ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

حزب الشاي

المستقبل - السبت 18 أيلول 2010

العدد 3774 - رأي و فكر - صفحة 19

مرح البقاعي

اتخذ حزب الشاي من سارة بيلين - الشخصية الألمع في الحزب الجمهوري - خطيبة منيفة ستنقله من ظاهرة اجتماعية مناهضة لسياسة أوباما في رفع الضرائب، إلى حركة سياسية سيكون لها وزنها وحضورها في الانتخابات النصفية القادمة في العام 2010، وتالياً في الرئاسية في العام 2012. ولحزب الشاي جذور تاريخية تمتد إلى القرن الثامن عشر إبان حرب الاستقلال الأميركية، وقد ظهرت بوادره الأولى في العام 1773 عندما فرض الملك جورج الثالث على المستعمرات البريطانية في أميركا ضرائب على الشاي المستورد من الهند، ما أدى إلى حركة رفض واسعة بين أصحاب البواخر الناقلة للشاي وقام بعضهم برمي حمولة الشاي في البحر اعتراضاً على دفع الضرائب عليها، كما حدث في بوسطن؛ بينما حجزت إدارة الجمارك حمولة بواخر أخرى في نيويورك وفيلادلفيا لمدة ثلاث سنوات، إلى أن تمّ تحرير الحمولة من قبل رجال الثورة الأميركية وبيعت مادة الشاي وجُيّرت عائدات مبيعها لصالح تمويل الثورة الأميركية.

تتحرّك سارة بيلين بين جموع مؤيّديها من حزب الشاي برشاقة سياسية بليغة لم يعهدها المشهد السياسي الأميركي المعاصر من قبل. هي ابنة ال45 عاما، والتي صقلتها تجربتها السياسية التي بدأت رحلتها باكرا، ودفعها واقع "الفرص المتاحة" لكل مواطن أميركي ذي كفاءة إلى مشارف قمة الهرم السياسي الأميركي.

خسرت بيلين الانتخابات على كرسي نائب الرئيس للعام 2008، لكنها لم تغب مطلقاً عن المسرح السياسي الأميركي، فمنذ استقالتها من منصبها كحاكمة ولاية ألاسكا، تفرّغت للنشاط السياسي كمتحدّثة بارزة في مؤتمرات الحزب الجمهوري؛ وأصدرت كتاباً عن مذكراتها السياسية والشخصية حمل عنوان: الخروج عن الصراطGoing Rogue ، وقد تصدّر الكتاب قائمة مبيعات الكتب على موقع أمازون الشهير حيث بيعت منه مليون ونصف المليون نسخة في الأسبوع الأول لصدوره، وقبل الإعلان عنه رسميّاً؛ وقبلت بيلين مؤخّراً عرضاً من قناة فوكس التلفزيونية لتقديم برنامج أسبوعي يحمل عنوان: قصص أميركية حقيقية (Real American Stories)، ظهرت الحلقة الأولى منه في مساء الأول من نيسان الفائت، ولاقت نجاحاً لافتاً.

لسارة بيلين سمعة سياسية نضرة تجعلها متفوّقة في مجال الإصلاح السياسي، والإدارة، ومحاربة الفساد، حتى لو خالفت أحياناً البرنامج السياسي لحزبها الجمهوري. ولها مواقف مشهودة في مقاومة الجماعات الضاغطة من أصحاب المصالح الخاصة، وكذلك شركات النفط الكبرى العابرة للقارات. ففي فترة حكمها لولاية ألاسكا أقرّت زيادة ضريبية على أرباح الشركات الكبرى يعود جزء من عوائدها إلى دافعي الضرائب؛ وبالإضافة إلى ذلك، ناصرت تشريعاً نص على وجوب انقضاء سنة على الأقل بين ترك السياسيين لمناصبهم الحكومية وتولّيهم العمل لصالح شركات الطاقة العملاقة العاملة في الولاية، وذلك في محاولة لدرء الفساد والرشوة.

وسجلُّ بيلين السياسي سجلٌّ محافظ، لا سيما في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية؛ فبيلين تعارض الإجهاض، وهي عضو في منظمة نسائية ضد الإجهاض تدعى ناشطات من أجل الحياة (Feminists For Life)، كما أنها تعارض زواج المثليين. إلا أن بيلين ليست أيديولوجية متشددة، وللتأكيد على هذه الصفة نجد أول فيتو رفعته بيلين كحاكمة لولاية ألاسكا ضد مشروع قانون من شأنه حرمان موظفي حكومة الولاية المثليين من الحصول على الحقوق والإعانات نفسها التي تقدم للأزواج والزوجات. وقد حظيت بيلين بشعبية لافتة لدى سكان الولاية التي حكمتها في الفترة الواقعة بين عاميّ 2006 - 2009، ونالت باستمرار تقييماً جيداً لسياساتها، ولكيفية تأديتها لوظيفتها، حتى بين سكان مناطق الولاية الحدودية المتّسمين بالخشونة والقسوة. وقد جعلها مظهرها الجاذب، ما عرف بالماركة المسجّلة (ابتسامة بيلين الشهيرة)، جعلها مقبولة حتى في نظر الرجل الخشن - سائق الشاحنة في أقاصي ولاية ألاسكا.

اعتبر العديد من الصحفيين الأميركيين أن اختيار ماكين ل"امرأة لتكون مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، هو بمثابة محاولة للتقرّب من مؤيدي هيلاري كلينتون الذين أصيبوا بخيبة كبيرة لغياب اسم كلينتون عن البطاقة الديمقراطية (عوضاً عن بايدن) في منصب نائب الرئيس الحالي أوباما، الذي سارع حين تولّيه الحكم ليقدّم لها وزارة الخارجة كجائزة ترضية عقب خروجها من سباق الرئاسة! وقد أشارت بيلين في إحدى خطبها بشكل محدّد إلى كلينتون، قائلة "إنه يمكننا أن نحطم ذلك السقف الزجاجي الذي أحدثت كلينتون شقوقاً فيه". ويشير "السقف الزجاجي" إلى عائق غير مرئي يمنع النساء والأقليات من الارتقاء إلى مناصب قيادية. وكانت هيلاري كلينتون تأمل أن تخترق هذا السقف بالفوز بأهم منافسة في تاريخ أميركا السياسي.

ومن أشرس ما تعرضت له سارة بيلين كامرأة أولا، وأم تاليا، هو تلك الانتقادات المغرضة التي تسلّلت إلى عقر دارها والزوايا شديدة الخصوصية من علاقاتها مع أفراد عائلتها، بدءاً من مساءلتها عن حمل ابنتها غير الشرعي - وهي السيدة المحافظة التي لم تستطع حماية ابنتها المراهقة من الوقوع في مشكلة الحمل خارج الزواج، مرورا بالاتهامات التي وجِّهت إليها باستخدام نفوذها حين كانت حاكمة لألاسكا للانتقام من طليق شقيقتها والعمل على طرده من عمله، وصولا إلى محاكمة قدرتها، كأم لخمسة أبناء وبنات، على إدارة منصب شديد الحساسية (منصب ناب رئيس الولايات المتحدة). وأنا لا أجد في هذا إلا افتراء وانتهاكاً تعرضت له بيلين لمجرد كونها امرأة تترشح إلى "منصب تنفيذي"، فهل سبق أن سُئل مرشح "رجل" لنفس المنصب، وله عدد من الأولاد، عن قدرته في إدارة عمله بما لا يتنافي مع مسؤوليته كأب؟!

وبقلم كبيرة المحررين في جريدة التايم، بيليندا لوسكومب، نقرأ: "إن الأميركيات يكرهن سارة بيلين لأنها تتمتع بقدر بليغ من الجمال"! وتشير لوسكومب في مقالها الذي حمل عنوان "لماذا تكره بعض النساء الأميركيات سارة بيلين" وذلك في إشارة إلى سيكولوجية المرأة تجاه بنات جنسها قائلة: "كنا في المدرسة نكره الفتيات الجميلات، وكنا نغتابهن دائماً". ونصحت الكاتبة الأحزاب الأميركية في حال ترشيح امرأة إلى منصب ما "الابتعاد عن اختيار امرأة جميلة لأنها ستثير غيرة النساء الناخبات، على أن يراعى في الوقت نفسه أن لا تكون المرشحات قبيحات لأن الرجال في حالها لن يمنحونهن أصواتهم". وختمت التايم أن المشكلة الأعظم لدى بيلين هي أنها تعاني من "الشعور بالفوقية"، فالنساء حسب لوسكومب "إما أن يكنّ خجولات جداً أو مغرورات جداً، وأن سارة بيلين تنتمي إلى النوع الثاني الأكثر إثارة للغيرة والحنق من قبل النساء حصراً".

أميركا الفرص والخيارات الكبرى لم تبدُ لي مهيّأة لتنصّب "امرأة" على الكرسي التنفيذي الأعلى لدولتها العظمى ولا على نيابته، بينما قررت بإجماع منقطع النظير أن تمنحه إلى رجل "أسود"، ولأول مرة في تاريخها منذ تحرير السود. فهل التمييز ضد المرأة هو آخر أعراض التفرقة العنصرية التي مازالت تنخر المخ البشري مهما ارتقى في سلم المعرفة والحضارة؟ وهل تنجح أميركا في السنوات الأربع القادمة أن تتحرر من عقدة الفصل العنصري على أساس الانتماء "الجنسي" كما نجحت في حسم أمرها على أساس "العرقي" منه، وانتخبت أوباما الأسود سيداً للبيت الأبيض؟

كل الإشارات تنبئ أن سارة بيلين، وبذكائها السياسي الغرائزي، خرجت من تجربتها الانتخابية العسيرة بزادٍ أغنى، وشعبية أوسع، وتصميم أكبر على خوض المعركة الانتخابية مجدّداً في العام 2012، ولكن مباشرة إلى سدة الرئاسة، وليس النيابة هذه المرة، معزّزة بأتباع ومريدين وجدوا فيها وفي حركة حزب الشاي طرفاً ثالثاً في الحياة السياسية الأميركية التي تفرّد بها الحزبان الجمهوري والديمقراطي بلا منافس حقيقي ثالث.

=============================

واشنطن تحرّك التسوية في الجولان اذا فشلت مع الفلسطينيين

السبت, 18 سبتمبر 2010

سليم نصار*

الحياة

بين المراسلين الأجانب الذين غطوا أخبار الحرب اللبنانية اشتهر ديفيد هيرست وروبرت فيسك، كصحافيين يتمتعان بفهم سياسي عميق لتاريخ البلد الذي تابعا تطور أحداثه وأحداث المنطقة لفترة تزيد على ثلاثين سنة.

آخر كتاب أصدره ديفيد هيرست تحت عنوان مثير للجدل هو: «حذار الدول الصغرى». وأعطى الحرب التي خاضها «حزب الله» صيف 2006 كمثل على عجز الدول الكبرى عن منع حروب الدول الصغرى، بخلاف ما كانت تفرضه صيغة الاحتواء طوال مرحلة الحرب الباردة.

في مواجهة صيغة الأدوار المتغيرة التي عرضها هيرست في كتابه، طرح زميله روبرت فيسك نظرية الإرباك الاستراتيجي الذي تعانيه الولايات المتحدة نتيجة سياسة الارتجال والتخبط في تعاملها مع الأزمات المتنامية من فلسطين حتى أفغانستان. وقال فيسك خلال المحاضرة التي دعت اليها «جمعية الصداقة اللبنانية - البريطانية» في لندن، إن اسرائيل شنت ست حروب ضد لبنان خسرتها كلها. وهذا ما اضطرها في كل مرة للانسحاب بعد الفشل في تحقيق أي من أهدافها السياسية والأمنية.

ولكنه في الوقت ذاته، أعرب عن تخوفه من نشوب حرب مفاجئة عام 2011 باعتبارها تشكل موعد الاستحقاقات للكثير من الأزمات المتفجرة على جبهات المنطقة كلها: فمن أزمة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في شأن القدس واللاجئين والحدود... الى معالجة البرنامج النووي الإيراني قبل الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان... ومن تزايد احتمالات مشاريع الانفصال في السودان واليمن والصومال... الى البحث عن قائد باكستاني يقود الانقلاب العسكري المطلوب لامتصاص النقمة الشعبية العارمة.

مع دخول العام المقبل بعد ثلاثة أشهر، يبدو من الصعب بلورة اتفاق فلسطيني - إسرائيلي في ضوء المعلومات التي تشير الى مخطط لبناء 1362 وحدة سكنية في القدس الشرقية وحدها. ومنذ 1967 والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية يحول دون تحقيق فكرة دولتين لشعبين. وهذا ما يفرض على كل رئيس وزراء إسرائيلي تجنب الكأس المرة منذ اغتيل إسحق رابين بسبب تحدي المستوطنين.

على رغم هذه المحاذير فإن وزير الخارجية هيلاري كلينتون أخبرت العاهل الأردني عبدالله الثاني، أنها طلبت من نتانياهو تمديد قرار تجميد الاستيطان لمدة عشرة أشهر أخرى. وفي تصورها أن العقوبات المفروضة على إيران قد تجبرها على تعديل مواقفها المتشددة بحيث تشجع مصالحة «حماس» مع السلطة الفلسطينية.

ويرى المراقبون في عمان أن مسألة تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة يحظى بدعم الأردن، لأن فشله يحيي مشروع شارون «الأردن هو فلسطين». والملاحظ في هذا السياق أن عدداً من السياسيين الإسرائيليين بدأ بنشر ذكرياته عن أحداث «أيلول الأسود» عام 1970. واعترفت الغالبية منهم بالخطأ الذي ارتكبته إسرائيل لأنها ساعدت الأردن عسكرياً ومنعت انتصار منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات. وهي تتوخى من حكومة نتانياهو ألا تكرر خطأ 1970 في حال اصطدمت المعارضة الأردنية مع النظام!

في مؤتمره الصحافي الأخير، قال الرئيس باراك أوباما «إن تجميد الاستيطان سيساعدنا على التصدي لإيران». وكان بهذا الربط يشير الى ضرورة فصل العلاقة الوثيقة بين طموحات إيران النووية وإنشاء دولة فلسطين. وللتوصل الى هذه النتيجة ترى الإدارة الأميركية، أنه لا بد من انتظار نتائج العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وقد أعلن غاري سيمور، مستشار أوباما لشؤون الحد من الانتشار النووي، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن طهران تحتاج الى سنة واحدة لاستكمال صناعة قنبلة ذرية. لهذا قال نتانياهو إن لديه الوقت الكافي لحسم رأيه في شأن استهداف محطة «بوشهر» النووية، أو مواقع أخرى أكثر ارتباطاً بالبرنامج النووي الإيراني.

الرئيس أحمدي نجاد قال في أكثر من مناسبة، إن رهان أميركا على نتائج المقاطعة الاقتصادية لن يضعف طموحات ايران النووية. والدليل أن العقوبات خلال السنوات الأربع الماضية، لم تعرقل عملية تخصيب اليورانيوم. ويستبعد نجاد أن تكون المقاطعة الاقتصادية مدخلاً لاستخدام الخيار العسكري كما حدث مع العراق. وقد هدد بإقفال مضيق هرمز الذي يؤمن اربعين في المئة من الصادرات النفطية للسوق العالمية. كما هدد باستخدام سلاح النفط بحيث يربك الأسواق ويرفع الأسعار في شكل جنوني لا يحتمله الوضع الاقتصادي المهترئ في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

كل هذه التهديدات لن تجبر إسرائيل على التراجع عن القرار الذي اتخذته حكومة مناحيم بيغن في العاشر من أيار 1980 بضرورة نسف كل مفاعل نووي يقام في المنطقة. ويرصد الخبراء العسكريون بيّنات واضحة على الاستعدادات الإسرائيلية لهجوم محتمل على إيران، والدليل على ذلك أنها اشترت القنابل الخاصة بتدمير المخابئ المحصّنة المسماة «القنابل الذكية» من نوع «جي بي يو - 39». كما باشر رئيس الأركان الجديد يؤاف غالانت عمليات تدريب جنود الاحتياط على مواجهة الرد الإيراني المحتمل إثر قصف منشآت ايران النووية.

في سياق هذه الاستعدادات، قام نتانياهو الشهر الماضي بزيارة مفاجئة لأثينا استمرت يومين. ومع أن رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو كان زار إسرائيل عقب توتر علاقاتها مع أنقرة، إلا أن نتانياهو استغل المناسبة لإقناع الحكومة اليونانية بالموافقة على مرور الطائرات الحربية المتجهة نحو إيران.

وكانت تركيا التي أقامت علاقات عسكرية واستخبارية وثيقة مع إسرائيل، ألغت مناورات مشتركة إثر الهجوم الإسرائيلي الدامي على الأسطول التركي المتجه نحو شاطئ غزة. كما أعلنت رفضها مرور الطائرات الإسرائيلية في أجوائها، كما كان يحدث سابقاً.

هل يعني كل ذلك أن الاستعداد للحرب سيفرض نشوبها حتى لو أدى ضرب إيران الى إشعال كل الجبهات المتعاطفة معها؟!

من المؤكد أن جبهة الجنوب اللبناني ستكون الأكثر اشتعالاً والأكثر استهدافاً لأن إسرائيل في هذه المرة ستنتقم لحروبها الست التي خسرتها في لبنان منذ اعتداء 1978. كما ستنتقم من «حزب الله» الذي نزع منها عنفوان انتصاراتها في حربي 1967 و1973.

