ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 02/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

تركيا تستعد للاستفتاء: تركيا على مفترق .. العلمنة والأسلمة (3)

الجيش التركي ينكفئ عن السياسة إلى الثكنات.. ويشكو الحملة الدعائية ضده

حزب العدالة والتنمية يسعى لترويض وحش الأناضول.. وأردوغان يتسلح ب«المعايير الأوروبية» لتقليم «أظافره السياسية»

الشرق الاوسط

1-9-2010

إسطنبول: ثائر عباس

في الحلقة الثالثة من ملف «تركيا على مفترق: الأسلمة أو العلمنة» تعرض «الشرق الأوسط» لملف الجيش التركي الذي كان اللاعب السياسي الأبرز في الحياة السياسية التركية خلال القرن الماضي، قبل أن يأتي حزب العدالة والتنمية ليغير المعايير التركية وقواعد اللعبة في الجمهورية العلمانية المتشددة التي يحكمها اليوم «مسلم ملتزم».

إذا ما أتت أصوات الناخبين الأتراك في الثاني عشر من سبتمبر (أيلول) الحالي بغالبيتها تقول «نعم» لحزمة التعديلات الدستورية الجديدة، فإن ضربة جديدة – قد تكون القاضية – ستوجه إلى النفوذ السياسي للجيش التركي الذي عينه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال «حارسا للعلمانية». وهي مهمة أخذها الجيش التركي على عاتقه بجدية كاملة فقام ب3 انقلابات عسكرية مباشرة، ووجه تحذيرات عدة للسلطة السياسية في أكثر من مناسبة، قبل أن ينجح حزب العدالة والتنمية في تقليم أظافر الوحش الأناضولي الذي يعد ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وثامن جيش في العالم.

وقد أطاح الجيش التركي ب4 حكومات منذ تأسيس الجمهورية، قبل أن ينجح رجب طيب أردوغان «الإسلامي الملتزم» في «إقناع» الجنرالات أن يلتزموا دورهم العسكري ويبتعدوا عن السياسة. لكن هذا الإقناع لم يكن سلسا، كما يدعي أنصار أردوغان، بل احتاج إلى الكثير من الأخذ والرد، وإلى 10 سنوات قبل أن يتم ترويض قادة الجيش.

الأتراك معروفون بأنهم شعب مقاتل، كما يقول أحد الجنرالات الكبار في الجيش التركي، مفضلا عدم ذكر اسمه لعدم «إثارة المزيد من المتاعب» للمؤسسة العسكرية التي تواجه حملة ضغوطات قوية يمارسها حزب العدالة والتنمية في الإعلام وأمام القضاء وفي القوانين، بالإضافة إلى ما يقوله الضابط إنها «حملة منظمة لتشويه صورة الجيش»، بحسب ما أظهره استطلاع للرأي أعده مركز «متروبول» للدراسات الاستراتيجية ومقره أنقرة. ويشير الجنرال إلى أن الأتراك الأوائل الذين أتوا إلى المنطقة لم يكونوا من المزارعين، بل من الصيادين، فهم لم يفلحوا الأرض بل لجأوا إلى صيد فرائسهم والقتال من أجل لقمة عيشهم ووجودهم. مشيرا إلى أن الأتراك شعب فخور بعسكريته، موردا «ملاحظة» مفادها أن الرجل التركي عندما يأتي طالبا الزواج، يسأله أهل الفتاة أولا عما إذا كان أدى الخدمة العسكرية، فإذا أجاب بنعم، يأتي دور بقية الأسئلة، أما إذا أتى جوابه بالنفي فغالبا ما يتوقف الحديث بعبارة «لا بنات لدينا للزواج»، متحدثا عن «مئات من الحالات التي يأتي فيها شبان للتوسط من أجل قبولهم في الخدمة الإلزامية على الرغم من أن لديهم موانع طبية أو عائلية تعفيهم من الخدمة»، أما من يكتسب الجنسية التركية، فعليه أن «يعمد» جنسيته بالخدمة الإلزامية ولو كان في الستين من عمره.

وكان دور الجيش في الحياة السياسية التركية بدأ مع مصطفى كمال «أتاتورك» الذي قاد عمليات المقاومة لاستقلال تركيا من الجيوش التي احتلتها بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى، فواجه الجيوش الأرمينية والروسية واليونانية والفرنسية والبريطانية على عدة جبهات، ونجح في أن يظفر باستقلال البلاد عام 1922 ليدير وجهه نحو الداخل قائلا جملته الشهيرة: «الآن تبدأ المعركة الحقيقية»، فانقلب على نظام الخلافة الإسلامية وأطاح بالسلطان معتمدا على الجيش بعد «تنظيفه» من المعارضين وإحكام قبضته عليه، منصبا الجيش حارسا للعلمانية من خلال «قانون المهمات الداخلية للجيش» الذي دفع لإصداره عام 1923 الذي ينص في مادته ال34 على أن «وظيفة الجيش هي حماية وصون الوطن التركي والجمهورية التركية» في ترخيص مباشر له بحماية الوطن عسكريا من هجمات الخارج وحماية «الجمهورية» من تحديات الداخل.

وقد مارس الجيش «حقه» في الانقلاب على الحكومات التركية 4 مرات أولها عام 1960 حيث أعلن الأحكام العرفية وأعدم 3 من زعماء الحزب الديمقراطي الحاكم، بالإضافة إلى تصفية عدد آخر من قياديي الحزب ومن أعضاء هيئات التدريس في الجامعات. وأعد الانقلابيون دستورا جديدا للبلاد فرض الوصاية العسكرية على الإدارة المدنية. وأتى الانقلاب الثاني عام 1971 ليمنح العسكريين صلاحيات أوسع في مجالات فرض الأحكام العرفية وتعزيز وضع الجيش داخل النظام القضائي.

أما الانقلاب الثالث فقد حصل عام 1980، ومنه انبثق الدستور الحالي الذي يسعى حزب العدالة إلى تعديله والتخلص منه في مرحلة لاحقة. فهذا الانقلاب الذي تم تحت عنوان تصفية الحركة اليسارية الصاعدة وعدم تمكينها من الحكم، وضع الجيش في السلطة مباشرة لمدة 3 سنوات، وأمن له التغطية الدستورية والقانونية لسيطرته على كل مرافق البلاد في الفترات اللاحقة، ومنح العسكريين الحصانات من الملاحقة جراء الانقلابات التي قاموا بها. ويوضح الباحث في الشؤون التركية طارق عبد الجليل أن ذلك تم «عبر تعيين المؤسسة العسكرية جنرالات داخل عدد كبير من مجالس إدارات مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للتعليم، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، ليكونوا رقباء لها على هذه المؤسسات، وتوسيع مجال إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية بما يحقق للمؤسسة العسكرية هيمنة كاملة على الحياة السياسية، وإيجاد المبرر الدائم لأي تدخل عسكري بدعوى تحقيق الأمن والحيلولة دون قيام حركات العنف والإرهاب. كما منح الانقلابيون سلطات أكبر مجلس الأمن القومي الذي كان قد تشكل في دستور 1961، ويتألف من عسكريين ومدنيين يقدمون توصيات يدفع بها إلى مجلس الوزراء، كما تم تحديد مهام الأمانة لتشمل شؤون تركيا جميعها؛ العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن مسؤوليتها عن حماية المبادئ الكمالية». كما أنها مخولة لمراقبة الجهاز التنفيذي وتوجيه فعالياته والتدخل في إدارته. وللأمانة العامة الحق الصريح في الحصول على المعلومات والوثائق السرية على كل درجاتها وبشكل مستمر عند طلبها من الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات والأشخاص. ويقول عبد الجليل إنه «بهذه الصلاحيات أصبحت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي تشكل ذاكرة الدولة ومركز عملياتها. وأصبح مجلس الأمن القومي مرتبطا بعلاقات مباشرة بمؤسسات الدولة مثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية، والمجلس الأعلى للتعليم، وجهاز تخطيط الدولة، والمحافظات والوزارات ويقوم بتوجيهها». معتبرا أن «ذلك التنوع الجلي والتخصصية الدقيقة يشير إلى مدى النفوذ والسلطات التي حازتها المؤسسة العسكرية بعد انقلاب 1980، ما جعلها أشبه بجهاز مخابراتي يعنى بكل شؤون المجتمع التركي وتوجهاته».

كان الجيش في السبعينات والثمانينات يقاتل اليسار ويشكل سدا أمام «المد الشيوعي»، حتى أن وحدات منه ذهبت إلى كوريا لقتال الشيوعيين خلال الحرب الكورية وأبلت بلاء حسنا، لكن الوضع تغير بعد انهيار الشيوعية وتنامي المد الإسلامي الذي وصل إلى تركيا بفوز حزب الرفاه الإسلامي في الانتخابات المحلية عام 1994، ثم الانتخابات البرلمانية في العام اللاحق ليشكل الإسلاميون حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم. وتكشفت المعلومات لاحقا عن تخصيص الجيش وحدات عمل خاصة لمراقبة نشاط الإسلاميين في كل مفاصل البلاد اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، حتى كان أن انعقد مجلس الأمن القومي في فبراير (شباط) 1997 لمدة 9 ساعات أصدر بعدها «توصيات» إلى الحكومة عدها الكثيرون بمثابة انقلاب، وشكلت خطة واضحة لإعادة فرض الدولة لسيطرتها على المؤسسات ذات الطابع الإسلامي وتنشيط القوانين التي تهدف إلى تقليص مظاهر الحياة الإسلامية في البلاد. حتى أن «وثيقة الأمن القومي» التي صدرت في وقت لاحق من ذلك العام وضعت «الخطر الإسلامي» في الواجهة، معتبرة أن «مظاهر الحياة الإسلامية وصعود الإسلام السياسي هما الخطر الأول على الأمن القومي التركي».

شكل إسلاميو «الرفاه» الذي حلته المحكمة الدستورية لاحقا حزب الفضيلة الذي سقط بدوره تحت وطأة الضغط الذي مارسه الجيش، لينشق عن خليفته (حزب السعادة) حزب جديد هو «العدالة والتنمية» بقيادة «بائع الكعك» رجب طيب أردوغان.

تسلح أردوغان الفائز في انتخابات عام 2002 ب«معايير كوبنهاغن» ليواجه الجيش، فتبنى مطلب أتاتورك «الانضمام إلى أوروبا» وبدأ العمل على الانضمام إلى اتحادها، مطلقا سلسلة إصلاحات قانونية ودستورية عنوانها «الوفاء بمعايير كوبنهاغن من أجل الموافقة على بدء المفاوضات مع تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». فطرح في بدايات عام 2003 حزما قانونية جديدة متوافقة مع معايير كوبنهاغن بهدف إعادة هيكلة المؤسسات. ومثلت 7 حزم قانونية صادق عليها البرلمان في 30/7/2003 نقطة التحول الأقوى في العلاقة بين العسكريين والمدنيين داخل مجلس الأمن القومي وأمانته العامة – أهم أسلحة المؤسسة العسكرية في السياسة الداخلية – فقلص صلاحياتهما إلى حد كبير ملغيا هيمنة المؤسسة العسكرية على بنية مجلس الأمن القومي، مقلصا سلطات المجلس التنفيذية وعمل على زيادة عدد الأعضاء المدنيين في المجلس، محولا مجلس الأمن القومي وأمانته العامة إلى جهاز استشاري وإفقاده إلى حد كبير وضعيته التنفيذية. كما تم تغيير صفة قرارات المجلس من كونها توصيات يدفع بها إلى مجلس الوزراء إلى قرارات يُعلن بها مجلس الوزراء. كما سحب من الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي حقها في الحصول على المعلومات والوثائق السرية بكل درجاتها عند طلبها من الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات ورجال القانون. وتم أيضا تعديل المادة رقم 30 من قانون الجهاز المحاسبي التي كانت تعفي الكوادر العسكرية من الخضوع للرقابة المالية.

كما تم إجراء تعديل دستوري آخر في مايو (أيار) 2004 فتم إلغاء عضوية الجنرال العسكري داخل مجلس إدارة المجلس الأعلى للتعليم. وتعديل دستوري آخر في أغسطس (آب) 2004 ألغى عضوية الجنرال العسكري داخل اتحاد الإذاعة والتلفزيون. وشملت التعديلات الدستورية والقانونية أيضا السماح برفع الدعاوى القضائية لاستجواب ومقاضاة الجنرالات القدامى بشأن قضايا الفساد، وإلزام العسكريين بالإدلاء بالتصريحات الإعلامية فقط في المجالات التي تتناول الشأن العسكري والأمني، وتحت إشراف السلطة المدنية أيضا، وكذلك تم إلغاء إمكانية محاكمة المدنيين داخل المحاكم العسكرية.

ويأتي التعديل الجديد ليسمح بمقاضاة العسكريين أمام المحاكم المدنية، وتحديدا أولئك الذي قاموا بانقلاب عام 1982 سعيا من حزب العدالة إلى «توجيه رسالة مفادها أنه لم يعد مسموحا بقيام انقلاب كل 10 سنوات» كما يقول مستشار أردوغان إبراهيم قالن. ويبرر قالن نجاح أردوغان في تقليص قدرة الجيش مقابل فشل الآخرين ب«مجموعة عوامل»، أولها أن هناك «مطالبة متصاعدة بالمزيد من الديمقراطية والشفافية في الشارع التركي، وهذا أمر يشمل كل المجتمع التركي، سواء كان متدينا أو يساريا أو قوميا أو علمانيا». ويقول: «غالبية الشعب التركي تريد أن تعيش في نظام ديمقراطي حقيقي، حيث يمكنهم انتخاب قادتهم، وحيث يعرفون أنهم يستطيعون مراقبة هؤلاء. وتركيا تغيرت كثيرا، فهي مجتمع منفتح، والمجتمع المدني فيها أصبح مؤثرا جدا وفعالا». أما الأمر الثاني، فهو أن رئيس الوزراء شخصيا استطاع أن يبني علاقات جيدة جدا مع الجنرالات، فكل الضباط رفيعي المستوى عمل معهم واستطاع أن يقنعهم بأنه ليس من مصلحة الجيش التدخل في السياسة، لأنهم إذا فعلوا ذلك فصورتهم ستتضرر أمام الرأي العام ويفقدون إيمانهم بالجيش. كما أن الرئيس عبد الله غل لعب دورا رئيسيا في أن يشرح للجيش بأن للجيش حدودا يجب أن يقف عندها. وأن الجيش هو مؤسسة محترمة جدا في مجتمعنا، ونحن نفخر به، فهو ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. وكما قال رئيس الوزراء فإن أي شخص في هذه البلاد يمكن أن يمارس السياسة، الجنود والقضاة، لكنهم لا يمكن أن يقوموا بذلك من دون أن يخلعوا بذتهم الرسمية. فليستقيلوا وليمارسوا السياسة كيفما شاءوا. وقد تقبل العسكريون هذا وكان الانتقال سلسا للغاية.

لم يكتف أردوغان بتقليص صلاحيات الجيش، بل دعم تحقيقا واسعا يجري الآن في تركيا بالتزامن مع الاستفتاء حول شبكة عسكرية يقول الادعاء العام إنها كانت تخطط للانقلاب على حزب العدالة والتنمية، ومع نجاح أردوغان في منع إيصال شخصية متشددة و«معادية» إلى قيادة الجيش أواخر الشهر الماضي، حقق رئيس الحكومة نجاحا آخر ضد الجيش، رافعا في اليوم التالي «دعوى تشهير» ضد أحد قادته المناوئين له. وبالتزامن مع التحضيرات للاستفتاء، أتى استطلاع الرأي الذي نشره مركز «متروبول» ليضيف أزمة جديدة إلى أزمات الجيش التركي الذي يشكو من «الحرب الدعائية ضده»، فقد وضع الاستطلاع الجيش في الأخير بين جميع مؤسسات الدولة الأخرى لجهة ثقة الشعب. وقال منظمو الاستطلاعات إن هيئة الأركان العامة سجلت أدنى المستويات في استطلاعات الرأي على مدى السنوات الثلاث الماضية. وردوا «الانخفاض في ثقة الجمهور في هيئة الأركان العامة إلى سببين رئيسيين هما محاولات الجيش التدخل في السياسة ومؤامرات الانقلاب، وفشله في الحرب ضد الإرهاب»، وقال محمد ميتنر، المحلل في صحيفة «ستار» اليومية «إن الجيش يفقد أكثر هيبة في نظر الجمهور لسعيه عنصرا فاعلا في السياسة. مشيرا إلى أن محاولات هيئة الأركان العامة في التأثير على السلطة القضائية في قضية شبكة (أرغينيكون) المتهمة بالإعداد للانقلاب إلى انخفاض في ثقة الناس في هيئة الأركان العامة». أما غولاي غوكتورك، المحلل في صحيفة «بوغون» فقد أشار إلى سبب آخر هو «رفض هيئة الأركان العامة التواصل مع الجمهور».

ورأى عبد الله بوزكورت الكاتب في صحيفة «زمان توداي» أنه مع رئيس لنوع جديد من هيئة الأركان العامة هناك «فرصة لتنسيق العلاقات بين المدنيين والعسكريين بطريقة غير تصادمية على نحو كبير أكثر ملاءمة لتركيا الحديثة والديمقراطية». مشيرا إلى أنه لمس من حديث قائد الجيش الجديد أن «كلا من الحكومة والجيش على نفس الصفحة حول الأساليب واتجاه السياسة الخارجية التي هي من دون شك علامة جيدة». مستعيدا بعض الذكريات السيئة عن «تدخل الجيش في السياسة من وراء الأبواب». وقال: «نحن نعلم جميعا كيف تم تصنيف مواطني هذا البلد وفقا لهويتهم العرقية أو المعتقدات الدينية أو الالتزامات الآيديولوجية».

أما يافوز البيدر الكاتب في الصحيفة نفسها فقد تحدث عن «أوقات عصيبة للجيش التركي»، داعيا إلى تناول المسائل الخلافية «بطريقة حضارية، وحلها من خلال مفاوضات متأنية بين الحكومة والجنرالات. لمزيد من النجاح في هذا المجال، وللإسراع في عملية التطبيع».

* ثامن أكبر جيش في العالم.. مكون من 4 جيوش ميدانية

* تعد القوات المسلحة التركية ثاني أكبر جيش في حلف شمالي الأطلسي (الناتو) بعد الولايات المتحدة وهي ثامن أكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود الموضوعين في الخدمة وأكبر من الجيشين الفرنسي والبريطاني مجتمعين إذ يبلغ عدده 514 ألف جندي في الخدمة و380 ألفا في الاحتياط.

وتترأس هيئة الأركان القيادة العملية للقوات المسلحة، وهذه القوات تتألف من قيادة القوات البرية وقيادة القوات البحرية وقيادة القوات الجوية، بالإضافة إلى سيطرتها على قوة الدرك والدفاع المدني في أوقات الحرب.

