ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 15/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

"قانون طرد الغزاة"كان أميركياً قبل أن يكون إسرائيلياً

المستقبل - الثلاثاء 14 أيلول 2010

العدد 3770 - رأي و فكر - صفحة 19

سليمان الشّيخ

في شهر حزيران من عام 2003، عرضت الحكومة الإسرائيلية قانونا على الكنيست، أطلقت عليه اسم "قانون طرد الغزاة" أحدث يومها ضجة إعلامية واسعة، خصوصا وأن فيه "ابتداعا" ونحتا ربما يعتبر جديدا في مفرداته وعباراته وتوصيفاته، التي تشير وتوصّف الفلسطينيين كونهم "غزاة"، أي تحويل صفة "الغزاة" ونسبة "الغزو" إلى الفلسطينيين، فمن ذا الذي احتل الأرض أرض الفلسطينيين أليس الغزاة الإسرائيليون القادمون من خارج الحدود؟ والقانون بتماهيه اللغوي يعني أن على الإسرائيليين طرد "الغزاة" الفلسطينيين من الأرض، كونها أرضهم حسب الوعد الأسطوري التوراتي. ولهذا فإن القانون المقدم للكنيست تم تفصيله وصوغه من أجل تحقيق وإنجاز ذلك الهدف بشكل عام، لكن وعلى الأخص من أجل طرد سكان منطقة النقب نحو نصف مساحة فلسطين من البدو الفلسطينيين من أراضيهم وأملاكهم التي عاشت فيها قبائلهم منذ مئات وربما آلاف السنين.

تكمن الأهداف الحقيقية لذلك التجميع في مصادرة المزيد من أراضي النقب، وحرمان مواشي سكانه من مراعيها الطبيعية التي اعتادت الرعي فيها، ووضعهم في معازل أو محميات تسهل للسلطات مراقبتهم فيها، خصوصا وأن منشآت حيوية كالمطارات والمصانع مصنع ديمونا النووي على سبيل المثال والمعسكرات وميادين التدريب وغيرها، سبق وأن أقامتها السلطات الإسرائيلية كبديل من تلك التي جرى إغلاقها في أعقاب الانسحاب من سيناء.

حين عرض القانون على أعضاء الكنيست عام 2003، علق النائب محمد بركة يومها بالقول، "أن صياغة المشروع جاءت ضد المواطنين العرب من البدو في النقب الذين يعيشون على أراضيهم وعلى أملاكهم منذ آلاف السنين، وقبل قيام دولة إسرائيل" و"هذا القانون يتنافى مع كل القيم والأخلاق، ويتناقض مع قوانين العدل الطبيعية، ولا يمكن أن يحظى بمكان في كتاب القوانين لدولة متنورة وطبيعية، لأن المواطنين العرب في النقب ليسوا غزاة، بل هم يعيشون على أرضهم وفي تراثهم وإرثهم، والقانون الجديد هو قانون تشريع السرقة والسطو على أراضيهم".

وعلى هذا تستمر الهجمة الشرسة الجديدة، ويتواصل معها نسف وجرف بيوت قرية العراقيب للمرة الرابعة خلال أقل من شهر واحد، وما تلاها وسبقها من نسف بعض البيوت في القرى الأخرى من المنطقة نفسها، ما دعا الشيخ صياح أبو مديغم أحد شيوخ قرية العراقيب للقول "أن الحكومة الإسرائيلية أقدمت على جريمة لا تغتفر، هذه أرضنا قبل قيام إسرائيل، ونحن لم نحتل إسرائيل، بل هي التي احتلتنا، وفوق كل هذا تسعى إلى تهجيرنا".

فكيف تأتى للخيال الاستحواذي الاحتلالي في الحكومة والمشرّعين الإسرائيليين في ابتداع وتوصيف أهل النقب بأنهم "غزاة" وأنه يجب طردهم من أراضيهم وممتلكاتهم؟.

لقد أشار غير باحث إلى أن التجربة الاحتلالية لفلسطين من قبل الصهاينة، استفادت وتماهت في الكثير من خطواتها العملية التطبيقية مع تجربة الاحتلال الأوروبي، للأراضي في ما أصبح يطلق عليه "أميركا" وكيفية تعامله مع أصحاب الأرض الأصليين، أي الهنود الذين أطلق عليهم "الحمر". وآخر ما تم تسجيله في هذا المجال، جاء في كتاب "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأميركية" للكاتب هوارد زن، كما عرضه الدكتور طريف الخالدي (السفير 19/8/ 2010) حيث ذكر وفق ما ترجمه من الكتاب "في عام 1828 وعندما وصل الرئيس جاكسون إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، فإن قانونا قدّم للكونغرس أطلق عليه (قانون طرد الهنود)، وكان من تبعاته طرد سبعين ألف هندي إلى غرب نهر المسيسيبي، وذلك تحت شعار (التطور الحضاري) وكان المقصود تجميع الهنود في (معازل) و(تجمعات) يسهل للسلطات التعامل معهم، وقبل ذلك الاستيلاء على أراضيهم".

وبذا.. فإن "قانون طرد الغزاة" الإسرائيلي لم يكن من ابتداع خيال احتلالي خصب، بل كان مستوردا وبحرفية سقيمة ونقلا كربونيا عن التجربة الاحتلالية فيما سمي بالولايات المتحدة الأميركية لاحقا، بل وإن المسوغات التي قدمت للطرد هي تماما من أجل " التجميع التطويري" أي تجميع الناس في معازل وغيتوات، في حين أن الهدف الأساس هو طرد السكان والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم.

================================

مستقبل أفريقيا في ظل تسليع الوحدة في السودان

غازي صلاح الدين العتباني

الشرق الاوسط

14-9-2010

نشأت أفريقيا الجديدة في فترة ما بعد الاستعمار على مبدأ عزيز جسّده في صدر التزاماته ميثاقُ منظمة الوحدة الأفريقية المنشأة في عام 1963، وهو المبدأ القائل باحترام وحدة أراضي الدول الأفريقية وحدودها الجغرافية، حتى وإن كانت تلك الحدود قد رسمت وحددت بناء على تقديرات ومنافع السلطات الاستعمارية. إن مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية عندما شددوا على الوحدة الأفريقية الجامعة في ميثاقهم، كانوا يدركون أنها لا تتم ولا تستقر دون الحفاظ بالضرورة على الوحدة القطرية وما يعنيه ذلك من التماسك الداخلي للدول التي نشأت في أعقاب الحقبة الاستعمارية. وعلى الرغم من لامنطقية الحدود التي رسمتها القوى الاستعمارية، ساد شعور، بلغ حد اليقين، بأن انفتاح المطالبات الانفصالية التي تثير «تابو» الحدود سيفجر منابع للشر لم تعهدها أفريقيا من قبل. لهذه الأسباب عظم الآباء المؤسسون لأفريقيا الجديدة الوحدة وجعلوا منها مثالا سماويا غير قابل لاستدراكات أهل الأرض، ومن بينها المطالبات الانفصالية التي غالبا ما تأسست على منافع مادية ضئيلة العائد حازتها النخب دون جمهور السكان.

والحق يقال فإن الأفارقة، بجانب تمسكهم النظري بالوحدة، قد أثبتوا التزامهم العملي بها، خاصة إذا ما قارنا حالهم بما جرى لأوروبا وآسيا، وتحديدا ما جرى لدول مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفياتي، وتشيكوسلوفاكيا، وإندونيسيا. لكن هذا الصمود أمام النزعات الانفصالية أصبح عرضة للتصدع الآن. فعلى الرغم من التماسك الظاهري الذي يحب الأفارقة أن يجسدوه من خلال التوجه نحو ترقية منظمتهم إلى اتحاد أفريقي، فإن سحر الوحدة وإلهامها الذي كانت تبعثه في النفوس قد باخ. ومما يزيد الأمر سوءا بالنسبة للأفارقة هو أن أي تداعٍ للوحدة الأفريقية الجامعة أو الوحدات القطرية سيغري القوى الاستعمارية، التي ما زالت يقظة وحية ونهمة، للتدافع نحو أفريقيا من شرق العالم وغربه، كما تدافعت نحوها من قبل في نهايات القرن التاسع عشر. في هذا السياق تكتسب مسألة وحدة السودان أهمية خاصة. فانفصال الجنوب سيؤسس سابقة تسفّه كل النوايا الطيبة والأهداف الخيرة التي تطلع إليها الآباء المؤسسون للوحدة الأفريقية.

عند تشريح الأزمة القائمة اليوم في السودان والمؤشرات القوية بأن النخبة المسيطرة في جنوب السودان تدعم خيار الانفصال، نجد أن جرثومة الداء تعود إلى تباين عميق في الرؤى والمفاهيم لحظة توقيع اتفاقية السلام الشامل. فعندما اتفق طرفا الاتفاقية، في فقرة «المبادئ المتفق عليها»، على «تخطيط وتنفيذ اتفاقية السلام بغية جعل وحدة السودان خيارا جاذبا»، كان الموقف الحقيقي من الوحدة موجها بذهنيتين متناقضتين: الأولى تنظر إلى الوحدة بسريالية الستينات من القرن الماضي، والثانية تنظر إليها بعقلية البيع بالتقسيط.

وقد أثبتت الأحداث أن «الوحدة الجاذبة»، على الرغم من النوايا الحسنة لحظة توقيع الاتفاقية، لا تملك، عند بعض السياسيين على الأقل، من مقومات القداسة شيئا، فهي قد تنزلت من مقام التجريد إلى مقام الأسباب، كما يقول ابن عطاء الله. بعبارة أخرى، أنها دخلت الأسواق - شر البقاع إلى الله - فأصبحت تقاس بإنشاءات فنية، وتحويلات دولارية، وقوائم تسوق لا تنتهي. وكان الظن أن الوحدة تقاس بقيمتها الذاتية لا بعائداتها المادية، فالعائدات المادية، شأن المال والعرض الزائل، تزيد وتنقص وتأتي وتذهب. هكذا، منذ ذلك اليوم الذي استضمر فيه أحد الطرفين ما استضمر، تنزلت الوحدة إلى أديم الأرض وأصبحت عرضا مسلّعا بعد أن بقيت دهرا في طبقات السماء منارة تهدي السائرين.

التسليع (Commoditization)، أي اتخاذ شيء ما سلعة وتحديد قيمة مادية له، مفهوم نشأ من مفهوم آخر شارك في نقده أكثر ما شارك الفلاسفة الماركسيون وهو مفهوم التشيؤ (Reification). والتشيؤ باختصار غير مخل هو أن نصنع من شيء ليس بمحسوس ولا متجسد، شيئا محسوسا ومتجسدا وعرضة للقياس. وهذا قريب مما يسميه الكلاميون التجسيم، أي تفسير بعض صفات المولى سبحانه وتعالى بما يجعل له جسما معلوما وهيئة متجسدة كأجسام الأشياء المعلومة عندنا في الدنيا. وخطورة التجسيم في العقيدة هي أنه عندما يقبل البعض بتجسيد ما لا يتجسد بالكيفيات التي نعرفها من خبرتنا الدنيوية، كالإله، فإنهم ينزعون إلى اتخاذ أصنام آلهة لهم، يعبدونها تارة إذا طمعوا في نفعها ويحطمونها تارة أخرى إذا غضبوا عليها.

والتسليع هو درجة أدنى من تشيؤ العقيدة الموصوف أعلاه، لأن التسليع يربط المثال بمقابل مادي يفي بحاجات اللحظة فقط ويغفل عن حاجات المستقبل. ربما كان التشيؤ جائزا ومفيدا عندما نرمي لأسباب خاصة وظرفية إلى تحويل الشيء الذاتي إلى شيء موضوعي لتيسير الحكم في شأنه، لكن كيف نتصور الحال إذا شيّأنا، ومن ثم سلّعنا، الحب، أو الوطنية، أو الصداقة، أو المروءة، أو النجدة، أو الرحمة.

إن أفريقيا قارة شديدة التنوع على الرغم من الصورة النمطية الأحادية لها، التي ركزها الإعلام والتراث السياسي الغربي بوجه خاص. أفريقيا ليست وطنا لعرق واحد كما يتبادر إلى الأذهان. والأفارقة لا يتوحدون على دين أو ثقافة أو لغة. أفريقيا فيها طيف عريض من الثقافات والأعراق تمتد من الأجناس القوقازية الأوروبية في جنوبها إلى الأجناس السامية في شمالها وشرقها، وبين هؤلاء جميعا تتكدس مجموعات عرقية وثقافية شديدة التنوع من بانتو إلى نيليين إلى حاميين. بعبارة أخرى، فإن خطوط الصدع في المجتمعات الأفريقية التي قصدت إلى إخفائها النوايا الصالحة للآباء المؤسسين للوحدة الأفريقية هي أعمق من أن يقضي عليها أي ماكياج سياسي مؤقت. ينبغي أن نتذكر ذلك، ونحن بين يدي حرب ضروس حول الموارد تمثل أفريقيا أهم مسارحها. فالصراع على ثروات الكونغو الديمقراطية ومواردها حالة شاهدة، ومعضلة الموارد المائية التي تعد أخطر المهددات الأمنية للسودان ومصر معلومة.

إثيوبيا المجاورة للسودان فيها أكثر من عشرين قومية كلها قد كفل لها الدستور الإثيوبي حق تقرير المصير، وجنوب أفريقيا بها 11 لغة رسمية، وكينيا انقسم مجتمعها عرقيا بعد الانتخابات الأخيرة بين اللو والكيكيو وهي تناضل اليوم من أجل دستور جديد يوحدها، ونيجيريا مرشحة لانقسام بين شمال وجنوب، ولا تكاد تخلو دولة من خطوط تقسيم طبيعية، حتى دويلات صغيرة مثل رواندا وبوروندي تنقسم عرقيا إلى هوتو وتوتسي. وجنوب السودان الذي يقيم الانفصاليون دعواهم على أساس وحدته الثقافية والعرقية هو أبعد ما يكون عن تلك الوحدة، بل هو بداخله ليس أقل تنوعا من الشمال، ولعله هو نفسه يكون أول ضحايا المد الانفصالي إذا تركنا مصير الوحدة في أيدي من لا يؤمنون بها، أو لا يعلمون أنهم لن يجدوا جبلا يعصمهم من الماء إذا فار التنور.

