية والشيعية في لبنان، فإن المحكمة قد تُسفر ليس فقط عن أزمة سياسية وأمنية، بل عن أزمة دولة ونظام.

ربما لا يزال ثمة وقت لتجنّب التدهور السريع. فجنبلاط يحض رئيس الحكومة على التجاوب مع طلبات «حزب الله» لإجراء تحقيق سريع حول قضية شهود الزور. ورئيس الحكومة لمح من قبل إلى أنه حتى ولو اتهمت المحكمة أعضاء في «حزب الله»، فإنه مستعد لتبرئة الحزب وقيادته وتجاوز هذه المسألة. قد يكون في المستطاع العثور على حل وسط على أساس هذه المواقف. لكن، وكما تبدو الأمور اليوم، فإن البلاد مُتّجهة إلى مجابهة مديدة قد تتخطى نتائجها قضية المحكمة ومصير الحكومة الحالية.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

================

تقسيم السودان: فشل ام نجاح؟

الخميس, 30 سبتمبر 2010

حسان حيدر

الحياة

يطرح تقسيم السودان الذي بات شبه مؤكد ولا ينقصه سوى اعلان النتائج الرسمية للاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي سيجرى بعد مئة يوم، تساؤلات عن الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية التي تسلمت الحكم في الخرطوم بعد انقلاب 1989 في ايصال البلاد الى هذا الفشل الذريع في الحفاظ على الوحدة الجغرافية والمواطنية، والذي يفتح الباب امام انقسام آخر ربما في الشرق الدارفوري، او ما اذا كانت هذه الحركة التي انقلبت ايضاً على مؤسسيها قد «نجحت» في ازالة «العقبة الرئيسية» امام اقامة «امارة» اسلامية خالصة في الشمال.

وبين «الفشل» و «النجاح» يسجل التاريخ ان السودان سيكون الدولة العربية الأولى في مرحلة ما بعد الاستعمار التي تقسم بموجب «أمر واقع» داخلي وصمت عربي ورعاية دولية، فيما تتراجع نظرية «المؤامرة» الجاهزة للاستخدام كلما واجه نظام عربي أزمة في ايجاد ارضية مشتركة بين مكونات شعبه المتنوعة دينياً وعرقياً، مثلما هي الحال في العراق ولبنان.

واذا كان نظام البشير يقدم نفسه على انه «ضحية» تراكم ظروف وعوامل داخلية وخارجية حرمته من اي خيار آخر سوى القبول بنتائج الاستفتاء، في اطار موافقته على انهاء اطول حرب اهلية في افريقيا، فإن منتقديه يردون بأنه شجع عملياً على الانفصال عندما امتنع اساساً عن ممارسة شراكة صحيحة مع الجنوبيين الممثلين في حكومة الخرطوم ورفض مبدأ التقاسم الفعلي للسلطة، وتلكأ في تقديم اي حوافز للجنوبيين لإبقائهم داخل الوطن الأم، وتعامل معهم سلفاً على اساس انهم كيان مستقل وباشر التفاوض مع «الحركة الشعبية» التي تمثلهم على ملفات لمرحلة ما بعد الانفصال وتقاسم الثروة النفطية والمياه وسواها، حتى انه لم يتردد في اعلان انه سيسقط الجنسية عن الجنوبيين فور اعلان نتائج الاستفتاء، قاطعاً بذلك الطريق على اي احتمال للتعددية في الشمال.

ويقول المنتقدون ايضاً ان الإسلاميين وصلوا الى الحكم في وقت كان العالم يقطع خطوات متقدمة نحو الاعتراف بحق الاختلاف، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانقسامه جمهوريات قومية ثم مع تفكك دول مثل يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا على اساس عرقي وديني، فلم يدركوا اهمية هذا التغيير في المفاهيم الدولية، ولم يفعلوا شيئاً لتفادي المصير نفسه، لو كانوا فعلاً راغبين في تجنبه. فهم أصروا على أسلمة القوانين وفرض تطبيقات الشريعة من دون مراعاة الواقع التعددي، والتضييق على الأقليات وحرمانها من حقوقها تدريجياً، ولم يقدموا تطمينات عملية لشركائهم بأن المد الأصولي لا يعرض الوحدة الوطنية للخطر ولا يدخلها في تجارب غير مضمونة النتائج مثلما حصل.

تصرف نظام الخرطوم وفق مبدأ وحيد هو ضمان استمراريته، فلم يتنبه الى ان الحروب «الداخلية» جغرافياً لم تعد شأناً داخلياً للدول، بل صار لها بعد دولي يمكن ان يؤدي الى معاقبة انظمة وحتى سقوطها، فكان ان تورط ايضاً في اغراء ممارسة القوة في دارفور، ما جعل رئيسه مطلوباً للعدالة الدولية، وزاد من سعيه الى محاولة استرضاء العالم عبر التخلي اكثر عن جنوبه وبشروط لفظية فحسب.

================

عن إسرائيل وليبرمان وتغيير قواعد التسوية

المستقبل - الخميس 30 أيلول 2010

العدد 3786 - رأي و فكر - صفحة 20

ماجد عزام()

عندما طالب افيغدور ليبرمان بتبني فكرة تبادل الأرض والسكان بدلا من الأرض مقابل السلام كقاعدة لعملية التسوية والمفاوضات الجارية الآن بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لم يكن يعبر عن رأي شخصي بالمعنى الحرفي للمصطلح كما زعم فيما بعد ببساطة لان ليبرمان نفسه لم يعد شخصا هامشيا في الساحة السياسية الإسرائيلية وعندما يطرح رئيس الحزب الثالث في إسرائيل والثاني في الائتلاف الحاكم رأيا فان من الصعوبة بمكان التعاطي معه وكأنه رأي شخصي لا شان للحكومة أو لإسرائيل به .

من حيث المباد يجب التعاطي بحذر مع معظم التصريحات والإخبار الواردة من إسرائيل والتمعن والتمحيص فيها جيدا قبل استخلاص الاستنتاجات الملائمة منها وبالنسبة لتصريح ليبرمان الأخير لا يمكن تجاهل إمكانية التنسيق أو التفاهم مع نتنياهو على فحواه خاصة إن هذا الأخير كان قد اعتبر قبل سنوات أمام مؤتمر هرتسيليا السنوي عرب ال 48 بمثابة خطر استراتيجي يجب التنبه له ومواجهته وهو ما تضمنته الوثيقة الشهيرة نفسها التي رفعها رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين إلى رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت إذن فليبرمان بديماغوجيته وصخبه وفظاظته لا يفعل شيئا أكثر من التعبير عن حقيقة تصورات المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل دون أي تجميل أو تزييف.