الإدارة الأميركية تبحث عن خيارات أخرى في حال فشل مشروع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، أو تأخرت إيران في امتلاك قنبلة نووية. وهي ترى أن التفاوض في شأن استرداد مرتفعات الجولان أسهل ألف مرة من التفاوض على ملكية الضفة الغربية، حيث تتداخل الأديان والعقائد في صنع التاريخ والجغرافيا. لهذا طالبت اللجنة القانونية في الكنيست بضرورة إجراء استفتاء شعبي بعد حصول الحكومة على موافقة 61 نائباً.

بخلاف المفاوضات المشروطة مع الفلسطينيين، فإن سورية تطرح شرطاً أساسياً وضعه الرئيس الراحل حافظ الأسد قبل مفاوضات جنيف: «السلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان». ويبدو أن إسرائيل رحبت بهذا الخيار الذي يعفيها من تهمة الاحتلال، ويصورها من جديد دولة مهتمة بالسلام مع العرب. وترى واشنطن أن مثل هذه التسوية - إذا تمت - تغيّر وجه المنطقة، وتحل المشكلة مع إيران من دون حرب.

موقف فرنسا في هذا السياق لا يختلف عن موقف إدارة أوباما. وقد نقل المبعوث الرئاسي الفرنسي لعملية السلام كوسران رسالة من الرئيس نيكولا ساركوزي الى الرئيس بشار الأسد يشير فيها الى أهمية تحريك المسار السلمي السوري - الإسرائيلي. وترى دمشق في الدور الفرنسي صورة مختصرة عن دور دول الاتحاد الأوروبي. في حين دعا الرئيس الأسد الى أهمية التنسيق مع تركيا في هذا الشأن من أجل البناء على ما تم التوصل إليه في المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي.

وتتطلع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى مهمة السفيرة الجديدة في بيروت مورا كونيلي التي عملت كقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة في دمشق. لذلك عينتها مساعدة لها في دائرة الشرق الأوسط، واستفادت من تجربتها السابقة. وقد اختصرت كونيلي مهمتها بالقول أمام الرئيس ميشال سليمان ووزير الخارجية علي الشامي والمدير العام بالوكالة وليم حبيب: «إنه لشرف عظيم لي أن أخدم بلدي في لبنان، الوطن الذي التزمنا الحفاظ عليه مستقلاً ذا سيادة مع مؤسسات الدولة القوية والفاعلة».

وكانت السفيرة بالتأكيد قد اطلعت على البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية والذي ينتقد فيه رئيس الجمهورية المشككين بالمؤسسات الدستورية والشرعية والقضائية. وكان بهذا البيان يعبر عن قلقه من استفحال الأزمة السياسية التي ساعدت تصاريح رئيس الحكومة سعد الحريري في تأجيجها. وبسبب الفلتان العشائري والاستهانة بسلطة القانون أظهرت المواجهات التلفزيونية أن لبنان يعاني من انحلال أخلاقي وثقافي يقوض تدريجاً منعة التكافل الاجتماعي وحصانة الهدف الوطني المشترك.

في أول لقاء تم بين الرئيسين بشار الأسد وسعد الحريري، استمهله الأسد برهة ليسأله قبل أن يجلسا ويباشرا الحديث: «أرجوك أن تجيب بصراحة، هل لديك ذرة من الشك في أن سورية لم تغتل والدك؟».

ونفى الحريري أي اتهام لسورية. ولكنه لم ينكر أنه يبحث عن الحقيقة في عملية اغتيال والده. وكان بالتأكيد يتوقع من سورية مساعدته على كشف الحقيقة، لأنها كانت مولجة بحماية الأمن والسلامة العامة بواسطة رئيس جمهورية وأجهزة قادرة على رصد تحركات كل المواطنين، وهي اليوم تسعى الى استرداد نفوذها بعد غياب خمس سنوات، وذلك بواسطة «وكلاء حصريين» في وقت تضطرها أحداث المنطقة الى نقل نشاطها الى العراق.

* كاتب وصحافي لبناني

=============================

مستقبل اوباما معلّق بالملفات الاقليمية العالقة

الجمعة, 17 سبتمبر 2010

نيويورك – راغدة درغام

الحياة

سيرافق شبح الانتخابات النصفية الأميركية الرئيس باراك أوباما عندما يمضي حوالى خمسة أيام في نيويورك الأسبوع المقبل ليتناول القضايا الدولية الشائكة والعلاقات الثنائية المهمة مع قادة الدول المشاركين في قمة «الأهداف الإنمائية للألفية» في الأمم المتحدة. سيتداخل بعض الملفات الإقليمية مع الانتخابات النصفية لجهة التأثير في حال الرئيس الأميركي في الانطباع العالمي وعلى صعيد وضعه الداخلي ومستقبله في البيت الأبيض. بين هذه الملفات الشائكة ملف السودان الذي تزداد المخاوف نحوه بعدما بدأ العد العكسي الى مئة يومٍ لموعد إجراء استفتاء على تقرير مصير الجنوب واحتمال انفصاله. فالإدارة الأميركية صعّدت في آن واحد ديبلوماسية الإغراء والتوعدات بعقوبات وربما بتدخل إذا تدهور الوضع في الجنوب أو إذا تملصت الحكومة السودانية من التزامها بالاستفتاء.

الأسبوع المقبل سيشارك باراك أوباما في لقاء دعا إليه الأمين العام بان كي مون على مستوى الرؤساء لأعضاء مجلس الأمن والدول المجاورة لتناول ملف السودان. بالتأكيد، هو واعٍ لمراقبة المنظمات الأميركية الإنسانية واليمين المسيحي لمحاسبته على أية خطوة وهذا مهم له في فترة الانتخابات. هناك، بالطبع، ملف استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي ستنتقل أيضاً الأسبوع المقبل الى نيويورك في جولة برعاية باراك أوباما. هذه المفاوضات فائقة الأهمية للرئيس الأميركي الذي أوفد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مع مبعوثه الخاص السناتور جورج ميتشل للمشاركة فيها لإنجاز تفاهمات حول مسألتي الحدود والأمن كمفتاح لإنهاء الاستيطان وقيام الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل. مردود نجاح هذه المفاوضات واضح. أما فشلها فإنه مكلف للجميع، بما في ذلك ربما للرئيس الأميركي الذي يراهن على هذه المفاوضات ضمن استراتيجية إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط. وهنا يأتي ملف إيران وأهميته البالغة، أما في حال فشل ديبلوماسية الترغيب «الأوبامية» وانتهائها بالاضطرار للمواجهة بأكثر من العقوبات، أو في حال نجاحها وانتهائها ب «الصفقة الكبرى» grand Bargin المجهولة الفحوى والمقايضات فستكون إيران حاضرة الأسبوع المقبل في نيويورك، ليس فقط في المحادثات الثنائية والجماعية للدول الكبرى في مجلس الأمن وانما أيضاً عبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومفاجآته المرتقبة. العراق سيكون الحاضر الغائب. لبنان سيكون محط التساؤلات والمخاوف على مستقبله نتيجة الحروب بالنيابة على أراضيه من جهة، ومن جهة أخرى، في حال أخذت العدالة مجراها في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه وما تلى تلك الجريمة من اغتيالات سياسية ذات علاقة باغتيال الحريري. في الملفات الثلاثة – إيران والعراق ولبنان – يبقى باراك أوباما في الصلب لأن السياسة الأميركية في الامتحان وتحت مجهر المراقبة. إلا أنه ليس وحده تحت الرقابة.

إيران بالذات تبقى في طليعة اهتمامات قادة الدول الكبرى وقادة منطقة الشرق الأوسط، والملف الإيراني سيكون حاضراً في اللقاءات الثنائية لقادة الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا على أعلى المستويات لا سيما بعدما أفاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم تعاون إيران كاملاً. وأشار الى تصميمها على المضي نحو امتلاك القدرات النووية المسلحة.

ستكون إيران حاضرة أثناء اللقاءات الثنائية للقادة العرب مع قادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيما الولايات المتحدة، فالعقوبات المفروضة تتطلب تعاوناً كبيراً من جيران إيران في منطقة الخليج، لا سيما دولة الإمارات.

السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، تحدثت هذا الأسبوع عن انتهاكات إيرانية لقرارات مجلس الأمن ليس فقط في النطاق النووي وانما أيضاً في تصديرها للسلاح وفي تطويرها للصواريخ الباليستية.

الديبلوماسية الروسية التي توترت علاقاتها مع طهران ما زالت تسعى لترطيب الأجواء واحتواء الاستياء وهي تسير على حبل مشدود حرصاً على المصالح الروسية في إيران وصيانة للكرامة الروسية في إطار تلك العلاقة. كذلك الصين ماضية في «الإجماع» بين الدول الخمس الكبرى على قرار بتشديد العقوبات الذي تبناه مجلس الأمن قبل 3 أشهر، لكنها قلقة على علاقاتها الثنائية لا سيما أن مصالحها النفطية مقننة مع رجال إيران الأقوياء – رجال «الحرس الثوري» الآتين من طهران ويتحدثون عن دولة معطّلة داخلياً، تسيّرها ايديولوجية سوفياتية عقيمة، وتديرها مصالح الصناعات العسكرية، مواردها محدودة، علاقاتها مع جيرتها العربية في أسوأ حالاتها، وهي باتت دولة عسكرية وليس «ديكتاتورية يديرها رجال الدين» كما يقال.

الآتون من طهران يقولون إن المبدأ الذي يسيّر الطموحات الإقليمية لحكام إيران العسكريين هو العداء لأميركا انما هذا بمفرده ليس عنصراً يؤهل للقيادة الإقليمية أو لصياغة النظام الإقليمي مهما حشد لنفسه أدوات تخريبية، لا سيما أمام الوهن الذي يطوّق إيران من الداخل والخارج، عبر حركة المعارضة والإصلاحيين أو من خلال العقوبات.

اللافت بين ما يحمله الآتون من إيران قولهم إن معظم أفراد الشعب الإيراني أصبحوا «علمانيين» بسبب فشل الدولة المبنية على الدين. يقولون إن الثورة الإيرانية هي التي جعلت الناس يتحولون الى العلمانية. يقولون إن الإيرانيين اليوم هم أكثر علمانية من الأتراك. وربما هذا صحيح نظراً لنتائج الاستفتاء الأخير في تركيا. يقولون إن هناك مؤشرات على بدء نهاية «الجمهورية الإسلامية» في إيران.

بعض كبار المخضرمين في المؤسسة السياسية الأميركية ارتأى منذ فترة أن لا حاجة للولايات المتحدة لتبني استراتيجية نحو إيران لأن التركيبة الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية قادرة على «تحطيم الذات» بسبب نوعية النظام نفسه. قارن هؤلاء بين النظام في كوبا الذي في وسع الولايات المتحدة تحطيمه في غضون 20 دقيقة لو شاءت، لكنها قررت العكس لأن بقاء النظام الكوبي يؤدي تكراراً الى تحطيم شرعية الشيوعية في أميركا اللاتينية. وهكذا إيران. إن فائدة استمرار نظامها بلا استراتيجية مواجهة هو انها مفيدة في مسيرة نزع الشرعية عن الإسلام السياسي. فائدتها انها مفيدة لبيع السلاح الأميركي بصفقات لا سابقة لها. مفيدة للإسرائيليين لأنها تمكّنهم من إشهار إيران كخطر داهم على مصيرهم، وبالتالي يتمتعون بالمؤازرة والأموال، والعكس بالعكس. و «الحرس الثوري» حاجة لاستمرار النزاع العربي – الإسرائيلي كي يتمكن من رعاية الحروب بالوكالة في العراق وفلسطين ولبنان، وكي يتمكن من التجنيد في صفوفه، على رغم أن الشعب الإيراني يزداد كرهاً للقضية الفلسطينية بسبب إقحام النظام بها.

في هذه المرحلة الانتقالية، تم إبعاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي عبر استئناف المفاوضات المباشرة برعاية أميركية وبالتنسيق التام مع أقطاب «اللجنة الرباعية» التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا الى جانب الولايات المتحدة. إذا انهارت هذه المفاوضات، سيكون خطر ذلك ليس فقط على الفلسطينيين وانما أيضاً على الأردن بسبب غايات إسرائيلية وعلى لبنان نتيجة تلاقي اللاعبين الأعداء على استخدامه كساحة للحروب بالوكالة.

عندما يأتي باراك أوباما الى نيويورك ويجتمع بالقادة العرب، الأرجح انهم لن يتحدثوا، كأولوية، عن مخاوفهم من تحوّل لبنان الى ساحة الحروب بالوكالة، ذلك لأن لكل طرف أولوياته المبنية على مصالحه القومية. ولأن لبنان السياسي منقسم بصورة جذرية، على الرئيس الأميركي وطاقمه التنبه لما يعنيه تحويل لبنان الى ساحة إشعال الحروب بالنيابة وتأثير ذلك ليس فقط على لبنان الواقع بين إسرائيل وسورية وانما تأثيره على الانطباع العام حول السياسة الأميركية في عهد أوباما. عليه ألاّ يصبح الرئيس الذي ضحّى عمداً أو سهواً ببلد الحرية شبه الوحيد في المنطقة العربية لأنه في صدد الصفقات الكبرى أو الصغرى مع لاعبين لهم مصلحة في خوض حروبهم بالوكالة على الساحة اللبنانية.

فإذا كان الرئيس الأميركي عازماً على معالجة القضية الفلسطينية بعدالة وعلى حل النزاع العربي – الإسرائيلي، وعلى إقناع إيران بالجزرة وبرزمة الترغيب التي تتضمن ضمانات بقاء النظام فيها، وعلى دفع السودان الى الاستفتاء، وعلى التعاون الدولي ضد القرصنة في الصومال، عليه ألاّ ينسى ما قد يبدو أنه صغير في الاعتبارات الاستراتيجية.

السودان مهم في معادلات «الانطباع» كما لبنان والعراق. الرأي العام العربي لن يتقبل فكرة انفصال جنوب السودان ولن يتذكر أن الحكومة السودانية برئاسة عمر البشير هي التي وافقت على استفتاء الانفصال عام 2005 عندما كانت ضعيفة ومهددة، فأبرمت الصفقة من أجل بقائها في السلطة. لذلك، على إدارة باراك أوباما أن تكون واعية وجاهزة لشرح الوقائع كي لا تُلام على تقسيم السودان فيما الواقع هو أن خطة الاستفتاء على مستقبل الجنوب أقرت في عهد جورج دبليو بوش وبموافقة الحكومة السودانية.

هناك جاهزية شبه تلقائية لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة بغض النظر عن الإدارة الجالسة في البيت الأبيض. إدارة باراك أوباما تقع تحت الضغوط الكبيرة لأنها أتت الى الحكم بتوقعات خارقة ولأنها لم تأتِ حتى الآن بنتائج خارقة. انها تحت المراقبة والمحاسبة. وهذا أصعب ما يمكن لأية إدارة أن تجد نفسها فيه: الرقابة والمحاسبة، محلياً وعالمياً.

قمة مراجعة وتحقيق «الأهداف الإنمائية للألفية»، والدورة ال 65 للجمعية العامة مناسبة لجرد الحسابات والتنبه للافرازات. وما يجدر بالقيادات العالمية، بما فيها القيادات الشرق أوسطية، مراعاته هو أخذ وطأة سياساتها في الحساب وتحمل مسؤولياتها في مرحلة حاسمة من تاريخ أميركي أتى برجل غير اعتيادي اسمه باراك حسين أوباما.

=============================

كوريا الشمالية تسعى لعقد صفقة

جيمي كارتر

الشرق الاوسط

18-9-2010

خلال رحلاتي الأخيرة إلى كوريا الشمالية والصين، تلقيت إشارات واضحة وقوية تشير إلى أن بيونغ يانغ ترغب في استئناف المفاوضات بشأن معاهدة سلام شاملة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، حول إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.

وكانت عناصر هذا الاتفاق ثابتة إلى حد ما على مدى السنوات ال 16 الماضية، حيث تم التأكيد عليها أول مرة عام 1994 من قبل الولايات المتحدة والزعيم الكوري الشمالي في ذلك الحين كيم إيل سونغ، وأعيد التأكيد عليها مرة أخرى في اتفاق متعدد الأطراف وقع في سبتمبر (أيلول) 2005.

وتنص البنود الأساسية لهذا الاتفاق على ضرورة إيقاف عمل المفاعل النووي الكوري الشمالي، الذي بإمكانه إنتاج البلوتونيوم الصالح لتصنيع الأسلحة النووية بسهولة، وكافة المرافق والمنتجات ذات الصلة بواسطة خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن تقوم الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي يتم فيه إغلاق المفاعل، بتوفير زيت الوقود أو الطاقة الكهربائية لكوريا الشمالية لحين تتمكن من بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء. ويتعين على الولايات المتحدة تقديم ضمانات بعدم التهديد بالقيام بهجوم نووي أو غيره من الأعمال العسكرية ضد كوريا الشمالية، وأن تتحرك الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نحو تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية وإبرام معاهدة سلام تشمل شبه الجزيرة الكورية، كما يتعين على كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان مواصلة السير في اتجاه تحسين العلاقات وتعزيز التعاون الاقتصادي بينهم في مجال الطاقة والتجارة والاستثمار.