* مستشار الرئيس السوداني والمسؤول الحكومي لملف دارفور

================================

كيف تقرر ماكينة الرقابة السياسية في واشنطن؟

آريان إبراهيم شوكت

الشرق الاوسط

14-9-2010

كانت الولايات المتحدة الأميركية ولا تزال منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم تبرز نفسها في المحافل الدولية بصفتها راعية الشعوب والدول والأخ الأكبر للجميع دون استثناء، وفي الحقيقة فإنها أصبحت فعلا كذلك لوجود متغيرات ومعطيات دولية عديدة مهدت الطريق واسعا أمام أميركا لتكون في نهاية المطاف أقوى وأكبر وأغنى دولة في العالم.

لذا بات طبيعيا أن أي قرار أو إجماع دولي حيال مسالة معينة أو حدث معين ينبغي أن يمر أولا بالضرورة على ماكينة الرقابة السياسية الحساسة جدا في البيت الأبيض والبنتاغون، وذلك بغية التأكد من مدى مطابقته للمواصفات التي تعتمدها أميركا في تعاملها الخارجي مع الآخرين والتي تقضي بوجوب أن تؤخذ مصالح «العم سام» بنظر الاعتبار في أي تحرك دولي بصدد المواضيع المطروحة على بساط البحث أو الإقرار في أروقة الأمم المتحدة على أقل تقدير.

لقد انفردت الولايات المتحدة بالزعامة الدولية دون منازع وهي في رأينا تستحق ذلك لأن خواء عناصر القوة والارتكاز الإقليمي في الأيديولوجيات الحديثة يبرر ذلك ما دام هنالك أنظمة وحكومات سواء عربية أو شرق أوسطية سخرت كل مواردها وإمكاناتها السياسية والإعلامية لخدمة مصالحها لأن هذه المصالح أصبحت في هذه الأيام تشبع البطون الجائعة. وفي كل الأحوال فإن اصطفاف الدول خلف الزعامة الدولية سيعود بالكثير من الفوائد والمزايا السلطوية على تلك الدول في المدى القريب. وأن الإرهاب وهو المعني هنا كمصطلح دولي يصعب الاتفاق على مدلوله من الناحية التشريعية بسبب التناقضات السائدة بين مصالح الدول.

فمن هذه الناحية لا نشك في أن تعريف الإرهاب ستكون صياغته ناقصة أو لنقل مشوهة، أما من الناحية الأخلاقية، فالكل متفق على أن الإرهاب هو من أخطر المشكلات في العصر الحديث ومن المؤسف حقا وجود دول ومنظمات ما زالت تتبنى الإرهاب كأفضل وسيلة وأكثرها فاعلية للترويج لسياساتها غير المقبولة أصلا من قبل المجتمع الدولي. ومن هذا المنظور ينبغي أن نقول أن هنالك تخبطا يعيشه العالم هذه الأيام في خضم الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان والتي كشفت لنا بشكل لا لبس فيه أن الإرهاب هو أساسا مشكلة ذات طابع خاص واجهت ولا تزال تواجه العالم المتمدن للفترة المقبلة خصوصا مما يستلزم ذلك وضع تصور موضوعي لدوافعه وسلوكيات القائمين به بصورة تضمن أفضل الطرق لمكافحته والحد من تغلغله إلى المناطق التي لا يزال سكانها يجهلون الإرهاب كظاهرة إجرامية والآن تخوض الولايات المتحدة مواجهة لا هوادة فيها ضد الإرهاب الدولي لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق وأفغانستان معلنة بذلك إصرارا قل نظيره في التاريخ المعاصر بين الدول على استئصال شأفة الإرهاب أينما وجد والتعريف به بما لا ينبغي التهاون إزاءه أو التقليل من خطورته على البشرية على كل الأصعدة.

نقول على الولايات المتحدة في الحالة هذه أن تنتهج أسلوبا أكثر جدية وفاعلية في التعامل مع الوتيرة المتسارعة للتطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط قاطبة وأن تتخلى عن أنماط السلوك غير المشجع المتبع من قبلها أحيانا في التمييز بين الدول والشعوب المنكوبة كالشعب الكردي باعتباره ضحية الصراعات والمعادلات الدولية. إذن لا بد من الركون إلى عامل الاعتدال في تقرير حق الشعوب والتميز في تصوير وتقييم مجريات الأحداث كما هي وعدم الانسياق وراء أيديولوجيات وسياسات لفئات معينة عند رسم خطوط التعامل مع الغير وأن الاستمرارية على السير بمحاذاة ربط المصالح بالتوازنات الإقليمية في إبراز وتلميع التحالفات مع ما فيها من تناقضات مبدئية لا تعود إلا بأفدح الأضرار على المجتمع الدولي. إذ لا بد من مراعاة الشرعية الدولية المستمدة من القانون الدولي والأعراف والمثل السامية بين الدول كعنصر من عناصر اتخاذ القرار السياسي والعسكري في حسم حق الشعوب ومعضلات جديدة بضمنها معضلة الإرهاب وحصر إرهاصاتها السلبية في أضيق نطاق وإلى أن يتحقق كل ذلك ليس لنا إلا الترقب والانتظار.

* كاتب كردي من العراق

================================

من المخادع: عباس أم نتنياهو؟

جاكسون ديهل

الشرق الاوسط

14-9-2010

الرأي الشائع بين كثيرين بشأن محمود عباس وبنيامين نتنياهو في الوقت الذي ينطلقون فيه إلى الجولة الثانية من مباحثات السلام في الشرق الأوسط الأسبوع الحالي شيء يشبه الآتي: عباس شخصية معتدلة يريد في الحقيقة حل الدولتين، لكنه قد يكون على درجة من الضعف السياسي تجعله غير قادر على تحقيقه. ويعد نتنياهو أحد الصقور الذين يتبنون موقفا سياسيا قويا في إسرائيل، لكنه لا يقبل في الحقيقة قيام دولة فلسطينية.

لذا، كيف يمكن أن يكون ذلك هو نتنياهو الذي قضى الأسبوع الماضي في ترويج «حل وسط تاريخي مع جيراننا الفلسطينيين» ويعد «بقبول التفكير الأصلي» لتحقيقه، في الوقت الذي يعلن فيه الوزراء في حكومته عن معارضتهم؟ ولماذا عقد عباس، الذي وصف نفسه بأنه تم جره إلى المباحثات، مقابلات هدد فيها مرارا وتكرارا بالانسحاب واستبعد علنا تنازلات تقول استطلاعات الرأي الفلسطينية إن غالبية شعبه مستعد لقبولها؟

وفي الشرق الأوسط، بالطبع، لا تعد الأمور - مثل التصريحات العامة - دوما بالصورة التي تبدو عليها. بيد أن التناقض بين الأحكام المعتادة بشأن الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني وما يقولونه في الواقع يؤكد على ما قد يكون الجانب الأكثر إثارة للفضول في «عملية السلام» الأخيرة. لقد تم تصميم المباحثات بطريقة تجعل معظم المفاوضات تتم مباشرة بين نتنياهو وعباس في جلسات خاصة. ومع ذلك، لم يعد أي أحد - لا الخبراء المعتادون ولا إدارة أوباما ولا حتى معظم الأفراد في الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية - متأكدا تماما من النوايا الحقيقية للزعيمين.

دعنا نبدأ مع نتنياهو. باعتباره رئيسا للوزراء في تسعينات القرن الماضي، قام زعيم حزب الليكود بأكثر من دوره في تحطيم خطة أوسلو للتوصل إلى حل الدولتين، ولم يصرح قط بصورة علنية أنه سيقبل دولة فلسطينية تتمتع بسيادة كاملة وتكون عاصمتها القدس. لكن كما قال الكاتب الدبلوماسي بصحيفة «جيروزاليم بوست» هيرب كينون الأسبوع الماضي، كان خطاب نتنياهو متحولا بصورة سريعة: لقد بدأ وصف عباس بأنه «شريك السلام» واستخدام مصطلح «الضفة الغربية» بدلا من المصطلح القومي الإسرائيلي «يهودا والسامرة».

وطرح كينون ثلاثة تفسيرات ممكنة لسلوك رئيس الوزراء، منها أنه يحاول وضع عباس في مأزق أو استرضاء باراك أوباما. لكن يبدو، على الأقل من الناحية الظاهرية، أن نتنياهو كان جادا عندما أخبر حكومته بأنه يستطيع قبول دولة فلسطينية بشرطين: الاعتراف بأن إسرائيل هي «الوطن القومي للشعب اليهودي»، ووجود نظام أمني صارم يضمن أنه «لن يتكرر ما حدث بعدما تركنا جنوب لبنان وغزة»، اللتين احتلهما مسلحون مدعومون من إيران، الذين صوبوا آلاف الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية.

وأضيف إلى ذلك شرطا ثالثا، وهو أن نتنياهو يريد تنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية على مراحل، حتى إذا جرى الاتفاق على شروطها النهائية مقدما. وفي البداية على الأقل، ستجوب القوات الإسرائيلية الحد الشرقي لفلسطين مع الأردن، وربما تظل بعض المستوطنات على الأراضي الفلسطينية كما هي.

وقد يكون ذلك قابلا للتطبيق أو غير قابل. لكن الجدير بالذكر أن عباس قضى الأيام التي تلت محادثات خاصة مطولة مع نتنياهو في واشنطن في إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام العربية رفض خلالها علنا جميع هذه الشروط. وقال إن الفلسطينيين لن يعترفوا مطلقا بإسرائيل كدولة يهودية؛ ولن يسمحوا للقوات الإسرائيلية بأن تظل في الضفة الغربية. وفي الحقيقة، إذا تم إرغامه على القيام بأية تنازلات، «سأحزم حقائبي وأرحل»، حسبما صرح لصحيفة «القدس».

وسارع الأنصار الفلسطينيون إلى القول بأن عباس يقول مثل هذه الأشياء لأنه تحت ضغوط محلية رهيبة، ليس فقط من جانب حماس لكن أيضا من جانب «الشارع» الفلسطيني. لكن هل الأمر كذلك؟ أشارت دراسة لاستطلاعات الرأي الفلسطينية الأخيرة أجراها ديفيد بولوك، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن 60% من الفلسطينيين سيقبلون «اعترافا ثنائيا بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وبفلسطين كدولة للشعب الفلسطيني». وقال نصفهم إنهم من الممكن أن يتسامحوا مع الحضور الإسرائيلي المؤقت على الحدود الأردنية «لأسباب أمنية».

وتمكن عباس من إقناع إدارة أوباما بأنه جاد في ما يتعلق بتسوية للسلام. ربما يكون كذلك. وربما أيضا يكون نتنياهو، الذي يجيد العلاقات العامة السياسية، نجح في خلق صورة لنواياه مناقضة للواقع. وعلى أية حال، سيتعين على الرجلين قريبا تقرير ما إذا كانا سيحققان وعودهما أم لا. لا يسعنا إلا أن نأمل في أن يكون عباس، وليس نتنياهو، هو المخادع.

* خدمة «واشنطن بوست»

================================

الديموقراطيّة والعلمانيّة معاً

الثلاثاء, 14 سبتمبر 2010

حازم صاغيّة

الحياة

إذا وضعنا جانباً تفاصيل الاستفتاء التركيّ الأخير، أمكن تلخيص الأمر على النحو الآتي:

هل أنت مع ديموقراطيّة تركيّة تكون أكثر تقدّماً وأشدّ تحلّلاً من رقابة العسكر، أم أنت مع علمانيّة يصعب الحفاظ عليها من دون الرقابة العسكريّة على العمليّة الديموقراطيّة؟.

وطرح المسألة على هذا النحو يدلّ إلى بعض أوجه الاستثناء في العالم الإسلاميّ، حيث يصعب أن تكون العلمانيّة شعبيّة تؤكّد ذاتها بصناديق الاقتراع، تماماً كما لا يصعب أن تكون الديموقراطيّة شعبويّة تتوسّل صناديق الاقتراع حين يبدو ذلك مفيداً. وهذا هو السبب البعيد الذي جعل منصّة الدولة والجيش هي منصّة انطلاق الأتاتوركيّة الموصوفة ب «الفوقيّة»، تماماً كما أعجز الإنجازات البورقيبيّة الكبيرة في تونس عن إدامة ذاتها بذاتها، فكان، من ثمّ، لجوؤها إلى إجراءات جذريّة وقسريّة مبالغ فيها، لا سيّما في عهد زين العابدين بن علي المتواصل.

وهذا الانتصاف الاستبداليّ بين العلمانيّة والديموقراطيّة إذ يشي باهتزاز نماذجنا عموماً، أكانت علمانيّة أم ديموقراطيّة، فإنّه لا يحمل على الاطمئنان حيال «الديموقراطيّة وحدها» إلاّ بقدر ما حمل من الاطمئنان حيال «العلمانيّة وحدها».

ولا يؤتى بجديد إذ يقال إنّ هذين المفهومين الأساسيّين، الديموقراطيّة والعلمانيّة، إنّما ينتميان إلى أفق تاريخيّ حديث واحد تندمج فيه أيضاً مفاهيم الوطنيّة الدستوريّة وحريّة المرأة ومساواتها بالرجل.

وكان يمكن، جرياً على ما فعل رسميّون أميركيّون وأوروبيّون لا تخلو مواقفهم من سذاجة، إبداء الفرح الذي لا تحفّظ فيه حيال نتائج الاستفتاء التركي، وهو الذي نصر الديموقراطيّين على العلمانيّين. لكنّ مثل هذا الموقف يبقى من الصعب تبنّيه في ظلّ إصرار ما يقارب نصف الأتراك على اتّهام «حزب العدالة والتنمية» ب «أسلمة» مجتمعهم. وغنيّ عن القول إنّ هذا الانبعاث المتعدّد الأوجه ل «العثمانيّة الجديدة»، والذي ترعاه حكومة «العدالة والتنمية»، ليس ممّا تفرح له قلوب دعاة التقدّم والتنوير، بل أيضاً دعاة الدولة – الأمّة التركيّة والإنجازات التي حقّقتها، بصفتها هذه، منذ مطالع القرن العشرين.