هنري كيسنجر قال ذات مرة أن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط واستخدام هذا المنطق لفهم تصريحات ليبرمان يعنى إن هذا الأخير ليس شخصاً عدمياً بل هو في الحقيقة صاحب رؤية ويملك خطة للسلام وانه لا يرفض عملية التسوية جملة وتفصيلا وإنما بالعكس يسعى إلى إنجاحها عبر وضعها على القاعدة او السكة الصحيحة كما يراها.

أما المطالبة باستبدال قاعدة الأرض مقابل السلام بقاعدة تبادل الأرض والسكان فتعنى تحديثاً أو تجميلاً وتحريفاً للموقف التاريخي لليمين الرافض للقاعدة الأولى ولكن بدلا من طرح فكرة السلام مقابل السلام التي لا تعنى في الجوهر سوى استمرار الأمر الواقع يتم طرح فكرة تبادل الأرض والسكان العنصرية والتعجيزية في ان لإغراق المفاوضات في المتاهات وتجاوز القضايا الأخرى المصيرية والصعبة والحساسة مثل القدس والحدود واللاجئين.

في السياق التكتيكي يحاول ليبرمان صد الضغوط المطالبة بمواصلة الكبح المؤقت والجزئي للاستيطان في الضفة الغربية عبر تكريس القناعة بان المستوطنات ليست المشكلة وأما استراتيجيا فهو يساوى بينها رغم كونها غير شرعية او قانونية وفق القوانين والمواثيق، وبين القرى والمدن والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 كما بين المستوطنين وأصحاب الأرض الأصليين من عرب 48 .

ربما لم ينتبه كثيرون إلى زعم ليبرمان ان مطالبته بتغيير قواعد عملية التسوية تأتي ردا على رفض السلطة والجامعة العربية الإقرار بيهودية إسرائيل وبالتالي فان حصول ذلك ينسف فكرة تبادل الأرض والسكان من أساسها وهنا نعود إلى فكرة التواطؤ والتنسيق مع نتنياهو وتحضر فكرة المؤامرة أيضا في ضوء ما نشره موقع قضايا عبرية الأربعاء 24 آب الماضي عن مؤامرة سرية بين نتنياهو وليبرمان لصد الضغوط المطالبة بتمديد الكبح المؤقت للاستيطان عبر تهديد الثاني بالاستقالة من الحكومة وفرط الائتلاف ما يعنى في المحصلة انتخابات مبكرة تضع عملية التسوية والجهود الأميركية في الثلاجة إلى إشعار آخر .

غير ان اخطر الأمور في ما وراء وخلفيات تصريح ليبرمان يتمثل في نفي مسؤولية الفشل السابق -واللاحق - لعملية التسوية عن إسرائيل وإلقائها على الفلسطينيين والعرب كما على المنهج الخاطئ والقواعد غير المناسبة التي تم إتباعها من قبل أمريكا والمجتمع الدولي من اجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي للصراع في فلسطين والمنطقة .لا خوف على عرب 48 الواعين جدا لما يحاك لهم والمصرين على التمسك بحقوقهم وخوض الصراع حتى النهاية دفاعا عنها غير إن الأمر مختلف للأسف في الضفة الغربية وغزة ورغم التحليل الصحيح لتصريحات ليبرمان من قبل السلطتين إلا أن الاستنتاجات لم تكن كذلك طالما لم يتم إنهاء الانقسام وتكريس المصالحة من اجل مواجهة ليبرمان و الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل فلا فائدة من الثرثرة والجعجعة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع .

 () مدير مركز شرق المتوسط للإعلام

===================

بصيص أمل بالنسبة إلى الاقتصاد

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

1-10-2010

لم يطرأ تغيير كبير في الرأي العام بعد الإعلان الأسبوع الماضي عن انتهاء الركود الكبير، الذي شهد أكبر انكماش وأطوله بالنسبة إلى الأعمال التجارية منذ الحرب العالمية الثانية، من الناحية التقنية في يونيو (حزيران) 2009.

قد يعتبر هذا تعافيا للاقتصاد، لكن بالنسبة إلى معظم الأميركيين فإنهم لم يشعروا أنه كذلك، فالثقة داخل الشركات لا تزال مهزوزة ومعدل البطالة يتجاوز 9%. وليس من المفاجئ أن نجد المواطنين في حالة الذعر وتحظى جماعات سياسية متطرفة بحالة من الزخم، فحتى الأخبار الجيدة تترك الناس مهتمين.

دعونا نرجع إلى إعلان يوم الاثنين الصادر عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو المؤرخ الرسمي لدورة الأعمال التجارية، فقد ذكر أن الانكماش الاقتصادي الذي بدأ في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007 استمر 18 شهرا، وأن معدل التوظيف استمر في الانخفاض لمدة ستة أشهر بعد ذلك التاريخ.

ولا يزال الاقتصاد ضعيفا، ففي الربع الثاني من هذا العام نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 1.6% فقط. والأرقام هزيلة جدا بحيث إنه من السهل أن يغيب عن بالنا ما تعنيه، فقد انتهى التباطؤ الذي هز الولايات المتحدة، والذي بدا لبعض الوقت أنه قد يتسبب في انهيار الاقتصاد العالمي. ربما بدأت حالة ركود جديدة، على الرغم من أنه يبدو أن الاقتصاديين يشككون على نحو متزايد في احتمالية حدوث سيناريو التراجع هذا بنسبة مكونة من رقمين. ولكن حتى لو حدث فإنه سيكون بداية لدورة جديدة لها أسبابها ونتائجها.

الحياة الاقتصادية لها نوع من الاضطرابات الخاصة، فعندما تكون الأوضاع جيدة فإن المستثمرين والمستهلكين يصابون بالهوس، يتصرفون كما لو أن الأيام السعيدة لن تنتهي أبدا، فيقترضون كثيرا وينفقون أكثر من اللازم على شراء العقارات والأصول الأخرى ويخاطرون بأكثر مما يستطيعون تحمله، وهذه هي صورة من سنوات الفقاعة التي أوصلتنا إلى سقوط عام 2008.

وعندما جاء الانهيار الحتمي أخيرا، سيطرت حالة من الاكتئاب على «وول ستريت» وداخل «مين ستريت» على حد سواء، وتصرف المواطنون كما لو أن هذه الأوقات العصيبة ستستمر إلى الأبد، وأصبحوا أيضا حذرين للغاية. وحاول المستثمرون الحفاظ على أموالهم في حالة سائلة قدر الإمكان، مفضلين العائد المنخفض لسندات الخزينة على الاستثمار في الأصول ذات المخاطر الأعلى، وأرجأ المستهلكون عمليات الشراء الكبيرة ليحافظوا على مدخراتهم.