وتنضوي تحت قيادة القوات البرية 4 جيوش ميدانية، في 4 مناطق عسكرية استنادا إلى العناصر الاستراتيجية من حيث التضاريس، والتموين، والاتصالات، والخطر الخارجي المحتمل. وتم إيكال مهمة الدفاع عن هذه القطاعات إلى الجيوش الأربعة التي يصبح أول 3 منها تحت قيادة ال«ناتو» حال إعلان الحلف الأطلسي الإنذار. ويتمركز الجيش الأول في منطقة مرمرة وتقع قيادته في إسطنبول وقسم كبير منه منتشر في الجزء الأوروبي من تركيا. مهمته حماية مدينة إسطنبول، ومضيقي البوسفور والدردنيل وشبه جزيرة كوجائلي. ويتمركز الجيش الثاني في جنوب شرقي تركيا ومقره في مالاطيا، وينتشر في منطقة جنوب شرقي الأناضول على حدود سورية وإيران والعراق. أما الجيش الثالث فينتشر في شمال شرقي تركيا وقيادته في أرزينجان، وينتشر شرق الأناضول ويغطي الحدود مع جورجيا وأرمينيا وأذربيجان ومن الشرق والمنطقة الشمالية الشرقية. أما الجيش الرابع ويسمى جيش إيجه في المناطق المحاذية لبحر إيجه ومقره أزمير وقد تم إنشاؤه في السبعينات نتيجة التوتر آنذاك مع اليونان في بحر إيجه. ويرتبط الجنود الأتراك المنخرطون في مهمة حفظ السلام في قبرص بالقيادة المركزية للجيش الرابع من حيث الهيكلية.

أما قيادة القوات البحرية فتنضوي تحتها قيادة الأسطول والقيادة الميدانية للبحر الشمالي والقيادة الميدانية للبحر الجنوبي وقيادة التدريب والتمرين البحري. وهي تتألف من 13 غواصة و18 فرقاطة و6 سفن حربية و20 كاسحة ألغام، و24 قاربا هجوميا، أما القوات الجوية فهي تتألف من 19 سربا مقاتلا، سرب استطلاع، سرب ناقلات، 5 أسراب نقل، 3 أسراب بحث وإنقاذ، 10 أسراب تدريب.

* أنظمة تسلح غربية.. وإنتاج محلي

* معظم أنظمة التسلح التي تستخدمها القوات التركية أميركية المصدر، لكن تركيا عملت خلال السنوات الأخيرة على الاعتماد على أنظمة تسلح من دول أخرى منها: ألمانيا، إنجلترا، فرنسا، روسيا، وإسرائيل. وفي موازاة ذلك، تقوم تركيا بإنشاء صناعتها الدفاعية الخاصة لتحقق الاكتفاء الذاتي من ناحية صناعة الأسلحة، وهي تسعى أيضا إلى الدخول في مشاريع إنتاج أسلحة وأنظمة تسلح مشتركة وذلك بالحصول على تراخيص إنتاج من بلد المنشأ، الأمر الذي يسمح بانتقال التكنولوجيا إليها، وقد باشرت بعض المشاريع الخاصة بها.

==========================

تركيا وخطر استهلاك الديموقراطية

المستقبل - الاربعاء 1 أيلول 2010

العدد 3758 - رأي و فكر - صفحة 19

عصام حداد ()

بارتياح عميق تلقت عائلة الكاتب التركي الأرميني الأصل هرانت دينك كلمات الرئسي التركي عبدالله غيل في مؤتمره الصحافي يوم الاثنين المنصرم (16/8/2010): "فقد حياته للأسف بسبب عدم إجراء اللازم لحمايته".

في هذا الكلام اتهام مباشر لأجهزة الدولة التركية لانها لم تحل في كانون الثاني/ يناير 2007 دون اغتيال الكاتب هرانت دينك الناشر للمجلة الأسبوعية "اغوص" الأرمنية الوحيدة في اسطنبول.

إنها صفعة للبوليس الذي كان على علم بأن هناك في الطريق مَن يقصد "دينك" لقتله، ولم يحرك ساكناً لمنعه. إنها صفعة لحاكم استانبول الذي لم يستجب لطلبات "دينك" المكررة لتأمين حماية له، او هي صفقة ايضاً للقاضي الذي تناسى دعوة الشهود في الجريمة وغض النظر عن الكشف عن الذين يقفون وراء هذه الجريمة النكراء من القوميين الأتراك المتعصبين.

وفي كلام الرئيس غيل عزاء لأصدقاء ولعائلة "هرانت دينك" التي هالها أن يحكم على عميدها((* بتهمة "استفزاز المشاعر القومية التركية" وقورن بينه وبين النازي الالماني "ميشائل كينون"، الذي ادين مراراً لاستفزازه مشاعر الشعوب الأخرى: "لقد تجمّدت الدماء في عروقنا" قال "اورهان دينك" شقيق المغدور "هرانت" "حين قاربت الدوائر القانونية في الخارجية التركية كتابات "هرانت" مع هلوسات النازي الالماني كينون، في حين كرس "هرانت" حياته كلها من أجل المصالحة والتوافق بين الشعبين التركي والأرميني.."، وبعد اغتيال هرانت عدلت المادة 301 من القانون وبات يرفض 9 من 10 دعاوى مماثلة، كما صرح وزير العدل سعدالله ارغين مؤخراً.

تركيا الجديدة؟!

"تركيا التي اعتادها بعضهم لم تعد موجودة، واليوم تقوم بلادي بدور نشط على جبهات عدة، وهذا لا يروق لبعضهم". بهذا الكلام علق الرئيس التركي غيل أيضاً على تصريحات لمسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة عبرت عن قلقهم من "التصرفات التركية مؤخراً".. فالسيد فيليب غوردن، المسؤول عن قسم اوروبا في الخارجية الأميركية عقب على اجتماع الرئيس الأميركي اوباما إلى رئيس الوزراء التركي اردوغان، على هامش مؤتمر تورنتو الأخير (يونيه 2010) لمجموعة العشرين: "نحن واثقون من استمرار وقوف تركيا إلى جانب الولايات المتحدة والأطلسي وأوروبا، إلا أن عليها أن تقدم البرهان على ذلك خصوصاً ان بعضهم أثار الشكوك مؤخراً حول ذلك وفي هذا ما يعيق احياناً جهودنا في الولايات المتحدة لتقديم الدعم لتركيا"!!

في رد الاعتبار للكاتب التقدمي الارميني التركي "هرانت دينك" يحرص الرئيس التركي على التقارب الحذر التركي الارميني الذي بدأ في العام المنصرم وأنتج بروتوكولات زوريخ التي تنص على فتح تركيا لحدودها مع ارمينيا وتشكيل لجنة من المؤرخين الخبراء للوصول إلى تقييم مشترك لما بدأ في 24 أبريل/ نيسان عام 1915 من اعتقال لمجمل النخبة الارمينية في استانبول وانتهى بعمليات طرد وابعاد جماعي لارمن الأناضول أودت بحياة مئات الألوف منهم حتى عام 1917، في غمرة الحرب العالمية الأولى وإرثها الثقيل على مصير شعوب الامبراطورية العثمانية من أتراك وأكراد وعرب وأرمن ويونان الخ.. وحتى كتابة هذه السطور أعلنت 20 دولة في العالم ما لحق بالشعب الأرميني بأنه جريمة "إبادة"، الأمر الذي ترفضه تركيا الكمالية العسكرية والقومية الشوفينية جملة وتفصيلاً.

وما تحقق عبر بروتوكولات زوريخ هو خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح ولقي الدعم من حكومة اوباما، رغم ان حكومة اردوغان لم تصادق عليها (عبر البرلمان) إلى أن يتم حل مشكلة احتلال ارمينيا لأراضي اذربيجان، ناغورني كاراباخ وغيرها؟!

تحول ديموقراطي ليبرالي أم استهلاك للديموقراطية!

تجدر الاشارة هنا إلى خطأ توصيف ما لحق بالشعب الارميني "عملية الابادة الاولى" في التاريخ المعاصر، فقد سبق ذلك ابادة فعلية لشعبي "هراره" و"نام" في جنوب غرب افريقيا عام 1904 على يد القوات الالمانية الملكية بقيادة الجنرال "فون تروتا".

كما ان اقتراح الحكومة التركية اليوم بالتعويض على عائلة "دينك" أمر لا يستقيم بمعزل عن إعادة كتابة التاريخ لانصاف الشعب الارميني من جهة ومتابعة الجهود لانصاف الشعب الكردي وتحقيق حلم رئيس بلدية دياربكر من جهة ثانية: "ان يرفرف العلم الكردي إلى جانب التركي أمام مبني بلدية ديار بكر..". فكلا المأساتين وجهان لعملة الاضطهاد القومي الشوفيني التي ما زالت تسهر على تداولها ارستقراطية المدن والنخبة العسكرية والبيروقراطية المتحجرة من بقايا الحركة الكمالية.

وفي متابعة معركة تعديل الدستور عبر الاستفتاء في 12 أيلول المقبل، وإعادة الحقوق لنقابات العمال التي حرمت منها منذ انقلاب 1980 الدامي الفاشي، تتحصن الديموقراطية الحديثة كما يروق للرئيس اردوغان ان يقدم مشروع حزبه للعدالة والتنمية على المسرح السياسي الاوروبي خصوصاً والعالمي عموماً، وهكذا يتعزز فعلاً التحول التاريخي الديموقراطي الليبرالي الذي بدأ بزخم العاصفة التي هبت من أقاصي الاناضول ضد سلطة النخبة وتفتح الأبواب على مصراعيها لأوسع مشاركة جماهيرية تحصن الديموقراطية الحديثة البرلمانية من أخطار هجمة مضادة تستهلك الديموقراطية وما يترتب على ذلك من كوارث. ودروس التاريخ لا تمحوها تطمينات نائب رئيس الوزراء التركي شامل سيسك من ان "الزمن الذي كان فيه العسكر ينصبون المشانق لرؤساء الوزراء قد ولى إلى الابد...".

 () كاتب لبناني مقيم في برلين

() بموجب مادة القانون301

==========================

أوباما بحاجة إلى إعادة تعلم فن السياسة

إي جيه ديون

الشرق الاوسط

1-9-2010

يؤكد خطاب الرئيس أوباما إلى الأمة بشأن العراق الأسبوع الحالي على معاناة رئاسته ومشكلتها السياسية الأساسية. وبالنظر إليها من الداخل، تعد الإدارة الحالية ناجحة نجاحا مذهلا؛ لقد حافظ أوباما على وعوده الأساسية، وبإمكانه أن يحظى بالاستحسان بشأن الإنجازات التي استعصت على أسلافه الديمقراطيين.

لقد تعهد بسحب جميع القوات القتالية من العراق بنهاية الشهر الحالي، فقد أنجز هذا الأمر. وقد صادق الكونغرس الأميركي على تشريع الرعاية الصحية الشاملة، وعلى إصلاح جذري لتشريعات النظام المالي، ونجح إنقاذه لصناعة السيارات الأميركية، مما أحبط التوقعات بأنه سيدير «جنرال موتورز» و«كرايسلر» وكأنهما أذرع آلة الحزب الديمقراطي في شيكاغو. هناك الكثير من الإجراءات التشريعية والإدارية التي كانت ستصبح أكثر أهمية، في الظروف الطبيعية، إذا لم تكن هذه الأوقات أوقاتا استثنائية، وعصيبة. ومع ذلك لا تفسر الطبيعة الصعبة للوقت الحالي جميع جهود الرئيس. صحيح أن إنجازاته سيكون له آثار مهمة وطويلة المدى، حتى إذا لم تقضِ على القلق الرئيسي في البلاد، وهو استمرار التباطؤ الاقتصادي. بيد أن أوباما وحزبه في وضع صعب نظرا لأن الرئيس اختار أن لا يقحم البلاد في حوار موسع بشأن ما يربط جميع إنجازاته، أو السبب وراء موقفه إزاء الحكومة أكثر أهمية من الهجمات العشوائية للمحافظين على كل شيء قد تفعله واشنطن لتحسين جودة الحياة في البلاد.

وكانت هناك لحظة كشف في مطلع شهر أغسطس (آب) عندما أخبر أوباما الحاضرين في حفل لجمع التبرعات في تكساس: «لقد قضينا الشهور العشرين الماضية في الحكم، وقد قضوا الشهور العشرين الماضية في المناورات السياسية». وبالإشارة إلى الانتخابات الوشيكة، أضاف: «حسنا، نستطيع القيام بمناورات سياسية لثلاثة أشهر. لقد نسوا أنني أعرف كيف أخوض السياسة بصورة جيدة».

ولوحظ خطأ أوباما في هذه الإشارة التي تنطوي على ازدراء ل«السياسة». في أي بلد ديمقراطي، من المستحيل فصل الحكم عن «السياسة»، ولا تقل «المناورات السياسية» عن الجهد الدائر لإقناع المواطنين الأحرار بمزايا مجموعة من الأفكار والسياسات والقرارات. يشعر الناخبون بالارتياح تجاه السياسيين الذين يضعون ما يقومون به في سياق مقنع. ويستطيع المواطنون تحمل الانتكاسات ما داموا يعتقدون أن الاتجاه العام لنهج الحكومة صائب.

وكان فرانكلين دي روزفلت عبقريا في تقديم مثل هذه التطمينات، وهو السبب وراء أن الأحاديث غير الرسمية له تعد جوهر الأسطورة السياسية. ولم يوقف رونالد ريغان قط الحملات الداعمة لرؤيته المحافظة، لأنه كان عازما على ترك حركة محافظة ناجحة. وغير كل من روزفلت وريغان الافتراضات الفلسفية الكامنة في البلاد.

وعلى الرغم من دخوله من حين إلى آخر في هذا العالم، خلق أوباما الانطباع بأنه يتخذ قرارا في بعض الأوقات من دون الاهتمام بالوضع الذي يريد أن تكون عليه البلاد في المدى الطويل.

ويكون هو وحزبه في كثير من الأحيان في وضع دفاعي عندما يتعلق الأمر بالقول إنهم يعتقدون في الحقيقة أن الحكومة فائدة إيجابية، وأن الكثير من عدم المساواة الاقتصادية يعد اختلالا وغير عادل، وأن الرأسمالية لم تنجح قط من دون تشريع وجرعة قوية من التأمينات الاجتماعية. لم يعودوا يجرؤون على الحديث بشأن المؤسسة العامة، وهي العبارة التي ذكرني بها صديقي كريس ماثيوز في الآونة الأخيرة، والواضحة في جامعات الولايات لدينا، ومدارسنا العامة، وأنظمة الطرق والنقل، وفي الأبحاث والتنمية التي تمولها الحكومة في مجالات لا يكون فيها أرباح فورية يمكن تحقيقها.

أعرف أن المكتب الصحافي لأوباما يستطيع أن يرسل إلى خطابات قام فيها ببعض هذه النقاط، بيد أن جهود الرئيس الرامية إلى وضع أساس منطقي وفلسفة متسقة كانت عشوائية. لقد خلق فراغا، ملأته الاتهامات المتهورة لغلين بيك، وخيبة أمل التقدميين الذين يؤكدون على ما لم يفعله، وعبارة «الحكومة المنهكة هي دوما المشكلة» التي يطلقها خصومه المحافظون. لذا أعطى نفسه وحلفاءه الديمقراطيين دفاعات ضعيفة ضد موجة من الكآبة الاقتصادية.

لقد فات الأوان لتحويل انتخابات التجديد النصفي إلى نصر للإدارة، لكن الوقت لا يزال سانحا لإنقاذ الأغلبية البرلمانية لحزبه. ونظرا للتوقعات الكئيبة للحزب الديمقراطي، سيتم تصنيف ذلك الآن على أنه نصر، لكن القيام بذلك سيتطلب من أوباما التفكير مجددا بشأن ماذا تعني «المناورات السياسية» في الحقيقة، لبدء معارك أكثر نظاما مع خصومه، ولتخطيط إلى أين يحاول تحريك الدولة، من دون مواربة أو اعتذار. من السيئ للغاية أنه لم يبدأ مبكرا.

* خدمة «واشنطن بوست»

==========================

نصف قرن على تأسيس «أوبك»

الاربعاء, 01 سبتمبر 2010

رندة تقي الدين

الحياة

في 14 ايلول (سبتمبر) 1960 اجتمع وزراء نفط فنزويلا بيريز الفونسو والسعودية عبدالله الطريقي وإيران فؤاد روحاني ووزير التخطيط العراقي طلعت الشيباني ومعاون مدير المالية في الكويت أحمد سيد عُمر في بغداد بحضور ممثل قطري مراقب ليوقعوا وثيقة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط. كانت خطوة بمثابة انتفاضة على الشركات النفطية العملاقة التي استفادت طويلاً من سيطرتها على موارد هذه الدول وأرادت بين 1959 و1960 خفض عائدات الدول النفطية من دون استشارة الحكومات. فتأسست منظمة «أوبك» وكان للوزير السعودي الطريقي ونظيره الفنزويلي بريز ألفونسو دور أساسي في إنشاء هذه المنظمة التي تحتفل هذا الشهر بمرور نصف قرن على تأسيسها.

فانتفاضة الدول المنتجة للنفط ضد الشركات العملاقة التي كانت تستفيد من موارد هذه الدول على حساب الشعوب التي حُرِمت طويلاً من عائدات كانت من حقها الشرعي أثارت موجة من ردود الفعل العالمية. وحتى اليوم وقد تغيّر العالم ما زالت بعض الأوساط الغربية تنظر الى «أوبك» نظرة سلبية وتنعت المنظمة بأنها «كارتيل» يحتكر الانتاج والأسعار للإساءة الى العالم.

إلا أن واقع الحال أن «اوبك» أصبحت الآن منظمة تضم 12 دولة منها من انتسب لعضويتها مؤخراً مثل أنغولا والأكوادور التي كانت خرجت منها وعادت إليها لأهمية الاستفادة من عضويتها. ولا شك في أن خلال نصف القرن الماضي تغيّرت المنظمة وأصبحت تحظى باهتمام كبير من كل المتعاملين في الأسواق من شركات أو مستثمرين أوحكومات. وذلك يظهر في مؤتمراتها العديدة التي تعقد في فيينا أو في الدول الأعضاء، حيث حضور المستثمرين وممثلي الشركات والمؤسسات المالية في بهو الفنادق التي تستضيف الوفود ملاحظ بكثافة، وكذلك الحشود الإعلامية، ومواكبتها وزير النفط السعودي علي النعيمي (وهو وزير أكبر دولة نفطية في المنظمة) في رياضة السير الصباحية في محاولة من الصحافيين للحصول على أي إشارة تفيد الأسواق. فإذا قال النعيمي ان السوق مستقرة يسرع ممثلو وكالات الانباء الى الهاتف لنقل ذلك. وإذا قال إن هناك تجاوزات في الانتاج فعلوا الشيء نفسه، واذا كان صامتاً يقلق الإعلام وتكثر التكهنات «أن ربما هناك خلاف أو مشكلة».

