ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 06/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

لماذا لا تذهب إسرائيل إلى التسوية حقاً؟

المستقبل - الاحد 5 أيلول 2010

العدد 3762 - نوافذ - صفحة 9

ماجد كيالي

إسرائيل دولة احتلال، باعتراف دول العالم، بما فيها حليفتها الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً بحسب القوانين الدولية، ومع ذلك فإن بوسع هذه الدولة طرح شروطها في عملية التسوية، على الفلسطينيين والعرب، وحتى على المجتمع الدولي!

وقائمة شروط إسرائيل طويلة، وحتى أنها فريدة في نوعها، بحيث لم يسبق أن شهدت التجارب الاستعمارية، بما فيها تجربة الاستعمار الاستيطاني في جنوب إفريقيا سابقاً، مثيلاً لها. وتتضمن هذه القائمة، مثلاً، اعتراف الفلسطينيين، الذين يخضعون (في الضفة وغزة ومناطق 48) للاحتلال والحصار والتمييز العنصري، بطابع إسرائيل كدولة يهودية، ما يعني الاعتراف بروايتها لتاريخ المنطقة وجغرافيتها، والقبول بها كدولة أصولية (يهودية)؛ وهي التي تدعي بأنها دولة حداثية وعلمانية. وثمة شرط آخر يتعلق بضمان الفلسطينيين أمن إسرائيل وقبولهم بإقامة دويلة لهم ولكن منزوعة السلاح، لكأن هذه الدويلة يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل المدججة بالسلاح، والتي تحتكر السلاح النووي في المنطقة، وتتمتع بضمانة الدول الكبرى لأمنها. علماً أن إسرائيل تعتبر من بين أكبر خمس دول مصدرة لتكنولوجيا التسلح في العالم، مع قدرة تصديرية للسلاح تصل إلى عشرة مليارات دولار في العام.

فضلاً عن هذا وذاك فإن إسرائيل تشترط اعتبار إقامة الدولة في الضفة والقطاع بمثابة نهاية لمطالب الفلسطينيين، وهو شرط ينطوي على نية مبيتة بعدم تلبية حقوقهم الوطنية (وضمنها حقوق اللاجئين المتعلقة بالعودة والتعويض)، تماماً بقدر ما أنها تنطوي، أيضاً، على عنجهية غير مسبوقة، وعلى مصادرة للمستقبل.

أيضاً، وضمن شروط إسرائيل ثمة شرط يتعلق بتبادل الأراضي، ويقضي باحتفاظها بالكتل والتجمعات الاستيطانية في القدس والضفة داخلها، مع ما يتضمن ذلك من منح إسرائيل مكافآت على احتلالها أراضي الفلسطينيين ومصادرتها لحقوقهم وأرضهم، بدل معاقبتها على ذلك؛ تماماً مثلما تتطلّب من الدول العربية تطبيع علاقاتها معها مقابل التسوية.

وأخيرا وفوق كل ذلك، ثمة شرط آخر لإسرائيل يتضمن قبول التدرجية في تنفيذها الاستحقاقات المطلوبة منها في عملية التسوية (رغم الإجحافات الكبيرة فيها بالنسبة لحقوق الفلسطينيين) بدعوى ضرورة مراعاة مشاعر الإسرائيليين، وتخفيفاً من "الآلام" التي سيتكبدونها جراء التسوية(!) وتخوفاً من انهيار الائتلاف الحكومي.

على ذلك ثمة أسئلة مشروعة تطرح نفسها في هذا المجال، ومثلاً، من أين لإسرائيل هذه البجاحة على طرح هذه الشروط، وهي دولة استعمارية وعنصرية وقهرية بنظر العالم؟ وما الذي يشجعها على ذلك؟ ثم ما الذي لا يجعلها تُقبِل، أو تتهافت، على المفاوضات أو على التسوية، برغم عوائدها الأمنية والسياسية والاقتصادية عليها؟

في الواقع، ومن وجهة نظرها، فإن إسرائيل تعتقد أن ليس ثمة ما يضطرها، لا بالوسائل السياسية ولا بالوسائل العسكرية، لتقديم "تنازلات" سياسية. في عملية التسوية، وهذا ما أوضحه مراراً وتكراراً بنيامين نتنياهو باعتباره أن الحفاظ على إسرائيل القوية أهم من عملية التسوية، وبتأكيده أن إسرائيل تستطيع تدبّر أمرها من دون تسوية، وعبر فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين.

وعند نتنياهو، ومعظم أطراف ائتلافه اليميني، فإن عملية التسوية من شأنها أن توهن إسرائيل، وأن تخلق الشقاق في المجتمع الإسرائيلي، وأن تضعف صدقية الصهيونية، وأن تشجع الآخرين على استمرار تحدي إسرائيل. وكلنا نذكر تصريحات أفيغدور ليبرمان، بهذا الصدد، والتي دعا فيها دول العالم إلى ترك إسرائيل وشأنها والانصراف نحو حل المشاكل في باكستان وأفغانستان وإيران والعراق!

وفي الحقيقة فإن إسرائيل تنظر حولها فلا تجد ما يضغط عليها، بل إنها تجد قابلية لهضم شروطها، وتملصاتها، في ظل تفرق النظام العربي وشدة وهنه. ومن الناحية الأمنية فإن إسرائيل تجد نفسها، برغم كل التعقيدات، في وضع آمن، حيث الحدود هادئة، والفلسطينيون في الداخل غاية في الانقسام والإرهاق والضياع. وبحسب شالوم زاكي (بروفسور في جامعة بن غوريون وباحث في مركز أبحاث الأمن القومي) فإن تفسير ابتعاد إسرائيل عن عملية التسوية يكمن في أن "ظاهرة الإرهاب الفلسطيني.. اختفت بصورة شبه كلية.. وعلى الحدود الشمالية - مقابل حزب الله، وعلى الحدود الجنوبية - مقابل حماس، نجحت إسرائيل في خلق توازن ردع.. وفي الضفة الغربية.. لا يبدو أن الجماهير الفلسطينية ستعرض للخطر حال الازدهار الاقتصادي من خلال الدخول في مواجهة حربية إضافية مع إسرائيل، والتي من شأن نتائجها أن تكون كارثية من وجهة نظرهم. على الجبهة الداخلية الإسرائيلية أيضاً لا توجد ضغوط حقيقية على الحكومة.. فنتائج الانتخابات الأخيرة وجهت ضربة قاسية إلى اليسار في إسرائيل.. وفي النهاية، فإن الرافعة الأساسية التي في مقدورها حث التسوية، الإدارة الأميركية، لا تمثل الآن عنصر ضغط حقيقياً على إسرائيل.. الطرف الفلسطيني، أبو مازن، غير قادر على "توفير البضاعة". ("نظرة من الأعلى" 24/11/2009 نشرة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب)

ويحاول ألوف بن، شرح هذا الوضع من ناحية الإسرائيليين بالتالي: "أكثر الإسرائيليين مقطوعون اليوم عن النزاع مع الفلسطينيين ولا يحتكون بهم. فهم يرونهم شخوصاً غير واضحة في الأخبار.. تبعد نابلس ورام الله نحو أربعين دقيقة سفر عن تل أبيب، وهما موجودتان في نظر الناس في تل أبيب في كوكب آخر.. المستوطنون وراء جدار الفصل هم الإسرائيليون الوحيدون الذين يقابلون الفلسطينيين.. من خلال نافذة السيارة في الشوارع المشتركة.. يمكن السفر إلى المستوطنات الكبيرة مثل معاليه ادوميم واريئيل من دون رؤية الفلسطينيين تقريباً.. تزيد العزلة الفرق بين شكل رؤية الإسرائيليين لدولتهم وشكل رؤية العالم لها.. بسبب العزلة وعدم الاكتراث، لا يوجد ضغط عام على الحكومة للانسحاب من "المناطق" ولإقامة دولة فلسطينية". ("هآرتس"، 13/1)

حتى من حيث العوائد الاقتصادية فإن النجاح الإسرائيلي يشجع أيضاً على تجاهل مفاعيل التسوية. ومثلاً، وبحسب التقديرات، فإن الناتج القومي السنوي لإسرائيل في هذا العام بلغ حوالي 230 ملياراً من الدولارات، وبلغت حصة الفرد فيها حوالى 27 ألف دولار سنوياً، وكل ذلك مع قدرة تصديرية قدرها 40 ملياراً من الدولارات. وبحسب يعقوب عميدور فقد ازداد عدد الإسرائيليين الذين يعودون من خارج البلاد ب10 في المئة. في الجانب الاقتصادي أيضاً.. نجحت إسرائيل في مدة زادت على 60 سنة في إقامة اقتصاد فخم برغم الضغط الأمني" وبالنظر لكل ذلك فإن عميدور يطالب إسرائيل "أن تفكر بجدية في تفاوض لا يوجد في أساسه كثير من التنازلات للفلسطينيين. في الأمور المهمة - مثل حدود قابلة للدفاع عنها، وإنهاء النزاع والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ومنع إعادة اللاجئين إلى داخل إسرائيل ومكانة إسرائيل في القدس القديمة - يجب على إسرائيل أن تكون عنيدة". (يعقوب عميدرور، "إسرائيل اليوم"، 20/1/2010)

وبعد كل ذلك هل ثمة بعد ما يدعو للتساؤل بشأن عدم جدية إسرائيل للتسوية، أو بشأن تهربها من هذه العملية التي بدأت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي؟!

=======================

تركيا تستعد للاستفتاء: استفتاء تركيا: تعديل الدستور يمهد لتغييره.. ومصير «أتاتورك» في صناديق الاقتراع

أردوغان اختار توقيته في الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكري عام 1980 كعنوان لنهاية سلطة العسكر

إسطنبول: ثائر عباس

الشرق الاوسط

5-9-2010

يوم الأحد المقبل، يتوجه نحو 50 مليون تركي إلى صناديق الاقتراع للتصويت ب«نعم» أو «لا»، كلتاهما ستكون تاريخية في عمر تاريخ تركيا الحديثة، التي تشهد مخاضا، ستولد من بعده صيغة جديدة للحكم في تركيا الطامحة إلى استعادة الدور والنفوذ في الرقعة الجغرافية السابقة ل«السلطنة العثمانية».

فكلمة «نعم» في الاستفتاء على حزمة التعديلات الدستورية، خاصة إذا أتت قوية، ستطلق يد حكومة حزب العدالة والتنمية في مسعاها الذي أصبح معلنا، حيث العمل لتغيير الدستور التركي في عام 2011، وهو ما أبلغه كبير مستشاري أردوغان، إبراهيم قالن، ل«الشرق الأوسط» في أولى حلقات ملف «تركيا على مفترق طرق: العلمنة أو الأسلمة» الذي تنشر حلقته الأخيرة اليوم، وقد عاد وأكده أردوغان نفسه أمس في زيارته إلى «ديار بكر». أما كلمة «لا» فمن شأنها أن تطرح أسئلة كبيرة على حكومة أردوغان بعد 7 سنوات في السلطة ظهر في آخرها بعض التراجع في شعبية الحزب الحاكم، مقابل ارتفاع في شعبية رئيسه في تركيا وخارجها.

وفي حين أن مؤيدي الحزب الحاكم يحبون أن يرسموا «نتائج إيجابية» للموافقة على التعديلات الدستورية، بالتركيز على معايير الديمقراطية وحقوق المرأة والعمال وحق الموظفين بالقطاع العام في تشكيل النقابات، يركز معارضوه على مسعى حزب العدالة ل«التفرد» بالسلطة وتحويل جمهورية «أتاتورك» العلمانية إلى جمهورية إسلامية استنادا إلى الخلفية الدينية لقادة الحزب الحاكم الذي لا يزال يواجه معارضة شديدة من العلمانيين والجيش والمحكمة الدستورية.

فقد حمل بعض المعارضين لافتات تقول «لإعادة تأسيس جمهورية أتاتورك مرة أخرى: لا توجد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حزب العدالة والتنمية، ودستوره». أما بعض ملصقات حملة «لا» فقد ذهبت إلى حد القول بأن التصويت ب«نعم» في صناديق الاقتراع، يمحو مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك من صفحات التاريخ، وأن جمهورية تركيا ستسقط.

ومن يزور تركيا يلحظ شبه إجماع لدى معارضي حزب العدالة والتنمية على القول بأن الحزب سوف يزور نتائج الاستفتاء «كما زور نتائج الانتخابات». وتقول زينب، وهي معلمة رياضيات من أنقرة، إن ثمة الكثير من الشكوك حول التزوير في النتائج، متحدثة عن إيجاد الكثير من أوراق التصويت مرمية في ضواح بعيدة من أنقرة في الانتخابات السابقة، مشيرة إلى زميلتها المتدينة، وغير المحجبة، سحر التي لا تؤيد أردوغان رغم التزامها الديني. أما في إسطنبول، فيكرر علي، العامل في إحدى شركات السفر التركية، المخاوف من التزوير، جازما بحصوله.

وهذا التخوف الذي يرده أنصار الحزب الحاكم إلى رغبة مسبقة من المعارضة في الطعن في نتائج الانتخابات، لا يقتصر على الناس العاديين فقط، بل يتعداهم إلى الإعلاميين والسياسيين. وحذر نيكاتي دوغروا، من صحيفة «سوزوا» المعارضة، في مقاله من أن الحزب الحاكم سوف يستخدم «برامج كومبيوتر» للتدخل في نتائج الاستفتاء. كذلك قال خان أتاكلي، من صحيفة «فاتان» اليومية، إن «الغالبية العظمى من الناس يشعرون بأن نتائج الاستفتاء سيتم تزويرها»، معتبرا أن أغلبية الناخبين في المناطق الحضرية، يعتقدون أن «الانتخابات مزورة إلكترونيا».

ويعرب نائب حزب الشعب الجمهوري، تاسيدار سيهان، عن المخاوف نفسها، قائلا: «هناك مناقشات جادة في القطاع العام حول البرامج التي تم استخدامها من قبل المجلس الأعلى للانتخابات وجدارتها بالثقة». مضيفا: «أغلبية ساحقة من الشعب تعتقد أنه سيتم التلاعب من قبل البرنامج مع أطراف خارجية. وهناك مخاوف من أن يتم برمجة برنامج لإنتاج 52 في المائة أو 53 في المائة ب(نعم)، وأن بعض الذين لا يصوتون سيتم نقل صناديق الاقتراع الخاصة بهم فارغة إلى مربع (نعم)».

أما رئيس الحزب الجمهوري المعارض، كمال قليجدار أوغلو، فقد اتهم الحكومة الحالية بمحاولة إسكات كل الأصوات المعارضة، معتبرا أن هذا الإصلاح الدستوري مساس بدولة القانون، قائلا: «إن الهدف من هذه التعديلات ليس تعزيز الديمقراطية بقدر ما هو تعزيز لسيطرة حزب العدالة على الحياة السياسية التركية ومؤسسات الدولة». مستشهدا بالمادة 35 من الدستور التي تمنح الجيش حق التدخل العسكري لحماية الجمهورية، والتي لم يطرحها الحزب للتعديل أو الإلغاء، وهي مادة ثبتت في دستور عام 1983 إثر الانقلاب الذي قام به الجنرال كنعان ايفرين عام 1980، وهي تقول «إن وظيفة القوات المسلحة هي حماية والحفاظ على الوطن والجمهورية التركية كما هي محددة في الدستور»، وتعطي الجيش صلاحية التحرك بالسلاح حتى لو في مواجهة الداخل، بمعنى بقاء إمكان قيام الجيش بانقلاب عسكري في هذا الظرف أو ذاك.

ومع هذا، فإن حزب العدالة والتنمية، يؤكد أن معركته السياسية هي مع الجيش، من خلال تأكيده على التعديلات التي ستسمح بمحاكمة منفذي انقلاب عام 1983 أمام المحاكم المدنية بعد إسقاط حصانتهم في الدستور، وهم - للمفارقة - ماتوا جميعا، ما عدا ايفرين البالغ من العمر 92 عاما، الذي أكد أنه غير نادم على ما فعل.

وقد اختار أردوغان وحزبه توقيتا لافتا وذكيا لموعد الاستفتاء، وهو 12 سبتمبر (أيلول)، أي في الذكرى السنوية ال30 للانقلاب العسكري الذي أعدم الجيش إثره المئات واعتقل الآلاف وحظر الأحزاب السياسية، قبل أن يضع دستورا جديدا في عام 1980، وهو ما يراه محللون أنه «محاولة لوضع نهاية سلمية لمرحلة سيطرة النظام العسكري» من قبل حزب العدالة الذي كان قد فتح المعركة مع شبكة «أرغينيكون»، المتهمة بمحاولة الانقلاب على الحزب الحاكم، التي أوقف بسببها عشرات من الضباط الأتراك مطلع هذا العام.

ورغم هذا فإن التوقعات تشير إلى إمكانية كبيرة جدا لتمرير التعديلات الدستورية، بسبب تشتت قوى المعارضة وعدم اتفاقها على برنامج مواجهة موحد. وقد كشف أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة «A&G» التركية عن أرقام ونتائج مثيرة، ففي الاستطلاع الذي شمل 2405 أتراك في 33 محافظة تركية، تبين أن نسبة الذين سيصوتون بقبول التعديلات الدستورية 45.2 في المائة، بينما نسبة الذين سيصوتون من أجل رفض التعديلات 44 في المائة، أما نسبة الأصوات المحايدة فكانت 10.8 في المائة. وبتوزيع الأصوات المحايدة على الطرفين تكون نسبة القبول 50.7 في المائة، ونسبة الرفض 49.3 في المائة.

ويعارض حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المتطرفة، التعديلات الدستورية لأنها «تفتقر إلى البعد الإصلاحي والديمقراطي»، معتبرين «أن هدفها هو سيطرة حزب العدالة والتنمية على مؤسسات البلاد، والتحرر من عقدة إمكان حظره من قبل المحكمة الدستورية العليا بعد أن نجا من دعوى بهذا الخصوص عام 2008». بينما أن حزب السلام والديمقراطية الكردي الممثل في البرلمان (20 نائبا) يعارضها لأنها «أتت خالية من أي بنود من شأنها ملامسة المسألة الكردية». وقد اشترط الأكراد مسبقا دعم التعديلات بخطوات إصلاحية تمس مشكلتهم، وهو ما لم يلحظ. وقد قيل بأن سبب ذلك حرص حزب العدالة على عدم الاصطدام مع الجيش من جهة، ومن جهة ثانية الحرص على ضمان نجاح الاستفتاء.