إن الأمر ليس مريحا للذين فقدوا وظائفهم، ولكن بطء النمو في فترة ما بعد الركود له بعض الفوائد. وعنصرا الاختلال الكبيران في الاقتصاد الأميركي - معدل الادخار المنخفض وعجز الميزان التجاري المرتفع - هما في صورة أفضل بكثير حاليا، ويوفران إمكانات للنمو الاقتصادي المستدام بمجرد عودة الثقة مرة أخرى.

ولا يزال العجز في القطاع العام مرتفعا بشكل مخيف، ويرجع ذلك جزئيا إلى الإنفاق الذي كان ضروريا للتعامل مع الكساد العظيم. ولكن للمرة الأولى منذ عشر سنوات أصبح لدينا إدارة تبدو جادة في إعادة بناء القاعدة المالية بزيادة الضرائب على الأشخاص الذين لديهم القدرة على دفع المزيد مع خفض الإنفاق على المخصصات.

من الخطأ التفكير في الاقتصادات بمعايير ثابتة، فهي في حالة حركة مستمرة، في اتجاه أو آخر. ولكن كما هو من الخطأ افتراض أن الازدهار الاقتصادي سيستمر للأبد، فإنه من الخطأ أيضا توقع أن اقتصادا ينمو ببطء خارج من ركود كبير سيبقى في حالة ركود دائم. ففي مرحلة ما سيشعر الناس أن الأسوأ قد انقضى، ويبدأ الاستثمار وإنفاق المال بمعدلات أكثر من المعتادة.

ويمكن أن تتغير الحظوظ السياسية بنفس سرعة تغير الحظوظ الاقتصادية. ويبدو أن السوق السياسية في الوقت الحالي تقبل فكرة أن باراك أوباما رئيس فاشل. لقد كانت مبادراته المتفائلة والمتحمسة غير مناسبة مع اقتصاد لم تلتئم جراحه بعد.

ولكن من السهل تخيل تغير هذه الصورة إذا ما سُجل نمو مضطرد خلال 2011، وإذا حدث ذلك فإن الكثير من القرارات غير المحبوبة سياسيا التي اتخذها أوباما - بدءا من عمليات الإنقاذ لقطاع السيارات و«ول ستريت» ووصولا إلى حزم التحفيز الاقتصادي - قد تبدو أكثر جاذبية أمام المواطنين.

منذ أكثر من عام يتحدث مسؤولون بارزون داخل البيت الأبيض وكأنهم واثقون من أن استراتيجيتهم السياسية ستحقق نتائج طيبة في نهاية المطاف. ويقول مسؤول بارز مرة بعد أخرى في حديثه معي: «أحب الوضع الذي نحن فيه، فعندما يقارن الناس رئيسا يعمل بجد من أجل الطبقة الوسطى بكونغرس جمهوري يرفض كل شيء، سيحبون هذا الشاب». وعلى مدى أشهر شككت في أن هذا المسؤول وزملاءه داخل البيت الأبيض يعرفون الكثير عما يتحدثون حوله، ولكن فكر في ذلك: لقد انقضى الركود الكبير، وهذا أمر رسمي، وسيحتاج إلى بعض التحسينات الصغيرة نسبيا على الهامش كي تحظى الانتعاشة الاقتصادية بنوع من الزخم. وحينها لن تبدو الأشياء المؤكدة في هذا الموسم السياسي مؤكدة بنفس الدرجة بعد الآن.

* خدمة «واشنطن بوست»

===================

الطائفية في الواقع العربي: إشكالية السنّة والشيعة

الجمعة, 01 أكتوبر 2010

شفيق ناظم الغبرا

الحياة

اخترقت الطائفية بين الشيعة والسنة المجتمعات العربية والإسلامية كما تخترق النار الهشيم. انها ظاهرة يصعب إيقافها بسبب فشل يتخمر في الدولة العربية وسياساتها. في العراق تعبّر الحالة الطائفية بين الشيعة والسنة عن المقدرة التفتيتية للظاهرة، أما في لبنان فالصراع السني الشيعي أصبح أكثر أهمية وعمقاً، وفي الكويت بإمكان شخص أن يفرقع البلاد ببضعة جمل كما حصل مؤخراً، أما في البحرين فالوضع يزداد تعقيداً بين الطائفتين: الغالبية الشيعية والأقلية السنية، وفي اليمن صراع مسلح بين الحوثيين الأقرب الى الشيعة (الزيدية) من جهة وبين الدولة المركزية ذات الغالبية السنية.

هذه مقدمات وليست نهايات، إذ يبشر الوضع بمزيد من التفتت الطائفي في دول عربية لم تؤسس لدولة القانون والمشاركة واحترام الرأي الآخر. بعد عقود على الاستقلال السياسي ينتظر كل منا في أوطاننا الصغرى زلة من أحد أفراد الطائفة الأخرى لتقوم قيامتنا ونصفي حساباتنا السياسية ونطلق العنان لاستغلال العاطفة الدينية الجياشة لدى بسطاء الناس. لقد أصبحنا بفضل ضعف التعليم وعدم حيادية دولنا حيال المسألة الطائفية طوائف متصارعة قبل أن نكون مواطنين ملتزمين.

في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كان لسان حال العرب «لن نعيد صراعات وخلافات الأمس وكأنها وقعت اليوم». في ظل هذه الأجواء انضم شيعة جنوب لبنان الى «المقاومة الفلسطينية» بقيادة حركة «فتح» ذات القيادة السنية ولكن غير الطائفية، وانضم الشيعة الى جانب السنة والمسيحيين الى القوميين العرب والحركة القومية بقيادة عبد الناصر، وانضم السنة والشيعة معاً الى التيار البعثي واليساري العربي من المحيط الى الخليج. في هذه الأجواء عاش المسيحي العربي الى جانب السني والشيعي المسلم في معظم أنحاء الشرق من دون التفات الى اختلاف ديني. فالدين وفق التصور العربي في ذلك العصر كان ينظر إليه كأمر خاص يرمز الى العلاقة الروحية بين الفرد وربه بينما الوطن للجميع وفق حقوق وواجبات. هذا لا يمنع أن انكسارات وانتكاسات كبرى وقعت في ذلك التفكير كان أولها انفجار الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥.