ف «أوبك» فرضت نفسها على العالم وعلى الأسواق النفطية. ومنذ حوالى عشر سنوات أظهرت قدرة كبيرة على تجاوز الخلافات السياسية داخلها. وعلى رغم حربين بين أعضائها، الأولى حرب الخليج بين إيران والعراق ثم اجتياح العراق للكويت والآن العقوبات العالمية على إيران والحرب الأميركية على العراق والانسحاب الأميركي من العراق، استطاعت «اوبك» أن تحمي مواردها وعائداتها من ثرواتها الطبيعية وان تحافظ على استقرار الأسواق بفضل السعودية، أكبر منتج للنفط في المنظمة. فلولا تعقل بعض الوزراء فيها وعملهم الدائم على تحييد المنظمة عن الخلافات السياسية لما تمكنت من تجاوز الأزمات وحماية عائداتها. وفي طليعة هذه المجموعة من الوزراء الذين نجحوا في تحييد المنظمة عن الأزمات علي النعيمي ونائب رئيس الحكومة القطري عبدالله العطية وكلاهما يتولى منذ زمن طويل المسؤولية في قطاع النفط في بلده. وواقع الحال أن مؤتمرات «اوبك» كانت تستغرق في الثمانينات والتسعينات أسابيع من المفاوضات والخلافات السياسية بين أعضائها. ومنذ حوالى عقد تغيرت الأمور وأصبحت الاجتماعات تستغرق يوماً لا أكثر والقرارات تؤخذ كما في مجلس إدارة شركة عملاقة، من دون الخوض في السياسة، وهذا أدى الى نجاح المنظمة في فرض نفسها لحماية مصالح الدول الأعضاء وعائداتها والحفاظ على استقرار النفط ومستقبله على الساحة العالمية.

==========================

رأي في الديموقراطية

آخر تحديث:الأربعاء ,01/09/2010

ميشيل كيلو

الخليج

يستحق رأي الفيلسوف النمساوي كارل بوبر حول معضلات الحرية والديمقراطية أن يصل إلى الجمهور العربي الواسع، لأسباب مهمة بينها أن الرجل عاش في بلد عانى كثيراً العوز ونقص المناعة الديمقراطيين، لذلك درس بإمعان حالة أثينا التي تعد مختبر ومهد الديمقراطية في العصر القديم، وتالياً في التاريخ البشري، والموقع الذي سادت فيه كنظام حياة وحكم، بعد أن عصفت بمصيرها مراحل متلاحقة من الفوضى والحروب والصراعات الداخلية والخارجية، عرفت خلالها نظماً سيطر عليها حكام طغاة، لم يمنعهم طغيانهم من أن يكونوا رجالاً بارزين، حققوا مآثر ثقافية وسياسية عظيمة حفظتها الدهور، أكثرهم أهمية وشهرة بيزيستراتوس، لكنهم لم ينجحوا، رغم كل شيء، في إخراجها من القلاقل والعنف، وفي ضمان الاستقرار لها .

 

ويتضمن رأي الفيلسوف والمفكر النمساوي بوبر معطيات مهمة ومفيدة لنا نحن العرب، بما أنه ينصبّ على دراسة أوضاع شبيهة بأوضاعنا الراهنة، تقاسمتها أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد مع وطنه النمسا خلال القرون الثلاثة الأخيرة، ومع أوضاعنا العربية في النصف الثاني من القرن العشرين بخاصة، لذلك يمكن اعتبار تجربته وأفكاره مليئة بالعبر والدروس النافعة بالنسبة إلينا، مثلما كانت بالنسبة إلى موطنه الذي عانى حالاً من الفوضى والقلق الوجودي تشبه حالنا، قبل أن يقوم فيه نظام ديمقراطي من النمط الغربي عقب الحرب العالمية الثانية، فرضه الاحتلال عليه بالقوة، بعد أن اجتاحت جيوشه البلاد وعاملتها معاملة ألمانيا النازية التي كانت قد أجبرتها على الاتحاد معها عام 1938 وعلى خوض الحرب العالمية الثانية (1939 1945) إلى جانبها، وخرجت من الحرب مهزومة ومحتلة مثلها .

 

يتلخص رأي بوبر في نقاط قليلة هي الآتية:

 

في أقوال مفكري وفلاسفة أثينا القديمة، هناك ثلاثة أنواع من الحكم هي: الحكم الملكي وهو حكم رجل واحد طيب، والحكم الأرستقراطي، وهو حكم قلة من الرجال الطيبين الأخيار، والحكم الديمقراطي: حكم عامة الناس وأغلبيتهم . في حال انفلات أنظمة الحكم الثلاثة من الرقابة وانحرافها عن خط سيرها الأصلي، فإنها تفقد هويتها الأصلية فينقلب الحكم الملكي إلى طغيان فرد شرير، والأرستقراطي إلى حكم أوليغارشي تمارسه قلة من الشريرين، والديمقراطي إلى فوضى، بحكم أن العامة شريرون وفاسدون في معظمهم، حسب رؤية أفلاطون .

 

كي لا ينقلب الحكم الملكي إلى طغيان، ولا يتشوه الحكم الأرستقراطي، تمس الحاجة إلى نظام يحول دون تركيز السلطات وتجميعها في يد واحدة أو أيد قليلة، هو النظام الديمقراطي، الذي تكمن مزاياه في حقيقة أنه ليس نظاماً للسيادة الشعبية، بل هو قبل كل شيء نظام مؤسسات منفصلة ومزودة بوسائل دفاع فعالة ضد حكم الفرد أو الدكتاتورية، يحول دون جمع السلطات أو منح سلطات مطلقة وتعسفية لأي فرد أو أية مؤسسة، بينما تتحدد فيه بوضوح سلطة الدولة، وتصان حريات الأحرار ضد أي شكل من أشكال السلطة عدا سلطة سيادية واحدة هي سلطة القانون، ويمنع التخلص السلمي من الحكومة القائمة نشوب العنف والفوضى، وإراقة دماء المواطنين، حين تتخلى عن واجباتها وتضخم حقوقها وتمتلك سلطة مفرطة وصلاحيات غير مقيدة، ولا تستند إلى القانون .

 

لكن الحرية نفسها قد تنفلت من أي قيد في النظام الديمقراطي وتتحول إلى فوضى، فما العمل عندئذٍ؟

 

يقول بوبر في الرد على هذا السؤال: الحرية متعسفة بطبيعتها، وخروجها على ضوابطها حتمي، لذلك تمس الحاجة إلى دولة تحد من تعسفها من دون أن تفرض عليها قيوداً تقتلها أو تنتهكها، على أن تستخدم هي، أي الحرية، بالمقابل، للحد من تعسف الدولة وكبح ميلها إلى العنف والقوة . لا يجوز أن تنتهك الدولة الحرية إلى حد القضاء عليها، لأن الحرية، في رؤية الفيلسوف الألماني كانط، “ضرورية للتعايش الإنساني”، ولأن الدولة في غياب الحرية تصير دولة أبوية تمارس “حكماً هو أسوأ استبداد يمكن تصوره” . وإذاً، من الضروري أن تكون الدولة مقيدة بحدين: رعاية التعايش الإنساني، وحفظ الحرية بالقانون، وإلا فإنها لن تكون دولة مؤسسات تجازي وتعاقب، السيد الوحيد فيها هو القانون الذي يفرض عليها احترام حقوق الإنسان والمواطن ويجعلها أمراً واقعاً لا يتم تجاوزه أو انتهاكه بغير مساءلة وعقاب، كائناً ما كانت الجهة التي تفعل ذلك . إن أي اعتداء على حرية الإنسان وحقوقه هو، في نظر كانط، فعل يتخطى في تأثيره الفرد، يقوض التعايش الإنساني ويقضي على الحرية كأساس تنهض عليه الدولة ويوجد به المجتمع، كما قال فلاسفة أوروبا في الفترة ما بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر، ممن اعتبروا الدولة مؤسسات تضمن المجتمعية عبر ضمان السلم الأهلي والتعايش المدني والقانوني بين المواطنين، ومن خلال عقد بين المواطن والدولة ينمي الحرية والخضوع للقانون في آن معاً .

 

في رأي بوبر: للديمقراطية هدفان: منع اندلاع الفوضى في المجتمع، وإنجاز تحول سلمي في السلطة يحول دون إراقة دماء المواطنين ونشوب حرب أهلية، عندما تمس الحاجة إلى تغيير حكومي . الديمقراطية نظام يحفظ المجتمع ويسمح في الوقت نفسه بتغيير السلطة سلمياً، فلا يكون لتغييرها انعكاس سلبي أو عنيف عليه، بينما تحافظ بالقانون على حقوق الإنسان والمواطن وتقيدها في آن معاً بسلطة دولة المؤسسات التي مرجعها قانونها وليس أي شخص، خاصة إن كان في قيادتها . يذكر بوبر في هذا السياق أن خوف أثينا من الطاغية، الحاكم الفرد، بلغ حداً جعلها تبادر إلى نفي أي حكم يحظى بشعبية واسعة، خشية أن يستغل شعبيته للانقلاب على القانون، والاستيلاء على سلطة الدولة .

 

هذه الآراء، تكتسب أهمية حقيقية بالنسبة إلينا، نحن عرب هذا الزمان الحافل بالفوضى على صعيد المجتمع، والذي صار من المستحيل إحداث أي تغيير في سلطته من دون إراقة دماء وعنف، ويفتقر فيه المواطن والإنسان العربي إلى حقوقهما افتقاراً يكاد يكون تاماً في أكثر من بلد ونظام . يقول بوبر: ليست الديمقراطية محصلة حريات فردية لا ضابط لها، بل هي نظام يحول دون الفوضى من خلال تقييد الحرية بالقانون ودولته الشرعية . ليست الديمقراطية أيضاً نظاماً ضد الدولة، بل هي توازن يستحيل قيامه ووجوده من دونها، تكون الدولة فيه شرط الديمقراطية والحرية وحافظتها وأداتها وغايتها في وقت واحد . ومع أنها لا تقيم دولة مطلقة بل تقيد الدولة بالقانون، فإن هذه لا تكون، في الوقت نفسه، طليقة اليدين ضد الحرية، الفردية والشخصية، ولا تنهض أو تبقى من دونها . ألا تمس حاجتنا، نحن عرب اليوم، إلى مجتمع منظم تضبطه دولة مؤسسات قانونية تحترم وتصون حرية مواطننا وإنساننا وحقوقهما، فلا تسمح هي بتحول الحرية إلى فوضى، وبالمقابل، لا تسمح الحرية لها بالجنوح نحو التعسف والأبوية؟

 

هذا الثالوث، الذي يمثله المجتمع الديمقراطي والمواطن الحر ودولة القانون، هو ما يشكل النظام الديمقراطي، نظام السلام والتوازن والتعايش الإنساني، الذي هو غاية السياسة ومقصدها .

 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن علينا هو ما يلي: هل يحتاج عرب زماننا إلى نظام يجنبهم الفوضى والطغيان والدولة الأبوية المستبدة التي تنتهك القانون بانتظام وشغف، وتقضي بحماسة ما بعدها حماسة على حرية الإنسان وحقوق المواطن؟ أعتقد أننا بحاجة إلى نظام من هذا النمط، وأظن أن أغلبية العرب تريده أيضاً .

 

هل نستطيع إقامة هذا النظام في ظروفنا الراهنة، وبأية طريقة، وأية أفكار وقوى وفي أي مدى زمني؟ . . هذا هو السؤال الأهم، الذي لا مفر من أن نجيب عنه بطريقة ملائمة وعملية، قابلة للتطبيق، وإلا استمر ضعفنا وعجزنا عن العيش والاستمرار في عصر مجرم لا يرحم، يأكل القوي فيه الضعيف، ومن يركض من يزحف، والمتقدم المتأخر .

==========================

الضغوط والتنازلات التفاوضية

آخر تحديث:الأربعاء ,01/09/2010

ناجي صادق شراب

الخليج

ترتبط المفاوضات في أحد أهم أبعادها بالسلوك التنازلي، ولهذا توصف العملية التفاوضية بالتنازلات، وتعرف المفاوضات بأنها عملية تبادل للتنازلات . وعليه لا تستقيم من دون تنازلات، لكن المسألة تبقى في حجم هذه التنازلات، وطبيعتها وجوهرها، وثانياً في التوازن في عملية التبادل، فلا تكون المفاوضات مفاوضات حقيقية إذا اقترنت بقيام طرف بتقديم تنازلات أكبر بكثير من الطرف الآخر، وثالثاً ما الذي يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر من مطالب، ورابعاً هذه المطالب غالباً ما ترتبط بمفهوم المصلحة الوطنية، وترتبط هذه النقطة بما يسمى بسلم التنازلات، فهناك حد أدنى لا يمكن لأي طرف تجاوزه، وقد تزيد درجة التنازل من طرف لآخر، لكن المهم ألا تتجاوز نقطة البقاء الوطني .

 

وتتوقف عملية التنازل على عوامل كثيرة بعضها يتعلق بحاجة كل طرف لما يريده من الآخر، وبعناصر القوة المتاحة لكليهما، وبالعوامل الخارجية، والداخلية لكل طرف . وتتعدد تكتيكات التنازلات التي قد يلجأ إليها كل طرف، فهناك تكتيك البدء بعرض متطرف، وتكتيك التكرارات التنازلية، وأخيراً تكتيك الفرصة الأخيرة، ومن القضايا المهمة قبل الحديث عن إشكالية السلوك التنازلي في المفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، عامل ضغط الوقت، وانتهت الدراسات في هذا الشأن إلى أن معدل التنازل يتناقض مع الموقف، وينخفض بزيادة قيود المساوم، وأن معدل التنازل يكون كبيراً في ظل ضغط زمني عال، وبالعكس مع ضغط الزمن المنخفض . ومن العوامل المهمة أيضاً معرفة كل مفاوض بما يريده الطرف المفاوض الآخر، ولا ننسى هنا كذلك عامل الإدراك والتوقع من كل طرف تفاوضي، فبقدر سرعة اللاعب في توقع تنازل الخصم بقدر ما تزيد المطالب الضغوط التي تفرض على الطرف الآخر، وبقدر إقناع الخصم بأن هذا أقصى ما يمكن تقديمه، بقدر استجابة الآخر، وتقديم تنازل من جانبه .

 

هذه المقدمة كان لا بد منها ونحن نتحدث عن إشكالية المفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، وابتداء هذه المقدمة تنطبق إلى حد كبير على السلوك التفاوضي التنازلي الفلسطيني- “الإسرائيلي”، فالسلوك التفاوضي “الإسرائيلي” من النوع الذي يمكن تسميته بالسلوك الاسترجاعي الشكلي، ولذلك تجيد “إسرائيل” فن افتعال الأزمات، التي قد توظف للضغط على الجانب الفلسطيني لتقديم مزيد من التنازلات، فالمفاوضات الفلسطينية بدأت بسلم عال من التنازل، فمقابل الاعتراف وهو ورقة تنازلية كبيرة، سمحت “إسرائيل” بقيام سلطة حكم ذاتي، وكان يفترض أن يكون المقابل أكبر من جانب “إسرائيل”، وبعدها لم تشهد المفاوضات قوة دفع ذاتية، لأنها وصلت درجة من التصادم في الحدود الدنيا لكل منهما، ويلاحظ في تتبع مسار هذه المفاوضات أن الفلسطينيين يفاوضون تحت ضغط عامل الزمن، وهو الذي يفسر لنا التنازلات الأكبر التي يقدمونها، وهنا المقارنة مهمة، فالفلسطينيون لا يملكون ما يقدمونه من تنازلات إلا في القضايا والمسائل الجوهرية، كالقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود وشكل الدولة الفلسطينية، لذلك التنازلات الفلسطينية من النوع الاستباقي والحقيقي، فمثلاً الفلسطينيون لا يملكون فرض الحصار، أو إقامة الحواجز، أو الاعتقال اليومي، أو التحكم في ما يدخل وما يخرج من سلع، أو التحكم في المسارات المالية، وكل هذه المسائل تملكها “إسرائيل” وتوظفها توظيفاً جيداً، وهي مسائل لا تكلفها أي ثمن سياسياً، بل على العكس مقابل أي تنازل فيها مطلوب من الجانب الفلسطيني أن يقدم مزيداً من التنازل، وخصوصاً في القضايا الجوهرية التي أشرنا إلينا . وهذا السلوك التنازلي هو الذي قد يفسر لنا لماذا وصلت المفاوضات إلى حالة من حالات الانسداد التفاوضي . ولمحاولة إيجاد مخرج لا بد من مراجعة هذا السلوك التنازلي لكلا الطرفين وربطه في إطار الرزمة النهائية، وفي إطار التصور النهائي للحل، والبعد عن السلوك التنازلي التجزيئي، أو مسألة تكرارية التنازلات، فلم يعد الطرف الفلسطيني يملك ما يقدمه من تنازلات في ظل هذا السياق التفاوضي، قبل أن تكون لديه رؤية سياسية للدولة الفلسطينية الحقيقية، وهذا يستلزم من “إسرائيل” بوصفها سلطة احتلال، وفي يدها الكثير الذي يمكن تقديمه أن تقوم بمبادرات جوهرية في هذا الشأن حتى تعطي للمفاوضات قوة الدفع المطلوبة، ولذلك ليس المهم البدء بالمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بقدر توفر الضمانات الإقليمية والدولية التي توفر للمفاوض الفلسطيني المبرر للدخول في عملية تفاوض محددة الهدف، ومقيدة زمنياً، أما الدوران في حلقة تفاوضية مفرغة من مضامينها ستقود بلا شك إلى مفاوضات غير مجدية، فلا يكفي التمسك بالمفاوضات والسلام كخيار استراتيجي، ولا خلاف على ذلك، ولكن في الوقت نفسه لا بد من تغيير البيئة التفاوضية، وتغيير قواعد اللعبة، وعدم جعل عامل الزمن سيفاً مسلطاً على رقاب المفاوض الفلسطيني . وأخيراً أن يعرف المفاوض الفلسطيني ماذا يمكن أن يقدم ومتى، ومقابل ماذا؟

==========================

التقارب التركي الروسي.. ما الهدف؟

بقلم :ليونيد ألكسندروفتش

البيان

1-9-2010

مرت العلاقات الروسية التركية بمنحنيات ومنعطفات كثيرة، السبب الأساسي فيها كان مساعي أنقرة لأن تدخل إلى البيت الأوروبي من أوسع أبوابه، إلا أن الموقف الأوروبي كان لا بد أن يصيب القيادة التركية بخيبة أمل، ويجعلها تعيد النظر في تحالفاتها، بل وتعيد صياغتها على أسس ومعايير تتجاوب مع المصالح الوطنية للبلاد.

 

منذ أيام أعادت تركيا النظر في ما كانت تعتبره دولا تهدد أمنها القومي، وقررت رفع أسماء أربع دول من قائمة العناصر الخارجية التي تهدد أمنها القومي، وهي روسيا واليونان وإيران والعراق، ومساعي الحكومة لتسوية كافة القضايا الخلافية مع هذه الدول تؤكد ذلك.

 

ورغم أن تاريخ العلاقات بين روسيا وتركيا خلال القرون الماضية، شهد حروبا دامية وصراعات سياسية، لكن المرحلة المعاصرة تقدم نموذجا مغايرا لهذا التاريخ، يتمثل في تنامي التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.

