ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 25/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

في رمضان.. أين هي قصة الإسلام والمسلمين؟

بثينة شعبان

الشرق الأوسط- الاثنين 23 اغسطس 2010

الضجة التي أثارتها الصور التي نشرتها الجندية الإسرائيلية إيدن أبيرغيل وهي تتباهى كجلادة لسجناء من المدنيين الفلسطينيين المقيدين والمعصوبة أعينهم، تذكّر مرة أخرى أن نوعا جديدا من الحروب الغربية بدأ يحتل مكانه ضد شعوبنا المسلمة إلى جانب الحروب التقليدية المعروفة منذ شنت أوروبا حروبها لاحتلال فلسطين باسم العودة «للأرض المقدسة» وحتى تاريخ الاحتلال الاستيطاني باسم العودة إلى «أرض الميعاد». ففي عنوان إحدى المقالات عن الموضوع نقرأ: «صور لجندية إسرائيلية سابقة، ثقافة الشباب وقواعد الحرب في صدام» (كريستيان ساينس مونيتور 17 أغسطس «آب» 2010) بقلم دان ميرفي. وفي عنوان فرعي توضيحي يتم التأكيد على أن صور الجندية أبيرغيل على صفحتها الإلكترونية مع سجناء فلسطينيين خرقت قواعد الجيش الإسرائيلي والقواعد الدولية التي تحكم تصوير المعتقلين. الجندية أبيرغيل لم تعرف ما هو وجه الخطأ في نشر صور «تذكارية» أخذتها، كعادة جنود الاحتلال، مع المعتقلين من المدنيين الفلسطينيين وهم مقيدون ومعصوبو الأعين. أما دوائر الحرب العالمية فقد وجدت في هذا «الحادث» تذكيرا «بالصعوبة التي تواجهها جيوش العالم (الغربي والمعتدي دوما) للتحكم بتدفق الصور والمعلومات في عصر ال(يوتيوب)، وال(ويكيليكس)، والكاميرات الرقمية». و«الحادثة» هذه تذكير بفضيحة نشر صور تعذيب المدنيين العراقيين على يد جنود «الديمقراطية الأميركية» في أبو غريب وغوانتانامو وعشرات السجون السرية التي يمارس فيها جلادو «العالم الحر» شتى أنواع التعذيب ضد الأبرياء المختطفين «المشتبه» بهم. ومؤخرا تسريب ال«ويكيبيديا» لآلاف الوثائق عن جرائم الإبادة التي تمارسها قوات الناتو ضد المدنيين العزل في أفغانستان وتبعات ذلك على القرارات التي يتخذها كل من البنتاغون والبيت الأبيض والكونغرس.

 

نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية افتتاحية بعنوان «حرب الويكيبيديا» (18 أغسطس 2010) حيث قررت مجموعتان صهيونيتان إقامة دورات تدريبية لتحرير النصوص في ال«ويكيبيديا»، «بهدف إظهار الجانب الآخر من الحدود والثقافة»، أي أن الجانب الإسرائيلي كعادته يريد التحكم بأخبار جرائم التعذيب والاغتيال والقمع الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين كي يتعذر على العالم حتى استشفاف حقيقة ما ترتكبه إسرائيل في فلسطين من تطهير عرقي، وتهجير قسري، وهدم منازل المدنيين، وقتل، وتعذيب، وإذلال السكان الأصليين. ذلك لأن فضاء المعلومات المنفتح، ورغم محاولة الصهاينة الإمساك بزمامه، بدأ يفضح جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية في فلسطين.

 

نشرت جريدة «هآرتس» الإسرائيلية في 19 أغسطس 2010 نتائج استطلاع للرأي يرى أن نصف الأميركيين اليوم يعتقدون أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو غير ملتزم بالسلام، وأن موقع إسرائيل في ألمانيا وفرنسا والسويد آخذ بالانحدار. كما أن نتائج استطلاع مؤسسة الزعبي في جامعة ميريلاند قد دفعت مراكز الأبحاث الأميركية للتفكير والقلق على مستقبل منطقة ما زال البعض لديهم وهم بأنهم يمسكون بزمام الأمور فيها وقادرون على تحريك دفة المستقبل. وفي تحليل لهذه النتائج يقول هيربرت لندن في مقال: ماذا نفكر وماذا يعتقد العرب (18 أغسطس 2010)، إنه «رغم المساعدات والاسترضاء الدبلوماسي ومحاولات التفهم الثقافي، فإن الكراهية لإسرائيل والغرب على أشدها. والأرقام ترى أن الظروف ليست آخذة في التحسن. هناك نقص في التعاطف مع الديمقراطية والليبرالية وجاذبية متصاعدة للتيارات الإسلامية لدى مقارنتها مع تيار القومية العربية».

 

لندن وأمثاله لا يحاولون أن يقرأوا مثلا ما نقرأه نحن عن المرتزقة الأميركيين الذين يرتكبون جرائم القتل والتعذيب باسم «المتعاقدين» في أفغانستان والعراق (جريدة «الغارديان» 16 أغسطس 2010) التي ترى أن هناك أكثر من 112 ألف مرتزق (متعاقد) يعمل مع الجيش الأميركي حاليا في أفغانستان، وأكثر من 95 ألف متعاقد (مرتزق) في العراق، وهؤلاء من صنف جلادي شركة «بلاك ووتر» سيئة الصيت التي كشفت عن فضائح التعذيب «الديمقراطية» و«الليبرالية» في سجن أبو غريب في العراق.

 

إن الوجه الإيجابي للثورة الإعلامية والرقمية اليوم، هو أنه أصبح من الصعب جدا على الحكومات إخفاء الحقائق عن حروبها الوحشية، وعن جرائم التعذيب مهما كانت سرية، وأخذ التسريب يقلق ضباط جيوش الاحتلال الذين يتحكمون بهذه الجرائم. ولذلك يسعى دعاة «الديمقراطية» و«الليبرالية» هؤلاء إلى وقف تسرب أو تدفق المعلومات، أو محاولة «تحرير» هذه المعلومات، أي إعطاء الوجه «المقبول» الذي يريدونه منها، وإخفاء الوجه الوحشي الذي لا يرغبون بإظهاره. وتدل نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة الزعبي، على أن شعوبنا لم تعد تأخذ بالترويج «للديمقراطية» الغربية، أو تؤمن بالشعارات المزيفة التي يروج لها الغزاة لإحكام قبضتهم على ثرواتنا. ولكن هذا التحول يمكن أن يكون أسرع وأكثر كفاءة لو أن الجانب العربي والمسلم دخل هذا المجال، أي خوض هذه الحرب المعرفية بتخطيط وتصميم واقتدار. فالحرب الدائرة اليوم هي بين قوى القمع والقتل والتعذيب والاستيطان الصهيونية وحلفائها في الغرب، وبين أصحاب الضمائر الحرة في الغرب نفسه الذين يحاولون إلقاء أضواء على حقائق ما يجري من جرائم باسمهم في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام.

 

وإذا أخذنا هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان الكريم، مثالا على هذا التحدي، فإننا نرى أن الخطابات المنمقة التي يطلقها قادة الغرب في هذا الشهر تهدف إلى إخفاء حقيقة نظرتهم العنصرية للمسلمين وتشويه صورتهم ودينهم وقرآنهم ومعتقداتهم. ولا يملك المرء إلا أن يستشيط غضبا وهو يقرأ النص الذي أصدره رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وهو المعروف بتطرفه العنصري وبوحشية إجراءاته القمعية ضد المدنيين، حين قال: «يبدأ هذا الشهر الهام وسط محاولات لإنجاز مباحثات سلام مع الفلسطينيين وتعزيز واقع السلام مع جيراننا العرب». الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته، أرسلا «تحية» إلى العالم الإسلامي حيث قال أوباما، وهو رئيس دولة ما زالت جيوشها ومرتزقتها تشن الحروب في أرجاء منطقتنا وترتكب جرائم قتل المدنيين ودعم الإرهاب الإسرائيلي، إن رمضان يذكره «بالمبدأ المشترك بيننا وبدور الإسلام في تعزيز العدالة والتقدم والعيش المشترك وكرامة كل البشر».

 

أولم يرسل ديننا مبشرين بالإسلام في عصر كانت الاتصالات به في غاية الصعوبة بحيث أشرقت شمس الإسلام من مكة إلى أرجاء المعمورة، فماذا بنا اليوم في العصر الرقمي والمعلوماتي نصمت عن احتلال عنصري بغيض يدنس المقابر، ويهدم المنازل، ويزيل القرى بأكملها، ويدهس الأطفال، ويعتقل النساء ويشرد الأسر، ويجرف الأراضي، ويقطع أشجار الزيتون، وينهب المياه ويزور التراث.

 

أين هي الأقلام العربية والمسلمة، التي من واجبها اليوم تشكيل مرجعية معلوماتية عما يجري بحيث لا نسمح لحفنة من الصهاينة إدارة حرب المعلومات والتغطية على جرائمهم، بينما يقبع أهلونا وإخوتنا وأحباؤنا في سجون مهينة لاحتلال بغيض. في هذا الشهر الكريم من واجب المسلمين جميعا ليس التفكير في الفقراء والمحتاجين فقط، بل الجهاد بالكلمة الحرة، والمعلومة الصحيحة، والصورة، لرفع الظلم المعيب عن أهلنا في فلسطين وغيرها.

==================

كلمات عن الإسلام والأصولية

ميشيل كيلو

السفير

23-8-2010

رغم أنه آخر الأديان السماوية، وأكثرها قطعا مع ما شاب غيره من التباس في فهم الله، وإبرازا لمركزيته في منظومته العقدية، وتركيزا على تعاليه وتجرده عن كل ما هو بشري أو دنيوي، فإن الإسلام بقي دين تواصل وتكامل مع الأديان السماوية الأخرى من جهة، ومع الواقع، في بعديه الراهن والتاريخي من جهة أخرى.

قدم الإسلام فهما فريدا هو نسيج وحده لهويته الخاصة: صحيح انه «الدين الحق»، إلا أنه لا يقتصر  في الوقت نفسه  على ما أنزل على سيدنا محمد، بل يشمل صحيح الأديان السماوية الأخرى، الذي يرى فيه جزءا أصليا، تكوينيا، من رسالة إلهية / كونية، سبق بعضها نزول الوحي على الرسول العربي. بهذا الفهم التواصلي / التكاملي، لم يأت الإسلام ليجبّ ما قبله من أديان، كتابية كانت هذه أم غير كتابية، وإن لم يقبل كل ما جاءت به، وأفرد مكانا خاصا في دعوته لرسالتها التوحيدية، ولدعوتها إلى عبادة الله ومكارم الأخلاق ورعاية البشر بما هم مخلوقات الله، فضلا عن الإيمان باليوم الآخر وبمقولة الثواب والعقاب. بانطلاقه من نظرة تقوم على التواصل والتكامل مع الأديان الأخرى، أمر المؤمنين بإجلالها والإيمان والعيش في سلام مع أتباعها، واعتماد ما قالته كتبها المقدسة بوصفه «قولا حقا» هو أيضا دليل على صحة ما بين أيديهم من دعوة محمدية ورسالة إلهية.

دمج الإسلام صحيح المسيحية واليهودية في دعوته ورسالته، واعتمد، بعد التدقيق والتصحيح، قصصا أورداها ورموزا قدماها، أعلى هو من شأنها وعظمها وكرس بعض نصه الإلهي لشخوص بعينهم بلغ تكريمها الذروة في سورة مريم، المخصصة لأم سيدنا عيسى، ليس في الإنجيل ما يماثلها من تعظيم لشأن العذراء، «سيدة نساء العالمين»، ومن وصف لحالها وشخصها وظروف حملها وولادتها، ووصف لمن أنجبته، فالسورة نص إلهي خلدهما وأدخل حبهما وإجلالهما إلى قلوب المؤمنين، الذين يتقربون منهما بالدعاء والرجاء وإطلاق اسمهما على بناتهم وأولادهم، على أما أن تشملهم العذراء بعطفها فيكن جديرات بحمل اسمها المبارك. باعتماده هذه القصص، وما قدمه حولها من قراءات دينية ونفسية وفلسفية، وبحواره معها، جعل الإسلام الفصل بينه وبين الأديان السماوية الأخرى، أو وضعه في مواجهتها، أو استخدامه لنفيها أو الإقلال من أمرها وأهميتها، كفرا ومعصية وخروجا عليه هو نفسه، رغم أنه قال كلمته صريحة حولها، ووضعها حيث رأى من تطور الفكر الديني والوحي الإلهي، فصار برعايته لها وما اعتمده من صحيحها كلمة الله الأخيرة إلى عباده، وكتب لها بفضله البقاء والرعاية، ليس فقط لأنه أوصى بعدم المس بأتباعها وبكتبها المقدسة، وإنما كذلك لأنه نهى عن إخراجها من نسيجه، أو فصلها عنه، فأتاح لها الدوام ما ظل هو باقيا، والاحترام ما بقي أتباعه مخلصين لرسالته.