ومنذ جاءت الحركات الإسلامية خاصة منذ ثمانينات القرن العشرين والطائفية بلا مواربة جزء طبيعي من الصورة. فكيف لا تكون الطائفية أساس المشهد في ظل تركيز الحركات الإسلامية على الفوارق الدينية بين الناس؟ لم يعد الفرق بين إنسان وآخر يتجلى في عمله وموقفه وسياسته وأخلاقه بل أصبح أكثر وضوحاً في انتمائه الديني والمذهبي وطريقة صلاته وتعبده. وعوضاً عن بناء المشترك بين الديانات والطوائف في المجتمعات العربية أصبح الاختلاف والتصادم على أبسط المسائل من طبائع الأمور.

لقد سعى الإسلام السياسي لإعادة إحياء ما وصلنا من القرون الوسطى وعصور الظلام بكل ما فيها من تعبير عن ظروف الأمس وعقائده وقيمه. لقد تحول هذا الموروث بفضل الإسلام السياسي الى مشروع سياسي يجدد معارك الأمس بين هذه الصحابية وذلك الصحابي، وبين خلفاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبين دول اندثرت وأزمان مرت وأمم اختفت. في هذا أصبح السني السلفي يناقش المتدين الشيعي بتفاصيل ما وقع في موقعة الجمل وكل موقعة، وعاد الى المسلمين استخدام لفظ «النواصب» عن السنة ولفظ «الرافضة» عن الشيعة. فجأة تلبدت الغيوم في بلادنا، وأصبح الاختلاف على صحة هذا أو ذاك يسبب نزاعاً حول قضايا لم تعد أساسية للعصر الذي نعيش فيه وللعلاقة بين الناس في حلهم وترحالهم.

إن قضية الشيخ ياسر الحبيب الذي سحبت جنسيته الكويتية الشهر الماضي هي آخر مثال على هذا الصراع. ومنذ شهور منع السيد الفالي، وهو رجل دين شيعي، من دخول الكويت بسبب اتهامه بالإساءة الى الصحابة. وقبل عامين وقع اختلاف كبير مع الشيعة في الكويت على تأبين عماد مغنية، ومنذ أيام فضّت اجتماعات للسلفيين السنة في الكويت ممن تجمهروا احتجاجاً على ما قاله الشيخ ياسر الحبيب بحق السيدة عائشة زوجة الرسول. والواضح أنه بإمكان ذات السجالات أن تمر مرور الكرام لو انطلقنا من أن لغة الاستفزاز تمثل مشكلة لمستخدمها وصانعها. ربما لو نظرنا الى الأمر من زاوية مختلفة لما كانت ردة فعلنا بهذه الحدة.

إن الاحتجاج بالتحديد في الكويت على ما قاله الشيخ ياسر حبيب أمر طبيعي، فالذين يختلفون معه كثر، وكان هذا يكفي. ولكن سحب جنسيته، بهدف معاقبته وإرسال رسالة الى غيره، لا يفعل إلا العكس، إذ جعل قطاعاً كبيراً من المواطنين ممن لا علاقة لهم بالأمر يشعرون بعدم الأمان والتخوف حتى لو لم يظهروا هذا الآن، كما انه يجعل مسألة الجنسية وسحبها سيفا مصلتاً على كل مواطن يمكن أن يتهم بتقويض الوحدة الوطنية أو الإساءة الى الأمن الوطني حتى لو لم يفعل هذا. فمن الذي يقرر الإساءة الى الأمن الوطني أو الوحدة الوطنية: القضاء أم الرأي العام أم السلطة التنفيذية أم البرلمان أم الشارع أم الطوائف؟

المؤكد الآن أن هذه الفوضى والحدة ستبقى الى أن نجد حلاً كما فعل الغرب تجاه كل أنواع التعبير بما فيها أكثرها استفزازاً وغرابة. فالرأي حتى لو كان غريباً يجب أن يعود على صاحبه، فان أصاب أيده الناس وأحبوه وأقبلوا على أفكاره وإن أساء قاطعه الناس وانتقدوه وابتعدوا عمّا يقول مما سيدفعه الى إعادة النظر.

وتؤكد الحقيقة التاريخية أنه في زمن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قال البعض عنه ما قالوا، فسامحهم، وقال بعضهم عنه أسوأ الأقوال فعفا عنهم وكسبهم الى جانبه فأصبحوا من أشد مؤيديه المؤمنين برسالته. هذا النموذج القيادي الذي يدير الاختلاف والتنوع هو نموذج يفتقده العالم العربي في زمننا هذا. فعرب اليوم يردون الإساءة بإساءة أسوأ منها، ويردون الصاع صاعين خاصة على بني جلدتهم، ويردون الخطأ بخطأين. في النهاية نحن نجلد أنفسنا ونقسم عالمنا ونحمّله ما لا يحتمل، كما أننا نظلم الكثير من الأبرياء في الطريق.

وأتساءل لماذا لا نكتفي برد مقنع يساهم في خلق أجواء أفضل؟ الواثق من نفسه لا تهزه كتابات ولا هجمات ولا مغالطات أو قذف مهما كان بذيئاً وسطحياً. الرد يجب أن يكون بالمنطق، فهو أقوى سلاح وأكثره ثباتاً وإبهاراً. بل ربما يكون الأفضل في بعض الأحيان عدم الرد. ألا نجد أحياناً كأفراد أن كلاماً سفيها يقال لنا في العلن وفي أماكن كثيرة لا يستحق منا حتى مجرد التفكير في الرد؟ أم أننا يجب دائماً أن ننجر الى أسفل الدرك في كل خصومة واختلاف؟

ونتساءل ما دخل الدولة بصراع سني أصولي مع صراع أصولي شيعي؟ من قال انه بالإمكان إيقاف هذا الإعلام الهادر وحرية كل من يريد أن يقول أكثر الأفكار غرابة واستفزازاً؟ ألا يتحول كل هذا الى معارك جانبية لا يمكن لطرف أن ينتصر فيها على الآخر؟ أليس واجب الدولة الأول أن تتعامل مع الكهرباء والماء والبيئة والتعليم والتنمية والاقتصاد والدفاع والتخطيط عوضاً عن أن تنجر الى معارك جانبية لا تغير شيئاً من واقع؟

إن الصراع السني الشيعي والصراعات الدينية في بلادنا العربية، من الكويت الى العراق، تؤكد أهمية فصل الديني عن الزمني، وتؤكد ضرورة أن لا تتدخل الدولة في المسائل الدينية إلا لمصلحة التهدئة، كما تؤكد هذه الأحداث أهمية أن يكون للقضاء رأي وللعقلانية مكان. فهناك في التاريخ الإسلامي الكثير من الغرائب، وفي كتب الأقدمين الكثير من الأمور التي بعضها صائب وبعضها لا يجيزه العقل أو المنطق، بعضها دخل على المسلمين السنة وبعضها دخل على المسلمين الشيعة وبعضها لا علاقة له بالإسلام.

