ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

مفهوم العقل الذي ينتج اللاعقلانية

المستقبل - السبت 28 آب 2010

العدد 3754 - رأي و فكر - صفحة 19

سمير الزبن

قد تستخدم كلمة العقل بصورة مكثفة في تراث معين، لكن ليس كل استخدام لهذه الكلمة يحيل إلى مفهوم العقل كما تم توظيفه في تجربة العقلانية الغربية الحديثة. فالعقل في هذه التجربة يتحدد بثابتين رافقاه خلال تطوره التاريخي، الثابت الأول العلاقة المباشرة بين العقل والطبيعة، والثاني هو قدرة العقل على كشف أسرار الطبيعة، فيتوجه إليها مباشرة، فمعقولية موضوعية يجب اختبارها في الواقع للتأكد من النتائج، وبالتالي هل تؤدي الوسائل المستخدمة للوصول إلى النتائج المتوخاة. فالمعقول هو الطبيعي، لذلك لا وجود لشيء خارق للطبيعة من الممكن اعتماده للإجابة على الأسئلة التي تطرحها الطبيعة. فمهمة العقل هي إدراك الأسباب للوصول إلى النتائج المتوخاة، وهو القانون المطلق، والعلاقة بينه وبين الطبيعة هي علاقة مطابقة، وهذا التطابق يتوقف على ما تعطيه التجربة للعقل، وما يجدد به العقل معطيات التجربة، فكلاهما شاهد على الآخر. وقد أدى تقدم العلم إلى النظر إلى العقل بوصفه فعالية، بحيث لم يعد ينظر إلى العقل بصفته مطابقة للطبيعة فحسب، بل أصبح بالإمكان الاعتماد على النشاط العقلي لبناء منظومات نظرية تشمل مختلف الظواهر، يمكن التحقق منها تجريبياً، مما جعل العقلانية المعاصرة تتصف بكونها عقلانية تجريبية.

يبدو الكلام نافلاً، فهو يقر وقائع معروفة، وأعتقد أن المشكلة في هذه الوقائع المعروفة ذاتها، أو بالأصح بالموقع الذي ينظر منه إليها. من السهل لأي مطلع متعمق في التراث العربي - الإسلامي، أو حتى صاحب معرفة سطحية، أن يحشد عشرات الشواهد على استخدام مفهوم العقل والتأكيد عليه في التراث. ولا يمكن الصمود في مواجهة دلائل استخدام العقل في هذا التراث، ولا يمكن نكران أنه مفهوم مركزي، ولكن عن أي عقل نتحدث؟

في كتابه "مفهوم العقل" يشكك عبد الله العروي في جدوى نوع من الكتابة الذي مارسه وآخرون في المشرق والمغرب، والذي اعتقد انه من خلالها يستطيع أن يحدد الوضعية التاريخية، وهل ما نقوله عن أنفسنا يتساوق مع الأهداف المعلنة وينطبق على الواقع؟ يعترف بأنه كان متفائلاً أكثر من اللازم، وأن هذه البحوث لم تؤد دورها المطلوب. فهو يتوقف عند هذا الحد من البحث عن تحديد المفاهيم، ويبرر ذلك، بأن الاستمرار يؤدي إلى التكرار لأن ما كتبه في سلسلة المفاهيم يمثل فصولاً في مؤلف واحد حول مفهوم الحداثة. إن اليأس يظهر جلياً في خاتمة الكتاب، حبث يضع كل الأعمال التي حاولت استلهام الحداثة ومفاهيمها موضع الشك بإمكانية اكتسابها فعالية في السياق العربي، وعلى رأس هذه المفاهيم مفهوم "العقل"، فهو يرى أن العقل الذي نتكلم عنه باستمرار - في السياق العربي - تصريحاً أو تلميحاً، هو مفهوم نظري، حتى عندما ينطبق على السلوك، ما نسميه بالعقل العملي. نتكلم عندئذ على نظرية الأخلاق لا على نظرية العادات. نبرّر الواجب منها فلا ندرك الملاحظ. نسمي أخلاقاً الأفعال الخاضعة لقواعد مفروضة وأن ناقضت المصالح المتعلقة بها، بل لا تكون أخلاقية إلا بالنفي والمعاكسة، وهو ما يطلق عليه "عقل المطلق" والذي يؤدي حتماً إلى عدم التمييز بين مفهومين (عقل الاسم وعقل الفعل). فهو يقول العقل فعّال بطبعه: يقول ذلك بعبارات متباينة، الحكيم والمتكلم والمتصوف والفقيه والمحدث. يختلفون حول العبارات والأحكام إما التصورات، والتوجهات فهي واحدة. والعقل عندهم جميعاً تأويل، فهو عقل الأمر والاسم، والعلم هو فقه الأوامر. وما سُمّي الواقع واقعاً إلا لأنه وقع من أعلى وكان ثنياً على بدء.

يقوده هذا التحليل إلى التمييز بين عقلين: أحدهما يهّم الفكر وحده، هدفه النظر في شروط التماسك والاتساق، والثاني يهم السلوك أو الفكرة المجسدة في فعل، هدفه النظر في ظروف مطابقة الوسائل للأهداف المرسومة. الأول عقل المطلق، والثاني عقل الواقعات، أفعال البشر المتجددة. وهنا الفرق الجوهري والقطعية الجوهرية بين القديم والحديث. ويحدد مفارقة العقل في آخر التحليل بوصفها تناقضاً بين العدة الذهنية والواقع الاجتماعي. والمطلوب حسب العروي للخروج من هذه المفارقة، الحسم بالتمرن على منطق الفعل، حتى لا ينقلب العقل إلى لاعقل.

فالعقل المنفعي وهو مفهوم مرذول في الثقافة العقلانية العربية، هو ما يجب إعادة الاعتبار له، ولا يمكن الحكم على جدوى الأدوات الذهنية، دون الوصول إلى نتائج تؤكد شرعية هذه الأدوات، وتشريع العقل النفعي، هو وحده القادر على ردم الهوة التي نراها كل يوم أمامنا، بين السلوك المنفصم عن إطار تبريره العقلي والنظري.

===================

حل وسط لأزمة مسجد نيويورك

عادل درويش

الشرق الاوسط

28-8-2010

الجدل الدائر حول بناء مركز ثقافي إسلامي يتضمن مسجدا في نيويورك «صنع من كومة جحر فأر الحقل جبلا»، حسب المثل الإنجليزي.

الموقع يبعد شارعين (400 متر) عن «Ground Zero» أو «الموقع صفر»، الاسم الذي أطلقه النيويوركيون، يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، على أرض أنقاض برجي مركز التجارة العالمي، حيث اختلط رماد الأنقاض برفات قرابة 3000 ضحية ينتمون ل90 جنسية، وبينهم 60 مسلما ومسلمة.

وللموقع دلالات مختلفة في القلوب، كل حسب ثقافته الذهنية أو الروحانية أو كلتيهما، ومدى قرابته لضحية من الضحايا. وحتى يسعفني أحد فطاحل اللغة العربية بتعبير يجمع بين ما هو مقدس (sacred)، وما هو محرم (taboo)، وربطهما بالعاطفة (emotional)، فسأجتهد بكلمة مركبة «مقرم»، وتستحضر للذهن «مكرم»، وأقل وطأة على الأذن من «محردس» (إلا إذا فضلها أغلبية القراء).

أتوسل للقراء التأمل متخيلين أنفسهم أقارب أحد الضحايا «شخصيا». فبينهم الزوج، والأب، والحبيب، والابن، والأخ، والابنة، والأخت، والزوجة والأم. لم يروحوا ضحية كارثة طبيعية كزلزال أو فيضان، وإنما أزهقت أرواحهم عمدا في جريمة قتل جماعي نفذتها عصابة، انتهك أعضاؤها، إلى جانب جريمة القتل، محرمات أخرى كالكذب والتزوير والاختطاف والسرقة. ليس فقط سرقة أربع طائرات؛ بل سرقة أكثر بشاعة ووقاحة: سرقة «عيني عينك» لرايات الإسلام ليرتكبوا تحتها جريمة القرن ال20 التي تباهى بها زعيما العصابة، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، في أشرطة فيديو وزعاها على الفضائيات، يضحكان خلالها في وقاحة من مشهد إلقاء آدميين بأنفسهم من نوافذ البرج المحترق هربا من جحيم أشعله أتباعهما. وقد استطلت في الوصف ليفكر كل قارئ وقارئة في التناقض بين أحاسيسهم وهم يسترجعون المشاهد المأساوية، وقهقهات بن لادن وأصحابه وسخريتهم في شريط الفيديو من كارثة تسببوا فيها عمدا مع سبق الإصرار، وبين ضحاياها 60 مسلما ومسلمة. وبسبب تعقد تركيبة الذكريات والأحزان أصبح غراوند زيرو «مقرما» أو «محردسا» في قلوب سكان المدينة الشهيرة، خاصة من تأثروا مباشرة بالحادثة.

المركز الإسلامي الثقافي الرياضي متضمنا المسجد لن يبنى فوق الأرض «المقرمة» برفات آلاف البشر والمبللة بدموع وعرق عمال الإنقاذ والمطافئ، وإنما على بعد شارعين، لكن الضجة، حركت الموقع في ذهن الكثيرين إلى مسافة تنتهك «التقريم» في قلوبهم.

وما زاد المشكلة تعقيدا هو تسرع الرئيس الأميركي باراك أوباما بسكب بلاغته المتوهجة فوق نيران الجدل، فزاد من ألسنتها التهابا بدلا من إخمادها. فتدخله أضاف بعدا سياسيا استغله خصومه الجمهوريون المعارضون لبناء المسجد (واحد من بين خمسة أميركيين يعتقد أن الرئيس مسلم في استطلاع الأسبوع الفائت). والديمقراطيون استغلوا الأمر لاتهام الجمهوريين بالعنصرية.

أوباما تراجع قائلا إنه لم يعلق ب«دعم» أو «رفض» بناء المركز، وإنما أوضح، نظريا، حق الجميع، بمن فيهم المسلمون، دستوريا في حرية التعبير والعبادة.

ولن أتوقف كثيرا عند فتح الرئيس الأميركي بابا قد تهب منه رياح لا تشتهيها سفينته المبحرة نحو انتخابات الكونغرس (فقد يخرج متطرفون يسبون الإسلام انطلاقا من استشهاد الرئيس نفسه بالدستور الذي يكفل حرية التعبير، قائلين إنهم ينتقدون عقيدة وليس شخصا بعينه يمكنه أن يقاضيهم)؛ بل أفضل البحث عن حل يهدئ العاصفة، مما يستلزم بضعة تساؤلات. أولها عن الدوافع الحقيقية لفيصل عبد الرؤوف إمام المسجد وصاحب الفكرة، الذي يسافر في جولة الآن لجمع التبرعات؛ وزوجته ديزي خان التي تظهر نيابة عنه في التلفزيون والصحافة تهاجم معارضي بناء المركز وتتهمهم بالعنصرية، بدلا من شرح الجوانب الإيجابية من وجود مراكز ثقافية وتثقيفية.

كل من عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ وديفيد باترسون حاكم ولاية نيويورك الديمقراطي، يدعم مشروع بناء المركز الثقافي الاجتماعي الرياضي والمسجد.

باترسون قدم قطعة أرض يملكها في مانهاتن (الحي نفسه في نيويورك) إلى الجمعية التي يترأسها عبد الرؤوف لبناء المركز فوقها؛ فتفاءل الناس. لكنهم فوجئوا برفض الإمام عبد الرؤوف عرض الحاكم باترسون، مصرا على بناء المركز الإسلامي والمسجد على بعد 360 مترا من غراوند زيرو، «المقرمة» عند النيويوركيين، فخسر كثيرا من المؤيدين وكسب مزيدا من الخصوم. عبد الرؤوف ومجموعته يروجون لأنفسهم ك«معتدلين» بين المسلمين (بالمناسبة في كتاباتي في الصحف الإنجليزية لا أستخدم كلمة معتدلين «moderate» لأن ذلك يوحي ضمنيا بأن بقية المسلمين «متطرفون» أو «غير معتدلين»، وأفضل عليها تعبير عموم المسلمين أو التيار العام «stream - main» بين المسلمين). وعبد الرؤوف في جولة خارجية تدفع وزارة الخارجية الأميركية تكاليف الإقامة والسفر فيها. عند فحص التصريحات والاتهامات الموجهة للمعارضين، من قبل المتحدث نيابة عن مجموعة بناء المسجد، ستجدها فصيحة ولبقة وتدافع عن الدستور الأميركي الذي يحمي حقهم «كمواطنين أميركيين» في ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة وحرية التعبير. لكنهم كغيرهم من «المعتدلين»؛ لا يعطون إجابة مباشرة تطمئن غير المسلمين (وهم الأغلبية في أوروبا والأميركتين وأستراليا، حيث تثار هذه المشكلات منذ المصيبة التي أوقعها بن لادن وعصابته فوق رؤوس المسلمين)، بأن هؤلاء «الوافدين» لا يرغبون في السيطرة عليهم وعلى أسلوب معيشتهم.

وسواء هنا في بريطانيا أو في غيرها، حيث صوت المتطرفين مختطفي رايات الإسلام هو الأعلى، تجد هذا الصوت يؤكد على أن واجب المسلم هو الجهاد لتحويل أي مكان ينزل فيه إلى «إمارة إسلامية» يستبدل بقانونها الشريعة.

وبلا طمأنة أهل البلاد التي يهاجر المسلمون إليها بأنهم لا ينوون «الجهاد» لإلغاء قوانينها التي تشرعها برلمانات منتخبة، واستبدالها الشريعة بها، سيظل أصحاب البلاد الأصليون متوجسين من نوايا الوافدين المسلمين.

وعند توجيه السؤال، في محاضرة علنية أو مقابلة إذاعية، عما إذا كان هذا المثقف أو أستاذ الجامعة المسلم، كبريطاني أو أميركي، يعترف بسيادة البرلمان كمصدر تشريع لقوانين البلاد التي تسري على الجميع بصرف النظر عن الأديان، أم يستثني نفسه كمسلم.. ستجد «المعتدل» يراوغ ويتفلسف بذكر القرآن للأنبياء السابقين متجنبا الإجابة المباشرة «نعم سأطيع القانون»، أو «لا، الشريعة قبل القانون»، مما يزيد من شكوك الناس. ومن تفلسف المثقفين بأن الأديان السماوية الثلاثة مصدرها واحد، نتساءل: ولماذا لا يجعل الإمام عبد الرؤوف مركزه للديانات الإبراهيمية الثلاث، ويكون أهم نشاطاته نشر دعوة السلام والتسامح بدراسات ومحاضرات عن أوجه التقارب الإيجابي بين المؤمنين بالديانات الثلاث.. ويكون المحاضرون من أساتذة الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية؟.. والأهم وجود نصب تذكاري باسم أحفاد إبراهيم لضحايا إرهاب 11 سبتمبر من جميع الأديان والمذاهب.

===================

الهستيريا تحجب الرؤية عن اليمين

يوجين رويبسون

الشرق الاوسط

28-8-2010

الهستيريا الدائرة بشأن خطط إقامة مركز للجالية الإسلامية في مانهاتن - وعلى بُعد بنايتين من موقع مركز التجارة العالمي، وفي وسط منطقة حضرية فيها خليط من المباني التي تضم مكاتب ومطاعم وحانات – تتسم بطابع عشوائي وبشكل مبالغ فيه، وسيكون من المضحك إذا لم تهدد بالتسبب في أكبر ضرر للحملة العالمية ضد الإرهاب الإسلامي.

وأصبح من المعلوم بشكل مؤكد الآن أن من يروج لهذا المشروع الذي يطلق عليه اسم «بارك 51»، رجل دين مسلم محب للسلام تشبه خطبه، في كثير من الأحيان، تأملات المعلم الروحاني الهندوسي ديباك شوبرا، بل من المعروف والذي لا جدال فيه أيضا أن الإمام المذكور، فيصل عبد الرؤوف، شخصية معتدلة إلى درجة أن الحكومة الأميركية ترسله بانتظام كمبعوث لها إلى الدول الإسلامية لنشر دعوة السلام والتعايش والحوار.

ومع ذلك، احتشد المعلقون والسياسيون اليمينيون معا لتصوير المشروع باعتباره اعتداء خطيرا، وتصوير «الشعب الأميركي» بأنه ضحية. لكن ضحية ماذا؟ مؤامرة رؤوف الشريرة لإفساد المدينة بمركز للياقة البدنية وحمام سباحة ومكان لتعليم الفنون؟

يعد هذا «الجدال» برمته أمرا مثيرا للسخرية. لكن المحافظين، الذين يملكون معلومات أكثر، يبذلون قصارى جهدهم لاستغلال الجهل المنتشر عن الإسلام وتحويله إلى خوف وغضب. إنهم يعنون ضمنا، لكن من دون التصريح بذلك، أن الإسلام نفسه هو الذي هاجم الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وليس مجرد فئة متطرفة تتبنى أفكارا تعتبرها الغالبية العظمى من المسلمين تحريفا لدينهم. إنهم يصورون مشروع «بارك 51» على أنه «رقصة النصر» فوق الأرض المقدسة التي لاقى آلاف الأميركيين حتفهم عليها - ناهيك بأنه لن يكون هناك أي صلة بين المشروع وموقع مركز التجارة العالمي - ويقولون إن هذا المشروع، على الرغم من أنه سيقوم بإدارته هذا الإمام المحب للسلام، سيكون مركزا لتجنيد الإرهابيين.