يوصلنا هذا إلى مسألة راهنة يجب الوقوف عندها، تتصل بالتعارض الذي يقيمه الأصوليون عامة، وغلاتهم خاصة، بين الإسلام وبين بقية الأديان السماوية، بذريعة ترى أنه آخر الأديان وأكملها، فلا بد من أن يكون قد جبّ وألغى ما قبله، ولا مفر من اعتبار أتباع الأديان الأخرى، الذين لم يلتحقوا به بوصفه «الدين الحق»، كفرة يتنكرون لكلمة الله الأخيرة، التي نزلت في أبهى صورها على سيدنا محمد، وكان عليهم، لو كانوا مؤمنين حقا، الإيمان بالدين الذي حملها، والتسليم بما فيها من سمو وكمال على ما عداه من أديان. ليست هذه الدعوة إلى القطيعة بين الأديان من الإسلام، لسببين:

 تعارضها مع حقيقته، التي دمجت بنصوص صريحة بعض مقولات ومعتقدات الأديان الأخرى في رسالته وعقيدته، فجعلت غير المسلم مسلما وإن بصورة غير مباشرة وجزئية، وفرضت ضرورة التسامح مع معتقداته الخاصة، بما في ذلك القسم الذي ليس من صحيح دينه، الذي كان للدعوة المحمدية رؤية وفهم مغايران لرؤيته وفهمه، وقصص تختلف في سردها وقراءتها عن سرده وقراءته. لم تقل الرسالة النبوية بالقطع مع الأديان الأخرى، بل قالت بضرورة تفهمها وإبداء التسامح حيالها  من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر  ورأت فيها عناصر من إسلامية كونية سبقت نزول الدين الحنيف ومهدت لقدومه. إلى هذا، ليس من الإسلام استبعاد أديان نزلت على أنبياء هم أخوة ،كما ورد في حديث شريف صحيح (إنما الأنبياء إخوة). وإذا كان الرسول (ص) قد وصل إلى درجة الحرب في علاقته مع يهود المدينة، فإنه لم يحارب في أي وقت اليهودية كدين، وحارب الذين حاربوه من أتباعها. صحيح أن الإسلام قال رأيه في اليهودية، إلا إنه لم يدنها أو يتعرض لها كدين سماوي وكتابي، ودعا إلى الإيمان بالصحيح منها، انطلاقا من دعوته التي تدمج ما هو صحيح منها فيه.

 تعارضها مع الممارسة النبوية خلال حياة الرسول، والإسلامية بعد موته. هناك رواية عن سؤال طرح على سيدنا محمد حول من سيدخل الجنة من الناس. تقول الرواية، إن كانت صحيحة (وهي على الأرجح صحيحة) إن سيدنا محمدا لم يترك إنسانا لم يدخله الجنة : هذا لإيمانه، وذاك لعمله الصالح، وذلك لأنه مات قبل أن يدرك الإسلام، فلا ذنب له في كفره أو شركه بالله ... الخ. هذا هو الإسلام، دين تسامح وتواصل وتكامل، حقق رسالته بالحوار مع مخالفيه في العقيدة والدين، وحملها إلى أقاصي الأرض داعيا إلى عمارتها ككون سخره الله للإنسان، خليفته في الأرض، الذي يتساوى أمام خالقه في إنسانيته كمخلوق، بحسب معايير تتصل بالإيمان والعمل الصالح، يفتقر الكافر أو المشرك إلى أولاها (الإيمان)، لكنه قد لا يفتقر بالضرورة إلى ثانيتها (العمل الصالح)، لذلك يمكنه أن ينعم بدوره برحمة الله ومغفرته .

التواصل والتكامل هذان في النص فرضا التواصل والتكامل في الممارسة: في علاقات المسلمين بغيرهم من المؤمنين، الذين يأمرهم الله أن يكونوا «إخوة»  إنما المؤمنون إخوة ، و«كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا». وأنتج سياسة قامت على رعاية المؤمنين بغض النظر عن ديانتهم، فمنع سيدنا عمر تغيير أنماط الإدارة الدينية والمدنية في الأراضي المفتوحة، وأبقى على علاقات الملكية السائدة فيها، وأمر الفاتحين بالبقاء خارج حواضر البلدان المفتوحة، وبإبقاء كل شيء على حاله من أمورها. وكان سلفه، أبو بكر، الخليفة الراشدي الأول، قد أمر قادة جيشه باحترام مدونة تضم مصفوفة متنوعة جدا من النواهي والأوامر عليهم الالتزام ببنودها وتطبيقها خلال وبعد دخولهم إلى المناطق المفتوحة، تصون أملاك سكانها، وتبقي على عاداتهم وحرياتهم وأشخاصهم، وتحترم معتقداتهم ورهبانهم وأديرتهم وصلبانهم ونساءهم وأطفالهم وشيوخهم وحتى أشجارهم، لترك كل شيء على حاله بعد الفتح. ومن الثابت تاريخيا أن سكان سوريا ظلوا مسيحيين في أغلبيتهم بعد مرور قرابة نيف وقرن على دخول الإسلام إليها، وأن الدين الجديد لم يجبر أحدا على اعتناقه، رغم أنه حرر المسيحيين من الظلم، وخاصة الديني منه، الذي نجم عن صراع مذاهبهم الدموي، وعن تسييس الدين بربط الإخلاص لوحدة الامبراطورية بالامتثال لقراءته الرسمية، التي كثيرا ما فرضت بحد السيف، بينما تعرض من خالفها من مسيحيين لاضطهاد شديد، دنيوي وديني، حتى أن مطران حمص، الراغب في نهاية الانقسام الديني والمظالم الناجمة عن سياسة فرض عقيدة واحدة، قال جملة عكست رأي مسيحيي سوريا في فتح إسلامي/ عربي وضع حدا لآلامهم: «ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب». إلى هذا، لم يجد المسلمون سببا، في دينهم أو سياستهم، يسوغ اضطهاد أبناء عمومتهم من عرب المناطق المفتوحة، الذين سارعوا إلى الترحيب بهم، وساعدوهم على طرد الغرباء ورأوا فيهم أخوة ومحررين.

لا تراعي الأصولية طابع الإسلام التكاملي/التواصلي، ولا تقره على تسامحه، الذي تجلى في أكمل صوره يوم فتح مكة، عندما جعل الرسول كل من دخل الكعبة، أو بيت أبي سفيان  رأس الشرك وعدو الدين الحنيف  أو داره آمنا، بعد أن سأل المكيين: ماذا تظنون أني فاعل بكم، كأنه أراد الاستماع إلى رأيهم كي لا ينفرد برأي، وهو النبي الحكيم. بتضييع هذا الجوهر، تضيّع الأصولية جزءا من هوية الإسلام وماهيته، وتاريخا من التعايش والتآلف في دنيا العرب والإسلام، وتحول الدين الأكثر إنسانية، الذي لم يفرض عقيدته على الذين لم يقبلوها طوعيا، إلى ما يقوله أعداؤه عنه كذبا وبهتانا: دين عنف ودم.

عاش الدينان السماويان الكتابيان بأمان في رحاب الإسلام، وتعايش المسلمون مع أتباعهما، وحاوروهم بالتي هي أحسن، فتخطيا صروف الدهر ومحن الأيام، التي عرفتها منطقتنا، بما في ذلك حرب الفرنجة. يرجع هذا أيضا إلى إيمانه بأن سنة الله في خلقه أن يبقى البشر مختلفين إلى ما شاء الله  لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين !

============================

عن المشكلات التي صنعها الانسان!

المستقبل - الثلاثاء 24 آب 2010

العدد 3750 - رأي و فكر - صفحة 22

مراجعة: مأمون كيوان

ثمة عوامل طبيعية تسهم في التغير المناخي، يأتي في مقدمها الاشعاع الشمسي اذ يقدر التأثير الاشعاعي الناجم عن التغيرات في الاشعاع الشمسي منذ عام 1750م. بنحو 0,3وات/م2 وقد حددت معظمه خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ومنذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر بدأ الانسان يؤثر في تغير المناخ. فقد أدى حرق الوقود الأحفوري والكتلة الحيوية الى إصدار غازات ومعلقات تغير من تركيب الغلاف الجوي. وهناك الاصدارات من غازات الكلوروكربون والفلوروكربون وغيره، التي لا تؤثر على قوى الاشعاع، لكنها تستنفد اوزون الستراتوسفير. ويؤثر استخدام الأراضي للبناء والزراعة والغابات على المواصفات الفيزيائية والحيوية لسطح الأرض، وتؤثر هذه التغيرات على قوى الاشعاع، التي تؤثر بدورها على تغير المناخ.

وهناك خيارات لتحديد تأثيرات الطاقة على المناخ تتمثل في التالي:

1  ترشيد استهلاك الطاقة الذي يتعلق بالسعر الذي تؤمَّن فيه للجمهور. فيجب ان يعتمد التسعير على مبدأ الحفاظ على الطاقة، ومنع الهدر، ومعاقبة المبذر، ويعني هذا تأمين الحد الأدنى من الطاقة لقطاعات واسعة من الناس، لتوفير حياة كريمة ومريحة لهم، وزيادة سعرها مع ارتفاع نسب الاستهلاك، ويتطلب هذا توعية الناس، بأهمية ترشيد الطاقة للاسباب الاقتصادية والبيئية ايضاً، عن طريق وسائل الاعلام المختلفة والتعليم والتدريب، ويجب التفكير بتغيير اسلوب الحياة الذي ساد لعقود عديدة، والذي يقوم على ثقافة الاستهلاك بأي ثمن دون النظر الى العواقب البيئية.

2  التحويل من الفحم الحجري والنفط الى الغاز الطبيعي وهي من وسائل التخفيف من الاحتباس الحراري. وتدعى عملية التحول من وقود صلب الى وسائل ثم الى غاز بعملية ازالة الكربون.

3  خزن الكربون وتصريفه إذ يتم صرف ثنائي اكسيد الكربون عن طريق امتصاصه من قبل النباتات، وتحويله بواسطة الطاقة الشمسية القادمة من أشعة الشمس الى نسج في عملية تدعى بالتمثيل اليخضوري. وهذا ما يدعو الى الاهتمام بالتشجير، والحفاظ على الغابات.

4  الطاقة النووية: عاد الاهتمام بهذه الطاقة من جديد بسبب الاحتباس الحراري، وعدم استقرار اسعار النفط، ومن مزايا الطاقة النووية الرئيسة: انخفاض اللفة التشغيلية بسبب كمية الوقود النووي البسيطة اللازمة للتشغيل، وانخفاض الكلفة الكلية على مدى عمر المحطة مقارنة بالنفط أو الفحم الحجري. وعدم اصدار الغازات الملوثة للبيئة المحلية وغازات الاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ. وارتفاع كفاءتها التي ازدادت من 78% الى 90%، وتأمين حمل اساس موثوق وثابت لشبكات التوزيع الكهربائية وتعرضها لأعطال قليلة. وصيانة طارئة، مما اطال عمر المحطة من 20 عاماً الى 40 عاماً.

5  التوسع في استخدام الطاقات المتجددة التي تعد مصدراً لا ينضب للطاقة، وهي طاقات نظيفة لا تسبب تلوثاً يذكر للبيئة، منها: الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وقد خلص سعد الدين خرفان مؤلف كتاب تغير المناخ ومستقبل الطاقة المشاكل والحلول، الذي يتكون من مقدمة وعدد من الأجزاء، الى انه يتبين لنا مما تقدم ان لتغير المناخ تأثيراً كبيراً على خيارات الطاقة في المستقبل في الدول المتقدمة وفي الدول النامية، ففي الدول المتقدمة التي تستهلك من الطاقة مقداراً اكبر بكثير بالنسبة للفرد من الدول النامية تعد الطاقة المصدر الرئيسي لغازات الدفينة، والمسبب الأكبر لظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، ولذا فهي تتحمل المسؤولية الرئيسة في معالجة هذه الظاهرة ونتائجها، ليس بالنسبة لدولها فقط، وانما بالنسبة للعالم ككل. وقد اعترفت هذه الدول بمسؤوليتها عن ذلك، وخاصة عن طريق التعهدات التي قطعتها على نفسها ووافقت عليها في بروتوكول كيوتو باستثناء الولايات المتحدة الاميركية. يتضمن هذا البروتوكول تعهداً يخفض الاصدارات من غازات الدفينة الى اقل مما كانت عليه عام 1990 وذلك بحدود عام 2015.

أما مجموعة الدول النامية، فهناك حاجة لدعم هذه الدول عن طريق تحسين كفاءة الطاقة، وترشيد الاستهلاك، واستخدام التقانات الحديثة في الطاقات المتجددة، وعلى الأخص طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الفضلات والكتلة الحيوية. ولا بد من مساعدة الدول المتقدمة في هذا المجال على ذلك، ونقل التقانة اللازمة وبناء القدرات وتوفير رؤوس الأموال.

وفي نموذج تغير المناخ في سورية، يشار الى معوقات تنفيذ اتفاقية المناخ في سورية، ومنها نقص المشاريع البيئية، وقلة الامكانات المخصصة لها، وغياب التنسيق، وعدم توفر قواعد البيانات، وضعف الوعي البيئي.

ويبدو مما عرضه المؤلف حالة اللاتوازن بين العوامل الطبيعية والعوامل البشرية في تغير المناخ، وأن الحد الأقصى لمردود الحلول المقترحة لمواجهة التغير المناخي محفوف بالتكهنات وعدم اليقين، وهذا ما تؤكده سيناريوهات تغير المناخ المحتملة.

[ الكتاب: تغير المناخ ومستقبل الطاقة - المشاكل والحلول

[ الكاتب: د. سعد الدين خرفان

[ الناشر: وزارة الثقافة السورية  الهيئة السورية العامة للكتاب دمشق 2010

===================

ضياع المشروع الفلسطيني بين التهافت والمزايدة

الثلاثاء, 24 أغسطس 2010

ماجد كيالي *

الحياة

من الطبيعي أن يثير ميل القيادة الفلسطينية للاستمرار بالعملية التفاوضية، على رغم النتائج العقيمة التي أودت إليها على ضوء التجربة الماضية، وعلى رغم انسداد أفقها في الظروف الراهنة، كثيراً من علامات الاستغراب والاستفهام.