إن فصل الزمني عن الديني هو المدخل لحماية الدول من صراعات المذاهب واختلافها. في حالة الشيخ ياسر الحبيب في الكويت أصر التيار السلفي على سحب جنسيته فتم له ذلك على رغم انه علاج للخطأ بخطأ فادح، وفي حالات قادمة سيصر التيار الآخر على سحب جنسية الآخرين وانزال اشد العقوبات. الأمر لن ينتهي سوى بتعميق المخاوف في أوطان تعيش على الخوف. لنتذكر أن الهويات الخائفة تتحول الى هويات مقاتلة وكثيراً هويات جارحة وقاتلة كما يؤكد الروائي أمين معلوف في روايته. ألا يمتلئ التاريخ الأوروبي بنماذج أدت في النهاية الى تدمير أوروبا مرات ومرات؟

ما ينقص العالم العربي هو الحكمة والحوار والرحمة بين فئاته. بالحوار والحكمة يمكن استيعاب الاختلاف والفوضى. بالحكمة والحوار يمكن السماح للناس بالرد من دون اللجوء الى قرارات تخلق أحقاداً وتظلم أبرياء؟ الحكمة تقول أن الناس تخطئ وتعود عن الخطأ وأن العقوبة المشددة ليست حلاً لقضايا الرأي مهما كانت الآراء سطحية واستفزازية؟ الحكمة تقول أنه لا يوجد خطر على الدين من آراء شخص أو كاتب أو شيخ. بل تؤكد التجربة أن الخطر الحقيقي هو في رد الفعل لأنه يعالج العنف الكلامي بعنف جسدي والعنف الكلامي بعنف يؤثر على مجتمع يفتقد الأمان والاستقرار. آن الأوان للبحث عن المشترك، للبحث عن العقلنة، للتروي، لعدم الانجرار وراء ردود الفعل العاطفية والتعصب.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

===================

بازار المتاجرة باستقرار لبنان

الجمعة, 01 أكتوبر 2010

نيويورك - راغدة درغام

الحياة

يجدر بالرئيس باراك أوباما أن يستيقظ الى ضرورة التعاطي مع ما يجري في لبنان لأنه سيؤثر على دول عدة في المنطقة العربية وقد يؤدي الى شرارة تأتي بشر حروب إقليمية وأهلية. الانصباب على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في محله، لا سيما أن الأخطاء الأميركية ورّطت هذا المسار في تفصيل المستوطنات فقزّمته بدلاً من إبقاء المسألة في خانة إنهاء الاحتلال. إنما هذا المسار يجب ألا يعمي إدارة أوباما عما يحدث في لبنان لأن ما يحدث خطير للغاية وسينعكس بالتأكيد على دول عربية، صغيرة وكبيرة. فلا يجوز للولايات المتحدة أن تورّط هذا البلد ثم تتركه يتخبط بين «حزب الله» من جهة وإسرائيل من جهة، لا سيما إذا استمر التجاهل الأميركي والدولي لما يجري هناك. وضمن ما يجري نوع من البازار للاتجار بالاستقرار في لبنان تشارك فيه دول غربية مثل فرنسا وعربية مثل سورية التي تتصرف الآن تحت عنوان المصالحة والتفاهمات السعودية – السورية. ما يجري هو أن «حزب الله» حوّل المحكمة الدولية لمقاضاة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري و22 من رفاقه الى عدو، وبدأ حملة تخوين وتخويف لكل من يدعم هذه المحكمة، وتوعّد بشل البلد بأكمله والسيطرة عليه إذا لم يتراجع رئيس الحكومة سعد الحريري، عن المحكمة والعدالة والبحث عمن قتل والده. سعد الحريري سار في الخطة التي رسمتها له دمشق عندما قال إن الاتهام الذي وُجِّه الى سورية بالتورط باغتيال الحريري الأب هو «اتهام سياسي». هذه الخطوة لم تأتِ عليه بما كان يشتهيه بل العكس. فلقد أخذت الديبلوماسية السورية أقوال الحريري الى الأمم المتحدة وطالب وزير خارجيتها وليد المعلم الأمين العام بان كي مون بإلغاء المحكمة على أساس أن أقوال سعد الحريري تثبت أن المحكمة مسيّسة. المعلّم حمّل بان كي مون مسؤولية انهيار استقرار لبنان إذا لم يتخذ الإجراءات نحو إلغاء المحكمة وضرب صدقية المدعي العام دانيال بلمار. وبان كي مون رد عليه بأنه لا يملك مفاتيح المحكمة وليس في وسعه إلغاؤها بل انه متمسك بمبدأ العدالة. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي عقدت أول اجتماع على هذا المستوى مع نظيرها وليد المعلم هذا الأسبوع طرحت عناوين ما تتمناه للعلاقات اللبنانية – السورية، لكنها بدت وكأنها ابريل غلاسبي، السفيرة الأميركية الى العراق في لقائها مع الرئيس حينذاك صدام حسين قبيل غزوه الكويت – أي برسالة عائمة. بل إن هناك مصادر تقول إن إدارة باراك أوباما دخلت بازار متطلبات الاستقرار وتود تجنب إصدار المحكمة الدولية قرارات اتهام ظنية ضد أفراد من «حزب الله» أو مَن قد يتبعهم من سورية أو غيرها. فهي، كما يبدو، تبدي تفهماً لمتطلبات نسف العدالة بدلاً من نسف الاستقرار في سياسة شبه عشوائية، لأن لا ضمانات لديها حول شكل الاستقرار ما بعد انتصار «حزب الله» وسورية في إلغاء المحكمة، ولا تصوّر عندها لمعنى الخضوع وافرازاته على الساحة اللبنانية والإقليمية.

التصور القائل إن مفتاح الاستقرار في لبنان يكمن في إعادة النفوذ السوري إليه، كي يتم تقليص نفوذ إيران و «حزب الله»، هو تصور يتجاهل الموقف السوري الأساسي، الذي يقوم على انه مهما حدث من «شد حبال» أو بدا من جفاء بين القيادة السورية و «حزب الله» فان القيادة السورية على أعلى المستويات تنظر الى «حزب الله» باعتباره «جيشها» في المعادلة مع إسرائيل ولن تتخلى عنه أو عن إيران. لذلك إن تكتيك سلخ سورية عن إيران فاشل في أساسه لأن التحالف الاستراتيجي بين إيران وسورية و «حزب الله» باقٍ مهما مر عليه من اختلافات بعضها جذري حقاً.