رسالتي إلى كل من يصغي إليهم: أنتم ضحية. خذوا حذركم.

ولإتمام هذه المهمة، فإن المعارضين للمركز الإسلامي يقومون بالفعل بتجنيد الإرهابيين من اليمين واليسار. وكما قال أحمد موصلي، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «رفض هذا المشروع أصبح مكافئا لرفض الإسلام نفسه». كل الخطب المعادية للإسلام تدعم حجة الجهاديين الرئيسية، وهي أن الولايات المتحدة والغرب يسعون لتدمير دين الإسلام الذي يعتز به أكثر من مليار فرد.

المهم في الأمر هو أنه على الرغم من أن الضجة التي أثيرت حول مشروع «بارك 51» هي جزء من نمط أوسع نطاقا يتقمص فيه اليمين المتطرف دور الضحية ويحاول تأجيج مخاوف العامة. المجموعة التي تحب أن تصور نفسها على أنها مجموعة من المدافعين عن الأمة، تقضي، حسبما اتضح، وقتا كبيرا منكمشة في الزاوية وهي تشكو كيف أصبح كل من حولها متوحشين.

شاهد حالات الإثارة المتكررة عن الحالات العنصرية المنعكسة، سواء كانت حقيقية أو متوهمة. وقضية شيرود شيرلي هي أحدث مثال يظهر شغف اليمين المتطرف بنشر وبث كذبة مفادها أن الأميركيين من أصل أفريقي، بمجرد أن يرتقوا إلى مناصب في السلطة سيستخدمونها لمعاقبة البيض على ما قاموا به من تمييز ضدهم عبر التاريخ. وقائع قضية شيرود، التي ظهرت مؤخرا، تفند بشكل مقنع هذه القصة الخيالية عن الانتقام الذي طال انتظاره. ولكن هذه القصة ستحدث مرة أخرى.

وانظر إلى الهستيريا المتعلقة بالهجرة غير الشرعية. ويبدو أن من تتملكهم الهستيريا لا يأبهون بالأرقام. على سبيل المثال، انخفاض تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وتشديد صرامة الإجراءات المطبقة على الحدود في ظل الرئيس أوباما عن تلك التي كانت سارية في عهد الرئيس جورج بوش، وكون المهاجرين غير الشرعيين ليسوا مسؤولين عن أي موجة من موجات الجريمة. وقد ذهب النائب لوي غوهميرت، ليحذر من خطر «الأطفال الإرهابيين». والفكرة هي أن النساء الحوامل اللاتي يدخلن الولايات المتحدة من دون وثائق وعبر الحدود يمكن أن يحصل أولادهم على الجنسية الأميركية، ثم يأخذوا الأطفال بعيدا لينشئوهم كإرهابيين سيكونون قادرين على العودة، بعد 20 سنة أو نحو ذلك، إلى الولايات المتحدة بجوازات سفر شرعية ليعيثوا فيها فسادا.

هل اليمين المتطرف حقا يخاف من ظله؟ هل هؤلاء الناس لديهم ثقة تذكر بقوة أمتنا والمرونة والقيم التي تملكها؟ آمل أن يكون هذا كله نتاج حسابات سياسية متشائمة فحسب، لأن هناك تهديدات وتحديات حقيقية بانتظارنا. الأفضل مواجهتها بشجاعة.

* خدمة «واشنطن بوست»

===================

آخر سيناريو لآخر مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية

السبت, 28 أغسطس 2010

سليم نصار *

الحياة

بعد انقضاء اكثر من ستين سنة شغلتها مفاوضات مضنية استهدفت تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بمصير الشعب الفلسطيني، برزت في الأفق مشكلتان عصيتان على كل حل: الاولى، مشكلة تهويد القدس الشرقية مع كل ما تعنيه هذه المدينة التاريخية المقدسة لدى ملايين المسيحيين والمسلمين واليهود في العالم. والثانية، مشكلة مستقبل اكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين على مخيمات الاردن وسورية ولبنان.

وهذا يعني ان هاتين المشكلتين، بأبعادهما العالمية والاقليمية، ستشهدان نزاعاً سياسياً مختلفاً يمكن ان يؤدي الى حرب طويلة اذا فشلت المحادثات التي سيفتتحها الرئيس باراك اوباما، في واشنطن يوم الاربعاء المقبل (اول ايلول – سبتمبر).

صباح الخميس المقبل تبدأ جلسات المفاوضات المباشرة وسط أجواء تشكيك عبّر رئيس الوفدين عن تخوفهما من انهيارها السريع. خصوصاً بعدما طرح كبير المفاوضين الاسرائيليين اسحق مولخو أمام كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، شروطه الثلاثة كمرتكزات لجدول الأعمال. قال إنها تبدأ بالاتفاق على الترتيبات الامنية المتعلقة بدولة ستكون لديها حدود نهائية. وهذا يقتضي من الفريقين رسم حد فاصل يأخذ في الاعتبار الضرورات الامنية والتعقيدات الديموغرافية. كما يأخذ في الاعتبار احتمال استعادة نصف الشعب الفلسطيني تقريباً الموجود في قطاع غزة. ومع انها قطعة جغرافية معزولة، إلا انها المنفذ الوحيد للدولة الفلسطينية على البحر.

المرتكز الثاني من المفاوضات يشدد على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل وطناً خاصاً ونهائياً لليهود. ومثل هذا الاعتراف يوكل مسؤولية عودة اللاجئين الى الدولة الفلسطينية بحيث تستوعبهم خلال فترة معينة وعلى دفعات. وبحسب تعهد وزير الدفاع ايهود باراك، فقد طالب الادارة الاميركية بتخصيص خمسين بليون دولار تجمع من طريق الامم المتحدة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. ويمثل هذا المبلغ اللبنة لتأسيس بنية تحتية وتأمين استقلال اقتصادي لمشروع إسكان مليوني لاجئ خلال مدة عشر سنوات.

المرتكز الثالث يعتبر من اهم المرتكزت وأكثرها ارتباطاً بحجم اسرائيل الجغرافي. ففي كتابه «الجدار الحديدي» يظهر الكاتب اليهودي البريطاني افي شلاييم، إصرار المفاوض الاسرائيلي على نسف المحادثات كلما اقترب الحديث عن الحدود النهائية لدولة اسرائيل. والسبب ان مؤسسي الدولة العبرية اعتمدوا اسلوب تعطيل المفاوضات لاعتقادهم بأن الوقت يعمل لمصلحتهم ومصلحة نظرية توسيع مساحة اسرائيل بما يتناقض ونصوص صيغة القرار 242.

واوصى الرئيس اوباما بضرورة تحقيق تقدم ملحوظ قبل انقضاء المدة المقررة لتجميد مشاريع الاستيطان والتي تنتهي آخر الشهر المقبل. صحيح ان نتانياهو لن يطلب علناً استئناف البناء داخل الكتل الاستيطانية... ولكن الصحيح ايضاً ان منافسيه الكثر بمن فيهم نائبه ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان، سيرغمونه على تنفيذ وعوده. والثابت انه لم يتخل عن هذه الوعود بدليل ما كشف عنه الدكتور حسن خاطر، أمين عام الهيئة الاسلامية – المسيحية لنصرة القدس. فقد اعلن في مؤتمر صحافي، عن بناء 218 كنيساً يهودياً داخل القدس منها 70 كنيساً داخل البلدة القديمة. وقال ان سلطات الاحتلال حريصة على تغيير الطابع الديني التاريخي، الى طابع غريب مفرغ من الدين والتاريخ.

وحمّل الدكتور خاطر المجتمع الدولي ممثلاً باليونسكو ومنظمة المؤتمر الاسلامي والفاتيكان والامم والمتحدة، المسؤولية الكاملة عما تتعرض له القدس من تهويد ديني خطير.

فور الاعلان عن موعد المفاوضات المباشرة، طلب نتانياهو من لافي ديختر، رئيس «الشاباك» السابق، ان يجري له تقويماً حول فرضية تقسيم القدس الى شرقية وغربية. وأعطت هذه الدراسة الحكومة الحجة الامنية كي تمنع فكرة التقسيم كما تطالب السلطة الفلسطينية ومن خلفها الدول العربية والاسلامية.

تقول الدراسة: اولاً – ينطلق مؤيدو التقسيم من فرضية خاطئة مفادها ان القدس الغربية كلها يهودية، وأن القدس الشرقية كلها عربية. لذلك يكون تقسيمهما سهلاً. وهذا ما اقترحه الرئيس كلينتون عام 2000، عندما طلب ان يكون كل حي يهودي تابعاً لدولة اسرائيل، في حين يكون كل حي فلسطيني تابعاً لدولة فلسطين. وعارض العسكريون ولادة مثل هذا الواقع المعقد لأن القدس اصبحت مثل رقعة الشطرنج، صعبة الحماية.

ثانياً – تزعم السلطة الفلسطينية ان تنفيذ الانسحابات داخل القدس الشرقية سيتم في اطار اتفاق سلام يمنع عودة سيناريو غزة. ولكن عقد اتفاق مرحلي مع السلطة الفلسطينية قبل الانتفاضة الثانية لم يمنع قناصو «بيت جالا» من ارهاب سكان «حي جيلو» الاسرائيلي.

ثالثاً – من المنطقي القول ان كل اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية سيثير اعتراض فريق كبير جداً من الشعب الفلسطيني، خصوصاً اذا كانت الاهداف قريبة ومتداخلة. ذلك ان قرية «شعفاط» لا تبعد اكثر من 300 متر عن التل الفرنسي، وأكثر من مئة متر عن «بسغات زئيف» حيث يسكن 42 ألف اسرائيلي. كذلك يستطيع سكان قرية العيسوي التي تبعد 75 متراً عن حرم الجامعة العبرية في جبل المشارف، السيطرة على المنطقة الاستراتيجية المطلة على شارع القدس في معالية ادوميم.

هذه الامثلة وسواها تبناها المفاوض الاسرائيلي كي يرفض فكرة تقسيم القدس، لأسباب امنية. لذلك يمكن ان يعود البيت الابيض الى مشروع دنيس روس، المطالب بالقدس مدينة مفتوحة للديانات السماوية الثلاث.

وفي دراسة قدمها رئيس قسم الخرائط خليل التوفكنجي، يؤكد ان حكومة نتانياهو صوتت على خطة ترمي الى رفع عدد اليهود في القدس الشرقية الى 88 في المئة خلال مدة لا تتعدى العشر سنوات. من هنا وصف خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي ل «حماس»، المفاوضات المقبلة بأنها «مفاوضات تصفية... لا مفاوضات تسوية».

منذ اقل من ثلاثة اسابيع، وقّع نتانياهو على نظام يقيد حرية الاطلاع على الارشيفات الحكومية. وتتناول المعلومات السرية هذه اعمال الطرد والتصفيات الجماعية والمجازر التي ارتكبت ضد الفلسطينيين قبل حرب 1948 وبعدها. اضافة الى عمليات «الموساد» ومعهد البحث البيولوجي ومفاعل ديمونا.

وقد شنت صحيفة «هآرتس» هجوماً عنيفاً على قرار تأجيل فتح الارشيف الامني لمدة عشرين سنة اخرى، مطالبة الدولة بعدم الخوف من ماضيها، لأن من حق الشعب ان يعرف كيف قامت اسرائيل وما هي المخالفات التي ارتكبها المؤسسون اثناء خرق حقوق الانسان او ارتكاب اعمال إجرامية.

ويقال في هذا السياق، ان نتانياهو علم بأن المفاوض الفلسطيني سيحمل معه ملفاً كاملاً عن المجازر التي ارتكبت بعد حرب 1948 بهدف تثبيت وجهة نظره في شأن قرار العودة او التعويض، اي القرار الذي يسعى المفاوض الاسرائيلي الى إلغائه بحجة ان اعلان الدولة يثبت حق الانتماء لكل فلسطيني.

وفي الكتاب الذي اشرف على إعداده سليمان الشيخ، رئيس قسم الدراسات في المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان وعنوانه «الكتاب الاسود»، سجل كامل بكل المجازر التي اقترفها اليهود. ويزيد عددها على المئة. وفي هذا يقول الاستاذ ميشال اده في مقدمة هذه الوثيقة: «ان المجازر الاسرائيلية في القرن العشرين انما هي في حقيقة الامر تاريخ اسرائيل الحقيقي».

بقي السؤال المتعلق بأهداف المفاوضات المباشرة، وما اذا كان من المفيد للسلطة الفلسطينية الاشتراك فيها تحت وطأة اللاءات الاسرائيلية الثلاث: لا للتنازل عن القدس الشرقية... لا لتطبيق قرار حق العودة والتعويض... لا للعودة الى حدود 1967.

في نهاية الامر، ستفشل المفاوضات التي استخدمها الرئيس اوباما كمشجب يعلق عليه أخطاءه وأخطاء ادارة سلفه السابق في العراق وأفغانستان وباكستان.ربما يكون من السابق لأوانه توقع فشل المفاوضات قبل ان تبدأ. خصوصاً ان اسرائيل اعلنت انها لن تتنازل عن مكاسبها التي حولتها الى شبه حقوق مكتسبة. والربح الوحيد الذي يجنيه محمود عباس من وراء هذه المفاوضات، هو المزيد من الاقتناع بأن السلطة لن تربح غير التأكد من ان شرخها مع «حماس» سيزداد اتساعاً وعمقاً...

* كاتب وصحافي لبناني

===================

واشنطن تعرض «الصفقة الكبرى» على طهران ... إلى حين

الجمعة, 27 أغسطس 2010

نيويورك - راغدة درغام

الحياة

يزداد الحديث في الأوساط الأميركية عن الحاجة إلى صفقات سياسية تبرمها الإدارة الأميركية مع ما بات يسمى بتيار التطرف الذي لا يمكن الاستغناء عنه في صنع السلام في منطقة الشرق الأوسط.

تتكاثر المقالات والندوات التي تتحدث عن «إعادة صنع الشرق الأوسط» – كما حمل عنوان مجلة «فورين أفيرز» المعنية بالشؤون الخارجية ويصدرها مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. معظم الكلام يصب في خانة «حماس» و «حزب الله» وسورية وإيران. وهناك من يطرح جديداً مختلفاً على نسق السؤال إذا كان حان الوقت إلى «تحالف أميركي – إيراني – تركي»، أو أن الوقت حان لإضفاء «الشرعية» على قنبلة إسرائيل النووية. ثم هناك جديد من نوع التحدث علناً عن ضرورة لجوء الإدارة الأميركية الى مجلس الأمن للحؤول دون توريط إسرائيل المنطقة وأميركا في حرب إقليمية تنطلق من لبنان، وضرورة لجوئها أيضاً إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات وقائية على سورية كي تكف عن مدّ «حزب الله» والفصائل الفلسطينية بالأسلحة.

كل هذا يتقاطع مع تطورين مهمين في الأيام القليلة الماضية سيكون لهما تأثير كبير وربما مخيف في الأشهر المقبلة هما، عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعراق ما بعد سحب القوات الأميركية المقاتلة من المدن العراقية مع بقاء أكثر من 50 ألف جندي أميركي في مختلف القواعد العسكرية في مناطق عدة في العراق. فللتطورين أبعاد تصب في خانة العلاقات الأميركية مع قوى الاعتدال وقوى التطرف. لإيران دور في كلا التطورين بل إن للتطورين وطأة مباشرة على إيران وطموحاتها في فلسطين والعراق والمنطقة ككل. إدارة باراك أوباما تستمع وتستوعب أحياناً إنما، منذ البداية، وضعت هذه الإدارة استراتيجية شملت ترغيب قوى التطرف بالتعاون والتعامل معاً بهدف الفصل ما بينها وبين قوى التطرف العنيف، أي ما أسمته إدارة جورج دبليو بوش ب «الإرهاب». اليوم، هناك شبه «جردة» حسابات تراجعها أقطاب الإدارة الأميركية عشية خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الجزء الثاني من الشهر المقبل. وهذا خطاب يمكن وصفه ب «حال الولايات المتحدة على الساحة الدولية».

تستحق «الحال» هذه الكثير من الإيضاح والتوضيح لأن باراك أوباما لم يكن يوماً «اعتيادياً»، لا أميركياً ولا عالمياً، انما الاحتفاء بكونه غير اعتيادي بالأمس تحول اليوم إلى حفلة سوء فهم ل «غرابته» أميركياً وخيبة أمل ب «وعوده الكبرى» عالمياً. ولقد حان له تبني استراتيجية «غير فوقية» لإيضاح ماذا فعل وماذا قصد وما في ذهنه وما هي استراتيجيته في حال النجاح أو الإخفاق في سياسة الاحتضان والترغيب لقوى التطرف أو في حال اندلاع حرب أهلية تمزق أو تشرذم أو تقسّم العراق.

طالما أن العقلية الأميركية السائدة هي رفض الحروب في العراق أو أفغانستان أو إيران لأي سبب كان، يبدو باراك أوباما مضطراً إلى التأرجح بين العاطفة الشعبية وبين المنطق العسكري لما هو في المصلحة القومية العليا للولايات المتحدة الأميركية.

فحرب أفغانستان مثلاً حرب ضرورية للولايات المتحدة لأن الانسحاب من أفغانستان الآن يعني الهزيمة والتراجع أمام قوى التطرف والإرهاب. مثل هذه الهزيمة تترتب عليها كلفة باهظة ليس فقط للمصالح الجغرافية – السياسية والمصالح المادية لأميركا في أفغانستان، بل أيضاً في تشجيع قوى التطرف والعنف على اقتحام الدار الأميركية مرة أخرى بنشوة الانتصار.