لكن ما يجب توضيحه هنا أن ثمة عوامل عدة تدفع نحو هذا الخيار ضمنها ارتهان هذه القيادة لهذه العملية بالذات، وعدم امتلاكها الإمكانات المناسبة لتوليد بدائل مغايرة عنها، وهيمنة المعطيات الدولية والإقليمية والعربية التي لا تسمح أصلاً بمغادرتها؛ في واقع بات فيه السلام بمثابة خيار استراتيجي ووحيد للنظام العربي. وما يجب إدراكه، أيضاً، أن هذه القيادة، بوضعيتها كسلطة، باتت معنية بتأمين الموارد اللازمة لتأمين مقومات الحياة في الإقليم الذي تديره، وهي موارد تأتي أساساً مما يسمى «الدول المانحة»، أو «الدول الراعية لعملية السلام»؛ على ما في ذلك من تضمينات سياسية.

مع كل ذلك ثمة عاملان آخران، على غاية في الأهمية، يعزّزان ويسهلان هيمنة الخيار التفاوضي في الساحة الفلسطينية (بغض النظر عن عدم جدواه!)؛ في ظل المعطيات السائدة. العامل الأول، ويتمثل بغياب المجال العام السياسي والمجتمعي عن التقرير بالشؤون السياسية المصيرية. وكما هو معلوم فإن هذا المجال جد ضعيف وممزق ومهمّش، لا سيما أن الفلسطينيين يعيشون في ظروف قاهرة، إما تحت سلطة إسرائيل، في ظل الاحتلال والحصار والتمييز العنصري (في الضفة وغزة ومناطق 48)، أو يعيشون كتجمعات منعزلة عن بعضها، لا تتمتع بالقدرة على تقرير أوضاعها، في بلدان اللجوء والشتات. أما من الناحية السياسية فإن الحركة الوطنية الفلسطينية، على رغم تجربتها الغنية، لم تستطع التحول إلى حركة تمثيلية ومؤسسية تعبر عن تطلعات مجمل تجمعات الفلسطينيين، وتتمثل مختلف تلاوينهم السياسية (لأسباب موضوعية وذاتية أيضاً). ولعل هذا يفسّر غياب المجلس الوطني الفلسطيني، وتحول المجلس المركزي لمجرد منبر لإعلان البيانات والقرارات، وتهمش اللجنة التنفيذية التي باتت أقرب إلى ديكور في المشهد السياسي الفلسطيني، بعد تركّز الفاعلية السياسية في السلطة. كما يفسر ذلك موات المراكز والمؤسسات والهيئات التي أسهمت في إغناء الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ انطلاقتها، وأضفت الحيوية عليها، من مثل مراكز الأبحاث والتخطيط والدراسات والإعلام، وكذا المنظمات والاتحادات الشعبية، التي بالكاد ثمة من يتذكرها. في ظل هذه الأحوال يبدو من الطبيعي أن «تتمتع» القيادة الفلسطينية بنوع من «استقلالية» عن مجالها الاجتماعي (تماماً مثل غيرها من الأنظمة) في التقرير بشؤون قضية فلسطين وشعبها، خصوصاً بالنظر لهشاشة هيئاتها التشريعية، وضعف صيغتها التمثيلية، وبواقع اعتماديتها، في مواردها المالية ونفوذها السياسي، على الإطارين الدولي والإقليمي، أكثر من اعتمادها على شعبها. أما العامل الثاني، الذي يعزّز الخيار التفاوضي، ويسهل على القيادة السائدة الإصرار على السير في طريقها (على رغم عدم جدواه)، فيتمثل بضعف فاعلية المعارضة. والقصد هنا بالضبط عدم امتلاك المعارضة لمشروع وطني بديل مناسب، وعدم تقديمها لنفسها كنموذج مغاير في قيادة وإدارة الوضع الفلسطيني.

وفي الحقيقة فإن ما ينطبق على القيادة الرسمية، لجهة غياب مجالها العام المجتمعي والسياسي، ينطبق على المعارضة، فهي، أيضاً، لم تستطع بناء مؤسسات وطنية جامعة، ولم تستطع إقامة أطر تمثيلية، ولم تنتهج طريقاً أفضل في صنع القرارات، وصوغ العلاقات في الساحات النافذة فيها، وهي أيضاً تتغذى على المساعدات الخارجية وعلى النفوذ السياسي المستمد من علاقاتها الإقليمية. ومثلا، فقد لا يستطيع أحد أن يصف حركة حماس بالضعف، ولا بقلة الإمكانات، ولكن هذه الحركة أضعفت مكانتها بتحولها إلى سلطة في قطاع غزة، وبهيمنتها على المجال العام المجتمعي والسياسي فيه (في السياسات والسلوكيات) بصورة أحادية؛ ومن دون تمييز بين كونها حركة وطنية أو كونها حركة دينية. وفي الواقع فإن هذه الحركة لم تستطع تقديم سلطتها في غزة باعتبارها نموذجاً أفضل (من نموذج فتح في الضفة)، بدليل منازعاتها المستمرة مع ناشطي حركة الجهاد الإسلامي (وهي حركة إسلامية) وناشطي الجبهة الشعبية، علماً أن هذين التنظيمين ضد المفاوضات ومع الكفاح المسلح. كما يشهد على ذلك احتكار «حماس» إدارة قطاع غزة، وعدم أتاحتها المجال لفصائل التحالف الوطني التسع (على الأقل) مشاركتها هذه الإدارة.

أيضاً، فإذا كانت سلطة فتح في الضفة تعتقل وتضيق على الحريات (وتسيطر حتى على المساجد) فإن سلطة حماس تقوم بكل ذلك في قطاع غزة أيضاً، وإذا كانت سلطة فتح تهيمن على القرار في الضفة من دون مشاركة حلفائها، فإن سلطة حماس في غزة تفعل الشيء ذاته!

أما إذا تحدثنا عن أوضاع الفصائل المعارضة في الخارج فيمكن ملاحظة إنها لم تتقدم قيد أنملة في الارتقاء بأوضاعها، وتدارك التآكل في بناها، وهي لم تتمكن، طوال العقود الماضية من بناء منظمات شعبية فاعلة وجامعة (كاتحادات الطلاب والعمال والكتاب...)، ولم تبذل جهداً لإقامة مؤسسات موحدة لها في الخارج (لا مجلة ولا جريدة ولا إذاعة ولا مركز أبحاث ولا روضة أطفال ولا مستوصف ولا حتى ناد رياضي!)؛ هذا من دون أن نتحدث عن أن هذه الفصائل لم تعمل البتة على توحيد إطاراتها على رغم تماثل معظم الفصائل المكونة لها.

ويستنتج من كل ما تقدم بأن ما يجري في الساحة الفلسطينية إنما هو تحصيل حاصل لحال انعدام الفاعلية وغياب المجال المجتمعي وأفول مشروع التحرر الوطني، لدى القيادة ولدى المعارضة في آن معاً. بمعنى آخر فإذا كانت القيادة الفلسطينية (وهي قيادة المنظمة وفتح والسلطة) تسير نحو الخيار التفاوضي فإن الفصائل المعارضة لا تملك شيئاً تستطيع تقديمه في مواجهة هذا الخيار، لا على مستوى تفعيل دورها في الصراع ضد إسرائيل، ولا بالنسبة لتعزيز مكانتها إزاء شعبها، ولا على مستوى تقديم نموذج أفضل لإدارة أوضاع الشعب الفلسطيني.

ومثلما أن القيادة التي تنتهج خيار المفاوضة غير قادرة على فرض رؤيتها على إسرائيل في شأن التسوية، فإن المعارضة التي ناهضت المفاوضة والتسوية غير قادرة، أيضاً، على مواصلة خيارها بالمقاومة المسلحة، لا من الداخل ولا من الخارج، لا من الضفة ولا من غزة؛ ما يفيد بأن المشروعين المذكورين لا يمتلكان، بالدرجة نفسها، لا الإمكانات ولا القدرة على التحقق، ولو بالمعنى النسبي.

ومن البديهي في ظل سيادة حال العجز في هذا الخيار أو ذاك، وعلى ضوء حال الانقسام المجانية السائدة، أن تبدو الساحة الفلسطينية في حالة ضياع، بدليل غياب المجال المجتمعي الفلسطيني، وبدليل أن الفلسطينيين لم يخرجوا في تظاهرات ولا في عراضات تندد بطريق المفاوضة، لمصلحة الكفاح المسلح، ولا في تظاهرات تدعو للمقاومة بالضد من المفاوضة، لا في الضفة ولا في غزة، ولا في مخيمات سورية ولا في مخيمات لبنان كما ولا في مخيمات الأردن، لا ضد فتح ولا ضد حماس! ولعل ذلك كله، وضمنه لا مبالاة الفلسطينيين (إزاء حال فصائلهم) يؤذن بتجاوز الوضع الفلسطيني مرحلة الأزمة، لكن ربما إلى مرحلة التشظي والانهيار.

* كاتب فلسطيني

===================

إعادة الإسلام إلى الجدل الانتخابي الأمريكي

آخر تحديث:الثلاثاء ,24/08/2010

غسان العزي

الخليج

في استطلاع للرأي أجراه معهد “بيو ريسيرش سنتر” ونشرته “الواشنطن بوست” في 19 اغسطس/آب الحالي تبين أن نحو خمس الأمريكيين يعتقدون أن الرئيس أوباما مسلم، وكانت هذه النسبة 11 في المئة في مارس/آذار من العام الماضي . 31 في المئة من المستطلعين الجمهوريين يظنون أنه مسلم بعد أن كانوا 14 في المئة العام الماضي . رداً على السؤال: ما دين الرئيس أوباما، أجاب 48 في المئة أنه مسيحي في مارس/آذار من العام 2009 مقابل 34 في المئة اليوم، وقال وقتها 11 في المئة إنه مسلم في حين ارتفعت نسبتهم إلى 18 في المئة اليوم .أكثر من ذلك فإن ستين في المئة ممن يعتقدون أنه مسلم علموا ذلك من وسائل الإعلام .

 

هذه الأرقام فاجأت البيت الأبيض الذي لاينفك يؤكد في مناسبة وغيرها بأن الرئيس مسيحي يصلي ويذهب إلى الكنيسة بانتظام، علاوة على أنه يتكلم علانية عن إيمانه المسيحي . وهذه الأرقام تعود ربما إلى اسم والد أوباما(حسين) والى ما علق في أذهان الناس من الحملة الانتخابية العام ،2008 حين ركز خصوم أوباما على أصوله الإسلامية . ورد البيت الأبيض على هذه الاستطلاعات عن طريق “الواشنطن بوست” التي نشرتها بالقول “إن هذه التقديرات غير الدقيقة عن دين الرئيس ناتجة عن حملة يشنها عليه معارضوه عشية انتخابات الكونجرس النصفية المزمعة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وينشرون خلالها معلومات خاطئة عن الرئيس حول قيمه ومعتقداته” .

 

هذا الاستطلاع للرأي أجري عشية إعلان الرئيس أوباما عدم معارضته لبناء مجمع ديني إسلامي كبير في منطقة الغراوند زيرو قريبا من مبنيي التجارة العالمية المنهارين بفعل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول ،2001 ويؤكد المحللون أن هذه الأرقام كانت لترتفع لو أجري الاستطلاع بعد موقف أوباما هذا الذي جعله “مشبوهاً” في نظر كثير من الأمريكيين، والذي حاول التراجع عنه لاحقاً أو إضفاء بعض من النسبية عليه على الأرجح تحت تأثير هذا الاستطلاع واستطلاعات أخرى للرأي، تكشف عن الصعوبات التي سيواجهها في الانتخابات المقبلة للكونغرس .

 

من هذه الاستطلاعات على سبيل المثال واحد دل على أن ربع الأمريكيين يعتقدون أن رئيسهم ليس مولوداً على الأرض الأمريكية، وآخر أجراه معهد غالوب كشف أن شعبية الرئيس وصلت إلى 41 في المئة فقط، الأمر الذي يرجح خسارته لانتخابات الكونغرس، وربما تخلي بعض الديمقراطيين عنه لاسيما أولئك الذين انتقدوا موقفه من بناء “دار قرطبة” في “الغراوند زيرو” داعين إياه للتصرف “كسياسي وليس كأستاذ جامعي” .

 

والحقيقة أن أوباما تصرف كرئيس للجمهورية من مهامه الأساسية السهر على تطبيق الدستور الذي يكفل حقوق الطوائف جميعاً في ممارسة شعائرها وبناء معابدها على أملاكها الخاصة، شريطة ألا يكون في ذلك أي اعتداء على حرية الآخرين . وكان المجلس البلدي لمانهاتن الجنوبية قد وافق في مايو/أيار الماضي على الطلب المقدم من الجمعية التي يرأسها الإمام المعتدل فيصل عبد الرؤوف لبناء هذا الصرح الذي يضم خمس عشرة طابقاً ويكلف مئة مليون دولار مكان مبنى متصدع جراء تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول .

 

والأكثر من ذلك أن ميشال بلومبرغ عمدة نيويورك وهو يهودي وجمهوري وافق على المشروع ودافع عنه بعبارات دستورية وقانونية، كما فعل الرئيس أوباما، مضيفاً أنه من المعيب مجرد الكلام في هذا الموضوع . وفي مقابل الحملة الإعلامية التي نظمها معارضو المشروع والتي استخدمت فيها تعابير وشعارات عنصرية ضد الإسلام والمسلمين فقد رد مؤيدو المشروع بالتذكير أن ثلاثمئة مسلم قضوا في مبنيي التجارة العالمية في 11 سبتمبر/أيلول 2001 اي ما نسبته 10 في المئة من مجموع الضحايا، وبأن عدد ضحايا ارهاب تنظيم القاعدة وغيره من العرب والمسلمين بفعل الاغتيالات والتفجيرات يفوق بكثير عدد الضحايا من الأمريكيين وغيرهم .