فالحالة النموذجيّة، غير المتحقّقة بالطبع، هي أن يفضي الانتصار الأخير لرجب طيّب أردوغان وحزبه إلى تعزيز الديموقراطيّة والعلمانيّة معاً! أمّا إحراز وحدة منهما على حساب الثانية فيهدّد بخلق مشاكل، على المدى الأبعد، تفوق المشاكل التي يحلّها.

ولا بأس بالتذكير بأنّ الانقلابات العسكريّة الثلاثة التي توالت على تركيا، أوائل الستينات وأوائل السبعينات ثمّ أوائل الثمانينات، لم تكن ردّاً على الإسلاميّين، لأنّ الإسلاميّين يومها لم يكونوا يشكّلون القوّة التي صاروا عليها في وقت لاحق. فالانقلابات المذكورة دلّت إلى أنّ نظريّة «الديموقراطيّة فحسب» تعاني، في المجتمع التركيّ، من اختلالات لا تقلّ عن الاختلالات التي تقيم في نظريّة «العلمانيّة فحسب».

وعلى رغم الفارق الهائل والنوعيّ مع الوضع في العراق، يُخشى أن تذكّرنا نظريّة «الديموقراطيّة فحسب» بمثيلتها العراقيّة التي لازمت حرب 2003، بعيداً من تقدير المجتمع العراقيّ وطبيعته وانقساماته.

فكيف نحرز الاثنتين، في العراق وفي تركيا وفي عموم المنطقة...؟، هذا هو السؤال.

================================

الحملة ضد القرآن الكريم تهدّد السلام العالمي

الثلاثاء, 14 سبتمبر 2010

عبدالعزيز بن عثمان التويجري *

الحياة

تفاعلت تداعيات الدعوة العنصرية التي أطلقها القس تيري جونز لحرق المصاحف بمناسبة ذكرى أحداث 11 أيلول (سبتمبر). وسواء تم الفعل أم لم يتم، فإن الآثار التي أحدثتها هذه الدعوة العنصرية المناهضة للسلام وللتعايش بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، تستحق منا التعليق؛ لأن ردود الفعل التي سجلت حتى الآن، جديرة بالتوقف عندها للتأمل وللاعتبار. فإضافة إلى ما أعرب عنه البيت الأبيض يوم (7/9/2010) من قلق، وقول القائد العسكري الاميركي إن هذه الدعوة تضع القوات الأميركية في خطر، وقول وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «إنني أندد بعزم إحدى الجماعات الدينية على حرق نسخ من القرآن»، فإن ردود الفعل الصادرة حتى الآن عن الفاتيكان، تثير الانتباه حقاً؛ إذ ندَّد الفاتيكان بهذه الدعوة المشبوهة، واعتبر أنها «تتعارض مع الإيمان المسيحي». لكن مما نلاحظه باستغراب في هذا الصدد، غياب صوت بابا الفاتيكان، وهو الذي ينطبق عليه وصف «الأكثر قوة»، وغياب أصوات قيادات دينية مسيحية في الولايات المتحدة لإحداها نفوذ روحي ومدني وإداري على هذا القس العنصري المتطرف.

كنت في اسطنبول حينما رددت وسائل الإعلام دعوة القس الأميركي تيري جونز الخرقاء، أشارك في الاحتفال الكبير الذي أقامته منظمة المؤتمر الإسلامي في مقر مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة (إرسيكا)، بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على نزول القرآن الكريم. وفي الاحتفال الذي أقيم في اسطنبول بمناسبة ليلة القدر، أكد المتحدثون أن القرآن الكريم دعوة إلى العدل والسلام ورسالة خير وفضيلة ونداء للتسامح والتعايش بين الشعوب، وأنه جاء بالأصول الكلية وبالقواعد العامة والمبادئ الأساس لحقوق الإنسان التي لم يعرفها المجتمع الدولي إلا بعد صدور «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» عام 1948. فالقرآن الكريم كتاب محبة وسلام، وهداية وسعادة في الدارين، ورسالة السماء إلى البشر أجمعين، فمن سعى إلى إطفاء أنواره، فعبث ما يفعل وبئس ما يصنع. والقرآن الكريم هو دستور الحياة الإسلامية كلها، والمصدر الأول للهداية الإلهية في توجيه تلك الحياة إلى الحقّ والخير. وبالهدي القرآني بنى المسلمون حضارتهم الشامخة التي امتدّ نفعها إلى البشرية قاطبة، وإلى ذلك الهدي يفزعون كلما حزبهم حازبٌ من ذات أنفسهم أو من دوائر أعدائهم، يبغون فيه تقوية ما ضعف من حالهم، وتعديل ما انحرف من سيرهم. وكما كان المسلمون يعلمون أنّ في هداية الذكر الحكيم سداد حياتهم وشهود حضارتهم وقوّة شوكتهم، كان أعداؤهم يعلمون ذلك، فاتجهوا من بين ما توجهوا، في معرض التدافع معهم، إلى ذلك المصدر الهادي، يحاولون النيل منه والحطّ من قدره في عيونهم، وذلك بإثارة الشبه حوله، والغمز في تاريخه ومبناه ومحتواه، قصداً في ذلك إلى أن يهون أمره في النفوس، فلا يبقى له فيها تأثير يصحّح وجهتها عند الانحراف، ويقوّي عزمها عند الضّعف.

ولم يكن ما لحق القرآن الكريم من محاولات النيل هذه، قاصراً على مجال الدعاية التلقائية وردود الأفعال العفوية، وإنما أصبح ممتداً إلى دوائر البحث العلمي، ومتسرباً إلى الموسوعات ودوائر المعارف الواسعة الانتشار بين المسلمين. وقد كانت دائرة المعارف الإسلامية التي تطبع في دار بريل في مدينة لايدن الهولندية، وهي الواسعة الانتشار في الأوساط العلمية الإسلامية وغير الإسلامية، في مقدم الموسوعات والمراجع التي تحمل من الغمز في القرآن والتشويه لصورته والتحريف لحقيقته شيئاً كثيراً، سواء في ذلك طبعتها القديمة أو طبعتها الجديدة.

وظهرت بعد ذلك في إطار الحملة المشهّرة ضد القرآن الكريم، موسوعة أوروبية جديدة متخصصة في الطعن بالقرآن الكريم ونشر الأباطيل والشبهات عنه، هي «موسوعة القرآن» الصادرة عن دار النشر الهولندية «إي ج بريل»، بإشراف المستشرقة الكندية جين ماك أوليف وتقع في ستة أجزاء. وقد جمعت هذه الموسوعة بين دفتيها من الافتراءات والأباطيل على القرآن الكريم مما فاضت به كتابات المستشرقين المتقدمين والمحدثين من الطعون والشبهات.

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتاب له رصد فيه الأباطيل ضد القرآن الكريم التي يروجها أعداء الإسلام يحمل عنوان «لا يأتيه الباطل»: «ويهبّ اليوم أئمة هذه الحرب المشهرة على القرآن ودعاتها، في تحركات عشوائية يائسة، تمطر القرآن بترّهات وأكاذيب مختلقة باطلة، من خلال أقنية فضائية متخصصة، ومن طريق إذاعات موجهة، وبواسطة صحف ومجلات شائعة، ومن طريق ما استطاعوا أن يصلوا إليه أخيراً من تجنيد الفاتيكان نفسه للاشتراك في الحرب اليائسة، أما الموازنة بل الموازنات المرصودة لإنجاح هذه الحرب اليائسة، فهي - كما يؤكد كثير من مواقع الإنترنت - أرقام من الكثرة عجيبة ومذهلة».

والحق أن الحملة ضد القرآن الكريم التي تفاقم أمرها في هذه المرحلة تحديداً، هي حملة ذات وجوه متعددة، وتتم على مستويات مختلفة. ومن وجوهها العمل الثقافي والأكاديمي، ويتمثل ذلك في هذه المؤلفات والموسوعات التي تتناول القرآن الكريم وتصدر عن جامعات أوروبية وأميركية، ويشارك في بعضها كتّاب عرب تقدمهم آلة الدعاية الغربية التي تنشط في العالم العربي، باعتبارهم «كتاباً تنويريين». وكأن الهجوم على القرآن الكريم هو التنوير بحسب فهم هذه الفئة. ويتوازى مع هذا كله، ما يصدر في عدد من البلدان العربية، من كتب حول القرآن الكريم، يحتوي على طعون وأراجيف وافتراءات وأباطيل وشبهات ضد كتاب الله، ويصنف مؤلفوها - يا للغرابة - في خانة «الكتاب التنويريين»، أو «الكتاب العقلانيين». وهي عبارة مبهمة لا تفيد شيئاً. ويرى كثير من المهتمين بمثل هذه القضايا ممن يعلمون خفايا الأمور، أن جهات أجنبية تنفق على إصدار هذه الكتب التي تتناول القرآن الكريم بالطعن والتجريح والتشكيك، لأن من أهدافها التي تعمل لتحقيقها، فصم العرى المتينة التي تربط بين المسلمين والقرآن الكريم، ونشر الشبهات لزعزعة الإيمان في المجتمعات الإسلامية. وهو هدف دونه خرط القتاد، كما تقول العرب.

إن الحملة ضد القرآن الكريم، التي تتخذ أشكالاً وألواناً، ومنها دعوة القس الأميركي المتطرف لحرق المصحف الشريف، هي حملة موجهة أساساً، ليس إلى الإسلام والمسلمين، ولكن إلى السلام العالمي، وإلى أمن المجتمعات واستقرارها، وإلى الدعوات الإنسانية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات.

وستبقى هذه الحملة العدوانية ضد القرآن والسلام متواصلة، ما بقيت السياسات الحاقدة لدى طوائف في الغرب التي تستهدف النيل من الإسلام والعدوان على الشعوب الإسلامية.

وخلاصة القول، كلام الله تعالى: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون». صدق الله العظيم.

* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)

================================

لم لا نحترم خصوصية الفرد؟

زين الشامي

الرأي العام

14-9-2010

كل يوم يواجهنا بعض أفراد أسرنا ومجتمعنا وحتى اصدقائنا بالكثير من الأسئلة الشخصية والمحرجة، مثل «ما هو راتبك الشخصي، ولم ترتدي هذا القميص، أو لم لا تضعين الحجاب، ولم تضعين المكياج، أو لماذا لم تشذب وتحلق لحيتك، ولم شعرك طويل مثل الأجانب، وما هو دينك وطائفتك، هل أنت مسلم أم مسيحي... سني أم شيعي، كاثوليكي أم أرثوذكسي، ماروني أم علوي أم درزي؟» وغيرها المئات من الأسئلة التي تتعلق بحياتنا اليومية وتفاصيلها الحميمة وخصوصياتنا كأفراد وأسر.

إن مثل هذه الأسئلة وهذه السلوكيات التي تعودنا عليها ونقبلها على أساس أنها عادية، تعتبر عيباً كبيراً حين طرحها أو ممارستها في مجتمعات أخرى، وبخاصة منها المجتمعات الغربية المتقدمة حيث يتمتع الفرد بخصوصية حتى داخل بيته ومع أسرته.

ربما هناك من يعتقد أن الثقافة العربية والإسلامية مختلفة عن الثقافة الغربية وما نوجهه ونطرحه من أسئلة لبعض المقربين والأصدقاء، يعتبر طبيعياً ويؤشر إلى عمق العلاقة، ويعكس قربنا من الشخص ومحبتنا واهتمامنا له! لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، لأن اختلاف الثقافات والعادات بين مجتمع وآخر لا يجب أن يكون أبداً على حساب احترام حرية الفرد وخصوصيته رغم انتمائه لأسرة ومجتمع.

إن التفكير طويلاً في تلك الأسئلة التي تنتهك خصوصية الفرد، والتعمق في ما لو كان هناك ضرورة في طرحها، سيجعلنا نخرج بنتيجة أنها لا تقدم ولا تؤخر، ولا تفيدنا الأجوبة أو عدم الإجابة عنها في شيء، أما توجيهها، وخاصة لأشخاص لا نعرفهم جيداً ولا تربطنا معهم علاقة إنسانية قوية، فهو ما يتسبب في الاحراج ويضعنا أحياناً في مواقف صعبة.

إن بعض القوانين وأعراف العمل في الشركات والمؤسسات وأماكن العمل في الدول المتقدمة تمنع على الأشخاص توجيه أسئلة عن الدخل الشهري، وفي بعض الدول يعتبر مجرد السؤال عن الهوية الدينية والطائفية والمعتقدات الشخصية انتهاكاً للقانون يخفي مواقف تمييزية.

هذه القوانين والأعراف والعادات الاجتماعية لم تأت من فراغ، بل توصلت إليها تلك المجتمعات والدول بعد تجارب حياتية ومتغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية امتدت على مدار قرون طويلة، لا بل أننا لا نبالغ فيما لو قلنا ان تلك المجتمعات دفعت ثمناً غالياً من حياة أبنائها خلال الثورات الاجتماعية من أجل الوصول إلى دولة ومجتمع يعمهما القانون الذي يحمي خصوصية الأفراد ويصون استقلال شخصياتهم.

ثم من ناحية أخرى فإن عاداتنا هذه في توجيه الأسئلة الخاصة غالباً ما يتسبب في حصول مشكلات عائلية واجتماعية تنعكس سلباً على الجميع، فمثلا ان إجابتنا عن سؤال وجهه أحد الأصدقاء أو زملاء العمل عن حجم راتبنا أو دخلنا الشهري، قد يقود إلى مشكلة حقيقية داخل المؤسسة فيما لو عرف السائل أن راتبه ودخله يقل كثيراً عن راتب ودخل الشخص الذي قبل أن يجيب، كذلك فإن سؤالا توجهه إحداهن لجارتها أو قريبتها عن حياتها الخاصة وعلاقتها مع زوجها، قد يسمح فيما بعد بتأويلات عديدة بعد الإجابة، كما أنه سيخرج الحياة والعلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته إلى الحيز العائلي والاجتماعي ما يكسر حرمة هذه الخصوصية ويتسبب لاحقاً في حصول مشكلات كبيرة ومتعددة قد تنعكس لاحقاً على مستقبل الحياة الزوجية نفسها.