الجنرال ديفيد بترايوس الذي قاد الحرب في العراق إلى عتبة جديدة ساهمت في تمكين باراك أوباما من تنفيذ وعده – ووعد سلفه – بسحب القوات القتالية من المدن العراقية، هو القائد العسكري في أفغانستان الذي يفهم الضرورة الحاسمة لعدم التراجع أو التقهقر.

قد تكون لسحب القوات القتالية من العراق علاقة بإعادة صياغة القدرات العسكرية في حرب أفغانستان. انما حتى في هذه الحرب فإن الإدارة الأميركية، ومعها المؤسسة العسكرية، تسعى للتمييز بين التطرف السياسي والتطرف العنفي، بل تود لو كان في الوسع إبرام الصفقات.

أما العراق ما بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية من مدنه، فإنه لربما في أكثر مراحله هشاشة بسبب واقع انقساماته الطائفية وبسبب انعدام القيادات الوطنية القادرة – أو الراغبة – في تمسكه بالاستقلال وبالمصلحة القومية العليا.

ربما ينتظر الجميع حلول تاريخ جاهزية العراق النفطية حوالى 2014 أو 2015 ويأخذ استعداداته تقنياً متعمداً عدم الحسم الآن. وربما ذلك الإقبال على العراق من جهة رجال الأعمال والاستثمارات يعود الى الاقتناع أن الثروة العراقية تبقى ثروة مرشحة للاستفادة القصوى بغض النظر إذا كان العراق مقسّماً أو موحداً. وربما من الأفضل للذين يراقبون ما يحدث في العراق أن يتذكروا ناحية استمرار تواجد القوات الأميركية في القواعد العسكرية لسنوات عدة مقبلة، وليس حتى 2011 أو 2012 فقط، كما يقال، وكذلك الناحية الإيرانية.

فالعراق يشكل أحد أهم مواقع التفاهم أو المواجهة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية. مصير تلك العلاقة يعتمد أولاً على مدى استعداد واشنطن تقديم الضمانات الى النظام في طهران بأنها تدعمه ولن تدعم المعارضة ضده أو الانقلاب عليه. وثانياً، يعتمد مصير تلك العلاقة على كيفية المشاركة في تقاسم النفوذ في العراق أو آفاق المواجهة عبره وفيه. ففي «الصفقة الكبرى» Grand Bargain، يحتل العراق مرتبة عليا، وكذلك في المواجهة العسكرية، بين الولايات المتحدة وإيران حتى الآن، وعلى رغم التضييق على إيران عبر العقوبات بإجماع الدول الكبرى ومن ضمنها روسيا والصين فان واشنطن ما زالت تقدم الى طهران عرض «الصفقة الكبرى» التي تشمل عناصرها الضمانات للنظام الإيراني والتفاهم على العراق. هذا الى جانب العنصر النووي الذي له حسابات مختلفة، وعنصر «حزب الله» في لبنان الذي لا مجال لاستمراره كقاعدة عسكرية إيرانية على الحدود مع إسرائيل أما في صفقة أو عبر حرب.

قد يكون تقديم موعد انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق جزءاً من طمأنة إيران. إنما يجوز أيضاً أن يكون هذا الانسحاب جزءاً من تذكير طهران بأن اندلاع الفوضى أو الحرب الأهلية أو الشرذمة في العراق يهدد في الواقع المصلحة الإيرانية إذ إن الفوضى على حدودها، وهي مطوّقة بعقوبات خارجية وبمعارضة داخلية، يوسّع حلقة التحديات للنظام في طهران.

الإدارة الأميركية تفاهمت مع سورية في شأن العراق إلا أنها تبدو أقل ارتياحاً لاستمرار اتخاذ علاقة سورية بإيران صورة الإمداد بالسلاح – وتخزينه كما يقال – لمصلحة «حزب الله». فهذا، في رأي واشنطن، يهدد بنسف معادلة بالغة الحساسية والدقة في الاستراتيجية الأميركية الأوسع.

لذلك، وفيما تعلو الأصوات القديمة الداعية الى التقارب مع قوى التطرف لأن قوى الاعتدال لم تنجح حتى الآن، تسير الإدارة الأميركية في خطواتها التي استبقت تلك الدعوات وتجاوزتها. فهذه الإدارة هي السبّاقة – عن حق أو عن خطأ – الى التعامل مع قوى التطرف وترغيبها بالتعاون وإخراجها من العزلة وسط تشكيك بصحة سياساتها وتحذير لها من عواقب تمكين التطرف على حساب الاعتدال. والآن، انها في مرحلة «جردة» الحسابات لترى إن كانت سياسة الترغيب ستنجح أو إن كان هناك خيارات أخرى في حال الإخفاق.

مع إيران، ما زال مبكراً الحسم إن كانت سياسة باراك أوباما ستنجح أم ستخفق. ما هو واضح، حتى الآن، أن الخيار العسكري ليس مطروحاً آنياً على الطاولة، في انتظار ماذا ستؤدي إليه سياسة العقوبات والترغيب بالحل.

انما الترغيب الذي في الذهن وفي الصفقة الأميركية لم يعد يلمّح بإمكانية التعايش مع إيران نووية. كما في الأشهر القليلة الماضية. غموض هذه الناحية لم ينكشف تماماً بعد لا سيما أن الردود على التحديات الإيرانية لا يأخذ طابع الهلع وليست لها رائحة العمليات العسكرية. لربما الجاهزية العسكرية في حالة فرز علماً بأن العسكريين يتحدثون عن موعد للجاهزية ليس أبكر من منتصف السنة المقبلة وهو موعد يتزامن مع التوقعات ببلوغ إيران مراحل متقدمة في تصنيع السلاح النووي.

إدارة أوباما تبدو وكأنها وضعت لنفسها إطاراً زمنياً لإنجاح جهودها الرامية الى سلام فلسطيني – إسرائيلي، وربما سوري – إسرائيلي أيضاً، في غضون سنة. أي بموعد يتزامن مع مواعيد الجاهزية العسكرية لجميع اللاعبين في المنطقة.

حتى الآن، ما زالت واشنطن والدول الكبرى الأخرى، تتبنى سياسة لجم إسرائيل عسكرياً فيما تحاول ترغيب إيران بالتعاون. رهانها هو على إدراك طهران أن في الصفقة ضمانات للنظام فيما في المواجهة تهديد له.

وفي ما يخص حلفاء طهران في «حزب الله» أو «حماس»، فإن همّ واشنطن اليوم ليس تلبية دعوات الذين يريدون لها الانخراط في حوارات مع التطرف لا تؤدي سوى الى المزيد من تقويض الاعتدال. همُّها الأول ألاّ تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية استباقية في لبنان أو في فلسطين تؤدي الى قتل «التهادنية» القائمة مع حلف التطرف وتطلق حرباً كبرى في المنطقة تريد واشنطن استبعادها الآن وكذلك الأمر في ما يتعلق ب «حزب الله» و «حماس»، فإن واشنطن تخشى أن تنطلق منهما شرارة حرب بإيحاء من إيران، أو بتوريط من إسرائيل، أو بحكم قرارات خاطئة.

منطق التحاور ليس غريباً عن استراتيجية باراك أوباما، انما منطق إفشال الحوار والتهادنية يبدو قريباً جداً من قوى التطرف وهذه تشمل إسرائيل وإيران.

===================

الدراما السورية والدين... ما عاد خطاً أحمر

زين الشامي

الرأي العام

28-8-2010

يسجل للدراما السورية أنها ما زالت تحافظ على موقع متقدم عند جمهور المشاهدين العرب مقارنة بقريناتها العربيات، وبخاصة الدراما المصرية والدراما الخليجية، كما أنه يسجل للدراما السورية اقترابها أكثر من إشكاليات الواقع العربي المعاصر والظروف التي يمر بها الجمهور العربي، رغم أنها تسقط أحياناً في فخ التقريرية والديماغوجية السياسية، مثل ما حصل في الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة» في العام الماضي حين أسقط المسلسل الواقع السياسي في قطاع غزة على أحداث المسلسل بطريقة سمجة ومفتعلة بغية كسب الجمهور، وحين اشتغلت مسلسلات أخرى على الصراع والحرب الاستخباراتية مع إسرائيل مختلقة أحداثاً و«انتصارات» لا نعلم مدى صدقيتها وواقعيتها وتاريخيتها نظراً لغياب الوثائق التي تؤكدها، وغياب الشفافية في الحياة الأمنية والسياسية العربية بشكل عام, وفي ما خص الحرب والصراع الاستخباراتي بين سورية وإسرائيل بشكل خاص، فكل ما تختزنه ذاكرتنا عن ذلك هو «الانتصارات» والاختراقات الإسرائيلية لأمننا العربي بشكل متواصل، ولم نسمع بانتصارات استخباراتية عربية سجلت في مرمى الاستخبارات الإسرائيلية.

هذا العام حققت الدراما السورية خرقاً كبيراً حين تناول أحد المسلسلات ظاهرة التدين الكبيرة والواسعة التي شهدها ومازال يشهدها المجتمع السوري، وهي ظاهرة ليست غريبة ولا طارئة عن المجتمع تاريخياً بقدر ما هي ظاهرة تتسم بالتسييس والتطرف، وهذا أمر جديد وطارئ على المجتمع، ليس في سورية فقط بل في الكثير من الدول العربية التي عانت من مشاكل أمنية خطيرة.

ورغم أنه يسجل أن الدراما السورية سبق ورصدت ذلك عبر مسلسل «الطريق إلى كابل» قبل نحو خمسة أعوام والذي لعب بطولته الفنان عابد فهد، لكن هذا المسلسل تم إيقافه من قبل القنوات التلفزيونية التي كانت تعرضه بسبب كثرة الضغوط عليها من رجال الدين وبعض الجهات المتطرفة التي أرسلت بعض التهديدات لتلك القنوات ولبعض الممثلين ما جعل خيار الاستمرار في عرض المسلسل محفوفاً بالمخاطر. لكن اليوم، وحتى كتابة هذه السطور، مازالت بعض الفضائيات العربية ومنها الفضائية السورية، مستمرة في عرض مسلسل «وما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدت اسماعيل أنزور، رغم كل الضغوط والانتقادات التي وجهت للمسلسل من قبل بعض رجال الدين.

الملفت في هذا المسلسل أنه يتناول بدقة وحرص شديدين ظاهرة التدين والمغالاة به لدرجة أنه بات يحكم العلاقات الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع السوري رغم أنه مجتمع متنوع ومتعدد الطوائف والثقافات، المسلسل لم يغفل أيضاً عن ظواهر أخرى كالفساد والانهيار الأخلاقي لبعض شرائح المجتمع، والفقر، والبطالة، وانعدام فرص العمل، وهي كلها تشكل مجتمعة بيئة خصبة لأفكار التطرف الديني وغير الديني.

لكن ما هو مستغرب في المسلسل هو سماح السلطات السورية بعرضه، لا بل تبنيه من قبل الفضائية السورية وهي قناة رسمية حكومية، في وقت كلنا يعرف حساسية تناول الموضوع الديني في سورية، أو ظاهرة الحجاب والنقاب، وفي وقت كلنا يعرف كيف أن هذه السلطات غضت النظر عن ظاهرة التدين لأعوام طويلة وسمحت للكثير من رجال الدين باستغلال الحيز العام وحقول النشاط الاجتماعي والثقافي لتعبر عن آرائها السياسية والدينية منذ أكثر من سبعة أعوام مضت. المسلسل أيضاً يتزامن مع تشدد السلطات السورية في منع ظاهرة النقاب في الجامعات ومعاهد التعليم العالي، وصدور تعليمات مكتوبة في هذا الصدد وهي المرة الاولى التي تشهد سورية مثل هذا التعامل الواضح مع هذه الظاهرة، حيث جرت العادة أن يتم منع أي شيء عبر تعليمات شفهية أو سرية للغاية يتم تمريرها من قبل أصحاب القرار إلى الجهات التنفيذية في الوزارات والمؤسسات السورية.

قبل كل شيء يجب أن نتذكر أن السلطات السورية سمحت وشجعت التدين ورجال الدين في الفترة التي أعقبت الاحتلال الاميركي للعراق، ووقتها كانت هناك مخاوف كبيرة من المشروع الأميركي في المنطقة الذي وضع النظام السوري كهدف ثان على أجندته بعد إسقاط النظام العراقي، وعليه كان هناك مصلحة كبيرة في «أسلمة الشارع» وتجييشه وتعبئته دينياً ضد ذلك المشروع، أما اليوم، وحسب المؤشرات الأخيرة التي تطرقنا إليها، ونقصد منع النقاب والسماح بعرض مسلسل درامي ينتقد بعض مظاهر الدين، فيبدو أن هذه السلطات قد تخلصت من مخاوفها وباتت على أتم الاستعداد والجهوزية لإعادة ترتيب بيتها الداخلي و«شارعها» الذي ذهب بعيداً في مغالاته وتدينه بما يتناسب و«العلمانية» التي نادى بها «حزب البعث» والدستور السوري لتكون نهجا للدولة.

مشكلة أنظمتنا العربية أنها «تتعلمن» و«تتدين» حسب تغير الطقس ودرجات الحرارة... وتغير الدستور وقت ما تشاء، ولأنها كذلك فاسمحوا لنا ألا نصدق شيئاً تلعب هي دور البطولة فيه.

كاتب سوري

===================

إلى أين تتجه أمريكا بملفات المنطقة؟

آخر تحديث:السبت ,28/08/2010

سليمان تقي الدين

الخليج

كرّست إيران حقها في اكتساب التكنولوجيا النووية بافتتاح العمل في محطة “بوشهر” بمساعدة روسية . رغم التهويل الأمريكي ودعوة مندوب الولايات المتحدة السابق في مجلس الأمن جون بولتون لضرب المفاعل النووي قبل بدء العمل به، خففت التصريحات الأمريكية الرسمية من خطورة هذا الإنجاز وأكدت أن المسافة ما زالت بعيدة بين إيران والسلاح النووي . في مكان ما يبدو أن التوقيت الإيراني- الروسي المشترك، بعد وقف المساعدة الروسية فترة من الزمن، يبدو أن المصالح الأمريكية في خروج هادئ من العراق في هذا الشهر هو الذي فرض هذا الشكل من التعامل . ومن الواضح أن المساعي الحثيثة لأمريكا ولجو بايدن نائب الرئيس من أجل تشكيل حكومة عراقية تعكس القلق الأمريكي المتزايد من الاستنزاف الأمني والسياسي في كل من العراق وأفغانستان حيث تتناقض وتتقاطع المصالح الأمريكية- الإيرانية .

 

دخلت إيران العصر النووي كما دخلها قبلها العديد من الدول رغم مقاومة الغرب ومعارضته . في حقيقة الأمر أصبح موضوع إنتاج السلاح النووي ثانوياً لأن فرص واحتمالات استخدامه محدودة جداً وغير ممكنة عملياً . انه مجرد سلاح لإحداث نوع من التوازنات والهيبة حماية لمصالح أمنية أخرى . على هذا الصعيد لن يقفل الملف الإيراني أبداً في المدى المنظور، لأن ما تواجهه الولايات المتحدة هو نشوء قوة صاعدة عسكرية واقتصادية وسياسية في وسط آسيا، تحاول أن تلعب دوراً محورياً في تشكيل النظام الإقليمي الذي تريده أمريكا تحت عنوان “الشرق الأوسط الكبير” أو الجديد . إيران اليوم تؤثر في سياسات دول عدة من أفغانستان والعراق وباكستان ودول الاتحاد السوفييتي السابق الإسلامية الى اليمن ولبنان وفلسطين وبعض دواخل دول أخرى تتفاعل مع القوة الإقليمية الصاعدة . في واقع الأمر هذا التأثير يطاول مصالح أمريكية أساسية في النفط وفي درّة التاج الأمريكي، (الكيان الصهيوني) وكذلك على المنظومة السياسية والأمنية لآسيا .

 

حتى الآن عجزت أمريكا عن تحويل وجودها العسكري في أفغانستان والعراق قاعدة انطلاق للإمساك بمفاصل الأمن الآسيوي بالتأثير في باكستان واحتضانها وبالاقتراب من الحدود الصينية والروسية والسيطرة على خطوط إمداد النفط والغاز . اضطرت أمريكا للتعامل مع الدور التركي والسوري والسعودي في العراق، وسعت إلى إقامة توازن مع النفوذ الإيراني، وفي كل مرَّة تقترب من هذا الهدف كانت تتلقى المزيد من الضغوط . أفادت أمريكا من سباق التسلح في الخليج وقدمت نفسها حامية أمنية له، وخفضت من منسوب العداء للدولة الصهيونية، وصرفت جزءاً كبيراً من اهتمام العرب عن المسألة الفلسطينية، لكن ذلك كله يؤكد أن أمريكا تأكل من رصيد العرب ومصالحهم في ما تحاول ترتيبه من ملفات . وعلى عكس ما يتوقع البعض من أمريكا ستعطي العرب بعض الاثمان لقاء تعاونهم معها في تشكيل النظام الاقليمي، أظهرت المواقف الأمريكية الاخيرة حجم الرضوخ للمطالب والشروط التي تمليها الدولة الصهيونية . فقد صارت أمريكا تقف وراء حكومة نتنياهو لبدء المفاوضات المباشرة ليس فقط من دون مرجعية قانونية لهذه المفاوضات، بل من دون وقف الاستيطان كبادرة حسن نيّة تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه .

 

لقد أكد نتنياهو أنه يتمسك بثوابته في ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة كشرط للسلام وبعدم البحث في حق العودة، وبالوصول الى كيان فلسطيني منزوع السلاح ومنزوع السيادة ومقوماتها وفاقد للقدرة على تشكيل أي تهديد أمني في المستقبل . في ظل هذه الشروط يجري الحديث في الأروقة الدبلوماسية العالمية عن احتمالات تجديد الخيار الأردني لكي يكون الكيان الفلسطيني أو الدولة الموعودة قابلة للحياة . ولأن مثل هذا الحل لا يحظى بأية مساندة من معظم الشعب الفلسطيني، ولأن “غزّة” ستبقى كتلة مستقلة أو كياناً شبه منفصل تعالج مشكلته لاحقاً مع مصر، تثير الولايات المتحدة عاصفة من التهويل والضغوط على المنطقة كلها بأساليب وأشكال مختلفة تحت عنوان ان هذه هي الفرصة الوحيدة المتاحة للسلام وعلى العرب التقاطها والتعامل معها وتشجيعها . ورغم الهواجس الأردنية والمصرية الخاصة، والدول المعنية بمسألة التوطين في الشتات، فإن النظام العربي يلتزم الصمت تاركاً قيادة “أوسلو” وحدها تدير هذه المفاوضات، أما قيادة “أوسلو” فقد عبّرت عن عجزها وضعفها وخضوعها وبرّرت ذلك بأن الدولة الصهيونية ستقوم في العام المقبل بعملية عسكرية نوعية تغيّر توازنات المنطقة ما لا يعود ممكناً التفاوض واستخلاص أي من الحلول، لمصلحة الفلسطينيين . قد لا تكون هذه الاعتبارات وهمية أو أنها مجرد تهويل، ففي الدولة الصهيونية وخلفها أمريكا هناك سعي لضرب احتمالات نشوء تحديات أمنية مستقبلة . ففي هذا المجال ما زالت فكرة الحرب الاستباقية جزءاً مهماً من عقيدة الدولة الصهيونية وأمريكا .

 

في هذا السياق ذاته يجب فهم التطورات على الساحة اللبنانية وتوقيت صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية ووظائفه وكيفية استثماره لاحقاً في مواجهة قوى الاعتراض على ما يمكن أن تنجلي عنه المفاوضات على الجبهة الفلسطينية . فإذا احتاج الأمر كما كان يحصل في السابق تتهيأ الساحة اللبنانية لشكل من أشكال الفوضى التي تصرف النظر عما يجري في فلسطين، وتشغل القوة والدول العربية لا سيما المعنية مباشرة في الملف اللبناني وتداعياته بوصفه ملفاً يصيب برذاذه وآثاره كل الوضع العربي، بعد أن تأسس فيه الانشقاق السياسي الطائفي والمذهبي، وتجهّزت بعض الأدوات المحلية للقيام بالأدوار المطلوبة منها . هنا عناصر للأزمة تتفاعل كموضوع توطين الفلسطينيين وما يستجره من معارضة مسيحية صارخة، وموضوع المحكمة الدولية والنزاع المذهبي الإسلامي الذي قد يشحنه بكل عناصرالصراع . كما أن فلسطينيي المخيمات الذين يغلق ملفهم على فقدان الأمل بالعودة الى وطنهم يتحولون الى كرة نار ملتهبة والى بؤرة توتر جديدة . ليس هناك الآن أية مرجعية عربية لاستقبال هذه التطورات والتعامل معها واحتوائها وعدم السماح لها بالتحول الى فوضى شاملة . قد يساعد تطوير التفاهم السوري - السعودي اذا تقدم أكثر وترسخ ولم ينتكس بفعل هذه الضغوط، على تجنيب لبنان محنة جديدة . هذه الإمكانية لها عناصر النجاح اذا استبق هذا التعاون الأزمة وتداركها بإجراءات وخطوات قوية وفاعلة .

 

لكن هل هذه الحسابات موجودة بشكل عقلاني ولدى بعض الأطراف في الداخل والخارج؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة مع تحريك ودفع المسارات السياسية في كل هذه الملفات الساخنة في المنطقة .

===================

العلاقات السورية المصرية غير المفهومة

بقلم :حسين العودات

البيان

28-8-2010

 لم يفهم السوريون لا أسباب فتور العلاقات السورية المصرية، ولا أسرار تدهورها إذا كانت متدهورة فعلاً ولا الجهة التي ترفض عودة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي. وقد بخلت عليهم وسائل الإعلام السورية والمصرية في بيان الأسباب أو التنويه بها، أو التلويح بمسار العلاقات الحاضرة وآفاقها المقبلة، وكأنها من أسرار الآلهة.

 

وبقوا بالفعل، وبما لم يشهدوه من قبل، مشدوهين أمام هذه الحالة، خاصة وأن العلاقات بين البلدين كانت خلال التاريخ القديم والحديث، أساس إستراتيجية كل منهما، فقد كانت سوريا تاريخياً ومنذ أيام الفراعنة وكذلك في العصر الوسيط، ثم في العصر الحديث، تشكل العمق الاستراتيجي لمصر ومجالها الحيوي، الذي إذا ما هُدد فإن مصر يطالها التهديد تلقائياً.

 

كما كانت مصر بدورها خلال التاريخ كله أيضاً العون والقائد والداعم لسوريا، والقوة الرادعة لأي عدوان خارجي عليها، ويتذكر السوريون الأحداث التاريخية للعصر الوسيط عندما صدت مصر الغزو المغولي عن بلاد الشام والعراق (رحم الله بيبرس وقطز).

 

وكذلك عندما أجهزت جيوش مصر المملوكية على جيوش الغزو الفرنجي (الصليبي) وأجبرتها على الرحيل من بلاد الشام، ويشيرون أيضاً إلى أحداث العصور الحديثة، ومنها قدوم جيوش محمد علي باشا بقيادة ابنه إبراهيم إلى بلاد الشام وطرد العثمانيين منها، وإقامة نواة وحدة عربية بين مصر وبلاد الشام والحجاز، كادت أن تنجح لولا تدخل الدول الأوروبية المستعمرة ودعمها للسلطة العثمانية، مما أدى إلى هزيمة إبراهيم باشا.

 

ويتذكرون أحداث التاريخ المعاصر ومنها الوحدة السورية المصرية عام 1958، وخوض البلدين حرب 1967 دفاعاً عن سوريا ، وأخيراً اشتراك البلدين في حرب تشرين/أكتوبر ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، وبالإجمال يصعب على السوريين تصور مثل هذه العلاقة الهشة بين البلدين القائمة الآن، والتي نادراً ما شهدوا مثلها من قبل.

 

وإن كان قد حدث مثلها، فعلى الأقل كانت أسباب فتورها واضحة أمامهم، كما كان الأمر في فتور العلاقات بعيد انفصال سوريا عن مصر (وهذا أمر كان مفهوماً)، أو بسبب توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، أما أن تكون هذه العلاقات بمثل الحال الذي هي عليه الآن ودون أن يعرفوا أسباب تدهورها ومآلها والمسؤول عنها، فذلك ربما يحدث لأول مرة.

 

قبل سنوات ساءت العلاقات السورية السعودية، وكانت أسباب ذلك واضحة، وتعود لخلافهما تجاه ما كان يجري في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حيث كانت السعودية تدعم تيار المستقبل المناوئ لسوريا ولحزب الله، ولا ترتاح لعلاقة سوريا مع حزب الله وتوجهه الإيراني، وربما كانت تضع على سوريا بعض المسؤولية في اغتيال الرئيس الحريري،.

 

ولم تكن ترتاح لعلاقاتها مع حزب الله وإيران التي أصبحت علاقة شبه إستراتيجية. ومع هذا كله وجدت السياستان السورية والسعودية سبلاً لحل خلافاتهما أو تنحية سلبياتها جانباً والتنسيق بينهما تجاه معظم قضايا المنطقة، سواء تجاه لبنان أم تجاه العراق أم حتى تجاه إيران نفسها،.

 

ورغم أن الاتفاق الذي توصل إليه البلدان ليس اتفاقاً استراتيجياً، فإنه يكفي لتطبيع العلاقات وتخليصها من الشوائب والفتور والخلاف، وبدا للمواطنين السوريين أن كلاً من سلطتي البلدين تعمل على تحسين هذه العلاقة، بما يؤهلهما لمواجهة بؤر التوتر في المنطقة، والتعامل مع قضاياها بروح التعاون وبالرغبة في إيجاد الحلول بإرادة جادة ومسؤولة.

 

لقد قرأ السوريون وسمعوا ما قالته وسائل الصحافة والإعلام بأن الرئيس مبارك تجاهل رغبة الرئيس الأسد زيارته للتهنئة بعد عودته من العملية التي أجراها في ألمانيا، وقرأوا وسمعواً أيضاً أن الملك عبد الله بن عبد العزيز تدخل لتحصل هذه الزيارة ولم يفلح، واستنتجوا أن العلاقة السورية المصرية ليست في إطارها الصحيح.

 

ولا في سبيلها الذي يجب أن تكون عليه، وأدركوا أن التنسيق بين البلدين شبه معدوم في القضايا الإقليمية والعربية، وبالتالي فإن أمنيتهم في قيام تحالف ثلاثي سوري مصري سعودي ليست قريبة المنال، والأغرب من هذا كله أن السوريين لاحظوا أن الصحف ووسائل الإعلام في البلدين تتكتم على هذه العلاقة، ولا تحترم رغبات المواطنين هنا وهناك في معرفة واقعها وأبعادها، ولم يعودوا يعرفون هل هذه العلاقات هي غير طبيعية أم أنها عادية.

 

فإن كانت غير طبيعية فهم لا يعرفون إلى أية درجة ساءت، ولماذا ساءت، وهل من أمل في عودتها لحالها الطبيعي، وإن كانت عادية فلماذا لا يلاحظون نوعاً من التنسيق أو التعاون السوري المصري في القضايا العربية والإقليمية وما أكثرها، أم حتى نوعاً من التواصل شأنه بين بلدين عربيين .

 

يتساءل السوريون بدهشة ، ما دامت سياسة بلادهم صارت طيبة مع السعودية بعد خلاف كبير فلماذا لا تكون كذلك مع مصر، وكيف تعود المياه إلى مجاريها؟ كما يتساءلون فيما إذا كان الأمل قد فقد في قيام تنسيق ثلاثي سوري مصري سعودي كان يجب أن يكون تحالفاً؟.

كاتب سوري

===================

لا نريد مزيداً من «اللحظات التعليمية»

بقلم :فيكتور ديفيد هانسون

البيان

28-8-2010

الرئيس الأميركي يصعب المواقف، بتدخله غير الضروري، في الجدال المحلي وإشعاله. الاقتصاد الأميركي يعاني من نمو متعثر، وبطالة مرتفعة، وعجز قياسي في الموازنة.

 

وخمسون في المائة من الأميركيين الآن لا يؤيدون طريقة معالجة أوباما لهذه المشكلات. إذن، لماذا يعول أوباما على قضايا ساخنة يمكن فقط أن تؤدي إلى استقطاب الناس من دون حل أي شيء؟

 

في الصيف الماضي، دخل البروفيسور هنري لويس غيتس من جامعة هارفارد، وهو أستاذ في أدب وتاريخ الأميركيين الأفارقة، في خلاف سخيف مع شرطي محلي.

 

لسبب ما، سارع الرئيس أوباما، زعيم العالم الحر، إلى إصدار حكمه وليعلن بسخاء أن ضابط الشرطة جيمس كراولي والشرطة المحلية في كامبريدج، بولاية ماساتشوسيتس، تصرفوا بغباء.

 

ولزيادة الطعم حلاوة، أضاف أن الشرطة، بصفة عامة، تميز بين الناس بطريقة خاطئة. واعتبر أنصار أوباما تصريحاته تلك، «لحظة تعليمية».

 

ومررت ولاية أريزونا أخيرا مشروع قانون يهدف إلى دعم قانون الهجرة الموجود بالفعل، ووقف النزوح الهائل من الأجانب على الولاية. جماعات مختلفة من بينها الحكومة الفيدرالية نفسها سارعت بوضع خطط لرفع دعوى قضائية على الولاية. لكن استطلاعات رأي عدة أشارت إلى أن 70% من الأميركيين يؤيدون قانون الولاية، وأن عشرات الولايات الأخرى تعتزم أن تحذو حذوها.

 

ورغم ذلك، قفز الرئيس الأميركي مجددا وسط هذا الجدل الحاد، حتى قبل أن يسري مفعول القانون. زعم أوباما ومدعيه العام أن أريزونا تشجع التمييز، مع أن الشرطة مُنعت من التعرض للذين ليست لهم سوابق مع سلطات تنفيذ القانون.

 

أحدث شيء في هذا الصدد، هو عندما تناول أوباما موضوع مركز قرطبة الإسلامي المقترح بناؤه في مانهاتن، فيما قد يعتبره أنصاره «لحظة تعليمية». القضية هنا ليست قانونية.

 

كلا الطرفين يعرف الحق القانوني للمسلمين في بناء مسجد في أي مكان تجيزه قواعد التخطيط المحلي. ولكن الجدل يتعلق أيضا بالفطرة السليمة، وطبيعة تمويل المشروع، والمشرفين عليه.

 

وبغض النظر عن ذلك، خاطب الرئيس جمهوره، الذي كان معظمه من المسلمين، قائلا إن أميركا تحترم حقوق كل الأديان، متجاهلا القضية الأساسية. وبعد يوم واحد، وفي موقف محرج، تراجع قليلا عن موقفه.

 

من أين نبدأ مع كل هذه «اللحظات التعليمية»؟

 

كل هذه القضايا الخلافية تتضمن مسائل على مستوى الولاية والمستوى المحلي، لا تتطلب تدخلا رئاسيا. وفي مثل هذه الحالات المتواصلة، لماذا يتدخل اوباما إذا كان ذلك لن يؤدي إلا إلى بث الفرقة بين الملايين.

 

نعرف جميعا أن الرئيس أوباما لديه عادة سيئة، هي تفنيد دوافع من يختلف معهم في الرأي. في قضية غيتس، سارع إلى إدانة كراولي والشرطة. لم يُنظر إلى مسؤولي أريزونا على أنهم راغبون فقط في تطبيق القانون الاتحادي، ولكن اعتبروا متعصبين يضايقون أبناء الأقليات عندما يخرجون للتنزه.

 

لاحظوا أن القضايا الثلاث تنتقص من أداء الرئيس في الاستطلاعات وتناقض الصورة السابقة عنه كموفق ومعالج.

 

ومرة أخرى، لماذا يخرج أوباما عن النص ليقدم العظات بشأن هذه القضايا البسيطة، التي تدعم معارضيه وتزيد صعوبة موقف أنصاره الديمقراطيين.

 

أولا أن تقديم العظات بشكل ارتجالي في قضايا غريبة أمر أسهل بكثير من التعامل مع اقتصاد سيء، وحربين، وتوتر متصاعد في الخارج.

 

إلقاء العظات يختلف كثيرا عن جمع الأصوات في الكونغرس، أو تفنيد تقارير في مؤتمرات صحافية، أو التعامل مع المعتدين في الخارج، ومن الممكن أيضا أن تحول انتباهنا بعيدا عن ارتفاع البطالة إلى 10%، وعن حكومته المثقلة بالديون.

 

ثانيا، قضى أوباما معظم حياته بصحبة أكاديميين ومحامين، وصحافيين، ومنظمي أحداث. أصحاب هذه الثقافة، ضيقة الأفق، يميلون إلى إلقاء العظات والمحاضرات على الآخرين، أكثر من رجال الأعمال، والجنود، والأطباء، والمزارعين، الفاعلين الذين يندر وجودهم في حكومته.

 

ثالثا، يتبنى أوباما اتجاها نقديا واسعا يجمع بين العرق والطبقات والجنس في نظرته للولايات المتحدة. لكن قصة أميركا ليست بالضرورة قصة شعب مزدهر ومستقل بشكل خاص، أو دستور فريد من نوعه، أو ماض نابض بالحياة في نشر الحرية في العالم، ولكنها قصة سحق الأغلبية للجماعات الأخرى.

 

من الواضح أن هذه الأمثلة للمظالم المحلية قد ألهبت حماس الرئيس الأميركي ، ودفعته إلى الإعلان المتسرع، من دون دليل، أن الأغلبية أو الحكومة في كل قضية كانت متحيزة أو غير عادلة.

 

على أوباما أن يتذكر أن الرؤساء الناجحين يبنون جسورا من أجل حل مشكلات وطنية ودولية. ويتركون مسألة الاستقطاب في الخلافات المحلية لمنظمي الفعاليات الاجتماعية والناشطين الحزبيين.

أستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية

opinion@albayan.ae

===================

ايران أسيرة عدائها الإيديولوجي لأميركا ؟

سركيس نعوم

النهار

28-8-2010

أجاب المسؤول الارفع نفسه في "الادارة" البارزة اياها داخل الادارة الاميركية الذي يشرف على معظم قضايا الشرق الاوسط ومشكلاته عن سؤالي عن مصير سياسة الحوار مع ايران والتي قررها الرئيس اوباما وتأثير العقوبات الاخيرة عليها، قال: "لقد حاولنا مع ايران اعتماد سياسة الحوار منذ سنة ونصف سنة او اقل. اوباما مد يده اليها ولم تلتقطها. ربما صار الايرانيون الحاكمون عاجزين عن التقاط اليد الاميركية الممدودة اليهم او عن التفاهم مع اميركا. علماً ان التفاهم هو اساساً مع المجتمع الدولي كله، او على الاقل مع غالبيته كون الخلاف معه اساساً. اسباب العجز المذكور كثيرة. قد يكون احدها الصورة التي كونوها بانفسهم لاميركا اي صورة العدو والشيطان. وبذلك صارت اميركا العدو هي المبرر الابرز لوجودهم في السلطة بل لبقائهم فيها، لاستمرار نظامهم الاسلامي في ايران. وقد لا يكون سهلاً عليهم التخلّص من الصورة السلبية المذكورة لاميركا وخصوصاً بعدما اصبحوا اسرى لها. طبعاً هناك خلاف كبير ومهم بين اميركا وايران حول الموضوع النووي ومشروعها النووي وكذلك حول قضايا اخرى. وكنا مستعدين للبحث في كل الامور والقضايا. في اجتماع جنيف الشهير توصلنا الى اتفاق مبدئي قَبِلَه الرئيس الايراني احمدي نجاد وروّج له. لكن بعد عودة الموفد الايراني من جنيف الى عاصمة بلاده طهران قامت القيامة عليه ورفض الاتفاق المبدئي هذا. هل هناك صراع اجنحة داخل النظام الايراني؟ لا نعرف. اما في موضوع قرار العقوبات في مجلس الامن فاننا نعرف كلنا، وفي مقدمنا الرئيس اوباما ووزيرة الخارجية كلينتون، ان العقوبات لن تحل مشكلة الملف النووي الايراني في النهاية، لكنها ربما ساعدت على البحث في مشروعات حلول لها والتوصل الى حلول. على كل، لقد توصلنا نحن الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن ومالكة حق النقض داخله إلى موقف واحد وتالياً الى قرار واحد في موضوع العقوبات على ايران". علّقتُ: يتردد كثيراً في اوساط المسؤولين الاميركيين والاجانب كما في اوساط الباحثين ان ثمن اتفاق الدول الخمس الكبرى على قرار العقوبات المشار اليها اضعفه من حيث المضمون والفاعلية. ردّ: "ربما. لكن كان لا بد من إجماع. ركّزنا اولاً على روسيا التي تعهدت اخيراً قبولها قرار العقوبات لاعتبارها ايران صانعة الصواريخ العابرة للقارات او البعيدة المدى خطراً عليها، ولاعتبارها ايضاً ايران النووية خطراً عليها. تناقشنا مع روسيا في كل هذه الموضوعات وتوصلنا الى اتفاقات. اما الصين، فلم تكن ميالة في البداية الى السير في الإجماع الدولي على العقوبات الجديدة على ايران. لكنها لم تشأ البقاء وحدها". علّقتُ: يقال هنا في واشنطن وفي المنطقة إن اوباما تنازل كثيراً للحصول على الإجماع الذي اشرت اليه. اعطى كثيراً روسيا والصين من اجل إقرار عقوبات ضعيفة على ايران. ويُقال ايضاً ان روسيا تستغل الموضوع النووي لابتزاز اميركا وايران على السواء وذلك بغية توظيف مكاسب الابتزاز في عملية عودتها دولة عظمى كما كانت قبل 1990 أو على الاقل ذات كلمة مسموعة دولياً. ويُقال ايضاً انها (اي روسيا) ترفض ان تصبح ايران دولة نووية. ردّ: "قل لي اين الابتزاز؟ ماذا اعطينا الروس او الصينيين؟ طبعاً نحن نسمع هذا النوع من الكلام. لكنه ليس صحيحاً. روسيا كانت دولة عظمى، وتطمح الى ان تبقى قوّة كبرى. حسن، هذا حقها. ولا يمنعنا ذلك من التعاون معها". سألت: هل مات "الاتفاق النووي" الثلاثي الذي وقّعته ايران والبرازيل وتركيا اخيراً؟ اجاب: "كلا لم يمت. نحن لم ندعُ الى قتله او الى اعتباره ميتاً. اذ انه يتضمن عناصر عدة من عرض سابق قدمناه اليها. لكن ما رفضناه في الاتفاق الثلاثي وما سنرفضه هو اعطاء ايران حق تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة. في الاتفاق السابق المبدئي الذي عادت عنه ايران بعد قبولها اياه او بالاحرى بعد اشتراكها في وضعه كان هناك كلام عن قبولها بالتخصيب الى درجة معينة. لكن يبدو لي ان نجاد والايرانيين تلاعبوا (Manipulated) بتركيا والبرازيل واخذوا منهما اكثر مما يجب او مما كانوا يتوقعون. في اي حال، نحن عندما قرأنا الاتفاق المذكور لم نرفضه. بل وضعنا نقاطاً تسعاً تعليقاً عليه ثم طلبنا بدء البحث في الاتفاق وفي النقاط التسع وذلك بغية التوصل الى اتفاق يُرضي الجميع ويؤمّن مصالحهم. وهذا امر لا نزال ننتظره". علّقتُ: قُلْتَ ان العقوبات لن توصل الى حل. وهذا صحيح. هناك اذاً احتمال من اثنين. الاول، ان يأتي الحل بعد مواجهة عسكرية كبيرة مع ايران. والثاني، ان يكون نتيجة تسوية سلمية يفرضها، على ما يعتقد كثيرون، التقاء مصالح استراتيجي بين اميركا وايران. ردّ المسؤول الارفع نفسه في "الادارة" البارزة اياها داخل الادارة الاميركية الذي يُشرف على معظم قضايا الشرق الاوسط "صحيح ان التسوية قد تولد إما من رحم حرب او من تسوية سلمية، لكن هذا امر لا يمكن التكهن به منذ الآن. لا بد من بذل جهود كبيرة باستمرار. ولا بد من انخراط اميركا وايران وجهات دولية اخرى في مفاوضات جدية قد يكون الايرانيون غير مستعدين لذلك. طبعاً ايام الرئيس السابق جورج بوش الابن كانت هناك دعوات اميركية لتغيير النظام الايراني. مع اوباما لم تعد هناك دعوات كهذه وحلّت مكانها الدعوة الى التفاهم بالحوار والتفاوض. طبعاً لا تزال اميركا اوباما حريصة على الحريات العامة وعلى حقوق الانسان في ايران، لكنها لم تعد معنية بتغيير النظام فيها. يراودنا شعور ان الناس في ايران او بالأحرى الشباب مع اميركا ولا يعارضونها".

بعد ذلك اتفقنا على ان موقف الايرانيين من الموضوع النووي واحد وهو التأييد المطلق له والرغبة في انجازه. ثم تحدثنا في الموضوع الداخلي الايراني وفي احتمالات وجود نوع من الصراعات او التنافس داخل النظام بدأ يتخذ شكل القضم التدريجي للسلطة من "الحرس الثوري"، مركز القوى الاقوى في ايران، وكذلك عن السياسات التي قد تنتهج داخلياً وخارجياً في حال نجح "الحرس" في الامساك بكل شيء. على ذلك علّق الموظف الارفع. ماذا قال؟

===================

من أنابوليس إلى واشنطن

سميح صعب

النهار

28-8-2010

تبدأ المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل الاسبوع المقبل تحت الضغط الاميركي. إلا ان هذا الضغط لا يتعدى الشكل الى المضمون. فكل ما يريده الرئيس الاميركي باراك اوباما الان هو الصورة والاعلان فقط، لعل ذلك يعينه في الانتخابات النصفية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل.

فما سيحدث في واشنطن الخميس المقبل سبق وان حدث في انابوليس عام 2007 عندما جمع الرئيس الاميركي جورج بوش الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي عامذاك ايهود اولمرت على امل التوصل الى تسوية للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي في غضون سنة.

لكن ماذا حصل؟ لقد كان من السهل على اولمرت التنصل من الالتزامات التي قطعها في انابوليس، عبر احراج الفلسطينيين ودفعهم الى الخروج من المفاوضات، من الاستمرار في الاستيطان وصولاً الى شن الحرب على قطاع غزة نهاية عام 2008 ومطلع 2009، مما أوجد ظروفاً يستحيل معها على السلطة الفلسطينية الاستمرار في التفاوض. كما اتاحت حرب غزة لاولمرت التخلص من عبء التفاوض غير المباشر مع سوريا عبر القناة التركية.

والآن، لا شيء يوحي بأن مثل هذا السيناريو لن يتكرر، إذ انه تحت ضغط اليمين الاسرائيلي المتشدد الذي يتحكم بمصير الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو الرافض لأي تسوية مع الفلسطينيين، لن يعدم نتنياهو وسيلة لاحراج السلطة الفلسطينية ومن ثم إخراجها من المفاوضات، وتالياً إلقاء اللوم عليها في إفشال التسوية.

ولا توحي التجارب التي خاضها الفلسطينيون مع نتنياهو بأن هناك أملاً في امكان التوصل الى تسوية معه. وليس أدل على ذلك من قول الرئيس الفلسطيني بأنه ذاهب الى المفاوضات المباشرة مع رهان نسبته واحد في المئة. ولا يلام الفلسطينيون على تشاؤمهم. فكل المواقف التي يطلقها نتنياهو لا تدل على ان الرجل عازم فعلاً على تقديم التنازلات الضرورية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

فهو يصر في كل مناسبة على انه من أجل انجاح المفاوضات، يتعين على الفلسطينيين ان يتنازلوا عن المطالبة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين من خلال الاعتراف بيهودية اسرائيل، والقبول بقيام دولة منزوعة السلاح، وعلى القبول بأن الكتل الاستيطانية الكبرى ستبقى جزءاً من اسرائيل في أي تسوية محتملة، وعلى القبول بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح مع احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على حدودها البرية وعلى اجوائها.

ان التضحية الكبرى التي يعتقد نتنياهو بانه يقدم عليها تتمثل في مجرد قبوله بمبدأ قيام دولة فلسطينية على ارض لا يزال يعتبرها انها ملك لاسرائيل. كما التضحية الاخرى تتمثل في المخاطرة بسقوط ائتلافه الحكومي، بمجرد موافقته على تجميد موقت للاستيطان في الضفة الغربية.

ومما يزيد في تعقيد الموقف هو عدم وجود استعداد اميركي لممارسة ضغط فعلي على اسرائيل للقبول بتسوية تضمن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. ويعرض تالياً هذا الموقف المفاوضات كلها للنسف. واذا كانت ادارة اوباما اخفقت في ممارسة الضغوط على الحكومة الاسرائيلية المتشددة، فإنها غير قادرة مهما مارست من ضغوط على السلطة الفلسطينية من الحصول على قرار بالتسليم بقيام دولة مقطعة الاوصال لا تملك سيطرة ولا سيادة على اراضيها، فضلاً عن ابتلاع المستوطنات اكثر من 40 في المئة من اراضي الضفة الغربية.

لذلك، ليس مستغربا كل ذلك التشاؤم الذي يحوط بالمفاوضات المباشرة، لا سيما انه ليس من ضمانات بأن لا تتكرر تجربة انابوليس، فيتحول التفاوض الى مجرد تفاوض من دون أفق زمني ومن دون أفق سياسي.

وبعد ذلك ليس أسهل من إلقاء اللوم على الفلسطينيين. هكذا تدل تجارب المفاوضات الجارية منذ 18 عاما!

===================

«الأبارتهايد» الإسرائيلي والدسترة البنيوية لكيان التمييز العنصري

السفير

28-8-2010

ماجد الشيخ

منذ أكثر من ستين عاماً، والممارسات الاحتلالية الإسرائيلية، تحافظ على وتيرة تتصاعد بين الحين والآخر، ولكنها لا تتراجع؛ وهي تخطّ على الأرض أشد أنواع وأشكال عنصريتها التمييزية، الموجهة ضد كل من تبقى من مواطني الوطن الفلسطيني بعد نكبة عام 1948. وبرغم استمرار وتواصل مدن الداخل الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، إلاّ أنها خضعت وتخضع لسياسات تضييق تمييزية، هدفت إلى محاولة طرد المواطنين الفلسطينيين من داخلها؛ على ما يجري في عكا وحيفا ويافا والرملة وغيرها، وزرعها بمستوطنات وتجمعات يهودية، في وقت يجري حرمان الفلسطينيين من إقامة مدن جديدة، أو حتى تطوير مدنهم الأصلية، أو الأحرى تجمعاتهم فيها.

وكان الكنيست بأغلبية أعضائه، قد أسقط مشروع قانون كان قد تقدم به عدد من النواب الفلسطينيين، نص على المساواة في تقسيم الأراضي بين اليهود والفلسطينيين، وتضمن السماح للمواطنين الفلسطينيين بإقامة مدن جديدة، في الوقت الذي تعمل حكومات الاحتلال على تشريع إقامة مدن وتجمعات استيطانية جديدة حتى للمتدينين من اليهود (الحريديم) كمدينة حريش. ولم تلتفت لإقامة مدن النقب (أربعة مدن منذ عام 1948) إلا لكونها أرادت تجميع مواطني النقب فيها، بعد الاستيلاء على أراضيهم التي يملكونها ويجري الاستيلاء عليها بين الحين والآخر، عبر ما يسمى «الدوريات الخضراء» وجرافاتها التي ما تني تواصل هدمها لقرية العراقيب مرة تلو مرة، كنموذج لهدم 45 قرية نقبية أخرى. فلم يكن هاجس الحكومات الإسرائيلية جميعها؛ تحقيق ولو حد أدنى من حلم المساواة المغيّب وغير القائم، بقدر ما كان كل ذلك يؤشر إلى الحد الأعلى من محاولات سلب الأراضي، ونزعها وانتزاعها من الفلاحين والبدو وإبعادهم عنها. وحتى بين المواطنين الفلسطينيين أنفسهم، فإن حكومات الاحتلال مارست وتمارس المزيد من أشكال التمييز المزدوج والمضاعف، وهي تلجأ إلى منح بعض المواطنين من أبناء الطائفة الدرزية ومن البدو، قطع أراض محدودة للبناء عليها، وذلك بغية تشجيعهم على الخدمة في الجيش، في سياق تطبيقها لشعارها الدائم: أرض أكثر وعرب أقل.!

لقد سبقت التطبيقات العنصرية وسلوكها التمييزي «قيام الدولة»، تلك التي لم تُقم أساسها النظري في الأصل، إلاّ على أسس عقيدية عنصرية، وحين قامت على الأرض؛ لم يكن باستطاعتها «إنجاز» أكثر مما أنجزته، فما استطاعت إقامة دولتها اليهودية النقية، كونها لم تستطع التخلص من كل أصحاب الأرض الأصليين، وفي هذه «الدولة» وفي الظروف التي نشأت في ظلها، لم يكن متاحاً بالقطع إمكانية إقامة تطابق أو تماثل بين رؤيتها لذاتها؛ وما قام فعلياً من بناء سياسي ودستوري بقي ناقصاً، حتى وهي تحاول مطابقة سلوكها النظري، وتلك الممارسة التي حملت بذور التمييز العنصري بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

وبحسب الائتلاف المناهض للعنصرية في تقرير له نشر مؤخراً، فإن الكنيست الحالي هو الأكثر عنصرية منذ إنشائه، حيث زادت القوانين العنصرية التي تنتقص من حق الأقلية الفلسطينية، عن مجموع القوانين العنصرية السابقة بنسبة 70 في المئة. وهي قوانين هدفت وتهدف لتحجيم دور الفلسطينيين في القطاع المدني. ففي عام 2008 قدم للكنيست أحد عشر قانونا، وفي عام 2009 إثنا عشر قانونا، وفي العام الجاري هناك واحد وعشرون قانونا تحتوي جميعها على بنود تمييزية عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين. يقف وراءها أعضاء من اليمين المتطرف، وتتضمن الفصل بين اليهود والمواطنين الفلسطينيين، وتصل إلى حد المناداة بطرد أصحاب الأرض الأصليين من وطنهم. بل وصلت الوقاحة ببعض أعضاء اليمين المتطرف، للتقدم من الكنيست بقانون أسموه «قانون طرد الغزاة»، وهو خاص بمواطني النقب من البدو الذين تواجد أجدادهم على هذه الأرض منذ آلاف السنين.

وتشمل القوانين السابقة؛ الحكم بالسجن لمدة عام على كل من يشتكي من الظلم والتمييز، حيث أجيز هذا القانون بالقراءة الأولى، بالإضافة إلى تحريم ومعاقبة مستخدمي تعبير النكبة. كما وأجيز بالقراءة الأولى، ذلك القانون الذي قدمه وزير المواصلات إسرائيل كاتس، والقاضي بمحو الأسماء والشوارع الفلسطينية واستبدالها بأسماء عبرية.

وأخطر ما أقدم عليه الكنيست الحالي، هو المصادقة على قانون يتيح للحكومة نهب أملاك اللاجئين الفلسطينيين، حين سمح بخصخصة واسعة النطاق لما يعرف ب«أراضي الدولة»، ويمكّن الصندوق القومي لإسرائيل (الكيرن كيمييت) شراء أراضي اللاجئين الفلسطينيين بموجب ما يسمى «قانون أملاك الغائبين» ومن ثم بيعها لليهود.