وقد تنكر الرئيس جورج دبليو بوش عام 2002 لهذا الاتفاق الشامل الذي توصلت إليه إدارة الرئيس كلينتون. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية أعادت معالجة قضبان الوقود لإنتاج البلوتونيوم وقامت بتجربة نووية عام 2006، فقد تم إحراز تقدم جيد في المحادثات مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا.

لكن الأوضاع تدهورت منذ ذلك الحين، فقد توقفت المحادثات عام 2009، وفي نفس العام فرضت الأمم المتحدة عقوبات على بيونغ يانغ بعد أن أجرت تجربتها النووية الثانية، وأطلقت صاروخا بعيد المدى. وفي المقابل أوقفت كوريا الشمالية الجهود الهادفة إلى لمّ شمل الأسر المنقسمة بين الكوريتين.

وقد استمر ارتفاع حدة التوتر هذا العام عندما احتجزت كوريا الشمالية مواطنا أميركيا، يدعى أيلون غوميز، واتهمته بدخول أراضيها بشكل غير شرعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي أغسطس (آب) اعتقلت سلطات كوريا الشمالية طاقم صيد كوري جنوبي.

ومع ذلك، هناك الآن إشارات واضحة على حرص بيونغ يانغ على استئناف المفاوضات وقبولها للبنود الأساسية لجهود السلام ونزع السلاح النووي.

وفي يوليو (تموز)، دعاني المسؤولون في كوريا الشمالية للحضور إلى بيونغ يانغ للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل، وغيره من المسؤولين لتأمين إطلاق سراح المواطن الأميركي غوميز. وقال الذين دعوني إنهم لن يستجيبوا لطلب أي شخص غيري للإفراج عن غوميز. لقد أرادوا أن آتي إلى بيونغ يانغ على أمل أن أساعد في إحياء الاتفاقيات الخاصة بنزع السلاح النووي والسلام التي كانت آخر الجهود الرسمية التي قام بها كيم إيل سونغ قبل وفاته عام 1994.

وقد أبلغت البيت الأبيض بهذه الدعوة، وتمت الموافقة على الزيارة في منتصف أغسطس (آب)، بعد أن أعلنت كوريا الشمالية أن غوميز سيتم نقله قريبا من المستشفى إلى السجن، وأن اللقاء مع كيم جونغ ايل لم يعد متاحا. (وعلمت لاحقا أنه سيكون في الصين).

وفي بيونغ يانغ طلبت إطلاق سراح غوميز، وانتظرت 36 ساعة حتى تتم إعادة محاكمته ويصدر قرار بالعفو عنه وإطلاق سراحه. وخلال هذا الوقت التقيت كيم يونغ نام، رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة الخاصة بالبرلمان الكوري الشمالي، وكيم كي غوان، نائب وزير الخارجية وكبير مفاوضي كوريا الشمالية في المحادثات النووية السداسية، وقد شارك كلاهما في مفاوضاتي السابقة مع الزعيم الكوري كيم ايل سونغ.

وكان المسؤولون الكوريون يدركون أنني ليست لدي أي صفة رسمية، ولا يمكنني التحدث نيابة عن الحكومة الأميركية، لذلك فقد استمعت لاقتراحاتهم وطرحت بعض الأسئلة، وعندما عدت إلى الولايات المتحدة، نقلت الرسالة إلى واشنطن.

لقد قال لي المسؤولون الكوريون إنهم يريدون التوسع في العلاقات الجيدة التي تطورت في وقت مبكر من هذا العقد مع رئيس كوريا الجنوبية، في ذلك الحين، كيم داي جونغ ورئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومي. وأعربوا عن قلقهم إزاء عدد من الإجراءات الأميركية الأخيرة، بما في ذلك فرض عقوبات لا مبرر لها، وإدراج كوريا الشمالية بين الدول التي قد تخضع لهجوم نووي، وإجراء المناورات العسكرية الاستفزازية مع كوريا الجنوبية.

ومع ذلك، قالوا إنهم مستعدون لإثبات رغبتهم في السلام ونزع السلاح النووي، وأشاروا إلى المحادثات السداسية بأنها «حكم عليه بالإعدام ولكن الحكم لم ينفذ بعد».

في الأسبوع التالي سافرت إلى بكين، حيث أبلغني القادة الصينيون أن الزعيم الكوري كيم عرض عليهم نفس النقاط عندما كنت في بيونغ يانغ، وأنه قام بعد ذلك بإطلاق سراح طاقم الصيد الكوري الجنوبي، وعرض استئناف جهود لمّ شمل الأسر الكورية. ولرؤيتهم بأن هذه الخطوات تمثل علامة واضحة على الاهتمام الكوري الشمالي، يقوم المسؤولون الصينيون حاليا بالترويج بحماس لجهود استئناف المحادثات السداسية.

التوصل إلى تسوية في شبه الجزيرة الكورية، أمر حيوي للسلام والاستقرار في قارة آسيا، وقد طال انتظاره، وينبغي متابعة هذه الرسائل الإيجابية التي ترسلها كوريا الشمالية بقوة ودون تأخير، على أن يتم التأكيد على كل خطوة في هذه العملية بعناية وبشكل كامل.

* جيمي كارتر الرئيس ال39 للولايات المتحدة وحائز جائزة نوبل للسلام 2002.

* خدمة «نيويورك تايمز»

=============================

مفهوم الأمن القومي الأمريكي

آخر تحديث:السبت ,18/09/2010

فايز رشيد

الخليج

بدايةً، من الصعوبة بمكان حصر مفهوم الأمن القومي الأمريكي بما هو متعارف عليه في العادة لغةً وحجماً من حيث التشكل، فالأمن القومي الوطني لمطلق دولة، يعني في ما يعنيه تحديد هذه الدولة خطوطاً حمراً، وعوامل لما يمس أمنها داخلياً وخارجياً بالشكل الذي يتهدد معه وجودها كدولة، بما يعني حقها في اتخاذ إجراءات واسعة واحتياطات متسلسلة من حيث شكلها وحدّتها وصولاً إلى شن حرب من أجل اتقاء خطر هذه العوامل .

 

مفهوم الأمن القومي الأمريكي واسع وشامل، مطاطي في جوهره، فهو وضمن القياسات البارومترية عالي المعطيات الرقمية في أحيان، ومنخفض في بعضها، فالرئيس بوش الابن ابتدأ حربيه في كل من أفغانستان والعراق بتبريرات من نمط، أن تنظيم القاعدة يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، وأن النظام العراقي آنذاك وبامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل يشكل أيضاً خطراً على أمن الولايات المتحدة، ومن أجل إخفاء ثقل الوزن واتساع الحجم يتحول هذا المفهوم في سرعة عجيبة إلى الأمن العالمي، بمعنى آخر فإن أمن أمريكا هو أمن المجتمع الدولي بأسره .

 

منذ بداية عهده فإن الرئيس أوباما وفي استعراضه لأهمية الحل في الشرق الأوسط، ردد ومايزال يردد أن الوصول إلى اتفاق بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني من مصلحة عليا أمريكية أو مصلحة قومية أمريكية بما يعنيه ذلك من أن عدم إيجاد حل بين الطرفين سيعمل أو سيهدد الأمن القومي الأمريكي، فوزيرة الخارجية الأمريكية قالت في خطابها الافتتاحي للمفاوضات المباشرة بين عباس ونتنياهو إن نجاح الطرفين “الإسرائيلي” والفلسطيني “يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي” .

 

نفهم أن تورد الوزيرة الأمريكية هذا المفهوم في المناسبة المذكورة آنفاً للتركيز على أهمية هذه المباحثات ولكن ما لا نفهمه أن الأمن القومي الأمريكي يتضاءل إلى الحد الذي يرفض فيه نتنياهو الاشتراطات الأمريكية السابقة المتمثلة بأن توقف “إسرائيل” استيطانها في الضفة الغربية وحتى في القدس كشرط لاستئناف المفاوضات غير المباشرة/ المباشرة بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، يصغر هذا المفهوم إلى الحد الذي صرّحت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية قبل شهرين بأن “قضايا في الشرق الأوسط في نهاية المطاف مرهونة بالجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”” . بمعنى آخر فإن الولايات المتحدة ترفع يديها عن الحل في الشرق الأوسط .

 

في كثير من الأحيان للأسف، يجري التعامي قصداً عن شواهد تشكل حقائق أساسية في الصراع، ولعل من أبرز هذه العوامل: التزام كافة الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء بمن فيهم أوباما بالأمن “الإسرائيلي”، باعتباره يشكل جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، وتعهداتهم المعلنة وغير المعلنة بتزويد الترسانة العسكرية “الإسرائيلية” بأحدث المنتجات التسليحية الأمريكية لإبقاء التفوق “الإسرائيلي” عن كل دول الجوار العربي، ثم رسالة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية ل”إسرائيل” التي أرسلها جورج بوش الابن في عام 2004 إلى شارون الذي قرأ نصوصها من على منصة مؤتمر هرتسيليا الرابع وفيها يتعهد بوش الابن:بالتزام الولايات المتحدة التام بوجهات النظر “الإسرائيلية” من التسوية في المنطقة،والتعهد بعدم ممارسة الضغوطات على “إسرائيل” لقبول ما لاتريد أن تقبل به .

 

من الحقائق أيضاً أن رسالة الضمانات هذه ليست مرهونة بهذا الرئيس الأمريكي أو ذاك، لا بوش الأب أو بوش الابن أو كلينتون أو أوباما، إنها حصيلة القواعد الاستراتيجية العامة التي يحددها ويرسمها المجمع الصناعي (وبخاصة العسكري) الأمريكي التي تحدد مدى وحدود الحركة السياسية للرئيس الأمريكي تجاه قضايا عديدة، وكذلك التحالف القائم بين اللوبي الصهيوني والاتجاه (الذي عرف باسم) الصهيوويمي في الولايات المتحدة، والمصالح بين الطرفين هي عامة ومشترطة وواحدة .

 

يبقى القول إنه وحتى لو ردد الرئيس الأمريكي وأركان إداراته صباح مساء بأن التسوية في الشرق الأوسط هي في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، فإنهم يقصدون قبول الفلسطينيين والعرب بالإملاءات “الإسرائيلية” للتسوية .

=============================

أوروبا والقوى الصاعدة

آخر تحديث:السبت ,18/09/2010

غريغوري نيميريا

الخليج

إن مركز ثِقَل العالم يتجه شرقاً بسرعة بالغة، إلى الحد الذي يجعلنا نحن الأوروبيين نكاد نشعر بالأرض تنزاح من تحت أقدامنا . ولأن كافة الجهات الفاعلة الرئيسية تقريباً على الساحة الدولية تحاول الآن إعادة تحديد أدوارها في الاستجابة لهذا التحول الهائل، فيتعين على أوروبا أن تفعل الشيء ذاته . لذا فمن الطبيعي والمنطقي أن يجتمع مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذا التحدي .

 

ولكن لعقود من الزمان كان الأوروبيون أكثر اهتماماً بالوحدة والترتيبات الدستورية من اهتمامهم بالدبلوماسية التقليدية . وبطبيعة الحال اكتسبت الخصومات التاريخية في أوروبا صبغة متحضرة فتحولت إلى النموذج السياسي الذي يرى الدبلوماسيون الأوروبيون في كثير من الأحيان أنه قابل للتطبيق في مختلف أنحاء الساحة الدولية .

 

لا شك أن الإجماع والحلول الوسط ودمج السيادة، كل ذلك يشكل السبيل الوحيد لحل العديد من القضايا الكبرى التي تحير عالمنا وتعذبه، مثل تغير المناخ والانتشار النووي . ولكن حين نتحدث عن القضايا الكبرى المتعلقة بالحرب والسلام وتوازن القوى فإن الأمر يبدو وكأن أوروبا باتت محاصرة بين سياسة خارجية تفتقر إلى التماسك وحالة من عدم اليقين تسيطر على كل بلد بشأن كيفية تحديد وتأمين مصالحه الوطنية .

 

وفي المقابل سنجد أن القوى الصاعدة في العالم البرازيل والصين والهند وروسيا تصر ليس فقط على أولوية مصالحها الوطنية، بل وأيضاً على حماية حريتها السيادية في العمل، كما أظهرت مفاوضات المناخ الفاشلة في كوبنهاغن في ديسمبر/كانون الأول الماضي . وفي تصور هذه البلدان فإن الجغرافيا السياسية ليست لعنة، بل إنها تشكل الأساس الذي تنبني عليه تصرفاتها على الصعيد الخارجي . وما زال الدفاع عن المصلحة الوطنية يشكل العامل الذي يحشد أفراد شعوب هذه البلدان معاً، وما زالت ممارسة السلطة تشكل صميم حساباتها الدبلوماسية .

 

وفي مواجهة هذا الواقع الجديد/القديم، يتعين على أوروبا ألا تكتفي بجعل صوتها مسموعاً في ما يتصل بالقضايا العالمية الكبرى مثل التجارة واختلال التوازن المالي، على الرغم من أهميتها، بل يتعين على أوروبا أن تعمل أيضاً على تحديد أصولها الاستراتيجية التي تشكل أهمية بالنسبة للقوى الصاعدة في العالم واستخدام هذه الأصول لكسب النفوذ .

 

ولكن من المؤسف أن أحد الأصول الاستراتيجية الأوروبية الرئيسية أو البلدان الأوروبية، وخاصة أوكرانيا، التي تنتشر على ممرات الطاقة الكبرى التي ينتقل عبرها المزيد والمزيد من موارد الوقود الأحفوري من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى العالم كان الأكثر تعرضاً للإهمال . والواقع أن أوروبا، منذ الحرب بين روسيا وجورجيا في عام ،2008 كانت في أغلب الأحوال حريصة على تحويل نظرها بعيداً عن التطورات الجارية في المنطقة .

 

وهذا الإهمال غير مبرر وخطير في آن . ذلك أن البلدان الواقعة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا لا تشكل مصدراً للمنافسة الجيوسياسية بين أوروبا وروسيا فحسب، بل إنها تتقاطع الآن مع المصالح الوطنية للقوى الصاعدة في العالم، وخاصة الصين .

 

ولقد أظهرت الحرب بين روسيا وجورجيا مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة للعالم الأرحب . ففي أعقاب هذه الحرب شرعت الصين في بذل مساع منظمة لدعم استقلال البلدان السوفييتية السابقة من خلال تزويدها بحزم مساعدات ضخمة . والواقع أن تلك البلدان من بيلاروسيا إلى كازاخستان استفادت من الدعم المالي الصيني إلى حد كبير .

 

إن اهتمام الصين بهذه المنطقة لا ينبع من اهتمامها بالحفاظ على تسوية ما بعد الحرب الباردة عبر أوراسيا فحسب، بل إنه راجع أيضاً إلى إدراكها لحقيقة مفادها أن المنطقة سوف توفر طرق العبور لقدر كبير من ثروات الطاقة في العراق وإيران وآسيا الوسطى . والواقع أن الصين كانت تضخ المليارات من الدولارات في مشاريع تنمية حقول النفط والغاز في العراق وإيران . وما دام من المرجح أن تتسبب القضايا الأمنية في منع القدر الأعظم من هذه الطاقة من الانتقال شرقاً لتلبية احتياجات الصين الداخلية، فمن المنطقي أن يلعب اهتمام الصين بالطاقة دوراً كبيراً في تحديد هيئة أسواق الطاقة الدولية وهو ما يعني شحن الإنتاج الصيني من النفط والغاز في العراق وإيران لبيعه في الغرب .

 

ولكن اثنين من البلدان التي تشكل أهمية أساسية لهذه التجارة تركيا وأوكرانيا أصبحا في تباعد متزايد عن الاتحاد الأوروبي . وبالنسبة لتركيا فإن التوترات تعكس عدم إحراز أي تقدم في ما يتصل بالتحاق البلد بعضوية الاتحاد الأوروبي .

 

بيد إن إعادة بناء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وغيرها من البلدان الواقعة إلى الشرق من الاتحاد من شأنها أيضاً أن تساعد في صياغة العلاقات مع روسيا، التي تواجه اليوم سلسلة من التحديات الاستراتيجية: علاقاتها مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وقربها من الصين المفعمة بالحيوية، والخواء المكشوف لسيبريا، والمخاوف بشأن مستقبل موارد الطاقة في آسيا الوسطى، والتي كانت سبباً في عودة “لعبة القرن التاسع عشر العظمى” بين روسيا والصين والهند وأمريكا إلى الظهور من جديد . ويستطيع الاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً بناءً من خلال إدارة حوار دائم يتسم بمراعاة الحساسيات المتصلة بمخاوف روسيا من دون الخضوع بشكل كامل لكل الإجابات الروسية بشأن هذه المخاوف .