 

يبدو أن الجمهوريين الذين يفتشون عن مواقف وأفكار لحملتهم الانتخابية ضد الرئيس قد عثروا عليها ولكن ليس في سياساته الخارجية او الداخلية . فقد وعد الرجل بالانسحاب من العراق وها هو يفعل، إذ إن آخر الكتائب المقاتلة انسحبت من العراق في الوقت المحدد من دون تأخير، كما وعد بالانسحاب من أفغانستان والمؤشرات تدل على أنه سيفعل . وفي الشرق الأوسط تجنب الضغط على الحليف “الإسرائيلي” المدلل، رغم أن نتنياهو لم يلب شيئاً من مطالبه، أقله كي يمنحه قدراً ولو قليلاً من المصداقية حيال العرب والفلسطينيين، بل أكثر من ذلك ضغط أوباما على هؤلاء كي يقبلوا بالشروط “الإسرائيلية” ففعلوا ولو على مضض . وفي الموضوع الداخلي نفذ أوباما الكثير من الوعود في أقل من عامين على اعتلائه السلطة .لكنه رغم كل شيء بدا بمظهر الرئيس الضعيف المتردد بسبب تراجعه عن بعض المواقف والتصريحات .

 

ومن هذه الزاوية تمكن معارضوه من انتقاده لا بل إن بعضهم مثل الرئيس السابق بوش يتهمه بأنه يمارس الإسلام في الخفاء والمسيحية في العلن، ويذكر بأن عائلته من ابيه تمارس الشعائر الإسلامية بانتظام . والعودة إلى موضوع الإسلام في هذا الوقت بالذات يهدف إلى منع الجروح النازفة منذ 11 سبتمبر/ أيلول من الالتئام، بهدف استخدامها لابتزاز الإدارة في المواضيع المتعلقة بسياساتها الشرق-أوسطية . وإلا فما معنى أن تطرح الأسئلة حول دين الرئيس في استطلاعات للرأي؟ ومن يقف وراء مثل هذه الاستطلاعات وبأي هدف؟ أليس إظهار أوباما بمظهر الضعيف المتنكر لأصوله وإبراز الإسلام ك”تهمة” يجري التبرؤ منها؟ هل كان دين الرؤساء السابقين موضوعاً لنقاش أو استفتاء؟

 

لقد قرر مؤيدو “إسرائيل” أن يجعلوا من “الإرهاب الإسلامي” مادة نقاش أساسية في الحملة الانتخابية بهدف إحراج أوباما الذي أعلن وقف “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها سلفه بوش، لايكفيهم ما بيّنه إلى الآن من خضوع لكل ما يطلبون .

===================

مفاوضات من أجل المفاوضات

آخر تحديث:الثلاثاء ,24/08/2010

أسامة عبد الرحمن

الخليج

تحاول الولايات المتحدة بصفتها راعية للسلام في الشرق الأوسط أن تبدو حريصة كل الحرص على استمرار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وكأن استمرار المفاوضات شرط كافٍ للدلالة على قيامها بالدور . والكيان الصهيوني يحرص على استمرار المفاوضات لكي يجمل صورته مع حرصه على إفراغها من أي مضمون حقيقي .

 

وهكذا يصبح لزاماً على الطرف الفلسطيني أن يدور في ردهات المفاوضات، ويحافظ على استمرارها إرضاء للراعي الأمريكي على الأقل، مع اعترافه مؤخراً بأنها طيلة السنوات الطويلة الماضية لم تفض إلى أي محصلة ولم تتجاوز كونها عبثية، وجاء موقف الإدارة الأمريكية في بداية تسلمها للسلطة بضرورة وقف الاستيطان، ليتعلق به المفاوض الفلسطيني كشرط للبدء في أي مفاوضات، وأبدى الكيان الصهيوني رفضه وقف بناء المستعمرات الصهيونية، وبدا كأن هناك اختلافاً بين الموقف الأمريكي والموقف الصهيوني، ولكن سرعان ما تراجع الموقف الأمريكي ليتبنى وجهة النظر الصهيونية بضرورة بدء المفاوضات من دون شرط وقف الاستيطان، وأصبح الطرف الفلسطيني متعلقاً بموقف أمريكي لم يعد قائماً، ولم يكن في إمكانه التعلق بذلك كثيراً، بعد أن أخذت الإدارة الأمريكية تضغط باتجاه بدء المفاوضات من منطلق حرصها على وجود مفاوضات، بصرف النظر عن مدى جديتها . ذلك أن المفاوضات أصبحت هدفاً في حد ذاتها يحقق غاية أساسية للولايات المتحدة بصفتها راعية للسلام، وهو أنها مازالت تؤدي دورها في رعاية عملية السلام . وحفظاً لماء الوجه، حاولت الولايات المتحدة أن تطرح فكرة المفاوضات غير المباشرة، بعد أن امتعض الطرف الفلسطيني من تراجع الموقف الأمريكي عن شرط وقف الاستيطان، وتم الضغط على الطرف الفلسطيني الذي حاول أن يبدو لبعض الوقت متعلقاً بشرط وقف الاستيطان، وهو يدرك أنه من دون سند أو ظهير، بعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها بشأن وقف الاستيطان، وكانت المظلة العربية غطاء للطرف الفلسطيني يمكنه من مواجهة أي مواقف فلسطينية رافضة لبدء المفاوضات .

 

ودارت المفاوضات غير المباشرة بالطرف الفلسطيني في ردهتها من دون أن تفضي إلى محصلة حقيقية، وهي بالطبع لن تفضي إلى أي محصلة حقيقية خلال المهلة التي حددت لها، وهي بضعة شهور في ضوء السجل الطويل لسنوات طويلة من المفاوضات المباشرة التي لم تفض إلى أي محصلة حقيقية . وتبين أن المفاوضات غير المباشرة كانت مدخلاً ظرفياً لتجاوز حرج التراجع الأمريكي عن شرط وقف الاستيطان، وحرج الطرف الفلسطيني من التعلق بهذا الشرط ثم تعليقه . ولقد عادت الولايات المتحدة لتأكيد ضرورة الانطلاق للمفاوضات المباشرة مع أن الطرف الفلسطيني اشترط ضرورة حدوث تقدم خلال المفاوضات غير المباشرة للانطلاق إلى المفاوضات المباشرة، وهو ما اشترطه الطرف العربي أيضاً .

 

ودعوة الولايات المتحدة للانطلاق إلى المفاوضات المباشرة، تتفق مع النظرة الصهيونية لكي يحقق كل منهما غايته من عملية استمرار المفاوضات، وليس عملية السلام . فالولايات المتحدة تظل دائماً حريصة على أن تكون المفاوضات مستمرة، حتى لو كانت مفرغة من المحتوى والمضمون لأنها المؤشر على أنها وحدها راعية للسلام . والكيان الصهيوني يعتبر استمرار المفاوضات دليلاً على انخراطه في عملية سلام ليجمَّل صورته مع إصرار مسبق على إفراغها من أي محصلة حقيقية . والطرف الفلسطيني يدور في ردهات المفاوضات العبثية مع أنه أدرك بعد وقت طويل أنها لن تفضي إلى أي محصلة حقيقية .

 

وهكذا فإن المفاوضات تخدم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وليس من ورائها أي جدوى للقضية الفلسطينية .

===================

لسنا مع عودة سوريا إلى لبنان !

سركيس نعوم

النهار

24-8-2010

 تحدّث الموظف المهم في "الادارة" البارزة نفسها داخل الادارة الاميركية الذي يتعامل مع ملفات شرق اوسطية بارزة بينها لبنان، قال: "عندما نتحدث عن لبنان في احاديثنا مع سوريا فإننا نثير دائماً مسائل لبنان السيد والمستقل وترسيم الحدود ومزارع شبعا وغير ذلك من ملفات. والموضوع الوحيد الذي تشترك فيه الادارتان الاميركيتان الحالية والسابقة هو لبنان وضرورة المحافظة عليه. وقد سمعتَ اخيراً واللبنانيين والعالم السيناتور السابق جورج ميتشل موفد الرئيس اوباما يقول ان حل ازمة الشرق الاوسط لن يكون على حساب لبنان، وان الفلسطينيين الذين لجأوا اليه لن يوطنوا فيه. وهذا التزام الادارة الاميركية وستنفذه. كما صدر التزام مماثل حيال الاردن. اذ قال ميتشل كلاماً مماثلاً يشير الى ان حل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي لن يكون على حساب المملكة الهاشمية. والمقصود بالالتزام لبنانياً عدم توطين الفلسطينيين في لبنان. والمقصود اردنياً عدم تحوّل الاردن دولة فلسطينية، وانهيار النظام الملكي الهاشمي الحاكم فيه".

علّقت: انا اصدّق هذين الالتزامين. لكن دعني ألفتكَ الى امرين. الأول، ان حظوظ التوطين في لبنان صارت ضعيفة لأسباب داخلية. اما الأمر الثاني، فهو ان غالبية الاسرائيليين حسبما سمعت في واشنطن لا تزال مع نحو الاردن دولة فلسطينية. ما رأيك في ذلك؟ سألت. أجاب: "اعرف ان اسرائيليين كثيرين يراهنون على "الدولة البديل" او يميلون اليها. لكن لا يزال من المبكر جداً التركيز على خيار كهذا". ثم انتقل بحديثه الى لبنان قال: "يتحمّل العماد ميشال عون مسؤولية رئيسية عن كل التحوّل الذي حصل داخل لبنان في السنوات القليلة الماضية بتحالفه مع "حزب الله" وانقلابه على فريق 14 أذار. اخذ المسيحيين الذين كانوا معه الى مكان آخر قد لا يكون في مصلحتهم. لقد رأيت اثنين من السياسيين المؤيدين لعون، حاول كل واحد منهما ان يُكوِّنَ لديّ انطباعاً انه مختلف قليلاً عن عون وسياسته، او ان هناك جهات تتصارع داخل "التيار الوطني الحر".

ثم دار بحث مفصّل عن الوضع في لبنان فشرحت التحوّل الجاري فيه والذي ادى الى تنامي النفوذ السوري والايراني فيه. وشرحت ايضاً ان الدولة اللبنانية ليست في يد "اصحاب الدولة" ومؤسساتها، وقلت ان الوضع قد يصبح اسوأ مستقبلاً اذا حصلت تطورات يتعلق بعضها بالمحكمة الدولية وتمس القوى المسيطرة الآن في البلاد. سأل: "ماذا يحصل عندئذ؟ "اجبت: لا اعرف، لكن يمكن ان نتصور كل انواع السيناريوات. هناك احتمالات كثيرة ممكنة وقد تكون متناقضة. علّق: "نعود الى المشكلة نفسها. اساس الموضوع الصراع العربي – الاسرائيلي. وعملية السلام بين سوريا واسرائيل مهمة للبنان والمنطقة. هناك شعور في واشنطن ان حماسة سوريا للتفاوض مع اسرائيل خفّت قليلا. هل هذا صحيح؟" اجبت: لا اعتقد ذلك. فاسرائيل تريد سلاماً مع سوريا والعكس صحيح. لكن الاختلاف قد يكون على التفاصيل والاثمان.

بين اسرائيل والنظام السوري نوع من التقاء مصالح مزمن. والسلام السوري – الاسرائيلي لن ينتقص من مكانة سوريا ولن يرتّب اعباء عليها لا قدرة لها على احتمالها. فهي لا بد ان تغلق "حدودها" مع "حزب الله" والفلسطينيين مع ما يعنيه ذلك. لن تضرب "حزب الله". وليس ضرورياً ان تفك تحالفها مع ايران لصعوبة ذلك. ولكن لا بد بطبيعة الحال ان يَضْعفَ هذا التحالف وان يَضْعفَ الحزب مع الوقت. علماً ان الترسانة المتطورة التي يملكها تمكنه من الاستمرار سنوات.

علّق: "هذا الامر لا يلغي احتمال الحرب مع اسرائيل. اي لماذا السلام اذا كان "حزب الله" سيبقى على حاله وسيستمر في الاحتفاظ بسلاحه والتمسك بمواقفه العدائية؟" رَدَدْتُ: هذا وضع على اسرائيل ان تتعامل معه. فإما ان يكون ثمة تفاهم اميركي – ايراني يحل هذه المشكلة. وإما لا تفاهم واذذاك فإن حرب اسرائيل على "حزب الله"، بضوء اخضر اميركي او من دونه وسلام مع سوريا او من دون سلام كهذا، تصبح متوقعة. وبعد حرب كهذه لا يعرف احد ماذا سيحصل علماً ان الحرب غير البرية لن تربحها اسرائيل في رأيي رغم انها تدمر لبنان. ناهيك بان ربحها الحرب البرية غير مضمون. أضف ان الحرب ربما تنشئ وضعاً دولياً اقليمياً يفَوِّض الى سوريا فرض الانضباط داخل لبنان وربما يفتح باب التفاوض السوري واللبناني مع اسرائيل. علّق: "نحن لسنا مع عودة سوريا الى لبنان، وهي تعرف ذلك. ولا مصلحة لنا في هذا الامر". رددت: انا لا اخالفك الرأي. واصدّق ما تقول. لكن دعني اقل ان هناك نوعين من المصالح. الاول، مصالح حيوية واستراتيجية تُحارِب اميركا من اجل حمايتها. ومصالح مهمة يمكن ألا تبقى مصالح اذا اقتضت مصالحها الاستراتيجية والحيوية ذلك. ومع كل محبتي للبنان وطني فإنه ليس في رأيي مصلحة حيوية واستراتيجية اميركية. وقد لا يكون وحده في هذا الوضع. الم تكن ايران الشاه حليفاً مهماً لأميركا؟ ماذاحصل عند الثورة عليها؟ وماذا فعلت اميركا لانقاذها؟

كرّر الموظف المهم نفسه في "الادارة" البارزة داخل الادارة الاميركية سؤالا: "ما هي مصلحة اسرائيل في سلام مع سوريا اذا كان لا يتضمن حلاً لمشكلة "حزب الله" وسلاحه ولحركة "حماس". ثم سأل: "ما هو تقويمك النهائي للوضع في لبنان؟ اجبت: شرحته لك في اثناء حديثنا. كي اكون اكثر صراحة دعني اقل لك باختصار: ليس في لبنان دولة الا على الورق. والتطورات المستقبلية قد تكون سلبية اذا لم يعمل على تدارك جملة قضايا وتطورات. واذا بدأ يحصل ذلك تذكّر انك سمعت هذا الحديث سابقاً وممن.