 

وتعكس مسيرة السياسة الخارجية التركية على مدار السنوات العشر الأخيرة بوضوح هذا التوجه، وعكست توجهات تركيا خلال هذه السنوات العشر حرصها على التقارب والتعاون مع روسيا، ولكن هذا الحرص لم يتبلور في خطوات إيجابية فعالة إلا خلال العامين الماضيين، خاصة عندما تشدد الاتحاد الأوروبي في التعامل مع طلب أنقرة الخاص بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

 

وخلال العقد الأول من القرن الحالي، تبلور التعاون بين البلدين من خلال مشروع خط أنابيب «التيار الأزرق» لتوريد الغاز الروسي إلى وسط وجنوب أوروبا، هذا الخط الذي تنفذه شركة «غاز بروم» الروسية، وتم توقيع اتفاقية لتشييد هذا الخط مع تركيا ربيع العام الماضي، هذا بالاضافة إلى الاستثمارات الروسية في مشروع خط أنبوب النفط «سمسون جيهان»، التي تقدر بنحو 3 مليارات دولار.

 

وخلال زيارة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إلى تركيا، لم تقتصر المباحثات بين البلدين على التعاون في مجال الطاقة، وإنما توسعت لتشمل مجالات أخرى، أهمها التعاون في إنشاء محطة كهرذرية في منطقة «أكويو» بمحافظة ميرسن المتوسطية في تركيا، وتشغيلها، وهذا المشروع في حد ذاته له أهمية خاصة للمفاعل النووي الإيراني الذي تشرف عليه روسيا، الأمر الذي يجعل الكثير من الدول تتردد كثيرا قبل قبول التعاون مع روسيا في المجال النووي.

 

ورغم هذا فالمشروع مطروح، وسيقوم الكونسورتيوم الروسي التركي، الذي يضم الشركتين الروسيتين «آتوم ستروي أكسبورت» و«اينتر شبكة الطاقة الكهربائية الروسية الموحدة»، والشركة التركية Park Teknik بتشييد هذه المحطة، التي يقدر حجم الاستثمار الروسي فيها بحوالي 20 مليار دولار.

 

ولا يقتصر توسيع وتعميق التعاون على المجالات الاقتصادية، وانما يمتد ليشمل مجالات أخرى، اذ تستقبل تركيا سنويا أكثر من ثلاثة ملايين مواطن روسي يزورن تركيا للاستجمام، ما دفع سلطات البلدين إلى توقيع اتفاقية لإلغاء تأشيرات الدخول بينهما. ويمكن اعتبار هذه العناصر أرضية ملائمة لتعميق التعاون بين روسيا وتركيا.

 

وإذا كانت موسكو ترى بوضوح هذه المحاور لعلاقاتها مع أنقرة، بل وترى في هذه العلاقات سبيلا لتدعيم الدور التركي كقوة إقليمية يمكن أن تضمن استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط من خلال نفوذها المتنامي وتداخلاتها المباشرة في الأحداث، وإنما أيضا من خلال دورها النشط على مختلف الجبهات، بدءا من مستوى علاقاتها العربية الجيدة، مرورا بدورها الأوروبي، وانتهاء بسياساتها الواضحة والموجهة نحو ضمان أمن المنطقة.

 

تركيا كانت تراهن لوقت قريب على الدعم الأوروبي، الذي كان يجب أن يتمثل وفق رؤيتها بقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الخطوة التي اعتبرها العديد من القطاعات السياسية التركية حيوية لم تتحقق، وكان لا بد أن تبحث حكومة أنقرة عن عمق استراتيجي آخر يمكنها من تحقيق سياساتها، على أن ينسجم ذلك مع أهداف السياسات التركية الخارجية، ويمكن القول إن تقارب سياسة روسيا وتركيا، وتبلور رؤية مشتركة حول عناصر أمن المنطقة كانا من الدوافع الأساسية لهذا التقارب.

 

والسؤال المطروح؛ كيف ستتعامل الدوائر الغربية مع هذا التطور في العلاقات الروسية التركية؟

 

من المؤكد أن هذا التطور ايجابي بكل المعايير، وسيحقق مصالح كافة أطراف المجتمع الدولي، باعتبار أنه يسعى لتحقيق استقرار وأمن منطقة الخليج والشرق الأوسط، ما سيفسح المجال للمستثمرين الأجانب كي يعملوا في المنطقة، دون الشعور بقلق من إمكانية انهيار مشروعاتهم بسبب الصراعات السياسية.

==========================

«فجر جديد»..!

الافتتاحية

الأربعاء 1-9-2010م

بقلم: رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

جديد..؟! قد يكون هناك جديد.. أما فجر؟! أي فجر هذا..؟!

هل يريد الأميركيون أن يقولوا لنا بعد ذلك كله: إن 50 ألف عسكري سيستمر وجودهم في العراق، هم من ضرورات إطلالة الفجر..؟!‏

هل يعني أنها حالة مستمرة دائمة؟.‏

50 ألف عسكري أجنبي بأسلحتهم، وأوامرهم تأتي من دولتهم، كافية لإبقاء أي بلد تحت الاحتلال وتزيد..؟! فهل هو فجر الاحتلال الدائم؟‏

لا نعتقد أن احتفاظ الولايات المتحدة ب 50 ألف مقاتل في العراق، يعطي فرصة حقيقية للقول: إنه موعد مع الاستقلال..‏

نعيد القول:‏

إن الاستقلال هو استقلال القرار..‏

وكثيرون يرون أن استقلالية القرار العراقي مشوبة بالعديد من الشوائب.. في مقدمتها الدور الأميركي في هذا القرار.. يعني مثلاً:‏

هل يستطيع العراق أو الحكومة العراقية.. أي حكومة في وضع مشابه للوضع الراهن.. أن تقرر ما يخالف الرغبات الأميركية؟!‏

نتمنى أن يكون الجواب بالإيجاب.. وكان يمكن أن نخادع المنطق لولا استمرار الوجود الأميركي ليس بخمسين ألف مقاتل فحسب.. بل بمثل عددهم من الجواسيس والمحتلين والنصابين ولصوص النفط وكل مقدرات العراق.‏

هل هذا هو «الفجر الجديد» الموعود..‏

يأتينا الخبر كالتالي:‏

تنهي الولايات المتحدة اليوم احتلالها للعراق..؟!‏

كيف؟!‏

وماذا عن الباقي..؟!‏

من أجل اكتمال المشهد يحضر نائب الرئيس الأميركي «جون بايدن» شخصياً إلى بغداد للمشاركة في «الاحتفال» بانتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية في العراق.. وهو احتفال يقول لنا بكل صفاقة:‏

انتهى كل شيء..‏

كيف..؟! ماذا ستفعل ذيول قواتكم وأذنابكم في العراق..؟!‏

إن استقلال العراق يكون برحيل آخر عسكري محتل من أراضيه وجعل علاقاته مع البلد المحتل كما هي مع أي بلد آخر...‏

أو‏

بأن يصبح ذلك هدفاً لكل العراقيين يتحدون من حوله قوى وإمكانات.. عندئذ نكون أمام القرار المستقل..‏

إن استهداف ومقارعة الوجود الأجنبي اللاشرعي في العراق من أهم عوامل الوحدة للشعب العراقي بكل فئاته وقواه.‏

في كل العالم.. في كل الدول.. بين كل الشعوب.. تتحد الرايات والأفئدة والأنشطة لدى مقارعة عدو خارجي؟!‏

ألم تتحد الولايات المتحدة لأنها تعرضت لعمل إرهابي متناسية كل الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية..؟!‏

مواجهة العدو الخارجي دون مواربة أهم عوامل الوحدة.‏

تجربتنا العربية في ذلك من أهم التجارب..‏

لقد اشتد الانقسام العربي وأخذ طابعاً مرعباً مع تراجع وحدة النظرة للاحتلال الصهيوني لفلسطين.. تذكروا عقابيل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل.‏

تذكروا ماذا حصل بالصف العربي..!!‏

ما حصل كان أبعد من خروج مصر الكارثي من المعركة.. ومع تتالي آثار كامب ديفيد في تخفيف العداء لإسرائيل وصولاً إلى اليوم.. يستطيع كل من يريد أن يرى، حجم الانقسامات العربية، وعمقها، الناجمة عن اختلال نظرية العدو الواحد.. الأكيد.. الذي نتحد لمقاومته.‏

العراق اليوم أمام جديد.. وننتظر جديده العراقي لا الأميركي..‏

أما الفجر..!!‏

إن الفجر لمن صلّاه.‏

a-abboud@scs-net.org

==========================

القدس المحتلة.. برميل بارود

بقلم: سيلفيان دو وانغن‏

مجلة بوليتس

ترجمة

الأربعاء 1-9-2010م

ترجمة: دلال ابراهيم

الثورة

ترسيخ احتلال القدس بهدف عدم التخلي عنها أبداً , تلك هي السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ حرب عام 1967. والآن إن ما يشهده العالم هو سياسة هروب للأمام قسرية تقوم بها الحكومات الإسرائيلية ,

وكأنها تخشى أن تفلت من يدها المدينة . وكل ما يجري على أرض الواقع هدفه الحؤول دون أن يصبح الجزء الشرقي من مدينة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة .‏

وبالفعل , في عام 1950 , وخلافاً لأحكام اتفاق وقف اطلاق النار ورغم قرار الأمم المتحدة الصادر في تاريخ 19كانون الأول عام 1949الذي أقر تدويل مدينة القدس – التي تم تقسيمها إلى جزئين اعتباراً من خط وقف اطلاق النار , شطرغربي يتبع لإسرائيل وشطر شرقي الحقوه بمنطقة شرقي وادي الأردن – قامت إسرائيل بضم الجزء الغربي من المدينة وأعلن الكنيست الإسرائيلي أن (القدس الشرقية كانت وتبقى عاصمة إسرائيل ) .‏

وفي عام 1967وعندما احتلت إسرائيل كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية بدأت الحكومة الإسرائيلية بانتهاج عملية دائمة ترمي إلى الاستيلاء على المدينة بأكملها . ومنذ شهر تموز عام 1967تاريخ ضم إسرائيل للمدينة قامت بهدم المئات من منازل الفلسطينيين وطرد سكانها منها ومصادرة أراضيهم من أجل بناء مستوطنات يهودية فوقها . وفي حزيران من عام 1980 أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً أساسياً يعلن مدينة القدس ( عاصمة إسرائيل ) , القرار الذي أدانته الأمم المتحدة . وفي نفس الوقت تضاعفت مساحة المدينة بهدف اجراء تغيير في التوازن الديموغرافي .‏

وعملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تحقيق شروط على أرض الواقع من أجل ضمان الأغلبية السكانية لليهود في المدينة . ووضع استراتيجية تهدف إلى مضايقة السكان الفلسطينيين لدفعهم إلى الرحيل . ووضعت في قلب هذه الاستراتيجية الاستمرار في عملية هدم منازل الفلسطينيين وعدم منحهم تراخيص بناء منزل , حتى بعد التوقيع على معاهدات اوسلو , ناهيك عن عدم استقرار أوضاع الفلسطينيين في المدينة جعل منهم غرباء فوق أراضيهم , ويضاف إلى ذلك أنه ومن أجل تسهيل عملية الفصل بين السكان والاستيلاء على الأراضي قامت حكومات تل أبيب بإنشاء شبكة طرقات وسكك حديدية مخصصة فقط للمستوطنين ولضمان الامتداد الجغرافي بين إسرائيل والمستوطنات اليهودية .‏

وبطبيعة الحال , منذ عام 2005بدأ العمل بجدار القدس , الذي يتبع مسارلاعلاقة له بأي ضرورات أمنية . ويرسم حدوداً جديدة تمتد لتشمل كامل المدينة ويحصر السكان الفلسطينيين في مساحة ضيقة على نحو متزايد , الأمر الذي يحيل حياتهم إلى جحيم والعمل على منعهم من الصلاة في أماكنهم المقدسة وتعطيل الحياة الاقتصادية لديهم . وكشفت صحيفة هآرتس في عددها الصادر في تاريخ 28حزيران المنصرم أن رئيس المجلس البلدي في القدس نير بركات وافق على خطة الإدارة الجديدة التي أعدتها لجنة التخطيط المدني . وهذه الخطة , حسب الصحيفة تهدف إلى تسهيل بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة وتوسيع تلك القائمة في المنطقة العربية ( الشرقية ) من المدينة المقدسة ( الخاضعة للاحتلال منذ عام 1967حسب القانون الدولي والمضمة لإسرائيل بموجب القانون الإسرائيلي ) . وتنبع خطورة هذه الخطة من أنها لم تقم وزناً للقدس كمدينة مقسمة , بل على العكس من ذلك ترسم هذه الخطة مدينة متجانسة خاضعة للسيادة الإسرائيلية . والفكرة الأساسية هي أن المنطقة العربية في القدس لن تُعاد إلى الفلسطينيين , على الرغم من أن الوضع النهائي والمستقبلي لتلك المنطقة سيكون قضية أساسية في المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية . ووصف غسان الخطيب الناطق الرسمي باسم السلطة الفلسطينية في رام الله هذه الخطة بقوله « إنها أكثر من استفزاز , إنه تقطيع لعملية السلام . »‏

« بركات ليس الأول ولا الوحيد الذي باشر بتهويد مدينة القدس الشرقية « كتب يوري افنيري في افتتاحيته الأسبوعية على موقعه بتاريخ العاشر من الشهر المنصرم وأضاف قائلاً « وتعني عملية التهويد محي جميع الألوان الأخرى , وتدميرالطبقات التي خلفتها أجيال عديدة من عشاق المدينة من أجل القضاء على آلاف السنين من التاريخ والإبداع الثقافي ... بركات هو عمدة المدينة الغربية والحاكم العسكري للقدس الشرقية , وإنه وشريكه في هذه العملية وزير الداخلية ايلي بشاي يعملون ما بوسعهم من أجل دفع السكان غير اليهود خارج المدينة . »‏

ويعمل سكان القدس من العرب بكل حزم وثبات والذين هم ضحايا هذه السياسة على مقاومة أي مخطط لترحيلهم , ولا سيما أولئك الذين يعيشون في حي الشيخ جراح وحي سلوان الذين انضموا إلى مقاومة شعبية غير عنفية يخوضونها منذ خمسة أعوام في القرى التي قسمها خط الفصل العنصري .‏

حتى هناك يهود إسرائيليين يرفضون هذه السياسة , ومنهم دون فوترمان , مدير مشروع صندوق موريا في القدس , وهي مؤسسة خاصة أمريكية مهمتها دعم المجتمع المدني والديمقراطية , وعملية دمج المهاجرين والتربية في إسرائيل , الذي علق على الخطة وكتب في صحيفة هآرتس الصادرة في تاريخ 7 تموز المنصرم يقول : « إن مشروع ترحيل الفلسطينيين هي على حد سواء أداة للحملة التي يقوم بها المستوطنون لإلغاء السكان العرب من البلدة القديمة والحملة التي تقوم بها الحكومة للحؤول دون أن تصبح القدس , يوماً ما , عاصمة للدولة الفلسطينية , وتتناقض مع التصريحات النقية الداعية إلى تبني حل إقامة دولتين ... علينا رفض هذه الخطة , لأنها هي ومصمميها أعداء لليهود وللصهيونية . إنها نتاج عقلية تريد أن تظهر للعالم أنها المسيطرة على القدس » .‏

وتعتبر القدس الآن , والتي هي قلب فلسطين , السياسي والإقتصادي والسياحي والثقافي والديني , رمزياً وسياسياً , الرهان الأعظم في قلب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي , ومن أجلها تخاطر إسرائيل وتضحي بشعبها ومبادئها ومعتقداتها . وعلى العالم أجمع أن يعي الرهان الخطير على هذه المدينة التي يقال أنها مقدسة , والآن تحولت إلى برميل بارود مرعب , كما وعلى المجتمع الدولي , وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة , أصدقاء إسرائيل أن يبادروا إلى اتخاذ عقوبات جدية لوقف هذا التدمير المنهجي لقلب هذه المدينة المقدسة ولفرص السلام وفي إمكانهم إنقاذ القدس وإنقاذ السلام , وليعملوا ذلك قبل فوات الأوان .‏

==========================

بيروت منزوعة القرار... لا السلاح

عبد الوهاب بدرخان

النهار

1-9-2010

قد يستلزم الامر "هيئة حوار وطني" اخرى للبحث في استراتيجيات السلاح المنتشر في الداخل، في بيروت وغير بيروت، ولتحديد معايير التمييز بين سلاح وسلاح. لكن الصدمة في برج ابي حيدر كانت ان الصدام حصل بين ذاك السلاح وذاته. وربما يقال انه، هو ايضا، رديف للجيش في حفاظه على الامن والاستقرار، ولذلك لا بد من بقائه، لكن لا بأس في "ضبطه"، مما يعني الاستمرار في منظومة "الامن بالتراضي".

الارجح ان اللبنانيين مقبلون على التعرف الى معادلة جديدة – قديمة لم يكن معترفا بها ولا مشرعنة في البيانات الحكومية. فبعد معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" ضد اسرائيل، يبدو ان قضية السلاح في بيروت، نزعا او ضبطا، تتطلب معادلة "الجيش وسوريا وحزب الله" من اجل حماية السلاح بالسلاح نفسه.

نعرف ان المسألة اكثر من جدية، وانها تحتاج الى اكثر من شعار "بيروت منزوعة السلاح"، اي تحتاج الى قرار سياسي واضح وجريء. لكن، من يستطيع اتخاذه؟ انظروا الى الوجوه، والى ردود الفعل على هذا المطلب البديهي وكيف انها تلعثمت او غرقت في "المدرحيات" الكلامية لتعيد كل شيء في نهاية المطاف الى "أمن المقاومة" كحجة يجب ان تفحم كل من تسوّل له نفسه القول ان لا داعي للسلاح في زواريب العاصمة ايا كان من يحمله او من رخص له بحمله.

واقعيا، لا يمكن "نزع السلاح" من بيروت الا بموافقة صريحة ممن زرعه ورعاه وحافظ عليه وزاده وطوره، لذلك وجبت العودة الى دمشق وخصوصا ان من اشتبكوا الثلثاء الماضي هم اصدقاؤها وحلفاؤها، ولأن اي قرار يتخذه مجلس الوزراء لا بد من ان يحظى بموافقة مسبقة منها. وهي، على الاغلب، وعلى رغم استيائها مما حصل، ليست الآن في وارد نزع هذا السلاح، الا اذا كان لديها تفكير جديد بامكان الاعتماد على الجيش في بيروت، ولا ضرورة ل"سلاح المقاومة"، هنا بعدما زالت الاخطار التي جرى التذرع بها لاشعال ازمة ما بعد حرب 2006، ولا ضرورة ايضا وخصوصا للحالات الميليشيوية التي اعيد احياؤها في سياق حملة 7 ايار 2008، وابقيت بعدها لاستخدامات شتى في الوقت المناسب، ولدواع تتعلق بالوضع الداخلي لا بالمواجهة مع العدو الاسرائيلي.