 

إن فن الدبلوماسية يتمحور اليوم حول ترجمة القوة إلى إجماع . وهذا يتطلب إقامة علاقات أفضل مع كافة القوى الصاعدة في العالم . ولكنه يعني أيضاً، وفي المقام الأول من الأهمية، وجود رؤية موحدة، ليس فقط في ما يتصل بالتحديات التي تؤثر في جميع البلدان انتشار الأسلحة، والإرهاب، والأوبئة، وتغير المناخ على سبيل المثال بل وأيضاً في ما يتصل بالأصول الاستراتيجية لكل من هذه البلدان . وإذا كان للاتحاد الأوروبي أن يتمكن من صياغة سياسة ناجحة في التعامل مع القوى الصاعدة في العالم فيتعين عليه أن يتحدث بلغة استراتيجية تفهمها هذه القوى .

نائب رئيس وزراء أوكرانيا الأسبق، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

=============================

تركيا.. وداعاً لديكتاتورية العسكر

بقلم :ممدوح طه

البيان

18-9-2010

لم يكن التصويت ب«نعم »بغالبية واضحة في الاستفتاء من جانب الشعب التركي على اختلاف مكوناته الدينية والقومية واليسارية والعلمانية.

 

التي حسمت الجدال والسجال لصالح التعديلات الدستورية الإصلاحية التي طرحها حزب العدالة والتنمية بتوجهاته الإسلامية بزعامة الدكتور أردوغان غير متوقع بل كان في نظر الكثير من المراقبين هو الأكثر ترجيحا رغم حالة الاستقطاب الحاد بين المؤيدين للإصلاح من كل طيف والمعارضين للإصلاح من كل صنف.

 

التي بددت الرؤية أمام أعين البعض ممن رأوا الصورة الشعبية التركية وفق أجنداتهم السياسية السابقة وليس طبقا للحقائق الواقعية الناطقة.

 

كما لم تكن ثقة الشعب التركي التي منحها للمرة الثالثة لحزب العدالة والتنمية مجرد نعم لتعديل 26 مادة دستورية، بل كانت في دلالاتها المتعددة هي نعم للديمقراطية المدنية في مواجهة الديكتاتورية العسكرية.

 

ولدولة القانون والحريات في مواجهة دولة التسلط بالانقلابات العسكرية، وللأسلمة في مواجهة العلمنة، وإعلاء للتوجهات الأردوغانية الحديثة وطيا لصفحات الأتاتوركية القديمة.

 

ولكي ندرك ما لنتائج هذا الاستفتاء التاريخي من قيمة ديمقراطية لابد أن نستدعي ما سبقه من خلفيات، ونستشرف ما سيكون له من تأثيرات على ما سيلحقه من تداعيات.

 

ويكفي أن نتذكر أن الأتاتوركية التي حققت الاستقلال السياسي بعد الهزيمة العسكرية لتركيا هي التي أعلنت سقوط الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية العلمانية بدستور مفروض، وبسياسة دكتاتورية تحت حكم الجنرال أتاتورك على مدى 22 عاما.

 

حاولت انتزاع الأمة التركية من جغرافيتها ومن تاريخها، وحاولت انتزاع شعبها من واقعه الإسلامي ومن موقعه الشرقي وتوجهت نحو الالتحاق بالحلف الغربي.

 

وبعد وفاة الجنرال، ظل حزبه المسمى بحزب «الشعب الجمهوري» يحكم الشعب بقوة العسكر، من العام 1939 حتى العام 1950 ارتخت خلالها قبضة الدكتاتورية بما سمح بقيام الأحزاب وإجراء أول انتخابات، عندما خرج «عدنان مندريس» من صفوف حزب الشعب كواحد من أبرز القادة التاريخيين الأتراك على رأس «الحزب الديمقراطي ».

 

الذي عكست مبادئه ذات التوجهات الإسلامية تماسا مع نبض الشعب ليحقق فوزا ساحقا على عصمت إينونو زعيم حزب أتاتورك الحاكم، وليجدد الشعب التركي ثقته به لدورة ثانية بعد أن أعاد الروح لتركيا بإعادة الأذان بالعربية وأعاد فتح المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والمعاهد الدينية وباشر في إصلاح ما أفسدته السياسة الدكتاتورية العسكرية السابقة على مدي خمسين عاما في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فماذا حدث لعدنان مندريس؟

 

تحرك الجيش حارس العلمانية بانقلاب عسكري دموي ضد الحكومة الديمقراطية عام 1960، وقامت المؤسسة القضائية الخاضعة لوصاية الجيش بالحكم عليه شنقا واثنين من وزرائه بتهمة الخروج على العلمانية ومناهضة المبادئ الأتاتوركية وأعاد هذا الانقلاب تركيا من جديد إلى وصاية العسكر بعد حل البرلمان وإلغاء الدستور ووضع دستور جديد.

 

وكان هذا الانقلاب الأول بداية لسلسلة الانقلابات العسكرية لإعادة فرض العلمانية بالديكتاتورية العسكرية كلما هبت رياح ديمقراطية أو إسلامية أو يسارية حسبما نص الدستور الأتاتوركي الذي نص على دور الجيش في حماية الوطن من الخارج والجمهورية من الداخل.

 

وأصبح هناك انقلاب عسكري كل عشر سنوات ليأتي الانقلاب الثاني عام 1971، والانقلاب الثالث الأكثر دموية عام 1980 بقيادة الجنرال «كنعان إفريم»، ليضع هذا الانقلاب دستورا جديدا أشد وطأة من الدساتير السابقة بما يضع الجيش فوق القانون ويضع القضاء تحت هيمنة الجيش وطغيان السيطرة العسكرية على الحكومات السياسية.

 

جاء العام 2002 بعد مراحل مخاض طويلة من مندريس إلى أربكان،إلى أردوغان حين صعد إلى الحكم بانتخابات شعبية حزب العدالة والتنمية بمنابعه الإسلامية وبتوجهاته الديمقراطية الذي توجه لإصلاح كل ما أفسده العسكريون والسياسيون فنقل تركيا نقلة تاريخية كبرى وانتشلها من وهدة الأزمة الاقتصادية التي كانت على شفا الإفلاس إلى التقدم والتنمية والعدالة الاجتماعية ومن الديكتاتورية إلى فتح آفاق الديمقراطية، ومن العلمانية المناهضة للإسلام إلى العلمانية السياسية الرشيدة القائمة على الحريات الإنسانية والدينية والسياسية.

 

و ما جري في الأسبوع الماضي من استفتاء كان معناه ومغزاه أنه أول استفتاء شعبي على تعديل للدستور ويكفي أن نتذكر أنه جري من قبل 15 تعديلا دستوريا لم يشارك الشعب في التصويت عليه.

 

والمعنى ذات الدلالة هنا أن هذا الاستفتاء الذي جرى لإصلاح الدستور الانقلابي العسكري بمواد ديمقراطية ولإبعاد العسكر عن السياسة ولإصلاح القضاء ووضع الجميع تحت سلطان القانون المدني.

 

قد جاء في الذكرى الثلاثين لانقلاب الثاني عشر من سبتمبر عام 80 إيذانا بأن مرحلة الانقلابات وتاريخها الأسود قد ولت، وأن تاريخا تركيا جديدا قد بدأت صياغته بإرادة جماهيرية لا فردية، وبإرادة الشعب لا العسكر.

كاتب مصري

=============================

الإخوان السوريون قيادة ومرحلة جديدة

بقلم :حسين العودات

البيان

18-9-2010

انتخب مجلس شورى حركة الإخوان المسلمين السوريين المهندس محمد رياض الشقفة (66) عاماً مراقباً عاماً جديداً بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس الشورى، وفاروق طيفور نائباً له، كما انتخبوا مجلس شورى جديداً ضم بعض الأعضاء من المجلس السابق.

 

وتنحى المحامي علي صدر الدين البيانوني عن مسؤولية المراقب العام بعد أن تولاها لثلاث دورات متتالية (أربعة عشر عاماً)، وأكد هو وغيره أن تنحيته كانت بناء على رغبته.

 

وقد ترافقت التغييرات الجديدة بإشاعات واسعة تشير إلى انقلاب داخل حركة الإخوان المسلمين، وأنهم اختاروا قيادة أكثر تطرفاً من القيادة السابقة، أو قيادة أقل اعتدالاً إذا لم نشأ الحديث عن التطرف.

 

ذلك لأن الجماعة شعرت بضرورة إجراء تعديلات داخلية شاملة وجدية وإعادة النظر ببرنامجها وخاصة منه علاقتها بالسلطة السورية.

 

ولذلك جاءت بالمهندس الشقفة، وكان قائداً عسكرياً في أحداث الثمانينات العنيفة الدامية في سورية والتفجيرات والعمليات الانتحارية التي انتهت إلى أحداث حماة.

 

وهو ونائبه فاروق طيفور كلاهما من مدينة حماة، وشاركا في الأعمال العسكرية في تلك الفترة، ولابد أن اختيارهما الآن يشكل معنى رمزياً من الصعب تجاهله.

 

رغم أن المهندس الشقفة صرح فور انتخابه بأنه سيسير على خطى القيادة السابقة، أي نبذ العنف والعمل للانتقال السلمي للسلطة، وكان الشقفة أمضى في العراق حوالي 26 عاماً هارباً من سورية، وهو يعيش في اليمن منذ سنتين.

 

تحولت جماعة الإخوان المسلمين السوريين تحولاً جذرياً بقيادة المحامي علي صدر الدين البيانوني خلال الأربعة عشر عاماً الماضية، فقد أعلنت برنامجاً جديداً عام 2004 يتضمن أفكاراً وقبولاً بمبادئ وأفكار ومفاهيم وقيم كان قبولها من المحرمات.

 

فقد جاء في هذا البرنامج الذي ملأ عشرات الصفحات، أن الجماعة تنادي بالحرية والديمقراطية والتعددية وتقبل بصندوق الانتخاب لاختيار الحكومة.

 

وبالتداول السلمي للسلطة، كما عبر البرنامج عن قبول الجماعة بنتائج الانتخابات والعملية الديمقراطية كائناً من كان من ينجح فيها، وأشار إلى أن الجماعة تهدف لإقامة دولة مدنية بمعانيها ومسمياتها ومكوناتها ومفاهيمها الحديثة.

 

وأن يكون الإسلام مصدراً من مصادر التشريع لا المصدر الوحيد ولا المرجعية الوحيدة، فالمرجعية الوحيدة التي أقرها البرنامج هي مرجعية المواطنة.

 

وهي القول الفصل في الحقوق والواجبات لا الدين ولا الطائفة ولا الإقليم ولا غيرها، ودأبوا يؤكدون أنهم بطريقهم لتأليف حزب سياسي يكون كغيره من الأحزاب عندما تسمح لهم الظروف بذلك.

 

كانت العلاقات سيئة دائماً بين النظام السياسي السوري (البعثي) وبين التيارات الإسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين منذ تولي حزب البعث السلطة عام 1963، وكانت دائماً عنيفة أيضاً، إذ كثيراً ما لجأت التيارات الدينية إلى حمل السلاح والعنف ضد السلطة التي قابلت العنف بمثله.

 

وقد انفجر الخلاف والتناقض انفجاراً لم تشهد له سورية مثيلاً من قبل في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وتحول إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وشهدت معظم المدن السورية الكبرى هذا العنف المسلح.

 

وكانت النتيجة هزيمة الإخوان المسلمين واعتقال الآلاف منهم وخضوعهم لمحاكمات استثنائية وميدانية، ومغادرة آلاف آخرين سورية إلى البلدان العربية الأخرى،.

 

ثم صدور القانون رقم (49) الذي يقضي بالحكم بالإعدام على كل من يثبت أنه منتسب لتنظيم الإخوان المسلمين أو كان منتسباً قبل صدور هذا القانون، ومازال العمل بالقانون قائماً حتى الآن.

 

مع فارق أنه منذ تولي الرئيس بشار الأسد السلطة، أصبحت محكمة أمن الدولة، وهي المختصة بمحاكمة الإخوان المسلمين تحكم بالإعدام وتخفف الحكم مباشرة وتلقائياً إلى اثني عشرة عاماً. وعلى أية حال استطاع النظام بنتيجة هذا الصراع اجتثاث تنظيم الإخوان المسلمين من سورية في ذلك الوقت.

 

جرت اتصالات مباشرة بين النظام السياسي السوري وتنظيم الإخوان المسلمين في تسعينات القرن الماضي، كانت تهدف لتحقيق المصالحة ثم عودتهم إلى سورية، وكان شرط النظام أنه سيقبل عودتهم كأفراد، على أن يتعهدوا بعدم إعادة التنظيم من جديد.

 

وهذا ما رفضته الجماعة، كما جرت عدة اتصالات أخرى غير مباشرة خلال العشرين عاماً الماضية، أصر كل من الطرفين من خلالها على موقفه. ومع أن حركة الإخوان المسلمين السورية وجهت رسالتين إلى النظام.

 

إحداهما عندما أصدرت برنامجها المعتدل عام 2004 الذي أشرت إليه، وثانيهما عندما أعلنت الهدنة مع النظام خلال أحداث غزة عام 2009 لئلا يكون موقفها دعماً للسياسة الإسرائيلية.

 

ولكن النظام لم يستجب لأي منهما وبقي على موقفه الذي لم يغيره قيد أنملة، ولعل ذلك يعود لشعوره بقوة أجهزة الأمن التي يعتمد عليها، وعدم خشيته من تنظيم الإخوان المسلمين الذي يراه أصبح بعيداً عن سورية والشعب السوري وغير فعال في الداخل السوري.

 

وربما كان موقف النظام هذا هو الذي حرض مجلس شورى الحركة على انتخاب قيادة أقل اعتدالاً من القيادة السابقة، بل أكثر تشدداً منها، بعد أن فشلت سياسة الاعتدال في التوصل إلى اتفاق يعيد الحركة إلى سورية، سواء ناشطيها أم كوادرها أم قياداتها أم حتى تنظيمها.

 

لاشك أن حركة الإخوان المسلمين السورية أمام مرحلة جديدة، وتعمل لتبني برنامج جديد، وموقف جديد من النظام، وربما كان النظام بدوره يتحفز لتبني موقف جديد بدوره يحسب فيه بعض الحساب لنشاط الحركة المقبل، وليس كما كان الأمر في السنوات القليلة الماضية، عندما كانت سياسة الترقب هي صاحبة اليد العليا لدى كل من الطرفين.

=============================

آفاق مشكلة الفساد في أفغانستان

بقلم :صحيفة «جابان تايمز»

البيان

18-9-2010

المفتاح المفضي إلى أفغانستان كبلد مستقر ويسوده السلام ويضمن الولاء من غالبية مواطنيه هو إقامة حكومة نزيهة وذات مصداقية. وتعد حركة طالبان وغيرها من جماعات التمرد الأخرى تهديدا.

 

ولكنها تكسب تعاطف الأفغان، فقط لأن الشعب الأفغاني يشعر أن الحكومة في كابول لا تكترث بمصالحه. والفساد هو العنصر المدمّر الذي يقضي على شرعية وصلاحية الحكومة.

 

لذا فإن عدم قيام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي بالتصدي للفساد داخل إدارته وفي صفوف حلفائه السياسيين هو أمر خطير جداً. إن نطاق هذه المشكلة هائل. فالأمر لا يقتصر على السرقة فحسب، بل إن التقديرات تشير إلى أن هناك مليار دولار كانت مخصصة لإعادة إعمار أفغانستان.

 

قد تم تهريبها بصورة غير مشروعة إلى خارج البلاد عبر مطار كابول، ولكن استعداد المسؤولين الحكوميين الأفغان للتغاضي أفضى إلى زيادة تشبه الانفجار في إنتاج الأفيون، وتدفق الهيروين إلى جميع أنحاء العالم.

 

ومسألة تهريب وإساءة استخدام مليارات الدولارات من أموال إعادة الإعمار في أفغانستان تسهم في تقوية قادة الحرب المحليين، وتعمل على إضعاف سلطة الحكومة المركزية، وتؤدي إلى نفور عدد متزايد من الأفغان.

 

قد تكون حركة طالبان قاسية، ولكن رجالها عموماً شرفاء. وفي بعض الأحيان يؤدي الفساد إلى تحويل الأموال والأسلحة والمعلومات مباشرة إلى أيدي حركة طالبان.

 

اعترف قرضاي بأنه أحبط الملاحقات القضائية، لكنه أرجع السبب في ذلك إلى أن التحقيقات تتم بشكل ينتهك حقوق المتهمين، وبطريقة «تذكرنا بأيام الاتحاد السوفييتي». واستدعى قرضاي رئيس وحدة مكافحة الفساد إلى مكتبة من أجل الاستجواب، وفي 25 أغسطس الماضي أقيل الرجل من منصبه.

 

وقال الرئيس أنه سيتولى بنفسه وبشكل مباشر السيطرة على مجموعتين للتحقيق تم إطلاقهما العام الماضي لمكافحة الفساد، ولكن يبدو أنه تراجع عن قراره نتيجة المعارضة الشرسة من الغرب.

 

لا شك في أن قرضاي قلق إزاء الادعاء المفرط في الحماس. فمسألة احترام القانون ظاهرة جديدة في أفغانستان، والحكومة عليها أن تكون قدوة يُحتذى بها. ولكن السبب الحقيقي لتردده هو الخوف من أن تطهير الداخل سوف يحرمه من دعم سياسي حاسم.

 

ذلك أن المستهدفين الرئيسيين هم بعض حلفائه المقربين، وهذا أمر مفهوم حيث إن هؤلاء الناس يحظون بوضعية أفضل لتحويل الأموال وإساءة استخدام السلطة. مخاوف الرئيس تدور حول أن شن حملة جدية لمكافحة الفساد سوف يقوض موقفه، حيث احتج قرضاي بأن إصرار الدول الغربية على تطهير حكومته يهدف إلى أضعافه سياسيا.