ماذا في جعبة مسؤول رفيع في "الادارة" البارزة نفسها داخل الادارة الاميركية يتابع عن كثب قضايا المنطقة؟

===================

السلام أم النووي ؟

امين قمورية

النهار

24-8-2010

ما سر التزامن بين اطلاق محطة بوشهر النووية الايرانية وتحديد واشنطن موعداً لمعاودة المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية بهدف الوصول الى اتفاق في غضون سنة؟

العلاقة بين فلسطين والبرنامج النووي الايراني علاقة عضوية . وأحد الاسباب الاستراتيجية الكامنة وراء اطلاق التسوية في مؤتمر مدريد عام 1991 كان الخوف من تعاظم دور ايراني كفيل بأن يقود جبهة ممانعة في الشرق الاوسط يشكل تهديداً استراتيجياً لاسرائيل، وكان السعي لاقناع الدول العربية بالانضمام الى معسكر سلام لعزل ايران الثورية او اضعافها لقطع الطريق على تصدير ثورتها الى خارج حدودها. وفي المقابل كان فشل السلام وسيلة ايران لاستقطاب الرافضين للتسوية ومنحهم الغطاء المعنوي والسياسي والمادي، وكان حجتها لتكثيف تسلحها وتعزيز ادوارها الاقليمية.

بعد 19 عاما، السلام لم يأت وفلسطين ظلت اسيرة الاحتلال ومستباحة وفي المقابل، صبرت ايران حتى نالت شرف الانضمام رسميا الى النادي النووي السلمي الدولي الذي تحلم به منذ اربعين عاماً، اي منذ زمن الشاه وقبل قيام الجمهورية الاسلامية، وتكرست قوة اقليمية كبرى تحت شعار الدفاع عن فلسطين.

من المفارقات، ان البيت الابيض استحضر فلسطين بقوة في يوم تدشين العصر النووي الايراني، اذ دعا الافرقاء المعنيين الى العودة الى طاولة المفاوضات فورا وبت موضوع اقامة الدولة الفلسطينية بعد سنة من الان. فهل قبلت واشنطن بالامر الواقع الايراني وتحول مسعاها من تهديد ايران حتى لا تصير نووية الى محاولة لاحتوائها لاحقا كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان غريمها النووي الاول؟ وهل الوعد بدولة فلسطينية تعويض لعرب اميركا خسارتهم المحتملة في العراق وفي ساحات عربية اخرى، ام ان هذا الوعد هو اظهار حسن نية اميركية بتقديم "هدية ثمينة" لهؤلاء في فلسطين من اجل اغرائهم بالانضمام الى "حفلة" الاحتواء اللاحقة لايران؟

واذا كان وراء غض الطرف الاميركي عن انجاز بوشهر، "صفقة كبرى" تعد لها واشنطن بمشاركة دول كبرى في طليعتها روسيا الراعية الرسمية للمحطة النووية السلمية، تقضي بان تتخلى طهران بموجبها عن تخصيب الاورانيوم لاغراض عسكرية في مقابل الحصول على الطاقة السلمية والاحتفاظ بادوار اقليمية فاعلة في اكثر من دولة مجاورة واكثر من موقع استراتيجي مثل الخليج وجنوب لبنان، فما هي الاثمان المقابلة التي يتعين على الاخرين دفعها او قبضها؟ ومن الذي سيدفع ومن الذي سيقبض؟

لاشك في ان اختيار فلسطين "هدية" لارضاء العرب عما قد يخسرونه في اماكن اخرى قد يعوضهم الكثير ، فالدولة الفلسطينية كانت ولاتزال "جائزة كبرى" تستحق الجهد والبذل لمن سيكون له شرف المساهمة في وضع لبناتها، ومن المؤكد ان قيامها سيريح الانظمة العربية ولا سيما منها المنغمسة في التسوية الاميركية حتى العظم ... لكن ماذا عن اسرائيل التي يفترض ان "تتنازل" في الضفة وفي القدس ايضا حتى تنهض كهذه دولة؟

هل تقبل اسرائيل بأن تصير ايران دولة نووية على مرأى منها، وان تتحمل في الوقت عينه عبء وجود دولة فلسطينية الى جوارها وعلى ارض لاتزال تعتبرها جزءا من ارضها؟ وهل من لعنة قد تحل بإسرائيل اكبر من هذه اللعنة؟ ومن يضمن لدولة امثال نتنياهو وليبرمان ويشائي الا تغتنم ايران لحظات الوهن الاميركية الكثيرة هذه الايام لتمرر سلاحا نوويا يخل بالتفوق الاسرائيلي الساحق ويجعلها دولة عادية في المنطقة بعد ان تفقد امتلاكها الحصري للقوة النووية؟

من اجل قيام دولة فلسطينية واحلال السلام حددت مهلة سنة. ومن اجل ان تتحول ايران قوة نووية كاملة الاوصاف يحتاج الامر الى سنة ايضا. فمن سيصل الى خط النهاية اولاً: السلام الاميركي ام النووي الايراني؟ ومن سيغير تالياً الثوابت الراسخة في الشرق الاوسط؟

فلننتظر!

===================

أما آن للعراق أن يستريح؟

كلوفيس مقصود

السفير

24-8-2010

لم يعد مقبولاً أن يبقى العراق سجين اللاحسم، لقد حان الوقت لأن يختار السعادة لأنه يستحق الدولة عندما تمتزج الدموع مع الدماء بشكل متواصل أحياناً، وأحياناً بشكل مفاجئ ومتقطع، نجد أن ما أفرزته الانتخابات البرلمانية في العراق منذ خمسة أشهر ونيف، دلت على أن الطاقم السياسي المتحكم، يكاد يكون في حالة فشل، استولده ما يقارب انعدام الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه شعب العراق، وتمكينه من استرجاع إسهامه الثقافي والتنموي والعلمي في تعزيز مناعة العراق وبالتالي تعزيز مناعة أمته العربية.

هذه المناعة التي أسهمت الحروب العبثية ضد إيران وغزو الكويت، ومن ثم الغزو اللاشرعي لإدارة الرئيس جورج بوش للعراق بذرائع واهية وكاذبة، عممتها الدوائر الصهيونية المتمثلة بالمحافظين الجدد والتي أدت سياساتهم إلى الإمعان في تقسيم العراق، وبالتالي تعزيز العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية حيث عمّت النزاعات الدموية وأفسحت المجال لعمليات انتحارية أسهمت في تعميم الالتباس بين شرعية مقاومة الاحتلال وعبثية الإرهاب، بمعنى أن المقاومة مدفوعة بثقافة التحرير وشرعية النقمة على الاحتلال في حين أن توظيف نتائج النقمة كان في خدمة الانتقامات الانتحارية والثأرية، وما أفسح المجال للمحافظين الجدد في إدارة بوش تعمّد تعميم دمغ المقاومة بالإرهاب.

لذا فإن التعثر، وخاصة التباطؤ المخيف، في عجز الطاقم السياسي عن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، وبالسرعة المطلوبة، للتخفيف عن شعب العراق مآسيه بعد عقود من الإرهاق والعذاب والظلم والإفقار والحروب العبثية ضد إيران وغزو الكويت ومن ثم حرب إدارة بوش ومحافظيه الجدد، كل ذلك يمثل مأساة متجددة تؤدي إلى عطب في المجتمع المدني.

إنه عجز معيب يعيق توفير بوصلة لإخراج مواطني العراق من خلال قيام مرجعية موثوقة تدير التعقيدات المتزايدة بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية تنفيذاً لقرار الرئيس أوباما، مع الإبقاء على 56 ألف جندي لتدريب الجيش والشرطة العراقية، وبالتالي تأسيس قنصليات جديدة وتكثيف حضور الدبلوماسيين الأميركيين في العديد من المناطق العراقية. غير أن ما قد يثير مخاوف المواطنين يكمن في استبدال القوات الأميركية المنسحبة، بطواقم أمنية موكولة لشركات أمنية خاصة مثل «بلاكووتر» سابقاً والتي أعيد تسميتها XE، وبالتالي باتت مسؤولة تجاه وزارة الخارجية، ما يجعلها، كما تدعي الإدارة الأميركية، أكثر انضباطاً والتزاماً بالمهام التي يشرف عليها الطاقم الدبلوماسي، وبالتالي الطاقم المدني للإدارة الأميركية. هذا الأمر شرحته الإدارة الجديدة للرئيس أوباما، بأنه لن يعود لهذه الشركات الأمنية الخاصة استقلالية التصرف، كما حدث في العراق، وعدد من الدول الأفريقية، على يد أمثال هؤلاء المرتزقة من تفلت أمني.

كما يترافق مع انسحاب القوات الأميركية المحاربة إخراج العراق من مفاعيل الفصل السابع التي فرضها مجلس الأمن.

أمام هذه المستجدات التي يجب توصيفها بالمصيرية، بالنسبة لمستقبل العراق، لا بد أن نسأل: ألم يحن الوقت بعد لأن تخرج التيارات السياسية المتنافسة، أو بالأحرى المتناحرة، بعد مضي حوالى نصف عام، من ذاتيتها المتقوقعة وانغلاقها على بعضها، ما يؤدي إلى الطعن بشرعية استمرارها بحالتها الراهنة، كي تواجه، أو بالأحرى كي تجابه التعقيدات المتنامية التي يجب أن تجابه، بوعي شامل لتاريخية المرحلة الراهنة، كي توفر للشعب الأمن والأمان بعدما تكاثرت عذاباته، واسترخصت الحياة لعقود كثيرة تمهيداً، لا لمجرد وحدة وطنية، بل إلى لحمة وطنية طال انتظارها كثيراً؟

نقول هذا من موقع الشوق العارم كي نسترجع العراق ودوره وإبداعاته الثقافية والأدبية والفنية والعلمية والتعليمية التي استساغتها أجيال متتالية من العرب في كل أقطارهم ومهاجرهم وأماكن تواجدهم.

ألا يدرك هذا الطاقم السياسي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة أن عليه فوراً استبدال تعددية مكوناته التي ترسخ العصبيات والتزمت والتفرد، لأن ذلك يؤسس لمجتمع يأبى التكامل، وبالتالي يؤدي لمزيد من النزاعات كما نشاهد في الكثير من أقطارنا، وما نشاهده في الصومال والسودان واليمن، وما اختبره العراق ولا يزال من مهالك.. أجل، لا يعني أن وجود عدد من المكونات المذكورة قد يكون ضاراً بل بالعكس تماماً، وخاصة في مرحلة التمهيد لصناعة مستقبل واعد للعراق، إذ إن رفض التعددية يدفع المجتمع من خلال ترسيخ المواطنة لأن يحتفل بالتنوع العرقي والديني والمذهبي، وهكذا يتم ترسيخ شرعية المواطنة، ويصبح التنافس بين برامج، تؤكد أمن الإنسان وأمانه، وهكذا يتم اختراق عصبيات التعددية ويتم تأكيد أولوية حق المواطن كأولوية فتستقيم معادلة الحكم التي تجعل كل مواطن عراقي يتمتع برغبة الاستنارة، إضافة إلى تحصينه من مؤثرات الغرائز البدائية التي طالما جعلته إما ضحية للعنف العبثي أو راغباً في البقاء من خلال الانطواء.

لم يعد مقبولاً أن يبقى العراق سجين اللاحسم، لقد حان الوقت لأن يختار السعادة لأنه يستحق الدولة التي يشعر المواطن من خلالها بوجود كرامته من خلال ممارسة حريته وانعتاقه من الخوف والإحباط وميول ونزعات التخويف.

العراق يتوقع من حكامه الجدد تجديد الثقة بطاقاته على العطاء بسخاء حتى يأخذ بكرامة، ويبقى العراق عندئذٍ في طليعة مشروع التنمية، وهو خميرة النهضة العربية، قد يبدو هذا تمنياً أكثر مما هو محتمل، لكن ما قد يكون مستحيلاً يصبح ممكناً.

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

===================

المحتلون المنسحبون من العراق ماذا تركوا وراءهم؟

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

24-8-2010

حرصت وسائل الاعلام الغربية، بأن تركز على الجانب الانساني لدى عودة الجنود الامريكيين عبر الكويت الىعائلاتهم وقواعدهم فلقاء الجنود العائدين من العراق، بزوجاتهم واسرهم واحبائهم، ومشاعر الفرح والراحة، والخلاص من كابوس حرب العراق شكلت المشهد الاعلامي الذي ختمت به الحقبة الدموية التي بدأت باحتلال العراق عام 2003، ولا اظنها تنتهي بخروج افواج القوات المقاتلة تباعاً من العراق..

 

قال مسؤول عسكري اميركي كبير، ان مهمة الالوية الستة التي بقيت في العراق، ومقرر انسحابها في الحادي عشر من ايلول القادم قد تغيرت في السابق كانت المهمة تحرير العراق من نظامه السابق، بحسبه فاصلة، واليوم اصبحت مهمة ما تبقى من قوات بناء العراق واستقراره، والمساهمة في استقرار العراق الجديد من منظور الاحتلال، أمر مفهوم، اذ تقوم على تقديم الدعم اللوجستي والجوي والتدريبي، لجيش العراق الجديد وحكومته، لمواجهة الاضطرابات الداخلية واعمال المقاومة أي تتمكن من مواصلة الحرب على الطرف العراقي الآخر.