المشكلة ان مخادعة اللبنانيين، كما في مراحل سابقة، هي في اوجها خلال هذه المرحلة. فما يقال لهم يعاكس الاقتناعات التي تكونت لديهم من تجربة تقارب الاربعة عقود، بل يدعوهم الى عدم تصديق الواقع الذي يرونه بعيونهم. ينطبق ذلك على تسليح الجيش ودوره، على سلاح المقاومة وانتشاره في كل المناطق، على التطورات المتعلقة بالمحكمة الدولية والقرار الظني، على قضية الكهرباء، ولا بد من انه سينطبق ايضا على مسألة "بيروت منزوعة السلاح" و..."الميليشيات"، اذ بدا هذا المطلب كما لو انه "ثورة ارز" مستجدة، والامل كل الامل الا تلقى مصير "الثورة" الاولى. فكل ما يمكن ان يجمع عليه اللبنانيون، باندفاع وعفوية وتوق الى استعادة الدولة سلطتها، غالبا ما يلقى خيبات الأمل من الاوصياء العائدين هذه المرة من طريق التقمص، عبر وجوه حلت محلهم بالوكالة طوال الاعوام الخمسة الماضية، وتتنافس الآن مع وجوه تريد ان تحل محلهم بالاصالة.

ولأن ما يقال، مبدئيا او طمأنة او تمويها، بحسن نية او بسوئها، لم يعد يعني شيئا على ارض الواقع، فان الكلام الوحيد الوازن والفاعل هو الذي يأتي من دمشق او من "حزب الله". ولان الاولى لا تفصح الا وراء الابواب المغلقة وينبغي استقراء الالغاز التي ينقلها اصدقاؤها او الوقاحات التي يتفوه بها ازلامها، فانه لم يعد مستغربا ان تخلو الشوارع ويجلس الجميع الى الشاشات منتظرين اطلالة جديدة للسيد حسن نصر الله ففيها "نشرة اخبار" الامس واليوم والغد، مرئية ومسموعة من فم "صاحب القرار" بالبث المباشر، وفي الآونة الاخيرة ندرت الاخبار المطمئنة. فهناك قرار ظني يجب قطع الطريق عليه ومنع صدوره. وسيكون مفيدا سماع ما رأى وما رسم بالنسبة الى "بيروت منزوعة السلاح".

بعد اشتباك برج ابي حيدر وتداعياته في الاحياء المجاورة والبعيدة، صدرت مواقف ابرزها لرئيس الجمهورية (منع تكرار ما حصل) ورئيس الحكومة (السلاح غير مقبول). الموقفان متكاملان، لكن "منع التكرار" يمكن ان يعني او لا يعني ازالة السلاح، اما "غير المقبول" فيعني بالضرورة ان وجوده مرفوض، وبالتالي يجب نزعه. ولا شك في ان من يريد منع تكرار الحادث، كما الذي يرفض السلاح، يريدان عمليا نزعه، لكن كيف؟ لم يكن الامر يحتاج الى "لجنة"، وانما كان يحتاج الى نقاش معمق وهادف في مجلس الوزراء، ثم الى اجتماع حكومي – امني يتخذ فيه القرار بعد اقل من ثمانية واربعين ساعة على الحادث. هذا يحصل فقط في دولة ذات سيادة، وحتى في دول اقل سيادة، ما دام الامر يتعلق بالامن الداخلي.

القرار في مكان آخر. وهذا ليس جديدا، لكن الافضل لأصحابه الخارجيين والمحليين ان يكونوا اقلعوا عن هذه الطقوس اللعينة التي لم تأت في السابق ولن تأتي مستقبلا الا بنتائج عكسية هي الاخرى جربت واختبرت. والاكيد ان اللبنانيين لن يسمعوا اي شرح او توضيح عن اي من المعوقات والعراقيل والموانع والمحظورات او الضرورات التي تحول دون "نزع السلاح" في بيروت. وما عليهم سوى ان يكتفوا ببيان الاخوة المشتبكين وتأكيدهم ان لا دوافع او اسباب "سياسية او مذهبية" وراء اقتتالهم. لم يبق سوى ان نشكرهم كثيرا وجزيلاً على هذين التوضيح والتطمين.

==========================

أحوال الحركات الدينية السياسية وأطوارها في العقود الثلاثة الأخيرة

الاربعاء, 01 سبتمبر 2010

جان - فرنسوا كولوزيمو *

الحياة

في مطالع الثمانينات أجمعت الأنظمة «السوفياتية» في الشرق والديموقراطية في الغرب على بدائية الديانات، وقرابتها بالخرافات والأساطير. وذهب معلقون ومحللون كثر الى ان نهاية القرن العشرين هي نهاية الإيمان. ولم تحقق الوقائع والحوادث التوقع. فظهرت صور جديدة من التدين، بعضها عنيف مثل الأصوليات وبعضها مسالم مثل المعتقدات المختلطة. ويجمع صور الانبعاث الديني تحررها من اللاهوت والفكر اللاهوتي. فهل تشترك فعلاً حوزات قم وشواطئ كاليفورنيا والمدارس الأفغانية والباكستانية والكنائس «العظيمة»، وحركات التدين والتمذهب العصبية والجماعية وحركات التحلل من علامات التدين وشعائره، في مختبر واحد ومتصل؟والحق أن الالتباس، طوال الأعوام الثلاثين الماضية، لم يُحسم، ولم يتبدد. وأطوار التدين وتحولاته، في الأثناء، تماشي أطوار العالم وتحولاته، فلا تسبقها ولا تلجمها أو تعوقها. وهو، على مثالها، اصطبغ بصبغات الافتراض والعولمة والحدة. والقرينة على ذلك اتفاق الظاهرات الدينية وتزامنها أو تواقتها، وتشابهها، على بعد الشقة التاريخية والاجتماعية والثقافية في ما بينها. ففي 1979 ظهر، مع الخميني بطهران، عالم جديد طوى العالم الذي ترجع بداياته الى 1917 والثورة الروسية.

وفي العام نفسه، في روما، عاصمة الكنيسة الكاثوليكية، أعد يوحنا - بولس الثاني العدة لزيارة بولندا، واجتياز «الستار الحديدي»، وهذا ما لم يسبقه اليه بابا من قبل. وفي واشنطن، تقدم رونالد ريغان المرشحين المنافسين بعد أن جمع وراءه جمهور الناخبين الأصوليين. وعمد ليونيد بريجنيف، بموسكو، الى غزو أفغانستان، ومقارعة المجاهدين في عقر دارهم. وفي العام نفسه، ضم حزب «ليكود» الإسرائيلي «كتلة الإيمان» («غوش إيمونيم») الى صفوفه عشية فوزه بالحكم. وأخرج صدام حسين المعارضة الشيعية من صفوف حزب البعث الحاكم.

وما بدا، يومها، جبهة جمعت ديانات التوحيد في وجه الشيوعية كان ظاهراً خادعاً تبدد مع تبدد «العدو» الشيوعي العابر وأفوله. وتعود جذور الانعطاف الى القرن الثامن عشر، وانفكاك الرابطة التقليدية التي ربطت الأسطورة بالعقل، ومثلت عليها روبسبيير، الثوري الفرنسي، الى التعبد «للعقل». وكان الرد على المذهبية العقلية ظهور حركات أصولية متماسكة مثل الانجيلية الأميركية والسلفية الإسلامية النجدية، أو تيارات تقوى مثل الحسيدية اليهودية والفصحية البروتستانتية. وأعقب الانكفاء هذا اخفاق الحركات الخلاصية الأخيرة، شأن حركة اليهودي شابطاي تسيفي في حوض المتوسط أو حركة محمد المهدي بأفريقيا، الى «اليقظات» المسيحية في العالم الجديد.

وتشترك الحركات والتيارات المتفرقة في نقلها الانتظار الخلاصي من اليوم الآخر الى اليوم أو الغد. وهي أولت التحقق الجماعي أو الفردي البرهان على قوة الاعتقاد من غير التسليم بالوجه الأسطوري والخبري للتدين. ونزعت الحركات والتيارات، على تفرقها وتباينها، الى إرساء نواة مقاومة التحلل والتبدد. وافترضت النواة أصيلة ومن غير بدعة، وحُملت على الابتداء والفطرة، من غير خشية التخفف من أحمال التاريخ (والتقليد) وقيود الإنسية.

وتوالت النكسات والهزائم على هذا الرسم التاريخي منذ 1870، وتوسع الحداثوية وبعثها، غداة الحرب العالمية الأولى، جماعات ركنُ لحمتها الهوية، وتقاسمت الهامشية والتقطع والنشاطية والتلفيق أو الجمع بين الرجعية والأصولية، ونزعت الى إرساء ثقافة نقيض حصينة من التأثيرات الخارجية، تولت تدبير مجتمع نقيض كامل الاستقلال بنفسه والقيام عليها. فأنشأ كوك مركز - حاراف (اليهودي) 1924 وبالاغوير «الأوبوس داي» (الكاثوليكي)، وحسن البنا جمعية الاخوان المسلمين في 1928. وحرصت الحركات هذه على عقلنة التقليد وروايته. واستبقت من الحداثة التقنية والتجريبية النضالية. وأقامت على تأويل حرفي في اطار أضعف تنظير. وعظمت شأن الطاعة والانضباط في العمل، وشأن الدعوة والنفوذ الجماهيريين. وأنزلت في المرتبة الأولى من غاياتها الدعوية حمل العدو القريب، الداخلي، على العودة الى الإيمان القويم والصحيح. ومنذ 1970، خرج الكفاح المستتر الى العلن، وحل الهجوم محل التعبئة المديدة.

وعلى هذا، وقياساً على مكافحة الشيوعية، يبدو انعطاف 1979 انقلاباً. فهو يتخطى الثأر من الشيوعية الى تمثلها واستيعابها، وهو يخلخل الإنسانوية التقدمية من طريق اقتباسها وصيدها. وهو، أخيراً، يماشي العولمة باسم منزع كوني متجدد ومقدام. وتزعم الثورة المضادة (النقيض) انها الثورة، وترفع ألوية الديموقراطية والعدالة والتضامن، وثبت اللاهوتي في السياسي في سبيل استحواذ على الجسم الاجتماعي لا سابق له. وسرعان ما بلغت النزعة هذه ذروتها، واطرحت الحركات الدينية المتسلطة على السياسات والدول التدين، وأسفرت عن دنيوية مفرطة آذنت بإخفاق سعيها.

ولم تكن ولاية الفقيه الخمينية إلا بنت الإيديولوجية السياسية الإسلامية والإخوانية المولودة، بدورها، من مناهضة الإمبريالية، والرامية الى إحياء الهوية الإسلامية من طريق حمل الدولة على المرجع أو الأصل الديني، ولا فرق، على وجه هذا، بين الشيعي خميني وبين السنيين مودودي وقطب. فإسلام الثلاثة السياسي والثوري هو وليد حرب ثقافية على العلمانية الكافرة التي ينسبون اليها النزعات القومية والاشتراكية والاستقلالات الكاذبة الشبيهة بالجاهلية والوثنية. واستئناف الحاكمية (الإلهية) والعبادة هو رهن استئناف سيرة السلف الأول. والاحتذاء الحرفي على السنة الأولى لا يحول دون استعارة أدوات الحداثة ومصطلحها ومقولاتها وأبوابها.

والأصوليات الدينية المتفرقة تبعث كلها رسوم أصولها المفترضة وألفاظها، «الجهاد» و «الصليبية» و «التطهر». ولم تعف الظاهرة المتفشية عن ديانات الحكمة الهندوسية أو البوذية، فولدت «سانغ باريفار» في كنف الأولى، و «جاثيكا هيلا أورومايا» في كنف الثانية. وتقود العولمة، في الأحوال كلها، الى توحيد الأصول الدينية واختزالها. وتنفرد الأصولية الإسلامية السياسية بمكانة أنموذجية تتعدى الحركات والتيارات الناشطة الى مرجعها الاعتقادي، ومحل بعض الأصول، مثل مسألة خلق القرآن، من المرجع هذا، وتحمل الحركات والتيارات الناشطة النخب والجمهور، في الغرب وخارج الغرب، على آراء متضاربة. فيحيي اليمين المحافظ نظاماً أخلاقياً تقليدياً حيث يندد اليمين الليبرالي بشمولية (كليانية) جديدة. وينكر اليسار الديموقراطي تعصباً قروسطياً أعمى حيث يُقبل اليسار الثوري على معين تمرد وانتفاض يفوق التوقع والانتظار. وبين رُهاب الإسلام والشغف به، يكاد التدين بالإسلام يخرج من مِلك المسلمين ويمينهم، وتستنفده الأبواب المتناقضة التي يتيح فتحها أو غلقها.

ولا ريب في أن مصائر الإسلام السياسي العملية لوت توثبه الأول، ومنزعه الخلاصي والمجدد. فالقمع الذي ضرب جبهة الانقاذ الإسلامية بالجزائر، والتكيف الوطني الذي ارتضته «حماس» في فلسطين و «حزب الله» في لبنان، والتسييس اليومي الذي غلب على حزب العدالة والتنمية التركي وحزب العدالة والتنمية في المغرب، هذه كلها أضعفت المنزع الطوباوي الاستشرافي. والجناح الأقوى تمكناً وثباتاً من الإسلام السياسي، وهو جناح الطبقات الوسطى في البلدان الناشئة ويتنازعه التقليد والتجديد، فيشارك العولمة إعلاءه شأن الازدهار الاقتصادي على نحو يذكر بعض الشيء بملاحظة ماكس فيبر على البروتستانتية. وتخلص هذه الطبقات الى الانتفاض حين يتبدد وهم المواطنة ويخلي المحل لحقيقة الاستبداد. ويمثل الإرهاب العالمي الذي ينهض أسامة بن لادن علماً عليه، والعصبية الخلاصية والقومية التي يقودها محمود أحمدي نجاد، يمثل الأمران على الفراغ العدمي الذي ينفخ في قلب الحركة كلها.

* فيلسوف ولاهوتي، عن «لو ديبا» الفرنسية، 5-6/2010، إعداد وضاح شرارة

==========================

نافذة أمل في الشرق الأوسط

الاربعاء, 01 سبتمبر 2010

مارتن أنديك *

الحياة

على رغم أن الرئيس اوباما نجح، بعد طول انتظار، في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات، تهمل التعليقات فرص نجاح عملية السلام. ولكن أربع سمات تميز المحادثات التي تبدأ في 2 أيلول (سبتمبر) المقبل بواشنطن من المحاولات السابقة. والسمات هذه واعدة، وهي:

- تراجع معدلات العنف تراجعاً كبيراً في المنطقة. ففي التسعينات، اجتاحت اسرائيل هجمات ارهابية قوضت شعبية زعمائها وقدرتهم على تقديم التنازلات. وحسِب الإسرائيليون أن ياسر عرفات ينتهج سياسة مزدوجة فيؤيد المفاوضات في العلن، ويطلق يد الإرهابيين في اراضي السلطة التي يفترض انه يحكم قبضته عليها.

واليوم، تفرض السلطة الفلسطينية النظام في الضفة الغربية، وتحول دون شن هجمات على اسرائيل لتثبت انها شريك في المفاوضات يُعتد به. وشأن السلطة الفلسطينية، تمنع «حماس» شن هجمات من غزة على اسرائيل خشية أن يطيحها الرد الإسرائيلي من الحكم. وتضافرت الجهود الفلسطينية مع اجراءات امنية اسرائيلية فعّالة. فانخفض عدد الضحايا المدنيين الإسرائيليين في الهجمات الإرهابية الى 6 قتلى، في 2009، بعد أن بلغ عددهم 452 قتيلاً، في 2002.

- تراجع حركة الاستيطان جراء تعليق بناء المستوطنات في ال 10 أشهر الماضية. وبحسب مكتب الإحصاءات الإسرائيلي، لم تبنَ منازل جديدة بالضفة الغربية، في الربع الأول من العام. ولم تباشر مشروعات سكنية جديدة بشرق القدس، اثر صخب آذار (مارس) يوم دان نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، اعلان تشييد 1600 وحدة سكنية جديدة. وانخفضت معدلات هدم منازل الفلسطينيين، قياساً إلى نظيرها في الأعوام الأخيرة. ولكن قرار تعليق الاستيطان وبناء المستوطنات ينتهي مفعوله في 16 من الشهر المقبل، ورئيس السلطة الفلسطينية لوّح بالانسحاب من المفاوضات إذا استُئنف الاستيطان.

لكن ثمة مجالاً للمساومة. وفي وسع نتانياهو تقييد بناء المستوطنات بقيد النمو المعتدل في المستوطنات التي يرجح ضمها الى اسرائيل في الاتفاق النهائي لقاء بديل مكافئ يستفيد منه فلسطينيو الضفة الغربية. وفي وسع اسرائيل السماح لدوريات الشرطة الفلسطينية بالعمل في معظم قرى الضفة الغربية.

- تأييد عموم الإسرئيليين والفلسطينيين حل الدولتين، شأن نظرائهم العرب. فشعوب الشرق الأوسط انهكها النزاع. ولا شك في أن نتانياهو يواجه معارضة قوية داخل حزبه، الليكود، ولكنه يستطيع الاتكاء على تأييد التيارات الوسطية الإسرائيلية واليسار في سبيل ضمان غالبية في الكنيست. والاستفتاء الفلسطيني على إنشاء الدولة الفلسطينية يحظى من غير شك بتأييد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، على حد سواء.

- ولم تبقَ موضوعات كثيرة للتفاوض عليها. ففي الأعوام ال17 المنصرمة منذ ابرام اتفاقات أوسلو، بحثت مفاوضات الوضع النهائي تفاصيل القضايا الحساسة كلها. ونقاط الاتفاق واضحة. ولا تخفى نقاط المساومة على أحد. وحدها الاتفاقات الأمنية تحتاج الى بلورة. فأخطار التهديدات الصاروخية تعاظمت منذ انهيار مفاوضات كامب دايفيد، في 2000. ويفترض الاتفاق الأمني النص على ترتيبات ضبط الحدود بين الجانبين، ومرابطة قوة ثالثة في وادي الأردن. ويحتاج انجاز الاتفاقات هذه الى عام واحد. وإذا كان الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني جادين في السعي الى السلام، فقد تقوض المراوغة وإطالة المفاوضات مكانتها السياسية، وتمنح معارضي السلام الوقت لجمع صفوفهم.

وخلاصة القول أن ظروف مفاوضات السلام، اليوم، واعدة، على ما لم تكن في العقد الماضي. ولكن هل يملك الرئيس محمود عباس، الضعيف في الداخل، شجاعة اقناع شعبه بالتنازل عن حق العودة الى اسرائيل؟ وهل حزم نتانياهو أمره في الانسحاب من نحو 95 في المئة من الضفة الغربية، وارتضى أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية؟ وهل يستطيع الرئيس أوباما اقناع الطرفين بإبرام الاتفاق، وطمأنتهما الى أن الولايات المتحدة ستوفر شبكة امان لهما اذا فشل الاتفاق؟

وفي نهاية ولاية ادارة كلينتون، لاحظ شمعون بيريس أن «التاريخ مثل حصان يقفز أمام نافذتك. والقفز من النافذة لامتطائه هو امتحان حس القيادة الفعلي». وعرفات فشل في الامتحان هذا. ولا يسعنا معرفة ما إذا كان عباس ونتانياهو سيقدمان على تلك القفزة السياسية.