 

قرضاي يعلم أنه في موقف حساس. الحكومة في كابول سلطتها محدودة خارج المدينة. وقرضاي يشعر بالقلق من أن يزول التزام الدول الغربية الحالي لأفغانستان كما حدث في الماضي.

 

إن وعد الرئيس باراك أوباما بأن يبدأ السحب الأميركي للقوات القتالية من أفغانستان بحلول يوليو 2011 ربما يكون المقصود منه جعل الأفغان يتحملون مسؤولية إدارة شؤونهم الخاصة، ولكنه يشجعهم أيضاً على بدء التخطيط ليوم رحيل القوات الأجنبية.

 

ولكي يبقى قرضاي في السلطة، فإنه يحتاج إلى ملاحقة مراكز قوى أخرى داخل بلده، ومع ذلك فإن الحاجة إلى إبقاء الأصدقاء الأجانب إلى جانبه هو أمر ملح بالدرجة نفسها.

 

ولهذا السبب قال قرضاي إنه سوف يستمر في محاربة الفساد، حتى إذا كان ذلك سيؤثر على المقربين منه. وسوف يواصل توطيد السلطة أيضا. ولهذا السبب، فقد طلب من شركات الأمن الخاصة العاملة في أفغانستان أن توقف عملياتها قبل نهاية العام الجاري.

=============================

ماذا وراء إثارة "الخيار السوري" ؟!

راجح الخوري

النهار

18-9-2010

قبل أن تتقدم المفاوضات المباشرة ولو خطوة واحدة الى الأمام، أثيرت في اسرائيل مسألة ما يسمى "الخيار السوري"، والمقصود إحياء المسار التفاوضي مع دمشق.

زيارة المبعوث الاميركي الخاص جورج ميتشل الى سوريا تأتي أصلا في سياق الرغبة الاميركية المعروفة والمعلن عنها تكرارا، أي إحياء عملية السلام على كل المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية.

ولكنها تندرج الآن في سياق طبيعي، تقتضيه على الاقل، لياقة إبلاغ دمشق بما تم في جلسات التفاوض المباشر بين الرئيس محمود عباس وبنيامين نتنياهو، والتي تراوح عند عقدة وقف الاستيطان.

ولكن اذا كان ميتشل يعتقد فعلا أنه من الممكن إحياء المسار السوري الآن، فإنه سيكون واهما تماما لأن هناك متطلبات وشروطا وطنية وقومية واستراتيجية تتمسك بها دمشق، التي تصر منذ البداية على أن التسوية يجب ان تقوم على مبدأ الارض في مقابل السلام، وأن هذا السلام يجب أن يكون شاملا وعادلا يليق بتضحيات الماضي ويستجيب طموحات المستقبل.

❒❒❒

لقد كان واضحا منذ بداية "مؤتمر مدريد"، أن سوريا كانت سبّاقة في التنبه الى محاولات العدو الاسرائيلي، فتح المفاوضات المتزامنة على المسارات كلها، وذلك بهدف خلق مساحة ملائمة للقيام بمناورات تفاوضية تخدم مصالح تل أبيب، ولهذا وضعت سوريا قاعدة استراتيجية طبّقها الرئيس حافظ الاسد ورسخها الرئيس بشار الاسد منذ وصوله الى السلطة، وهي أن الحل العادل والمنصف على المسار الفلسطيني، هو البوابة الوحيدة للدخول الى المسار السوري، وهو المفتاح الاساس لقيام تسوية تنهي الصراع العربي – الاسرائيلي.

وهكذا عندما يقول البيان الرئاسي السوري والذي صدر بعد استقبال الرئيس الاسد ميتشل أول من أمس، إن سوريا متمسكة بخيار السلام على ان يكون راسخا ودائما وعادلا على قاعدة اعادة الحقوق الكاملة الى أصحابها، وأن ما تطالب به سوريا كشرط لتحقيق السلام ليس تنازلات تقدمها اسرائيل، بل أرض مغتصبة يجب ان تعود كاملة الى أصحابها الشرعيين... عندما تقول سوريا هذا الكلام، من واجب الادارة الاميركية، التي تحاول الدفع الآن في اتجاه التسوية، ان تدرك انه من غير المعقول الحديث عن إحياء المسار السوري، في وقت تعجز كل الضغوط في اقناع نتنياهو بوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية، بينما من الثابت ان سوريا لن تقبل بأقل من عودة الجولان المحتل كاملا، ومن قيام دولة فلسطينية على قاعدة حددتها صراحة القرارات الدولية ذات الصلة.

❒❒❒

ثم إن استئناف مفاوضات السلام يتطلب في رأي الاسد وضع أسس واضحة وضمانات ملزمة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وهذا أمر لم يتوافر قبل بدء المفاوضات المباشرة بين عباس ونتنياهو.

واذا كانت الديبلوماسية الاميركية عاجزة حتى الآن عن اقناع نتنياهو بوقف جديد ومحدود للاستيطان ولو لمدة ثلاثة أشهر على الاقل، لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين، او عن حسم مسألة الحدود النهائية بما يؤدي الى تجاوز عقدة الاستيطان، فهل يمكنها اقناع اسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان؟ وهل يخفى على ميتشل ان اثارة "الخيار السوري" الآن في اسرائيل هدفه المناورة لمزيد من ابتزاز الفلسطينيين، وهذا أمر ليس خافيا على دمشق التي أسقطت منذ البداية سياسة التلاعب الاسرائيلي على مسارات التفاوض؟!

=============================

زيارة نجاد لدمشق تعكس قلقاً من الجهود الأميركية

وضع سوريا حيال المفاوضات عامل تغيير لبنانياً وإقليمياً

روزانا بومنصف

النهار

18-9-2010

ترجم الزيارة المفاجئة التي يقوم بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لدمشق اليوم بعد ساعات على زيارة المبعوث الاميركي جورج ميتشل للعاصمة السورية القلق الايراني مما يمكن ان تحمله الجهود الاميركية على طريق استئناف المفاوضات وفق ما رأت مصادر سياسية واخرى ديبلوماسية في بيروت. وهو امر يعكس في الدرجة الاولى عدم استخفاف ايران بما يحصل على عكس ما يذهب اليه كثر في لبنان والمنطقة متوقعين عدم وصول المفاوضات المباشرة الى نتائج. كما تعكس الزيارة مدى القلق الايراني من الدفع الذي تقوم به الولايات المتحدة الاميركية للمفاوضات وخصوصا بوجود وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لبضعة ايام متواصلة في المنطقة وعدم اقتصار هذه الجهود على ميتشل واحتمال عودة كلينتون لاحقا كما تقول بعض المصادر. فالزيارة من حيث توقيتها ومستواها تعبر بقوة عن ذلك في انتظار ما يمكن ان يصدر عنها من نتائج. وهذا الامر كله غير منفصل عن التوتر الذي يشهده لبنان على خلفية التجاذب على المحكمة الدولية في حين ان هذه الخلفية تخفي ما تعبر عنه زيارة نجاد بالذات لدمشق اي احتمال ان تشارك سوريا كمرحلة ثانية في المفاوضات المباشرة مع اسرائيل وما يمكن ان يعنيه ذلك على صعد عدة قد يكون ابرزه مخاوف ايران من ان تعزل دوليا وعربيا. وكان متابعون للحركة الايرانية على خط دمشق لاحظوا مسارعة مسؤولين ايرانيين الى دمشق على مستوى كبار المساعدين لمرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي او على مستوى وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي بعد كل زيارة لمسؤولين اميركيين لها او اي حركة دولية لافتة في اتجاه دمشق. لكن تحرك نجاد يوحي ان ايران تأخذ ما يجري على خط المفاوضات وزيارة ميتشل على نحو جدي وخصوصا ان ثمة مؤشرات مقلقة بالنسبة اليها تعبر عنها المواقف العربية المتتابعة في دعم المفاوضات المباشرة بأهداف عدة من بينها نزع الورقة الفلسطينية من يد ايران واضعاف قدرتها على تحريكها والمساومة عليها. فضلا عن ان ايران تخشى عدم قدرتها على مواجهة العقوبات الدولية عليها من بحيث تقع في عزلة اقليمية ودولية ويدرج معنيون كثر زيارة نجاد للبنان في 13 تشرين الاول المقبل في هذا الاطار بالذات اكثر من اي عامل اخر. لكن في باب المفاوضات المباشرة فان الجهود الاميركية على خط الدول العربية من اجل توفير الفرص لنجاحها مقلقة بدورها وخصوصا انها تشمل سوريا التي كان تصريح ميتشل فيها لافتا في ما يحمله من هدف للعلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة ملوحا "بأن هدفنا في النهاية هو ان نحصل على علاقة بين حكومتينا تعكس الدفء والصداقة والاحترام المتبادل للشعبين. ان العمل من اجل سلام شامل وتحقيقه سيدفعنا نحو هذا الهدف". وهي اشارة واضحة الى ما تطمح اليه سوريا من علاقات ثنائية جيدة مع الولايات المتحدة لا تزال تنتظرها بتعيين سفير اميركي جديد في دمشق كخطوة

اولى.

وفي هذه النقطة الاخيرة بالذات لفت سياسيون عرب معنيون الى ان الموقف السوري في اجتماع وزراء الخارجية العرب والذي تغيبت عنه سوريا على مستوى وزير الخارجية الذي كان يشارك في اللقاء مع ميتشل لم يتسم بالمواقف المعهودة لسوريا من معارضة المفاوضات المباشرة وقبلها المفاوضات غير المباشرة ومر بيان الوزراء العرب الذي يصب في خانة دعم السلطة الفلسطينية من دون الضجيج الاعلامي او السياسي الذي كان يرافق مواقف بعض الدول كسوريا مثلا على نحو خاص وهو ما كان يحصل في الاجتماعات العربية السابقة بما فيها الاجتماعات التي عقدت خلال الاشهر القليلة السابقة. كما تلفت هذه المصادر الى زيارة المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران الى سوريا مطلع الاسبوع المنصرم مستبقا زيارة ميتشل علما ان الحركة الفرنسية ليست منعزلة عن الحركة الاميركية.

لذلك فان نجاد ينوي الاطمئنان الى احتمال دخول سوريا المفاوضات وفي اي مرحلة وما هي الشروط لدخولها وما هو الثمن ايضا واين موقع ايران من كل ذلك فضلا عن التزامات سوريا ازاء ضبط حركة "حماس" وسائر القوى الفلسطينية الاخرى التي تدور في فلكها. ومع ان كثرا لا يثقون حتى الان بامكان نجاح الفصل بين ايران وسوريا او احتمال عدم تطابق الموقف الايراني مع الموقف السوري من جملة قضايا ومسائل في المنطقة، فان سوريا سبق ان شاركت في مفاوضات غير مباشرة واعلنت انها تقبل بمفاوضات مباشرة اذا تولت رعايتها الولايات المتحدة الاميركية. واحتمال دخول سوريا المفاوضات بغض النظر عما اذا كان يمكن ان تؤدي الى اي نتيجة يثير توترا كونه يساهم في تغيير المشهد الداخلي في لبنان كما المشهد الاقليمي والبعض يقول انه يساهم في تغيير موازين القوى ايضا. ولا تريد ايران في ابسط الاحوال ان تكون معزولة او تنجح محاولات عزلها في حال انطلاق عملية السلام على المسار السوري علما ان ما يجري على هذا الصعيد يستبعدها كليا عن هذا الملف. والوضع نفسه يرتب انعكاسات على لبنان والقوى فيه ايضا من حيث القلق راهنا ومن ثم مع الاحتمالات التي توحي بها بعض المساعي التي تبذل على هذا الصعيد.

=============================

التغطية على التسامح!

هدى عثمان (مراسلة صحفية مقيمة في نيويورك)

كومون جراوند

الرأي الاردنية

18-9-2010

بعد سنة واحدة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كنت على متن رحلة جوية من القاهرة إلى نيويورك لبدء حياتي الجديدة في الولايات المتحدة. بعد مرور اثنتي عشرة ساعة، هبطنا في مطار كيندي. كنت نصف نائمة، أقف في الصف أمام أكشاك الهجرة، عندما سمعت فجأة صوت الأذان يُرفَع في القاعة. «لا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً... فأنا في مدينة نيويورك». تلفت حولي فرأيت واحداً من ثلاثة رجال ملتحين كانوا معي على متن الرحلة يرفعون الأذان وهم يبسطون سجادات الصلاة. يا لها من شجاعة، أن يفعلوا ذلك في هذه الأوقات الحسّاسة وفي ذلك المكان تحديداً. وقفت أتفرج لبضع دقائق متوقعة أن تقوم سلطات المطار بالتدخل في أية لحظة. لكن لشدة تعجبي، استمر الرجال في أداء الصلاة دون أن يزعجهم أحد. كانت تلك تجربتي الأولى في الحرية الدينية في الولايات المتحدة.

شهدت خلال سنواتي الثماني هنا التسامح الديني بأشكال أخرى. تقبّل الناس الذين قابلتهم دائماً عقيدتي. كان هؤلاء الذين لا يعرفون الكثير عنها يسألونني: لماذا تصلّون؟ وكيف؟ لماذا تصومون؟ هل يقول القرآن ذلك حقاً؟ كنت دائماً سعيدة لأن أشرح لهم.

ليس هناك نقص في المساجد في نيويورك. شاهدت مع أطفالي أضواء مبنى الإمباير ستيت تتغير إلى الأخضر احتفالاً بقدوم عيد الفطر، واكتشفت وجود طوابع بريدية أميركية خاصة بأعياد المسلمين.

لذا فإن الخلاف الحالي حول مركز بارك 51 الإسلامي الاجتماعي، وبالذات المعلومات الخاطئة وجنون الارتياب، تُعتبر مخيبة للآمال، بل مؤذية. كما أن الضرر الناتج، وضمنه عداء متزايد تجاه المسلمين ومعارضة لبناء المساجد في أماكن أخرى، يُعتبر أمراً كئيباً وحزيناً.

وهي محبطة بشكل خاص لأنك تسمع أحياناً: أين هم المسلمون «المعتدلون»؟ لماذا لا يرفعون أصواتهم؟ حسناً، ها هم. أعطوهم فرصة.

زرت مسجد بارك 51 قبل أشهر وقبل بدء الخلاف حوله. تأثرْتُ بخطبة الإمام فيصل عبد الرؤوف حول التسامح والانفتاح. قابلت زوجته «ديزي خان» التي تدير منظمة تبرز إنجازات المرأة المسلمة.

عندما يصيبني الغضب من الرهاب الإسلامي المحيط بالمركز، أبقى مستيقظة لأشاهد الممثل الفكاهي جون ستيوارت في «البرنامج اليومي». ضحكت عندما ذكّر ستيوارت «فوكس نيوز» أن واحداً من ممولي بارك 51 المحتملين، هو أحد أكبر المساهمين في مؤسسة روبرت ميردوخ للأخبار، والتي تمتلك «فوكس نيوز».

لا يقف ستيوارت وحده. هناك الكثيرون ممن يقفون صامدين دعماً لحرية ممارسة الأديان، بمن فيهم عمدة نيويورك، وعضو الكونغرس جيري نادلر، والسناتور راس فاينغولد والسناتور آل فرانكلين، وعدد كبير من الصحفيين الذين ساندوا المشروع في مقالات رأي.

لكن لسوء الحظ قد تكون أصوات الحقد عالية لدرجة تغطي معها على الأصوات المتسامحة.

=============================

تفاوض سري و«اتفاق إطار» لتصفية القضية

ياسر الزعاترة

الدستور

18-9-2010

في وصفها للقاء محمود عباس مع نتنياهو في منزل الأخير في شارع "بلفور" الواقع في القدس الغربية ، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "نتنياهو استقبل عباس عند مدخل منزله. صافحه بحرارة ورافقه إلى الداخل. قال له: "يسرني أنك جئت إلى منزلي". فرد عليه عباس بمزاح: "حقا منذ زمن بعيد لم نلتقً". بعد ذلك كتب رئيس السلطة في سجل الضيوف: "اليوم عدت إلى هذا المنزل بعد فترة طويلة من التغيب ، كي أواصل المحادثات والمفاوضات ، انطلاقا من الأمل في الوصول إلى سلام خالد في كل المنطقة". ومن هناك واصل نتنياهو وعباس طريقهما إلى غرفة الاستقبال ، حيث كان في انتظارهما عشرات المصورين والمراسلين. وبعينين تشعان سعادة رحب نتنياهو بعباس ، بينما خلد المصورون الزعيمين وهما يتصافحان ، وخلفهما العلم الفلسطيني".

 

حدث ذلك على مرمى عشرة أيام من انتهاء قرار تجميد الاستيطان في الضفة الغربية (لا يشمل التجميد القدس) ، وبعد أيام من احتفالية المفاوضات المباشرة في البيت الأبيض ، فيما ساسة واشنطن منشغلون بالخطوة التالية للاحتفال ، وفيما "تجاهد" هيلاري كلينتون إلى جانب جورج ميتشيل من أجل دفع المفاوضات ، ومن ثم إقناع نتنياهو بإيجاد صيغة معقولة لمسألة تجميد الاستيطان ، مع ضغوط مكثفة على عباس من أجل أن لا يوقف التفاوض في حال لم تعجبه صيغة التجميد.