وهذا القانون العنصري يتناقض وكل المواثيق الدولية المناهضة للعنصرية، خاصة أنه نص على أن السكن أو شراء الأرض في القرى الزراعية والقرى الصغيرة عموما، يتم بموافقة لجان قبول منبثقة من الوكالة اليهودية والمؤتمر الصهيوني العالمي، مما يعني حرمان أهل البلاد الأصليين من السكن في مناطق واسعة من أرض وطنهم، وهذا يكرّس الواقع القائم، حيث 94 في المئة من الأراضي هي أراضي دولة (مصادرة أو جرى الاستيلاء عليها بالقوة وبالتزوير، وهي خاصة باللاجئين) يجري تأجيرها لفترات طويلة (49 أو 99 عاماً ولليهود فقط) والباقي أراض خاصة: 3 في المئة لمواطنين فلسطينيين و3 في المئة لمهاجرين يهود.

وقد أكد د. أحمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير، أن هناك ما لا يقل عن 40 قانوناً سارية المفعول، تميّز ضد فلسطينيي عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب، وتعتبر قوانين عنصرية وفقاً للمعايير القانونية الدولية. وفي تمييز تام ومطلق، تدير إسرائيل ثلاثة أنظمة حكم، هي وفقاً للطيبي: نظام حكم ديموقراطي لنحو 80 في المئة من السكان اليهود، وتلك «ديموقراطية عرقية». ونظام حكم قائم على التمييز العنصري موجه ضد 20 في المئة من السكان، هم المواطنون الفلسطينيون الذين بقوا في أرض وطنهم، بعد نكبة تشريد شعبهم عام 1948. أما النظام الثالث فهو الاحتلال، حيث يمارس الإسرائيليون في ظله تمييزاً عنصرياً مماثلا لنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، ضد الفلسطينيين الذين خضعوا للاحتلال منذ عام 1967.

وفي ثنايا القوانين والتشريعات الأساسية، التي يجري السباق لإقرارها، يمضي الكنيست بأغلبية نوابه من اليمين القومي والديني المتطرف، نحو تحقيق هدف «تهويد الدولة»، بدءا من تجريف أحياء ذكرى النكبة، وعبرنة اللغة، وفرض التدريس الإلزامي للنشيد الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية، وتطبيق إطلاق أسماء عبرية بدل العربية على المدن والبلدات الفلسطينية، وأداء قسم الولاء لإسرائيل بوصفها «دولة للشعب اليهودي» أو «دولة يهودية». وأحدث هذه الإجراءات والقوانين العنصرية هو ما اقترحه وزير الخارجية العنصري أفيغدور ليبرمان، بإدخال تعديل على قواعد التعيين في هذه الوزارة، وفي كل المؤسسات والوزارات، من شأنه منع الغالبية العظمى من فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب من الانخراط في السلك الدبلوماسي، أو في الوظائف الحكومية، كونهم لا يؤدون الخدمة العسكرية. وهو ما أقرته الحكومة يوم الحادي عشر من تموز الماضي.

لكن الأخطر في نظر خبير القانون الدولي د. حنا عيسى، هو ما أضحى يتبلور في تشريعات أساسية ترمي للانتقال نحو مرحلة جديدة، فيها تتأهل إسرائيل لأن تكون أكثر استعداداً للإعلان عن كون التمييز جزءا من بنائها الدستوري، وقد تمثل هذا في قوانين وتشريعات أساسية، مثل قانون العودة (1952) قانون الخدمات الدينية اليهودية (1971) قانون الخدمة العسكرية (1986) قانون الحاضر الغائب وقانون المصادرة من أجل الصالح العام، مشروع قانون المواطنة، (تعديل تصريح الولاء 2009)، مشروع قانون سجل السكان (تعديل تصريح الولاء للدولة والعلم والنشيد الوطني 2009)، مشروع قانون يوم الاستقلال (تعديل حظر إحياء يوم الاستقلال أو يوم إقامة دولة إسرائيل كيوم حداد) أي قانون النكبة. ومشروع القانون الأساس للكنيست (تعديل تصريح ولاء عضو الكنيست)، تصريح ولاء للدولة كدولة يهودية وصهيونية وديموقراطية (!).

ولأن التمييز جزء من بنائها السياسي والثقافي والأيديولوجي، فإن بُناها الدستورية والقانونية لم تعد تحتمل ذاك الهامش، الذي نسي أو تناسى وجود بعض حقوق لا تكاد تُرى أو تُذكر، للمواطن الفلسطيني في أرضه وفي وطنه، وها هي قوى اليمين الديني والقومي المتطرفة، وهي تحكم اليوم في إسرائيل، تحاول استلحاق ما فاتها من تهويد وأسرلة واقع كيانها ووجودها العنصري، على حساب شعب وأرض الوطن الفلسطيني. وما هذا الفيض التشريعي العنصري، والسلوك اليومي المتطابق عملياً مع تشريع القوانين العنصرية، سوى السهام الأخيرة في جعبة محاولاتها، فرض منطقها الخاص للأبارتهايد، بطبعته اليهودية الصهيونية، وهويتها العامدة إلى رفض مواجهة التاريخ، خوفا من المستقبل الذي لن يكون سوى مرآة لماضيها، ولحاضرها الإجرامي البشع بحق الإنسانية؛ وليس بحق الشعب الفلسطيني ووطنه فحسب.

===================

المفاوضات المباشرة والانسحاب من العراق

امجد معلا

lamaramjad@yahoo.com

الرأي الاردنية

28-8-2010

المفاوضات المباشرة الوشيكة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ليست الاولى ولن تكون الاخيرة ولن تفضي الى نتائج ملموسة يرضى عنها الشعب الفلسطيني ولا حتى قيادته التي تذهب الى هذه الجولة متلكئة وان كانت متسلحة بقرار عربي مساند ورغبة امريكية في تحقيق اهداف .

 

وبات القاصي والداني والمعني وغير المعني والمهتم واللابالي يعلم ان اسرائيل لن تتنازل قيد انمله عما اعلنته من مواقف بشأن الوضع النهائي لا في موضوع القدس ولا اللاجئين ولا الحدود ولا حتى في موضوع اقامة دولة فلسطينية تحاكي حلم شعب استغرقه اكثر من ستين عاما وهو يكابد ويناضل من اجل هذا الهدف والذي يشكل ابسط حقوقه الاساسية.

 

اذن هي ببساطة عملية اشغال للراي العام العالمي والعربي والدولي وتأكيد امريكي على قدرتها جمع الطرفين على طاولة مفاوضات ولكن ليس لديها اي قدرة او عزم على دفع اسرائيل من اجل الاقتراب من مباديء اساسية يرضى عنها الفلسطينيون والعرب .

 

فالسجل الامريكي في موضوع المستوطنات الذي على الاغلب طرح فلسطينيا وعربيا من اجل اختبار النوايا الامريكية والاسرائيلية لا يؤهلها للعب دور الوسيط والراعي المحايد والراغب في تحقيق تسوية عادلة ترضى عنها الاجيال الحالية والقادمة بمعنى ان يكون سلاما شاملا ودائما.

 

وهذه الحقائق تدفعنا للتفكير مليا بالحملة الاعلامية المرافقة للاعلان الامريكي عن بدء جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بتنسيب من الممثل الامريكي في المنطقة جورج ميتشل الذي ينسق مع الاسرائيليين ويضغط على الفلسطينيين .

 

والغريب ان الالة الاعلامية الامريكية قدمت هذه الجولة باعتبارها حاسمة وستفضي الى نتائج خلال عام بينما الالة الاعلامية الاسرائيلية تتجنب الحديث عن النتائج وتركز على المفاوضات بحد ذاتها لتعطي انطباعا ضمنيا بانتصار حكومة نتانياهو على فرض الامر الواقع ونجاحه في ارغام الجانب الفلسطيني والعربي على الجلوس والتفاوض من نقطة الصفر.

 

الجانب العربي بطبيعة الحال يتعامل مع هذه الجولة بدبلوماسية صامته تؤكد على التمسك بالثوابت ولا ترغب بمزيد من الاستفزاز للولايات المتحدة الامريكية لتعطي ادارة اوباما الفرصة من اجل تحقيق مكاسب سياسية والتخفيف من الانطباع الذي بدأ يترسخ في الراي العام العربي والدولي حول مصداقية اوباما وادارته بشأن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

 

تزامن الاعلان عن بدء المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين مع انساحب القوات الامريكية المقاتلة من العراق يعطينا اليقين بأن كل هذا التحرك الامريكي يأتي في اطار العلاقات العامة الرامية الى تحسين صورة امريكا ولا يمكن ان يكون مقبولا كنية جدية في تحقيق السلام المنشود شعبيا ورسميا في منطقتنا العربية.

 

الهم العربي اكبر بكثير من هم امريكا في تحسين صورتها فالقضية الفلسطينية هي مأساة شعب وقلق امة بكاملها أما صورة امريكا في العالم فهي ترف سياسي على الادارة الامريكية ان تعي ان هضمه عربيا وفلسطينيا يعني مزيداً من الغصة في جسد شعوب منطقة باكملها فالمطلوب اجراءات وقرارات سياسية امريكية وغربية تعيد الحقوق لاصحابها وتجنب المنطقة الصراعات وليس الترف السياسي والدبلوماسي الامريكي الذي لا يعنينا في نهاية المطاف.

===================

أمة عاجزة عن التواصل!

كاثلين باركر (كاتبة ومحللة سياسية أميركية)

واشنطن بوست الاميركية

الرأي الاردنية

28-8-2010

عندما كنت أتفحص العناوين الرئيسية في الصحف الأميركية في الآونة الأخيرة، التي قلما تتغير حيث تدور عادة حول موضوع بناء المسجد بالقرب من «جراوند زيرو»، والهجرة، واقتراب ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، أصابتني حالة من الغثيان، حيث أدركت أن تلك العناوين في جوهرها تكشف عن شيء قد لا ينتبه إليه كثيرون في الوقت الراهن، وهو أننا كأمة أميركية قد بتنا عاجزين عن التواصل والتفاهم فيما بيننا.

 لقد أحسست أننا بحاجة إلى وقت للسلام، أو وقت لالتقاط الأنفاس من هذا السباق المحموم الذي نخوضه، الذي نُعلي فيه من شأن المصلحة الذاتية فوق أي اعتبار آخر.

ولو تجاوزنا تلك العناوين، ودخلنا إلى تفاصيل موضوعاتها، فسنقرأ عن إمام مسلم يهين (بعض) الأميركيين، عندما يريد بناء مركز إسلامي في مكان قريب للغاية من موقع البرجين، اللذين تهاويا في الحادي عشر من سبتمبر، وهي قطعة الأرض المعروفة باسم «جراوند زيرو». وسنقرأ أن المسلمين الأميركيين يشعرون بأنهم قد تعرضوا للإساءة، بسبب تلك المقولات التي صدرت عن جوقة من الأصوات القبيحة ضد المسلمين في أميركا.

ومن ضمن تلك الأصوات مقدم البرامج اليميني «جلين بك» الذي دعا إلى حفل شاي من أجل «استرداد الشرف» في نفس اليوم والمكان الذي ألقى فيه الزعيم الراحل «مارتن لوثر كنج» داعية الحقوق المدنية الأميركي خطابه الشهير «لديَّ حلم».. وفي مدينة أخرى، وفي اليوم نفسه تقريباً أعلن الناشط المعروف في مجال الحقوق المدنية القس «آل شاربتون» أنه سيعقد تجمعاً حاشداً تحت شعار «فلنستعيد ذكرى الحلم».

هذا فيما يتعلق بموضوع بناء المسجد والمسلمين في أميركا.. أما في الولايات الحدودية فسنجد أن سكان تلك الولايات باتوا يشعرون -كما يزعمون- بأنهم تحت الحصار، بسبب تدفق اللاجئين غير الشرعيين.. في ذات الوقت الذي يشعر فيه الأميركيون من أصول لاتينية بأنهم هم أيضاً مهمشون بسبب جوقة من الأصوات القبيحة التي تحاول الإساءة إليهم بكل وسيلة ممكنة، -كما هو الحال بالنسبة لموضوع المسجد.

ومتابعة ما يجري هناك وما يقال حول هذا الموضوع، تدلنا على أن الأميركيين هناك لا ينتمون إلى أمة واحدة وإنما إلى أكثر من أمة. ويقودنا هذا إلى القول إننا بحاجة إلى العودة إلى النهج الأميركي الأصيل الذي يبدو أننا قد نسينا أين يقع، ذلك النهج الذي يلعب فيه الجميع وفقاً للقواعد الموضوعة، ويتبنون نفس الموقف الوطني. فعلى رغم أننا نتحدث عن الإجماع والتوافق طوال الوقت، فإن ما نفعله، وما نقوله، أبعد ما يكون عن التوافق والإجماع.. وليس هذا فحسب بل إننا نجد أن رسالة أوباما عن التغيير قد باتت فاترة وفقدت معناها هي الأخرى.

فبدلا من الوحدة، ننخرط في الوقت الراهن في خلافات لا نهاية لها حول المسجد، وحول الأرض المقدسة، وحول الدين، واللغة، وهي موضوعات ما كان يجب أبداً أن نخوض سجالا حولها.

إن على كل منا أن يكون أكثر مراعاة للآخرين، وألا يهتم بشؤونه الخاصة فقط، بل عليه أن يقدم المساعدة للآخرين عندما يطلبونها، ويحافظ على هدوء أعصابه، ورباطة جأشه، ويعمل على المحافظة على تماسك بنيان عائلته وأمته، ويتجنب نشر غسيله القذر على الملأ، ويمتنع عن الحديث بشكل خاص عن قضايا العنصر والدين.

هذه هي المبادئ الأساسية للحلم الأميركي.. وعدم قدرتنا على التواصل، وإدراك تلك المبادئ، يعني أننا غير قادرين على المضي قدماً معاً على نفس النهج.

===================

ماذا يعني سحب «القوات القتالية» الأمريكية من العراق؟

ياسر الزعاترة

الدستور

28-8-2010

الذين يقولون إن أوباما هو الذي قرر سحب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق يتجاهلون حقيقة الإستراتيجية الأمريكية التي تبدت منذ الشهور الأولى للاحتلال ، والتي تتلخص في نقل مهام الأمن بالتدريج للقوات العراقية مقابل إخراج القوات الأمريكية من المدن والشوارع ونقلها إلى قواعد عسكرية بعيدة عن متناول قوى المقاومة. والذي أخّر هذه الإستراتيجة هو القرار الأرعن بحل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية من جهة ، وحجم المقاومة العراقية من جهة أخرى.

 

حلّ المؤسسة الأمنية والعسكرية استدعى الكثير من الوقت لاستبدالها بمؤسسة أخرى قادرة على حفظ الأمن ، وحين أنشئت المؤسسة الجديدة على أسس طائفية ، كان من الطبيعي أن يفاقم ذلك من الأزمة الأمنية حيث انفلت جزء من عناصر الأمن وشاركوا في تكريس الفوضى التي اجتاحت البلاد.

 

في المقابل كان حجم المقاومة أكبر بكثير من المتوقع ، وهو ما عقّد المشهد ، بما في ذلك العمليات التي طالت المدنيين وتسببت فيما يشبه الحرب الأهلية ، وقد أدى ذلك كله إلى تأخير تحقيق الهدف المنشود منذ البداية ممثلا في إخراج القوات الأمريكية من الشوارع والمدن.

 

الآن ، وبعد سنوات من تدريب القوات العراقية وتجهيزها ، وبعد أن ضُربت المقاومة من خلال تجربة الصحوات ، إضافة إلى عزل القاعدة وحرمانها من جزء كبير من حاضنتها الشعبية ، وبالطبع بسبب أخطائها المتمثلة في الصدام مع عدد من مكونات العرب السنة العشائرية والسياسية وصولا إلى قوى المقاومة. بعد ذلك كله صار بوسع القوات الأمريكية أن تنسحب من الشوارع من دون الخوف من حدوث انفلات أمني شامل رغم أن الوضع لم يستقر بعد ، أكان على صعيد العمليات التي تطال المدنيين ، فضلا عن الجيش العراقي ، أم على صعيد العمليات التي تطال القوات الأمريكية. والحق أن الانسحاب الذي نحن بصدده لا يبدو كاملا ، فقد وقع استبدال القوات المنسحبة بأعداد كبيرة من عناصر الشركات الأمنية الخاصة ، ما يشير إلى عدم ثقة القوات الأمريكية بقدرة القوات العراقية على القيام بالدور المنوط بها ، كما أن الجنرال راي أوديرنو قائد القوات الأمريكية لم يستبعد مشاركة قواته في القتال إذا ما دعت الحاجة. أما الأهم فهو أن الخمسين ألف جندي هم قوات قتالية تستدعى عند الحاجة أيضا.

 

من المؤكد أن مجرد تفكير الإدارة الأمريكية بالانسحاب هو إنجاز يحسب للمقاومة العراقية وليس لأي أحد آخر ، ونتذكر أن إستراتيجية واشنطن لم تكن تشمل انسحابا حقيقيا ، بل تركز على انتداب عسكري من خلال القواعد العكسرية الموجودة في البلد ، ومن خلال سفارة هي الأكبر في دول العالم أجمع ، وصولا إلى استخدام العراق منصة لإعادة تشكيل المنطقة كما ذهب كولن باول. ولذلك يمكن القول إنه لو لم يكن للمقاومة العراقية من فضل سوى إفشال هذا المخطط لكفاها ، هي التي وضعت سدا أمام طوفان كان يخطط لاجتياح المنطقة برمتها وإعادة تشكيلها سياسيا وثقافيا ، بل وربما جغرافيا أيضا.