وتعاني أحزاب المعارضة الكثير في مسعاها لمواجهة الحكومة، وقد بدأ بعضها مواجهة أزمات داخلية على خلفية التصويت في الاستفتاء، إذ أعلن 7300 عضو في الحزب اليساري الديمقراطي استقالتهم الجماعية من حزبهم المعارض للتعديل الدستوري والتصويت للدستور الجديد. ونقل عن قائد المنشقين، محمد إيك، مسؤول الحزب في إقليم موش شرق تركيا، قوله: «بتصويتنا نحن ال7300 عضو ب(نعم) سنساهم في وضع أسس تركيا جديدة من دون طعمة عسكرية، ومن دون شبكة (أرغينيكون)، تثمن فيها سيادة القانون ويسودها مستقبل زاهر».

ويرى رئيس قسم الشؤون الدولية في جامعة مرمرة، الدكتور برهان كور أوغلو، أن «تركيا لا تزال تواجه الكثير من المشكلات الكبيرة نتيجة ترسبات الأنظمة المتتالية أو حكم النخب البيروقراطية العسكرية أو المدنية، في الفترات الماضية». معتبرا أن «هذا الاستفتاء إذا نجح سيرفع سلطة النخب العسكرية والقضائية والبيروقراطية من الدستور التركي، لأن هذه الدساتير، منذ البداية، أعدت من قبل إما العسكريون، وإما مدنيون لديهم ذهنية عسكرية. وهذه الدساتير كانت تخدم دائما النخب المتسلطة، خاصة الدستور الذي أعده العسكريون بعد انقلاب عام 1980، وفيه الكثير من العيوب، وهو دستور غير ديمقراطي يعطي الامتيازات للجيش والنخب القضائية. وهذه تجعل الدستور بمقاييس الديمقراطية، دستورا فيه عيوب كثيرة، وتركيا لا تستطيع معه أن ترتفع إلى مستوى دولة ديمقراطية ذات مستوى عالمي، ولا يمكن أن ترتقي اقتصاديا وفكريا وثقافيا».

ويشير كور أوغلو إلى حاجة لتعديل دستوري واسع النطاق، والحكومة حاولت ذلك، لكن النضال السياسي العقيم في تركيا، يجعل المعارضة تعارض من أجل المعارضة، بدلا من دعم الحكومة لرفع العيوب من الدستور، لكن يبدو أنهم ظنوا أن التعديلات ترفع من شأن الحكومة. أما المعارضة اليمينية فهي معارضة تحب أن تكون الدولة أقوى من الشعب، والمعارضة اليسارية شوفينية، لذلك لم يدعموا التعديلات الديمقراطية، فبقي التعديل جزئيا، لم يأت شاملا.

وينفي كوراوغلو أن يكون معنى نجاح التعديلات «بداية نهاية تركيا التي أسسها كمال أتاتورك»، قائلا: «هؤلاء النخبويون يحاولون أن يجعلوا من أتاتورك رمزا لنظرتهم أو لسلطتهم. كمال أتاتورك هو الرجل الذي أسس الدولة وتوفي قبل 50 سنة، فلا يمكن أن نجعله رمزا لكل المصائب التي قام بها البعض من بعده. هو أسس الدولة في ظروف استثنائية صعبة، وبعد موته عام 1939 أنشئ نظام أحزاب متعددة، هو كان عسكريا قاد الجمهورية وحده، لكن بعده عدة مراحل مرت، ولا يمكننا أن نحمله مسؤولية كل شيء، هو كانت لديه أخطاء وإيجابيات». ويضيف: «الاستفتاء وحده لا يمكن أن يغير، لكن أهمية الاستفتاء تكمن في أنه سيعدل نظام حكم العسكر في تركيا، ففي كل 10 سنوات كان العسكر يقومون بانقلاب ويأتون بحكم جديد. لكن العسكر ليسوا على قوتهم السابقة، وهذا التعديل هو بداية لمرحلة جديدة في تقليل قوتهم السياسية، هي بداية جديدة للمسيرة الديمقراطية لكن الطريق أمامنا طويل».

أما الأستاذ في جامعة إسطنبول، الدكتور جنيد منكو، فيرى أن الاستفتاء الحالي «ليس مجرد استفتاء لتغيير مواد في الدستور، لكن قد يكون له منظر آخر، فهو قد يكون استفتاء على الحكومة، فالحكومة الحالية قد ترغب مستقبلا في تغيير النظام من نظام يحكم فيه مجلس الوزراء إلى نظام رئاسي، مستدلا على ذلك بتصريحات عدة أطلقها أردوغان عن نيته في عدم ترشيح نفسه للانتخابات بعد عام 2013، وبما أنه لن ينسحب من السياسة، لذلك أرى أنه سيترشح لرئاسة الجمهورية».

لكن منكو يأخذ على التعديلات أنها «سياسية أكثر من اقتصادية، في حين أن الشعب التركي يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية»، ورد التقارب في الأصوات إلى الأوضاع الاقتصادية.

نافيا أن يكون حزب العدالة «يرغب في تحويل تركيا من دولة علمانية إلى دولة دينية، فالحزب مقتنع بأن العلمانية نظام جيد». مشيرا في المقابل إلى أنه «يرغب في الحفاظ على العادات والتقاليد والعلاقات الإنسانية وفق الشريعة الإسلامية».

ويقول الباحث في الشأن التركي، الدكتور محمد نور الدين، إن الانقسام السياسي في البلاد بين سلطة ينفرد بها حزب العدالة والتنمية، ومعارضة علمانية ويسارية وقومية وكردية، جمع أطرافها فقط العداء لحزب العدالة والتنمية، حول أي قضية تطرحها الحكومة أمام البرلمان إلى نقطة نزاع على قاعدة «عنزة ولو طارت». معتبرا أن الأحزاب السياسية في تركيا لم تستطع أن تفصل بين المصلحة العامة لدولة ومجتمع يطمحان إلى التطور والتقدم، وبين تطلعاتها السياسية الخاصة. وهكذا، مثلا، تحول حزب الشعب الجمهوري الذي يوصف بأنه اشتراكي اجتماعي إلى حزب يميني معاد للحريات والديمقراطية.

ويشير نور الدين إلى أن استفتاء 12 سبتمبر سوف يضعف مزاجية المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، ويقيد مجلس الشورى العسكري الأعلى في مزاجية طرده لضباط وجنود بحجة أنهم «رجعيون»، أي لهم أهواء إسلامية. وتتيح الإصلاحات محاكمة عسكريين أمام محاكم مدنية نظرا إلى تحيز القضاء العسكري. كما تتيح الإصلاحات تصفية الحساب ومحاكمة كل من له صلة بانقلاب 1980 رغم أنهم جميعا، باستثناء زعيمهم كنعان ايفرين، قد ماتوا.

مشيرا إلى أنه إذا نجح الاستفتاء في نيل أصوات الأكثرية المطلقة من الأتراك، أي فوق 50 في المائة، فإن تركيا ستكون أمام مرحلة جديدة، ويمكن عندها للبرلمان أن يشرع ويعدل القوانين والدستور عندما يرى ضرورة لذلك، من دون أن تبطل المحكمة الدستورية، من دون وجه حق، هذه التعديلات. وفي إمكان العدالة أن تأخذ مجراها بعيدا عن مزاجية مجلس القضاء الأعلى أو القضاء العسكري.

معتبرا أن حزب العدالة والتنمية سيكون مرتاحا إذا نال الاستفتاء أكثرية معقولة، أي بما يتجاوز 55 في المائة. وفي حال تدني التأييد عن هذه النسبة فإن رجب طيب أردوغان لن يكون مرتاحا كثيرا وقد يلجأ إلى مبادرات لاستعادة ثقة الناخب بشكل أكبر في حكومته. أما إذا أخفقت الإصلاحات في نيل ثقة الناخبين فإن أردوغان سيكون أمام ضغط شديد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأن التصويت في النهاية، وفقا لما هو جار، هو على بقاء أردوغان في السلطة أم لا، وليس على الإصلاحات.

والتعديلات الدستورية التي سيجري الاستفتاء عليها تتألف من 26 مادة، وهي تعديلات في معظمها عادية، لكن ثلاثة منها استغرقت كل الاهتمام، وهي إعادة هيكلة مؤسسات القضاء عبر زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17، وعدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين من 7 إلى 22، فضلا عن تغيير آليات التعيين والانتخاب في هذه المؤسسات، بحيث يصبح لرئيس الجمهورية صلاحية أكبر، بالإضافة إلى محاكمة العسكريين، ويتضمن ذلك كبار قادة الجيش أمام المحاكم المدنية بدلا من العسكرية حصرا.

وكانت محاولة من المعارضة لمنع الاستفتاء عبر المحكمة الدستورية قد نجحت جزئيا في التقليل من حدة التعديلات، فقد رفضت المحكمة الدستورية العليا طلب المعارضة بإلغاء الاستفتاء والتعديلات الدستورية، في شأن تركيبة الهيئة العليا للقضاء التي تشرف على تعيين القضاة والمدعين العامين. لكن المحكمة عدلت مادتين تتعلقان بانتخاب واختيار قضاة الهيئة، من دون أن تلغيهما، مما اعتبر بمثابة حل وسط بين مطالب المعارضة والحكومة.

ويتيح التعديل للحكومة تحقيق هدفها في تغيير شكل الهيئة العليا للقضاء وزيادة أعضائها من 11 إلى 17، لكنه لا يتيح لها التدخل بشكل كبير في انتخاب هؤلاء، مما أحبط آمال حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي تأجل رهانه على الإمساك بمفاصل السلطة. فالآلية الجديدة ستمكن الحكومة من التدخل في انتخاب مقربين لها ضمن الهيئة، ولكن ليس بالعدد المطلوب، مما يعني أن تغيير جميع أعضاء الهيئة في الشكل الذي تسعى إليه الحكومة، سيستغرق بين خمس وعشر سنوات على الأقل.

وألغت المحكمة أيضا الفقرة المتعلقة بإمكان تعيين أكاديميين من خريجي كلية العلوم السياسية، في الهيئة العليا للقضاء، معتبرة أن ذلك سيؤدي إلى تسييس القضاء، وتعيين غير أهل الاختصاص في مناصب حساسة. جاء ذلك بعدما اتهمت المعارضة الحكومة بالسعي إلى تغيير تركيبة الهيئة، عبر زيادة عدد أعضائها من 7 إلى 22، يعين الرئيس 4 منهم. ورأت أن ذلك سيؤدي إلى تغيير تركيبة المحكمة الدستورية العليا أيضا، بينما تتهم الحكومة الهيئة بتسييس القضاء واتخاذ مواقف آيديولوجية ضد مشاريع الحكومة وسياساتها.

=======================

حملة على الأصوليين داخل سورية

رغم دعم حماس وحزب الله.. «حملة علمنة» والحكومة تفرض رقابة على خطب الجمعة وتراقب المدارس الدينية

دمشق: كريم فهيم*

الشرق الاوسط

5-9-2010

انتهجت سورية، التي سعت إلى إظهار تضامنها مع الجماعات الإسلامية والسماح للشخصيات الدينية بلعب دور أكبر في الحياة العامة، خلال الآونة الأخيرة مسارا مغايرا، عندما تحركت بقوة للحد من نفوذ الإسلاميين المحافظين في مساجدها وجامعاتها العامة والجمعيات الخيرية.

فطلبت الحكومة من خطباء المساجد تسجيلات لخطب الجمعة وبدأت في فرض رقابة صارمة على المدارس الدينية. كما طلبت من جماعة النساء المسلمات النافذة خفض أنشطتهن من الوعظ وتدريس الشريعة الإسلامية، وتم تحويل أكثر من 1000 معلمة يرتدين النقاب إلى أعمال إدارية صيف العام الحالي.

يشير مسؤول سوري بارز إلى أن تلك الإجراءات التي بدأت في عام 2008، واكتسبت زخما صيف العام الحالي، إنما هي محاولة من الرئيس بشار الأسد للتأكيد على النهج العلماني التقليدي لسورية في مواجهة التهديدات المتزايدة للجماعات الأصولية في المنطقة.

تعد هذه السياسة بمثابة انعكاس حاد لسورية التي دأبت، على مدار سنوات، على التساهل مع صعود نجم المحافظين الإسلاميين، حيث تضع الحكومة على ما يبدو طريقا مغايرا للتحرك ضد الإسلاميين السياسيين في الداخل، على الرغم من دعم الحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله.

يرى المسؤولون السوريون أن التغير نابع من توجهات داخلية مثيرة للقلق، ولا يؤثر على دعمها لهذه الجماعات الحليفة لها في النضال ضد إسرائيل. وتحدثوا، في الوقت ذاته، بفخر عن حملة العلمنة على الرغم من ترددهم في الكشف عن تفاصيلها. غير أن بعض المحللين السوريين يرون فيها عرضا للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الراغبة في التودد إلى سورية كجزء من استراتيجية عزل إيران ووقف نفوذ حماس وحزب الله.

الضغوط التي يواجهها الإسلاميون في سورية بدأت بشكل جدي بعد انفجار سيارة مفخخة في العاصمة دمشق في سبتمبر (أيلول) 2008 الذي أدى إلى مقتل 17 شخصا، وألقت الحكومة فيها باللائمة في ذلك الانفجار على جماعة «فتح الإسلام» الأصولية.

وقال بيتر هارلينغ، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية: «كان الانفجار شرارة البدء، لكن الضغوط بدأت في التكاثر. فبعد فترة من التوافق مع الجماعات الإسلامية دخل النظام هذه الحالة الفائقة من القمع والحيطة، حيث تدرك الدولة التحدي الذي يمكن أن يشكله أسلمة المجتمع السوري».

جذبت الحملة التي تشنها الحكومة السورية ضد الإسلاميين الانتباه صيف العام الحالي لدى صدور قرار بمنع الطالبات المنتقبات من التسجيل في الجامعات مقارنة بقرار مماثل في فرنسا. ويبدو أن تلك الخطوة تؤكد على انخفاض التسامح الذي يلاقيه المسلمون المتشددون في الحياة العامة. لكن المسؤولين السوريين يبدون سببا آخر لذلك، فيقولون إن النقاب «غريب على المجتمع السوري».

تشكل الحملة الجديدة عددا من المخاطر التي تواجه الحكومة العلمانية التي خاضت حروبا متكررة وعنيفة مع الإسلاميين في الماضي، لعل أبرزها تلك التي حدثت عام 1982 عندما قام حافظ الأسد بتدمير مدينة حماة خلال مواجهات مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث قتل عشرات الآلاف من الأفراد. وحتى الآن لم يكن هناك أي رد فعل عنيف، لكن أحد الشيوخ الذي أقيل قبل عامين دون إبداء أسباب، أشار إلى أن ذلك ممكن الحدوث.

وقد حاولت الحكومة السورية التودد إلى الإسلاميين المحافظين في الوقت الذي تحركت فيه القوى الغربية لعزل سورية وسط اتهامات بوقوفها خلف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005. فقامت الحكومة بتولية أحد الشيوخ منصب وزير الشؤون الدينية بدلا من أحد أعضاء حزب البعث (الحاكم)، وسمحت للمرة الأولى بإقامة أنشطة دينية على استاد جامعة دمشق.

ومع خروج البلاد من العزلة ركزت على التحديات الداخلية، التي كان من بينها المخاوف من وصول التوتر الطائفي المنتشر في المنطقة إليها - وهي مخاوف متكررة في سورية، ذات الأغلبية السنية التي تحكمها أقلية علوية.

يقول الباحث السوري حسن عباس، إن الحكومة ركزت على المحافظين الذين غذتهم ومكنتهم ثم شعرت بالحاجة إلى كبح جماحهم.

تفاصيل هذه الحملة لا تزال غامضة ولم يخش بعض المسؤولين السوريين من الإعلان عن أهدافها، حتى لوسائل الإعلام الأجنبية. وفي مقابلة مع المذيع التلفزيوني الشهير تشارلي روز طلب من الرئيس السوري بشار الأسد تحديد أكبر التحديات التي تواجهه، فقال: «كيف يمكننا الحفاظ على علمانية المجتمع السوري كما هو الآن؟ التحدي هو الإرهاب في هذه المنطقة».

أشار الأسد في السابق إلى شمال لبنان كمصدر لهذا الإرهاب.

ويقول محمد الهباش، عضو البرلمان السوري، مشيرا إلى المعارك التي شهدتها تلك المنطقة قبل ثلاث سنوات بين قوات الجيش اللبناني وميليشيات «فتح الإسلام»: «إننا لم ننس ما حدث في نهر البارد، لذا فنحن نأخذ الأمور على محمل الجد».

ويوضح شيخ سابق، طلب عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للانتقام من الحكومة، أن الحكومة بدأت هذا المسار المغاير في عام 2008 بإقالة مديري الكثير من الجمعيات الخيرية.

كثفت الحكومة من إجراءاتها خلال الشهور الأخيرة، ففي الربيع الماضي منعت القبيسيات من عقد الندوات في المساجد، بحسب عضوات الطائفة، وفي بداية الصيف الحالي أقيل عدد من المسؤولين البارزين في محافظات سورية لتوجهاتهم الدينية، بحسب محللين سوريين.

بيد أن هناك عددا من التحركات الأخرى التي تؤكد على هشاشة حملة الأسد - وربما ترسل رسائل مختلطة. فالمؤتمر الذي كان مقررا عقده بداية العام الحالي حول العلمانية والذي وافقت عليه الحكومة من قبل، تم إلغاؤه دون سبب.

المشهد الآخر الذي يمكن أن يوصف على أنه امتياز للإسلاميين أو إشارة إلى الراحة التي وصل إليها الإسلاميون، هو تسريبات العام الماضي حول مقترح إعادة كتابة قانون الأحوال الشخصية، والحفاظ على البنود التي تجيز زواج الرجل بالفتيات اللاتي يبلغن 13 عاما. وتحت ضغوط كان من بينها ضغوط الجماعات النسائية رفض المشرعون القانون.