 

اما اعمار العراق، فهي المهمة التي فشل فيها الاحتلال بامتياز ، فأموال الاعمار نهبت وذابت في قنوات الفساد، وتحققت نبوءة المحتلين، بدفع العراق الى الوراء مائة عام.

 

لقد ساهم الاحتلال في اخراج الجانب الكردي من الصراع المباشر، بترسيخ مفهوم الاقليم الكردي المستقل. وتعزز ذلك بتوفير مصادر بترولية تدعم استقلال الاقليم الكردي دون انفكاكه عن الدولة المركزية مرحلياً. لكن الاحتلال، نقل السلطة متعمداً من السنة في العراق الى الشيعة، وترك الصراع السياسي على اشده يدور في دائرة العامل الطائفي الممزق للعراق، ولم تبذل سلطات الاحتلال أي جهد، للتوفيق بين اطراف المعادلة العراقية بل رسخت المحاصصة الطائفية التي رسخت مفهوم الاقاليم الطائفية بصورة عملية وغير معلنة وقسمت الثروة النفطية، مما يديم الصراع الداخلي وعملت على تهميش السنة في العراق، ولم تبذل قوات الاحتلال أي جهد لمنع المذابح التي ارتكبتها المليشيات الشيعية، التابعة لايران بحق السنة عندما امعنت المليشيات في تصفية رجالات وقيادات وضباط وعلماء، واساتذة ورموز المرحلة السابقة وقتل مئات الالوف من العراقيين وتهجير ربع السكان الى الدول المجاورة.

 

لقد تسبب الاحتلال في خلق وضع مريب في العراق فبعد ان ازالت واشنطن قوة النظام العراقي الذي كان يشكل سدا في وجه اطماع ايران في المنطقة وجدت واشنطن نفسها امام خطر اشد تمثله ايران فسياساتها في العراق، مكنت من تمكين الدور الاقليمي للدولة الايرانية التي سيطرت تماماً على الشأن السياسي ، والطائفي والاقتصادي في العراق، وتعاملت مع العراق على انه محمية تابعة للثورة الاسلامية في ايران . ومدت نفوذها للمنطقة باسرها مما ادى الى تقسيم شعب العراق من الداخل ، ونظرة واحدة على العاصمة بغداد التي قسمت بعد الاحتلال، بعشرات الكيلومترات ، من جدران الاسمنت التي تفصل بين احياء الشيعة واحياء السنة، تعطي صورة عن الوضع الذي تم تعميمه على العراق باكمله والبصمة الهمجية التي خلفها الاحتلال، الذي زعم انه محرر للعراقيين ، دمار وهدم وافقار وفرقة وفساد وقتل بلا حدود الاحتلال الذي يقسم الشعب لا يمكن ان يقيم ديموقراطية على ارضية الصراع والفرقة ولا ان يقيم اعمارا، فالاعمار يقوم على الاستقرار والامن وارادة الشعوب ولا يقوم على حالة احتلال واوضاع متفجرة، وصراعات محتدمة، وتصفيات طائفية تقود من مواجهة الى مواجهة، بدون امل منظور من انتهاء آثار الجريمة التي ارتكبها الاحتلال في العراق، لاسباب ثبتت انها قائمة على التزوير والاستعلاء وانها جزء من مؤامرة مشبوهة لوضع المنطقة باسرها، تحت نفوذ اسرائيل وحلفائها القوات المنسحبة التي فرح افرادها لمغادرة العراق واحتفلوا مع ذويهم امام وسائل الاعلام لم يتركوا وراءهم في قلوب العراقيين سوى اسى، لا يمكن ان تمحوه السنين وقد تركوا وراءهم بلدا ممزقا، وازلاما تبناهم الاحتلال ==== يتصارعون على المناصب ويعطلون الحياة في العراق.

 

والديموقراطية التي وعد المحتلون بها لم تثمر سوى تدمير البنى التحتية في العراق وتدمير قوة العراق الاقتصادية ونهب وتبديد ثروات العراق، وافقار العراق وشعبه.

 

وخروج المحتلين السريع من العراق ترك العراق اسير دستور يكرس الطائفية والفرقة ويضمن اضمحلال دور العراق، واغراقه في مشاكله الداخلية ليبقى اسير صراعات داخلية واقليمية ستزداد بخروج المحتلين.

 

وقد يكون استعجال الانسحاب من العراق بما لا يتعدى ايلول القادم مرتبطا بالحرص الاميركي ان لا تقع قوات الاحتلال في المصيدة اذا ما انفجر صراع محتم بين اسرائيل والولايات المتحدة وايران صراع تبدو مقدمات الاعداد له واضحة وتبدو نتائجه الكارثية اوضح وقد تكون المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين التي حددت بعام واحد للوصول الى نتائج مرتبطة بحسابات واحتمالات نشوب صراع اكبر في المنطقة مع ايران، وضرورة تحييد القضية المركزية في الشرق الاوسط قضية فلسطين، في مثل هذا الصراع هي خواطر واحتمالات لها ما يبررها.

 

فالمنطقة مقبلة على مفترق كبير وها هي مفرداته وصفحاته تتكشف الواحدة تلو الاخرى، والاخطر ان قضايانا العربية في المنطقة قد تحولت الى احجار شطرنج في اللعبة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة التي تجيد اسرائيل تحريك حجارتها بمهارة.

===================

نتنياهو يقطع الطريق على المفاوضات قبل أن تبدأ!

د. محمد ناجي عمايرة

Mohamayreh48@hotmail.com

الرأي الاردنية

24-8-2010

قبل أن يتلاشى صدى التصريحات الأميركية بالدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون شروط مسبقة، كان نتنياهو يتحدث عن شروطه الخاصة لحل الصراع متمثلة بترتيبات أمنية جديدة واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية وإنهاء الصراع بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، وان كان يدّعي انها نوايا وأهداف إسرائيلية ستعلن خلال المفاوضات!.

 

وبذلك يكون نتنياهو قد حكم على هذه المفاوضات بالفشل؟ لأن معنى شروطه أنه يصادر على كل ما هو مطلوب، إلى جانب ما كانت مصادر إسرائيلية قد صرحت به من أن تل أبيب لم توافق على وقف بناء المستوطنات التي ينتهي قرار تجميدها في 26 الشهر الجاري، وهذا وحده يكفي لوقف المفاوضات!.

 

مفهوم إسرائيل للشروط المسبقة هو أن لا تكون للفلسطينيين، أما الجانب الإسرائيلي فله مطلق الحرية في اعلان الشروط التي يرتئيها طالما ان الادارة الاميركية تخضع لرغباته، ولا تستطيع الضغط عليه، وفي الحالتين يمكن لنتنياهو ان يدعي انه حقق «نجاحاً» او انتصارا، بان دخل المفاوضات وفقا للرؤية الاسرائيلية، وان شروطه هي التي سادت، وان الضغوط الاميركية لم تنجح في ثنيه عن مواقفه المتشددة، بل انه سيقود المفاوضات الى ما يريده منها.

 

بالمقابل يبدو ان الادارة الاميركية غير القادرة على ممارسة أي نوع من الضغوط على حكومة نتنياهو، راحت تصب ضغوطها على السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا تجد امامها بديلا الا التفاوض، وفقا للشروط الاسرائيلية ووفقا لسقف المفاوضات الذي وضعه نتنياهو مسبقا في غياب ارادة فاعلة للمجتمع الدولي.

 

ولا شك ان البديل الوحيد للتفاوض هو المقاومة وتفعيل ادواتها السياسية ممكن، غير ان الكفاح المسلح لم يعد ممكنا بالنسبة للسلطة التي هي نتاج اتفاقيات اوسلو وما تلاها، وهي ملتزمة بالعملية السلمية.

 

وقد وضعت اسرائيل المفاوضين الفلسطينيين في موقف لا يحسدون عليه، طالما انها لن تقبل بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وطالما ان مسألة عودة اللاجئين والتعويض عليهم، ستكون غائبة، إذا اعترفت السلطة الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية، بل ان العرب الفلسطينيين في الكيان الإسرائيلي سيكونون معرضين للطرد والتشريد إذا تم هذا الاعتراف.

 

أما الترتيبات الأمنية فهي أيضاً مشكلة شائكة وان كان نتنياهو مستعداً لمقايضتها بتسهيلات في ما يسميه «ملف الحدود»!.

 

وهكذا يضع نتنياهو العراقيل والعصي في عجلة المفاوضات قبل أن تبدأ، ولكنه يذر الرماد في العيون حين يقول: «إن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين هو «أمر صعب لكنه ممكن!»... فهل يراهن نتنياهو على مزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني؟! وماذا بعد؟!.

===================

فرصة أخيرة للمفاوضات المباشرة

ضياء الفاهوم

diafahoum@gmail.com

الدستور

24-8-2010

ماذا عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة التي ستبدأ في الثاني من الشهر المقبل في واشنطن بناء على دعوة الرباعية الدولية التي تمثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة؟.

 

هناك العديد من الفلسطينيين يعارضون إجراء مثل هذه المفاوضات لأنها تتم دون أي التزام علني إسرائيلي بشيء إيجابي يشير بوضوح إلى جنوح إسرائيل للسلام القائم على العدل الذي ارتآه المجتمع الدولي ويتوقعون أنها لن تكون غير مفاوضات أخرى لا طائل منها نظرا لأن إسرائيل لا تلتزم بنتائج أية مفاوضات أو اتفاقات.

 

وهناك كثيرون آخرون يرون أنه لا بأس من الإقدام على مثل هذه المفاوضات بالذات لأنها تتم برعاية تمثل العالم كله ولا يمكنها التخلي عن القوانين الدولية التي لا تجيز الاحتلال أو عدم احترام وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ، ولأنهم واثقون بأن المفاوضين الفلسطينيين لن يفرطوا بأي ثابت من الثوابت. ومع الاحترام لكل الآراء وعدم الانتقاص من وجاهتها يجدر التذكير بأن هذه المفاوضات تجيء بعد أن انكشفت للعالم بأسره مماطلات الإسرائيليين وبعد أن ارتأت قوى الرباعية الدولية أن تتدخل بشكل أكثر جدية واهتماما لإجراء مفاوضات مباشرة بشأن وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي وإحلال سلام بين العرب والإسرائيليين ينهي الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 ويتم الاتفاق النهائي أثناءها على حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

 

من الإشارات الإيجابية في هذا الصدد التي تقتضي عدم الممانعة في إجراء هذه المفاوضات أنها سوف تجري بموجب رؤية دولية وإشراف دولي وتكون جلستها الافتتاحية بحضور شخصيات عالمية من بينها جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الأميركي باراك حسين أوباما.

 

ولعله من المفيد جدا لنجاح هذه المفاوضات إعادة اللحمة إلى أبناء الشعب الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام التي يتألم من استمرارها الأهل والأخوة والأصدقاء لأنها أساءت كثيرا إلى سمعة وتضحيات ونضال الشعب الفلسطيني على مدار عدة عقود من الزمان.

 

ولما كانت المعارضة من أجل المعارضة ، وهذا ما بعض العرب ماهرون فيه ، لا تساهم في تحقيق المراد فإن من الأفضل والواجب إعطاء الرئيس الفلسطيني المنتخب من الشعب ومساعديه الفرصة الكاملة لإجراء محادثات نيابة عن الفلسطينيين والعرب أسسها معروفه وثوابتها كذلك.

 

الشعب الفلسطيني صبر صبرا فاق الوصف وهو على يقين بأن الله مع الصابرين دائما ولا بأس من أن يصبر فترى أخرى أقصاها سنة يتضح له فيها ما إذا كان العالم جادا في إيجاد حل عادل لقضيته تقوم بموجبه الدولة الفلسطينية العتيدة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف وتتم بمقتضاه إعادة الحقوق السليبة لأصحابها. كانت المعارضة لإجراء المفاوضات ستكون وجيهة لو أن هناك نضالا شرسا يكيل الصاع صاعين للمستوطنين العنصريين الإرهابيين ومن يدعمونهم بالسلاح والعتاد وكافة أشكال الدعم الأخرى ويجعل المعتدين وأهلهم في أوضاع معيشية صعبة لا تقل عن تلك التي يتسببون بها للفلسطينيين.

 

أما والأحوال على ما هي عليه فإن دعم المفاوضين الفلسطينيين يصبح أقل ما يمكن فعله في الوقت الحاضر الذي لم يعد يشهد بديلا للمفاوضات. وكم كنا نتمنى أن تكون المفاوضات التي ستبدأ قريبا في واشنطن مستندة على قوة تسندها بدلا من معارضة كلامية لا تصلح أن تكون بديلا لها. وإذا لم يقدر لهذه المفاوضات النجاح في التوصل إلى السلام والأمن للجميع فما على كل القوى الفلسطينية بكافة أشكالها إلا أن تستعد للقيام بنضال لا حدود له مدعوم بأعظم أشكال الدعم العربي والإسلامي والإنساني من أجل إعادة الوطن الفلسطيني كاملا إلى أهله بعون رب العالمين ناصر أصحاب الحق على الظالمين والذي سبحانه جلت قدرته يمهل ولا يهمل.