 

ولعل السؤال الذي نحن بصدده هو ما إذا كان تنفيذ هذا الجزء من الاتفاق الأمني سيعني تنفيذ الجزء الثاني ممثلا في سحب ما تبقى من القوات 50( ألف جندي) نهاية العام القادم.

 

لن يحدث ذلك على الأرجح تبعا لما يعنيه من فشل وهزيمة ، أما المرحلة الأولى فكان تنفيذها مصلحة لواشنطن تتمثل في وقف نزيف الجنود القتلى والجرحى ، حيث وصل عدد القتلى إلى 4415 جنديا ، مع عشرات الآلاف من الجرحي الذي سيعيش أكثرهم معوقين ، فضلا عن وقف النزيف المالي ، وإن بدا هذا البعد صعبا بسبب كلفة الشركات الأمنية ، مع التذكير بأن كلف الحرب قد زادت عن التريليون دولار حتى الآن. ولا ننسى أن سحب القوات هو محاولة لإبعادها عن متناول إيران في حال اضطرت إلى الرد بسبب عدوان عليها.

 

إن دلالة سحب القوات الأمريكية من الشوارع والمدن تختلف عن دلالة سحبها من القواعد ، ففي الأولى يعبر الأمر عن نجاح ما ، بينما يعبر الموقف الثاني عن هزيمة وفشل وخروج مذل ، لاسيما في ضوء القناعة بوقوع العراق في قبضة إيران وحلفائها.

 

المطلوب هو معادلة تدع لواشنطن مكانا في عراق المستقبل ، وهو ما سيجري العمل عليه خلال العام الحالي والقادم بكل قوة ، الأمر الذي سيعتمد بدرجة أو بأخرى على المعركة مع إيران ، وعلى الصراع الداخلي في العراق ، وما يمكن أن يترتب عليه (التقسيم احتمال وارد) ، ولذلك يصعب القول إن الانسحاب الكامل سيحدث بالفعل في موعده. وإذا ما حدث فإن سؤال اليوم التالي سيكون غامضا ، لأن احتمالات الفوضى الطويلة الأمد ستكون قائمة ، ومعها سيناريو التقسيم ، بينما يبقى احتمال التوافق الوطني على صيغة يقبل بها الجميع هو الأقل ورودا مع الأسف ، اللهم إلا إذا وقع تفاهم عربي إيراني على ذلك.

===================

المقاومة والتغيرات الاجتماعية من فلسطين الى العراق

هيفاء زنكنة

8/28/2010

القدس العربي

يدور النقاش بين صفوف النسويات الناشطات، بحدة احيانا، ضمن المنظمات النسوية المختلفة، وهي كثيرة ومتنوعة الاتجاهات، يتركز نشاطها، حول مفاهيم تحرر المرأة وحقوق المرأة وكيفية تحقيق المساواة بينها والرجل على كل المستويات.

وقد رافقت نشأة وسيرورة هذه الحركة ومنظماتها، اختلافات حول المفاهيم وكيفية تحقيقها، ما بين النسويات الناشطات في امريكا واوروبا من جهة والناشطات في 'العالم الثالث' من جهة اخرى. وتلك اختلافات تظهر نتيجة تعرض العالم الثالث لبلاء الاستعمار الغربي وعمله على فرض مفاهيمه قسرا على العالم الثالث، وبضمنها مفاهيمه الخاصة عن 'تحرير المرأة'، التي اعتبرتها مجتمعات العالم الثالث مهددة لوحدة الاسرة وبنية المجتمع فضلا عن تهديدها للهوية الوطنية. ورأتها جزءا لايتجزأ من المنظومة الاستعمارية الهادفة الى التفرقة من خلال عزل قضايا المرأة عن الرجل. فتبنت حركات التحرر الوطني، في الدول الخاضعة للاستعمار ومنها العربية والاسلامية وأفريقيا موقفا، شبه متماثل تقريبا، بهذا الخصوص، ومفاده ان تحرير المرأة مرتبط بمسار التحرر الوطني. هكذا شاركت المرأة العراقية في النضالات الجماهيرية ضد الاستعمار البريطاني وساهمت ببناء العراق الحديث، وهكذا المرأة الفلسطينية منذ عشرينيات القرن الماضي. وللاطلاع على نضال المرأة الفلسطينية كنموذج، ومن خلال شهادات الفلسطينيات اللواتي ساهمن في النضال والبناء وتحقيق المكاسب، ليس هناك افضل من كتاب

'المقاومة والتغيرات الاجتماعية شهادات حية للمرأة الفلسطينية في لبنان (19651985)'، للباحثة ونائبة رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية سابقا، جهان الحلو.

اذ ان كل كلمة وشهادة في الكتاب تشكل درسا وتوثيقا لاغنى عنه. وهو مصدر نادر لانه يوثق في515 صفحة التاريخ، المعرّض للنسيان، للمرأة الفلسطينية في حقبة زمنية مهمة، ويمنحنا، نحن العراقيات، درسا في اهمية التدوين، بعيدا عن التواصل الشفهي، على اهميته. وكما تذكر جهان الحلو لأن 'تاريخ الشعوب قد يكتب عدة مرات او يكتبه المنتصر او المستشرق. وقد تطمس الكثير من الحقائق ان لم يتول كل شعب جمع التجارب والوثائق وتدوين ذلك التاريخ. فينطوي ما ينطوي ويندثر مع من استشهد او غاب من المناضلين'.

وهو درس يبين بدء مشاركة الفلسطينية في المقاومة وما حصلت عليه من خلالها. تقول جهان في المقدمة ملخصة تطور مساهمة المرأة 'لم تكن البدايات سهلة لجماهير النساء فالقيود الاجتماعية كانت تكبل المرأة وتكرس دونيتها، اذ كانت المرأة مضطهدة من الرجل في منظومة من العادات والتقاليد البالية المهينة لانسانيتها... وابتدأت المرأة تأخذ دورها جنبا الى جنب مع الرجل وانتقلت من كونها أما وزوجة وأختا وابنة الى كونها مناضلة في نفس الخندق مع الرجل... كانت المرأة في كل المواقع. تتأقلم مع متطلبات النضال، وفق متطلبات الحاجة واولويات المرحلة... وكذلك اندفعت المرأة للتدرب على السلاح. كما انخرطت في الاراضي المحتلة في العمل ضد الاحتلال الصهيوني'. وتلخص لنا احدى الشهادات اهمية المقاومة واحد الاسباب المهمة التي دفعت المرأة الى الانضمام اليها:

'عندما ظهرت المقاومة فرحنا كثيرا ورفعنا رأسنا. البنات شاركن بالمقاومة لانها رفعت معنويات الشعب الفلسطيني وقد أحسست بكرامتي كامرأة من خلال المقاومة'. وبقيت النسوة يكررن في شهاداتهن مفردات الكرامة والهوية الوطنية وكيف ساهمت المقاومة في 'ابراز الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالكرامة والفخر والثقة بالنفس'.

كما نقرأ في الشهادات (مجموعها 53 شهادة) عن صور رائعة من البطولات والمبادرات 'كيف اخترقت النساء الطريق الخطرة للوصول لتل الزعتر المحاصر. وكيف شاركت عسكريا في المناطق الساخنة في الجنوب وبيروت والشياح وبرج البراجنة وحي السلم وغيرها. نقرأ عن دور النساء في لملمة الجراح بعد اجتياح بيروت واحتلال الجنوب في 1982، وعن بطولات خرافية لعشرات النساء اللواتي استشهدن وهن يحملن الاكل والادوية للمخيم المحاصر. هناك، ايضا، شهادات عن مبادرات النساء في العمل على صمود المقاتلين في تل الزعتر- المية ومية - الشياح، او عن قيام النساء بحرق الخيم التي قدمتها الأونروا لسكان عين الحلوة بعد اجتياح اسرائيل، رفضا لها. وصولا لمعجزة النساء اللواتي اعدن بناء مخيم عين الحلوة. اكبر مخيمات لبنان بعد ان تم تدميره بالكامل من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي'. في الوقت نفسه، وعلى الرغم من كل الصعوبات الاقتصادية والسياسية، ساهمت الام الفلسطينية 'في الحفاظ على الهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي وفي الكفاح من اجل العيش المشرف'.

ولا تكتفي المؤلفة بتسجيل الشهادات الساردة للبطولات فحسب بل تطرح سؤالا في غاية الاهمية عن وضع شاهدنا مثيلا له في الجزائر اثر التحرير. اذ تمت اعادة المرأة الى موقعها السابق لمرحلة المشاركة في النضال، بدلا من تحويل المكتسبات التي احرزتها وهي تقاتل جنبا الى جنب مع الرجل الى تشريعات قانونية توفر لها المساواة. وانكر عليها الدور القيادي الذي يمكنها من المساهمة في التغيير. تتساءل جهان الحلو: لماذا بقيت المرأة في الظل ولم تصل موقع القيادة، لماذا حرمت من حقها في المشاركة السياسية المتناسبة مع أهمية دورها؟ تطرح الباحثة في تحليلها جملة اسباب يمكن تلخيصها بغياب الرؤية الثورية للتغير الاجتماعي لبناء مجتمع قائم على العدل والمساواة. وأنه لم يتم طرح اية قضية لها علاقة مباشرة بالمضمون الاجتماعي من قبل منظمة التحرير بالاضافة الى الفترة القصيرة في عمر المقاومة والمليئة بالتحديات وكون هذا الموضوع، برأيهم، يعالج بعد التحرير.

كما لم يطرح اي من التنظيمات برنامجا خاصا بالمرأة وبقضايا الاسرة وبقانون الاحوال الشخصية، وكأن قضية المساواة بين المرأة والرجل قضية مسلم بها! وعندما تم تقديم وثيقة لحقوق المرأة لم تناقش بذريعة 'القضايا السياسية الساخنة' و'اولوية ترتيب البيت الفلسطيني' واعتبرت الوثيقة من الكماليات. وقد سادت الفوضى، احيانا، 'في ظروف الحرب الاهلية في لبنان وسيطرة سلطة الثورة. وكأنه لا مرجعية لضبط الامور بما الحق الظلم بالزوجة والاطفال وحاول بعض الرجال التنصل من مسؤولياتهم والتزاماتهم بدفع النفقة او السماح للزوجة بحضانة الاطفال'. وتشير احدى الشهادات الى ان النساء انفسهن لم يكن يمتلكن رؤية مستقبلية واضحة بسبب الوضع الأمني الخطر، اذ جاء في الشهادة: 'لم يتح لنا وجودنا الدائم في مرمى نيران العدو ترف مسألة استلاب المرأة وقضية تحريرها ورغم ان المسألة طرحت نفسها علينا منذ البداية الا ان الآراء كانت متباينة بين النساء انفسهن'. وهي أشكالية كبيرة ومعقدة عانت منها معظم حركات التحرير الوطنية.

وما هو دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي عرفه العالم وجها للمرأة الفلسطينية؟ هناك الايجابيات والمعوقات المتداخلة في معظم الاحيان. لقد حاول الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في مؤتمره الثاني اضافة قضية الربط بين قضية التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي غير انه لم يبلور برنامجا محددا للقضايا الاجتماعية.

وكان لفرع لبنان، موقعه الخاص بحكم قربه من 'حركة تحرير المرأة العالمية وخاصة تلك التي بدأت تؤكد على اهمية ربط قضايا تحرر المرأة بالقضايا السياسية وقضايا المجتمع. لكن الاتحاد رفض صيغ الحركات الانثوية البحت وخاصة تلك التي ركزت نضالها آنذاك ضد الرجل كونه رأس الهرم البطريركي'. ولم يكن موقف عضوات الاتحاد واحدا من قضية تحرر المرأة وذلك لانتمائهن الى خلفيات ايديولوجية وثقافية مختلفة انعكست بدورها على مسار عمل الاتحاد فاليساريات، مثلا، كن 'يؤمن ان اضطهاد المرأة ثلاثي الابعاد: الاضطهاد الوطني والذكوري نتيجة النظام البطريركي والاضطهاد الطبقي. فيما النساء الليبراليات لم يؤمن بالاضطهاد الطبقي ولا يعني انه ضمن الاتجاهات الليبرالية كان هناك تجانس كامل فهناك من اراد الالتزام بالشرائع السماوية وهناك من اراد فتح باب الاجتهاد بحيث تكون هناك مساواة بالارث بين المراة والرجل. ومما لاشك فيه ان تنفيذ الاتحاد لنشاطات تتعلق باهداف الامم المتحدة لسنة المرأة عام 1975 و'عقد المرأة' في السنين العشر التالية والمشاركة بفعالية مؤتمراتها قد ساهم بتطوير وعي المرأة لقضيتها ولحقوقها وباعطائها صوتا داعما'. ومما يجدر ذكره ان اتحاد المرأة كان الاتحاد الفلسطيني الوحيد الذي تحفظ على اتفاقية اوسلو لاحقا، ويعتز الاتحاد بدوره الهام في صدور اول قرار بادانة الصهيونية كحركة عنصرية وذلك في المؤتمر العالمي للمرأة الذي عقدته الامم المتحدة في المكسيك عام 1975 قبل ان تقره الجمعية العامة للامم المتحدة في العام نفسه.

هنا نصل نقطة حرجة، يطرح فيها سؤال نفسه بموازاة الصعوبات الهائلة التي واجهتها الثورة الفلسطينية سواء من قبل العدو او التدخلات السياسية العربية او الانقسامات الداخلية وتصاعد الفساد، السؤال هو: هل كان بامكان منظمة التحرير اتخاذ خطوات لضمان حقوق المرأة ومساعدتها على التقدم السياسي والتنظيمي فضلا عن المجتمعي؟ اكدت العديد من الشهادات على انه كان بامكان المنظمة ' تشريع بعض القوانين او وضع الاسس لتطبيقها فقط على اعضاء المنظمة بحيث تحفظ بعض حقوق المرأة كتعدد الزوجات، وان كان محدودا او معاقبة مرتكبي جرائم 'الشرف' ورفع سن الحضانة... لكن غياب الرؤية الاجتماعية اضعف من امكانية تعزيز التحولات الاجتماعية الموضوعية وقلل من امكانية دعم تحرر المراة وتحويل المكتسبات الى قوانين. فالقيادة البراغماتية كانت تتفادى ماسماه ابو عمار

'معارك جانبية' او 'مابدي أطفش (أهرب) المقاتلين' كما قالت احداهن او كما علقت اخرى 'عدم رغبة القيادة باستفزاز الرجعيين والمحافظين الذين يدعمون الثورة'. فلا عجب ان تفقد المنظمة، تدريجيا، ثقة المناضلات وابتعادهن عنها. فعدم اتخاذ القرارات العادلة، حتى في أكثر لحظات النضال مع العدو خطورة، غالبا ما يؤدي الى الأحباط وفقدان الثقة بعدالة القضية. اذ ان تحقيق العدالة واتخاذ موقف حاسم من المتجاوزين على الحقوق ليست مسألة خاضعة للتوقيتات التكتيكية. انها مسألة مبدئية لا تقبل التأجيل مهما كانت الذرائع صحيحة في حينها. وتخلص جهان الحلو الى ان 'عملية تحرير المرأة تبقى مجتزأة ومحدودة ولايمكن ان تشمل كافة الجماهير النسائية الا مع تطور المسار التحرري العام، فهي ترتبط عضويا بمسار الكفاح الوطني والمضامين الاجتماعية المرافقة له'.

ان قراءة تجارب حركات التحرر، بنجاحاتها واخفاقاتها، تساعدنا على محاولة فهم مرحلة التحرر العراقية الراهنة. وتعلمنا تجربة المرأة الفلسطينية التي ذاقت طعم الاحتلال والمنفى على مدى عقود، إهمية أن تنتبه الحركة الوطنية للمحتوى الاجتماعي وبضمنه حقوق المرأة وحقوق الانسان وحقوق الأقليات، والتصدي للفساد والظلم، دائما وكمبدأ لا يقبل التأجيل، وعدم تغطيته بأولويات المعركة. لقد أدى تأجيل تحقيق العدالة والسكوت على خروقات الحقوق والفساد المالي والمحسوبية والمنسوبية، الى احتضار العديد من الحركات الثورية والتحررية، أو اختزالها الى هياكل تضاهي في قمعها لمواطنيها العدو الخارجي الذي نشأت لتحاربه. لذلك، تواجه المرأة المنغمرة في جبهة النضال المناهضة للاحتلال والاستعمار، فلسطينية كانت ام عراقية، معوقات جسيمة وان اثبتت السنوات الطوال قدرتها على الصمود ومواصلة النضال لتحقيق هدف واحد، لايمكن تجزئته، وهو ان يتحرر وطنها وتنال حقوقها كاملة.

===================

لكي تحصل على حقوقك المشروعة.. كن فاسدا

محمد بوعبد الله

8/28/2010

القدس العربي

إذا سألتَ بني جلدتك على امتدادِ خارطة الدول العربية من خليجها إلى محيطها عن سياسيي بلدهِ كيف يُمارسون نهجَ الديموقراطية التي يرفعونها شعارا أيامَ حملاتهم الانتخابية، فسيقولُ أمثلُهم طريقة إن أكثرهم لا يسألون الناس إلمامًا بأحوالِهم كما سألوهم إلحافا أول مرة أن يمنحوهم أصواتَهم لِيكونوا لهم نُوابا وعليهم ساسة وحُكاما، فلا ترى لنعمةِ الديمقراطية التي يتبجحون بها ويُبشرون أقواما بها أثرا، ولا تكادُ تسمعُ في أيام حكمهم أو تمثيلهم للشعبِ مما كانوا يقولون من قبلُ صدى، ولعلك تنالُ من مكرهم ودهائهم السياسي كثيرَ أذى دون أن يسمعوا لك صوتا، بل قد لا يأذنُونَ لك أن تجهرَ بحاجتك ولا حتى همسا...