 

الأكيد أن عقد اللقاء في بيت نتنياهو لم يكن بريئا ولا عبثيا بحال ، فقد أراد المعنيون إعطاء الانطباع بأن زمن القطيعة قد ولى ، وحل مكانه زمن اللقاءات الحميمة (مساعي تفعيل المسار السوري وزيارة ميتشيل لدمشق تندرج في ذات الإطار) ، وعلى العرب تبعا لذلك التقدم خطوة أو خطوات في اتجاه الطرف الإسرائيلي ، وقد ذهب الرئيس المصري في مقاله في "نيويورك تايمز" إلى أنه "ينبغي على الدول العربية أن تواصل التدليل على جدية مبادرتها من خلال خطوات تلبي آمال وتبدد مخاوف رجل الشارع الإسرائيلي".

 

هيلاري كلينتون لا تتردد في إشاعة أجواء التفاؤل بشأن المحادثات ، مع التأكيد على أنها ستشمل القضايا الجوهرية ، وهي تطالب عباس بأن يفعل ذلك عبر حث مساعديه على وزن تصريحاتهم المتعلقة بالأمر حتى لا تخرّب العرس الذي تعب أوباما في ترتيبه.

 

كل ذلك على أمل تجاوز عقدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بأقل قدر من الخسائر ، لاسيما أن غضب الصهاينة عليه (على أوباما) سيكلفه الكثير ، في حين يريده جنرالات البنتاغون من أجل تقليل احتمالات انفجار الوضع في الضفة الغربية على نحو يؤثر على جنودهم في العراق وأفغانستان وعموم المصالح الأمريكية في المنطقة كما كرروا مرارا.

 

اللافت أن المفاوضات ستتم في أطر سرية ، سواء جاءت بذات الصيغة التي اعتمدت خلال ولاية أولمرت - ليفني ، أم من خلال مسار سري آخر غير معلن بين فريق فلسطيني وآخر إسرائيلي مفوض من نتنياهو على شاكلة اتفاق أوسلو الذي فاجأ به ياسر عرفات الجميع ، بما في ذلك مصر ، بينما كان محمود عباس هو مهندسه الأبرز.

 

الهدف من المسار السري ، وأقله غير المعلن من حيث التفاصيل هو التوصل إلى "اتفاق إطار" لا يبتعد كثيرا عن اتفاق أوسلو من حيث الشكل وطبيعة الغموض وإمكانية التفسير المتباين (الدوائر الإسرائليية تتحدث عن موافقة مصرية على هذه الصيغة) ، وهو اتفاق سيستغرق تطبيقه العملي سنوات طويلة ، هي عشر بحسب البعض وعشرون بحسب آخرين ، فيما الواقع أنها ستحول النزاع إلى نزاع حدودي لأن جوهره (أعني اتفاق الإطار) هو المضي في برنامج الدولة المؤقتة أو السلام الاقتصادي ، حيث ستتمدد السلطة إلى حدود الجدار ، وتصبح دولة لا ينقصها الكثير كما يراها أصحابها (السيادة مسألة نسبية وأهمية الدول لا تنبع من مساحتها كما سيرددون،،).

 

هذه هي خطورة ما يجري على الأرض (هو تصفية عملية للقضية ، لاسيما أنه سيأتي معطوفا على الاعتراف بيهودية الدولة العبرية) ، ما يعني ضرورة أن يتوافق أهل الرأي والفعل في الساحة الفلسطينية على وسائل فاعلة للتصدي لهذا المشروع ، وهم قادرون على ذلك إذا أحسنوا إدارة المعركة ، ومعهم جماهير لن تقبل صفقة تلبي طموحات نفوس مهزومة مسكونة بالدفاع عن مصالحها ، وليس عن مصالح الوطن وقضيته وصراعه التاريخي.

=============================

التعديلات الدستورية التركية.. هل ستسرّع انضمامها للاتحاد الأوروبي؟

عبدالله محمد القاق

 الدستور

18-9-2010

 واخيرا.. فازت حكومة السيد طيب رجب اردوغان رئيس وزراء تركيا بالاستفتاء الذي اجرته حكومته باجراء اصلاحات دستورية هامة على 26 مادة ستحد من صلاحيات السلطة القضائية والجيش اللذين يعدان معقلين للعلمانية في النزاع مع هذه الحكومة المحافظة والتي تنص بعضها على زيادة عدد اعضاء المحكمة الدستورية من 11 - 17 فيما يُعين البرلمان ثلاثة من هؤلاء القضاة والتي كانت السلطة العسكرية وبعض احزاب المعارضة يرفضون اية تعديلات جديدة عليه.

 

والتعديلات الجديدة تجيء في ضوء اتهامات من العسكر الاتراك وبعض الاحزاب المتشددة بان هذه الاجراءات التي وافق عليها الشعب التركي بنسبة 61 في المائة من شأنها انهاء العلمانية في تركيا بالرغم من ان رئيس الوزراء التركي قد اكد في اكثر من خطاب له قبيل اجراء هذا الاستفتاء بان التعديلات ستسهم في تعزيز الديمقراطية في البلاد وتقريب تركيا من الاعراف الاوروبية لا سيما ان تركيا تمر حاليا بمنعطف هام ولا علاقة لها بهذه الافكار المتشددة تجاه حكومته.

 

لقد دعا المعارضون ومن بينهم نشطاء من الاكراد لمقاطعة التصويت في جنوب وشرق البلاد غير ان المقاطعة لم يكن لها اي شأن لان الشعب التركي قد ابدى ارتياحه للتطورات التي شهدتها تركيا في عهد هذه الحكومة التي تولت السلطة في عام 2002 لدورها السياسي والاقتصادي وانفتاحها المنشود عربيا واسلاميا واوروبيا ودعمها اللامحدود للقضية الفلسطينية والذي تمثل بارسال اسطول الحرية لرفع الحصار على غزة ورغبته في احلال السلام الدائم والعادل في المنطقة باقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

 

والدور التركي بقيادة اردوغان يحظى بالاهتمام العربي والدولي والاسلامي الى حد كبير حيث حذر الرئيس الامريكي باراك اوباما الدول الاوروبية من تجاهل تركيا وقال: "ان من الحكمة ان يقبل الاتحاد الاوروبي تركيا في عضويته مشيرا الى ان مثل هذا الرفض سيدفعها للبحث عن تحالفات خارج الغرب فضلا عن اهميتها ودورها الكبير في المنطقة" وكانت تركيا قد خاضت مفاوضات للانضمام الى عضوية الاتحاد المكون من 27 عضوا منذ عام 2005 غير ان هذه العملية لم تكتمل نتيجة عدة قضايا منها ما يتعلق بشأن جزيرة قبرص المقسمة فيما تصر دول اخرى على ان تسيطر الهوية المسيحية للقارة الاوروبية بالرغم من التزام تركيا تجاه الغرب.. لا سيما ان لتركيا الوزن الكبير على المستوى الاقليمي فضلا عن كونها تشكل 20 في المائة من سكان مسلمي اوروبا ولقيت هذه التعديلات الدستورية ترحيبا من الاتحاد الاوروبي حيث اكد المسؤولون ان انتصار الاستفتاء يظهر استمرار ايمان المواطنين الاتراك بالاصلاحات في ضوء رغبة جادة في تعزيز حقوقهم وحرياتهم لانها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح لكونها تعالج عددا من الاولويات المعلقة في جهود تركيا اجتازت عتبة تاريخية بالموافقة على تعديل هذا الدستور الذي وضع بعد انقلاب عام 1980 حيث اسقط الجيش العلماني التركي باربع حكومات منتخبة بشكل ديمقراطي وهذا يعني ان نظام الوصاية في عهد حزب العدالة والتنمية انتهى واصبح جزءا من التاريخ حيث لن تتحقق اهداف هذه "النخبة من الجيش وبعض الاحزاب" في مساندة الانقلابات لأنها ايقنت ان الشعب التركي هدفه تحقيق الاصلاحات التي من شأنها وقف تدخل العسكر بشكل رئيس في شؤون البلاد وامكان مساءلتهم امام المحاكم المدنية والغاء حصانة الانقلاب المذكور من المحاكمة.

 

لقد اتخذت الحكومة التركية في عهد اردوغان اجراءات حازمة وحاسمة تجاه الاصلاح الديمقراطي والاقتصادي والتعليمي حيث اثبت هذا الاستفاء مجدداً ان اردوغان سينظر اليه بانه تفويض واضح للاستمرار في سياسته الخارجية التركية الاكثر تطوراً وحزماً وانتفتاحاً على العالمين العربي والاسلامي وتعيمق وتعزيز العلاقات لهذه الدولة المسلمة مع ايران وسورية والعراق وفلسطين ، بالاضافة ان هذه الحكومة لعبت دوراً في الغاء حظر مفروض على دخول المحجبات الى الجامعات غير ان المحكمة الدستورية المدعومة من الجيش أحبطت هذا التحرك. ولعل اهمية هذا التصويت انه جاء في الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 حيث شحذ اردوغان الرأي العام في خطابات ولقاءات جماهيرية مكثفة بغية تغيير الاوضاع الدستورية السابقة التي تضع حداً لتفشي العلمانية الرسمية التي تسود البلاد.

 

هذه التعديلات الجديدة من شأنها ان تجذب الاستثمار والمستثمرين الى تركيا نظراً لتاكيد سياستها على الاستقرار وتوفير الامن والامان بعيداً عن الانقلابات العسكرية التي كان العسكر يهددون القيام بها اذا ما حادوا عن سياسة العلمانية ، الامر الذي يرى المراقبون الاقتصاديون بان الاقتصاد التركي اصبح مهيئاً لاحراز نمو بنسبة 6,8 في المائة خلال هذا العام ليصبح واحداً من اسرع الاقتصادات نمواً بعد الصين والهند خاصة في المنطقة لا سيما وان هذا النمو يجيء مع ارتفاع اجمالي الناتج المحلي والتي تدل على انتعاش ثابت للاقتصاد في ضوء الازمة المالية العالمية حيث سيضع هذا النمو تركيا في مقدمة دول العالم ، وهذا النمو يُعد انجازاً هاماً بالنسبة لرئيس الوزراء التركي الذي يواجه انتخابات عامة عام 2011 سيخوضها حزبه ضد المعارضة للفوز بولاية ثالثة على التوالي بالرغم من ان البطالة لا تزال تُمثل تحدياً كبيراً للحكومة ، حيث بلغت نسبتها 13,7 في المائة في شهر نيسان الماضي.

 

هذا الانفتاح الاقتصادي والذي اسهم بهذا النمو الملحوظ في الاقتصاد بعهد حكومة اردوغان "عهد العدالة والتنمية" جعل تركيا تحتل المرتبة رقم (16) في الاقتصاد العالمي ، وهذا يتأتى جراء سياسة الاستقرار والانفتاح الذي تقوم به تركيا على دول الحوار مما فتح المجال للتجارة التركية شأنا كبيراً ، خاصة في اسيا الوسطى والشرق الاوسط وحوض البحر المتوسط وافريقيا وا لعالم العربي ، فضلا عن ان تركيا تحتل حالياً الرقم الثامن في الاقتصاد الزراعي العالمي بعد ان كانت في المرتبة رقم (11) قبل مجيء العدالة والتنمية والحكم حيث تُصدرالحكومة التركية المنتجات الزراعية التركية ، لاكثر من 177 دولة في العالم ، بالاضافة الى انها تحتل الرقم 30 في صناعة الفولاذ مما يعطي تركيا مكانة اقتصادية في العالم اليوم ، ناهيك عن الدور المالي الذي تلعبه تركيا في هذا العهد بالمصارف الاسلامية حيث تُعرف البنوك الاسلامية "ببنوك المشاركة" والتي تجاوزت مدخراتها 25 مليار دولار ، في حين يتوقع ان تشكل هذه المدخرات 10 في المائة من مدخرات رؤوس اموال البنوك التركية.

 

الامل كبير في ان تواصل حكومة السيد اردوغان سياستها الانفتاحية ، ودورها العربي والاسلامي والدولي المشهود لتطوير وتفعيل التعاون المشترك ، والعمل مجدداً لانضمام تركيا الى منظومة الاتحاد الاوروبي لان هذه التعديلات الديمقراطية التي ارساها اردوغان ستزيد من فرص الانضمام لهذه المنظومة وتسهم في دعم تركيا لهذا الاتحاد والتي اثبتت السنوات الماضية على ان حكومة السيد اردوغان قادرة على القيام بواجباتها السياسية والاقتصادية تجاه العالم فضلا عن دورها المميز تجاه القضايا الراهنة ومنها قضية فلسطين والموضوعات ذات الصلة بالعدل والتسامح والمساواة وحق تقرير المصري وتعزيزها للديمقرطية في البلاد ما اكسبها ثقة وشعبية واهتماماً كبيراً على المستويين العربي والدولي،.

=============================

الدرس التركي للنظام الرسمي العربي

عبدالسلام بنعيسى

2010-09-17

القدس العربي

شارفت نسبة المشاركين في التصويت على التعديلات الدستورية في تركيا 78 في المائة من أصل 50 مليون ناخب تركي، وصوتت بنعم لصالح التعديلات 58 في المائة من الهيئة الناخبة، وصوتت بلا 42 في المائة. ولم يشكك أي حزب في سير العملية الانتخابية، ولم يجادل أي أحد في نتائجها، بل رحب العالم الغربي برمته بنتائج الاستفتاء، واعتُبرت بأنها تجسيد حقيقي لإرادة الأمة التركية.

أن تصل نسبة الهيئة المشاركة في الاستفتاء على الدستور إلى 78 في المائة من مجمل الجسم الانتخابي التركي، فهذا دليل قاطع على حيوية التجربة الديمقراطية التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية وعلى جاذبيتها. لم نقرأ في الصحف ما يفيد استعمال المال لشراء الأصوات، أو اللجوء إلى الضغط والابتزاز لإجبار الأتراك على المجيء إلى صناديق الاقتراع للإدلاء قسرا بأصواتهم في الاستفتاء المعروض عليهم.

كل التقارير الصحافية التي غطت الاستفتاء على التعديلات الدستورية التركية أكدت أن الظروف والأجواء التي جرى فيها هذا الاستفتاء كانت تطبعها الشفافية والنزاهة والحرية الكاملة للناخب التركي للإدلاء بصوته بلا أو نعم.

الطبقة السياسية التي تحكم تركيا قررت الالتزام بقواعد اللعبة والانصياع إلى إرادة الشعب للحسم في كل القضايا الخلافية، ولذلك يجوز الاستنتاج بأن مستقبل تركيا سيكون أفضل من ماضيها ومن حاضرها. المستثمر سيطمئن لها، والسائح سيقصدها، والباحث عن تعاون اقتصادي وتجاري وعلمي وثقافي لن يتردد لحظة واحدة في اغتنام أي فرصة تظهر أمامه للتعاون مع الحكومة التركية المنتخبة من الشعب والحاصلة على شرعيتها منه، الأمر الذي يهيئ للأتراك كل شروط الاستقرار والأمن، وتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية لأنفسهم.

إذا كان هذا هو الواقع التركي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يتهم من طرف العديد من سياسيينا وكتابنا بأنه حزب ديني وأصولي ومتطرف، فماذا عن الواقع العربي الذي تحكمه في معظمه أنظمة تزعم أنها غير أصولية وتناهض استغلال الدين في السياسة؟ على هذا المستوى ينقسم النظام الرسمي الحاكم في العالم العربي إلى فئتين. الأولى لا تعرف لا انتخابات ولا هم يحزنون. إنها تحكم بسلطة القهر المحض تحت مسميات مختلفة.

والفئة الثانية تسمح بتنظيم انتخابات، لكنها تكون دائما مراقبة ومتحكما في نتائجها، سواء عبر التزوير المباشر وصنع النتائج والإعلان عنها من طرف الإدارة، أو عبر الاستعمال الكثيف للمال الحرام، وتوظيف الفساد القائم لتطويع النتائج كما يريدها المستفيدون من الفساد والساهرون على استمراره مستشريا في دواليب الدولة وأجهزتها. الانتخابات في عالمنا العربي شبهها بعض السياسيين بسوق نخاسة..

لا غرابة إذن أن تنحدر نسب المشاركة في الدول العربية التي تنظم فيها الانتخابات إلى مستوى لا يصل أحيانا حتى إلى 16 في المائة من عموم الهيئة الناخبة. للمشاركة الكثيفة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا أسبابها ونتائجها، كذلك للعزوف السياسي من طرف الجماهير العربية عن الانتخابات في البلدان العربية أسبابه ونتائجه. وهذا هو الدرس الأساسي الذي يتعين استخلاصه من نتائج ما جرى في تركيا من انتخابات واستفتاء. الناس تتطور وتتقدم في جهات متعددة من العالم، في حين نلف وندور نحن في الوطن العربي دائما في نفس الحلقة المفرغة.