* سفير الولايات المتحدة الى اسرائيل في عهد إدارة كلينتون، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 26/8/2010، اعداد منال نحاس

==========================

قراءة في خطاب ساركوزي

باسكال بونيفاس*

الرأي الاردنية

1-9-2010

عندما ألقى الرئيس الفرنسي، خطابه التقليدي الذي يتناول فيه كل سنة السياسة الخارجية الفرنسية أمام جمع من السفراء الأجانب المعتمدين في البلاد، بدا واضحاً أنه في موقف دفاعي يجاهد لرد الكثير من الانتقادات، التي وُجهت مؤخراً إلى سياسته الخارجية سواء من داخل فرنسا، أو من خارجها.

تلك الانتقادات انطلقت من وزارة الخارجية الفرنسية نفسها، التي تعيش هذه الأيام أزمة لا يمكن إنكارها، فقبل شهرين نشر وزيران سابقان في الخارجية الفرنسية هما: «ألان جوبي» و»إيبير فيدرين»، رغم انتمائهما إلى خطين سياسيين مختلفين، مقالاً في إحدى الصحف المحلية ينتقدان فيه تراجع الموارد المخصصة لوزارة الخارجية ما يؤثر سلباً على النفوذ الفرنسي في الخارج، وينال من الحضور الفرنسي على الساحة الدولية في العديد من القضايا، ولم تقتصر الانتقادات على شخصيات سياسية معروفة وثيقة الصلة بالسياسة الخارجية الفرنسية بحكم ترؤسها للدبلوماسية، بل امتدت إلى كبار الموظفين في الوزارة عندما عبر مديران سابقان في الوزارة عن نفس الانشغالات والمخاوف من انحسار النفوذ الفرنسي، مفسرين ذلك بتناقص الموارد التي تتيح التحرك بحرية على الساحة الدولية، لكن المسألة ليست فقط في انزعاج البعض مما يجري داخل وزارة الخارجية، بل الأمر يطال أيضاً السياسات العامة الفرنسية، لا سيما تلك التي أثارت جدلًا واسعاً وأثرت على صورة فرنسا في العالم، فقد تعرض ساركوزي لهجوم حاد من المنظمات الدولية والمحلية المدافعة عن حقوق الإنسان عندما قرر طرد الغجر، هذا فضلاً عن تصريحات المسؤولين الحكوميين التي تربط بين الهجرة وانعدام الأمن، ولم يكن مستغرباً في هذا الإطار انتقاد الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، والبابا للسياسات الحكومية تجاه الأقليات، وهو ما يفسر إلى حد ما عدم إشارة الرئيس ساركوزي أثناء خطابه أمام السفراء الأجانب لحقوق الإنسان، وهو الذي دأب في السابق على التركيز عليها واعتبارها ركناً ركيناً في سياسة فرنسا الخارجية.

ساركوزي أيضاً بدا في حالة دفاع عن النفس، وهو يتحدث عن أفغانستان والحرب المستمرة هناك في ظل النقاش الدائر حالياً داخل فرنسا حول جدوى المشاركة في الحرب الأفغانية وتعريض حياة القوات الفرنسية للخطر في وقت لا يبدو فيه أن الحرب على وشك الانتهاء، لكن ساركوزي تشبث بموقفه الداعم لأفغانستان وانتقد التقارير الإعلامية التي تبالغ على حد قوله في التهويل من الوضع القائم ورسم صورة كارثية عن المشاركة الفرنسية، معتبراً أن فرنسا ستبقى في أفغانستان طالما استدعى الأمر ذلك.

ولم يغب عن ساركوزي الإشارة إلى الحرب على الإرهاب، بل استهل خطابه بالتشديد بأن تلك الحرب ستظل أولوية فرنسية، وفيما يتعلق بالشرق الأوسط وإيران، أكد ساركوزي على المبادئ التقليدية التي طبعت السياسة الخارجية الفرنسية في السنوات الماضية بالاعتراف بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية ذات الطبيعة السلمية، لكن دون التساهل في ضرورة تخلي طهران عن التخصيب باعتباره خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، فضلاً عن تشديده على مساعي السلام في الشرق الأوسط لما فيه من مصلحة للجميع.

لكن كيف يمكن لساركوزي إعطاء الانطباع بأن الأمور تسير على ما يرام، وبأن سياسته ماضية قدماً كما خطط لها في الوقت الذي يواجه فيه صعوبات على الصعيد العالمي، وفي وقت تتراكم فيه المشاكل الداخلية وتهدد بتراجع شعبيته، كما أكدت ذلك استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا؟

وكيف السبيل لإقناع الفرنسيين بأن دور بلادهم مازال قوياً وفعالًا على الساحة الدولية كما عهدوه من قبل؟ الواقع أن ساركوزي يسعى إلى كسب نقاط لصالحه بالإشارة إلى بعض النجاحات مثل إقناعه للاتحاد الأوروبي بتبني فكرة إنشاء حكومة اقتصادية أوروبية، وهي الفكرة التي كانت من المحظورات في السابق لتصبح اليوم حقيقة، وركز أيضاً على الدور الذي لعبته فرنسا في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي ضربت منطقة «اليورو» قبل عام من الآن.

لكن الفرصة الأهم أمام ساركوزي لاستعادة الشعبية وتسجيل نقاط سياسية هي «مجموعة العشرين»، حيث تستعد فرنسا لتولي رئاسة المجموعة في 12 نوفمبر المقبل، لا سيما وأن ساركوزي لم يتوقف عن ترديد أن مجموعة الدول العشرين، كانت في الأصل فكرة فرنسية، وهو يسعى إلى إعطائها نفساً جديداً تحت الرئاسة الفرنسية في وقت يدفع فيه البعض، بعد انقضاء الجزء الأسوأ من الأزمة الاقتصادية، للرجوع إلى الممارسات التقليدية نفسها، التي أدت إلى اندلاع الأزمة، وفي هذا الإطار وتفادياً لتكرار الأزمة يقترح ساركوزي إصلاح النظام المالي الدولي لوضع حد للاضطرابات في سوق الأسهم، التي هددت النمو العالمي وعرضته للخطر، طارحاً فكرة عقد منتدى يضم أفضل المختصين الدوليين تستضيفه الصين لمعالجة الاختلالات الاقتصادية وضمان عدم زعزعتها للاستقرار، وقد اختار الصين اعترافاً منه بصعودها العالمي ودعوة لها كي تضطلع بمسؤوليتها الدولية، وشكك ساركوزي أيضاً في الدور الذي يلعبه الدولار حالياً، معلناً أن «نظاماً مالياً تسيطر عليه عملة واحدة لا يتماشى مع التعددية القطبية التي يتميز بها عالمنا المعاصر».

وبالإضافة إلى إصلاح النظام المالي تطرق الرئيس الفرنسي في خطابه إلى مسألة تذبذب أسعار المواد الغذائية وعدم ثباتها، وهو ما يعتبر عاملاً من عوامل عدم الاستقرار، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الاستراتيجي، والذي عكسته مظاهرات الجوع التي اندلعت قبل بضع سنوات، ولم ينسَ ساركوزي في خطابه المطالبة بإصلاح الحكامة الدولية من خلال تأهيل مجموعة دول العشرين وتغيير هياكلها لتصبح مؤسسة تفكر في حل القضايا المطروحة على الأجندة العالمية مثل فرض ضريبة على الصفقات المالية في البورصة.

وأخيراً أعلن ساركوزي بعيداً عن نص الخطاب المكتوب قائلًا: «إن دور فرنسا يتمثل في طرح أفكار جديدة، وهو ما يحتاج إليه العالم بشده»، ويريد ساركوزي من وراء ذلك الظهور بمظهر المتطوع لحل مشاكل العالم وطرح الأفكار الجديدة على أمل تحسين صورته وكسب نقاط سياسية، رغم أن دعوات الإصلاح ليست جديدة، بل ترجع إلى الرئيسين ديجول وميتران.

(مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية باريس)

الاتحاد الاماراتية

==========================

(أفول) الاتحاد الأوروبي!

تشارلز كوبتشان

الرأي الاردنية

1-9-2010

الاتحاد الأوروبي يوشك أن يموت... ليس موتاً مفاجئاً أو دراماتيكياً، وإنما موت بطيء ومتدرج، بحيث يمكن أن يأتي يوم ننظر فيه من الضفة الأخرى من الأطلسي، فنرى أن مشروع التكامل الأوروبي الذي أخذناه على أنه أمر مسلم به على مدى النصف قرن الأخير، لم يعد قائماً.

وأفول أوروبا هو في جزء منه أفول اقتصادي، حيث كان للأزمة المالية الأخيرة تأثير مؤلم على العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذين يتوقع خلال الفترة المقبلة أن يواجهوا المزيد من المتاعب، المتمثلة في ارتفاع نسبة الدين الوطني، وعدم اليقين تجاه سلامة الموقف المالي لبنوكها الوطنية.

بيد أن هذه المشكلات تتضاءل بالمقارنة مع المرض الخطير الذي يعاني منه الاتحاد في الوقت الراهن، وهو أن أوروبا بدءا من لندن، إلى برلين، إلى وارسو، تمر بحالة تشهد فيها عملية»إعادة تأميم» للحياة العامة، تقوم في إطارها كل دولة من الدول باستعادة السيادة التي كانت قد ضحت بها فيما سبق، سعيا نحو نموذج مثالي جماعي هو الاتحاد الأوروبي.

في العديد من البلدان الأوروبية، بات الناس يتساءلون في الوقت الراهن عن الفوائد التي جنوها من الاتحاد. وهل تلك الفوائد تساوي التضحيات التي قدموها؟ وإذا استمرت هذه التوجهات التي تعكسها تلك الأسئلة، فإن ذلك كفيل بالإضرار بالإنجاز الضخم، الذي لم يكن أحد يتوقع حدوثه في القرن العشرين، وهو خلق أوروبا الموحدة، المتصالحة مع نفسها، والساعية لإظهار قوتها على أنها قوة لأوروبا مجتمعة، وليس قوة دولة واحدة.

والضرر الذي سينشأ عن ذلك، هو انقسام أوروبا مرة أخرى إلى مجموعة من الدول، سيكون بعضها، غير ذي شأن من الناحية الجيوبوليتيكية، وهو ما سيحرم الولايات المتحدة–تحديدا–من شريك مستعد لمشاركتها في تحمل الأعباء العالمية.

وتآكل الدعم لفكرة أوروبا الموحدة، يؤثر حتى على دولة مثل ألمانيا، التي كانت من أكثر الدولة حرصاً على تكامل أوروبا خوفاً من تكرار الحروب التي اندلعت بين دولها في الماضي، والتي كانت هي أكثر من عانى من ويلاتها. وقد تبدى الموقف الألماني الجديد من الاتحاد الأوروبي من خلال تمنع المستشارة الألمانية عن إنقاذ اليونان خلال الأزمة المالية الطاحنة الأخيرة التي هددتها بالإفلاس. وعدم تراجعها عن موقفها إلا بعد أدراك أن سقوط اليونان يهدد بضرب منطقة اليورو بأسرها، ولكنها سرعان ما عوقبت على ذلك التراجع من قبل الناخبين، الذين تسببوا في هزيمة مهينة لحزبها في الانتخابات المحلية التي جرت في منطقة شمال الراين ويستفاليا.

وهذا التردد من جانب ألمانيا يعكس في جوهره المشكلة الأكبر، وهي أن ألمانيا وفي سبيل سعيها لمصالحها القومية قد تخلت عن حماسها للاتحاد الأوروبي، وباتت أكثر حرصا على اتخاذ الإجراءات التي تحافظ على نفوذ قادتها في مقابل نفوذ مسؤولي الاتحاد الأوروبي. ليس هذا فحسب بل نجد أن المحاكم الألمانية باتت تميل في الآونة الأخيرة إلى وضع قيود على مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ومن أمثلة ذلك أن إحداها أصدرت حكما يعزز نفوذ البرلمان الألماني، ويعطي لتشريعاته الأولوية على تشريعات الاتحاد الأوروبي.

وإعادة تأميم السياسة اتجاه ينتشر في مختلف دول الاتحاد الأوروبي، وهو اتجاه بدأ عندما رفض الناخبون الفرنسيون والهولنديون عام 2005 الموافقة على اتفاقية دستورية كانت ستؤدي إلى زيادة النفوذ القانوني والسياسي للاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك تم رفض الاتفاقية التي حلت محل الاتفاقية المذكورة، وهي اتفاقية «لشبونة» من قبل البرلمان الأيرلندي عام 2008 وذلك قبل أن يعود فيغير رأيه فيما بعد بعدما أيقن أولا أن تلك الاتفاقية لن تعرض للخطر سيطرة بلاده على الضرائب والشؤون العسكرية. وفي ألمانيا جلبت الانتخابات التي جرت في مايو الماضي إلى السلطة تحالفاً يسيطر عليه الحزب المحافظ، المعروف بخوفه المرضي من فكرة أوروبا الموحدة.

وفي أماكن أخرى نرى صعوداً مستمراً للتيار اليميني، الذي نجح في تعزيز نفوذه من خلال المواقف المتشددة التي يأخذها قادته ضد قضية الهجرة، التي تنظر إليها الكثير من الشعوب على أنها تهديد لهويتها الوطنية، بيد أن عملية تأميم السياسة الأوروبية هي، في المقام الأول، نتاج تغير جيلي. فالاتحاد الأوروبي بالنسبة للأجيال التي ترعرعت خلال سني الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة كان وسيلة لنسيان الماضي الدموي المؤلم، وهو ما لا ينطبق على الأجيال الأصغر سناً من الأوروبيين.

علاوة على ذلك، نجد أن الطلب المتزايد على الأسواق العالمية، مقرونا بالأزمة المالية، يرهق دولة الرفاه في أوروبا خصوصا مع زيادة نسبة كبار السن في المجتمعات الأوروبية، وزيادة الأعباء التي يشكلونها على نظام التقاعد والمعاشات. وفي مثل هذه الحالات يقدم الاتحاد الأوروبي عادة ككبش فداء باعتباره المسؤول عن الصعوبات التي تعاني منها الدول المختلفة. ففي فرنسا على سبيل المثال، صبت الحملات المضادة للاتحاد الأوروبي جام غضبها على ما وصفته بالهجوم الأنجلو ساكسوني تحت قيادة الاتحاد الأوروبي على نظام دولة الرفاه، كما فعلت نفس الشيء أيضا بالنسبة ل « السباكين البولنديين» الذين تمكنوا من اقتناص فرص العمل من نظائرهم الفرنسيين بسبب سياسة الاتحاد الأوروبي القائمة على فتح الأسواق.

وجاء توسع الاتحاد الأوروبي ناحية الشرق والجنوب، ليزيد من حجم الأعباء المترتبة عليه، ويصيبه بالإنهاك، ويقضي على ذلك الشعور المريح الذي كان سائدا لدى الدول الأصلية القليلة العدد المشكلة له قبل انهيار سور برلين الذي ترتب عليه ضم دول أوروبا الوسطى والشرقية للاتحاد. ومما فاقم من شعور عدم الارتياح لدى الدول المشكلة للاتحاد قبل التوسع أن الدول المنضمة حديثا ومعظمها من دول أوروبا الشرقية والوسطى التي لم تنل سيادتها الكاملة إلا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، قد بدت غير مستعدة بعد انضمامها للاتحاد للتنازل له عن تلك السيادة، وهو ما بدا واضحا من خلال تصريح كان قد أدلى به الرئيس البولندي الراحل ليخ كازينسكي، عندما قال عقب توليه منصبه مباشرة عام 2005 « إن ما يهم البولنديين هو مستقبل بولندا وليس مستقبل الاتحاد الأوروبي».

كما أن مشاركة دول الاتحاد في تقديم وحدات عسكرية للمشاركة في حربي العراق وأفغانستان فاقمت الإرهاق الذي يعاني منه الاتحاد.

وخير تعبير عن حالة الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، هو ما قاله لي عضو في البرلمان الأوروبي مؤخراً وهو: إن كل ما يفعله الاتحاد في الوقت الراهن هو العمل من أجل أن يظل محركه في حالة تشغيل.

«وأضاف هذا العضو: والأمل الآن هو كسب المزيد من الوقت لبروز قادة جدد يعيدون إحياء مشروع الاتحاد من جديد».

بيد أن الاحتمال المرجح خلال الفترة القادمة، هو أن تتواصل عملية أفول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيترتب عليه نتائج وخيمة ليس لمن هم داخل أوروبا، بل لمن هم خارجها أيضاً، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة التي عبر مسؤولوها وعلى رأسهم أوباما نفسه عن خيبة أملهم في الآونة الأخيرة بسبب التضاؤل المستمر للأهمية الجيوبوليتيكية للاتحاد.

ومن المتوقع خلال الفترة القادمة أن تصبح سياسات الاتحاد الأوروبي أقل أوروبية، وأكثر قومية، إلى أن تأتي مرحلة يصبح الاتحاد الأوروبي فيها اتحادا بالاسم فقط.

قد لا يكون ذلك بمثابة خسارة كبيرة بالنسبة للبعض، ولكن في عالم يحتاج بشكل ماس إلى الإرادة الجماعية للاتحاد الأوروبي وثروته، وعضلاته، فإن أوروبا المتشظية، والمنكفئة على نفسها، سوف تمثل بالتأكيد نكسة تاريخية. إن أوروبا، تحتاج إلى جيل جديد من القادة، القادرين على نفخ أنفاس الحياة من جديد في المشروع الذي يتأرجح الآن بشكل خطر، بيد أن المشكلة هي أن هؤلاء القادة يصعب العثور عليهم في الوقت الراهن.

* (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون الأميركية)

واشنطن بوست الاميركية

==========================

تهديدات لتليين الموقف التركي!

د. فايز رشيد

 الدستور

1-9-2010

لا تخفى على أحد أهداف إسرائيل من وراء زيارة نتنياهو إلى اليونان ، والتي هي أولاً وأخيراً محاولة إيجاد منطقة نفوذ إسرائيلي في أثينا عوضاً عن أنقرة ، كما أنها وسيلة ضغط صهيونية على تركيا ، سبقتها محاولات عديدة محمومة للإساءة إلى حزب التنمية والعدالة وزعيمه:أردوغان شخصياً ، وقد تناولنا هذه المحاولات في مقالات سابقة. من آخر التعليقات الإسرائيلية حول أردوغان ، اتهامه بأنه مصاب بمرض الصرع ، الذي يجعل من المصاب به شخصًا ليس سوياً ولا يجوز له اعتلاء منصب رئيس الوزراء في بلده. وذلك كما ركزّت على الموضوع العديد من الصحف الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية.

 

يتزامن الأتهام مع تهديدات أمريكية لتركيا وردت على لسان الرئيس أوباما ، فوفقاً لصحيفة(الفايننشيال تايمز) البريطانية ، هدّد رأس الإدارة الأمريكية رئيس الوزراء التركي أردوغان بأن الولايات المتحدة ستوقف صفقة الأسلحة بين البلدين ، والقاضية بشراء تركيا لطائرات حديثة أمريكية ، كما أن أوباما وعلى هامش قمة العشرين التي عقدت في كندا ، لام أردوغان شخصياً على مواقف تركيا تجاه إسرائيل وعلى تصويتها ضد قرار فرض العقوبات على إيران في مجلس الأمن أثناء تصويته على هذا الأمر ، بالإضافة إلى الموقف التركي بعد مجزرة الحرية الأمر الذي يؤكد و(الكلام للرئيس الأمريكي) أن تركيا لا تتصرف كحليف للولايات المتحدة.