الخلل الآخر هو افتراض أن مفتاح الاستقرار في لبنان هو في إعادة الدور السوري الذي كان مهيمناً عليه قبل خروج القوات السورية في أعقاب اغتيال رفيق الحريري. هذا موقف يضرب سيادة واستقلال لبنان، وهو يبدو وكأنه يعطي سورية حق التحكم في دولة مجاورة ثارت ضدها في الماضي القريب. ولقد بدأت الأوساط السورية الرسمية تتحدث مع لبنانيين بلغة المطالبة ب «تحسين السلوك». وهذه لغة تخويف هدفها الإخضاع.

ثالثاً، إن ما يجري في لبنان هو محاولة انقلاب الأمر الواقع على الحكومة بقرار مشترك في نهاية المطاف من «حزب الله» وسورية وإيران، وهذا يعني، في حال نجاحه، إن هذا المحور سيقوى حتى وإن اختلف أقطابه على التكتيك هنا وهناك، أو حتى على الفحوى أحياناً، مثل الاختلاف على ضرب استقرار دول عربية كالبحرين والكويت، وعليه فالاستهتار باستقلال لبنان سيؤدي الى انتقال العدوى الى دول خليجية.

الخوف من انتقام إيران من دول مجلس التعاون الخليجي التي تنفذ العقوبات التي يفرضها قرار مجلس الأمن يكاد يكون ذعراً لدى بعض القيادات الخليجية. وتنظر طهران الى المصالحة السعودية – السورية وانعكاسها على لبنان على أنها محاولة لاختطاف أحد أهم أوراقها وهي النفوذ العسكري على الحدود مع إسرائيل. ف «حزب الله» ورقة غالية جداً لدى إيران، وكما تعتبره سورية «جيشاً لها» كذلك تعتبر طهران انها أولى باعتباره جيشها علماً أنها تموّله وتمده بالسلاح.

الاستقطاب الذي يحدث في لبنان ينذر بتحويله قريباً - وربما مباشرة بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للجنوب اللبناني - الى ساحة حروب مباشرة وبالوكالة. فالخوف ليس فقط من تفجّر صراع مذهبي يستخدم لبنان ساحة له. الخوف هو أيضاً من قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد لبنان استغلالاً للتطورات الداخلية، بدءاً بسيطرة «حزب الله» بصواريخه على البلد وتحويله الى قاعدة عسكرية لإيران. هكذا تنشب حرب مدمرة إذا نفذت إسرائيل توعداتها بألا تسمح بتكرار فشلها العسكري في لبنان كما في عام 2006.

قد يخيّل للبعض أن حرباً إسرائيلية في لبنان لن تتوسع لتشمل المنطقة العربية. انما في عهد بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان، فما تتمناه إسرائيل هو الذريعة – عبر حرب موسّعة قليلاً – بحيث تنفذ «تنظيف» إسرائيل من الفلسطينيين لتصبح دولة يهودية محضة. وهذا يتطلب الطرد الجماعي والإبعاد القسري وإحياء السياسة الإسرائيلية الأساسية وهي: اعتبار الأردن الوطن البديل للفلسطينيين. كذلك، إن مضي إيران بالعمل نحو امتلاكها السلاح النووي قد لا يترك مجالاً أمام إسرائيل ولربما أيضاً الولايات المتحدة سوى للقيام بعمل عسكري. وهذا يعني أن منطقة الخليج التي تنفق الأموال الباهظة على البناء وعلى التسلح ستقع بين فكي الكماشة الإيرانية – الإسرائيلية في مواجهتهما بالوكالة في لبنان وفي مواجهتهما بحرب مباشرة. والشرارة تكمن اليوم في لبنان.

الرئيس اللبناني ميشال سليمان حمل الى الأمين العام للأمم المتحدة مخاوفه على استقرار البلد وحاول أيضاً تحميله المسؤولية الأخلاقية إذا لم يقم بإلغاء المحكمة. وزير الخارجية السوري وليد المعلم أيضاً حمّله المسؤولية الأخلاقية وقال له إن إصدار القرار الظني باتهام «حزب الله» سيضرب استقرار البلد، وإن على الأسرة الدولية أن تتنبه وأن تتحمل مسؤولياتها. قال إن سعد الحريري برّأ سورية وهذا يثبت أن المحكمة أداة سياسية يجب إلغاؤها وأن الجهود السعودية – السورية ترمي الى تأجيل إصدار القرار الظني ويجب على الأسرة الدولية أن تلعب دورها في تحقيق ذلك.

الذين يعرفون بان كي مون قالوا انه شعر ب «خيبة أمل» لدى سماعه مطالبته بإلغاء المحكمة والقفز على العدالة، لأن أطرافاً استبقت القرار الظني وقررت أن المحكمة الدولية هي العدو. قال بان كي مون لوليد المعلم إن على جميع السياسيين التوقف عن الإدلاء بهذه المواقف العلنية الاستباقية والتوقف عن الحملة ضد استقلالية المحكمة. قال انه لا يملك صلاحية الحكم المسبق ولا يملك صلاحية التدخل في شؤون المحكمة الدولية – وبالتأكيد ليس في يده إلغاؤها وهي التي ولدت في مجلس الأمن الدولي بقرار ملزم. قال إن لا مناص من دعم الأمم المتحدة للمحكمة لأنها أتت بطلب لبناني وأنشئت بموجب قرار لمجلس الأمن. وقال إن دانيال بلمار مستقل ولا داعي لديه للتشكيك في صدقيته.

هناك استراتيجية هجومية مدهشة يقوم بها «حزب الله» مع سورية ضد المحكمة لدرجة تخوين من يدعمها واعتباره عميلاً لإسرائيل بحسب «حزب الله». مقابل ذلك، هناك استراتيجية أميركية وفرنسية توحي بالخضوع للاستراتيجية الهجومية بكل ما ينطوي ذلك عليه من عشوائية تفكير وقصر نظر وخطر كبير يحدق بلبنان بأسرع مما كان متوقعاً.

===================

رياح سيئة تهب على فرنسا

بقلم :ديدييه بيليون

البيان

1-10-2010

ستبقى لصيف عام 2010 ذكرى مؤلمة لجميع المواطنين الفرنسيين المتمسّكين بقيم الجمهورية. وشعار «الحريّة والمساواة والإخاء» المنقوش على واجهات المباني الفرنسية العامّة، قد نسيته الحكومة كما يبدو، وسلسلة الأحداث الأخيرة تثير القلق.