إن تدهور الحريات الشخصية في مجتمعاتنا لا يتجلى فقط في انعدام الحريات السياسية، وقمع السلطة السياسية، ومنع حرية التعبير، أو حق التظاهر، أو تشكيل حزب سياسي، بل هناك سلطة المجتمع نفسه والثقافة التي لا تحترم الخصوصية وتنتهك الفردية كل يوم، إن مجتمعاتنا وأسرنا والثقافة التي نخضع لها جميعاً وصلت إلى حد تطالبنا قسراً بأداء عمل لا نحبه، وتفرض علينا تخصصاً جامعياً معيناً وهوايات معينة، وطريقة عيش معينة، وزوجة المستقبل، والملبس والمأكل... وغير ذلك.

بالطبع نحن لا نعترض ولا نختلف في أن يكون لأي مجتمع أو جماعة نمطها وعاداتها وتقاليدها من مأكل وملبس ومسكن وقناعات وأفكار، إنما الاعتراض على حرمان الفرد من حقه في الاختلاف الشخصي ومصادرة الحرية الشخصية وسلب المبادرة الفردية... إن ذلك يعتبر من مظاهر القمع في أساس البنية التحتية للمجتمعات العربية، التي نرى انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على المستويات كافة من تربوية وثقافية وسياسية وإدارية.

كاتب سوري

================================

لماذا يكرهوننا؟

آخر تحديث:الثلاثاء ,14/09/2010

فهمي هويدي

الخليج

أظن أن من حقنا الآن أن نسأل: لماذا يكرهوننا في الغرب؟ ولماذا أصبح يتجرأ على ديننا ومقدساتنا كل من “هب ودب” من المتعصبين والكارهين، وهم مطمئنون إلى أن أحداً لن يحاسبهم أو يردعهم؟

 (1)

خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التي خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنواناً رئيسياً في الصحف ونشرات الأخبار . وقبلها بأسابيع كان الجدل مثاراً في الولايات المتحدة حول فكرة “مركز قرطبة”، الذي قيل إنه مسجد يراد له أن يبنى بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما في هجمات 11 سبتمبر، وهو ما صور بحسبانه استفزازاً لمشاعر الأمريكيين وتحدياً لهم . الأمر الذي قسّم الرأي العام بين مؤيد ومعارض . أدري أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذي عبّر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية . لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلى وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين . ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله في ثلاثة اتجاهات هي:

 

 إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخلياً عن الحذر الذي لاح يوماً ما في الفصل بين الاثنين .

 

 إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها في حوادث عدة تعرض لها المسلمون . فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسي مسلماً مهاجراً من بنجلاديش “على أحمد شريف” حين تعرف إلى هويته الدينية . ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسئول الإعلام في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة .

 

فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع في مركز إسلامي في جاكسونفيل بولاية فلوريدا . وجرت محاولة إحراق مسجد في أرلنغتون بولاية تكساس . ووجهت تهديدات أخرى لمسجد في فريسنو بولاية كاليفورنيا . وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنييسي .

 

 قبل عشرة أيام أجري استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60% منهم يعارضون بناء مركز قرطبة في موقعه الحالي و10% عارضوا مبدأ بناء المساجد في أمريكا وعبر 50% من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، في حين قال 33% إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين . وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل ثمان سنوات، الأمر الذي يدل على تنامي مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف .

 

(2)

 

الموقف في أوروبا لا يختلف كثيراً . فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حيناً بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم في أوروبا، ولكن أيضاً على ألسنة بعض مسؤولي الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالي هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف) . إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة في باريس ضمت ممثلي 26 منظمة مطالبة بمقاومة “الخطر الإسلامي” . ورفع بعض المشاركين في التجمع الذي دعت إليه جمعية “الرد العلماني” كتب عليها: لا للحجاب والنقاب . . ولا نريد طالبان في فرنسا . وظهر أحدهم حاملاً علم فرنسا في يد وزجاجة خمر في اليد الأخرى . وقال للصحافيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء ونشر العنف كأسلوب حياة . ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب في المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب في الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات . وهي الصرعة التي ترددت أصداؤها في دول أوروبية أخرى بعد ذلك .

 

ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنماركية التي أهانت النبي محمداً عليه الصلاة والسلام . ودافع عنها رئيس الوزراء هناك . وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التي ما برح يطلقها في هولندا القيادي والنائب اليميني خيرت فيلذر، الذي ازدادت شعبيته في الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة في هولندا . وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبي للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين . وفي النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات . يقودها “حزب الحرية” اليميني . الذي فاز ب5 .17% من الأصوات في انتخابات عام 2008 . وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت في الأسواق لعبة على الإنترنت باسم “وداعاً للمسجد”، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة . وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة .

 

في ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التي أجراها معهد “ديماب” أن 70% من الألمان يستشعرون ذلك القلق . وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربيني في العام الماضي على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشي “الإسلاموفوبيا” في المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية في إذكاء المشاعر المعادية .

 

وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التي قاد فيها الحزب اليمينى حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف في الاستفتاء الذي أجري في العام الماضي .

 

(3)

 

أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن في العالم الغربي آخرين أكثر حصافة وتعقلاً . لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأي العام واستنفاره . ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التي يحصدونها في الانتخابات البرلمانية عاماً بعد عام .

 

أدري أيضاً أن ثمة اختلافاً في ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا . فالدوافع في أمريكا سياسية بالدرجة الأولى . ونفوذ اللوبي الصهيوني وغلاة المحافظين لا ينكر هناك . ثم إن هناك رأياً قوياً يربط بين اشتداد الحملة في الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، التي يأمل الجمهوريون في تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين . أما في أوروبا فالدوافع اقتصادية في الأغلب . ذلك أن الأزمة الاقتصادية أنعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين في سوق العمل، واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئاً على اقتصاديات الدول الأوروبية ويرتب نفوراً من المسلمين .

 

أياً كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغي حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها في تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذي يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذي بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التي أطلقها فوكاياما، ولم تؤخذ على محمل الجد في حينها، لكنها تبدو الآن احتمالاً وارداً، من الناحية النظرية على الأقل .

 

(4)

 

نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التي خيمت على ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس ملياراً ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية . وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة في التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادي “برنارد لويس” حيث نزلت رسالة الإسلام في وجود المسيحية واليهودية . ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر، التي عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم . ورغم انتهاء تلك الحملات في القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضراً في تشويه الوعي الأوروبي، وكامناً في ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته . وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم . وهو ما عبّر عنه الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه “الإسلام في تصورات الغرب” الذي أصدره في عام 1987 حين كان عميداً لكلية أصول الدين، حين قال إنه “من المعلوم أن الكتابات الغربية في الإسلام ونبيه تترواح بين الجهل التام والمعرفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والانصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل” .

 

هذا البغض للعالم الإسلامي وديانة المسلمين ليس معرفياً فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقي والحضاري . وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه غارودي في كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربي على المسلمين بأنه “الشر الأبيض” .

 

لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكي ألفت النظر إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض . وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوماً ما، حين طالب أهالي سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هي الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا . تعبيراً عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك . وهو ما أثبته الدكتور رؤوف حامد في بحثه المنشور بكتاب “صناعة الكراهية في العلاقات العربية الأمريكية” .

 

أدرى أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقاً وتبعث على إساءة الظن بهم، لكنني أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبّروا عن احترامهم . قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة . وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدي، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة . كما أننا قبلناهم على المستوى الحضاري ولم نتردد في التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم . ولا أنكر أن لدي عامة المسلمين شعوراً بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم . وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم . لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها . حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثني القس الذي دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم .

 

إذا سألتني ما العمل؟ فردّي أن الأمر يتطلب حديثاً مطولاً ومناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر .

================================

انهيار النموذج الأمريكي

آخر تحديث:الثلاثاء ,14/09/2010

سمير سعيد

الخليج

يمكن القول إن قضية ذلك القس المدعو جونز قضية أعمق مما تبدو عليه، وليست كما تقدمها وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية مجرد مخطط لحرق القرآن الكريم، حيث تتضح بعض الحقائق والمواقف بمرور الوقت لتكشف من جديد الوجه القبيح لإمبراطورية العم السام .

 

لقد ظهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمظهر العاجز تجاه اتخاذ أي خطوة تمنع ذلك المخطط الأحمق من قبل رجل يبلغ عدد أتباع كنيسته 30 شخصاً فقط، وذلك بحجة الديمقراطية، لتصب كل تصريحاته في أن هذا الفعل الأخرق سيشكل خطراً على جنوده في أفغانستان ويدعم القاعدة، ولينكر أن بلاده في حالة حرب مع الإسلام، في وقت تعيث جيوشها فساداً وقتلاً وتشريداً في أفغانستان والعراق وباكستان وهي كلها دول مسلمة، ولكن ربما يراها أوباما تنتسب لعالم آخر .

 

هل يمكن أن نستسيغ هذا العجز الأمريكي أمام شخص كشف الإعلام الأمريكي والمقربون منه أنه متسلط ومجنون بحب السيطرة، ومضلل وارتكب مخالفات مالية عدة أدت إلى طرده من ألمانيا، كما أنه متهم بالتهرب الضريبي في الولايات المتحدة، بينما وصفته ابنته أنه فقد عقله في حملته المتعصبة ضد الإسلام، واتهمته باتباع نهج يجبر على الطاعة من خلال “العنف العقلي” ويهدد بعقاب الخالق .

 

ربما يكون هذا الأخرق جزءاً من لعبة كبيرة قد يتحول بعدها إلى كبش فداء بعدما يؤدي دوره فيها، ففي بلاد العم سام كل شيء مدروس، وقلما تأتي أمور بلا تدبير وتخطيط في بلد تعج بأكثر من 32 جهاز استخبارات .

 

ولا شك أن لعبة جونز كان لها بعض النتائج السلبية على الولايات المتحدة، منها إدانة منظمة العفو الدولية “أجواء الخوف والتمييز والاضطهاد ضد المسلمين” في هذا البلد، وذلك على خلفية تصاعد حدة الجدل المثار فيه حول تهديد جونز بحرق مصاحف، ومشروع بناء مسجد قرب موقع مركز التجارة العالمي، موضحة أنها تشعر ب “قلق عميق ومتزايد بسبب المعلومات التي تتحدث عن جرائم ارتكبت ضد مسلمين أو مشاعر معادية للمسلمين”، لأن “هذه الجرائم تغذي أجواء الخوف والتمييز والاضطهاد ضد المسلمين”، لتؤكد في تقريع واضح أن “هذه الجرائم لا مكان لها في مجتمع يرفع قيم الحرية والعدالة والمساواة” .

 

والجملة الأخيرة ربما تعني قرب انهيار النموذج الأمريكي كبلد للحريات والتعددية، كما حدث مع فرنسا ساركوزي، ليصب ذلك في خانة التحليلات التي تذهب إلى قرب أفول نجم الإمبراطورية الأمريكية .

 

وبعد موقف منظمة العفو الدولية أصبحت لجنة الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس في موقف لا يحسدان عليه، خاصة الأخير الذي تخطط فيه منذ فترة عصابة بزعامة فرانك وولف، بمساعدة طابور خامس مصري، لحصار مصر ورئيسها بحجة اضطهاد الأقليات الطائفية، بعد نجاح التجربة مع السودان في ما يتعلق بدارفور .

 

الآن أصبحت أمريكا الموصومة بالاضطهاد الديني والعنصرية في ورطة، وازداد العداء لها في العالم الإسلامي أكثر من ذي قبل، كما أن تيار التغريب في منطقتنا أصبح بالتبعية هو الآخر في ورطة . على الجميع الآن أن يراجع حساباته وارتباطاته، لأن خريطة القوى العالمية ستتغير، ومن يراهن على حصان خاسر فسيفقد كل شيء .

================================

الاتحاد من أجل المتوسط حكاية فشل معلن

بقلم :ديدييه بيليون

البيان

14-9-2010

الاتحاد من أجل المتوسط معتلّ الصحّة. إن هذه المنظّمة التي جرى الإعلان عنها أثناء قمّة باريس في 13 يوليو 2008 بحضور مسؤولين من 43 بلدا، قررت تأجيل قمتّها الثانية المقررة سابقا في شهر يونيو الماضي، إلى شهر نوفمبر المقبل.

 

وللتذكير، كانت فكرة قيام هذه الشراكة المتوسطية الجديدة قد جرى إطلاقها من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2007، عندما كان مرشحا للرئاسة. وكان الغرض منها هو إنعاش مسيرة برشلونة لعام 1995، والتي لم تستطع تحقيق أهدافها بعد عشر سنوات من انطلاقها.

 

وكان المشروع قد تلكأ منذ انطلاقه تحت اسم «الاتحاد المتوسطي»، بحيث يضم بلدان المحيط المتوسطي فقط، وتعرّض للنقد الشديد من قبل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. لقد أعلنت ميركل عن رفضها لأن تقوم الأموال الأوروبية بتمويل هذه المبادرة، إذا لم يتم إشراك البلدان الأوروبية غير المتاخمة للبحر المتوسط في المشروع.

 

كان الموقف الألماني منطقيا، وكانت السيدة ميركل تخشى أن يساهم هذا المشروع في تقسيم الأدوار بين فرنسا وألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، واعترتها الظنون أن باريس تريد إحياء مناطق نفوذ القوى الكبرى على شاكلة القرن التاسع عشر.