ويضيف هارلينغ: «هناك حدود لما يمكنهم القيام به، فسيحاولون اختبار بعض الأمور لكنهم سيعدلون عنها إذا ساءت الأمور، فسينبئ ذلك عن صعوبة الأمر، حتى بالنسبة إلى نظام علماني في حد ذاته، وبقاؤه مرتبط بالطبيعة العلمانية للمجتمع السوري».

* شاركت مروى محفوظ في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»

=======================

خلفيات وأبعاد حملة حزب الله على الحريري

الشرق الاوسط

5-9-2010

الهدوء الذي قابل به رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الحملة الظالمة والشرسة التي تشن على المحكمة الدولية وعليه، يدعو إلى الإعجاب والتقدير لموقفه الوطني، وكرجل دولة. ولا نظنه سيتخلى لا عن هدوئه ولا عن شعوره بمسؤوليته الوطنية وينجر إلى ما يحاول بعض المعارضين (الحاكمين) جره والبلاد معه إليه، وإن كان، بعد أن اشتدت الحملة عليه، قد قام بزيارة دمشق، وأكد «أن القانون فوق الجميع» و«أن الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن الأمن».

كلا، إن ما حدث في بيروت منذ أيام، ليس حادثا فرديا. وحتى لو لم يكن مخططا له يبقى حدثا خطيرا من حيث حجمه ومعانيه وأبعاده. ولا يخفف من خطورته كونه وقع بين «جماعات متقاربة سياسيا»، كما قال البعض، بل يزيد ذلك من خطورته، إذ إنه يكشف عن أمرين: الأول هو وجود هذه الكمية من الأسلحة والمقاتلين في أحياء بيروت السكنية، والثاني هو الطابع المذهبي الذي ارتداه، والأعمال التخريبية الانتقامية التي رافقته، ومنها إطلاق القنابل على المنازل وإحراق أحد المساجد السنية في البسطا.

وأقل ما يمكن لنواب بيروت وممثليها، ومعظم اللبنانيين معهم، طلبه من «السلطات» هو أن تكون قوى الأمن والجيش أكثر حضورا وجهوزية للتدخل عند حدوث أعمال عنف، واستطرادا إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح. وكم كان رد «البعض» ضحلا في معارضته إبعاد السلاح عن بيروت: «إن إسرائيل يمكن أن تهاجم لبنان والضاحية من البحر ومن بيروت»؟! ولم لا من جونيه والبترون وطرابلس، لتبرير نقل مراكز المقاومة وأسلحتها إلى كل مدن لبنان؟!

وعلى الرغم من «حيرته» بين مراعاة شعور أبناء بيروت وتبنيه لشعارات فريق 8 آذار، فقد أصاب الرئيس سليم الحص صلب الحقيقة حين قال: «إنني أخشى على المقاومة من وجود أو استخدام السلاح في بيروت».

لو أن هذا الذي حدث وقع في فترة استقرار سياسي ووئام وطني، لقلنا مع القائلين إنه عابر، وإن «تبويس اللحى» بين الذين تقاتلوا ينهي الأمر. ولكنه وقع في هذا الجو «المسموم» الذي يستبد باللبنانيين، منذ إعلان حزب الله والمعارضين المتحكمين بالحكم، الحرب على المحكمة الدولية واتهامها بالتبعية للولايات المتحدة ولإسرائيل ومطالبتهم بإلغائها. وهم يعرفون أن قرار إنشائها وإلغائها ليس في يد الحكومة اللبنانية ولا الرئيس سعد الحريري، وأن طمس جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والسياسيين اللبنانيين الآخرين، مسألة ليس من السهولة «بلعها»، لا وطنيا ولا عربيا ولا دوليا. فهل قدر حزب الله ما قد تؤول إليه هذه الحرب التي أعلنها على المحكمة ورئيس الحكومة والدول الكبرى والمجتمع الدولي؟

قد تؤدي هذه الحملة إلى إرجاء صدور القرار الاتهامي، لا سيما إذا أراد المحقق التوسع في تحقيقه على ضوء «القرائن» التي عرضها أمين عام حزب الله، وسلمت إليه عن طريق النيابة العامة اللبنانية. ولقد بات واضحا أن وزراء حزب الله وحلفاءه لن يوافقوا على تسديد الحكومة اللبنانية لحصتها في موازنة المحكمة الدولية، عند استحقاق القسط التالي، وقد ينسحبون من مجلس الوزراء أو يستقيلون، الأمر الذي سيدخل لبنان في أزمة سياسية ووطنية جديدة، لا سيما أنه لا حكومة دستورية في ظل المجلس النيابي الحالي، يرأسها زعيم سياسي سني غير سعد الحريري.

ومما زاد في طين الوضع السياسي بلة، هو ما قيل عن تردد الولايات المتحدة وفرنسا في مد الجيش اللبناني بأسلحة دفاعية متطورة، واستعجال إيران في عرضها تسليح الجيش، مما يطرح أكثر من سؤال حول الاستراتيجية الدفاعية التي ما زالت تحت الدرس على طاولة الحوار، وموقف الدول الكبرى وإسرائيل من لبنان، ومن القرار 1701، إذا أصبحت إيران هي المصدر الأساسي لتسليح الجيش وحزب الله؟!

لا شك في أن هدوء أعصاب الرئيس سعد الحريري ساعد ويساعد كثيرا على عدم تفجير الأزمة التي يعدها البعض، بسبب المحكمة الدولية، وأن «الفتنة» التي يهددون بها تتطلب فريقين مسلحين، لا فريقا واحدا.

وليس في لبنان حزب أو طائفة تحمل السلاح الثقيل غير حزب الله. ولكن من الراهن، أيضا، أن عملية «قضم الحكم» تدريجيا تمهيدا لنقض اتفاق الطائف، ما زالت مستمرة، سرا وعلنا. وأن بناء الدولة وتحقيق الاستقرار في لبنان، وطمأنة اللبنانيين على أرواحهم ومستقبلهم، ليست بأولوية عند جميع اللبنانيين.

كلمة أخيرة: إن زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق تحمل معها نوعا من الاطمئنان نظرا ل«مونة» دمشق على «أصدقائها» في لبنان وفي طليعتهم حزب الله. وإن زيارة الملك عبد الله والرئيس الأسد المشتركة الأخيرة كانت مشجعة على التفاؤل باستقرار الأوضاع السياسية في لبنان. فما الذي حدث، حقا، حتى يفجر حزب الله هذه الحرب على الحكومة والمحكمة الدولية؟ الجواب ليس سهلا تكتيكيا، وإن كان معروفا.. استراتيجيا.

=======================

عودة فلسطينية إلى وهم «اتفاق المبادئ»

بلال الحسن

الشرق الاوسط

5-9-2010

لا نبالغ إذا قلنا إن المفاوضات المباشرة التي بدأت في واشنطن (2/9/2010) بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبرعاية أميركية، ومشاركة عربية (مصر والأردن)، هي أفشل مفاوضات تجري في مطلع القرن الحادي والعشرين. فكل من ذهب إلى واشنطن يعرف أن للمفاوضات أصولها، وأول الأصول أن يكون لهذه المفاوضات مرجعية وهدف، يتم الاستناد إليهما. في هذه المفاوضات لا توجد أية مرجعية، ولا يوجد هدف محدد متفق عليه، بل إن مبدأها الأساسي هو أنها مفاوضات من دون أية شروط مسبقة.

في هذه المفاوضات التي لا مرجعية لها ولا يوجد لها هدف محدد متفق عليه، يستطيع كل طرف أن يقول ما يريد، ويستطيع كل طرف أن يتحدث عن المرجعيات التي يريد، ويستطيع كل طرف أن يحدد المطالب التي يريد، ولكن كل هذا لا يعدو أن يكون كلاما في كلام. نتنياهو يعلن أنه يريد البحث في الأمن أولا، وعلى ضوء مدى الاتفاق في الأمن يحدد موقفه من موضوع الحدود. ويستطيع الرئيس محمود عباس أن يرفض هذا الموقف الإسرائيلي، وأن يطلب انسحابا إسرائيليا إلى حدود 1967، ثم يستمع إلى رفض نتنياهو لهذا المطلب. وبهذا يستطيع كل موقف أن يناقض موقف الطرف الآخر لأنه لا توجد مرجعية تحدد ما إذا كان هذا الطلب منسجما مع المرجعية المعتمدة أم مخالفا لها. وبسبب هذا يسود جو من التشاؤم، ويرجح كثيرون أن المفاوضات ستفشل.

ولكن المفاوضات قد لا تفشل، لأنه حين تغيب المرجعية، وحين يكون هدف المفاوضات ليس محددا، فإن توازن القوى بين الأطراف يصبح هو المرجعية التي تفرض نفسها كأمر واقع، وتوازن القوى يتحدد هنا بأمرين: قوة الاحتلال الإسرائيلي، وقوة الوزن الأميركي. الاحتلال الإسرائيلي هو المسيطر، وهو الذي يستطيع بالتالي أن يقول لا ونعم. والوزن الأميركي ينحاز إلى جانب إسرائيل بالكامل، ويعطي للحلول التي تقترحها إسرائيل قوة الدولة العظمى، التي يتعامل الرئيس عباس معها على أنها قدر لا يمكن رده، ولا بد له من أن يتعامل معه، وإلا سيصبح خارج اللعبة السياسية كلها. ومع أن الرئيس عباس يحاول حتى الآن، وبطريقة يائسة، أن يجعل من القرارات الدولية، ومن خارطة الطريق، ومن بعض الجمل في بيانات اللجنة الدولية الرباعية، مرجعية سياسية له، فإن محاولته هذه لا تلقى قبولا من الأطراف الأخرى، وهي بالتالي مجرد رأي شخصي، يستطيع أن يعلنه وأن يكرره، ولكنه رأي لا وجود «رسميا» له على طاولة المفاوضات، حتى إن الاتحاد الأوروبي، وقد أدرك أن كل وزنه الدولي والسياسي والاقتصادي لم يتم الاعتراف به، ففضل أن يقاطع مفاوضات واشنطن، وألا يكون حاضرا مع الحاضرين في حفل الافتتاح. فالاتحاد الأوروبي يريد دورا سياسيا، بينما ترفض واشنطن وتل أبيب ذلك، ويؤيدانه ممولا فقط لخطط سياسية يحددها الآخرون. وإذا كان هذا هو حال الاتحاد الأوروبي، فإن وضع من يستند إلى مرجعيته (لحفظ ماء الوجه فقط) هو بالضرورة أسوأ من وضعه.

ولنا في تجارب التفاوض العربي - الإسرائيلي خير دليل في توضيح هذا الموقف النقدي من مفاوضات واشنطن؛ ولنبدأ بالمفاوضات المصرية - الإسرائيلية التي أدت إلى اتفاق سلام بينهما، فحتى تلك المفاوضات التي رفضها كثيرون، وأدانها كثيرون، جرت حسب الأصول الدولية للمفاوضات، فإسرائيل لم تكن تسلم بالانسحاب الكامل من سيناء، ورفض السادات أن يذهب إلى المفاوضات إلا بعد أن أعلنت إسرائيل موافقتها على مبدأ الانسحاب الكامل. والمثل الثاني نجده في المفاوضات الإسرائيلية - السورية، فسورية تطلب إقرارا إسرائيليا بالاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان المحتل كشرط لبدء المفاوضات، وحين ترفض إسرائيل تقديم هذا التعهد تتعطل المفاوضات، كما حدث في واشنطن (مفاوضات 1991 - 1993) بعد مؤتمر مدريد، وكما حدث في المفاوضات غير المباشرة التي أدارتها تركيا مؤخرا.

أما في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية الراهنة، فقد رفض نتنياهو تحديد هدف (الانسحاب الكامل)، وقبل الجانب الفلسطيني أن يذهب حسب هذه الصيغة (من دون شروط مسبقة)، ولذلك نقول إن هذه المفاوضات لن تكون إلا مفاوضات عرجاء، لا تحكمها أية مرجعية، وليس معروفا لها أي هدف، وهنا يسود الهدف الوحيد المتبقي؛ ألا وهو توازن القوى، والغلبة هنا في توازن القوى هي للمحتل، وهي للراعي الأميركي غير النزيه المنحاز لإسرائيل وعدوانيتها بشكل أعمى.

ومرة أخرى نقول، إن المفاوضات على الرغم من كل هذا، قد لا تفشل، وإن الطرف الإسرائيلي سيعرض خطته التي تتناسب مع مصالحه ومع عدوانيته، وإن الطرف الأميركي سيضغط في اتجاه قبولها. وهنا سيتقدم الطرف الفلسطيني المفاوض ليضع بصمته.

ماذا يطرح نتنياهو؟

إنه يطرح البدء من نقطة الصفر. ونقطة الصفر تعني إنجاز «اتفاق مبادئ»، ثم يتفاوض الطرفان حول اتفاق المبادئ هذا لعشر سنوات قادمة، وقد أعلنت أميركا موافقتها على هذا التوجه (أعلن ذلك جورج ميتشل في مؤتمره الصحافي مساء يوم 2/9/2010)، وكذلك أعلن الرئيس عباس استعداده لقبول حل مؤقت يجري تطويره مع استمرار المفاوضات.

بهذا الموقف يتم إلغاء تجربة اتفاق أوسلو من أولها إلى آخرها، فاتفاق أوسلو (1993) كان اتفاق مبادئ، وتفاوض الطرفان حوله 17 عاما، ثم وصلا إلى ضرورة صياغة «اتفاق مبادئ» من جديد.

كتب الرئيس المصري حسني مبارك مقالا في جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية («الشرق الأوسط» 1/9/2010)، ودعا إلى نشر قوات دولية في الضفة الغربية كجزء من صيغة الحل. وقد يتحمس البعض لمثل هذا الحل، ولكن السؤال القانوني، والسؤال الدولي، والسؤال العسكري، الذي سيبرز في وجه هذا الاقتراح هو: أين ستتمركز هذه القوات الدولية؟ القانون الدولي يقول إن تمركزها يجب أن يكون عند خط حدود 1967 ليضمن الهدوء بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أما إذا لم تتمركز هناك فلا جدوى منها، ولكن نتنياهو يرفض هذا الاقتراح، ويرفض أكثر من ذلك؛ يرفض البحث في حدود 1967، ولذلك، فإن هذا «الأمل» العربي سيتلاشى أمام مخطط نتنياهو، وأمام الدعم الأميركي له، ولا يبقى سوى «اتفاق المبادئ»، والتفاوض حول اتفاق المبادئ لعشر سنوات قادمة.

يتظاهر كثير من الفلسطينيين ضد هذه المفاوضات التي بدأت في واشنطن، ويتظاهر، حتى، المؤيدون للسلطة الفلسطينية ضدها أيضا. ويقوم فدائيون فلسطينيون بعمليات فدائية ضد الاحتلال، وفي توقيت واضح الهدف والدلالة. والغريب أن السلطة الفلسطينية تعتبر كل ذلك موجها ضدها وليس ضد الاحتلال، فتنشط أكثر من قوات أمن الاحتلال في مطاردة المقاتلين والبحث عنهم. وبهذا يلتقي الانصياع السياسي مع الانصياع الأمني.. فماذا يبقى لهم؟ ماذا يبقى لهم؟

=======================

أيديولوجيا العنف كمأزق بنيوي حضاري

آخر تحديث:الأحد ,05/09/2010

محمد خليفة

الخليج

بالرغم من مرور عام ونصف العام على تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئاسة، إلا أنه لم يعد أحد يعلم متى سيعود الأمن والاستقرار إلى العراق وأفغانستان وفلسطين وتتوقف أحداث العنف الدامية التي تحصد الأرواح من المدنيين والجنود، وتنتهي فوضى القيم والمعايير التي لم يشهد لها التاريخ الإنساني مثيلاً من قبل، عاكسة فشل وإخفاق المنظومات الفكرية المعاصرة وانحرافها عن السياق الحضاري للواقع والتجربة البشرية المعتمدة على تلك الأفكار .

 

وكان الفيلسوف ايمانويل مونييه قد دان الفوضى السياسية والاجتماعية للعالم بسبب النزعة الفردية ال “إنديفيديواليزم” القائمة على طلاق الروح مع المادة وفصل الإنسان عن جذوره الروحية بعد إحلال الطبقة المادية التي تقدس القوة وتنبذ القيم الروحية . وتعتبرها بمثابة إهانة للعقل، وإنكاراً للقيمة الخاصة بالحياة، والطغيان على النفوس في ظل العيش على تراكمات الماضي وموروثاته، بالرغم من أن الماضي لا يمكن تغييره، وهذا حق من ناحية مادية تاريخية، فهو مولج في الحاضر وسط العنف المتصاعد والفائق على نحو يكاد يعيد البشرية إلى العصور الوسطى، عندما كان العقل الإنساني مستعبدا لسلطة خارجة عنه فلا يملك حرية التفكير إلا في النطاق الذي حدده النقل من حيث إن ثمة أموراً لا يليق بالعقل الخوض فيها لأنها من خصائص الإيمان .

 

واليوم أصحاب البرهان الكوسمولوجي الذين ينشرون التطرف يريدون تجسيد تصورات صور العصور الماضية بهدف الإطاحة بمنجزات الحضارة وإشعال الفتن والصراعات بين القيم ومنطق الحداثة باعتبار أن تاريخ الأمة العربية والإسلامية هو التاريخ الشامل لجميع المفاهيم المنفردة عبر العصور في ضوء الظروف التاريخية، ومن منطلق ديالكتيكي انفعالي المنحل بين الذاتية والعدل الأستاتيكي مناقضين بذلك منحى التاريخ السياسي وتاريخ الأفكار وغير ذلك من صنوف الدراسات التاريخية للأمم الأخرى، والتي تؤكد وحدة النظم الفكرية في تطورات القيم الإنسانية الأساسية كافة في المجتمعات المدنية منها الفضائل المتعلقة بالملكات العقلية في الإنسان والحكمة الأخلاقية وعلى رأسها الفضائل الأصلية، الشجاعة والعدل، ونبالة النفس والواجبات من حيث الذوات التي تجاهها تكون الواجبات وتجاه الغير وواجبات تجاه الذات ودور الضمير الاجتماعي في تكون المعايير الأخلاقية والعدل الديناميكي والعدالة التعويضية، أي احترام الحق والصدق والوفاء بالوعود والتعهدات والعقود والعدالة التوزيعية التي تنظم العلاقات بين المجتمع والمساواة أمام القانون من الحقوق الأساسية في المجتمعات .