 

الملف الأكثر ترددا في وسائل الإعلام، هو ملف «الغجر» منذ شهر يوليو/ تموز الماضي. إن وزير الداخلية ووزير الهجرة ينفّذان حرفيا النهج الذي حدده رئيس الجمهورية، ويفتخران يوميا بالانتصار وتفكيك مخيمات الغجر وطردهم إلى رومانيا.

 

لا شك أن دمج بعض فئات السكان يشكّل تحديا كبيرا، ومن الصعب حلّه نظرا للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الفرنسي. والحلول التي ينبغي تطبيقها بالسرعة القصوى، لا يمكن أن تكون إلاّ على الصعيد الأوروبي. لكن من غير المقبول استهداف مجموعة من السكّان على أساس إثني.

 

إننا نعرف، للأسف، منذ وقت طويل، أنه في زمن الأزمات لا يتردد بعض الساسة في استخدام الخوف كأداة، من أجل تحويل الأنظار نحو مواضيع ثانوية، وزرع التفرقة بين المواطنين. وهكذا تكرر في العقد الماضي الخطاب الأمني ذاته، بقصد كسب أصوات ناخبي اليمين المتطرّف. وجرى التخويف من الآخر على أساس أنه مختلف.

 

إن مثل هذا التكتيك نجح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما تدلّ النتائج المتراجعة التي حققها الحزب العنصري برئاسة جان ماري لوبن وابنته. لكن استخدام مثل هذه الطرق شديد الخطورة بالنسبة لفرنسا، ذلك أنها تتنافى مع القيم التي تأسست عليها منذ الثورة. والربط بين الجنوح والهجرة خطأ سياسي، وغير مقبول أخلاقيا. ومنذ أسابيع تنهار أشكال النقد والإدانة على فرنسا.

 

إن لجنة إلغاء التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، والسلطات الدينية البابا نفسه والهيئات الأوروبية، أدانت كلّها سياسة السلطات الفرنسية حيال الغجر. وبدلا من أن تأخذ الحكومة في اعتبارها النقد الموجّه لها وتعدّل الإجراءات المطبّقة، لجأت إلى القدح والتحريض. ولم يتردد إيريك بيسّون، وزير الهجرة، في توجيه النقد الشديد للمفوضية الأوروبية. وبيير لولوش، سكرتير الدولة للشؤون الأوروبية، قلل من دور الهيئات الأوروبية. ونيكولا ساركوزي نفسه، اعترض بطريقة عنيفة على مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، أثناء انعقاد المجلس الأوروبي يوم 16 سبتمبر/ أيلول.

 

إنها سياسة الأرض المحروقة، تلك التي انتهجها القادة الفرنسيون بابتعادهم عن كل خطاب عقلاني. هذا مع أن التحديات الحقيقية للمجتمع الفرنسي، لا يمكن اختزالها إلى المسائل الأمنية.

 

سلسلة الأحداث هذه تجري في فترة تواجه فيها فرنسا تحديات اجتماعية معقّدة، خاصة ذلك التحدّي المتعلّق بإصلاح نظام التقاعد. إن الرهان كبير هنا بالنسبة لملايين الفرنسيين، وأكثر أهمية بكثير من وجود بضعة آلاف من الغجر في فرنسا.

 

في مثل هذا السياق، يشهد معسكر اليمين الحاكم حالة من الانقسام، لا سيما وأن الرئيس ساركوزي قد أعلن خلال الصيف عن تعديل حكومي، وكل وزير يتساءل عمّا إذا كان سيبقى في منصبه بعد بضعة أسابيع.

 

وقد أعلن وزيران أساسيان؛ هما وزير الدفاع ووزير الخارجية، عن اختلافهما حيال التعامل مع ملف الغجر، دون أن يستقيل أحدهما، كما أخذ رئيس الوزراء نفسه مسافة شكلية عن رئيس الجمهورية. مثل هذا الوضع لم تعرفه أبدا الجمهورية الخامسة الفرنسية في تاريخها.

 

إن الجو العام يتدهور، ودوائر السلطة تجد نفسها في حالة هروب إلى الأمام، وهي غير قادرة على كبحه. الوضع بلغ درجة من الخطورة تتطلّب التحرّك سريعا، وصورة فرنسا تدهورت على الصعيد الدولي، وفقد الرئيس من مصداقيته على الصعيد الفرنسي وفي الخارج، فالنجاحات التي حققها في الانتخابات الرئاسية قد أصبحت وراءه.

باختصار، لا يمكن لفرنسا أن تكون على صواب والجميع على خطأ. والخطاب الأمني لا يمكن أن يشكّل سياسة حقيقية.

في المحصّلة، بات من الملحّ أن تستعيد السلطات السياسية تماسكها، وأن يتم الدفاع عن قيم الجمهورية.

رئيس تحرير المجلّة الدولية والاستراتيجية المركز الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية

===================

هل بات حل أزمة المنطقة مرتبطاً بحل الملف النووي الإيراني؟

زيارة الأسد لطهران تفتح باب السلام أو الحرب

اميل خوري

النهار

1-10-2010

بات واضحا لكثير من السياسيين المراقبين ان لا حل لمشكلة السلاح خارج الدولة أيا تكن وظيفته ودوره إلا بتحقيق السلام الشامل في المنطقة بحيث تنتفي اسباب وجوده او تحقيق تفاهم مع ايران حول برنامجها النووي.

والواقع أن عملية السلام الشامل لا تزال تواجه حتى الآن العراقيل والصعوبات ولا سيما من حكومة نتنياهو المتطرفة، وقد يكون الانتقال من المسار الفلسطيني الى المسار السوري أسهل انما لا يحقق لاسرائيل الأمن الذي تضعه في رأس أولوياتها، وتحقيق هذا الامن يتطلب من سوريا منع مرور الاسلحة الايرانية عبر أراضيها الى لبنان وهذا ما لا توافق عليه سوريا حتى ولو استعادت الجولان وذلك حرصا منها على بقاء تحالفها مع ايران التي لا تطلب منها سوى المحافظة على سلاح "حزب الله" ولا تمانع في المقابل في عقد اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل شرط عدم ازالة هذا السلاح، ولا لبنان في حال توصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل قادر على توفير الامن لاسرائيل لانه لا يستطيع حتى وضع سلاح "حزب الله" بأمرة الدولة اللبنانية، ولا معارضة موقف ايران وسوريا في هذا المجال، فلا يبقى إذاً سوى التفاهم مع ايران على برنامجها النووي لأن الواقع في المنطقة جعلها هي المشكلة وهي الحل. فلا لبنان يستطيع معارضة موقف سوريا ولا مصلحة لسوريا في معارضة ايران وفك تحالفها معها.