 

بحيث تختص ألمانيا بأوروبا الوسطى والشرقية، بينما تتولّى فرنسا المنطقة المتوسطية، وهذا يعني الذهاب في منحى مغاير للمسار الحالي للاتحاد الأوروبي. وكان على الرئيس ساركوزي أن يرضخ ويقبل دمج الاتحاد المتوسطي في الاتحاد من أجل المتوسط، حسب التسمية السارية.

 

وفشلت كذلك الفكرة الأخرى للرئيس ساركوزي، التي تكمن في اقتراح أن تأخذ تركيا مكانها داخل الاتحاد من أجل المتوسط، كجائزة تعويضية عن دمجها الكامل داخل الاتحاد الأوروبي. وقد كان ذلك ينمّ في الواقع عن عدم فهم العمق الأوروبي للمشروع السياسي التركي، وعن الاستخفاف بقادتها ظنّا أنهم سيقبلون مثل هذه المناورة.

 

ضمن هذا السياق المعقد جرى الإعلان عن الاتحاد من أجل المتوسط، وبسرعة تأكّدت مركزية الملف الفلسطيني الإسرائيلي الذي ظنّ البعض أنه تمّ تجاوزه. إن عدم الوصول إلى حل لهذا الملف يمنع الاتحاد من أجل المتوسط من الازدهار عمليا، ومن تنفيذ المشاريع المعلنة.وطالبت جامعة الدول العربية بأن تكون جزءاً من المشروع، مما أثار قلق إسرائيل واستياءها.

 

وعدم القدرة على تعيين أمين عام طيلة أشهر، وعدم تحديد عاصمة عربية كمقر للأمانة العامّة جرى في النهاية اختيار برشلونة كانت بمثابة مؤشرات على الصعوبات وعلى حالة الإعاقة التي يعاني منها الاتحاد من أجل المتوسط.

 

وزادت عملية الرصاص المسكوب الدامية التي قامت بها إسرائيل على قطاع غزّة في نهاية عام 2008، من التوتر بين دول الاتحاد من أجل المتوسط، وأعلنت عن تجميده عمليا.

 

تنبغي الإشارة أيضا إلى أن الأزمة المالية العالمية لها كذلك، للأسف، آثارها السلبية على المشروع. وتكشّف أنه من المستحيل جمع الأموال الضرورية لتمويل المشاريع الستة المقرّة، أي إنهاء تلوث البحر المتوسط، والطرق البحريّة والبريّة، والحماية المدنية، ومصادر الطاقة البديلة والخطّة الشمسية المتوسطية، والجامعة الأوروبية المتوسطية، والمبادرة المتوسطية لتنمية الشركات، خاصّة الصغيرة والمتوسطة منها.

 

وهناك ملاحظتان إضافيتان يمكن تقديمهما، لفهم أسباب الفشل الذي يلاقيه اليوم الاتحاد من أجل المتوسط. الملاحظة الأولى تكمن في اعتقاد العديد من المسؤولين في بلدان الاتحاد الأوروبي، أن تنمية الروابط الاقتصادية وتعميم التبادل الحر، سيؤدي إلى رفع التحديات السياسية، وأنه بفضل هذا النوع من الروابط ستنتهي البلدان المعنيّة إلى الاندراج في دورة جيّدة، تقود من السوق إلى الديمقراطية.

 

هذا وهم كامل، إذ لم يتم أبدا رفع التحديات الديمقراطية بمجرّد تطبيق لعبة السوق الحر والمنافسة الحرّة. وبلدان جنوب وشرق المتوسط تركّز على الخصوصيات الثقافية والتاريخية، ولا تقبل بالوصاية الأوروبية سوى في مجال الإصلاح الاقتصادي.

 

وهذا ما يفسّر كون أن مشاريع الاتحاد من أجل المتوسط هي أساسا من طبيعة اقتصادية، وأن قادة بلدان شرق وجنوب البحر المتوسط يرفضون بعناد التطرّق لمسائل الإصلاح السياسي.

 

الملاحظة الثانية هي أن الجوانب السياسية للتقارب بين بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان جنوب وشرق البحر المتوسط، قد جرى إهمالها. هذه نقطة أساسية، مع وجود تخلّف كبير على الصعيد الديمقراطي في منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، باستثناء تركيا. وينبغي أن لا يبقى الأوروبيون في موقع من يلقي الدروس، فالديمقراطية لا يمكن تصديرها من الخارج.

وفي المحصلّة، نبدو بعيدين اليوم عن التصدّي للتحديات الحقيقية التي يطرحها مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.

المدير المساعد لمركز العلاقات الدولية والاستراتيجية باريس

================================

الذكرى واجتماع الساحرات

بقلم :صحيفة «الباييس» الإسبانية

البيان

14-9-2010

الذكرى الجديدة للهجوم على البرجين التوأمين ومبنى البنتاغون، كانت التاريخ الذي اختاره القس الأميركي تيري جونز للدعوة إلى حرق نسخ من القرآن أولا، وترك الناس في حيرة «حيص بيص» ثانيا.

 

وإثر الضغوط التي تلقاها من أعلى المستويات في الإدارة الأميركية، بما في ذلك نداء شخصي من وزير الدفاع، أراد جونز ربط الإلغاء النهائي لاجتماع الساحرات الذي دعا له، بالتخلي عن مشروع بناء مسجد في المناطق القريبة من المنطقة النيويوركية المعروفة بالمنطقة صفر، حيث كان ينتصب البرجان قبل تدميرهما.

 

لكن سلوكه الغريب والشاذ والمخالف للصواب، يبقى بعيدا كل البعد عن إمكانية القول إن العالم قد تجاوز مخاطره وتبعاته، لأن متشددين آخرين متحمسين جراء الشهرة التي حققها القس الظلامي، قد يقوموا بذلك العمل الآن أو في المستقبل.

 

هذه الحالة تبين الصعوبات في توجيه الحرب ضد «التيار الجهادي»، دون اتفاق سياسي واجتماعي حول الأهداف المحددة التي يتم السعي إلى تحقيقها.

 

فالوضاعة السياسية الأميركية المستمالة من قبل ال «تي بارتي»، تشطب الحدود بين الحرب الضرورية ضد «القاعدة»، والتهجم غير المقبول على لإسلام وأتباعه. إنه وسط هذه البيئة يكتسب أشخاص هامشيون مثل جونز أهمية لا يستحقونها. وإنه في الرد على هؤلاء فإن أصولية مماثلة وهامشية كذلك، تجد الغذاء المناسب لتوسيع رقعة دعمها والذريعة لتبرير أفعالها.

 

إن القوة الممزعزعة التي يتمتع بها قس فلوريدا، لا تأتي من حفنة من أبناء رعيته، ولا من المضمون غير المحترم إلى حد كبير لمبادرته، بل تأتي من الدائرة الحلزونية للأصولية التي تنطلق منفلتة من عقالها، معتمدة على رد نظرائهم في الجانب الإسلامي.

 

من هنا تأتي أهمية الحيلولة دون أن يقوم أمثال تيري جونز، من هذه الطائفة أو تلك، باختطاف العلاقة السياسية والدبلوماسية بين الدول، عن طريق التأسيس لعلاقة يقودها قادة لاهوتيون يخوضون مواجهة لا تسعى إلى التضرع، وإنما إلى التحريض بنية وحيدة قوامها إثبات تفوق ديانتهم.

 

الشعبوية التي تسعى داخل الولايات المتحدة وخارجها إلى جعل الإسلام كبش فداء جديد للحصول على الدعم الانتخابي، لا تجد ترجماتها فقط في حالة التدهور الخطيرة لدولة القانون. بل إنها آخذة بالتحول أيضا إلى تعقيد إضافي في محاربة «الارهاب الجهادي»، وذلك بإضعاف الموقف السياسي والأخلاقي الذي تقاتل الأنظمة الديمقراطية على أساسه.

 

ما تتحداه الأعمال الإجرامية للقاعدة، لا يكمن في تفوق طرف ديني على آخر، وإنما في احترام الحياة والحريات التي تسنها المنظومات القانونية المصوت عليها من قبل المواطنين. ومن بين تلك الحريات هناك حرية الديانة وحرية العبادة، التي لا تعترف بأي استثناء في حالة المسلمين.

 

بعد تسع سنوات مرت على اعتداءات نيويورك وواشنطن التاريخية، تم إحراز الكثير من التقدم على صعيد الحيلولة دون استمرار جرائم القاعدة، لكنه كثيرا أيضا ما بدأت بتدميره الشعبوية، التي تمنح أجنحة للممارسات غير المسؤولة، على غرار التهديد بحرق نسخ من القرآن.

================================

سوريا لن تتخلى عن "حزب الله"

سركيس نعوم

النهار

14-9-2010

يعتبر "حزب الله"، ورغم نسبة التطورات "الايجابية" الاخيرة في مواقف رئيس الوزراء سعد الحريري الى التحسن المطرد في العلاقة بين المملكة العربية السعودية وسوريا، واستناداً الى القريبين جداً أنفسهم من "قيادته"، ان هاتين الدولتين الشقيقتين لم تتوصلا رغم مصالحتهما التاريخية و"البروباغندا" التي احاطت بها، الى اتفاقات نهائية وتفصيلية في القضايا التي كانت موضع خلاف بينهما، ومنها موضوع الانتخابات التشريعية العراقية وتحديداً اختيار رئيس وزراء جديد للعراق في ضوء نتائجها التي كانت احد اسباب المصالحة المشار اليها. علما ان هذا الموضوع انتهى على نحو لا يرضي السعوديين وخصوصا بعدما نجحت الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا في التوصل الى تسوية له مخالفة لرأي هؤلاء او لموقفهم. اما في لبنان وفي قضايا اخرى فان العلاقة بين الرياض ودمشق لا تزال "ناشفة"، اذا جاز التعبير على هذا النحو، اذ ظن السعوديون انهم سينجحون في فصل سوريا عن ايران، وذلك هدف مهم بل استراتيجي لهم. لكن تبين لهم ان ذلك مستحيل او ان تحقيقه محفوف بصعوبات كبيرة جدا. فضلا عن أن لديهم نوعا من الترحيب وإن الضمني بالتهمة "المفبركة" ل"حزب الله" اي الاشتباه بدور ما له في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. وقد يكونون راغبين في عدم الضغط على حلفائهم اللبنانيين للتعاون مع الحزب وسوريا لصرف النظر عن هذه التهمة، علماً ان موقفهم هذا قد لا يستمر لأن ضرورات استمرار المصالحة والتعاون والتفاهم مع الحكم في دمشق تتطلب التخلي عن عدم الرغبة المذكور اعلاه. ذلك ان المحكمة همّ لسوريا وللحزب على السواء رغم تظاهر الاولى بعدم اهتمامها بها.

ماذا عن اسرائيل و"حزب الله" في ضوء سيف "المحكمة" الدولية الذي بدأ وضعه فوق عنق الاخير؟

القريبون جداً انفسهم من قيادة الحزب يقولون استنادا الى معلومات جدية تملكها ان هناك جهات اسرائيلية بعضها مسؤول تعتقد ان اتهام المدعي العام الدولي رسمياً "حزب الله" بالاشتراك في اغتيال الحريري الأب سيحدث ارباكاً داخله وفوضى. ويقولون ايضا ان القيادة نفسها تعرف ان هناك لبنانيين مهمين يعتقدون ان قرارا ظنياً ودولياً متهِماً الحزب بالاغتيال المذكور اعلاه من شأنه أن "يفرط" هذا الحزب من داخل وان يبعد حلفاءه عنه في الوقت نفسه. ويقولون ثالثاً ان "القيادة" تتساءل عن سر توجيه الاتهام الى حزبها بعدما كانت دائرة الاتهام تشمل جهات اخرى مثل سوريا و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة" و"فتح الاسلام" و"القاعدة". وتتساءل تحديداً عن اسباب استبعاد كل هذه الجهات دفعة واحدة وحصر التهمة بفريق واحد هو حزبها. ويقول القريبون جدا انفسهم رابعاً ان سوريا رغم بعض الضعف الممتزج بالموضوعية وبعدد من الاعتبارات الدولية والدولتية في دفاعها عن "حزب الله" لن تتخلى عنه. فهو اساسي في دورها الاقليمي المتنامي وفي قوتها ومنعتها. وقد عبّر على نحو غير مباشر رئيسها بشار الاسد عن ذلك عندما قال لوزير خارجية اميركا السابق كولن باول عندما جاءه اثناء الولاية الاولى لبوش الابن بمطالبه العشرة: "اذا نفذنا مطالبكم ماذا تعطوننا في المقابل؟" فكان الجواب: "نعطيكم مكانا في المجتمع الدولي ونقيم حواراً معكم..." علّق الاسد: "هذا لا شيء عملياً. ماذا تعطوننا؟".

 ماذا يقول القريبون انفسهم ايضاً؟

================================

الإسلاموفوبيا اصطناع يترسخ في الواقع

نهلة الشهال

السفير

14-9-2010

يعتد رئيس الجمهورية الفرنسية وأعضاء حزبه وحكومته بأنهم يحظون بتأييد غالبية الرأي العام في بلدهم بخصوص الإجراءات والقوانين التي يسنونها وتطال المسلمين، وإن لم تقل ذلك صراحة. وقد يكون الأمر كذلك. فالحجاب ارتبط في الأذهان بعملية جبر وإخضاع النساء لسلطة الذكور العائلية. ويمكن لمئات النساء الفرنسيات المسلمات أن يكررن أمام شاشات التلفزة أو في مقابلات صحافية أو في كتب حررت حول الموضوع، وبطريقة يفترض بها أن تكون مقنعة، أن ارتداء الحجاب قد كان خيارهن الشخصي، بالضد أحياناً من موقف عائلاتهن، وأنهن اخترنه لأنه يطابق التعبير عن هوية خاصة لا يردن إنكارها مما يشعرهن بالاستلاب، وأن تأكيدها لا يعني التخلي عن سائر الهويات والانتماءات ولا يناقضها بنظرهن، أو أن الحجاب يمنحهن سكينة شبه صوفية، إلى آخر الحجج... التي تعجز عن اختراق ذلك الحائط المبني حول معنى الحجاب كما تبناه عقل جمعي لا يحتمل استقلال الرأي الفردي. وذلك تناقض كبير في بنية المجتمعات الغربية، حيث يُمتدح كل يوم نجاح مفهوم الحرية فيها بتحقيق «الفردنة»، بينما لا يمكن الامتناع عن ملاحظة وجود حالة قطيعية، ليست عشائرية وفق نظام القرابة أو حارتية أو طائفية، ولكنها جموع شكَّلها رأي سائد، عمل عليه الإعلام ولا شك، وهو توفق لأنه يلاقي نوازع وقناعات دفينة.