 

ويعتقد بعض الإسلامين أنهم يمتلكون الحق الكامل والفضيلة التامة من دون غيرهم في هذا العالم، في حين يمارسون الإقصاء والتفكيك المنسوج من كل الحواجز وكل المواقع، فيتغاضون عن مساوئ الماضي وبالأخص في القيم الأخلاقية التي تتضمن الفعل في الواقع الموضوعي ما جعل الأمة الإسلامية تسير في اتجاه مضاد لحركة التاريخ . وكان سقوط الخلافة العثمانية التي استمرت في حكم العالم الإسلامي على مدى 625 عاماً بمثابة الهزيمة للمسلمين، وبعد ذلك أدى قصور المشروع القومي إلى طرح المشروع القطري كبديل والذي أوقف نمو المشروع القومي وضرب امتداداته الإقليمية، في حين حملت الدول المستقلة من الاستعمار في تكوينها كافة عناصر التطرف الاستعماري وتراكمات الحكم العربي والبنية الهرمية الجماعية المهيمنة على الفردية . فحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 كرست الأوتوقراطية (الاستبدادية) العربية ورسخت الثيوقراطية (الحكومة الدينية)، وأما حرب لبنان الأهلية والحرب العراقية - الإيرانية فقد جعلتا الروح الوطنية القومية تتراجع لمصلحة الطائفية والمذهبية .

 

كما شهد عقد السبعينات أكبر انتكاسة للمشروع الوطني القومي من خلال معاهدة كامب ديفيد، وفي جو الإحباط وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، كان طبيعياً أن تجد دعوة التيارات المتطرفة أذاناً صاغية في بعض الدول العربية حيث أصبح الجو مهيأ لها، ما جعل الخطاب الديني المتطرف هو المسموع على الساحة . كما أن بنية الدولة العربية الحديثة هي التي سمحت لكافة أنواع المعارضة المتطرفة بأن تحتوي الأوتوقراطية والثيوقراطية، وكانت بعض الدول العربية تبرر التعامل مع مختلف التيارات السائدة، ولم يكن بمقدورها التخلي عن طلب الشرعية الدينية، ومن هنا اكتسبت التيارات المتطرفة شرعيتها المزيفة من الثورة الثقافية الدينية لملء المسافة بين الدولة والمجتمع، وأصبحت أقنعتها الأيديولوجية وطنية أو قومية أو دينية ما أدى إلى تقرير الخاصية أنه ليس للقيمة وجود مستقل، لأن القيمة المطلقة تبقى وستبقى نهائياً بالنسبة إلى التجربة الإنسانية، فوق القيمة الأخلاقية، ومثلاً أعلى وشرطاً فوق الأرض تتكرس فيه كل القيم مباشرة للأخلاقية، وقد صارت قداسة مطلقة . إن العوز الابستمولوجي (المعرفي) يتمثل في انعدام القدرة على الاقتناع بأن سمة الفكر هي الانتشارية والعالمية .

 

فكل محاولة لتحليل ظاهرة الدين تحليلاً علمياً، هي محاولة مرفوضة أصلاً من طرف الأصولين في جميع الطوائف والأديان لأنها في نظرهم تقليد للحضارة الغربية، فهم لا يدركون حضور الغرب السياسي والفكري والتقني في الحاضر، فللغرب قيمه المتطورة، ومن الغرابة عدم التسليم اليوم بإيجابية المكتسبات الحضارية الغربية في العلم والتقنية والفلسفة . فالحضارة الغربية تمهد منذ زمن لاحتضان الإنسان الأرقى . ولكن نتيجة المواقف السياسية لبعض السياسيين الغربيين، وما تنتهجه بعض الدول من سياسات ساهمت في الفتنة والشر ونمّت شعوراً بالسخط والتوتر وأدت إلى هذا الواقع المعادي والعنف من بعض الفرق الدينية على العكس ما جاء به الإسلام عندما نادى بإخرج البشر من الظلمات إلى النور، فهو دين لا يقبل الانحطاط ولا يستعدي التقدم والعالمية بكل مفاهيمها، بل دعا إلى إقامة مجتمع إنساني عالمي، ولهذا فلا ينبغي أن يخشوا العالم المعاصر بل عليهم أن يشاركوا في التفاعل مع معطياته كالديمقراطية وحرية التعبير وحرية الاختيار وكل حقوق الإنسان المنسجمة مع العقل .

 

وكل هذه المبادئ لا يمكن أن تكون إلا إنسانية ومن نصيب كل البشر في العالم الذي أصبح شاشة الكترونية صغيرة، بحيث تصبح الحضارة الإنسانية الحديثة حضارة العالم من دون مركزية من خلال التفاعل الحر المشروط بالاستقلالية الوطنية والمشاركة الإنسانية، ويتم بناء الذات في إطار من الاتصال والتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل وبين المكان الذي نعيش فيه والبشر في كل الأمكنة، مثلما عاشت الحضارة العربية الإسلامية أزهى عصورها وتقدمها حين تواصلت مع الحضارات الأخرى واستوعبت التراث الحضاري وأدخلته في دائرة التجديد والاستمرارية بالإرادة الإنسانية وإعمال العقل وحرية التفكير، وقدمت للإنسانية جلائل الأعمال، وما كانوا ليقدموا تلك الإسهامات لولا فهمهم للآخر ولمعطياته اللغوية والدينية والأخلاقية والقانونية .

 

وهذا يتطلب من العالم العربي والإسلامي الوقوف مع التاريخ وقفة الدارس لمعرفة المعاني الرئيسية في الأخلاق وسبر أغوار المنظومات الفكرية وجذورها العقدية والفلسفية التي تحرك العقل وتدفعه باتجاه التطوير والتغيير في كافة المجالات السياسية والثقافية والعلمية حتى تعيد الأمة العربية أمجادها والصعود بها إلى مستوى الأمم المتقدمة .

=======================

فرصة السلام الأخيرة

آخر تحديث:الأحد ,05/09/2010

ناجي صادق شراب

الخليج

مع الإعلان عن استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” في واشنطن، تبقى هناك العديد من التحديات والعقبات التي قد تحول دون تحقيق أي تقدم، من ذلك دور حركة حماس وموقفها وكيفية التعامل معها في إطار هذه الاستراتيجية التفاوضية الشاملة، فالقاعدة الرئيسة هنا أنه قد يكون من الصعب تحقيق تقدم في التسوية في جانبها الفلسطيني “الإسرائيلي” من دون مشاركة حركة حماس، وعلى المستوى الاقليمي لا يمكن تصور نجاح هذه المفاوضات من دون محادثات سلام على الجانب السوري “الإسرائيلي”، ولا جدال في أهمية المسار السوري وتحقيق تقدم فيه، لما لسوريا من دور مؤثر في القوى الفاعلة الجديدة وخصوصاً حماس، وتحكمها الى حد كبير في خيار السلام من عدمه . وفي الوقت ذاته هناك التحدي الأكبر من جانب “إسرائيل” في ظل حكومة يمينية متشددة يشارك فيها حزب “بيتنا” بقيادة ليبرمان وموقفها من استمرار الاستيطان الذي قد ينسف أي مفاوضات حتى بعد استئنافها، ولا ننسى احتمالات العنف وتجدده، وعليه من دون رؤية استراتيجية شاملة من قبل الراعي الرئيس الولايات المتحدة لكل القضايا الإقليمية وموقع القضية الفلسطينية منها، قد يصعب التنبؤ بعملية تفاوضية ناجحة هذه المرة . ومنذ البداية تتوقف هذه العملية على الدور الأمريكي ودور الأطراف الأخرى الداعمة لعملية سلام ومفاوضات بين الفلسطينيين و”الاسرائيليين”، فلا ينبغي حصر هذا الدور في المسائل الشكلية والاجرائية، بل لابد من تدخل قوي وفاعل ومتوازن، واضعة نصب أعينها أولاً إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” والعمل سريعاً لقيام الدولة الفلسطينية، التي قد يشكل قيامها الضمانه الحقيقية لاستمرار المفاوضات وقدرتها على مواجهة كل العقبات التي قد تعترض مسيرتها . وفي ظل المعطيات القائمة والتطورات الاقليمية التي تشهدها المنطقة يمكن القول إن هناك فرصة تلوح في سماء المنطقة، وهذه المرة قد تكون الفرصة الأخيرة لجميع الأطراف وخصوصاً “إسرائيل”، لكن هذه المرة هي فرصة السلام الأخيرة للجميع، والتي إن لم تتحقق فسيكون البديل خيار الحرب والعنف والتشدد والتطرف الذي قد يأخذ المنطقة بأسرها، ومصالح الولايات المتحدة والدول الأخرى إلى الخطر الحقيقي، وسيكون من الصعب على الجميع الخروج منها قبل حقبة زمنية طويلة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بتداعياتها وتأثيراتها في مستقبل دول وأنظمة الحكم فيها . فالمفاوضات تأتي هذه المرة في ظل تحولات في موازين القوى التي تحكم علاقات المنطقة بغيرها من الدول، والتي تحكم أيضا المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وتأتي أيضاً في ظل بروز فواعل إقليمية جديدة لا يمكن تجاهل دورها كحركة حماس وحزب الله . والذي قد يبعث على قدر بسيط من التفاؤل أن هناك فرصة للسلام مع القيادة الفلسطينية التي يمثلها الرئيس عباس والذي يجعل من خيار المفاوضات خياره الرئيس، وصحيح أن حالة الانقسام السياسي الفلسطيني ستلقي بظلالها على الموقف الفلسطيني لكنها لا تمنع من الذهاب إلى المفاوضات، والفرصة الأخرى بالإدارة الأمريكية الجديدة وعزم الرئيس أوباما حتى الآن على قيام الدولة الفلسطينية والاقتراب من تسوية القضية الفلسطينية، ولا شك أن هناك موقفاً عربياً داعماً، وخصوصاً إذا ما دخلت سوريا في عملية تفاوض حقيقية، لكن يبقى مستقبل هذه العملية التفاوضية رهن “إسرائيل” وخياراتها في ظل حكومة يمينية يترأسها نتنياهو وائتلافه الداعم والمتبني للاستيطان في الأراضى الفلسطينية ولو على حساب أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وإصرار “إسرائيل” التمسك بالمبررات الأمنية، وبمفاهيم تقليدية تحكمها رؤية أيديولوجية متعصبة، وتلويحها بخيار الحرب في معالجة الملف النووي الإيراني، والتخوف من ذهاب الحكومة “الإسرائيلية” في حال وجدت نفسها في مأزق المفاوضات والسلام إلى خيار الانتخابات المبكرة حتى تعيد مسيرة التفاوض من حيث بدأت، وهنا يأتي الدور الأمريكي، وتوظيف واشنطن علاقاتها الاسترايجية مع “إسرائيل” للضغط الفاعل عليها .

 

وعليه فلم تعد هذه هي فرصة السلام الأخيرة للفلسطينيين بل قد تكون فرصة السلام الأخيرة ل “إسرائيل”، ومعها الولايات المتحدة التي لها مصلحة مباشرة في تسوية هذا الصراع وقيام الدولة الفلسطينية، والتي بات قيامها مصلحة للجميع بما فيهم “إسرائيل” . هذه الفرصة الأخيرة كي تتحول إلى حقيقة واقعة تحتاج إلى رؤية سياسية شاملة لكل قضايا المنطقة وإلى دور أمريكي قوي وفاعل .

=======================

محادثات الشرق الأوسط.. عودة إلى المستقبل

صحيفة «غارديان» البريطانية

الرأي الاردنية

5-9-2010

يتعين على الرئيس الأميركي باراك أوباما الدفع نحو تسوية عادلة بالنسبة للفلسطينيين إذا كانت هناك نية لحلّ عقدة الضجر والتعنّت.

 

لقد شهد العالم هذا الوضع من قبل. ومجدداً، يخوض الفلسطينيون والإسرائيليون غمار محادثات تهدف إلى الاتفاق على حلّ الدولتين، الذي بدا لسنوات عدة النموذج البارز، وفي الحقيقة النموذج الوحيد لتحقيق السلام.

 

ومجدداً، استُدعيت الدول العربية من أجل تقديم ما في وسعها للمساعدة، ومجدداً، يضع الرئيس الأميركي مكانته على المحك، أملاً في أن تسفر الضغوط الأميركية على كلا الجانبين عن توازن. ومجدداً، تتضاءل التوقعات.

 

التفاؤل الذي ساد عملية السلام في أوسلو بشكل مضلل ومتقطع هو بمثابة ذكرى بعيدة. اجتمعت الأطراف على طاولة المفاوضات في واشنطن أخيراً، وسط مناخ نفسي يجمع الضجر والتعنت والتبرم واليأس. الزعيمان ضعيفان. خسر الرئيس الفلسطيني محمود عباس غزة لصالح حركة حماس، التي تعارض المحادثات وأيضاً تحتفظ بوضعها كقوة في الضفة الغربية، وهي الحقيقة التي أظهرتها خلال هجومها على سيارة مستوطن إسرائيلي أخيراً.

 

وعلى الرغم من ذلك تظل الحياة في الضفة الغربية أكثر أماناً، ويتمتع اقتصادها بحيوية أكبر مما كان عليه منذ وقت طويل.. يمكن لعباس أن يعوّل على دعم شعبي محدود للمفاوضات. وما يمكن أن يقدمه، أو بشكل أكثر دقّة، ما يستطيع تقديمه ويظل في موقع المسؤولية، يعد أمراً بعيداً عن الوضوح.

 

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لديه إدراك بعيد عن الوضوح، بأن السياسات المدفوعة بالاستيطان في الماضي أثبتت أنها ليست قابلة للتطبيق، ولديه طموح متنامٍ إلى أن يكون الزعيم الإسرائيلي الذي يتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذي استعصى على آخرين.

 

ولكنه لم يُبد استعداداً لتقديم تنازلات حقيقية، وتذبذب ما بين خوفه من مؤيديه القدامى في لوبي الاستيطان والقلق من إبعاد الولايات المتحدة، وهي وصفة للمراوغة والمماطلة. وبالنسبة لوزير دفاعه إيهود باراك، الذي يتحمل قدراً كبيراً، رغم أنه ليس وحيداً في هذا الصدد، من المسؤولية عن فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، والذي ربما يكون قد تعلم بعض الدروس، كان يتحدث أخيراً عن الحاجة إلى تقسيم القدس مع الفلسطينيين.

 

ربما يكون ذلك مؤشراً طيباً، ولكن من الصعب الاعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية، إذا ما تُركت وشأنها، سوف يكون بوسعها التخلي عن النموذج المألوف لطلب أكثر مما ينبغي في مقابل تقديم أقل مما ينبغي، الأمر الذي أفسد المفاوضات في الماضي.

 

لذلك فالأمر في النهاية يعتمد على ما يمكن أن يقوم به أوباما. والمسألة ليست فقط ما إذا كان لدى أوباما الإرادة والاستعداد للمخاطرة بالرصيد السياسي المطلوب من أجل دفع الأطراف تجاه التسوية.

 

وإنما المسألة متعلقة بما إذا كان لديه الإرادة للدفع من أجل تسوية عادلة، أو على الأقل شبه عادل بالنسبة للفلسطينيين. والإغراء بالضغط بشكل مكثف على الطرف الأضعف هو على الدوام أمر تصعب مقاومته، ولكن إذا لم تتم مقاومته، فإن أي تسوية يتم التوصل إليها لن تدوم لأمد طويل.

=======================

متطلبات التنمية المستدامة

بقلم :فاطمة الصايغ

البيان

5-9-2010

تعد دولة الإمارات واحدة من أحرص الدول على الأخذ بكل الأساليب الحديثة التي تساير متطلبات التنمية المستدامة، بما فيها من خطط وبرامج ومناهج بحيث تخدم الواقع المحلي والعربي.

 

ومصطلح التنمية المستدامة يعني أنها تلك العملية التنموية التي لا تتوقف عند مرحلة بعينها وإنما تواكب المتغيرات المجتمعية الحاصلة وتسايرها بكل ما تتطلبه كل مرحلة من مستجدات ومتغيرات، بحيث تتم الاستفادة القصوى من كل البرامج والخطط.

 

والتنمية لا تعني جانباً واحداً وإنما كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث تنعكس كل تلك الجوانب على الحياة الحضارية والفكرية وتصب جميعها في خانة واحدة تخدم المجتمع وترتقي به.

 

ولذا حرصت دولة الإمارات منذ تأسيسها على تبني البرامج والخطط التي يحتاجها مجتمعنا وتواكب تلك المتغيرات الحاصلة في محيطه الإقليمي والعربي. ولكن هذا لا يعني عدم وجود خطط طموحة خاصة بمجتمعنا، بحكم أن مجتمعنا مجتمع شاب يتميز بخصوصية ثقافية وإثنية معينة ومن حقه أن يحلم للوصول إلى أعلى المراتب.

 

بعض الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي نفذت واستفاد منها المجتمع هي خطط من واقع مجتمعنا، وهي خطط مطبقة حاليا وناجحة لأنها مدروسة بعناية، ولذا فهي مستدامة وسوف تعطي ثمارها مستقبلاً، ولكن هناك خطط وبرامج تظل عبارة عن أمنيات صعبة التحقيق لأنها وببساطة إما أنها غير مدروسة بعناية وإما أنها وضعت على عجل وبدون تنسيق، ولذا بقيت على مر السنين حبراً على ورق.

 

من تلك الخطط والاستراتيجيات التي سمعنا عنها في حينها ثم انتهت هي استراتيجية «العقد الثقافي العربي» وهي خطة بدأت في العام 2006 والمفروض أنها تبقى لغاية 2016 وتبقى حية في ذاكرة الإعلام الثقافي على أقل تقدير.

 

لقد كانت مبادرة متميزة ولو طبقت بكل ما جاء فيها من توصيات لأنها سوف تغني الساحة الثقافية العربية والمحلية، وتخلق نوعاً من التواصل الثقافي العربي  العربي. وعلى الرغم من الضجة التي أحاطت بإطلاق العقد الثقافي العربي في حينه إلا أن هذه الضجة والاحتفالات انتهت ما إن انتهى عام 2006 ولم نعد نسمع عنها شيئاً منذ تلك الفترة. وهذا يعني إما غياب التنسيق بين الجهات المعنية وإما أنها كانت احتفالات وقتية طالت الحدث آنذاك وانتهت بانتهائه.