عندما تنظرُ في أعينِ ساستنا ترى فيهم غطرسة وتَكبُرا إلا من رحم ربي، وإذا رأوك صُدفة كما يرون عامة الناسِ بَدوْتَ في أعينهم صغيرا مُنحطا دنيئا مسكينا، لأنهم هم الأعلون يعيشونَ في بروجٍ مشيدة والموتُ غيرُ مدركهم كما يتوهمون، فسبحان الله كيف كانوا يتوَسلُون الناس ويتسولُون أصواتَهم ليدفعوا بهم إلى سُدة الحكم ومنابرِ تمثيلِهم للذودِ عن مصالحِهم، فإذا بهم يُديرون على حينِ غِرة ظهورَهم لمن كانوا قد حَسِبوهم أصحابَ أمانة وصدقٍ ووفاء، وما نُكرانُهم ذاك لِلجميلِ إلا لِينعموا بوقتِهم الثمينِ، وهو وقتُ الأمة وكنزُها المكنون، في قضاءِ مَصالحهم الشخصيةِ ومآربهم الضيقةِ ظلما وجورا مُهملين مصالح الشعبِ وعامة الناس، فهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان.

قد يقولُ قائل: إنك يا هذا تتطلعُ إلى مدينةٍ فاضلةٍ من نسجِ خيالِ فيلسوفِ اليونان أفلاطون، وتسبحُ في بحرِ المثالياتِ الذي لم يَبقَ فيه سوى ملح أجاج قد تبخرت مياهه قبل انقراضِ الديناصورات. وأما جوابُ مِثلِ هذا القولِ فهو لا ريبَ عند الذين أخرجُوا للعالمِ ديموقراطيات من أرحامِ شُعوبِهم (حتى لا نأتي على ذكرِ الخلافةِ الراشدةِ بما نعتقده فيها من رشاد حُكم، وهي اليومَ ليست عيانا للناسِ بمُختلِف مشاربِهم واتجاهاتِهم يَرقُبون أحوالها فيشهدونَ لها بذلك)، فدولُ الغرب على اختلافِ تجاربِ شُعوبِها وتنوعِها لم تستورد الديموقراطية كما فعلَ غيرُهم نصوصًا جامدة ومضامينَ خاوية ليضلِلُوا بها أقوامَهُم أو يحتالوا عليهم، فمن منا لا يتذكر كيف انسحبَ بعضُ وزراء حكومة غوردن براون واحدا تِلو الآخر، حتى بات رأسُ زعيمِ حزبِ العمالِ مطلوبا للاستقالةِ من تسييرِ دفة الحكم في بريطانيا؟

عندما أتحدثُ عن بريطانيا أنموذجا، يحضُرني مثالٌ لم أجدْ لهُ ما يقابلُهُ في عالمنا المتخلفِ ديموقراطيا، فقد رأيتُ مَشدُوهًا ومَشدُودَ النظرِ رَجُلا من ساسةِ القومِ واقفا يُحيط به أناسٌ ممن وَثقوا فيه ومنحوهُ أصواتَهُم، وأدهشني وقوفه وقتا طويلا يستمعُ بإنصاتٍ إلى انشغالاتِ هؤلاءِ يَرُدُ عليها وعليهم ردا جميلا، وخطرَ ببالي كيف يُواجِهُ مسؤولونا بعنجهيةٍ وعُتُوٍ أسئلة الصحافيينَ وهُم يعتلونَ منابرَ تُسقط مفرداتِ التواضعِ من قاموسِ علاقةِ الحاكمِ بالمحكوم، ولكنَّ نائبَ رئيسِ الوزراءِ البريطاني زعيمَ الديموقراطيين الليبراليين يدرك أن مؤيديهِ إنْ هو تواضعَ لهم رفعوهُ وإن استكبرَ عليهم وتكبَّرَ وضعوه وأنزلوهُ منزلة يستحق في أيام معدودات، ولذلك ظلَّ واقفا مسؤولا ولم يَعْتلِ مِنصة شرفٍ وتشريف، فتلكَ مسؤولية تكليفٍ لا يعيها إلا من عاشَ في بيئةٍ من الحكمِ الرشيدِ وشرب من كأس الديموقراطيةِ الحقيقية حتى الثمالةِ من مهدهِ إلى لحدِه، ولم يَنهَلْ من ديموقراطيةٍ زائفةٍ واهيةٍ كأسُها خاوية إلا من فقاعاتٍ تملؤُها شعاراتٌ براقة ليس إلا...

هناك في ذلك البلدِ العظيمِ عِظمَ ثقافته وتقاليدِه الديموقراطية العريقة، لا يَصُدُّ المسؤولون الصغارُ أبوابَ مكاتبهِم في وجهِ المواطنينَ ذوي الحاجةِ التي اقتضتْها المواطنَة والعَقدُ الاجتماعيُّ الذي تواضعَ الناسُ عليهِ واتفقوا، ذلكَ أنَّهم لم يتعلمُوا فنَّ الغطرسةِ والتكبرِ والاستعلاءِ من مسؤوليهم الكبارِ ليكونوا من طينتِهم، فالجميع يُدرك أن إدارة الظهرِ حَبْلًها قصير غير مديدٍ وأنه قد يتقطعُ بهم في أيةِ لحظة، ونقولُ استباقا لكلامِ مَنْ يُخالفونَنا رأيا لا يفسدُ للوُدِّ قضية إنَّ الفسادَ موجودٌ في كل مكانٍ طبعا ونحنُ لا نتجاهلُ ذلك لأنَّ البشرَ ليسُوا ملائكة، ولكن شتانَ بين قومٍ يحيطُ بهم هذا المرضُ والسَّقمُ من كل صوبٍ وحدبٍ وقد بلغَ رقابهُم وأعناقهُم، وقومٍ لا يغترفُ حُكامُهُم ونُوابُهم من عُصارةِ الفسادِ إلا كباسطِ كفيهِ إلى الماءِ ليبلغ فاهُ وما هُوَ ببالغِه.

في بعضِ دُولِنا العربية، يعترفُ الناسُ عامتُهم وخاصتُهم أن سبيلك للحصولِ على حقوقِك المشروعةِ التي تضمنُها المواطنة هي أن تكونَ فاسدا وترضى بالفسادِ وترضى عنهُ مِنهاج حياةٍ وسِياسة، وإن ضاقتْ بك هذه السبيلُ وضِقتَ مِنها احترامًا لشخصك أولا وليس أخيرا، فانتظرْ أن تُحْرَمَ حقك وادعُ ربك أن يُيَسِّرَ لك أمرك ويقضي لك حاجَتَك! وهذا الذي يحدثُ في أهلِ تلك البلادِ ما كان ليُصبحَ قاعدة في أذهانِ الناسِ لولا فراغ القانونِ مِنْ روحه يطالُ الضعيفَ من دون القوي، وكذبِ الساسةِ أكثرِهمِ على أقوامِهِم ليلَ نهارٍ بأحجيةِ الديموقراطيةِ التي كانوا أولَ كافرٍ بها، فتلك عُروشُهُم وقبائلُهم لا ولاءَ منهم إلا لَهَا ولِنزواتِهم التي كانت عليهمْ سُلطانا، وأما الوطنُ فعلى عظمتِهِ أصغرُ عندهم من أن ينالَ منهُم حبا وإخلاصا لأبنائِهِ الذين صدَّقَ أكثرُهم كذبهم، فما كان لَهُم أن يحصُدوا إلا فسادا ليسوا فيه أبدا مُخيَّرين، فإما حياة تحتَ وطأتِه وذلِّه وإما الجحيم بعيدا كل البعد عن مزاياه ومفاتنه.

=======================

لا مرجعية.. ولا شرعية

عبد الباري عطوان

8/24/2010

منذ ان تسلم الرئيس محمود عباس مهامه رئيسا للسلطة الفلسطينية في رام الله، والرجل ينقض تعهداته، واقواله، الواحد تلو الآخر، الأمر الذي دمر مصداقيته، والشعب الفلسطيني بأسره في نظر العرب والعالم على حد سواء.

الرئيس عباس تعهد بعدم الذهاب الى المفاوضات بعد مؤتمر انابوليس في ظل استمرار الاستيطان.. وذهب. وقال انه لن ينتقل من المفاوضات غير المباشرة الى المباشرة الا اذا تحقق تقدم في الاولى، وها هو يستعد لشد الرحال الى واشنطن الاسبوع المقبل دون تلبية اي من شروطه.

لا نعرف كيف يطالب الرئيس عباس بمرجعية للمفاوضات الذاهب اليها، وهو في الأساس بلا مرجعية، وان كانت هناك واحدة، فهو لا يحترمها، ولا يحترم اعضاءها، ولا قراراتها، ولا نبالغ اذا قلنا انه لا يحترم الشعب الفلسطيني وآراءه، هذا اذا اعترف في الاساس بان هذا الشعب موجود.

في الماضي، والقريب منه خاصة، كان الرئيس عباس يلجأ الى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المنتهية صلاحيتها، ولا نقول الى المجلسين الوطني والمركزي على عيوبهما لاستصدار قرار يبرر ذهابه الى المفاوضات والاستجابة للضغوط الامريكية، ولكن حتى هذه الخطوة الشكلية، لم يعد يلتزم بها او يلجأ اليها، وأصبح يقرر وحده مصير الشعب الفلسطيني، ويتفاوض وربما يوقع اتفاق سلام باسمه.

تسعة فقط من اعضاء اللجنة التنفيذية حضروا الاجتماع الاخير، ورغم ذلك قدم لنا تلفزيون 'فلسطين' الرسمي لقطة لغرفة مزدحمة بالمشاركين يترأسهم السيد عباس للايحاء بان النصاب مكتمل، والقرار شرعي، في واحدة من اخطر عمليات النصب السياسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وبصفة مستمرة، هذه الايام.

فاذا كان الرئيس عباس لا يحظى بدعم الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني، وبقايا جبهتي التحرير العربية، والفلسطينية، علاوة على فصائل دمشق العشرة، ومن بينها حماس والجهاد الاسلامي، والقيادة العامة، ومعظم حركات المقاومة في قطاع غزة، وفوق هذا وذاك المنتدى الاقتصادي الفلسطيني (الكومباردور او نادي رجال الاعمال) فمن الذي يحظى بدعمهم اذن؟ ويذهب لتمثيلهم في هذه المفاوضات؟

' ' '

بعد يوم من الموافقة على الذهاب الى واشنطن، جرى تسريب انباء عن غضب الرئيس عباس من بيان السيدة هيلاري كلينتون التي اكدت فيه ان المفاوضات ستتم دون اي شروط مسبقة، مرددة حرفيا مطالب بنيامين نتنياهو، وقيل ان ثورة غضبه هذه هدأت بعد مكالمات (اختلفت التسريبات حول عددها) من الخارجية الامريكية، ليخرج علينا الدكتور صائب عريقات بالقول إن الرئيس عباس لن يعود الى المفاوضات اذا ما جرى بناء حجر واحد في اي مستوطنة اسرائيلية.

الدكتور عريقات ينسى جميع 'اللنات' السابقة (جمع لن النافية والناصبة) والتي كان آخرها قبل ايام معدودة، ولم يجف حبرها بعد، حول الشروط الفلسطينية، ويمكن العودة اليها، وعلى لساني الرئيس عباس والدكتور عريقات، بالصوت والصورة، على موقع 'اليوتيوب'.

فلم يحدث ان عمرت اي 'لن' فلسطينية اكثر من ايام، واحيانا ساعات معدودة، لتستبدل بكلمة 'نعم' كبيرة ملحقة بمسلسل طويل من الشروحات والتبريرات الساذجة وغير المقنعة بالتالي.

فليس صدفة انه في كل مرة يقرر الرئيس عباس التراجع عن شرط من شروطه، أو كلها، والعودة الى المفاوضات، تتأخر رواتب الموظفين في السلطة (160ألف موظف) ونقرأ تقارير مطولة حول العجز في الميزانية وضخامته، والتهديد بعدم دفع رواتب الاشهر المقبلة، اذا لم تؤخذ المطالب الامريكية بعين الاعتبار.

أخطر 'انجازات' السلطة يتمثل في تحويلها ابناء الضفة وجزءاً من القطاع الى 'عبيد الرواتب' واخضاعهم لعملية 'ابتزاز' شهرية في هذا المضمار. وما نخشاه ان تؤدي هذه العبودية الى التنازل عن كل فلسطين او ما تبقى منها.

' ' '

أخطر 'انجازات' السلام الاقتصادي ومنظريه ومنفذيه، والسلطة التي تتبناه، هو مسح فصل مشرف من تاريخ الشعب الفلسطيني، وهو مرحلة ما قبل مجيء السلطة، عنوانه الابرز 'الخبز مع الكرامة'.

فالجيل الجديد من ابناء الضفة لا يعرف الانتفاضة، ولا اي خيارات اخرى للشعب الفلسطيني غير المفاوضات لاستمرار الحصول على المرتب آخر الشهر. الجيل الجديد لا يعرف ان اوضاع آبائه قبل مجيء السلطة كانت افضل كثيراً من الوضع الراهن، حيث كانت الأمور واضحة: احتلال اسرائيلي وشعب يقاومه بشراسة.

الآن هناك احتلال، ووكلاء محليون له، يسهرون على أمن (مستوطنيه وراحتهم) ويتصدون بشراسة لأي من يتطاول عليهم، او يحاول ازعاجهم حتى من خلال الأذان او ترتيل آيات من الذكر الحكيم عبر مآذن المساجد. رأينا قوات الأمن الفلسطينية تشكل امتداداً للأجهزة الامنية الاسرائيلية، وتنسق معها ضد شعبها او فئة منه تفكر بالعودة الى ثوابت ما قبل السلطة، وشاهدنا وزيراً للاوقاف يصدر 'فتاوى' تلبية لمطالب المستوطنين وليس للتحريض على مقاومة الاحتلال مثلما يقتضي الشرع والمنطق.

نتنياهو يكذب على الجميع، عرباً كانوا او امريكيين، ولكنه لا يكذب، بل لا يجرؤ على الكذب على حلفائه في الائتلاف الحاكم، او على الاسرائيليين، لان هناك من يحاسبه ويحصي عليه انفاسه، ويسحب الثقة بحكمه اذا لم يلتزم بالبرنامج الانتخابي الذي اوصله الى سدة الحكم، بينما ليس هناك من يحاسب الرئيس عباس، او يذكره ببرنامج انتخابي او يسحب الثقة من رئاسته، فقد انتهت هذه الرئاسة منذ عامين، ولم يتغير اي شيء، وما زال الرجل يتصرف وكأن الشعب الفلسطيني انتخبه بالاجماع ويتمتع بتفويض ابدي مفتوح.

' ' '

البيت الأبيض يعرف هذه الحقائق جيداً، مثلما يعرف تفاصيل عملية اتخاذ القرار في السلطة، والمحيطين بالرئيس ونقاط ضعفهم واحداً واحداً (لا نقاط قوة لديهم)، ولذلك يمارس ضغوطه، او يصدر اوامره وهو مطمئن للتجاوب معها فوراً دون اي 'ولكن' او تردد.

نحن امام 'مجزرة' سياسية جديدة للقضية الفلسطينية، واذلال جديد للسلطة، وسط مباركة من بعض قادة الاعتدال العرب سيجد الرئيس عباس نفسه في معيتهم في واشنطن، ربما لتشجيعه لكي تكون مصافحته لنتنياهو اكثر حرارة امام عدسات التلفزة التي ستكون حاضرة في واشنطن لتسجيل وبث هذا الاختراق الكبير في عملية السلام.

لن نضيف جديداً اذا قلنا ان هذه المفاوضات لن تتمخض عن تسوية عادلة او غير عادلة، لان كل هذا العرض هدفه تهيئة المسرح لحرب اخرى، ضد بلاد اسلامية اخرى، مجتمعة او منفردة، تتصدر جدول اهتمام الادارة الامريكية وحليفتها اسرائيل.

اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، قال انه ذاهب الى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي انعقد للتغطية على تدمير العراق وقتل مئات الآلاف من ابنائه، للتفاوض مع العرب لأكثر من عشرين عاماً قادمة دون تقديم اي تنازل لهم عن اي شبر من ارض اسرائيل الكبرى.

من المفارقة ان ذراع شامير الايمن في مؤتمر مدريد كان نتنياهو. 'نبوءة شامير تحققت' فبعد عام تقريباً تدخل مفاوضات السلام بين العرب والاسرائيليين عامها العشرين، والنتائج على الارض معروفة للجميع ولا تحتاج الى شرح.

نتنياهو سيواصل السير على درب استاذه ومعلمه شامير، وسيحقق ما يريد طالما ان 'عبيد الرواتب' قبلوا بالسلام الاقتصادي، وفضلوا الخبز على الكرامة، ونسوا او تناسوا انهم ابناء اعظم انتفاضة في التاريخ الحديث.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