' صحافي وكاتب من المغرب

=============================

متى يمكن الحديث عن نهاية الاستبداد العربي؟

فرج بو العَشّة

2010-09-17

القدس العربي

لو طُرح السؤال على عبد الرحمن الكواكبي (1854 - 1902) مثقف النهضة ورائد فكر المعارضة السياسية العربية الحديثة، لأجاب، في ظني، بأنه أمر أبعد مما يُتصور. وذلك بالنظر إلى رؤيتها المضمرة في تحليله المنهجي، بعفويته الفكرية الخلاقة، لطبائع الاستبداد الشرقي التي تطبع حياة المجتمعات العربية: اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. حيث شخّص الكواكبي العظيم انحطاط الشرق (الأمة العربية) بأنه داء ومسببه هو: 'الاستبداد السياسي'. ووصف 'الشورى الدستورية'، أي الديمقراطية بلغة اليوم، بأنها الدواء المُعالِج.

واليوم في عامنا هذا (2010) يكون قد مرّ على على وفاة الكواكبي أكثر من مائة عام ولا تزال طبائع الاستبداد الشرقي، بوجهها العربي القح، تفعل مفاعليها في بنية سلطة الدولة والمجتمع والعائلة.

صحيح أن حركة المعارضة السياسية المدنية، دون أن نتطرق إلى حركات الرفض العنفي، صارت اليوم، في عديد الأمصار العربية، قوة مجتمعية مؤثرة بفعالية في الحياة السياسية والثقافية، إلا أنها لا تزال قاصرة عن تحقيق ثورتها الجذرية على الدولة الاستبدادية. ولا نقصد بالمعارضة، هنا، مفهومها السياسي التقليدي كونها أقلية تعارض حكومة الأكثرية تحت قبة البرلمان ضمن مواد القانون وبنود الدستور ومؤسسات الدولة، فتلك صيرورة مستقرة لم تتمظهر بعد في أي دولة عربية، بما في ذلك لبنان  حيث الطوائف سيدة المشهد السياسي والاجتماعي. المقصود بالمعارضة، هنا، حركة رفض جذري تستهدف الخلاص التام من مركّب دولة الاستبداد وطبائعه لكي يُصار إلى بناء سوي للدولة الديموقراطية الحقيقية. عندها فقط ينزل السلام أخيراً على روح الكواكبي العظيم في ضريحه المُبارك.

كتب الكواكبي بحثه غيرالمسبوق، عربياً، عن طبائع الاستبداد الشرقي، الذي استغرق منه 30 عاماً، فيما كان العرب خاضعين بشكل أو آخر تحت حكم ولايات مملوكية تابعة، بشكل أو آخر، للامبراطورية العثمانية المتهالكة. كانت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي ومصر تحت الاحتلال البريطاني. وسوف تكر السبحة. ولم يكن في تصور الكواكبي أن خلاص العرب من استبداد العثمانيين، أو قل الأتراك، سوف سيحولهم إلى تورتا يتقاسمها المسيو بيكو والمستر سايكس. وبالتالي لم يكن له أن يتصور أن المستعمر الفرنجي سوف يحرص، لفائدة مصالحه، على استمرارية منهجية حكم طبائع الاستبداد الشرقي، مع تزيين الوضع في بعض النماذج، كما في مصر الخديوية، بمظاهر ليبرالية مشروعه الكولونيالي، بواسطة تركيب حكومات محلية، يزينها بدستور وبرلمان وصحافة ونشيد وطن وشرطة وجيش...

ولم يكن الكواكبي العظيم حاضراً كي يستبشر خيرا في نهوض روح الأمة الاستقلالية التحررية: المقاومة الجهادية في ليبيا ضد المستعمر الإيطالي في ليبيا بقيادة عمر المختار (شيخ حرب العصابات الحديثة). المقاومة الجهادية في المغرب ضد المستعمر الإسباني ثم الفرنسي بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي محرر الريف المغربي من الغزاة الإسبان ومؤسس جمهورية الريف المستقلة العام 1921. وثورة العشرين الوطنية في العراق ضد المستعمر البريطاني.... وصولاً إلى الثورة الجزائرية التحريرية التي تفجرت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1954 وانتهت بهزيمة فرنسا واستقلال الجزائر العام 1962، لتشكل رمزاً أسطورياً لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث. ثم كان انقلاب جمال عبد الناصر العسكري العام 1952 على النظام الملكي الخديوي بمثابة إعلان تاريخي عن دخول العرب في فكرة الوجود الوطني  القومي المستقل.

وإذ انتهت حقبة الاستعمار الغربي للعالم العربي، وشاعت فكرة أنظمة الاستقلال الوطني، وجدت الشعوب العربية نفسها خاضعة لحكم أنظمة 'وطنية' استبدادية أكانت موسومة بالرجعية العميلة أو بالثورية التقدمية. فقد قامت على إعادة إنتاج طبائع الاستبداد الشرقي بأدوات قمع حديثة لم تكن لتخطرعلى بال جدنا الكواكبي.. وها هم طغاة العرب اليوم، 'رجعيون' و'تقدميون' يلتقون جمعيهم (تقريبا) على فهم واحد لمفهوم الأمن القومي بما يعني حماية أنظمة حكمهم وتوريثها في نسلهم، الأمر الذي يحتم عليهم، حسب عقيدتهم الأمنية السلطوية، الحرص على نيل رضى سيد البيت الأبيض أو على الأقل عدم إغضابه، كي يتركهم وشأنهم يستبدون بشعوبهم. ونتذكر كيف امتثلوا جمعيهم (تقريبا) لإملاءات السياسة الأمريكية عندما صاح بوش الصغير في وجوههم: من ليس معنا ضدنا. ارتعبوا جمعيهم (تقريبا) خوفاً على كراسيهم. فهم جميعهم (تقريبا) فاقدون لشرعية شعوبهم في الحكم كي يحتموا بها من غضب سيدهم الأمريكي.

ويبقى السؤال: ما طبيعة طبائع الاستبداد الشرقي هذه التي تجعل هؤلاء المستبدين الشرقيين سادرين في حكمهم الاستبدادي المستمر عن عن عن... عن استراتيجية معاوية السلطوية: 'إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي. ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني. ولو أن بيني وبين العامة شعرة لما انقطعت. قيل له: وكيف ذلك ؟! قال: إن جذبوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها'.

وبسؤال ملموس: لماذا لم ينجز الشعب المصري بعد، وهو رائد النهضة العصرية قبل اليابان بعقود؟! السبب الجوهري يعود، في رأيي ودون الدخول في تفاصيل تاريخية، إلى أن النهضة المصرية قامت من منظور المستبد الشرقي محمد علي لرغبته الشخصية في إجراء تحديثات عسكرية وتعليمية واقتصادية تخدم ترسيخ دولته الاستبدادية لصالح إدامة حكمه وحكم ذريته من بعده، ولم يكن معنيا بالنهضة كمشروع مجتمعي. وكانت حملاته العسكرية، في محاربة الوهابيين في الحجاز ونجد والمشاركة في الحرب على اليونان، التي تدمر فيها الأسطول المصري الناشئ، تنفيذا لأوامر السلطان العثماني على أمل أن يجازيه الأخير بضم ولاية الشام (سوريا الكبرى) إلى حكمه. لكن السلطان لم يحقق له مطمحه خوفا من أطماعه. فقام محمد علي بالاستيلاء على الشام من السلطنة العثمانية بالقوة، ووصل إلى تهديد الأستانة نفسها. فتحالف السلطان العثماني مع روسيا وبريطانيا وفرنسا لمحاربة محمد علي، الذي أُجبر في نهاية المطاف على الانحسار داخل دولته في مصر ورضخ لشروط مؤتمر لندن العام 1840 التي فرضت عليه تقليص عداد جيشه وتركوا له حكم مصر حكمًا ذاتيًا يتوارثه أولاده من بعده. والنتيجة تحول مصر إلى دولة خديوية متأصلة في طبائع الاستبداد والفساد. واقتصار التعاطي مع النهضة العصرية (الحداثة الغربية) على إصلاحات محدودة والاستغراق في تقليد مظاهر الحياة الغربية. وخصوصا في عهد الخديوي إسماعيل الذي بطر في تبذير أموال الخزانة العامة على رغباته وأهوائه وأغرق البلاد في الديون التي استقرضها من البيوت المالية والمرابين الأجانب بفوائد باهظة، مما أدى إلى إفلاس الدولة ومن ثم التدخل الأجنبي في شؤون إدارة المال العام، وصولا إلى الاحتلال الإنكليزي المباشر العام 1882. عكس مشروع النهضة اليابانية التي قامت على رؤية استراتيجية شاملة لمتطلبات النهضة في الدولة والمجتمع. عُرفت باستراتيجية 'الدولة التنموية' ذات المبادئ والمنطلقات والخطط والأهداف الواضحة، في مداها القصير والبعيد، بقيادة امبراطور شاب (1868 1912) استحق عن جدارة لقب 'الامبراطور المصلح'، الذي كان شعاره: 'جيش قوي ليابان غنية' معتمداً على الانفتاح الكامل على التقنية الغربية ولكن بروح يابانية من لدن شعب شغوف بالتعلم من الآخر المتفوق وتقليد صنائعه وصولاً إلى القدرة على الابتكار الذاتي، بل والتفوق على 'المعلم'. وكان المفتاح العلمي: وضع سياسة تعليمية أوصلت نسبة التمدرس في اليابان إلى أكثر من 95 في المائة مع بداية القرن العشرين. مع توفير مناخ الاستقرار السياسي والاجتماعي اللازمين لمشروع 'الدولة التنموية'. فلم تدخل اليابان في مغامرات عسكرية خارجية إلا بعدما امتلكت أسباب القوة الامبراطورية. وكان نظامها السياسي عنوانا لنهوض دولة عظمى رغم استبداديته السلطوية النسبية ثم فاشيته الآيديولوجية التي ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي وغامرت بالنهضة اليابانية في اتون الحرب العالمية الثانية التدميرية.... لتنهض اليابان من جديد كطائر الفينيق فتصبح القوة الاقتصادية الثانية كونياً، بنظام سياسي ديمقراطي نموذجي بالمفهوم الرأسمالي. وما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه لو لم تؤصل نهضتها منذ انطلاقتها كمشروع شامل لصالح كامل الأمة أفقه المستقبل المفتوح، وليس تلبية لمتطلبات محصورة في مصلحة المستبد الشرقي (العربي) بما يخدم إدامة استبداده في عهده وعهود ذريته.

' كاتب ليبي

==================

منهج المناظرة في التراث وأدبيّات الحوار

د. محمود الربداوي

رئيس تحرير مجلة التراث العربي*

(مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق)

كثيرة هي المناظرات والمحاورات التي يشاهدها المرء على شاشات الفضائيات العالمية والإقليمية، يستفيد منها المخططون للبرامج (التلفزيونية) لملء فراغٍ في ساحة ال (24) ساعة التي يوالون البث فيها، ويستفيد منها المشاهد الذي يملك من الفراغ ما يملؤه بمتابعة مثل هذه المناظرات التي تشبع ميوله ورغباته الثقافية والفكرية.‏

والذين لهم ولع بنوعٍ معين من المناظرات يستطيعون متابعتها بشكل دوري في كل أسبوع، أو يتابعونها على شكل ندوات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر. والحقيقة أن مثل هذه المناظرات تؤدي رسالة اجتماعية كبيرة، ذلك لأنها عُدت وسيلةً من وسائل تثقيف الجماهير، لما يصرِّح به المتناظران أو المتحاورون من أفكار وحقائق كانت غائبة عن المشاهد قبل البوح بها (على الهواء) كما يقولون.‏

ولم يفت المؤلفين أن يؤلفوا في هذه الظاهرة، ظاهرة المناظرات. فألفت كتُب، ونُشرت مجلات، وعُقدت ندوات، وتابعت الصحافة حركة هذه المناظرات بالنقد تارة وبالتحليل تارة أخرى.‏

وممارسة المناظرات والكتابة عنها قديمة قدم حب الإنسان لعرض أفكاره والدفاع عنها، فقد عُرفت المناظرة أو إن شئت فقل المجادلة في الفلسفة اليونانية، وترجمها العرب باسم (طوبيقا) وقالوا عنها إنها إحدى الصناعات الخمس المهمة التي ينقسم إليها القياس المنطقي، وقالوا: إنه يتوقف فهم هذه الصناعة على مقدمات ومبادئ أساسية لا غنى عنها لمن يروم الدفاع عما يراه جديراً بالدفاع عنه لشتى الأغراض.‏

وعرف العرب في تاريخهم القديم صوراً من المناظرات المشهورة كالمناظرة المنسوبة للنعمان بن المنذر وكسرى أنوشروان في شأن العرب، ومناظرة يوحنا بن إسرائيل الذمي مع علماء المذاهب الأربعة في بغداد، ومناظرة أصحاب أبي تمام وأصحاب البحتري التي أثبتها الآمدي في مطلع كتابه (الموازنة بين الطائييْن)، والمناظرة بين أبي سعيد السيرافي ومتى بن يونس، وغيرها كثيرة جاءت مثبوتة في كتب الأدب والفلسفة. ولكن أليس من المفيد أن نعرف ما هي المناظرة؟ إن أوجز تعريف للمناظرة هو التعريف الذي جاء به (الكفوي) في الكليات، ومن المفيد أن نورده ونورد الفروق بينه وبين المصطلحات المتفرعة عن مفهوم المناظرة. قال الكفوي: "المناظرة هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب. والمجادَلة: هي المنازعة في المسألة العلمية لإلزام الخصم سواء كان كلامه في نفسه فاسداً أم لا. وإذا علم بفساد كلامه، وصحة كلام خصمه فنازعه فهي المكابرة، ومع عدم العلم بكلامه وكلام صاحبه فنازعه فهي المعاندة، وأمّا المغالطة: فهي قياسٌ مركّب من مقدمات شبيهة بالحق، ويسمى سفسطة، أو شبيهة بالمقدمات المشهورة، ويسمى مشاغبة، وأما المناقضة  في علم الجدل  فهي منع مقدمة معينة من الدليل إما قبل تمامه وإما بعده. والمعارضة هي في اللغة عبارة عن المقابلة على سبيل الممانعة والمدافعة."(1)‏

وليت شعري، أي نوع من أنواع المناظرة المذكورة هذا الذي يقوم به المتناظرون على الشاشات الفضائية في زمننا هذا؟ ولكن أَعَرَفَ هؤلاء المتناظرون أم لم يعرفوا موقعهم من هذه الأنواع فذلك لا يغيِّر من طبيعتهم، ولا من مجرى حوارهم شيئاً، ولكنْ ماذا علينا لو أطلعنا زملاءنا المتناظرين على ما كان يسميه القدماء (أدبيات الحوار) أو أدب الجدل، وقد أورد ابن وهب الكاتب في كتابه (البرهان) أكثر من ثلاثين مبدأً يقدمها لمن يجد نفسه مهيَّأً لأن يشارك في مؤتمر أو ندوة أو حلقة من حلقات (التلفاز)، نلخص هذه المبادئ التي يقول فيها:‏

1 على المرء ألا يفرط في الإعجاب برأيه، وما تسوّل له نفسه، حتى يُفضي بذلك إلى نصحائه، ويلقيه إلى أعدائه فيصدقونه عن عيوبه، ويجادلونه. ويقيمون الحجة عليه فيعرف مقدار ما في يده إذا خولف فيه.‏

2 أن يكون منصفاً غير مكابر؛ لأنه إنما يطلب الإنصاف من خصمه، ويقصده بقوله وحجته. فإذا طلب الإنصاف بغير الإنصاف فقد طلب الشيء بضده.‏

3 أن يتجنب الضجر وقلة الصبر، لأن عمدة الأمر في استخراج الغوامض، وإثارة المعاني، وعماد كل ذلك الصبر على التأمل والتفكر.‏

4 وأن يحلم عما يسمع من الأذى والنبز.‏

5 أن يتحرز من مغالطات المخالفين، ومشبهات المموهين.‏

6 وألا يشغب إذا شاغبه خصمه، ولا يرد عليه إذا أربى في كلامه، بل يستعمل الهدوء والوقار، ويقصد مع ذلك، لوضع الحجة في موضعها.‏

7 وألا يستصغر خصمه، ولا يتهاون به، وإن كان الخصم صغير المحلّ في الجدال، فقد يجوز أن يقع لمن لا يؤبه به له الخاطر الذي لا يقع لمن هو فوقه في الصناعة.‏

8 وأن يصرف همته إلى حفظ النكت التي في كلام خصمه مما يبني منها مقدماته ويُنتج منها نتائجه، ويصحح ذلك في نفسه، ولا يشغل قلبه بتحفظ جميع كلام خصمه، فإنه متى اشتغل بذلك أضاع ما هو أحوج إليه منه.‏

9 وألا يجيب قبل فراغ السائل من سؤاله، ولا يبادر بالجواب قبل تدبره، واستعمال الروية فيه.‏

10 وأن يعتزل الهوى فيما يريد إصابة الحق فيه، فإن الله، عز وجل، يقول: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).‏

11 وألا يجادل ويبحث في الأوقات التي يتغير فيها مزاجه ويخرج عن الاعتدال؛ لأن المزاج إذا زاد على حد الاعتدال في الحرارة كان معه العجلة، وقلة التوقف، وعدم الصبر، وسرعة الضجر، وإذا زاد في البرودة على حال الاعتدال أَوْرَث السهو والبلادة، وقلة الفطنة، وإبطاء الفهم, وقد قال جالينوس: إن مزاج النفس تابع لمزاج البدن.‏