 

من ناحية أخرى فإن التنمية بشكل عام والمستدامة خصوصا لا تعني نسف كل الخطط السابقة والإتيان بالجديد الذي لا يعني دائما أنه الأفضل. فالخطط والبرامج والاستراتيجيات القديمة فيها الكثير من الايجابيات أحيانا وربما تتفوق على المعدلة أو الجديدة في الكثير من الأحيان.

 

فمثلاً بعض أساليب ومناهج التربية والتعليم القديمة تحمل الكثير من القيم المتميزة والايجابيات العديدة. فالجميع يتذكر مثلًا، أيام الدراسة عندما كان طابور المدرسة يبدأ بالتمارين الرياضية لم يكن يوجد طالب بدين أو طالبة بدينة.

 

ولكن إلغاء التمارين المدرسية بالإضافة بالطبع إلى أساليب الحياة الحديثة، هو الذي جعل اليوم حوالي نصف طلبة المدارس بدناء. وما ينطبق على طابور الصباح ينطبق على المناهج التعليمية المعدلة. فقد مرت المناهج بغربلة ولكن هل تفكير وقدرة أبنائنا على التفكير والتحليل اليوم أفضل من ذي قبل؟

 

إن التنمية لا تعني دوما الجديد ولكن القدرة على الاستفادة وتنمية كل المصادر المتوفرة لدينا واستخدامها الاستخدام الأمثل. كما أن هناك أحيانا فهما خاطئا للتنمية عموما وللتنمية المستدامة بوجه خاص.

 

حيث يتم التركيز في مصطلح التنمية على البناء المادي وإغفال مجالات الحياة الأخرى وعلى رأسها بناء الإنسان باعتبار أنه وسيلة التنمية وغايتها في كل الأوقات.

 

من ناحية أخرى، فإن فمهموم التنمية ليس مقصورا على دور الأنظمة والحكومات، بل يشمل دور الهيئات ومؤسسات النفع العام والأفراد. ولكن في دولتنا، مثل باقي مجتمعات الرفاه، تظل الدولة هي المسؤولة عن التخطيط وضع الاستراتيجيات التي توفر الخدمات وتضمن شموليتها لكل مواطن على أساس تحقيق الرفاهية للأفراد والجماعات والمجتمع على أسس من العدالة الاجتماعية، وبالتالي تمهد الطريق أمام صناعة المستقبل للأجيال القادمة.

 

إن إشراك كل من مؤسسات المجتمع المدني والمواطن في وضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية هو في مصلحة المجتمع والفرد معا. ومن الواضح أن دولة الإمارات تبدو حريصة كل الحرص على أن تكون التنمية مستدامة وعلى الأخذ بها كعملية كاملة غير مجزءة. فالدولة تدرك مثلًا، أنه لن تقوم تنمية اقتصادية ناجحة دون تنمية اجتماعية وثقافية مواكبة.

 

كما تدرك أيضا أهمية دراسة كل البرامج والخطط والاستراتيجيات جيدا قبل تطبيقها؛ لأنها سوف تخدم في النهاية الإنسان الذي هو هدف كل خطط التنمية المستدامة. وما لم تكن هناك خطط مواكبة للمتغيرات الاجتماعية الحاصلة فلن تكون النتيجة ناجحة.

 

ولكن في خضم انشغالنا بالتنمية يجب أن نكون حريصين ومنتبهين إلى حقيقة مهمة وهي أنه ليس كل تغير هو تنمية. لذا فإن الفهم الجيد لمفهوم «التنمية» سوف يساهم إلى حد كبير في تطبيق كافة الخطط والاستراتيجيات الموضوعة على الطاولة.

 

كما أن دراسة الخطط والبرامج والاستراتيجيات بعناية فائقة قبل تطبيقها للتأكد من ملاءمتها لواقعنا هو هدف يجب أن يضعه صناع القرار أمام أعينهم حتى لا يتم هدر المال والوقت في انتظار نتائج لن تتحقق.

 

إن للتنمية المستدامة متطلبات وشروطاً من الضروري الالتزام بها حتى تكون العملية تامة وغير مبتسرة. فمن غير المنطقي تبني خططاً لا تلائم واقعنا المحلي والإقليمي والعربي، ومن غير المنطقي أيضا مسايرة الغير في بعض البرامج والاستراتيجيات التي يثبت فشلها في النهاية. إن التنمية المستدامة هي تلك التي تؤتي بثمارها كاملة غير منقوصة وتنعكس إيجابا على البناء المادي والبشري لمجتمعنا.

جامعة الإمارات

=======================

تحقيق السلام مرتبط بالقدرة والرغبة في انهاء الاحتلال

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

5-9-2010

تعكس خطابات الافتتاح في المفاوضات عادة نوايا المتفاوضين وشيء من التفاؤل والامل, لكنها عادة تكون موجهة للرأي العام في البلدان المعنية والعالم.

 

اما المفاوضات فشيء آخر فهي تعكس المطالب الحقيقية والمطالب التاريخية والاطماع والمخاوف المبالغ فيها وتعكس ايضاً ميزان القوة لدى الاطراف المتفاوضة.

 

يعتمد خطاب الفلسطينيين على الشرعية الدولية والاجماع الدولي والمرجعيات العربية والدولية ومساعي الولايات المتحدة وهم لا يريدون للمفاوضات ان تبدأ من الصفر, ولا ان يتم تجاهل القضايا الاساسية كالقدس والمستوطنات واللاجئين والحدود والمياه وتحقيق السيادة والدولة الفلسطينية في اقرب صيغة لحدود عام 1967.

 

اما الاسرائيليون فيدفعون بقضايا الامن ليكون الامن الموضوع الرئيسي الذي تقاس به نتيجة أي موضوع من الموضوعات المطروحة وتحت عنوان الامن يريدون تثبيت التوسع الاستيطاني, وتضييق حدود السيادة الفلسطينية وفرض امر واقع لا يمكن تجاوزه بضمان حضور دائم لنقاط استيطانية واخرى عسكرية تجعل من المستحيل على أي وضع ينشأ في الضفة الغربية تهديداً لاسرائيل او فتح المجال لقوى اخرى من المنطقة لتهديد اسرائيل.

 

والحقيقة السياسية الدامغة للتشجيع على المفاوضات المباشرة أن العالم الغربي الذي يمثل الاستعمار القديم ومعه الولايات المتحدة التي تمثل الهيمنة الدولية في الشرق الاوسط والعالم, قد بدآ بتبني نظرة جديدة تجاه الصراع في الشرق الاوسط, اذ لم تعد اسرائيل العامل الوحيد في حسابات المصالح الغربية في الشرق الاوسط ولا النفط بعد أن اصبح الامن الدولي على المحك, منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر, وتولدت في الغرب قناعة واضحة حاولت اسرائيل طمسها وهي أن لب الصراع التاريخي والديني والسياسي والعسكري في المنطقة ينبع من القضية الفلسطينية وتجاهل اسرائيل لحقوق الفلسطينيين والعرب وتمادي اسرائيل في إحداث تغييرات على الارض في فلسطين, تمنع حل الصراع او تلبية حقوق الشعب الفلسطيني فضلاً عن الاثار الخطرة لحروبها على شعوب المنطقة.

 

فلم تعد اسرائيل وحدها تدفع ثمن الصراع, فالغرب بدأ يدفع معها ثمن هذا الصراع من امنه ومصالحه ايضاً.

 

ولم تعد المسألة مقتصرة على ضمان امن ومصالح اسرائيل ووجودها بالدعم المطلق لها, بل بالخوف على أمن ومصالح دول الغرب وصون الامن الدولي, لأن هذا الصراع مولّد لصراعات اخرى دينية وسياسية واقليمية, ترتكز على ما يحدث في المنطقة من مظالم وصراعات.

 

كما ان ما يسمى الارهاب اصبح حقيقة آخذة في التوسع والاضرار بالمصالح العليا لدول الغرب في ظل اهمال الحل في الشرق الاوسط اصبح ايضا حقيقة واقعية.

 

فالولايات المتحدة راعية المفاوضات تتعامل مع صراع يشحن العداء تجاه سياساتها وجنودها ومصالحها القومية من افغانستان وباكستان الى تخوم فلسطين ومن مشارق العالم الاسلامي الى مغاربه، وتلك حقيقة لا يمكن تجاهلها او القفز عليها للحفاظ على مكاسب الاحتلال الاسرائيلي، فهذا الفهم الجديد لمجريات الاحداث ادى الى وضع اربعين عاما ونيف من الاحتلال الاسرائيلي والقمع المسلح والحروب الاسرائيلية والحروب الاقليمية المتكررة تحت المجهر الدولي، فغزو العراق كان جزءاً من اساليب حماية اسرائيل عن طريق احداث الفوضى والدمار في الساحة العربية، والثمن الباهض لهذه الحرب دفعه العراقيون والعرب والشعب الاميركي.

 

لكن هذا الغزو استدرج خطرا اكبر من ايران قد يؤدي الى التورط في حرب اقليمية اشد ضراوة.

 

والحرب على لبنان والحرب على غزة كشفتا عقم سياسات الحرب الاسرائيلية وان اسرائيل قادرة على احداث الدمار بالحرب ولكنها غير قادرة على حسم الصراع بالوسائل العسكرية، وان ما تفعله اسرائيل يتناقض مع جميع المبادئ والقيم التي ينادي بها الغرب، فصورة اسرائيل في العالم بدأت تتغير وهذا بحد ذاته خطر لا يمكن تجاهله لان تداعياته قد تعزل اسرائيل وتضعف موقف حلفائها في الساحة الدولية، نتيجة صحوة الرأي العام الدولي على حقيقة ما تمثله اسرائيل في المنطقة والعالم.

 

لقد اشار نتنياهو الى جانب من هذه الحقيقة في خطابه الافتتاحي فالصراعات تتوالد في المنطقة وقوى جديدة تصعد والخطر يزداد ولا يتلاشى ويقصُد ايران وحلفاءها.

 

ان اسباب الصراع متوفرة ومتجذرة لدى الطرفين والرغبة في السلام لم تكن يوما اقوى مما هي عليه لدى العرب ولدى المجتمع الدولي ومفتاح السلام بيد اسرائيل المحتلة، والطريقة التي تنظر بها الى مستقبلها في المنطقة والعبر التي استخلصتها من الصراعات المتوالية والمنظار الذي ستنظر من خلاله لمستقبلها في المنطقة.

 

فاسرائيل لن تقوى على كبح العالم العربي والاسلامي الى الابد بالقوة ولكنها تستطيع ان تتعايش معهما، بالسلام والتفاهم والاعتراف بالحقوق والحصول على القبول والاعتراف والعلاقات الطبيعية بالمقابل.

 

السؤال هل تقوى اسرائيل على ذلك، في ظل حكومة هي الاشد تطرفا في تاريخها السياسي، هذا ما ستجيب عليه نتائج المفاوضات التي نتمنى لها النجاح، رغم جميع المخاوف التي تحيط بها.

=======================

الضغط على إسرائيل.. مفتاح الحل العادل

أحمد الطيبي (عضو عربي في البرلمان الإسرائيلي)

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

5-9-2010

من المؤسف أن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت الأسبوع الماضي يشارك فيها رئيس وزراء إسرائيلي سبق أن أعلن عدم رغبته في التوصل لحل منصف يقوم على مبدأ الدولتين.

 فقبل تسع سنوات، سُجل لنتنياهو خلسة في مستوطنة عوفرا بالضفة الغربية وهو يعبِّر عن رأيه في اتفاقات أوسلو، وقال: «لقد سألوني قبل الانتخابات حول ما إن كنت سأطبق (الاتفاقات) فقلتُ إنني سأفعل، لكن... سأقوم بتأويلها على نحو يسمح لي بوضع حد لهذا التقدم إلى حدود 1967». والنتيجة حسب نتنياهو «أنني أضع نهاية فعلية لأوسلو».

والواقع أن هذا النوع من الخطاب ينسجم مع أفعال نتنياهو عندما كان رئيساً للوزراء في أواخر التسعينيات؛ حيث قام، عندما تحداه حينها الرئيس السابق كلينتون من أجل تحقيق السلام، بقلب مفاوضات أوسلو عبر استغلال كل ثغرة يمكن العثور عليها. لم يدخل المفاوضات بحسن نية حينها، مثلما أنه لا يدخلها بحسن نية اليوم؛ وإذا استطاع أن يحرف المفاوضات عن سكتها، فسيفعل. والأكيد أن وزيرة الخارجية الأميركية تعرف ماضيه. لكني لست الوحيد الذي ينتابه التشاؤم. بل إن معظم الفلسطينيين كذلك. على أن الشباب بصفة خاصة تعرضوا للخيانة، حيث نشأ جيل من الفلسطينيين بكامله وهو يرى المفاوضات تفشل، والاحتلال يتعمق.

ومن أجل النجاح هذه المرة، يتعين على المجتمع الدولي، والولايات المتحدة خاصة، الضغط على نتنياهو. والحال أن أوباما، ورغم البداية الجيدة لولايته الرئاسية، فإنه أمضى الأشهر القليلة الماضية في الامتثال لمطالب اليمين الإسرائيلي، حيث يشير خطابه وأفعاله الأخيرة إلى أنه يفتقر إلى الشجاعة للوقوف في وجه نتنياهو. ثم إنه في حال قام على نحو غير متوقع بتحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي حول المستوطنات، مثلما فعل في بداية رئاسته، فسيتعرض للانتقاد من قبل أعضاء الكونجرس الذين لا يتسامحون مع معارضة السياسة الإسرائيلية.

لكن الأرجح أن تنهار المفاوضات المباشرة، حيث كتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رسالة إلى أوباما يقول فيها إن استئناف النشاط الاستيطاني سيحكم على هذه المفاوضات بالفشل. وكان عباس واضحا إذ قال: «إذا استأنفت إسرائيل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، فإننا لا يمكن أن نستمر في المفاوضات».

وعلاوة على ذلك، فإن الجناح اليميني لنتنياهو مازال يؤكد تصميمه على العودة إلى احتلال الضفة الغربية؛ حيث أعلن وزير البنى التحتية أوزي لاندو تأييده لاستئناف البناء الاستيطاني بعد تعليق مؤقت هذا الشهر، وقال «إن الجميع سيبني مثلما يريد ويحتاج». وبالتالي فما لم يقف نتنياهو في وجه قاعدته ويمدد تعليق النشاط الاستيطاني، فإن المفاوضات المباشرة ستتوقف.

وعلى افتراض فشل المفاوضات، فإن نتنياهو سيلقي بالمسؤولية على عناد المفاوضين الفلسطينيين أو الخطاب الفلسطيني أو المقاومة الفلسطينية العنيفة لعقود من محاولات الإخضاع والقهر. وسيفوز هو وموقفه التوسعي على المدى القصير. لكن ماذا سيحدث غداً عندما تمتلئ الضفة الغربية والقدس الشرقية بالمستوطنات لدرجة أنه لن يجرأ أي زعيم إسرائيلي على إخراج المستوطنين من المستوطنات غير القانونية؟ عندئذ ستندم إسرائيل على اليوم الذي ضيعت فيه الفرصة للتفاوض حول حل الدولتين، لأن هذه الإمكانية لن تظل متاحة للأبد.

ومن أجل مفاوضات ناجحة، يجب على الزعماء الإسرائيليين الابتعاد عن استراتيجية «فرق تسد»، وأن يعاملوا الفلسطينيين، في إسرائيل والأراضي المحتلة، على قدم المساواة. أما المفاوضات التي تفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية، فستفشل. وكذلك الحال بالنسبة للمفاوضات التي تفصل الصفة الغربية عن قطاع غزة. وأخيراً، ليس ثمة مفاوض فلسطيني سيذعن للمطلب الإسرائيلي الذي قُدم مؤخراً فقط، والمتمثل في الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية حصرياً. فهذا مطلب غير معقول، لأنه يقتضي أن يُنزل المفاوضون الفلسطينيون أكثر من مليون مواطن فلسطيني لإسرائيل إلى مرتبة أدنى، علماً بأن ثمة أصلا أكثر من 30 قانوناً في إسرائيل تميز ضد الفلسطينيين.

 ولا يمكن أن يتوقع أحد من عباس الموافقة على شيء مجحف مثل هذا، لأنه بذلك لن يكون قد وضع مواطني إسرائيل الفلسطينيين في مكانة مواطنة من الدرجة الثانية فحسب، وإنما سيسلب أيضاً حق العودة من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحلمون بالعودة إلى منازل ومزارع سُرقت منهم قبل 62 عاماً.

إن الطريق الوحيد للخروج من المأزق هو أن يعترف اليهود بالفلسطينيين كأشخاص مثلهم، ويتفاوضوا معهم على ذلك الأساس. ويتطلب حل الدولتين إلغاء كل القوانين التي تضع اليهود في مرتبة أعلى من الفلسطينيين، في إسرائيل والأراضي المحتلة.

وهذه نقطة مازال يتعين على الولايات المتحدة أن تفهمها، رغم ديماغوجية بعض سياسييها الذين يسعون حالياً لرفع الحقوق الدينية المسيحية واليهودية فوق تلك التي ينالها الأميركيون المسلمون.

إن تساوي الحقوق أمام القانون، سواء في الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الأراضي المحتلة، يمثل مفهوماً هاماً وينبغي أن يكون في صدارة المفاوضات الحالية.

 والواقع أن أوباما يمثل اختياراً أميركياً رائعاً لإيصال الرسالة إلى «ديمقراطية» إسرائيلية تأخرت عقوداً عن تطبيق المساواة القانونية الأساسية.

=======================

أوروبا واستجداء حضور ..

حسن عصفور

 الدستور

5-9-2010

انتهت جولة الإفتتاح الرسمي لقمة واشنطن التفاوضية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة تل أبيب ، على أمل تجديد اللقاءات"الثنائية" ، وبحضور أمريكي في المنطقة ، تلك المفاوضات التي ستدور"نظريا"تحت سقف بيان"الرباعية" ، حيث كان ذلك طلبا عربيا وفلسطينيا ، ولم تحدث مفاجآت يمكن أن تعتبر خروجا عن"النص المتوقع"من تلك الحفلة التي نظمتها واشنطن ، سوى الغياب القسري لأصحاب البيان المفترض أنه "مظلة التفاوض" ، غابت أوروبا وكذا روسيا الإتحادية عن"اللقاء" الذي سعت اليه كل منهما ..