لقد أخطأ الكثيرون عندما راهنوا على انفكاك التحالف بين سوريا وايران لتضارب المصالح في ما بينهما في لبنان وفي العراق وفي فلسطين، وإذ بهاتين الدولتين تحافظان على تحالفهما رغم حصول تعارض أو تضارب في هذه المصالح. وكان المدير السابق لدائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية قد أعلن في حديث له عام 2009 "أن الذين يداعبهم حلم ابعاد سوريا عن ايران واهمون لا بل ان حلمهم عبثي في اشارة الى المساعي الغربية والاسرائيلية الساعية الى فك التحالف الوثيق القائم بين دمشق وطهران لانه تحالف استراتيجي مؤكدا أن التأثير الايراني في سوريا "لا يلمس فقط الجوانب السياسية والاقتصادية بل مناحي الحياة بما فيها الثقافية والاجتماعية وغيرها". ونظرا الى الدور المتصاعد لطهران في المنطقة رأى الديبلوماسي الفرنسي السابق "أن ايران يمكن ان توصف ب"القوة المتوسطية" واستبعد التوصل الى تسوية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية لان هذا يدل عليه تاريخ المفاوضات بينهما، وهذا ما جعل نتنياهو يقترح التركيز أولا على السلام الاقتصادي وتحسين الاحوال المعيشية وفتح الطرق ورفع الحواجز وتسهيل الحركة للفلسطينيين على ان ينظر في فرص التسوية "بعد عشرة او خمسة عشر عاما". وتساءل الديبلوماسي الفرنسي السابق عن حقيقة الخطة الاسرائيلية وهي محاولة تكريس الانقسام الفلسطيني عبر كيانين غير متصلين هما غزة والضفة وترك "حماس" متحكمة بغزة على ان تطبق اسرائيل تجاهها سياسة الاحتواء أي الاستمرار بمحاصرة القطاع بشكل او بآخر والرد العسكري على ما تعتبره انتهاكات فلسطينية بضرب غزة. كما تساءل عن حقيقة الالتزام الاميركي البحث عن حل سياسي للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، وما دامت واشنطن تؤكد ان دورها ليس "فرض الحل" بل الاستماع... عدا التخوف من الدور الذي يمكن ان يلعبه الكونغرس في لجم سياسة الرئيس أوباما اذا اعتبرتها اسرائيل محابية للعرب. لذلك فان أهداف واشنطن الآنية في حال فشل محاولتها الاخيرة تحقيق سلام فلسطيني - اسرائيلي، هي الوصول الى استقرار الوضع في غزة ووضع حد لتهريب السلاح وفتح كل المعابر بوجه المساعدات الانسانية واعادة البناء والنهوض الاقتصادي وعدم اعاقة المصالحة الفلسطينية. وانتقد الديبلوماسي الفرنسي الدول والجهات التي تجعل من ميثاق "حماس" "فزاعة" لرفض التعاطي معها، وقد بلغه أنها تقبل بدولة فلسطينية في حدود عام 1967، ويمكن جعلها تقبل بمبادرة السلام العربية لان القبول بها يبقى أكثر سهولة من قبول شروط الرباعية وهي الاعتراف باسرائيل ووقف العنف وقبول الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير.

لقد صح ما توقعه الديبلوماسي الفرنسي السابق قبل أكثر من سنة، رغم تكرار مطالبة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون سوريا بالابتعاد عن ايران وبالمزيد من التعاون في العراق ووقف التدخلات في لبنان وعدم نقل او تسليم سلاح الى "حزب الله". وردت دمشق على ذلك بالقول انها تقيم علاقاتها الدولية بناء على مصالح شعبها وانها ترتبط بعلاقات استراتيجية مع ايران بالاستناد الى مصالح البلدين وأن سوريا كانت دائما مؤيدة لحق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية ودأبت على التوضيح للأميركيين والغربيين موقفها الداعي دائما الى الحل السلمي للملف النووي الايراني.

وعندما زار رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون دمشق قبل أشهر قال في حديث له "ان ملف ايران مرتبط بالسلام والامن في الشرق الاوسط، وأن هذا السلام يمر الآن بمرحلة تغيير في موقف الحكومة الايرانية. وأضاف "لقد مددنا اليد الى هذه الحكومة من دون ان ننجح". وأعرب عن الامل في "أن تساعدنا سوريا في هذه الجهود لكي تتراجع ايران عن اتخاذ قرارات خطرة على السلام في العالم".

وكانت ايران ومنذ عام 2008 ربطت بين أزمة ملفها النووي وبين حل مشكلات اخرى في العالم منها لبنان والعراق وافغانستان. وطالبت بدمج حزمة الحوافز الغربية التي قدمت لها في حزيران 2008 وبين حزمتها التي قدمتها في تموز من العام نفسه موضحة أن دمج الحزمتين يجب ان يكون أساس التفاوض بين طهران والمجتمع الدولي.

والسؤال الذي يطرح لمناسبة زيارة الرئيس الاسد المرتقبة لطهران هو: هل يتناول البحث كل هذه المواضيع ولا سيما موضوع النزاع العربي – الاسرائيلي وسبل التوصل الى حل نهائي له ومدى ربط حل هذا النزاع بحل موضوع الملف النووي ودور ايران في المنطقة ولا سيما في العراق وأفغانستان. فاذا تبين ان ايران لن تسهل سير عملية السلام الشامل في المنطقة وهي قادرة على العرقلة في سوريا وفي لبنان وفي فلسطين وفي العراق، فانه يصبح مطلوبا اشراك ايران في هذه العملية كما صار اشراك تركيا فيها عندما قامت بدور الوسيط بين سوريا واسرائيل في المفاوضات غير المباشرة خصوصا ان الحرب الاقتصادية على ايران لن يكون لها تأثير في المدى المنظور وأن العمل العسكري ضدها ليس الطريقة المثالية لحل الازمة النووية كما أعلن الرئيس أوباما نفسه حتى وإن ظلت على الطاولة.

الى ذلك يرى بعض المراقبين أنه لا بد من تفاهم مع ايران على حل لملفها النووي لكي يصير في الامكان التوصل الى حل لازمة الشرق الاوسط المزمنة وانهاء النزاع العربي – الاسرائيلي، وأن التوصل الى هذا التفاهم يسهل الحل في العراق وفي أفغانستان ويشق الطريق الى السلام بين اسرائيل من جهة وفلسطين وسوريا ولبنان من جهة أخرى، وتنتهي مع تحقيق هذا السلام وظيفة أي سلاح خارج أي دولة في المنطقة مع انتهاء مبرر وجوده.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