12 وألا يستعمل اللجاج والمَحْك، فإن العصبية تغلب على مستعملها فتبعده عن الحق وتصده عنه.‏

13 وأن يتجنب العجلة، ويأخذ بالتثبت، فإن مع العملِ الزلل.‏

وما دمنا بصدد الحديث عن تجارب التراثيين في المناظرات والمحاورات ورؤاهم في ذلك، فجدير بنا أن نستفيد من المعطيات المعاصرة في ظاهرة (الحوار) وهي من المصطلحات المتداوَلة حالياً، ففي هذا المجال نلفت النظر إلى (مركز الحوار العربي) الذي أسس سنة 1994، وكانت سبقته ودعت إليه مجلة (الحوار) التي نشرت في افتتاحيتها سنة 1992، بشكل نداء للمفكرين العرب كان عنوانها: "الأمة التي لا يفكر لها أبناؤها تنقاد لما يفكّر لها الغرباء." وينتمي المشاركون في ندوات (مركز الحوار) إلى أوطان عربية متعددة، وإلى اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة، وإلى تنوّع أيضاً في الطوائف والمهن والأعمار والمستويات العلمية. لكن يشترك الجميع في الحرص على الهوية الثقافية العربية. ولمركز الحوار الآن ندوات دورية أسبوعية في واشنطن، وله مطبوعات دورية باللغتين العربية والإنكليزية، وللمركز موقع على (الأنترنت) فيه توثيق لكل تجربة الحوار، وبعض مواد المجلة، حبذا لو استفدنا من مخزوننا التراثي القديم وأضفنا إليه المستجدات الحديثة، لعقدنا الصلة بين خيرَيْ الطريف والتليد.‏

---------------

(1) الكليات للكفوي، 4/ 263-265

• (مقال في مجلة التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق العدد 91 - السنة الثالثة والعشرون - أيلول "سبتمبر" 2003 - رجب 1424)

http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=28660

==========================

تعالوا نختلف ولكن بوعي

ناهد با شطح

صحيفة "الرياض" 

2 آذار/مارس 2003

 "إن الغاية من المناقشة ينبغي الا تكون النصر بل التحسين" - جوزيف جوبير -

صرح عالم النفس ريتشارد ديفيدسون من جامعة ويسكونسن ماديسون بالولايات المتحدة لهيئة الإذاعة البريطانية (إن الدورة الكهربائية المركزية في المخ عنصر حاسم في تنظيم المشاعر السلبية وان هناك مناطق من المخ تكون قابلة بشدة للتغيير والتعديل بتأثير من البيئة المحيطة خاصة في السنوات الأولى من عمر الإنسان.

ويفترض ريتشارد ديفيدسون أن حدوث مشكلات في جزء معين من المخ قد يتسبب في منع رد الفعل الإنساني الطبيعي الذي يكبح الرغبة في العدوان عندما تستثار هذه الرغبة بمشاعر مثل الخوف والغضب وأن هذا التفاعل الذي شبهه العالم بالماس الكهربائي يكون واضحا في الأشعة المقطعية التي تجرى على المخ و يفترض أن الأشخاص الميالين إلى العنف والعدوان لديهم خلل في الدورة الكهربائية المركزية المسؤولة عن هذه التغيرات.

كما ان تكوين مخ الإنسان الذي يعيش في منطقة داخلية بالمدينة قد يختلف تماما عمن يعيش خارج المدينة بسبب التجارب التي يعيشها كل منهم).

كم مرة شعرت بأنك مستاء من حوار ابتدأ باختلاف الرأي وانتهى بمشاعر سلبية؟

هل يجدر بنا ان نربط ما بين العدواني في الحوار وما بين الدورة الكهربائية المركزية في المخ؟

ان البيئة تسهم في تكوين مخ الانسان ولذلك يختلف تفكير الناس حسب مجتمعاتهم، لكن يبقى ان نفهم لماذا فقدنا اليوم ادبيات الحوار؟

ولماذا تصاعدت عدوانية اللفظ في حواراتنا وبتنا نخرج عن موضوع الحوار الى تصيد الاخطاء وتتبع تاريخ الطرف الآخر؟

لماذا لا نقبل الآخر المختلف هل لا بد ان يشبهنا؟

مدخل لا بد منه:

يخلط البعض او يفصل بين الحوار والجدال في المدلول لكن الحوار كما يعرفه الاستاذ صالح بن عبدالله بن حميد (من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام. اما الجدال: فمن جَدَلَ الحبل إذا فَتلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها.

والحوار والجدال ذو دلالة واحدة، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى: {قَدء سَمِعَ اللَّهُ قَوءلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوءجِهَا وَتَشءتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسءمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: مناقشة بين طرفين أو أطراف، يُقصد بها تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، ودفع شبهةٍ، وردُّ الفاسد من القول والرأي.

وقد يكون من الوسائل في ذلك: الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة) فاذا علمنا ان الحوار والجدال متطابقان في المدلول فان علينا ان نعرف كيف يمكن ان نمارس الحوار والمجادلة في حياتنا دون ان نجنح بتفكيرنا الى ان المجادلة خطأ في النقاش لكن الجدال مع المراء هو الذي علينا تجنبه.

الحوار جزء من حياة الانسان الذي منحه الله نعمة اللغة التي لم يكتشف العلماء منذ متى وجدت!

الاختلاف وانواعه:

يعرف الإمام الجرجاني الخلاف بانه "منازعة تجري من المتعارضين لتحقيق حق أو إبطال باطل".

ويذكر الدكتور "محمود سفر" في مقالة له في جريدة "الشرق الاوسط" ان الاختلاف نوعان::

1- اختلاف تنوع:

وهو اتفاق على الجوهر واختلاف في الجزئيات، كأن نتفق على أن الجمال قيمة مطلقة ورائعة، ولكنّا نختلف في طرق التعبير عنه ووصفه. وكأن نحب الورود، ولكنّا نختلف في تفضيلنا لألوانها.

واختلاف التنوّع هذا يكون مقبولاً، بل مطلوب كي تسير الحياة بالتنوّع في الرأي بسلاسة ويسر، كما أن هذا التنوّع يمتاز بأن لا تتمخض عنه أزمات في الفكر أو العيش المشترك.

2اختلاف التضاد:

وهو بأصنافه الثلاثة: المذموم، الممدوح، والمستساغ اختلاف في الجوهر وفي التفصيلات أيضاً، وهو يعني رأياً ضد رأي، وهذا النوع من الاختلاف هو ما يدور حوله ومعه الحديث.

ولأن الأصل في اختلاف التضاد أنه يكشف عن آراء متباينة تجاه قضية معينة تكون مدار بحث وتحاور، نتيجة لغياب النظرة المشتركة من قبل المتحاورين، فإنه يكون أشد مراساً في التناول وأفسح مجالاً للحوار).

إن منشأ الاختلاف بين البشر في الأفكار والتوجهات والمواقف يعود لأحد منشأين:

1- منشأ علمي ويمارسه العلماء والمفكرون وهو محمود اذا استهدف الاثراء العلمي

2- منشأ ذاتي وهنا يتركز الاختلاف على اهمية تحقيق المصالح الشخصية حيث تتضارب هذه المصلحة مع الطرف الآخر سواء كان فكراً شخصياً او مصلحة عامة، وهذا الاختلاف استشرى منذ انفتاح الانسان على العلوم والمعارف لكنه اليوم اكثر استشراءً وانتشاراً عبر حداثة الوسائط الاعلامية.

مشروعية الاختلاف:

يقول تعالى في كتابه العزيز: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.

لقد اقتضى الله أن يخلق الناس جميعاً مختلفين،والاختلاف أمر طبيعي يقرره القرآن والعقل والتاريخ أيضا ،وهذا الاختلاف هو من ثوابت نظام الخلق وقانون يعيش في دائرته جميع المخلوقات الكونية فلذا من الطبيعي ان نجد الناس مختلفين في افكارهم وسلوكياتهم وعاداتهم وعلينا قبول الآخر الذي يختلف عنا وليس محاولة استنساخه فكريا اذ انها محاولة خاسرة فقد خلق الله الناس مختلفين لحكمة وعبرة.

إننا في رفضنا لهذا المختلف عنا نكرس لدى ذواتنا فكرة صوابنا وخطئه وهذا ليس صحيحاً ولا يمكن قبول تخطئة الآخر لأنه لا يشبهنا اذ لا يوجد اثبات انا على صواب في آرائنا وتوجهاتنا تجاه قضية ما.

وتظهر شخصية الانسان بما بنيت عليه افكاره من حواره مع المختلف عنه ولعل القنوات الفضائية قد كشفت لنا عن كثير من الاقنعة لرموز فكرية او سياسية او ثقافية لم تستطع ان تقبل وجهة النظر المختلفة عنها، كما استطاعت الفضائيات ان تعري امام المشاهدين مأزق المثقف العربي في ازدواجيته وتناقضه مع افكاره التي ينادي بها من على منبره الاعلامي.

أدب الاختلاف

إن طبيعة الاختلاف تفرض آدابه فقد يكون علمياً وقد يكون فكرياً وقد يكون اجتماعياً.. ولكل واحد من هذه الاختلافات أدبه الخاص به. وقد قسَّم المفكرون هذه الآداب إلى ثلاثة أقسام:

أولاً: الآداب الأخلاقية:

وتوجد لها مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي لابد من مراعاتها مثل (احترام الطرف الآخر بمعنى عدم احتقاره باللفظ او التعابير الحركية، حسن الظن بالآخر، عدم غيبة الآخر وتتبع عيوبه وعوراته؟، عدم تصيد عورات الآخر).

ثانياً: الآداب العلمية:

وتشمل وجوب معرفة اطراف الحوار بالقضية محور النقاش وتمتعهم بالقدرة على ابداء الرأي وحب البحث عن الحقيقة ولنا مثال في الإمام الغزالي في حكمه على آراء الفلاسفة اذ بدأ بتاليف كتاب (مقاصد الفلاسفة) شرح فيه مقاصدهم ثم قدم كتاب (تهافت الفلاسفة) كأسلوب علمي للحكم على الآخر.

ولا بد من تكافؤ الاطراف يقول الشافعي رحمه الله: (ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني!). وهذا التهكم من الشافعي يشير إلى الجدال العقيم الذي يجري بين غير المتكافئين، كما تشمل هذه الآداب الالتزام بالموضوعية وإنصاف الرأي الآخر بالابتعاد عن "حب الذات وصنمية الفكر والأشخاص".

ثالثاً: الآداب الاجتماعية:

لابد من مراعاة أمور عدة مثل: (التكيّف مع الرأي الآخر وقبول الاختلاف ،عدم إسقاط الآخر اجتماعياً، الاعتراف بحق إبداء الرأي).

إننا نعلم اولادنا وتشترك معنا المدراس في تلقينهم آداب الاكل والشرب والنوم..الخ وذلك حسب تعاليم ديننا لكننا ابداً لم نعلمهم اداب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحوار وتأدبه في اللفظ.

إن ادب الحوار مهارة يجب ان نحرص على ان يكتسبها الاطفال الذين سيصبحون شبابا يمثلون سواعد مجتمعهم.. هل يؤمن شبابنا اليوم بمقولة الامام الشافعي (ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان، وتكون عليه رعاية الله وحفظه.وما ناظرني فبالَيءتُ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني).

الاجابة ما نقرأه عبر منتديات الانترنت وعبر شاشات الفضائيات!!

سوء الفهم:

في الغالب وحينما نتوغل في حوار ما فان سوء الفهم يتجسد ويخيم على اجواء النقاش وقد ذكر "أفلاطون" ثلاثة أسباب رئيسية مسؤولة عن إعاقة التفاهم بين الناس وهي:

( 1الإصرار على إثبات صواب وجهة نظرهم مهما كان الثمن.

2تغيير موضوع الحديث.

3عدم القدرة على الاستماع).

ان مشكلة سوء الفهم أو التفاهم واحدة من القضايا المهمة التي نعيشها سواء على الصعيد الفكري او الاجتماعي وما تشهده ساحات منتديات الانترنت من افراز عدائي لرموز ثقافية لدينا هو دليل على سوء الفهم فنحن لا نستطيع ان نحترم من نختلف معه ولا حتى نقبل وجوده، من هنا فاننا نشهد حالة الجفاء وعدم التواصل لبعضنا البعض على الصعيد الفكري، وتحيط بنا عدم الثقة في التعامل مع الآخر، كما اننا استسهلنا توزيع التهم واستغلال الوسائط الاعلامية لنشرها،وقد تورطنا في محاولة إقصاء الآخر، وقولبته ضمن الممنوع او المختلف الشاذ.

والسؤال لماذا نسيء فهم الآخر؟

جزء من تفسير هذه المشكلة يعود بنا الى تاريخ التنشئة الاجتماعية في المجتمعات العربية ونظام التربية المعتمد على السلطة الابوية .

ان الطفل الذي يقمع رأيه ولا تحترم رغبته لا يمكن ان يوجد لديه متسع لتفهم وجهة النظر المخالفة لوجهة نظره.

نحن نسيء الفهم لاننا اصلاً لم نتعرف الى الآخر وربما اشكل علينا التعرف لانه غامض مثلاً او اننا قرأناه بشكل خاطئ.

إذن فنحن المسؤولون عن سوء الفهم بما غذتنا به التربية التقليدية والآخر مسؤول حينما يكون غامضا لا يسمح بكشف رؤاه وتوجهاته.

مركز الحوار العربي:

ان يكون هناك اهتمام بالحوار الى الحد الذي يجسد فكرة مركز فهذا اتجاه واقعي لتنوير المجتمعات وتجربة هذا المركز كما ذكرها لجريدة "البيان" الاستاذ "صبحي غندور" - مدير المركز في واشنطن ( بدأت قبل سبع سنوات، وتجاوز عدد الندوات (460) ندوة في الحوارات العميقة حول الهوية و المفاهيم والثقافة العربية والحضارة الإسلامية، ثم حول قضايا سياسية كثيرة بعضها عربي عام وبعضها وطني خاص ببلدان عربية محددة.

وقد بدأ المركز عمله عام 1994عكس التيار العربي الذي كان سائداً آنذاك، تيار التسليم بواقع الشرذمة العربية وتيار التخلي عن الهوية العربية وتيار التيئيس من الأمة ومن شعوبها ومن شبابها..

وبشكلٍ معاكس لكل هذا التيار كانت "سباحة مركز الحوار" وموضوعاته وأنشطته، والتي كان من ضمنها على فترة سنتين لقاءات خاصة بالشباب العربي في منطقة واشنطن والتأكيد على الأمل بهم لمستقبلٍ عربيٍ أفضل.

ومركز الحوار يقيم الآن ندوات دورية أسبوعية في واشنطن، وله مطبوعة دورية باللغتين العربية والإنجليزية تصل إلى أفراد وجماعات مهمة داخل أميركا وخارجها، وله موقع على الإنترنت فيه توثيق لكل تجربة "الحوار" ولبعض ندوات المركز وبعض مواد المجلة، والكثير من المواضيع التي تساهم في طرحٍ صحيح للقضايا العربية، وكان آخر ما أضيف على موقع الإنترنت، "صفحة إلكترونية" خاصة عن الانتفاضة الفلسطينية، هي في الواقع مجلد من الموضوعات والصوَر والتعليقات باللغتين العربية والانكليزية، إضافة لصفحة خاصة عن أميركا والعرب بعد أحداث 11سبتمبر.

و بداية تجربة مركز الحوار العربي لم تكن فقط يوم افتتاح مقرّه في 18ديسمبر عام , 1994.بل كانت عملياً قبل ذلك بسنتين أي منذ عام 92بعد أن نشرت مجلة "الحوار" افتتاحية بشكل نداء للمفكرين العرب، كان عنوانها: "الأمّة التي لا يفكّر لها أبناؤها تنقاد لما يفكّر لها الغرباء" وعقب ذلك، بادرت مجلة "الحوار" إلى الدعوة للقاءات دورية شهرية بين عدد من المفكرين العرب المقيمين بواشنطن).

الاختلاف قائم:

ان اعتمادنا على الفكر المعلب لا يشجع على اثراء المعرفة الفكرية وفي هذا تأخير عن ركب الحضارة فلم تكن الحياة قائمة على استنساخ البشر او تناسخ الافكار انما الاختلاف هو سر الابتكار وسر تلاقح الافكار.

فاذا استهدفنا ان يكون الجميع كما نحن فلأننا نمارس جرما بحق انفسنا ومن حولنا علينا ان نقبل وجود المختلفين عنا وان نبني في اطفالنا وشبابنا الايجابية في التفاعل في تلقي المعلومات والآراء وليس السلبية التي تقضي بقبول كل شيء والاستسلام له او رفض كل شيء مختلف.

اننا بني البشر وان اختلفت آراؤنا وتوجهاتنا وثقافاتنا نشترك فيما وهبه الله لكل البشر وفضلنا به على مخلوقاته.

هذا العقل هو الذي عن طريقه يمكن لنا التفكير بشكل ايجابي لكن مشكلة العقل اننا نحن البشر من يغذيه بالعلم والمعرفة ولذلك كان لزاماً ان يدرك الانسان مسؤوليته تجاه ذاته وتجاه عمارته

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