 

الغياب القسري أو القهري لكل من أوروبا وروسيا ، كان قرارا إسرائيليا توافقت معه أمريكا ، ما أدى لحدوث غضب بعضه صامت وبعضه معلن ، فوزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي قالت أنهم سيرفضون الذهاب لحضور"حفل عشاء" فقط ، في حين طالبت فرنسا قبل اللقاء بضرورة المشاركة الأوروبية في سير المحادثات ، وهو ذات الموقف الذي تكرر بعد نهاية اللقاء على لسان وزيريي خارجية فرنسا وأسبانيا ، مستندين الى ما قدمته أوروبا من دعم سياسي لإقناع الأطراف العربية بما فيها الفلسطيني ، للقبول بالذهاب الى المفاوضات المباشرة دون "عراقيل" ، ثم كان لها الفضل في توفير"المظلة" التي أرادها العرب ستارا للذهاب ، فيما عرف لاحقا ب"بيان الرباعية" ، حيث لعب الإتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا دورا حاسما في الصيغة النهائية للبيان ، كي تقبل به إسرائيل ، وهناك دول داخل الإتحاد ما كانت توافق على الصيغة العامة والمتهربة من بيانات سابقة للإتحاد أكثر وضوحا في القضايا المتعلقة بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ( ضمن الصيغة الوسط بين دول الإتحاد المعروفة بالقدس عاصمة للدولتين ) ، الى جانب موقف واضح كل الوضوح ضد النشاط الإستيطاني وكذا تهويد القدس ..

 

تلك المواقف التي تغاضت عنها أوروبا علها تكون"شريكا سياسيا" في الحضور التفاوضي أو الإشراف على سير العملية السياسية التي تدور رحاها ، لكن تل أبيب ثم واشنطن ، لا ترغب في تلك المساهمة ، فحكومة إسرائيل لا ترغب في أي مشاركة مهما كان شكلها ووزنها في المفاوضات ، سوى الحضور الأمريكي ، لأنها تعرف يقينا أن الحضور غير الأميركي سيكون قيدا أو سلاحا في يد الفلسطيني ، خاصة مع المواقف الأوروبية المعلنة ، والتي ستكون في أقلها أقرب كثيرا الى الموقف الفلسطيني منها للموقف الإسرائيلي ، وتحديدا في مسائل القدس والحدود والمستوطنات ، الى جانب أن الحضور الواسع بذاته يشكل قيدا على المناورات الإسرائيلية التفاوضية والمحاولات المتلاحقة لإضاعة الوقت وإهداره في قضايا تبدو تفاوضية وهي لا تشكل جزءا منها ..

 

والولايات المتحدة لا ترغب بالوجود الأوروبي كي لا تمنح أوروبا"وزنا سياسيا" في العملية الجارية ، مكتفية بدورها الإقتصادي ومشاورات تجريها معها دون أن تكون جزءا مما يدور ، ف" الرعاية التفاوضية" لها مكاسب سياسية في المنطقة بكل تأثيرها الإستراتيجي ، وتريد أن تبقي"مفتاح" الفعل التفاوضي السياسي بيدها ..

 

الغضب السياسي يجتاح صناع القرار في أوروبا ، وتحديدا فرنسا جراء التجاهل الأميركي لها ، وتنقل أوساط سياسية عربية أن الرئيس ساركوزي يشعر بإهانة خاصة جراء السلوك الأميركي ، كونه لعب دورا هاما جدا في"تسهيل" العودة التفاوضية ليس مع المنظمة فحسب ، بل بإتصالات خاصة بكل من قطر وسوريا وتليين موقفيهما تجاه عودة"المفاوضات المباشرة" ، وهو ما الأمر الذي تجاهلته واشنطن بل استخفت به ، وقد أعرب القصر الرئاسة الفرنسي عن غضبه لعدد من زواره مؤخرا ، ما أدى بالرئيس أوباما للإتصال بالرئيس الفرنسي بعد نهاية اللقاءات ، فيما يمكن وصفه إتصال "ترضية" ليس إلا .. ولكن ذلك لم يطيب خاطر فرنسا ولا أوروبا فكان بيان الوزيرين الفرنسي والأسباني حيث المطلوب مشاركة أوروبية وليس مهاتفتها وتطيب خاطرها ..

 

ما يحدث مع أوروبا والإستخفاف الإسرائيلي - الأمريكي بدورها ، رغم كل ما تقدمه ماليا وسياسيا للسلطة الفلسطينية وإسرائيل ، هو رسالة شديدة الوضوح عما يمكن توقعه من نتائج لتفاوض يدور الآن .. رسالة تكشف غياب الجدية وكذا المصداقية لعملية بات معلمها الأساس"فشل" مسبق وقد لا يطول الزمن ليكشفها ..

 

ملاحظة : هيلاري كلينتون تحذر من مغبة ضياع الفرصة السانحة .. يا ترى ماذا ستفعل لو اضاعتها تل أبيب .. فنحن نعرف ما سيكون لو "أضاعها" الفلسطيني..

=========================

في مقارنة بين تركيا والعرب في الموقف من العلمانية

د. العودة: التجربة التركيَّة نجحت لأنها تصالحت مع واقعها

الإسلام اليوم/ الرياض

الخميس 16 رمضان 1431 الموافق 26 أغسطس 2010

أَكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"- أن التجربة التركية نجحتْ "لتصالحها مع واقعها"، مشيرًا إلى أن حزْب العدالة والتنمية الحاكم تصالح مع نفسه ومجتمعه، ومع واقعه ومع الأحزاب الأخرى ومع الناخبين الذين لديهم رؤى وطموحات معيَّنة ومع المجتمع الذي يقودُه، بل حاول أن يتصالح مع العالم كله من خلال أداء وتواصل جيد.

 

وقال الشيخ سلمان -في حلقة الاثنين من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائية mbc : إننا إذا قارنَّا بين تركيا وبعض الإسلاميين في العالم الإسلامي فيما يتعلَّق بالموقِف من العلمانيَّة، سنجد في كل بلد بالعالم العربي صراعًا محتدمًا وقويًّا ومتترسًا بأحدث الكلمات والعبارات والأحكام، ومع ذلك لم يستطعْ أي طرفٍ أن يلغي الطرف الآخر، لا العلماني ولا الإسلامي، بل ربما يستمدّ قوته من هجوم الآخرين عليه.

 

وأضاف فضيلته: بينما في تركيا لم يقع مثل هذا الصراع بهذه الطريقة وإنما كان هناك استثمار لفرص الحياة وفرص السياسة والإدارة وعمل ناجح إداري بنائي تنموي وَصَلَ إلى نتيجة إقصاء وإبعاد التطرُّف، وأما أصحاب الأفكار المختلفة فهم يعيشون مثل غيرهم.

 

وأكَّد الشيخ سلمان أن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا ليست تجربة ناجحة سياسيًّا فقط، ولكنها ناجحة إسلاميًّا، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يطلب من أهلِه أن يتجاوزوا الواقع أو ينقلبوا عليه أو يتجاهلُوه، فهذه أعمالٌ غير مطلوبة ولا ناجحة، وإنما الإسلام يطلبُ من المسلم أن يكون واعيًا بالواقع وأن ينظر إلى حجم الممكن المستطاع.

 

وضرب فضيلته، مثالًا لذلك، قائلًا: هناك قصة تروقني جدًّا لعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه، وذلك أنه عندما ولي الخلافة، ويومًا من الأيام دخل عليه ابنه عبد الملك وكان عنده مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الملك لوالده: يا أمير المؤمنين لي إليك حاجة، قال: سر دون عملك؟ قال : نعم، فخرَجَ مسلمة وجلس عمر بن عبد العزيز مع ولده الشاب، فقال له: يا أبي، ماذا أنت قائل لربك يوم القيامة إذا سألك بين يديه وقال لك: يا عبدي رأيت منكرًا فلم تغيّره، ورأيت معروفًا فلم تأمر به. فماذا أنت قائل لربك؟

 

قال له عمر بن عبد العزيز: هذا أمر من عندك أم أن الناس أوصوك وأرسلوك لي بهذا؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما حملني على ذلك إلا حب الخير لك وللمسلمين وخوفي عليك ومعرفتي أن الله تعالى سائلُك، ويا أبي والله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذات الله -عز وجل- مهما أصابنا من المصيبة لا أبالي في ذلك.

 

فقال له والده: بعدَ أن شكره وأثنى عليه: ألا يكفيك أنني كل يوم أنشر معروفًا ولو واحدًا، وفي كل يوم أزيل منكرًا ولو واحدًا، وإنني أرى أن ذلك أفضل من أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه كله جملة، وأشار إلى أن القوم -ويقصد عمر بن عبد العزيز بني أمية- قد عقدوا عقدًا وربطوا أمورًا فلو أنني حاولت لكانوا هم من يقومون ضدي وربما ثارت الحرب ولا أحب أن يُراق محجمة دم بسببي.

 

ولفت الدكتور العودة إلى أن هذا يُشير إلى النتائج السلبية التي يمكن أن تحدث من جراء أعمال أو خطط ليست مدروسة ولا واعية بالواقع ولا متطابقة، فأي مشروع أو برنامج يُفرض على الناس فيرفضونه سيكونون هم خصومه وأعداؤه.

 

وأوضح فضيلته أن الإصلاح الإسلامي ليس هو مجرد إملاءات منصوصة، وإنما الإصلاح الإسلامي هو قراءة واعية للواقع بسلبياتِه وإيجابيات وفرصه وأزماته وقدراتِه وحجم احتماله ومحاولة إعطاء الناس الشيء الذي يطيقونه ويحتملونه.

 

وردًّا على سؤال، يقول: إن تركيا هي تجربةٌ وثقل سياسي وعسكري في المنطقة، ولكنها الآن تريد أن تتصالح مع انتماءاتها، فهل تنجح بهذه الثنائية؟ قال الشيخ سلمان: لقد أصبحت تركيا ضمن أقوى عشرين دولة اقتصاديًّا، مشيرًا إلى أن الذي يقرأ أو يلاحظ يدرك فعلًا أن هناك تحوّلات ضخمة تحدث داخل تركيا في الجانب الاقتصادي والتصنيعي، وتبعًا لذلك في الجانب الاجتماعي وحل المشكلات.

 

وأضاف فضيلته أن تركيا تخوض تجربة ناجحة من خلال حزب العدالة والتنمية الذي استطاع أن يحدثَ تغييراتٍ في داخلِه، فقد كان في السابق جزءًا من حزب الرفاة، ولكنه تغيّر، وحتى داخل الحزب الآن يكون هناك تغييراتٌ حيث يتم إبعاد مرشحين واختيار غيرهم.

 

وأوضح الدكتور العودة أنه على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية يُدير حوارًا مع الأوروبيين من أجل الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، إلا أنه يعمل بجدية قوية جدًّا أيضًا في التواصل مع العالم الإسلامي، وذلك من خلال علاقاتٍ ممتازة مع السعودية وقطر ومصر وسوريا، ومع الفلسطينيين، بل ومع جميع دول العالم الإسلامي، لافتًا إلى أن هذا الحزب حقَّق قدرًا من النجاح.

 

وتابع فضيلته: إنني ألحظُ أنهم يتجهون إلى تكريس قدْر من الاستقرار السياسي، وتدشين ما يمكن أن نعبِّر عنه بالجمهورية الثانية من خلال تقليم أظفار العلمانية المتطرِّفة، وإقصاء العسكر عن التأثير في السياسة والسلطة، مشيرًا إلى أن إشاعة مثل هذه المعاني والمباني هي قضية جوهرية، فضلًا عن كونها نجاحًا ضخمًا جدًّا.

 

ولفت الشيخ سلمان إلى أن المشكلة الكبرى كانت تطرفًا علمانيًّا يتترَّس بالعسكر، مشيرًا إلى أنه في تركيا ليس هناك قفزاتٌ ولا مفاجآت غريبة، ولا إنشائيَّات أو عنتريَّات، ولكن هناك عمل ميداني يقرأ الواقع قراءة جيدة ويتعامل معه بوعيٍ ويحرص على انتظام الفرص الجيِّدة واقتباسها، والتعامل مع الآخرين، ولا يحاول أن يثقلَ نفسه أو يثقل الآخرين بأحلام أو بطموحات لا يسندها الواقع.

====================

د.سلمان العودة: الدراما فرضت نفسها وعلينا التعاطي معها إيجابياً

الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك

الاحد 26 رمضان 1431الموافق 05 سبتمبر 2010

 أكّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -"المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم" -أن الدراما لها تأثيرات تربوية كبيرة في بناء القيم، فضلاً عن تأثيراتها الاجتماعية والنفسية والإعلامية، مشيرًا إلى أنه بغض النظر عن كل ما يحدث فإنه من المؤكد أن الدراما اليوم هي اللاعب الأول فيما يتعلق بالشاشة، حيث تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، وهذا معروف عالمياً، وحركات التسويق والإعلان المصاحبة لهذه الأعمال والدراسات نفسها تؤكد أن الجمهور الأعظم من المشاهدين في العالم كله وفي العالم العربي أيضاً هم الذين يشاهدون تلك الأعمال الدرامية.

 

وقال الشيخ سلمان في حلقة الخميس من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "اللاعب الأول 2" : إننا لا نتحدث عن فكرة توجد أو لا توجد، ولكنها فكرة موجودة وقائمة وفرضت نفسها، ولكن لابد من محاولة التعاطي معها بشكل إيجابي، وعلى الأقل إذا لم يكن السؤال هو: كيف تستطيع أن توظفها توظيفاً إيجابياً لخدمة المجتمع وقضاياه والحفاظ على الأخلاقيات والقيم والثوابت والترشيد نحو التغيير الإيجابي، أو على الأقل كيف تقلل من آثارها السلبية؟ وكيف تحد من أضرارها؟.

 

الفن.. قيمة

وفيما يتعلق بأن الفن نفسه هو قيمة، قال الشيخ سلمان: هذا أمر مهم، مشيرًا إلى أنه حتى الدعوة نفسها هي دعوة إلى إحياء هذه القيم الأخرى، فالله سبحانه وتعالى عندما خلقنا وخلق عندنا الذوق والميول والرغبات، فإن هذا يؤكد أن كل هذه الأشياء يجب رعايتها، ولذلك فإن العمل الإعلامي ينبغي أن يهتم بالجانب النفسي والإنساني والأسري والاقتصادي والاجتماعي وتطلعات الإنسان ورغباته وميوله، حيث ينبغي أن تكون كلها ممثلة وأن تكون محاكاة للواقع.

 

وأضاف فضيلته: وذلك مثلما نتحدث تاريخياً عن أننا لا نريد أن يكون التاريخ كأنه إبراز فقط لجانب معين في التاريخ، سواء أكان هذا الجانب جانب الحروب أو المعارك أو جانبًا خاصًا وإنما جانب الحياة الفطرية الطبيعية، فالتاريخ كما أننا لا نريد تناوله بروح إيديولوجية تعتبره مجمعاً للكمالات كذلك لن نقبل أن يتم تناول التاريخ بروح إيديولوجية تجعله مجمعاً للرذائل.

 

القعقاع بن عمرو

وفيما يتعلق بمشاركة الدكتور العودة والشيخ يوسف القرضاوي في مراجعة نص المسلسل الديني القعقاع بن عمرو، قال الشيخ سلمان: لقد كانت مهمتنا مراجعة النص التاريخي وهذا وضحناه بشكل جلي للإخوة، بأننا لسنا مسئولين ولا مرتبطين بالجوانب الفنية ولا مدركين لها، وهذا خارج نطاق الاختصاص، ولكن طلب الإخوة القائمون عليه منا أن نقوم بمراجعة النص التاريخي باعتبار الأهمية العظمى للمحتوى، وخاصة أنه يعالج مرحلة حساسة، وهي مرحلة ما قبل البعثة ثم بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفترة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي من خلال شخصية القعقاع بن عمرو.

 

وأضاف فضيلته: لقد تذكرت فكرة أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو قائد من قادة التغيير، فلقد لاحظت أن علياً -رضي الله عنه- كان عنده سرعة في التغيير، وعلى سبيل المثال، سرعته في تغيير الولاة بعدما تولى، ولما ذكروا له سيرة أبي بكر وعمر -رضي الله عنه- قال: أجتهد كما اجتهدوا، مشيرًا إلى أنه ربما كان هذا سبباً من أسباب وجود قدر من المشكلات التاريخية في تلك المرحلة.

 

تغيير واضح

وأردف الدكتور العودة أن التغيير واضح من خلال هذه الأعمال الدرامية الممتازة، مشيرًا إلى أنه راجع النص أيضا عدد من الشخصيات العلمية مثل المؤرخ الدكتور أكرم ضياء العمري، والدكتور علي الصلابي، لافتا إلى أن النص جيد، ولقد سبق أن قرأت قديماً بل أتقنت قراءة كتاب لأبي بكر بن العربي اسمه "العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم-"، فوجدت أن هذا النص الدرامي استفاد كثيراً من طريقة أبي بكر بن العربي.

 

وتابع فضيلته أن مراجعة النص لا تعني أن كل مفردة في النص هي حقيقة تاريخية ولكنها قراءة تاريخية جيدة أهم ما فيها أنها ضمنت مصداقية عالية في الحقائق، حيث ضمنت احترام الجيل الأول -رضي الله عنهم- ومعالجة فترة الفتنة والخلاف ومقتل عثمان -رضي الله عنه- وولاية علي -رضي الله عنه- والصراع بين أهل الشام وأهل العراق، لافتا إلى أن النص عالج هذه الموضوعات مع قدر كبير من الحفاظ على قدر الصحابة ومكانتهم، مؤكدا أن هذا من الثوابت المهمة.