 

في جعبة الإدارة الأمريكية الكثير من وسائل الضغط الأخرى بالطبع ، ولعل من أبرزها: الملف الأرمني ووجود كثيرين من أعضاء الكونجرس بشقيه ، يطالبون ببحث موضوع(مذبحة الأرمن على أيدي تركيا) وهو الذي تم وقفه بعد تهديدات أردوغان بسحب السفير التركي من واشنطن ، الأمر الذي أجبر أوباما على تسمية المسألة ب(القضية التركية - الأرمنية) بعيداً عن استعمال كلمة(مذبحة).

 

أيضاً ، فإن الملف الكردي في شمال العراق هو ورقة ضغط قوية بين أيدي الحليفتين الاستراتيجيتين:الولايات المتحدة وإسرائيل ، فلا يخفى على أحد النفوذ الإسرائيلي المتعاظم في منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق ، كما أن قوة النفوذ الأمريكي فيها تؤهل البلدين لممارسة ضغوطات على أنقرة ، والتأثير سلباً على القضية الكردية في تركيا ذاتها.

 

الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان استنفار كافة قضايا الضغط ، حتى من خلال القضية البوسنية ، فلم يكن صدفة قيام زعيم صرب البوسنة بزيارة إلى تل أبيب وقيامه منها بتوجيه انتقادات حادّة للموقف التركي من قضية البوسنة.

 

صحيح أن من الصعوبة بمكان على أردوغان ومن روائه حزب التنمية والعدالة مجابهة هذه الضغوطات مجتمعة ، وبخاصة أنها متزامنة مع قضايا داخلية تركية كبيرة ، متمثلة في الصراع المخفي الدائر بين الجيش والأحزاب العلمانية من جهة ، وبين حزب التنمية والعدالة من جهة أخرى ، وفي رأي بعض المراقبين السياسيين أنه ومنذ اجتماع بروكسل السري بين وزير الخارجية التركي ووزير إسرائيلي والتي حرصت إسرائيل ونتنياهو تهديداً على كشفه(رغم اعتراضات ليبرمان على عقد اللقاء) بدأت أنقرة في الاستجابة لواشنطن ، بدليل خفوت اللهجة الحادة تجاه إسرائيل في الخطاب السياسي التركي ، واستجابة تل أبيب للطلب التركي بتشكيل لجنة تحقيق دولية للبحث في ملابسات ووقائع مجزرة أسطول الحرية(اشترطت إسرائيل عدم قيام اللجنة باستدعاء جنود وضباط إسرائيليين ممن شاركوا في العملية).

 

من جانب آخر ، نرى أن الضغوطات ربما تؤثر على التكيتك السياسي للقيادة التركية ، لكنها لن تؤثر بالمطلق على جوهر ومضمون هذه السياسة ، وذلك للأسباب التالية وأبرزها:

 

أولاً: المواقف السياسية التي يتخذها حزب التنمية والعدالة تجاه كافة القضايا ، وبالأخص تجاه إسرائيل ، هي توجه عام للجماهير التركية ، التي تطالب في معظمها بعدم عودة العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى ما كانت عليه سابقاً. على هذا الأساس ونتيجة لمواقفه استطاع حزب التنمية والعدالة تحقيق نتائج باهرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، بما يضمن له تجاوز نسبة الثلثين في مجلس النواب ، كاشتراط لتمرير مشاريع قراراته.

 

ثانياً: فيما يتعلق بالملف الأرمني ، فهناك بداية علاقات تربط بين تركيا وأرمينيا ، وزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين ، صحيح أن العلاقات بينهما لم تتجاوز كل خلافات الماضي لكنها بنت بعضاً من الأسس كفيلة بتنمية العلاقات بينهما.

 

في نفس السياق ، يأتي ملف العلاقة التركية - اليونانية ، لكن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين ، ووقوف أنقرة إلى جانب اليونان أثناء أزمتها المالية ، ووجود العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين ، كل ذلك كفيل بتطوير العلاقات بينهما.

 

ثالثا: بالنسبة للقضية الكردية فمنذ عام 2190 (بداية تسلم حزب التنمية والعدالة للسلطة) فإن القيادة التركية طرحت الحل السلمي للمسألة الكردية ، واتخذت عدة خطوات تراعي الخصوصية الكردية. صحيح أن العلاقات لم تصل إلى المستوى المطلوب ، وتخضع لهجمات عسكرية بين الجانبين بين الفينة والأخرى ، لكن ذلك لا يلغي التوجه العام التركي بالنسبة لهذه القضية.

 

رابعاً: استطاع أردوغان وحزب التنمية من ورائه تحجيم دور الجيش في التدخل في السلطة السياسية التركية ، وما زالت خطوات هذه التحجيم سائرة في طريقها(إخضاع كثير من كبار الضباط لمحاكمات قانونية بتهمة التآمر من أجل القيام بانقلاب).

 

خامساً: السياسة التركية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل هي جزء من منظومة سياسات انتهجتها وتنتهجها أنقرة:تجاه دول المنطقة والجوار العربي وأوروبا ، وأي خلل في جزيئات هذه المنظومة سيؤدي إلى خلل في مجموعها ، وهذا ما سيقلب المعادلات السياسية التركية رأساً على عقب ، وسيؤدي إلى انحسار جماهيري من حول حزب العدالة والتنمية ، وهذا ما لا يريده حزب التنمية والعدالة.

سادساً: علينا عدم نسيان أن حزب التنمية والعدالة هو إسلامي التوجه برغم مدى انفتاحه وابتعاده التام عن الأصولية.

لكل تلك الأسباب ليس منتظراً إجراء تحول انقلابي في السياسات التركية.

==========================

العراق عشية انهاء القوات الامريكية العمليات القتالية

د. سعيد الشهابي

2010-08-31

القدس العربي

لم يكن محتوى خطاب الرئيس الامريكي، باراك اوباما، يوم امس بعدم حديثه عن 'انتصار' في العراق مفاجئا للمراقبين، خصوصا ان سحب القوات الامريكية من هذا البلد سوف يعقبه ارسال قوات اضافية الى افغانستان التي ما تزال تتحدى ارادة البيت الابيض. اما المشهد العراقي عشية انتهاء الانسحاب الامريكي فما يزال مضطربا على اصعدة عديدة: امنية وسياسية وانسانية.

هذا المشهدا يعاني من غياب الرؤية الواضحة لدى المراقبين ازاء مستقبله في ظل الركود السياسي من جهة واستمرار التجاذب والتنافر بين الطبقة السياسية من شتى الاطياف، من جهة اخرى. ويأتي الانسحاب ليزيد المشهد تشوشا، بدلا من ازالة غموضه. فهذا الانسحاب كان مقررا منذ ايام الرئيس السابق، جورج بوش، وقد أملته الاعتبارات والحسابات الامريكية الداخلية من جانب، والحقائق على ارض الواقع العراقي من جانب آخر، ومن هذه الحقائق استمرار الخسائر البشرية الامريكية التي بلغت قرابة ال 4400 قتيل خلال السنوات السبع الماضية، وتنامي الشعور الوطني الرافض لاستمرار الوجود الاجنبي على الاراضي العراقية. ويزيد المشهد تشوشا عجز زعماء الكتل السياسية عن تشكيل حكومة جديدة برغم مرور ستة شهور على الانتخابات البرلمانية التي اجريت في شهر آذار/ مارس الماضي والتي لم تحقق فوزا ساحقا لأي من الكتل التي خاضتها. ولا يبدو تشكيل الحكومة اقرب الى التحقق عما كان عليه بعد الانتخابات مباشرة. وبرغم هذه الحقائق، فلم يعد امام الامريكيين خيار إطالة بقائهم القتالي، بل ان انسحابهم العسكري تمهيد لما يسمى 'الانسحاب الكامل' مع نهاية العام المقبل. وما يزال الجدال متواصلا حول حقيقة الانسحابات الامريكية ومدى وجود نية حقيقية لدى واشنطن باستقلال العراق بشكل كامل وعدم التدخل في شؤونه او السعي للهيمنة على خيراته او التحكم في سياساته الخارجية او النفطية او العسكرية.

وهناك ثلاثة جوانب لتقييم مدى استعداد واشنطن لجعل انسحابها حقيقيا والسماح للعراق باسترداد سيادته كاملة: فمن الذي سيقرر سياسات العراق الخارجية خصوصا في مجال علاقاته الاقليمية؟ ومن الذي سوف يحدد ايديولوجيته العسكرية واحتياجاته الفنية؟ ومن الذي سوف يتحكم، بشكل فعلي في سياساته النفطية؟ وربما تكون الاجابات بشكل موضوعي على هذه التساؤلات مؤشرا لمدى الاستقلال المستقبلي لهذا البلد الذي ما يزال يدفع فواتير باهظة لتخلصه من النظام السابق. اما الجانب الامريكي، فقد اصبح هو الآخر مطالبا على الصعيد الداخلي باعادة تقييم السياسات التي انتهجها رؤساؤه السابقون، خصوصا الرئيس جورج بوش، والتي ادت الى ثلاث نتائج سلبية: اولها تعمق الكراهية للسياسات الامريكية بسبب ما يعتبره العرب والمسلمون استهدافا عسكريا وامنيا مباشرا للبلدان الاسلامية، وثانيها تراجع هيبة امريكا المنيعة، وتحولها الى 'نمر من ورق' في نظر البعض، وتشجيع مجموعات مثل طالبان لاملاء شروط الانسحاب الامريكي من افغانستان، بعد ان اتضح العجز الامريكي عن حسم 'الحرب ضد الارهاب' عسكريا. ثالثها: تراجع الولايات المتحدة في الجانب الاقتصادي، ودخولها في كساد شديد تواصل اكثر من ثلاثة اعوام، وما يزال مصدر تهديد لموقع امريكا الاقتصادي. فبدلا من التركيز على التصنيع والتسويق وتطوير القطاعات المالية، اصبح المسؤولون في البيت الابيض مشغولين بتسويق سياسات الحرب والتدخل من جانب والسعي لاحتواء آثار تلك السياسة من جهة اخرى خصوصا مع تصاعد اعداد الضحايا الامريكيين وتقلص فرص الحسم العسكري على من تعتبرهم اعداء لامريكا. ففي مقابل الصعود الاقتصادي للصين والهند، ما تزال الولايات المتحدة تعيش الكساد خصوصا مع استمرار الانفاق العسكري على الحروب التي اصبح المواطنون الامريكيون يعتبرونها 'عبثية'.

ويأتي اكمال الانسحاب العسكري الامريكي من العراق تنفيذا للوعود التي ألمح اليها جورج بوش وأكدها باراك اوباما بعد صعوده للبيت الابيض. ولكن ثمة شكوكا كبيرة بان الانسحاب العسكري لا يعني انتهاء التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية للعراق. وبعد سبعة اعوام من محاولات الهيمنة على ذلك البلد، بدأ الامريكيون يدركون صعوبة اخضاع اهله لهيمنتهم، خصوصا مع الاصوات المتواصلة المطالبة بخروجهم من كافة الاطياف السياسية. هذه حقيقة أشار اليها السفير الامريكي الجديد في بغداد، جيمس جيفري الذي قال قبل ايام: 'اعتقد... أن العراقيين وطنيون لا يحبون أن يهيمن عليهم أحد أو يملي عليهم ما يفعلونه لا الولايات المتحدة ولا ايران ولا أي من جيرانهم الآخرين.' وقد عجز الامريكيون حتى الآن مثلا عن اجبار الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 على مد الجسور مع الاسرائيليين. هذا برغم ان الامريكيين سمحوا للموساد الاسرائيلي بالتوغل في العراق بشكل خطير. وفشلوا كذلك في فك ارتباط العراق بايران، وهو ارتباط، مهما كان تواضعه، مزعجا للجانب الامريكي. كما فشلوا في استدراج العراق، برغم محنه المتواصلة، العام الماضي للوقوف في خندق 'الاعتدال' خلال العدوان الاسرائيلي ضد غزة، وبدلا من ذلك، حضر العراق قمة الدوحة التي كانت تضم الدول الاكثر رفضا للعدوان. وقد أزعج ذلك الموقف الجانب الامريكي كثيرا، ولو حدث في عهد الرئيس السابق، لربما عبرت واشنطن عن غضبها باسلوب آخر. ومع ذلك فهي تسعى بشكل متواصل، وبدعم مادي مباشر او عبر وسائط عربية، للتأثير على تركيبة الحكم المستقبلي، لضمان وجود عناصر مقربة منها فيه. السفير الامريكي كان واضحا من انزعاجه من الموقف الايراني، ملمحا الى انه يقدر عدد الضحايا الامريكيين في العراق الذين سقطوا على ايدي مجموعات مرتبطة بايران يعادل ربع العدد الكلي للضحايا ال 4400. وبرغم ان هذا 'تقدير شخصي' الا انه يؤكد قلق واشنطن من تفاقم ضحاياها العسكريين اذا لم يسحبوا من العمليات القتالية. وبرغم الانسحاب الامريكي العسكري، فسوف يبقى التسابق بين واشنطن وطهران مستمرا. ويعي الساسة العراقيون ضرورة احداث توازن بين النفوذين الامريكي والايراني، ليستطيعوا الاستفادة من الطرفين ويقدموا التنازلات الأقل لأي منهما. الامر المؤكد ان مستقبل العراق السياسي لا يرسمه القادة العراقيون وحدهم، وانه مطالب بسياسات ومواقف متناغمة مع الرأي العام في الفضاء المحيط، وان العراق لا يمكن ان يعيش خارج التأثير والنفوذ، برغم الكوابح الامريكية ضد ذلك.

الجانب الآخر الذي سيكون معيارا لمدى استعداد الولايات المتحدة لاحترام استقلال العراق، يتمثل بالجانب العسكري. فالأزمة العراقية انما بدأت بسبب القوة العسكرية المتنامية لذلك البلد، خصوصا في الفترة التي اعقبت انتهاء الحرب العراقية الايرانية. وربما شعور صدام حسين بشيء من القوة بعد تلك الحرب، كان من اهم دوافعه لاجتياح الكويت في مثل هذه الايام قبل عشرين عاما. وكانت هناك خشية من امتلاك العراق جيشا كبيرا باسلحة غير تقليدية، نووية وكيماوية وجرثومية، الامر الذي دفع الامريكيين لاستهداف بغداد منذ ذلك الوقت. وقد ادت الحربان اللاحقتان الى تدمير الامكانات العسكرية للعراق بشكل كامل. واصبح على النظام الحالي اعادة بناء ذلك الجيش. والسؤال هنا: من سيبني هذا الجيش؟ وما مدى القوة المسموح له بالوصول اليها وامتلاكها؟ من الذي سيحدد ما يحتاجه اعادة بناء ذلك الجيش الذي تمت تصفيته تماما وتسريح جنوده وضباطه بعد سقوط بغداد مباشرة؟ فهناك تسابق على تسليح العراق، بين دول عديدة من بينها الصين وروسيا وفرنسا، وهي تتسابق لتلبية قائمة الاسلحة التي يحتاجها العراق وتصل قيمتها الى مليارات الدولارات وتتضمن طائرات مقاتلة متعددة المهام للدفاع عن المجال الجوي للبلاد. ولذلك تبدو واشنطن في وضع صعب: وتواجه خيارات اصعب: فهل تسمح للعراق بالتسلح وفق احتياجاته؟ ام تتحكم في ذلك؟ انها تدرك خطر الظهور في زي الاحتلال والتحكم خصوصا مع فشلها في حسم الوضع الامني. ولذلك تميل واشنطن للاشراف على عملية التسليح بشكل فاعل. وقبل شهرين قال راي أوديرنو، قائد القوات الامريكية في العراق ان واشنطن تعتزم تزويد العراق بطراز قديم من طائرة F16 المقاتلة ادعى انه 'تم تجديده مؤخرا'، ولكن ذلك لن يحدث الا بعد نهاية العام المقبل، وان ذلك سيحدث على مدى سنوات. وفي مقابل تلك الطائرات القديمة، اقرت واشنطن تزويد 'اسرائيل' ب 75 طائرة من احدث طائراتها المقاتلة F35. كما تخطط الولايات المتحدة لتزويد الجيش العراقي ب140 دبابة أمريكية من طراز 'إم 1 أي 1 أبرامز' بدءا من شهر آب/أغسطس المنصرم حتى أواخر العام المقبل. ووفقا للخطة فسوف تدخل هذه الدبابات الحديثة في خدمة الفرقة التاسعة الميكانيكية العراقية التي تتمركز في وسط البلاد. هذا يعني ان الولايات المتحدة سوف تبقى مهيمنة على القوة العسكرية العراقية بدون منازع. ولذلك فالقادة العراقيون مطالبون بموقف رافض لاخضاع المؤسسة العسكرية للقرار الامريكي، وبدء التفاوض مع الدول الاخرى لشراء ما يحتاجه الجيش العراقي.

الجانب الثالث يتمثل بالسياسة النفطية للعراق. فقد كان 'قانون النفط' الذي طرح بشكل علني قبل ثلاثة اعوام قد اثار الكثير من اللغط، بين مؤيد ومعارض. فبينما اعتبره المؤيدون دفعة جديدة لقطاع النفط من اجل جذب استثمارات اجنبية لقطاع النفط الذي يعاني من مشاكل مستعصية، رأى معارضوه انه سوف يؤدي الى هيمنة الشركات الاجنبية على قطاع النفط وبذلك تسقط سيادة العراق على ثروته الاهم. وهناك خلاف بين بغداد وكردستان حول الادوار المنوطة بشركة النفط الوطنية والشركات الاجنبية، اذ تصر بغداد على تمكين الشركة الوطنية من دور اوسع في القطاع النفطي، بينما تفضل حكومة كردستان منح امتيازات اكبر للشركات الاجنبية. النفط في العراق يمثل عنوانا واسعا لما جرى في العقود الاخيرة، نظرا لما يمتلكه من احتياطات تعتبر الثانية او ربما الاولى في العالم. ولتأكيد الاطماع الاجنبية في نفط البلدان الاسلامية أعلن مؤخرا عن اكتشاف حقل نفط كبير في شمال افغانستان يحتوي على 1.8 مليار برميل نفط. وقالت الحكومة الأفغانية في وقت سابق من هذا العام إنها اكتشفت موارد معدنية تقدر قيمتها ب3 تريليونات دولار. وربما تساعد هذه 'الاكتشافات' على فهم بعض دوافع الوجود العسكري الامريكي في ذلك البلد الذي يتمركز فيه حاليا أكثر من 120 ألف جندي تابع لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقوات الأمريكية. فهل انه من قبيل الصدفة ان يكون كل من افغانستان والعراق مستهدفين بهذه الحالة من الاضطراب السياسي والامني؟ ان بامكان العراق، فيما لو توفرت له ظروف الاستقرار والامن والتحرر الحقيقي من الاحتلال، ان يتحول الى واحة من الخير والامن والحرية والديمقراطية. ولذلك فهو مستهدف في استقلاله وامنه وتطويره ووفاق اهله، وسيظل ذلك ما لم يرتفع الساسة العراقيون الى مستوى المسؤولية ويتمردوا على الظروف المفروضة عليهم، ويتفقوا على ممارسة ديمقراطية تجعل الشعب قادرا على ممارسة حقه المشروع في تحديد مصيره وادارة بلده.