===================

العراق .. دمروه ولم يخرجوا منه

فؤاد دبور

الدستور

24-8-2010

يعود الاهتمام الأمريكي بالقطر العراقي إلى فترة مبكرة وبالذات إلى السنوات الأولى من القرن الماضي التي شهدت صراعا شديدا بين القوى الدولية الرئيسية للهيمنة على المنطقة المسماة بالشرق الأوسط وبخاصة على المناطق النفطية التي يشكل العراق جزءا هاما منها ، وقد ازداد هذا الاهتمام الأمريكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى اخذ نفوذها واهتمامها يتصاعد ويزداد في الشؤون الدولية وقد تمت ترجمة الاطماع الأمريكية بالعراق بشكل عملي عبر الحرب العدوانية التي أقدمت عليها في شهر اذار عام 2003 ، سبقتها حصارات واعتداءات بين الحين والاخر بدءا من العام 1991 ، وقد وضعت هذه الاعتداءات والحرب الشاملة العراق وشعبه في حالة شديدة من المعاناة بسبب ما لحق بالعراق من الدمار والخراب والقتل وفقدان الأمن وتهجير الملايين من أبناء شعبه وجعلت الأوضاع المعيشية لهذا الشعب في أسوأ حالاتها ، كما أقدمت سلطات الاحتلال الأمريكي على خلق الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية بين أبناء الشعب ، مثلما أقدمت على تقسيم العراق إلى كيانات وقد جاء هذا التقسيم عبر مشروع وضعه الكونجرس الأمريكي في السادس والعشرين من شهر أيلول عام م2007 حيث صوت إلى جانبه أكثر من 75 عضوا مقابل 23 عضوا مما يدل على الأهداف والمنطلقات الأمريكية الفكرية والأيدلوجية وعلى سياساتها تجاه العراق من اجل اضعافه عبر تقسيمه وتجزئته على أسس عرقية ومذهبية ، كما يدل هذا السلوك الأمريكي على سياسات الإدارات الأمريكية تجاه دول المنطقة حيث تستهدف عبر مشاريع أمريكا للشرق الاوسط تجزئة هذه الدول وتفكيكها وإعادة تركيبها وفقا لمصالحها ومصالح العدو الصهيوني.

 

كما يدل هذا التصرف ، وبما لا يدع مجالا للشك على أن ادارة الرئيس بوش التي شنت الحرب العدوانية على العراق والتي دمرت كيانه واسقطت نظامه ودمرت كل بناه التحتية واحتلاله على أن هذا الاحتلال انما يشكل حلقة في مسلسل المخطط الأمريكي الذي يستهدف دول المنطقة كما اشرنا. وذلك نظرا لموقع العراق الاستراتيجي في المنطقة حيث دول الجوار الخليجية التي تمتلك مثل العراق مخزونا نفطيا كبيرا وبسبب حدوده مع كل من إيران وتركيا وسوريا والأردن ومن ثم فلسطين العربية المحتلة ، كما يقع العراق بالقرب من دول غرب آسيا المهمة للولايات المتحدة الأمريكية ، واحتلال العراق يؤدي إلى التأثير في هذه المناطق والدول من جهة ويعني تثبيت وحماية القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية من جهة أخرى. مثلما يعني ، وهذا أمر هام جدا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، تعزيز ضمان امن الكيان الصهيوني حيث شكل احتلال العراق وتدمير قواه العسكرية وبناه التحتية وربطه باتفاقيات أمنية امريكية طويلة الأمد والإبقاء على قواعد ومعسكرات وقوات أمريكية وزيادة عدد القوات الأمنية الأمريكية الخاصة بحجة حماية معسكرات القوات الأمريكية والتي تبلغ أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي بعد إتمام انسحاب القوات المقاتلة وفق التعبير الأمريكي في نهاية هذا الشهر آب 2010 حققت هذه الإجراءات الأمريكية مصلحة إستراتيجية للكيان الصهيوني وامنه ذلك أن العراق دولة عربية قوية ومعادية للكيان الصهيوني جاء الاحتلال الأمريكي لتدمير هذه الدولة والحاق الخراب بها اقتصاديا وعسكريا ومعنويا واجتماعيا ومعيشيا وجره إلى احتراب واقتتال داخلي من شأنه ان يجعل العراق غير قادر على الخروج من الأزمات الصعبة واستعادة عافيته لعشرات السنين مثلما يجعل العراق تحت المظلة والهيمنة الأمريكية لأجال طويلة قادمة حيث تتحكم الإدارات الأمريكية بسياساته الداخلية والخارجية سوءا أكان ذلك عبر الاتفاقية الأمنية التي وضعت قيودا على السياسات الأمنية والاقتصادية والعسكرية للعراق أم عبر التابعين والمرتبطين بها من السياسيين العراقيين.

 

وفي الوقت نفسه فقد جوبهت الولايات المتحدة الأمريكية بمقاومة عراقية باسلة شديدة المراس وأخذت هذه المقاومة تشتد يوما بعد أخر حيث ألحقت خسائر بشرية ومادية واقتصادية وسياسية ومعنوية بالغزاة المحتلين سواء أكانوا من الأمريكان أم البريطانيين وغيرهم من الدول الحليفة مثلما افشلت المشروع الأمريكي في المنطقة حيث كان المخطط الامريكي يستهدف دولا أخرى في المنطقة بعد العراق ، كما جعلت المقاومة الوطنية العراقية الإدارات الأمريكية وبخاصة إدارة الرئيس بوش التي أقدمت على شن الحرب تبحث عن مخارج لما أوقعت نفسها فيه من ازمات وجاءت إدارة الرئيس باراك اوباما لتتعهد أمام الشعب الأمريكي الغاضب بسبب فقدانه لأبنائه وامواله بسبب حرب مجنونة لا مصلحة حقيقية لهذا الشعب بها ، بسحب القوات الأمريكية وهذا ما يتم الآن حيث ينسحب عشرات الاف مع الإبقاء على عشرات الالاف أخرى لعام 2011 ولكن النفوذ الامريكي حسب مخططاتهم ، باق إلى اجل طويل غير أن المقاومة العراقية والقوى الوطنية العراقية لن تجعل لهذه المخططات الامريكية من مستقبل ، فالولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب على العراق سياسيا ومعنويا ، وسوف تخسر نفوذا لان العراق يتجه في المستقبل غير البعيد إلى تحقيق الانتصار المتمثل بتوجيه قواه السياسية والاجتماعية الوطنية حول اهداف التخلص من الاحتلال ونفوذه نهائيا واسقاط الاتفاقيات معه وعبر العمل الجاد والمخلص على استعادة وحدة العراق أرضا وشعبا مثلما تتولى هذه القوى الوطنية العراقية حكم العراق عبر حكومة عراقية وطنية منتخبة بشكل ديمقراطي من الشعب العراقي تعمل على إعادة اعماره والحفاظ على أمنه واستقراره وإعادته إلى وضعه الطبيعي ليأخذ دوره مع امته العربية في مواجهة المخططات المعادية لهذه الأمة ، ولن تنجح المشاريع الأمريكية والدائرين في فلكها في ابقاء العراق مقسما ونهبا للأطماع الذاتية لهذه الفئة السياسية أو المذهبية أو تلك ، ولن ينجح مشروع مساعد وزير الخارجية الأمريكية جيفري فلتمان القاضي بتقاسم السلطة بين الفئات والكتل البرلمانية المتناحرة على السلطة ذلك لان القوى الوطنية العراقية المقاومة لمثل هذه المشاريع تشدد من مقاومتها للاصل المتمثل بالاحتلال الأمريكي ومن ثم مع اعوانه الذين جاؤوا معه أو من خلاله.

 

أن الجميع يترقب بانتظار ما سيحصل في هذا القطر العربي في المستقبل غير البعيد وما ستحمله الأيام القادمة ونعول على المقاومة والقوى الوطنية التي تبذل الجهد وتتحمل المعاناة وتدفع ضريبة الدم لتحقيق المصالحة الداخلية بعيدا عن المكاسب الذاتية الضيقة على حساب الوطن والشعب والعمل بحكمة من اجل إنهاء عوامل الاحتقان وانهاء الاحتلال الأمريكي بالكامل وتمكين الشعب العراقي من سيادته على أرضه والتحكم بثرواته وتقرير مصيره بنفسه دون أي تدخل خارجي وهذا مطلب شعبي عراقي مثلما مطلب العرب المخلصين لامتهم وقضاياها القومية ، حيث أن من مصلحة الأمة العربية أن يتعافى العراق على أساس الحفاظ على هويته وانتمائه العربي وصيانة وحدته الوطنية واستقلال قراره وقوته ، ويشكل زوال الاحتلال الاجنبي الشروط الأولى لتحقيق ذلك مثلما تشكله المقاومة الوطنية العراقية ودعمها الطريق الذي يوصل إلى زوال الاحلال وإفشال مخططاته وإلحاق الهزيمة الكبرى به.

 

أن المشروع الأمريكي يتهاوى في العراق مثلما يتهاوى في أفغانستان حيث تشتد المقاومة وتلحق الخسائر الباهظة بالمشروع الأمريكي ، مثلما تتهاوى المخططات الأمريكية في لبنان كما تهاوت هذه المخططات والحصارات التي فرضتها على سورية وها هي سياسات الإدارات الأمريكية المعادية لإيران تأخذ طريقها إلى الفشل أيضا.

===================

العون العسكري للدول المضطربة.. سياسة خطيرة

دينيس جيت*

الرأي الاردنية

24-8-2010

عندما كانت سفيرة لواشنطن لدى الأمم المتحدة، جادلت «جين كيركباتريك» كثيراً بأن الولايات المتحدة، يجب أن تعمل على مصادقة الأنظمة السلطوية، إذا ما كانت هذه الأنظمة تدعم سياسات واشنطن. ونظراً لأن أميركا كانت في ذروة الحرب الباردة آنذاك، فإن نصيحتها كانت غالباً ما تُتبع.

واليوم تُثار حجة مماثلة، تدعو أميركا إلى تطبيق سياسة كتلك التي كانت «كيركباتريك» تدعو إليها، إذا ما كانت تريد كسب الحرب على الإرهاب.

 ففي مقالة نشرت مؤخراً في دورية «فورين أفيرز» أكد وزير الدفاع روبرت جيتس، أن هجوماً إرهابيا يأتي من دولة فاشلة، هو أخطر ما يمكن أن يواجه أميركا من تحديات أمنية واقترح من أجل مواجهة ذلك التهديد، أن تسعى الولايات المتحدة إلى تقوية جيوش الدول المعرضة لخطر السقوط، للحيلولة دون استخدام أراضي تلك الدول لشن هجوم على الولايات المتحدة.

بالطبع لا يمكن تحقيق ذلك، إلا إذا ما قامت الولايات المتحدة مجدداً باحتضان الأنظمة القمعية حتى لو أدى ذلك إلى وجود انطباع لدى باقي العالم بأنها دولة لا تتردد عن التخلي في اللحظة التي تستشعر فيها خطرا يهدد أمنها عن بعض القيم.

 وهذا الانطباع لن يؤدي إلى تشويه صورة أميركا في الخارج فحسب، ولكنه سيؤدي كذلك، إلى زيادة قدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد المزيد من المقاتلين، أو الحصول على المزيد من الدعم، علاوة على أن التدخل الأميركي لدعم تلك الأنظمة سوف يؤدي لإضعافها لأنه سيظهرها بمظهر الأنظمة العميلة مما يؤدي إلى توحيد وتحفيز أعدائها ضدها.

من المعروف أن «فريدوم هاوس»، تنشر تقريراً سنويا تصنف فيه دول العالم إلى ثلاثة أقسام : دول حرة، ودول حرة جزئياً، ودول غير حرة.

في آخر تقرير لفريدوم هاوس تم تصنيف 47 دولة (ما يعادل 24 في المئة من مجموع الدول) على أنها ليست حرة، و58 دولة (ما يعادل 30 في المئة) على أنها حرة جزئيًا.

و89 دولة (ما يعادل 46 في المئة) على أنها دول حرة. وفي مؤشر الدول الفاشلة الذي يضم 60 دولة نجد أن نصف عدد تلك الدول مصنفة على أنها غير حرة، والنصف الآخر حر جزئيا.

معنى ذلك أنه لا يوجد في العالم كله دولة واحدة ديمقراطية وغير مستقرة في ذات الوقت. وعليه فإن مساعدة الأنظمة المتداعية على الدفاع عن نفسها، لأنها  كما يفترض  تواجه مشكلة إرهابية قد تتحول فيما بعد لتهديد للولايات المتحدة، سوف يعني في غالبية الأحيان، مساعدة الأنظمة القمعية على الدفاع عن نفسها ضد شعوبها. فمفتاح الاستقرار يكمن في الديمقراطية القوية، وليس في الجيش القوي. ولسوء الحظ، فإن واشنطن ترفض دعم هذا المفهوم.

 وبفضل فعالية جماعات الضغط، والمراكز الفكرية التي تروج للمجمع الصناعي  العسكري، فإن الكونجرس يبدو مستعدا دائماً لإنفاق الأموال بلا حساب على برامج الأسلحة حتى غير المطلوبة وغير المفيدة عمليا. وفي نفس الوقت يبدو الساسة دائماً مستعدين لخفض برامج مخصصة للترويج للديمقراطية في الخارج.

فعلى سبيل المثال، نجد أن لجان الكونجرس، تواصل في الوقت الراهن الضغط من أجل الموافقة على مشروع لتصنيع محرك ثانٍ للطائرة إف 35 متعددة المهام، ولتصنيع ليزر محمول جواً لا يحتاج إليه البنتاجون بشكل ماس. يحدث هذا في نفس الوقت الذي نجد فيه أن أعضاء الكونجرس يفكرون في إجراء خفض قيمته 4 مليارات دولار في ميزانية المساعدات الأجنبية، وهي خطوة يعارضها وزير الدفاع الأميركي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، على أساس أن التقتير على وزارة الخارجية وعلى هيئة المعونة الأجنبية (USAID) سوف يزيد من خطر الصراعات المستقبلية.