 

الجيل الأول

وذكر الشيخ سلمان أن تمثيل الصحابة لدور الاقتداء بالرسالة، وتحقيق الحياة على الصعيد السياسي والاجتماعي والمعرفي والفقهي والعلمي من القضايا فإننا قد نختلف مع من بعدهم، لكن فيما يتعلق بالجيل الأول فإن هذه من الثوابت والمقدسات التي ينبغي أن ترعى حق رعايتها، مشيرًا إلى أن أفرادهم ليس لهم عصمة، فقد يخطئ الواحد منهم، وهذا شيء طبيعي ومعروف، ولكن مجمل الصحابة وأنموذج وحياة الصحابة، وما يتعلق بالالتزام القيمي والأخلاقي والشرعي، فإننا ليس لنا طمع أن نصل حتى إلى قريب مما وصلوا إليه.

 

واستطرد فضيلته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»، «اللَّهَ اللَّهَ فِى أَصْحَابِى اللَّهَ اللَّهَ فِى أَصْحَابِى لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِى فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّى أَحَبَّهُمْ..»، كما أن الأحاديث كثيرة في هذا الباب.

 

نص محكم

وأوضح الدكتور العودة أن نص مسلسل القعقاع بن عمرو هو نص تاريخي محكم مضبوط، ولكن من الطبيعي أنه سيختلف معه أناس ومؤرخون لكنني وجدت بعض الرسائل جاءتني في الجوال من إخوة ربما يتعاطون مع مقالات نشرت في الإنترنت لا تمت بصلة إلى النص الدرامي المعروض، حيث تتحدث عن أربعين حلقة والنص لا يتعدى ثلاثين حلقة، كما تتحدث عن أن النص فيه قصة الغدير، وهذه القصة ليست موجودة أصلاً في النص، فيبدو أن الأخ اطلع على نص آخر وتحدث عنه وبعض الشباب، كما يقول الشاعر:

 

لا يَسأَلونَ أَخاهُم حينَ يَندُبُهُم في النائِباتِ عَلى ما قالَ بُرهانا

 

ولفت فضيلته إلى أنه فيما يتعلق بالعملية الدرامية نفسها فنحن آثرنا وسنؤثر دائماً أن نكون بمعزل عنها، لأن العمل الدرامي له عندهم شروط واعتبارات وضوابط حتى يكون عملاً مقبولاً وحتى يُقدّم ويشاهد، وربما نحن لا نستطيع أن نقول في هذه الأمور شيئًا فتقتصر مهمتنا على النص التاريخي.

توأمة فعلية

وردًا على سؤال يقول: هل مسلسل القعقاع بن عمرو هو دعوة لبداية توأمة ما بين جهود المحققين أمثالكم والنظرة الدرامية، بحيث يُخرج للناس عملاً درامياً متكاملاً، قال الشيخ سلمان: إن هذه أشياء قائمة ينبغي ألا نتعامل معها كما لو كانت خياراً محتملاً وإنما هي أشياء قائمة بالفعل، ومن المؤكد أن لها تأثيراً ضخماً وجمهوراً عريضاً في أعمال درامية قد لا نرضى عنها نحن ومع ذلك تبين أن جماهير من الناس يشاهدونها ويضحون بأوقات كثيرة من أجل مشاهدتها.

 

وأضاف فضيلته: ولذلك فإننا مثلما نتحدث -مثلاً- عن الأعمال المصرفية وكيف أن هناك حاجة إلى وجود نوع من الرقابة المصرفية التي تحاول أن تقدم منتجاً إسلامياً تقريبياً، وهذا المنتج لن يكون بطبيعة الحال ملتزماً بشكل دقيق بكل المعايير الشرعية وفق الإجماع وإنما سيكون محتاجاً في حالات كثيرة إلى أن يأخذ من عدد من الاجتهادات الفقهية المتنوعة حتى يحقق النجاح.

 

رقابة المجتمع

وأكد الشيخ العودة على ضرورة أن يكون المجتمع المدني هو الرقيب الأكثر فاعليّة على وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن هذه الرقابة مفعلة في الغرب بشكل أكثر مما هو موجود في عالمنا العربي والإسلامي سواء لجهة دعم أو تمويل برامج وتشجيعها أو لجهة الاحتساب على برامج لا تتفق وقيم المجتمع وأن يكون هناك نوع من الإشارات الحمراء تجاه مثل هذه الأعمال.

 

وقال فضيلته: إن المشكلة تكمن في تراجع دور المؤسسات المدنية في عالمنا العربي، وبالمقابل تراجع دور المجتمع كأفراد وأسر، حيث لم يكن له تشكيل أو حضور مؤثر، وكان تلقيه لمثل هذه الأعمال الإعلامية وترحيبه بها تعبيراً عن القبول، ولذلك أصبح المجتمع كأنه شريك في نوعية المادة لأننا نعرف أن هناك شركات كثيرة تسأل المواطنين بطريقة عشوائية عما يشاهدون ومن خلاله تعطي تقييماً وترتيباً لأولوية الأعمال الإعلامية والدرامية.

 

انحراف عن المسار

وأكد الشيخ سلمان أن القول بأن الفن الدرامي في العالم العربي أشبه ما يكون بالعبثي في كثير مما يقدم، هو قول صحيح وأنه قد انحرف كثير من الأعمال عن المسار الحقيقي، مشيرًا إلى أن كلمة الدراما هي كلمة يونانية يقصدون بها المحاكاة، وهذا يلهمنا أن أصل هذه الفكرة لم تنشأ في بيئة عربية، ولذلك في البداية كان هناك جفوة حتى كان من أهل العلم من يقول بتحريم العمل التمثيلي نفسه بغض النظر عن محتواه بينما أكثر الفقهاء لا يقولون بهذا التحريم وإنما يرون أن العمل ذاته هو وسيلة وإنما الحكم عليه هو بحسب المضمون والمحتوى والرسالة والهدف.

 

وأضاف فضيلته أن جزءًا من هذه الأعمال قد يكون هدفه الترفيه والتسلية وهذا هدف بحد ذاته ليس سيئاً إذا لم يتعد حدوده أو يتجاوز أو يكون نوعاً من الاستخفاف والاستهزاء بالمقدسات والقيم والقطعيات والثوابت الشرعية، مشيرًا إلى أنه أحيانًا تكون هناك بعض المبالغات، وعلى سبيل المثال، فقد حدث في الدنمرك أن شخصًا مات من الضحك، حيث كان يشاهد عملاً وضحك حتى أصابته نوبة ومات من الضحك، فكتبت زوجته خطاباً لأحد المسئولين عن هذا العمل تشكره ! أنها نهاية سعيدة لزوجها.

 

ترفيه.. ودراما تاريخية

وأوضح الدكتور العودة أن الترفيه والتسلية ليست مذمومة بذاتها ولكن لا يجب أن تكون هي الهدف الأسمى والوحيد، يقول أبو حنيفة -رحمه الله-: "إن دراسة السير تغني عن كثير من الفقه"، فهذه المقولة ترشد إلى أهمية المشاهدة، كما أن الحكيم الصيني يقول: "أسمعني وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم "، وهذا يدل على أن إشراك الناس في عمل متكامل أفضل من أن تحكيه لهم أو ترويه وسوف يشاهدونه ويسمعونه ويتمثلونه بشكل جيد.

 

وتابع فضيلته أننا حينما نتحدث عن التاريخ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كم أثرت الدراما في تشويه صور التاريخ؟، أو إعطاء صورة غير حقيقية حتى عن التاريخ الإسلامي عالمياً، وكيف يتم تناوله وتداوله بطريقة غير منصفة أو محايدة، مشيرًا إلى أنه حتى في عالمنا العربي فإنه على الرغم من أن كثيراً من الأعمال التاريخية قد تكون أفضل من غيرها لأن فيها قدرًا من المحافظة، كما أن أغلب الذين يتجهون لأعمال تاريخية يكون عندهم جانب قيمي وأخلاقي وولاء شرعي وتاريخي وقومي وأممي، ومع ذلك فإن كثيراً من هذه الأعمال التاريخية ربما ما تخلو من تشويه أو من إقحام قضية المرأة -أحياناً- في غير سياقها، وكأن الدافع الأعظم للفتوح أو للإنجازات هو فقط حب المرأة، أما كون المرأة مؤثراً في الواقع والتاريخ فهذا لا غبار عليه، لكن المشكلة تكمن في جعل التعلق والحب كأنه هو الدافع لكثير من الإنجازات والفتوح والمآثر.

 

محاكاة الغرائز

ودرًا على سؤال يقول: أين صانع المادة الإعلامية من محاكاة الناس ببساطتهم وليس محاكاة غرائزهم؟، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، وخاصة إذا تم توظيف الحضور الهائل للتقنية، حيث يوجد الآن تقنية ضخمة وغير عادية، فضلاً عن القدرة على التصوير والإبداع، والتي لم تتوفر في أي عصر من العصور، فإذا استطعت أن تقدم البساطة والعفوية والروابط الاجتماعية والأخلاق والقيم والمعاني النبيلة والشريفة والرقي والمعرفة وحتى محبة الله -سبحانه وتعالى- فهذا أمر جميل، مشيرًا إلى أنه من أجمل شيء في الحياة أن يكون الإنسان في خلوته لا أحد يراه إلا الله -سبحانه وتعالى- فيصلي ركعتين لربه وهو يستشعر مثل هذا المعنى، فكم سيجد من أثر التربية على مثل هذا الشيء.

 

وأضاف فضيلته أنه اليوم لم يعد الكثيرون قادرين على أن يتولوا تربية أبنائهم بشكل مباشر شاءوا أم أبوا، فأبناؤهم أصبحوا يتسمرون أمام الشاشة أو أمام المحمول، مشيرًا إلى أن فكرة أن يكون لدينا مشاريع ننفق عليها ويتجه إليها رجال الأعمال والفكر والعلم والتاريخ والتربية أمر مطلوب وضروري.

 

كارتون إسلامي

وأوضح الدكتور العودة أن مثل هذه المواد الدينية فضلاً عن مخاطبة الغرب اليوم هي أمر في غاية الأهمية والخطورة، خاصة في ظل وجود الفضائيات الإباحية، حيث يمكن أن يكون هناك مئات الملايين من الدولارات مخصصة لأعمال درامية موجهة للغرب وللصينيين ولليابانيين.

 

وذكر فضيلته أن مجموعة زاروا فضيلته قبل فترة وتحدثوا فيما يتعلق الكارتون الإنيمي الياباني، مشيرًا إلى أن وجود كارتون يتعلق بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسيرة الخلفاء الراشدين، من الممكن أن تقدم منه ثلاثين أو ثلاثمائة حلقة ويشاهدها كل أطفال العالم، وسيكون لها تأثير كبير إذا أُحسن توظيفها وأُحسن ضبطها.

 

إعلام ذكوري

 

وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الإعلام في السعودية ذكوري من الدرجة الأولى، فإلى متى لا يتوفر قسم للإعلام للبنات في الجامعة لسن على قدر كبير من الوعي وتحمل المسئولية، قال الشيخ سلمان: أعتقد أن هذا مما ينبغي أن يُهتم به، مشيرًا إلى أن تأثر المرأة بالإعلام أكثر بكثير من الرجل، فبقاء المرأة في المنزل جعلها أكثر تأثرًا بما تشاهد وتسمع، فضلاً عن طبيعة الضغوط التي تعيشها المرأة داخل الأسرة أو من الوالدين أو من الزوج.

 

وأضاف فضيلته أن كثيرًا من النساء ربما تشتكي من هذه المعاني أو من بعض الفرص الحياتية أو الوظيفة، لافتًا إلى أن صوت المرأة في حالات كثيرة لا يكون مسموعاً، ولذلك هذه أيضاً مسئولية المرأة، حيث لابد من وجود مبادرات، وقد رأينا نماذج من الإعلام الجديد قام به عدد من الأخوات، كما أنني أدعو البنات على وجه الخصوص إلى أن يبادرن بذلك، بدلاً من أن يطالبن المجتمع.

 

إعلام متعصب

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: لقد عانينا من الإعلام المتعصب، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، كما أنني أميل دائماً إلى السعة، فلا تستطيع أن تحاكم الناس اليوم، فهذا عصر فيه جانب كبير من الحرية الإعلامية، وأن الإنسان إذا لم يتحدث في جريدة فإنه سوف يتحدث في أخرى، كما أنني لا أستطيع أن أقول إن قراءتي لهذا الكاتب ينبغي أن تحكمه.

 

وأضاف فضيلته: إننا محتاجون إلى أن نتربى على أن يكون عندنا قدر من السعة والاحتمال واستيعاب الآخرين وقراءة الوجه الإيجابي وأن ننظر إلى الأمر على أنه ربما يكون المقصود به معنى إيجابي.

 

ثقافة الاعتذار

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: لماذا لا يعلن المسئول عن خطئه ويتراجع في قراراته إذا اكتشف أنه أتخذ قرارًا خاطئًا، قال الشيخ سلمان: لقد تحدثنا عن ثقافة الاعتذار وثقافة التعبير عن الشعور، مشيرًا إلى أن المسئول الكبير هو بشر، فلو قال لموظف عنده أو خادم أو قهوجي أو حارس إني أحبك وأسعد برؤيتك، فإن هذه لها منزلة عند الله -سبحانه وتعالى- و«الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».

 

وأضاف فضيلته: كذلك ثقافة الاعتذار، سواء لكبير أو صغير، أو الاعتذار عن قرار، مشيرًا إلى أنه ربما لا يكون مناسباً أن يكون هذا المسئول عنده موقع في الفيس بوك أو غيره، ويطلب منه أن يتواجد ولو لربع ساعة يمر يومياً ويتأكد من ردود الأفعال ويستمع ويشاهد ما يقوله الناس أحياناً، ولكن يكفي أن يطلع عليها على الأقل، لافتًا إلى أن هناك نوعًا أخيرًا من التغيير وهو تغيير المسئول نفسه، بحيث لا يكون المسئول سرمدياً، فربما لا يكون هو الرجل المناسب في المكان المناسب أو يكون هناك مسئول أفضل منه، أو أنه يمكن أن يناسبه العمل في مكان آخر، حيث لابد من وجود مراقبة للأداء.

 

الحكمة ضالة المؤمن

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إنني صدمت عندما نزلت بريطانيا بالأخلاقيات السلوكية للناس والتي تتفق مع تعاليم الإسلام ولا يطبقها المسلمون، قال الشيخ سلمان: لقد قال شخص رأى الحرم: لقد شكلتم لي صدمة، فأعجبتني هذه الكلمة، لأن الصدمة تعتبر إيجابية في الجملة، فربما لم يكن عنده ثقافة أو خلفية مسبقة، مشيرًا إلى أن هذا الشخص ربما قرأ الوجه السلبي دون أن ينظر إلى الجانب الإيجابي.

 

وأضاف فضيلته أنه من الخطأ أن تختصر المدينة في أكوام النفايات الموجودة فيها، لافتًا إلى أنه في كل بلاد العالم هناك جوانب إيجابية يمكن تستفيدها ؛ ولذلك جاء الأثر وليس حديثاً (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، لذا ننادي شبابنا وطلابنا الذين يدرسون هناك أن لا يكتفوا فقط بتعلم المعلومات النظرية، وإنما أن يكتسبوا الصفات والطبائع والعادات والتقاليد الحميدة الموجودة.

 

تأثير الفراشة

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن التجربة الرائعة للفيلم القصير؛ "إرهاب الشوارع"، قال الشيخ سلمان: لقد رأيت هذا الفيلم وهو عمل رائع وبخاصة إذا قارنا التأثير بقدر التكلفة لانتاج هذا المشهد المؤثر، مشيرًا إلى أن الإنسان عندما يسمع عن ملايين تصرف في أشياء معينة ثم تبحث عن الأثر فربما لا يكون الأثر بحجم الصرف، لكن عندما تأتي إلى مثل هذه الأفلام ربما لم تتكلف الكثير لكن حجم الدخول عليها وتأثيرها ربما أبلغ من كثير من المحاضرات والدروس.

 

وقدم فضيلته التحية إلى صاحب هذا الفيلم على الجهد المتميز ودعوة الشباب الذين عندهم قدرة كبيرة الآن على التأثير وعلى التغيير، مشيرًا إلى أنه في ظل الإعلام الجديد أصبح دور الفرد مؤثرًا، لافتًا إلى أنه توجد فكرة يسمونها "تأثير الفراشة"، وذلك أنه إذا لفت فراشة بجناحيها في البرازيل هل سوف تحدث إعصاراً مثلاً في فرجينيا؟ بالطبع لا، ولكن لا تقلل من دور رفيف الفراشة، فمجموعة الفراشات يمكن أن تحدث تأثيراً غير عادي وغير مرئي.

 

دورات تدريبية

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: لقد بات من الضروري إقامة دورة تدريبية للشباب المقبلين على الزواج، قال الشيخ سلمان: إن مثل هذه الدورات تعد مهمة للبنات وللأولاد، فكثير منهم يدخلون هذا الميدان وهذا المعترك -إن صح التعبير- دون أن يكونوا مزودين بالتقنيات والمعرفة والخبرة اللازمة، لافتًا إلى أنه على الرغم من أنه لا يمكن أن نختصر لهم خبرة الحياة في دورات قصيرة، لكن يمكن أن نزودهم ببعض المعلومات والتجارب والملاحظات، خاصةً في التعامل مع الجنس الآخر.

 

وأضاف فضيلته أن مثل هذه الدورات تساعد كل طرف على فهم نفسية الآخر وتأهيله للحياة الجديدة، والتدريب على الطبخ البناء، والجلوس والدخول والخروج والتعامل مع الأسرة الجديدة والتعامل مع أم الزوج بالنسبة للبنت إلى غير ذلك من الأشياء.

 

مقاومة التغيير؟!!

وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إنها تخصصت في التربية الخاصة، لكنها تشتكي من نظرة المجتمع، قال الشيخ سلمان: نحن معك ونشد على يدك ولك دعواتنا، فلقد تحدثنا عن أعداء التغيير في حلقتي "مقاومة التغيير"، مؤكدًا على ضرورة أن يكون عندنا ثقة بأنفسنا، ولذلك يقول تعالى: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً)(مريم: من الآية26)، فليس كل شيء يترد فيه الإنسان، ولكن يمكن أن نترك بعض الأشياء للوقت، وذلك لأن بعض الناس الذين هم ضدك سيتحولون إلى ناس معك بالتأكيد، لكن بعدما يلاحظون أنك نجحت، ولذلك فلا تدخلي معهم في مهاترات أو جدل وقيل وقال.