وهكذا فسيُقر بالتأكيد في الجمعية الوطنية الفرنسية قانون حظر النقاب في الأماكن العامة، رغم تحفظات المجلس الدستوري عليه، كما أُقر من قبله قانون «منع العلامات الدينية في المدارس»، والذي كان يستهدف فعلياً الحجاب، رغم تسميته البريئة والمساواتية تلك. في هذه الحالة الأخيرة، استفادت من العملية تنظيمات من الإسلام المؤسساتي القائمة في فرنسا، وكذلك في بلجيكا، فافتتحت مئات المدارس الخاصة التي استقبلت الفتيات المطرودات من المدارس الرسمية! وتحقق هكذا عزل أولئك الفتيات وفتية يرتادون تلك المدارس عن جموع التلامذة، وترسيخ فئوية كانت تجد صعوبة في التبلور، لأنها كانت تقوم على شعور عام لا يمتلك بالمقابل مؤسسات عامة. كما اندفعت مئات أو آلاف الفتيات والنساء إلى ارتداء الحجاب نتيجة لهذه المجابهة، كتحدٍ للسلطة، وكشكل من التعبير عن تضامن جماعي يستند إلى الدفاع عن شرعية الإسلام بوجه محاولات منهجية لتسويد صفحته.

هل ثمة شك بأن هذا القانون نفسه ينطبق على الحملة الأميركية الجارية حالياً ضد الإسلام، بحجة معارضة بناء جامع في نيويورك في محيط مسرح عملية الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أو الداعية لحرق المصاحف في ذكرى تلك العملية نفسها؟ يبدو الأمر سخيفاً عند المقاربة الأولى: قس معتوه يدعو إلى حرق جماعي للمصاحف في احتفالية تذكِّر برقصات جمعيات الكوكلاس كلان. ولكن تطرف القس ذاك يستند إلى شيطنة الإسلام والتخويف من المسلمين هكذا ككتلة صماء الذي تعمل عليه كل يوم وبلا توقف قناة تلفزيونية ك«فوكس نيوز» مثلاً، طاغية النفوذ وإن كانت صوت المحافظين الجدد، أو هيئات بحثية ك«أمريكان انتربرايز» (المغالية في صهيونيتها) والتي تهوى قنوات التلفزة في بلادنا استضافة باحثيها.

يمكن لأي عاقل أن يدعو إلى اختصار المشكل وتلافي إثارة الاحتقان بالتخلي عن بناء الجامع في ذلك المكان بالذات. ولكن آليات الواقع تجري عادة وفق إيقاعات واستجابات شَرْطية لا علاقة لها بالحكمة. فردة الفعل الأولى من أصحاب المشروع، ومن يستقطبونهم رويداً من الغاضبين تجاه التمييز أو المجروحين منه، والذين تتعاظم صفوفهم، هي العناد وخوض التحدي، وإن كانت المبررات تقول شيئاً آخر، كالحاجة لدحر ذلك التطرف. بل تتجه المؤسسة الرسمية الأميركية إلى رفض الانصياع للحملة الداعية لحظر بناء المسجد، تلافياً لمنح الحزب الجمهوري الذي يحتضن تلك التيارات أو يستفيد منها، نقطة في الصراع الدائر، وتحرجاً من دلالات مثل هذا التراجع الذي «يرسخ صورة عنصرية للولايات المتحدة» كما قال أحد المسؤولين. وفي الأثناء، تنطلق الدراسات والاستطلاعات، ليُكتشف أن نصف الأميركيين يظنون كل السوء بالإسلام، وليُكشف في الوقت نفسه أن نسبة المسلمين من الأميركيين لا تتجاوز واحدا بالمئة، فكيف يمكن لهؤلاء، على فرض صحة كل ما يقال فيهم من «جهاد خفي» و«شريعة متسللة» حسب تعبيرات يكررها كبير مقدمي برامج فوكس نيوز أن يستولوا على الولايات المتحدة، وفق الدعاية التخويفية منهم. ثم، فلا بد من رؤية التلاقي بين الاستناد إلى أساس مسيحي (وإن مُدّعى) في الحملة الأميركية، والأساس العلماني (المشوه والمضطرب) في الحملة الفرنسية. وما يجب التنبه له حيال من يشددون على «الادعاء» و«التشويه» و«الاضطراب» للتقليل من شأن الأساسات الفكرية أو الدينية لتلك الحملات، هو أن تلك الصفات ليست طارئة، بل هي جزء شرطي وضروري لانتشار الفكرة الديماغوجية والشعبوية.

لا بد أن أسامة بن لادن وجماعته يفركون اليوم أيديهم فرحاً ب«انتصار» تحليلاتهم للواقع العالمي. وهم الوجه الآخر لعملة «صراع الحضارات» التي بلورها فلاسفة ومؤرخون غربيون ربما كانوا في يوم من الأيام كباراً وموقرين، إلا أنهم وفروا لعصابات من العنصريين مادة للدعاية، ووفروا لاتجاه المحافظين الجدد استلام السلطة في واشنطن، وتطوير فكرة «الحرب الاستباقية، الدائمة والشاملة على الإرهاب» معرفاً بالإسلام غالباً، وممتداً بسهولة إلى من يصنفون ك«أعداء الولايات المتحدة» (فصدام حسين لم يكن إسلامياً!).

استُخدمت النظرية لتبرير خوض حروب كارثية على البلدان التي وقعت عليها، ومكلفة جداً للولايات المتحدة نفسها. وهكذا تجري مقارنة الحملة الحالية ضد الإسلام بالمكارثية التي سادت في أعقاب الحرب الثانية وخروج الاتحاد السوفياتي منها قوة عظمى، والتي أسست لعقود من الحرب الباردة. بالطبع، لكل تلك الحروب دوافع مصلحية وأرضية جداً. ولكن مقارعة القطيعية أشبه بمحاولة احتجاز نار متقدة في هشيم بواسطة الأكف.

================================

ديمقراطية بتر الأصابع والاحتفاظ بها كتذكارات

بسام الكساسبة

kasasbehb@Gmail.com

الرأي الاردنية

14-9-2010

من الطبيعي أن يحتفظ المرء بتذكارات من الماضي، كأخذ صور مع الأقارب والأصدقاء ومع زملاء الدراسة أو المهنة أو العمل، أو أخذ صور في مناطق سياحية أو بإزاء مواقع أثرية ومناظر طبيعية فريدة، أو كأن يلتقط الجنود صورا لهم بمعية أسلحتهم وآلياتهم وتجهيزاتهم العسكرية وغير ذلك.

 

لكن ما لا يتصوره خيال المرء ولا يقره العقل والمنطق هو مزاولة الجريمة وكأنها فعل مشروع، وفوق ذلك الاحتفاظ بصور تذكارية لكيفية اقتراف الجريمة، ثم بتر بعض أجزاء أو أشلاء الضحية والاحتفاظ بها كتذكارات، كما هو الحال عندما أقدمت مجموعة من الجنود الأمريكان في أفغانستان على قتل مجموعة من المواطنين الأفغان ثم بتر أصابعهم واحتفاظهم بها كتذكارات، هذا الفعل الإجرامي الشنيع الذي يكشف عن الوجه الحقيقي للسياسات الأمريكية التي تقترفها قواتها الغازية بحق شعوب الدول الأخرى، كما يعكس حقيقة الديمقراطية التي ترغب بنشرها الولايات المتحدة في الدول التي غزتها واحتلتها كأفغانستان والعراق.

 

فبينما يُكشف عن اليسير من الجرائم التي أفضت إليها السياسة الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان، وفي الوقت الذي يتم تقديم مقترفيها لمحاكمات عسكرية صورية تنتهي بطرد بعضهم من الخدمة أو توبيخهم أو سجنهم لعدة شهور، فإن الهدف من وراء الكشف عن هذا العدد القليل من الجرائم هو لإظهار أن جميع عمليات الغزو والاحتلال وما نجم وما ينجم عنها من جرائم وفظاعات وانتهاكات تقع ضمن دائرة المشروع والمسموح به، باستثناء هذه الحالات الفردية من الجرائم التي يعلن عنها بين حين وآخر.

 

لا شك أن حادثة بتر الأصابع وغيرها من الحوادث الفردية تشكل جرائم حرب نكراء، لكن من الخطأ الفاحش اختزال جرائم أميركا في العراق وفي أفغانستان بهذه الحالات الفردية التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى، كحالة الانتهاكات التي مورست في سجن أبي غريب العراقي، أو في سجن غوانتنامو وفي غيرهما من السجون الأمريكية والتابعة، أو كبتر أصابع مواطنين أفغان للاحتفاظ بها كتذكارات، أو كنسف وتدمير المساكن على رؤوس قاطنيها ثم الاعتراف فيما بعد بان هذا التدمير قد جاء بطريق الخطأ وسوء التقدير، أو كمحاولة إظهار هذا الجندي الأمريكي أو ذاك بأنه قتل بطريقة الخطأ مواطناً عراقياً آو أفغانياً، لكن ما هو أكثر بشاعة وفظاعة من كل ذلك هو الغزو الأمريكي نفسه للدول الأخرى واحتلالها ، فهذا الغزو قد شكل الحاضنة التي فرخت جميع أشكال جرائم الحروب والإبادات الجماعية والانتهاكات الفظيعة لحقوق الشعوب، فليس هناك في الغزو شيء مباح وآخر غير مباح، وليس هناك شيء مشروع ناتج عن الغزو وآخر غير مشروع، فجميع الأحداث والأفعال والتغيرات والتبعات عن بكرة أبيها الناتجة عن الغزو هي بمثابة جرائم حرب وإبادات جماعية وانتهاكات فاضحة وصارخة لحقوق الإنسان، كقتل الشعوب وتدمير ممتلكاتها وتشريدها والزج بها في غياهب السجون والتنكيل بها ومصادرة حرياتها واغتصاب السلطة والإتيان بالمجرمين والعملاء وتنصيبهم كحكام على الشعوب.

================================

شرم الشيخ محطة مفاوضات مهمة للغاية

ضياء الفاهوم

 الدستور

14-9-2010

الجلسة الثانية من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت في واشنطن في الثاني من الشهر الحالي برعاية أميركية على وشك أن تعقد في شرم الشيخ. وللأسف الشديد فان الإسرائيليين يضعون العراقيل كعادتهم لكل جلسة مفاوضات حيث يصرون على أن تكون دون شروط مسبقة ، فيلتزم الفلسطينيون وهم لا يلتزمون ويدلون بتصريحات مليئة بشروط ما أنزل الله بها من سلطان.

 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشترط للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وهو يعلم أن لا أحد يستطيع أن يوافق على ذلك. لماذا؟ لأنه سوف يسبب ويلات ما بعدها ويلات لحوالي مليون ونصف مليون عربي ولدوا في مدنهم وقراهم وما زالوا يعيشون فيها رغم ما تعرضوا له من مضايقات لها أول وليس لها آخر ولن يتركوها أبدا تحت أية ظروف ، بل وسيعملون على معاقبة من يسعى إلى ذلك أيما عقاب.

 

العالم كله يقول للإسرائيليين كفى اعتداء على حقوق الآخرين ولكن لا حياة لمن تنادي. ومن أقرب الأمثلة التي تشير إلى ذلك اعتذار إسرائيل عن استقبال خمسة وزراء أوروبيين لأنها خشيت أن يضغطوا عليها من أجل الاستمرار في وقف الاستيطان في الضفة الغربية لأن من شأن ذلك أن يساهم في إنجاح المفاوضات.

 

إن الإسرائيليين ماهرون في المراوغة والمماطلة وأكل حقوق الغير ، ولكنهم هذه المرة لن يستطيعوا أن يقوموا بمزيد من التدليس والتفنن في الحصول على عطف العالم نتيجة محرقتهم في ألمانيا التي لم يرتكبها الشعب الفلسطيني ولا العربي ولا المسلم ، خاصة بعد أن شهد هذا العالم محارقهم في غزة والضفة الغربية ولبنان.

 

لقد انكشفوا للعالم بأسره وتأكد لكل الدنيا أن اللوبي الصهيوني هو من يقوم بمؤازرتهم على الضلال ، بأمواله ودعمه الإعلامي ، للكونغرس الأميركي الذي جعل كثيرا من أعضائه مطية له يحركه كيفما يشاء دون وازع من ضمير حي. وقد أصبح لزاما على الشعب الأميركي أن يعي ذلك ويمنعه خاصة بعد أن بيَّن أساتذة كبار ودبلوماسيون ومثقفون أميركيون وفنانون وكتاب من أصحاب الضمائر الحية أن مصالح بلادهم لم تكن في يوم من الأيام متطابقة مع مصالح إسرائيل.

 

ولا نستطيع أن نقول إلا كان الله في عون المفاوضين الفلسطينيين لأن مجرد الجلوس مع مراوغين أفاكين لا يقيمون وزنا لحقوق أو اتفاقات أو قوانين وقرارات دولية مزعج للغاية ومدعاة للإصابة بالغثيان والقرف.