هذه الجوانب الثلاثة ستكون مؤشرا لمدى قدرة العراق على استعادة سيادته وامنه، ومدى صدق الامريكيين في دعاواهم بالانسحاب من البلد الذي أقاموا فيه أكبر سفارة لهم في العالم، وعددا من القواعد العملاقة التي أنشئت في مواقع حساسة خصوصا على الحدود مع ايران. ولا شك ان عجز القادة العراقيين عن التوصل لصيغة حكومية عملية قد اصاب العراقيين بخيبة امل كبيرة، وشجع اعمال الارهاب التي تحصد ارواح المدنيين في كافة المناطق الشيعية والسنية. اما الانسحاب الامريكي الذي قيل انه اكتمل في 31 اغسطس، فسوف يخلف وراءه بلدا محطما، فشلت قوات الاحتلال في اعادة اعماره. هذا الاحتلال سوف يترك وراءه شعبا يعيش ربع سكانه تحت خط الفقر، ويضم مليون أرملة وثلاثة ملايين يتيم، وبطالة تصل نسبتها الى 30 بالمائة. هذا الاحتلال جعل العراق يعاني من حالة فساد مستشرية دفعته لاحتلال المركز 176 من جملة 180 دولة على صعيد الفساد حسب تصنيف مؤسسة الشفافية الدولية لمؤشر الفساد عام 2009. لا شك ان السياسيين يتحملون جانبا كبيرا من هذه الاخفاقات، ولكن اللوم الاكبر يوجه للاحتلال الاجنبي الذي أطاح بالبنية التحتية للبلاد بعد اسقاط نظامه السابق، واصر على التعامل مع الوضع العراقي بعقلية عسكرية بعيدة عن العقل والتخطيط والاخلاص للبلاد واهلها. ان ما حل للعراق كارثة انسانية ومأساة بشرية لا يمكن التقليل من شأنها، خصوصا مع استمرار المعاناة الحياتية والامنية بشكل يومي. فالعراق اليوم يدفع فواتير عقود من الحروب والاستبداد والاحتلال، وتبدو أبواب الفرج موصدة امام اهله، ما لم ينته الاحتلال ومعه روح الحقد والتباغض والتقاتل بين ابنائه، وعقلية الاستئصال والاستحواذ التي عمت نخبه السياسية وكذلك قطاعات واسعة من مواطنيه. لقد حان الوقت لنهضة داخلية، تتجاوز القيم التي فرضتها ظروف الاحتلال كالمحاصصة والطائفية والارهاب والفساد، وتكرس الممارسة الديمقراطية ليصبح هذا البلد العربي الكبير انموذجا في الممارسة السياسية في منطلقة عانت، وما تزال، من الاستبداد والاحتلال والتخلف والتبعية. لو استطاعت النخب العراقية تحقيق ذلك، لأمكن التغاضي عن سلبيات السنوات السبع العجاف منذ الحرب المدمرة التي شنها التحالف الانجلو- أمريكي على بلاد الرافدين.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

==========================

الفساد في بلادنا العربية

محمد كريشان

2010-08-31

القدس العربي

لم يبق سوى أفغانستان لنأخذ منها العبر على هذا الصعيد! الخبر يقول التالي: أعلن فضل أحمد فقيريار النائب السابق للمدعي العام في أفغانستان أن الرئيس حامد كرزاي أقاله الأسبوع الماضي لأنه رفض وقف تحقيقات في قضايا فساد طالت مسؤولين كبارا بينهم وزراء في الحكومة وسفراء. وتعيد تصريحات فقيريار التي أدلى بها لصحيفة 'نيويورك تايمز' إلى الواجهة اتهامات من عدة أطراف دولية لكرزاي بالسكوت عن ممارسات فساد وتلاعب بالأموال في أوساط المسؤولين الأفغان، أو توفير الحماية لبعض المشتبه فيهم.

أمران في الخبر يستحقان التوقف قليلا: الأول أنه مع كل مصائب أفغانستان متعددة الأوجه أتيح المجال لفتح تحقيق قضائي في فساد وزراء وسفراء وأحد أبرز المقربين من الرئيس، الثاني أنه عندما تدخل الرئيس وأجهض مسعى التحقيق هذا لم يتردد المشرف عليه أن يخرج إلى الإعلام ويفضحه مباشرة وبالاسم بلا لف ولا دوران. كلا الأمرين ببساطة شديدة غير واردي الحدوث في بلادنا العربية.

من شبه المستحيل تقريبا أن نشهد ملاحقة لمسؤول عربي كبير بتهمة الفساد حتى وإن كانت رائحة فساده تزكم الأنوف. أكثر من ذلك من المستحيل أيضا أن نشهد أية ملاحقة ليس لهؤلاء فقط بل لأقربائهم الذين عادة ما يرتعون بالطول والعرض في عالم المال والصفقات والاستحواذ على أراضي الدولة واحتكار تمثيل الشركات العالمية الكبرى في بلدانهم دون وازع ولا رادع. قد نطمع في مرحلة أولى بالحالة الأفغانية، لا بأس اشرعوا في التحقيق ثم أوقفوه لاحقا!! هنا على الأقل نظفر ببعض المعطيات والشهادات الموثقة للفساد في انتظار أيام أفضل. لا محاسبة عندنا إلا في إطار تصفية حسابات عندما يتصارع المفسدون فيما بينهم أو يتضح أن كعكة الفساد أصغر من أن تشبع نهمهم جميعا الذي لا حدود له.

في نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي انعقد بالعاصمة اليمنية صنعاء المؤتمر الإقليمي الثاني للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد بحضور 120 شخصية مختصة من 17 دولة عربية إلى جانب عدد من المنظمات الدولية ذات الصلة. من أبرز ما خلص إليه المؤتمر أن مكافحة الفساد تتطلب شروطا أساسية 'أهمها توفر الإرادة السياسية' وأن الفساد لا يحارب فقط من خلال مكافحة جرائمه بل 'من خلال مقاربة شاملة تشمل معالجة نقاط الضعف في آليات إدارة الحكم و(ضرورة) توسيع المشاركة (السياسية) وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية'.

هنا مربط الفرس، حتى أن الكلمات التي توجد بين قوسين هي من إضافة كاتب المقال ولا أعتقد أن غيابها كان صدفة...إذ كيف لهؤلاء المشاركين أن يملوا على قياداتنا الحكيمة والملهمة 'ضرورة' معينة باعتبار أن هذه القيادات هي من تقدر وحدها الضرورات والمحظورات، كما أن ترك مفردة المشاركة دون إضافة 'السياسية' أسلم تماما في كل الأحوال. ومع ذلك فإن المؤتمر يكفيه شجاعة الإشارة إلى 'الإرادة السياسية' كأهم شرط لمحاربة الفساد في بلادنا العربية وهو بالضبط ما نفتقده. العكس هو الصحيح بالكامل حيث ان القيادات هي من يوفر الغطاء للفساد ويحميه ويستفيد منه كذلك فقد أثبتت التجارب أن الدكتاتورية بكل ما تعنيه من غياب الحريات وعلوية سلطة القانون والقضاء المستقل هي من يقود إلى الفساد كما أن الفساد لا يمكن أن يقود بدوره إلا إلى الدكتاتورية لأنهما كالإناء الذي لا بد له من وعاء وغطاء.

لعل المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد الرابع عشر الذي سيقام هذا العام في الفترة من 10 - 13 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في بانكوك سيشكل فرصة جيدة لمعرفة موقع العرب من خارطة الفساد الدولي، ذلك أن هذا المنتدى هو الأبرز دوليا حيث يجمع بين رؤساء الدول، والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ويعقد كل سنتين في منطقة مختلفة من العالم، ويجتذب ما يصل إلى 1500 مشارك من أكثر من 135 بلدا.

==========================

الانسحاب الأمريكي من العراق وابعاده السياسية والامنية على المنطقة

عبدالله محمد القاق

الدستور

1-9-2010

فيما يختلف العراقيون حول سلبيات وايجابيات انسحاب الجيش الاميركي من بلادهم مخلفاً وراءه حوالي خمسين الف جندي للاسهام في عمليات التدريب والحفاظ على الامن فان هناك رايين يسودان الشارع العراقي الاول يرى ان الوقت غير مناسب لانسحاب هذه القوات لان البلاد تُعاني من فراغ سياسي وخروقات وقلاقل أمنية ، بين الحين والآخر حيث تحدث عمليات نوعية تحصد العشرات كما حصل خلال الاسبوع الماضي من تفجيرات شملت شمالي ووسط وجنوب العراق ووجود الازمات الخانقة في مجال خدمات الكهرباء والماء والطاقة ، فضلا عن ان هناك آراء يقودها بعض اعضاء حزب الدعوة العراقي تدعو الى ضرورة عقد اتفاقية امنية بين العراق واميركا قبل انتهاء الانسحاب الكامل في عام 2011 تسهم حقيقة في توفير الامن والخدمات ومساعدة العراق "بشكل جدي" في تخطيه لازماته ومشاكله عبر كل الصعد ولا تترك الامور على الغارب ، كما يحصل حالياً،

 

أما الرأي الآخر فيرى ان الانسحاب الاميركي له ايجابياته ومنها "انه سيتمتع العراق بالسيادة" ويكتشف قدرة الجيش على مدى ادارة البلاد من خلال سياسييه وقياداته ، وان يعرف مدى قدرة الجيش والشرطة لمواجهة الحوادث والخروقات الامنية ، وهل تتناسب الخطط والاستراتيجيات مع متطلبات الوضع الامني وحاجة البلاد لمواجهة المتسللين اليها عبر الحدود،؟ فضلا عن ان مثل هذا الانسحاب الذي يجيء تلبية لرغبة الرئيس الاميركي اوباما الذي يواجه مشكلات عسكرية وامنية واقتصادية نتيجة تواجد قواته المترامية في العراق وافغانستان وبعض المواقع الساخنة في كوريا او الدول الافريقية سيسهم في تطوير قابلية الجيش العراقي بغية العمل بكل وطنية وبعيداً عن الخلافات الطائفية التي قد تؤدي الى وقوع العراق في الهاوية وهذا ما لا نريده جميعا وانما نريد مواجهة الاخطاء والخلافات والمحاصصة السياسية وتشكيل الحكومة العراقية وايجاد نظام اصلاحي جديد يكون منصبا على تحقيق الخدمات والاصلاحات في كل المجالات.. لأنه من الواضح ان الاحتلال الاميركي لم يحقق للعراق سوى مزيد من تفاقم الازمات ، والطالة والفقر والاستيلاء على مقدرات العراق ، ولم يتوفر للعراقيين ما وعد به الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش من توفير الامن والامان والديمقراطية الحقة للشعب العراقي بل زاد من كوارثه.. واصبح هذا البلد مهددا بالانقسام الى دويلات وهو ما نشهده حاليا في شمال العراق الذي يقوم الجيش الامريكي بتدريب قواته ويسعى الى "انفصاله" بطريقة او بأخرى.

 

ومهما كانت الآراء والتداعيات لانسحاب هذه القوات الامريكية الا انه سيكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة على منطقة الشرق الاوسط ومنها على النظام الاقليمي الامني ومستقبل العراق اقتصاديا وسياسيا.

 

ولعل خطورة هذا الانسحاب والذي يُرحب به كل الترحيب يكمن فيما طرحته صحيفة يديعوت احرونوت مؤخرا حول سيناريوهات هذا الانسحاب والذي تم الاعداد له من قبل مختصين امنيين وعسكريين اسرائيليين بأن هذا الانسحاب الذي ترفضه اسرائيل سوف ينتج عنه تشكل شرق اوسط جديد يمثل اسوأ الاحتمالات التي تتوقعها اسرائيل في المرحلة المقبلة وتكمن اهمية هذا التقرير في انه سيزيد المساعدات الامريكية لاسرائيل بشكل كبير بحيث تصل خلال السنوات العشر المقبلة الى اكثر من ثلاثين مليار دولار بواقع ثلاثة مليارات كل عام وكذلك تزويد الاحتلال الاسرائيلي بصفقة سلاح عملاقة للحؤول دون توجيه ايران ضربة عسكرية لمفاعلها النووي اذا ما اقدمت اسرائيل على ضرب المفاعلات الايرانية النووية السلمية لكن اسرائيل تخشى من تغيرات ومعطيات دولية جراء هذا الانسحاب يكون ليس في صالحها.

 

وهذا الانسحاب يجيء لا لكون الولايات المتحدة حققت اهدافها في العراق عبر السنوات السبع الماضية من الاحتلال بل لانها كما يرى العالمان العربي والاسلامي حققت هزيمة مروعة الامر الذي زاد في طاقة الحركات الجهادية الاسلامية في المنطقة بالعراق واليمن ومقديشو وغيرها من الدول الافريقية.

 

والواقع ان الاكثر خطورة لقرار الانسحاب هو ما يحمله قرار الكونغرس الامريكي الرامي الى تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم لكل من السنة والشيعة والاكراد باعتبار انه الخروج الافضل والامثل للانسحاب الكامل للقوات الامريكية بل لكونه يضع حجر الزاوية في حماية المصالح الامريكية بعيدة المدى وحماية منابع النفط وأمن اسرائيل ويسهم في تفتيت هذا الوطن العربي الذي كان داعما وبشكل قوي للقضايا القومية والعربية وخاصة القضية الفلسطينية ويؤثر على الاستقرار والتوازن الاقليمي في المنطقة لتكون لصالح اسرائيل وانهاء الدور العراقي السابق الذي كان يلعب دور القوة المناوئة للاطماع الخارجية الرامية الى عدم طهور عراقي قوي في المرحلة المقبلة.

 

ويتساءل الكثيرون هل استعدت الدول العربية لمثل هذا الانسحاب؟ وهل اعدت الجامعة العربية خطة للحؤول دون التدخل الخارجي في الاوضاع العراقية؟ وما هي النتائج المترتبة على اقدام اسرائيل او الولايات المتحدة لضرب المنشآت النووية السلمية لاجهاض هذا المشروع الذي لا يرمي الى بناء قدرة نووية ايرانية بل لاستخدامه للاغراض السلمية الطبية وغيرها من الاعمال المتطورة.

 

فهذه الامور ينبغي الاستعداد لها من قبل الجامعة العربية سواء بعقد قمة عربية طارئة تضع الخطط والاستراتيجيات الرامية لمواجهة هذا الانسحاب الامريكي من العراق او سد الفراغ الامني والاستراتيجي والفوضى التي ستنشأ جراء هذا الانسحاب او التقسيم.

 

والواقع ان الامريكيين واجهوا جراء الاحتلال للعراق مقاومة من العراقيين وان تكاليف هذه الحرب زادت عن 800 ميار دولار بينما كلفت الحرب على فيتنام حوالي 600 مليار دولار حيث ذكر تقرير للبنتاغون ان تكاليف العمليات في العراق قدرت ب 5,6 مليار دولار في الشهر فيما كان معدل الانفاق في فيتنام حوالي 5,1 مليار شهريا كما تكبدت القوات الامريكية والحلفاء ما بين 19 آذار 2003 22و آب 2005 ما عدده 2060 جنديا من قوات الاحتلال بينهم 1866 جنديا امريكيا وجرح اكثر من 14065 من افراد القوات الامريكية ومقتل 255 متعاقدا مدنيا في العراق منذ الاعلان عن انتهاء العميلات العسكرية الاساسية في ايار بالاول من مايو 2003 من ضمنهم 91 تم تعريفهم بالامريكيين.

 

وهذا الانسحاب جاء لتعهد اوباما في حملته الانتخابية بضرورة وضع حد للقوات الامريكية في العراق فضلا عن ضغط الديمقراطيين المتزايد في الكونغرس بضرورة الاسراع في سحب هذه القوات او تخفيض الاعداد وقد تجلى ذلك في شهادة جون مارثا شيخ الديمقراطيين في الكونغرس وخبير شؤون الامن القومي والمحارب القديم في فيتنام والذي شن حملت شعواء ضد ادارة الرئيس الاميركي السابق والحزب الجمهوري للاقدام على احتلال العراق.

 

والواقع ان فئة ضئيلة من العراقيين هي التي اتت الى الحكم مع الجيش الامريكي المستفيدة من وجود هذه القوات وترفض الانسحاب قبل كما تدعي لكي تضمن استقرارها في مواقعها السياسية والاقتصادية وضرورة ابقاء هذه القوات لسنوات اطول لضمان امن ومصالح امريكا في المنطقة خاصة وانها ترى ان هذا الانسحاب سيُعرض العراق لهزات كبيرة في ضوء التكاليف المادية والمعنوية ومقتل الاف الامريكيين جراء هذا الاحتلال.

 

وبالرغم من اعلان الرئيس اوباما لدى تسلمه الحكم بان 31 آب عام 2010 سيكون موعدا لانهاء العمليات القتالية في العراق الا انه يعتزم سحب جميع هذه القوات عام 2011 الامر الذي لقي ترحيبا في الاوساط الامريكية حيث قالت صحيفة التايمز اللندنية مؤخرا ان الديمقراطيين اعربوا عن استيائهم من قرار اوباما بابقاء خمسين الف جندي في العراق وهذه الخطوة ما ترى الصحيفة خيّبت آمال اليسار الذين لديهم قناعة بان الوجود ا الاميركي في العراق يجب ان ينتهي كليا ولم يحقق اية نتائج سوى الخراب والدمار والقتل وتقسيم هذا البلد.

 

وتشير دراسة امريكية اعدها خبراء دوليون وعلى رأسهم البروفسور مايكل اوبهايمر ان فرض الامن في العراق يتطلب شخصية جديرة بالحكم في العراق تسهم في تعليق الدستور العراقي وبسط القانون والنظام بعد الفوضى التي سادت العراق ودفعت بملايين العراقيين الى الفرار الى دول الجوار.

 

فالمطلوب في ضوء هذا الانسحاب الامريكي الذي رعاه نائب الرئيس الامريكي جون بايدن امس الاول اعداد مشروع وطني موحد لكل الفئات العراقية يقود الى مرحلة قادمة من التعاون والتآلف وانهاء الخلافات والنهوض بالعراق نحو حياة آمنة مستقرة.

 

ولكن السؤال: اذا كانت امريكا جادة في الانسحاب نهائيا من العراق بعد انتهاء المهمة كما يقول بوش واوباما.. فماذا نُفسر اقامة قواعد عسكرية دائمة وتزويدها بكافة التجهيزات اللازمة خاصة وان القوات الامريكية قامت ببناء اكثر من خمسين قاعدة عسكرية وهذا يؤكد ان امريكا بالرغم من انسحابها الا انها تخطط للبقاء في العراق لعقود طويلة من السنين وربما مئة عام كما قال جون ماكين المرشح الجمهوري السابق للرئاسة ضد اوباما.

abdqaq@orang.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