 

وأضاف فضيلته: ولكن واصلي طريقك وتذكري دائماً أن الله معك ولا تنسي إذا جلست بمفردك في غرفتك أن تصلي ركعتين لله دائماً، وناديه وسأليه واطلبي منه أن يكون معك وستجدين تسديدًا قويًا، فاجعلي نفسك قائدًا في تغيير هذه الصورة النمطية السلبية.

وضرب الدكتور العودة مثالاً لذلك، قائلًا: إنني أذكر قصة لمحمد علي كلاي الملاكم المسلم الشهير ، حيث يقول: إنني أول ما أردت أن أتعلم ذهبت إلى أستاذ وأردت أن يعلمني الملاكمة فأعطاني كتابًا يتعلق بتنمية الذات وتقوية الذات، فأخذته وقرأته وبعد أسبوع أتيت به إليه فأعطاني كتاباً آخر يقول: قلت له أنا لم آت من أجل أن أكون متخصصاً نفسياً أو خبيراً بتطوير الذات.. أنا أريد الملاكمة. قال لي: لا تستطيع أن تفوز بالملاكمة مع خصمك الظاهر حتى تلاكم كل السلبيات الموجودة في داخلك !.

 

وتابع فضيلته أن هذا يؤكد أن مشكلاتنا ليست مع الآخرين وإنما مشكلتنا من تجاوبنا مع الآخرين أو تفاعلنا معهم بطريقة تؤثر علينا.

 

الأعذار مرفوضة

وتعقيبًا على تقرير الحلقة، قال الشيخ سلمان: إن هذا يقطع جميع الأعذار، خاصة الذين يعتذرون بأنهم ليس عندهم ميزانية أو أنهم يحتاجون ميزانية، مشيرًا إلى أن كل ما في الأمر جهاز عادي وبعض الوقت والخبرة والإرادة، وعلى سبيل المثال، فإن حلقة "وذكر" في اليوتيوب هي عبارة عن مجموعة مقاطع.

 

وأضاف فضيلته: لقد رأيت نماذج كثيرة لشباب مسلمين وعرب وسعوديين وغير سعوديين، مشيرًا إلى أن هذه النماذج تستحق الإشادة، سواء في تناول قضايا محلية أو دينية أو أخلاقية، لافتًا إلى أنه لم يعد لأحد عذر، موضحًا أن القراءة والأخلاق والإنجاز شيء، مما يساعد الشباب على التعاطي والتمحور حول مثل هذه القضايا.

 

كاميرا لكل مقدسي

وفيما يتعلق بدعوة الشيخ سلمان إلى كاميرا لكل مقدسي، قال فضيلته: لقد جاءني اتصالات من عدد من الإخوة حول هذه الفكرة وإمكانية تغطية جزء من هذا العمل، وهذا أمر متاح، ويمكن تحقيقه من خلال قنوات رسمية من خلال مؤسسات وجهات والندوات العالمية وغيرها، حيث يمكن أن يساهم الكثيرون في هذا الجانب.

وأضاف فضيلته: إننا يجب أن نشجع الشباب على أداء الدور، وأهم قضية نوفرها لهم هي توفير الحفز النفسي.. وأنا أعتقد أن الأخ عبد الرحمن قدّم حافزاً نفسياً من خلال النموذج أو القدوة، وغيره كثيرون في هذا الجانب.

 

نظرة سوداوية؟!!

ومن جانبه، ذكر الأستاذ أحمد الفهيد، والذي يمثل "صدى الجمهور"، أن هناك بعض القضايا التي أثارتها حلقة الأمس، في مقدمتها أن هناك من اعترض حول حديث الدكتور العودة بإيجابية عن الإعلام الجديد، متبنيًا وجهة نظر سلبية عنه، فهو يرى أن الصحف تقتفي أثر الإثارة ولا مكان للمرأة وقضاياها ولا الشباب وقضاياهم، والخبر المبهج نادراً ما يحضر فيها، كما أن التلفزيون يتتبع الترفيه الغرائزي ويسطح العقل، والإنترنت مكان لبث فضائح الناس ونشر الشائعات، قال الشيخ سلمان: إن هذه القائمة جزء من السلبيات، ولكن فيها انتقائية، لافتا إلى أن هذه الأشياء ربما تكون موجودة، من الإثارة، وتسطيح العقل وفضائح الناس والشتائم.

 

وأضاف فضيلته أنه لا أحد ينكر أن هذا كله موجود، لكن ليس هو فقط الموجود، فهناك في المقابل الأشياء الأخرى، حيث يجب ألا نظل دائماً بهذه النظرة السوداوية التي تقرأ فقط الأشياء السيئة، وعلى سبيل المثال، فإننا عندما نجد في الصحيفة مقالاً سيئاً نعتبر أن هذا كل ما هنالك مع أنه ربما تجد إلى جواره مقالاً آخر طيباً أو لطيفاً أو يقدم الشيء الجيد.

 

الإعلام.. والمجتمع

وأردف الدكتور العودة أنه يكفي أن يكون الإعلام معبراً عن المجتمع، فالمجتمع ليس مثالياً ولا صوتاً واحداً، مشيرًا إلى أن حمى المنافسة الإعلامية بين الصحف أو غيرها قد تحمل -أحياناً- إلى ملامسة قضايا لا تهم الناس بقدر ما تثيرهم، وهذا أيضاً يرجع إلى نوع من وعي المتلقي.

 

وضرب فضيلته مثالاً لذلك، قائلًا: لقد وجدت أن الكثير من الناس عندما لا يعجبهم مقال معين يقومون بترويجه ويطبعونه ويوزعونه ويرسلونه ويشترون أعداده، مشيرًا إلى أن هذا يجعلك قابلاً للاستفزاز، بينما يفترض أن نتربى على أن يكون تفاعلنا مع الأشياء التي تعجبنا أكثر وليس الأشياء التي لا تعجبنا.

 

الدراما السعودية

وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن إنتاج التلفزيون السعودي من الدراما إما ضحك غير مبرر أو مآسٍ اجتماعية أو انحرافات جنسية، قال الشيخ سلمان: قد يكون ذلك صحيحاً، ولكنني في هذا الوقت لست مؤهلاً لأن أتحدث في مثل هذا الموضوع، ولكن أتساءل إن كان هناك شيء يمكن نسميه إنتاجاً سعودياً بهذا المعنى وهذا الإيحاء أم أن الأمر لا زال دون ذلك؟.

 

مقارنة.. ولكن

وتعقيبًا على ما ذكره الأستاذ رجا المطيري من أن الإنتاج السينمائي مربوط تميزه بحجم المشاهدة وتعدد دور العرض، لافتا إلى عدم وجود أوجه مقارنة بين السينما العربية والأمريكية، قال الشيخ سلمان: إننا حينما نتحدث عن مقارنة يجب ألا يفهم منها أنها مقارنة شاملة من كل وجه، مشيرًا إلى أن ذكر أمثلة فقط ليست مقارنة شاملة.

 

وأضاف فضيلته أنه ليس من المقارنة أن تتصور أن أي مجتمع عربي سيتعاطى مع مثل هذه الأشياء كما تتعاطى تلك المجتمعات الأخرى تماماً سواء بسواء.

 

سر التفوق

وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أننا إذا كنا نحن العرب جادون في حديثنا عن تطور السينما فيجب أن نوفر مناخاً حراً ومفتوحاً، قال الشيخ سلمان: إننا من الصعب أن نتخيل هذه الحرية على أنها حرية انتقائية، مشيرًا إلى أن الحرية في العالم العربي منقوصة، ولذلك فإن الكثير من الناس ربما تتلجلج في نفوسهم كلمات لا يستطيعون أن يبوحوا بها، وهذا فرق بين المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية التي تتمتع بقدر من العدالة الداخلية وقدر من الحقوق للأفراد.

 

وضرب فضيلته مثالاً لذلك، قائلًا: إن الشخص الذي ينتقد الرئيس في الغرب لا يخشى من زوار الفجر أن يهجموا عليه، حيث يشعر المواطن بأنه متساوٍ مع الآخرين أياً كانوا في جميع الحقوق والفرص والوظائف وأمام القضاء، كما أن المواطن يشعر بأنه من حقه أن يعبر عن رفضه لأي قضية أو موقف سياسي داخلي أو خارجي بكل وسائل التعبير القانونية أو الشرعية عندهم، مشيرًا إلى أن هذا القدر من الحرية هو سر من أسرار تفوقهم ونجاحهم.

 

استطلاع للرأي

وتعقيبًا على الاستفتاء الذي أجرته صحيفة "صحف" الإلكترونية، والذي أظهر أن 69% اعتبروا حجر الزاوية يضعنا بمواجهة أنفسنا لنعرف محاولاتنا تلك التي كانت للتغيير هل كانت زائفة أو مجرد رغبة لم نحرك لها ساكنا في ذواتنا؟، وأن 15% اعتبروه حديثًا نظريًا ونسبة متمثلة ب16% اعتبرت أنها لم تكون انطباعًا عن البرنامج بعد، قال الشيخ سلمان: إن مبدأ الاستطلاعات هو مبدأ جيد لأنه يساعدنا على تلمس خطواتنا، فنحن نسمع كثيراً من الذين يمدحون ويثنون ويشيدون وندري أنهم من منطلق الحب يفعلون هذا، ونسمع آخرين ربما بضد ذلك، لكن أن يكون هناك استطلاع معين حتى في هذه التفاصيل بحجم الموضوعات وفي نوعية وواقعية الحديث وجانبه العملي والتطبيقي، فهذا شيء نستفيد منه.

 

وأضاف فضيلته: إننا نتمنى أن نحصل على مثل هذا الاستطلاع ويكون بين يدي فريق العمل، وأن يستفاد من أي استطلاعات أخرى مشابهة.

 

صمت المثقف

وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن صمت كل من الدكتور العودة والدكتور عبدالله الغزامي عن ما قد يوجه إليهما من نقد هو من باب صمت المثقف، والذي لا يعني الهروب من الكلام، بل الهروب إليه، قال الشيخ سلمان: إن الدكتور عبد الله الغذامي مثقف متجدد ، وكذلك الدكتور محمد الدكان، مشيرًا إلى أن عدم متابعة الأشياء التي تطرح بالردود هو أمر فيه إشكال كبير.

 

وأضاف فضيلته: ولكنني حريص غالباً على أن لا أدخل في جدل، وذلك ليس لأن ما يقال لا أهمية له كما قد يظن البعض، ولكن لأن الإنسان اتجه في طريق أو لديه مشروع معين ينشغل به وقد يصله تغذية راجعة أو رد فعل يستفيد منه في طريقه لكن دون أن يلزم نفسه بأن يقف ويدخل في مراده.

 

صدى الجمهور

وذكر الدكتور العودة أن الكثيرين قالوا: إن استحداث الفقرة الخاصة ب"صدى الجمهور"، والتي يقدمها الأستاذ أحمد الفهيد، تشير إلى أنكم خرقتم القاعدة وصرتم تستمعون، ولكنني وجدت أن هذا العمل وإن كان عملاً ضمن عمل عام إلا أننا قابلنا الكثيرين في مكة المكرمة ورأيناهم يشيدون بهذا، كما وجدت له أثرًا ايجابيًا وهو أن سماع الإنسان لمثل هذه الأشياء لا يعني أنها ستهز موقفه أو تؤثر فيه سلباً، حتى لو كانت نقداً غير موضوعي، ولكن علينا أن نتعلم.

 

وتابع فضيلته: لقد قال لي أمس أحد الإخوة إنه لا فائدة، لأن بعض الشباب حساس، تجرحه الكلمة، واستمع إلى ما يقوله محبوك، لكن الإنسان بالتأكيد سيجد أناساً ربما بحسن نية لا تتوقع ضرورةً أنهم قصدوا الإساءة إليك، ومثل هذا الأمر ينبغي أن تتعود عليه وأن تستوعب مثل هذه الأشياء.

 

إرباك للمشاهد

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إن تأكيد الشيخ سلمان على أنه لا يشاهد المواد الدرامية أو السينمائية مع التأكيد على ما يمكن أن تحدثه من تغيير يسبب إرباك المشاهد، قال الشيخ سلمان: إن هذا هو الواقع بالنسبة لي، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع إلى طبيعة التربية التي تلقيتها منذ الطفولة، فقد نشأت في القرية، حيث لا يوجد مذياع، وكان الذي يوجد عنده مذياع في القرية يعتبر شخصًا مريبًا وتلاحقه ليس الظنون فقط وإنما العيون أيضاً.

 

وأضاف فضيلته: لقد تربينا منذ الصغر على ذلك، ولكن عندما كبرنا فوجئنا بهذا السيل المتغير في الإعلام فتعلمت أشياء كثيرة، لكن مع ذلك فإن عدم مشاهدة الأفلام أو المسلسلات ألحظ أثره على من حولي.

وأوضح الدكتور العودة: لقد قصدت أن أرسل رسالة أيضاً وهي أنه حتى الشيء الذي قد يكون الإنسان غير مقتنع به أو غير محتاج إليه لا يعني أن نتجاهل أن هناك أعدادًا غفيرة من الناس تتعاطى معه بإيجابية، كما أنني لست مقياساً أو معياراً.

 

وتابع فضيلته أن هناك أجيالاً جديدة ظهرت ومتغيرات كثيرة أثرت عليهم، وفيما يتعلق بالرقابة العامة فإنني لا أدعو إلى تجاهل الآخرين ولكن أدعو إلى التغيير بإيجابية.

مراكز نفسية

 

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقترح وجود استشاريين أو مكاتب في الإرشاد النفسي بكافة مجالات الحياة، وفي كافة المؤسسات الحكومية والخاصة، قال الشيخ سلمان: إنني أتفق مع الأخ صاحب المداخلة، مشيرًا إلى أهمية فكرة وجود مراكز في كثير من المؤسسات أو الوزارات أو الدوائر والمدارس وأنه من الممكن أن يوجد فيها مرشد طلابي.

 

وأضاف فضيلته أن مجتمعنا في الماضي كان أكثر ترابطاً، ولكن اليوم مع المتغيرات والانشغالات الحديثة، بما فيها تقنية الإعلام الجديد، أصبح هناك انشغالات بين الناس، ولذلك فلأن يكون هناك مراكز نفسية في جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فإنه يعد أمرًا هامًا.

 

وضرب الدكتور العودة مثالاً لذلك، قائلًا: لو حدث لشخص مصيبة فإنه يحتاج إلى دعم وإسناد، وكذلك إذا كان عنده مشكلة معينة، فضلاً عما إذا كان يعاني من حالة نفسية.

 

وتابع فضيلته أن عدداً غير قليل من الناس إن لم يكن عندهم أمراض نفسية فعلى الأقل عندهم أحياناً بعض الخواطر المؤلمة أو بعض الحالات العابرة التي تحتاج إلى من يقف معهم ويشعرهم بالدعم والإسناد.

 

دعوهم يبتسموا

وتعقيبًا على مداخلة من صاحبة فكرة "دعوهم يبتسموا"، قال الشيخ سلمان: إن فكرة "دعوهم يبتسموا" تعدت حدود الأنانية إلى الشعور بمعاناة الأطفال الآخرين، وكيف نصنع الابتسامة، مشيرًا إلى أن في ذلك العمل استشعارًا بالاحتساب مع الله، فمثل هذه الأمور أكثر أحياناً من العبادة ذاتها، لافتًا إلى أن الشعور بالاحتساب عند تقديم خدمة لطفلي أو لطفل آخر، يصاحبه شعور برضا الله -سبحانه وتعالى-، واستشعار أن الله يرى هذا الشيء ويحبه ويرضى عنه، مؤكدًا على أهمية إعادة الاعتبار لهذه المعاني من منطلق شرعي وديني وتعبدي واحتسابي.

 

وأضاف فضيلته أن إحياء السنة في رسم الابتسامة على وجوه الأطفال والبنات والصغار من الفقراء وغيرهم هو معنى مهم، مشيرًا إلى أننا يجب علينا أن نقدم الدعم المعنوي والمادي لو استطعناه لمثل هذه الفئات من المجتمع.

 

إبداع.. وإنجاز

وأوضح الدكتور العودة أن القيام بمثل هذه الأعمال يعد فرصة كبيرة لكثير من البنات والشباب في الإجازة الصيفية، وعلى سبيل المثال، فقد فوجئت أن ابنتي، وهي في سن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، قامت هي وبنات خالاتها ومجموعة من البنات بمشروع صغير طموح؛ حيث بدأن يستقبلن ستين أو سبعين بنتًا وولدًا  صغار طبعاً.. أربع سنوات خمس سنوات وأقل وأكبر  من أجل تدريبهم وتربيتهم.

وتابع فضيلته أن مثل هذه الأعمال لا تتطلب أشياء رسمية ولا تتطلب تراخيص ولا أجورات، ولكن هو عمل يعطي الناس أهمية وقيمة، فالإنسان خلق ليعمل ويبدع وينجز، وليس فقط ليتشكى أو يتلوّم.

فريق النجاح

 

وتعقيبًا على مداخلة من أحد أعضاء فريق النجاح، قال الشيخ سلمان: إنه لو لم يأت من بركة إثارة الموضوع إلا استقطابنا لهذه التجارب، فكفى، مشيرًا إلى أن الأستاذ عبد الله السبيعي هو شخصية أكاديمية ومشهورة، داعيًا إلى المشاركة في مثل هذه الفرق، كما ندعوها هي إلى تطوير ذاتها أيضاً، بحيث تواكب كل المتغيرات وتبقى حية وموجودة.

 

مراكز إبداعية

وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إن تبني الناس أو الرموز الذين نثق بهم لمراكز إبداعية أو قيادية يدعو إلى تغيير أفضل، قال الشيخ سلمان: إنني أؤيد ذلك، فالدعاة والمؤثرون هم جزء مهم من المجتمع، وعند كثير منهم خطاب شرعي وديني وكلمات جميلة ودعم معنوي نفسي وتعليمي، ولذلك ينبغي أن نرحب بالدعاة والمصلحين أياً كانت طريقتهم في الإلقاء أو العطاء أو التأثير، مشيرًا إلى أن هذا وجه من أوجه التأثير الاجتماعي، ونرحب به ونسعى أيضاً في تغييره وتطويره، وكذلك ما يتعلق بالقنوات وأثرها الطيب والحميد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