 

الحقيقة الناصعة البياض تشير إلى أنه لم يعد أمام الإسرائيليين إلا أن يختاروا بين العيش في المنطقة العربية بموجب مبادرة السلام العربية أو الرحيل منها. ومع أن العرب والمسلمين يعرفون جيدا على ماذا يستند الإسرائيليون في مناكفاتهم والتطلع إلى تحقيق المزيد من أطماعهم فإنهم يعرفون جيدا أيضا أنه إذا لم يرتدع الإسرائيليون عن غيهم فليس أمام الفلسطينيين وأمتهم العربية الإسلامية إلا العمل على قض مضاجعهم وجعلهم يعيشون في المخابئ ولا يصبح أمامهم إلا الاعتراف بأن الله حق ولا يرضى يغير الحق ، وأنه لن يرضى عن من يتوانى عن تحرير مسجده الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والقدس الشريف ويعيد لكل المقدسات والأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بهاءها وعزتها.

 

بالإضافة إلى ذلك فإن أفشل الإسرائيليون المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يصبح من واجب العالم إعادة القضية برمتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة على جناح السرعة كي تحسم الأمر حسب القوانين والقرارات الدولية وبما يعيد للناس حقوقهم ومقدساتهم وأملاكهم وينهي حالة غفيان ضمير من استعملوا حق النقض (الفيتو) ضد رغبة العالم بتحقيق العدل وبما يضع حدا للمفترين أينما وجدوا وبرفع الظلم عن المظلومين في فلسطين وفي كل مكان من العالم.

 

وبناء على كل ما تقدم فإنه يمكن القول بأن شرم الشيخ ستكون محطة مفاوضات مهمة للغاية وربما تكون الفرصة النهائية لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين المقترن بانسحاب إسرائيلي من كافة الأراضي العربية المحتلة وغير ذلك مما جاء في مبادرة السلام العربية.

================================

الشباب العربي بين التكفير والتفجير

د. زيد أحمد المحيسن

 الدستور

14-9-2010

يلعب قطاع الشباب دورا هاما وحيويا في نهضة وتقدم الامة وعلى مدار التاريخ كان الشباب يشكلون معينا لا ينضب من العطاء وهم معادلة التغيير والتطوير لمجتمعاتهم فالشباب مصدر القوة ومصدر الاقدام ومصدر المعرفة وهم قبل هذا وذاك مصدر الابداع والتميز وعلى كواهلهم تنهض الامة وباعمالهم الخالدة تحيي الامة ويعظم الانجاز فيها ، فهم يمثلون الحاضر بفجره الجديد والمستقبل باشراقاته المضيئة وهم صناع التنمية بمدخلاتها ومخرجاتها وباهدافها ، لهذا فهم الرافعة النهضوية التنموية لاي مجتمع انساني ينشد الحرية والديمقراطية والتغيير نحو الافضل.

 

وفي هذا العصر المشبع بالتحديات والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي القت بتبعاتها وظلالها على الشباب وفعلت فعلتها في التأثير المباشر على تصرفاتهم وافعالهم وخلقت بتأثيرتها صنفين من الشباب اما شباب الانحلال والاسراف في اللهو لحد الضياع والتوجه نحو المخدرات والمتع الجسدية او شباب التكفير والتفجير فيما بعد. وهذان خياران احلاهما مر تأثيرا على المجتمع ، لهذا فان وضع الخيار الثالث هو مطلب وحاجة لا بد من العمل على تفعيلها حتى نساهم في اخراج جيل يجمع بين الاصالة والمعاصرة بين علوم الدين والدنيا وبين الحياة والاخرة.. شباب يؤمن بالوسطية في الحياة ويبتعد عن التطرف والانغلاق والغلو ويبتعد عن لهو الضياع والانحلال يؤمن بانه يعيش ابدا ويعمل ما ينفعه وينفع مجتمعه وفي نفس الوقت يؤمن بقيم السماء بانه يموت غدا ويعمل لدينه بوسطية الفعل والقول والتطبيق لما فيه خدمة مجتمعه وبني البشر عامة.

 

ان قضايا الشباب كثيرة ومتشعبة في هذا العصر لهذا يجب ان تعطى من الاهميه والاولويه الشيء الكثير نظرا لخصوصية هذه المرحلة وخطورتها في نفس الوقت في تشكيل توجهات الشباب وقناعاتهم في سن يسهل تشكيله وتحويله من مواقع البناء الى مواقع الهدم ومن عنصر الايجابية الى عنصر السلبية ومن مصدر القوة الى مصدر الوهن والضعف ، لهذا فان الاردن وعى هذا الواقع وتحدياته فجعل قضايا الشباب في سلم اولويات اعماله وحظي الشباب بالدعم اللامحدود من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني منذ اول يوم لتوليه مقاليد البلاد ، فعمل على دعم المبادرات الشابة بمأسسة اعمالها وتحت مظلة هيئة شباب كلنا الاردن وتم توفير كافة وسائل التكنولوجيا والاسناد المادي واللوجستي لكي تعمل بكل عزيمة واقتدار في كل المحافظات وفي كل المناسبات ويكون لها حضورها الفاعل والمؤثر في المجتمعات المحلية جنبا الى جنب مع المؤسسات الرسمية المعنية بقطاع العمل الشبابي. فالشباب هم حجر الاساس الصلبة في بناء النهضة المجتمعية الشاملة وهم عناصر استقرار النظام الاجتماعي للاوطان.

 

ان توفر خط سير ممنهج ورؤية واضحة الاهداف مدروسة بعناية للشباب مع منحهم حرية التفكير وابداء الرأي بكل اريحية والحوار معهم بعقول مفتوحة سيجنبان المجتمعات العربية ويلات الفكر الانغلاقي المتحجر الذي يجر الشباب الى مخاطر التكفير والتفجير.

ان قوة وأمن اي مجتمع بشري يتوقفان على تفكير شبابي سليم وخلق قويم. وصدق القائل "يتوقف مصير كل امة على شبابها".

================================

بعد العراق، عنف بلا حدود!

ميشيل كيلو

2010-09-13

القدس العربي

عرفت منطقتنا العربية، خلال نصف القرن المنصرم، أنواعا مختلفة من العنف، أكثرها شدة ودواما العنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، الذي استهدف اقتلاعه من وطنه في الداخل، ومنعه من النضال لاستعادة حقوقه فيه وتحريره، من الخارج.

في العقود الأخيرة، نقل نشوء الأصولية ونمط الحكم السلطوي العنف إلى صعيد جديد، داخلي أساسا، انصب في حالة الأصولية على قطاع من المواطنين يرفضها، وفي حالة السلطوية على عامة الشعب، مع أن مدى العنف ونوعه بقي مقيدا في الحالة الأولى بمحدودية قدرات الأصوليين، وفي الثانية بضعف مقاومة المجتمعات لنظمها. غير أن غزو العراق افتتح حقبة مختلفة من العنف، نوعت وكثفت أشكاله، وصعدت شدته بدرجة لم تعرف من قبل، مما يجيز القول: إن المنطقة العربية شرعت تذهب في الأعوام الماضية نحو عنف يتسم باتساع رقعته، وازدياد أعداد المنخرطين فيه، وعمق تأثيره، وأنها ستعيش من الآن فصاعدا في ظل عنف يمكن أن ينفجر في أي وقت وأي مكان، لن يقتصر على أفراد بعينهم، بل يشمل قطاعات بشرية واسعة منضوية في تكوينات اجتماعية معترف بشرعيتها. سيحدث هذا، ليس فقط لأن المشهد العراقي عودنا على القتل والدمار اليوميين، بل كذلك لأنه بيّن كم هي هشة روابط الوطنية التي تجمع هذه المكونات، وكم يمكن لروابط دنيا: غير وطنية وغير مجتمعية، أن تقوض ما عداها وتحل محله، مع ما يلازم انفلاتها من نزعة إلى تدمير الآخر والذات، ومن شحنات عنف بلا حدود، تسوغه أدلة مقدسة مستمدة من حجج وذرائع مذهبية / دينية، تبطل أي وازع أخلاقي أو إنساني، ينقلب من تسيره إلى وحش يرتكب أفظع الجرائم عن إيمان.

ثمة تطورات ثلاثة أدت إلى إفلاس السياسة كأداة لحل النزاعات بين الجماعات الوطنية وداخلها، وبينها وبين السلطة، وإلى إضفاء طابع مجتمعي، بعد فردي ومعمم على العنف، الذي غدا وسيلة إثبات الذات وقهر الآخر، وتحقيق أهداف كانت تناط في الماضي بالسياسة. هذه التطورات هي:

1 خروج الشعب العربي، والمواطن العربي العادي، خالي الوفاض من السنوات الخمسين المنصرمة، بعد فشل سائر الوعود التي قدمت له، على الصعيدين العام والخاص، القومي والشخصي، السياسي والاجتماعي، الاقتصادي والثقافي، وانفراد من قدموها بالسلطة والثروة وانقلابهم من جهة كانت تتبنى طموحاته إلى سلطات وحكومات معادية له. يشعر المواطن في أقطار عربية عديدة بالإحباط والخيبة، ويحس أن من وضع ثقته فيهم وصدقهم خدعوه واستولوا على ما لديه، وعاملوه بفظاظة وقسوة رفعت عنه أية حماية من عرف أو تقليد أو قانون، وأهانوه في شرفه وكرامته، وأفقروه وأفسدوه، وأوصلوه إلى حال مناقضة للحال التي كان يمني نفسه ببلوغها، لاعتقاده أن فيها ضمان حريته، وصون كرامته ورزقه، ومستقبل أطفاله، ومنعة وطنه، ووحدة أمته. هذا المواطن يعيش حالا من الاحتقان والغضب، ويرغب في الانتقام من الذين كذبوا عليه وخذلوه وأذلوه. وهو يعتقد أن عودة أموره إلى طريق قويم مستحيل بالسياسة ووسائلها، وأنه لا يملك من أمرها شيئا، على كل حال، بعد أن احتكرتها السلطة ووضعته أمام أحد خيارين: إما الرد على عنفها ضده بعنفه مقابل، أو الموت قهرا وصمتا. بما أن السياسة ترتبط بسوية معينة من الوعي والمعرفة، وتعبر عن نفسها بوسائل سلمية ضعيفة التأثير بطيئة المردود، والعنف يرتبط بانفلات الغرائز والأحقاد، فإنه يتفق أكثر من السياسة مع حال المواطن المقموع وسوية وعيه، فلا عجب أن صار وسيلته إلى الخروج مما هو فيه، وطريقه إلى إخراج بلاده من احتجاز سياسي / اجتماعي ووطني فكك الدول وحول الشعوب إلى قطعان لا حقوق لها، تتكون من فرق ومزق طائفية أو إثنية متعادية، تفتقر إلى رابطة وطنية وثيقة، وتخلو من الشعور بالانتماء إلى جماعة تاريخية موحدة الأهداف والمصير.

2- مع تهميش المجتمعات في أعقاب هزيمة عام 1967 أمام إسرائيل، وضعف النظم العربية الذي كشفته الهزيمة، انفتح الباب أمام الدخول الأمريكي إلى منطقة تمسك إسرائيل بمفاصلها العسكرية ؛ دخول بلغ ذروته في احتلال العراق وما حمله من إذلال إلى أمة كانت تعتقد أنها في الطريق إلى استرداد فلسطين، فإذا بها تخسر العراق وترى أن احتلاله جزء من استراتيجية بعيدة المدى، يتابعها 'الغرب' منذ قرابة ألف عام، هدفها تدمير العالم العربي والاستيلاء عليه وإضعافه والقضاء على قدراته. هذا الحدث المزلزل، الذي وقع بعد أكثر من نصف قرن من ضياع فلسطين، اعتبر فشلا للأمة، وأضيف إلى فشل 'النظام العربي'، فكانت نتيجته شعورا عارما بالخطر استولى على المواطن العربي، الذي أدرك أنه أمام خطر مزدوج: داخلي تمثله نظمه، وخارجي يجسده الاحتلال: الإسرائيلي والامريكي، وأيقن أنه مهدد في وجوده، وأن رده على العنف الكوني الذي يستهدفه من الداخل والخارج في آن معا، يجب أن يكون عنفا كونيا مقابلا، عليه توجيهه ضدهما، في نجاحه اختبار جدارته بحياة لم يعد هناك من سبيل إليها غير الموت، في أعنف صوره وأشكاله وضد جميع الأعداء، داخل وطنه وخارجه.

مارس الاحتلال الامريكي عنفا لا يرحم في العراق، وألقى عليه كميات من متفجرات لا مثيل لها في الحروب الأخرى، وجعل شعبه وأرضه حقل تجارب لأسلحة لم تستخدم من قبل، وقتل مئات آلاف العراقيين، وشرد الملايين منهم، وزرع أرضه بالأسلحة الأشد فتكا، التي بلغ عدد الثقيل منها مليونا وثمانمائة ألف قطعة، فكان من الحتمي أن يقاوم العراقيون العنف ويردوا عليه بعنف مماثل، بلغ من شدته أن جيش أمريكا لم يجد ردا عليه غير توجيهه نحو قنوات داخلية تحوله إلى عنف بين الجماعات العراقية، وخاصة الطائفية منها، فلا عجب أن انفجاره فرض على العراق ضروب إبادة لم توفر أحدا، انخرطت فيها مكوناته جميعها، المسلحة حتى الأنياب والراغبة في القضاء على الآخر، الذي غدا هدف أحقاد شخصية وسياسية وتاريخية، زينت له إبادته، بينما كان العنف الامريكي يتصاعد بدوره، ويحكم سيطرته أكثر فأكثر على استراتيجيات العنف المحلي الأعمى.

3 وزاد طين العنف بلة دور الأصولية، التي جعلها فشل النظم وغزو الخارج ردا رئيسيا على مأساة العرب وبؤسهم، ووفق بين دعوتها إلى التخلي عن السياسة واعتماد العنف وبين مشاعر المواطن العادي، الفقير واليائس، الذي ليس عنده ما يخسره، وليس بحاجة إلى من ينقل إليه وعي أوضاعه من خارجه حسب نظرية كاوتسكي ولينين فوعيه المذهبي / الديني متوطن بعمق في نفسه، ولا حاجة إلى تذكيره به وإلى إقناعه بضرورة طلب الشهادة لمقاومة الظالمين حكام الداخل والكفار المحتلين الأجانب تمتلك الأصولية سطوة حقيقية على الناس، لبساطة دعوتها السياسية، التي تقول بوجود فسطاطين واحد للإيمان والآخر للكفر بينهما معركة لن تنتهي بغير انتصار فناء - أحدهما، وبساطة الحلول التي تقدمها لمآزق العرب والمسلمين، وتقوم على استخدام حد أعظم من العنف ضد من ينتمون إلى الفسطاط الآخر، سواء كانوا نظما داخلية أم محتلين خارجيين.

مع الاحتجاز الداخلي بآفاقه المسدودة أمام المواطن، وبالغزو الخارجي المفهوم كطور في معركة تاريخية بين الإيمان والكفر، وبالحلول الأصولية البسيطة والمؤثرة، يدخل العنف في حقبة جديدة تسقط السياسة تماما من حساباتها، وتجعله وسيلة وحيدة في صراع تستخدم أطرافه إمكانات تقنية ومادية وبشرية لا تقبل المقارنة مع أية إمكانات عرفها أي صراع سابق، أوصلت القتل والإبادة إلى مستويات لا تعرف حدودا، وتتطور من يوم لآخر.

كانت فلسطين نقلة نوعية في الصراع العنيف ضد العرب. مع احتلال العراق، دخل العنف في طور مختلف من وجوه كثيرة، لن تعرف منطقتنا العربية الراحة بعده إذا لم تعمل حكوماتها لكسر حلقته الرئيسية ووضع حد له، بإعادة النظر في علاقاتها مع شعوبها وفي بنيتها الذاتية، وبالاعتراف بأن فشلها هو الذي أوصل العرب إلى قاع الهاوية، وكشفهم، وبأن الخارج الذي دخل على خط العرب الداخلي غازيا ومحتلا، يجب أن يغادر أوطانهم، بالقوة إن تطلب الأمر!

' كاتب وسياسي من سورية

================================

مجموعة الازمات الدولية: التعريف الانتقائي لمفهوم الازمة الدولية.. محاولة ممنهجة لتضليل الراي العام العالمي

ا. د. علي الهيل

2010-09-13

القدس العربي

التقريرُ الجديدُ لمجموعة ما يمكنُ او (لا يمكنُ) ان يوصفَ (بالازمات الدولية) International Crisis Group (ICG) حسب Haaretz (عدد الجمعة 10/9 ) والصادر الخميس 9/9 عن تركيا والمسيَّسُ والموجَّهُ - كما بَدا للمتتبع - صهيونيا او غربيا (او العكس لا فرق) والذي لا يُستبعد بِمعزِلٍ عن ما يُعرف بنظرية المؤامرة تدخُّلُ الايباك او اللجنة الامريكية الاسرائيلية للعلاقات والشؤون العامة American - Israeli Commiee Of Public Affairs (AIPAC) وفروعها franchised branches من اللوبيات او الردهات اليهودية الصهيونية في داخل الاتحاد الاوروبي جمعيا واحاديا في كل دولة من دوله الاعضاء،

لا يُستبعدُ تدخلُها في الصياغة الانتقائية للتقرير كما لوحظ. او على الاقل ان شئنا النأيَ بانفسنا عن محاذير التعميم - يمكن ان تكون قد تمت صياغة التقرير تحت ضغط منها او من دوائر السياسة الخارجية الغربية والتي هي على اي حال تتلقى (ان لم نقل التعليمات) الاقتراحات من الايباك وعملائها او وكلائها (انظر مثلا كتاب جون ميرشيمار وسْتيفن وُلت 'اللوبي الاسرائيلي في توجيه السياسة الامريكية الخارجية للشرق الاوسط ' John Mearsheimer & Stephen Walt (2006) The Israeli Lobby and U.S. Foreign Policy وكتاب بيل كلينتون 2004، Clinton ''، وكتاب جيمي كارتر 'فلسطين: سلام وليس فصلا عنصريا' Palestine : Peace, Not Apartheid).

وقبل ان نسترسلَ في الحديث عن التقرير المذكور، ربما يجدرُ بنا ان نَذْكُرَ وان نُذكِّرَ (في آنٍ معا) ومن خلال تجاربنا مع مجموعة الازمات الدولية في الشرق الاوسط - ان المجموعة المدَّعاةَ والمدَّعيةَ بحل 'الازمات الدولية' تستقي (غالبا) تعريفها لمفهوم (الازمة الدولية) من المنظور اليهودي الصهيوني الغربي ووفقا لمصالحه. فالازمة الدولية التي لها علاقة بالمس سلبا بمصالح الغرب او اسرائيل (ولا فرق بينهما) تُصنفُ على او بانها (ازمة دولية). في حينِ تعرُّضُ مصالحِ دول بعينها في العالم العربي او الاسلامي او غيرها من الدول عالميا للخطر من تلك التي تعارض المصالح والامبريالية الغربية (الاسرائيلية) لا تعتبرها المجموعة بازمة او ازمات دولية.

والامثلة كثيرة وتكاد لا تُعدُّ ولا تُحصى. فالمجموعة لا تنظر الى ازمة غزة على انها (ازمة دولية). بينما تتعاطى مع ازمة العلاقات التركية (الاسرائيلية) على انها ازمة دولية، مع ان (اسرائيل) وبمباركة او على الاقل (بصمت الرضى) من دول الغرب هي المتسببة فيها. وذلك لان (اسرائيل) ودول الغرب متضررة من جراء هذه (الازمة)، فهي اذن ازمة دولية. ومثل ذلك ينسحب على فنزويلا في مقابل كولومبيا وكوريا الشمالية ازاء جارتها و'بنت عمومتها' كوريا الجنوبية، وطالبان افغانستان في مواجهة حكومة كرزاي ودول الناتو، وحكومة زرداري الباكستانية في مقابل طالبان باكستان ورجال القبائل في وزيرستان وسائر شمال غربي باكستان. وعلى المنوال نفسه كما يقول الدكتور طارق رمضان لا تنظر المجموعة الى غياب او انعدام الديمقراطية (باعتبار انها لم تكن قطُّ حاضرة لِتغيب) في بلد كالسعودية او دول الخليج على انها ازمة دولية لان الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي (ومن خلالهم اسرائيل بطبيعة الحال) مستفيدة اقتصاديا (بتروليا وماليا واعماليا وتجاريا) من الوضع القائم في هذه الدول. لهذه الدرجة من الحضيض واكثر وصلت اخلاق السياسات الغربية اليهودية الصهيونية. فلا مسألة انعدام او غياب ديمقراطية ولا حقوق انسان هي معيار الغرب اليهودي الصهيوني في علاقاته مع الدول بل مصالحه هو ولْتذهب الديمقراطية وحقوق الانسان الى الجحيم. في الوقت الذي لا تتعامل (مجموعة الازمات الدولية) مع مقاطعة الغرب لديمقراطية (حماس) او ديمقراطية ايران او تحفظهم على ديمقراطية تركيا/ اردوغان وغُلْ (والتي اشاد بنزاهتها المراقبون الدوليون ومنهم على سبيل المثال الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر والذي نعت الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 2006 بالانقى في تاريخ الشرق الاوسط) بانها (ازمة دولية)، فقط لان مخرجات هذه الديمقراطيات لا تروق للغرب او (اسرائيل). ولَما كانت (اسرائيل) وكيلة الغرب المرخصة من الايباك في الشرق الاوسط وفي القلب من العالمين العربي والاسلامي فان سلاحها النووي القادرة صواريخُهُا على حمل اكثر من مئتي راس نووي ناهيك عن اسلحة الدمار الشاملة الاخرى weapon of ma destruction (WMD) والمحرمة دوليا (حسب مقابلة مع فانونو الموظف اليهودي الاسرائيلي في مفاعل ديمونة اليهودي الصهيوني مع صحيفة Sunday Times 1984) والتي استعملته في حروبها في الشرق الاوسط مثل الفوسفور الابيض (في حربها على غزة) وقنابل النابالم والقنابل العنقودية، كل هذا لا يستدعي ان يُشكلَ (ازمة دولية)، بَيْدَ ان امتلاكا مفترضا ايرانيا لبدايات صنع سلاح نووي يتطلب كل هذا الصخب الاعلامي الغربي الموجه قطعا من الايباك وادى الى فرض عقوبات اضافية ويتصدر الازمات الدولية.

اذن المجموعة مكيافيلية ومنافقة ومضلَّلة وتكيل بمكيالين وتتبنى معايير مزدوجة بالضبط كالذين يُسيرونها، وتعريفها لمفهوم (الازمة الدولية) انتقائي ومضلِّل ومضلَّل في وقتٍ معا، وليس لها من خيار اخر فهي صنيعة الغرب والسياسات ذاتها، وان كَثُرَ الطنينُ والرنينُ حول ادعاء المجموعة انها منظمة غير ربحية وانها محايدة. فلا هي كما سيتبين لاحقا ولا دول الغرب بهكذا سياسات غير اخلاقية completely, unethical والتي يوعز اليها من قبل الايباك واللوبيات اليهودية الصهيونية مؤهلة لقيادة البشرية او تستحق ان تقود (المجتمع الدولي) لان فاقد الشيء لا يعطيه. ونتيجة لهذا الانحطاط الاخلاقي فان طالبان افغانستان مثلا والتي نعاها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش احد رموز هذا الانحطاط يوم السابع عشر من تشرين الاول/اكتوبر 2001 وهو يغزو افغانستان بانها انتهت، ها هي ذي وبعد تسع سنوات وبعد ان ذهب بوش الى غير رجعة، تسيطر على الوضع في افغانستان وتتحكم في المشهد الافغاني كله وترجوها حكومة كرزاي مرارا وتكرارا الى القاء السلاح والمشاركة في الحكم بايعاز طبعا من داعميها ولا سيما الولايات المتحدة الامريكية وهي في كل مرة تَصْفِقُ الباب في وجوههم جميعا وتشترط انسحاب القوات الغازية وتقاتل بشراسة قلَّ نظير لها في التاريخ ويتساقط الجنود الامريكيون وجنود عشرين دولة من دول الناتو كل يوم كاوراق الخريف مع الفارق الضخم في العدة والعدد.

ولعل مفوض التجارة للاتحاد الاوروبي Karel De Gutch لخص في مقابلة مع الراديو البلجيكي مؤخرا وحدة التأثير غير الصحي unhealthy influence لُّلوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية والشمال الامريكي عموما بما فيها كندا ودول الاتحاد الاوروبي على السياسات الخارجية لكلا الطرفين الامريكي والاوروبي وعلى الجهات المرتبطة بها مباشرة او بصورة غير مباشرة لجهة (اسرائيل) كمجموعة الازمات الدولية والمجتمع الدولي ومجلس الامن الدولي والقانون الدولي وغيرها (من المافيا الدولية). واوضح GUTCH كيف ان هذا اللوبي اسهم تاريخيا وبصورة كبيرة في تجاهل وتعطيل عملية السلام في الشرق الاوسط. ونتيجة للضجة التي اثارها اليهود الصهاينة على ضفتي الاطلنطي احتجاجا على رأي GUTCH واتهامهم اياه بالتهمة السخيفة الممجوجة والمكشوفة والجاهزة دائما بانه anti - Semitic اي ضد الساميَّة اضطرَّ وزير الخارجية البلجيكي السابق الى تقديم اعتذار رسمي عن تصريح مفوض الاتحاد الاوروبي للتجارة (لاسرائيل) ولليهود الصهاينة حتى لا تلحقه لعنة (ضد السامية) وبرغم ذلك تَاخْبَطوا عليه كاخطبوط السرطان وقلعوه من منصبه. في تقريرها المذكور اذن تُضَللُ (مجموعة الازمات الدولية) الرأي العام بان تصور له انَّ تركيا ليست منجرَّة لايران كما يفهم الكثيرون - وتعتبر عكس ذلك ازمة دولية. فهي بذلك تصادر حق تركيا او اي دولة او حركة مناوئة (لاسرائيل) ان تنجرَّ الى حيث مصالحها ويرتقي مثل هذا الفعل الى (ازمة دولية). بينما ان تنجر (اسرائيل) الى مصالحها فهذا امر مشروع ولا يِؤدي الى نشوء (ازمة دولية). وان وجود تركيا مع البرازيل في اتفاق تبادل اليورانيوم مع ايران لا يعني ان تركيا باتت تفضل ايران على (اسرائيل) في الشرق الاوسط. اي ان تفضيل تركيا وفقا لمصالحها ايران على (اسرائيل) تراه المجموعة (ازمة دولية) ولا ترى ان تفضيل تركيا (لاسرائيل) ازمة دولية. وتغض المجموعة الطرْف تماما عن كون التصرف الهمجي اليهودي الصهيوني (لاسرائيل) مع سفينة 'مرمرة' وبقية سفن اسطول الحرية عالمي النزعة وانساني الانتماء وفي عُرض المياه الدولية والذي ادى الى قتل اليهود الصهاينة وبدم بارد تسعة ناشطي سلام اتراك وجرح اكثر من عشرين من ناشطي سلام دوليين، عن كونه (ازمة دولية). غير انها اي المجموعة تعتبر التدهور في العلاقات التركية ( الاسرائيلية ) نتيجة لدفاع تركيا عن حقها ومطالبتها بالثأر قانونيا - وليس عسكريا - لشهدائها (ازمة دولية). وعند حديث (مجموعة الازمات الدولية) عن حرب غزة باعتبارها التي دقت الاسفين الاول في نعش العلاقات التركي (الاسرائيلية) نجد غرابة التسييس والتوجيه المفروض على المجموعة فهي تركز على ان انتكاسة العلاقات بين الجانبين هي (ازمة دولية). ولا تنظر لا من قريب ولا من بعيد الى فاشستية ونازية الحرب اليهودية الصهيونية على اطفال غزة ونسائها وتلامذتها بالفسفور الابيض وغيره من الاسلحة المحرمة دوليا على انه (ازمة دولية).

' كاتب قطري

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