سوف يكون من الصعب دائما تجنب مثل هذه الصراعات، لأن أي دولة تخشى نشر الديمقراطية سوف تتحجج بأن الإرهابيين يهددونها.

 ومثل هذه الحجج، في رأيي، سوف تجعل من مسألة تحديد الذين يستحقون صداقة أميركا، أكثر صعوبة من تحديد أعدائها.

يتعين أن أشير هنا إلى أن أفغانستان- التي انطلقت منها هجمات «القاعدة» ضد الولايات المتحدة- لم تكن دولة فاشلة بمعنى من المعاني.

 ف»طالبان»، التي كانت في الحكم في ذلك الوقت كانت تسيطر على البلاد بقبضة من حديد (باستثناء جزء صغير في الشمال)، ولم تكن المشكلة أنهم قد فشلوا في السيطرة على البلاد، ولكن في أنهم تعاونوا بفعالية مع القاعدة، وهو تعاون لم يكن ليحدث، لو أن الديمقراطيات كانت قد أخذت فرصة للتطبيق في هذا البلد.

من الصحيح أن تعزيز المؤسسات الديمقراطية مهمة أصعب بكثير من إضافة المزيد من القدرات للقوات المسلحة لدولة أجنبية.. ولكن من الصحيح أيضاً أن قياس نتائج عملية بناء قدرة دولة ما على حكم نفسها أصعب من ذلك. وهذا هو السبب في أن الضغط من أجل زيادة القوة العسكرية سوف يستمر، بل ويصبح أكثر شدة، حتى وإن كان سيؤدي إلى زيادة، لا إلى تقليص، التهديدات للأمن الأميركي.

هيستيريا ما بعد الحادي عشر من سبتمبر لا تزال باقية بين السياسيين والخبراء، الذين يطالبون الحكومة الأميركية «بأن تعمل على الحفاظ على أميركا آمنة من أي تهديدات إرهابية، سواء كانت حقيقية أم متخيلة. وهذا في حد ذاته يمثل دعوة لمغامرات خارجية لا نهاية لها، حتى في الحالات التي يكون فيها الخيار الأفضل هو ألا نفعل شيئا على الإطلاق.

* (سفير أميركي سابق وأستاذ بكلية الشؤون الدولية في جامعة بنسلفانيا)

 «كريستيان ساينس مونيتور» والاتحاد الاماراتية

 ===================

هل حقا تراجع شعور العرب القومي؟

ميشيل كيلو

8/24/2010

القدس العربي

ليست فكرة الوحدة العربية، وليس ما يفترض بها أن تمليه من سياسات وممارسات وعلاقات، في أحسن أحوالها. لقد تراجعت كثيرا في العقود الأربعة الأخيرة، التي اتسمت بتدهور المسعى الوحدوي، وبتقدم النظام السلطوي، 'القطري'، الذي تنصب جهوده جميعها على توطيد نفسه، أي على تكريس سلطانه في الدولة المحلية، التي كانت بعض رموزه تعتبرها إلى الأمس القريب عدو الوطنية والوحدة، وصارت اليوم، في لغة هؤلاء وليس في الواقع نفسه، رافعة للعمل القومي وساحة تتجسد فيها مصالح الأمة وقدراتها، وانقلبت، في واحدة من أغرب مفارقات الواقع العربي الراهن، إلى مركز لوحدة العرب، يمارس وظائف وحدوية تتخطى قطريته، التي كانت شيطانية وغدت  في لغته وليس في الواقع  رحمانية، قطرية ولكن رحمانية.

صحب التراجع في الواقع تراجع في الوعي وتاليا في موقف وشعور المواطن العربي حيال ما يجري في بلدان العرب الأخرى، وفي بلده الخاص. كما تبلورت نظرة 'قومية' تقبل القطرية والتجزئة، إن كانتا ضروريتين لدعم نظم حاكمة، أو كان يتم الدفاع عنهما ضد نظم وسياسات أخرى: عربية وأجنبية. صار المواطن العربي أقل مناعة ضد تحريضه باسم قطره على أقطار أخرى.

ولم يعد يترنم بما كان عرب مطالع القرن العشرين ينشدونه بإيمان: 'بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان'. صار العربي يقبل أن تحرضه حكومته ضد مواطنيه في ديار العرب الأخرى كما في بلده، وأقنع نفسه باعتماد سياسات حكامه معيارا يقيس من خلاله مواقفه في المجالين الوطني والقومي. ولعلنا لم ننس بعد السلبية التي أبداها المواطنون في سورية والعراق حيال مواقف نظاميهما أحدهما من الآخر، وما ترتب عليها من تدابير عملية أدت إلى قطيعة عامة بين مواطنيهما استمرت قرابة ربع قرن، مع أنهما بلدان شقيقان وجاران كثيرا ما ظلت حدودهما مفتوحة أمام انتقال مواطنيهما بينهما بحرية وبدون تأشيرة خروج حتى عام 1936، وبتأشيرة يسهل الحصول عليها بعد هذا التاريخ، بينما كان أبناء وادي الفرات يجهلون غالبا إن كانوا عراقيين أم سوريين، لأنهم كانوا يعيشون يوما هنا، على هذا الجانب من الحدود، ويوما هناك، على جانبها الآخر، ويمارسون شراكة وجودية في شتى الميادين: من الحياة اليومية، إلى الأفراح والأتراح، إلى المعتقدات السياسية. ما أن تغيرت مواقف النظامين أحدهما من الآخر، حتى انصاع مواطنوهما للواقع الجديد، وجمدوا أو قطعوا علاقاتهم الشخصية والعامة، وتناسوا أو نسوا أنها ابنة تاريخ واحد وموحد، مديد وضارب في الزمن، وداخل نفوسهم!.

هل تراجع حقا شعور العرب القومي؟ أعتقد أنه تراجع في واقعهم أولا ثم تراجع في ضمائرهم، التي دخلت في طور كمون جعلها عاجزة أو عازفة عن التعبير عن نفسها، وهيأها لقبول سياسات بلدانها القطرية، المفعمة بالعداء حيال بعضها، دون اعتراض، حتى كأن إيمانه الطبيعي، ما قبل السياسي، بوحدة العرب قد تلاشى. يتصرف المواطن العربي اليوم وكأن التفكك العربي، السياسي والطبيعي، قدر لا راد له، أو كأنه يرى في استمرار القطيعة والعداء مع بقية العرب شيئا عاديا يتفق مع أفكاره ووعيه ومصالحه، ولم يعد أمرا فرض عليه، يتعارض ويتناقض مع فطرته وروحه.

حتى ستينات القرن الماضي، كانت أية حادثة تقع هنا أو هناك تستدعي ردود أفعال ينخرط فيها عدد هائل من المواطنين العرب، في كافة أقطارهم وأمصارهم. ثمة حادثتان كاشفتان تؤكدان ذلك : اعتقال المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد عام 1956، ومقاطعة الباخرة المصرية كليوباترا في أمريكا عام 1958. بعد اعتقال جميلة بوحيرد على يد سلطات الاحتلال الفرنسي في الجزائر، بقي ملايين العرب طيلة أسابيع وشهور وسنوات في الشارع. ترك المواطن العربي كل شيء وتفرغ لقضية جميلة، التي تحولت إلى رمز للنضال والتضحية، وحظيت باحترام وحب ملايين العرب، الذين سارع كثيرون منهم إلى إطلاق اسمها على وليداتهم، ووضعوا صورها في بيوتهم، وجعلوها أعز قضاياهم، فكان تفاعلهم معها انتسابا وجدانيا إلى وحدة العرب وثورة الجزائر، ومارس ضغطا يوميا على حكوماتهم، التي وجدت نفسها مجبرة على دعم قضيتها ماديا ومعنويا وعلى حملها إلى المحافل الدولية.

أما الباخرة كليوباترا، فقد أبحرت إلى نيويورك لحمل شحنة قمح اشترتها مصر، لكن عمال المرفأ قرروا مقاطعتها. في اليوم التالي، تنادى العمال العرب بين المحيط والخليج إلى مقاطعة سفن وطائرات أمريكا، وأوقفوا شحن السفن الأميركية والتعامل معها، وامتنعوا عن خدمة طائرات أمريكا في المطارات، في حين قطعت نقابات عمالية عربية عديدة صلاتها بالنقابات الأمريكية، وهددت باتخاذ تدابير اضافية في حال استمرت مقاطعة الباخرة المصرية. بعد أيام، تراجع الأمريكيون أمام الضغط الهائل الذي تعرضت له مصالحهم. لم تدع أية جهة رسمية عمال الوطن العربي إلى القيام بما فعلوه، بل إن بعض الحكومات امتعضت بصمت - مما قرروه ونفذوه. أثبتت الطبقة العاملة العربية أن العرب صاروا حقا امة واحدة، وتصرفت دون أن تنتظر مواقف حكوماتها، بل وبما أحرجها واضطرها إلى تأييد موقف العمال ومصر.

لم يعد الشعب العربي يتصرف كجسدية قومية واحدة. وانتشرت في كل مكان من دنيا العرب عملية نزع مدروس وموجه للسياسة، أدت إلى غربة عامة عنها، وبالمقابل إلى غربتها هي عن المجتمعات العربية والإنسان العربي، وتم إبطال أي نشاط يشير أو يحيل إلى العمل القومي بما هو فاعلية سياسية أو حرة يمكن أن يمارسها المواطنون، فكان في نزع السياسة عن المجتمعات نهاية النضال الشعبي القومي، وتهميش الشعب العربي: الحامل الحقيقي للفكرة الوحدوية. بخروج الأمة والمواطنين الأفراد من السياسة، تراجعت الفكرة القومية من واقع الأمل اليومي والملموس إلى عالم الشعور الأخرس، وفقدت تعبيراتها الملموسة التي كانت تجسدها في حياة المواطن اليومية، وفقدت أهميتها كمحرك لسياسات العرب، وقبل المواطن العربي التفرج بحيادية أو بحدود دنيا من ردود الفعل على المجازر اليومية في فلسطين، وعلى احتلال العراق وإبادة شعبه، وعلى لبنان الذي يتخبط في دمائه، وحلت محل فكرة الأمة الجامعة تكوينات قطرية وسلطوية وطائفية وعشائرية، ما قبل أموية ونافية بنيويا للأمة، جسدت الدرك الذي انحدرت إليه أحوال العرب، وأسهمت في تأجيج خلافاتهم وتفجير صراعاتهم، وجعلت من الممكن تحريض مواطنيهم بعضهم ضد بعض، وسعت لاستبدال رابطتهم القومية الجامعة بروابط دنيا تمزيقية، يكتسب النظام القطري الراهن شرعيته منها، ويكرس من خلالها انتماءاته الجزئية النافية لكل ما هو عربي، ويدمر وعي مواطنيه الوحدوي ويعيد إنتاجه في حاضنتها، فلا عجب إن هم نسوا أو تناسوا روابط التاريخ والطبيعة التي تجمعهم بغيرهم من العرب، ولا عجب أيضا أن تزايد انهيار ما كان يسمى النظام العربي، الذي عبر عن مرحلة الصعود الشعبي القومي، في حقبة الناصرية الصاعدة، ثم تلاشى تدريجيا إلى اختفى تماما في ظل النظام ما قبل الوطني، نظام التكوينات الدنيا ما قبل القطرية، القائم اليوم.

فصلا عن هذه الحواضن الدنيا، التي تسهم في تمزيق الكيان العربي الكبير وتستبدله بكيانات سلطوية تتعين بذاتها، تنكر وحدة شعبها فلا يعقل أن تقر بوحدة أمتها، برزت في السنوات الأخيرة فكرتان جامعتان بديلتان للفكرة القومية، عبرتا عن نفسيهما في أصوليات مذهبية من جهة، وسلطوية من جهة أخرى، أوهمت  أو أقنعت  المواطن أن هجر الجامعة القومية ليس خسارة بل هو كسب، وأنه يستبدلها بأفكار أفضل منها هي في حالة الأصولية المذهب الديني الذي ينتمي المواطن إليه، وفي حالة السلطة مذهب النظام السياسي، الذي يخضع له. يقول البديل الأصولي: إن الفكرة القومية غريبة عن المواطن، الذي لا يجد  ولا يجوز أن يجد  داخل عقله غير فكرة واحدة تعبر عن هويته ووجوده، وتأخذه إلى عالم تاريخي أكبر وأكثر واقعية بكثير من عالم القومية، هي الفكرة المذهبية/الدينية، فلا أسف على الفكرة القومية: الغربية والغريبة في أصلها ومقوماتها، ولا عودة إليها، لأنها تمزق جماعة مقدسة وحدها الله، وحملت رسالته.

قوض صعود الأصولية المذهبية/الدينية فرص يقظة الوعي القومي. ودمر صعود الأصولية المذهبية/السلطوية، بما تمثله من قطرية عضوض معززة ومحدثة أمنيا، وما تفعله لنزع السياسة من المجتمع والمواطن، الوعي والشعور القومي وصعّب استعادتهما، وإن في صور أقل من تلك التي استبطناها خلال حقبة صعودهما الكبرى بين أوائل الخمسينات وأواخر السبعينات من القرن الماضي. لذلك، لا مبالغة في القول: إننا نعيش اليوم في زمن ما قبل مجتمعي/ما بعد قومي، مشحون بتناقضات وعقد يستحيل حلها بغير إعادة المجتمع إلى السياسة والسياسة إلى المجتمع، واقتناع المواطن باتفاق الفكرة القومية مع الإسلام، وبأنها ظهرت مع انتصاره الأول، لتكون حاضنة تعينه على توطيد مكانته ودوره في العالم.

نعم، لقد تراجع الوعي والشعور القومي كلاهما. هذه حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، يتطلب تجاوزها نمطا من الفهم والعمل مغايرا للنمط الذي تبنته بعض القوى القومية في الماضي ثم تخلت عنه بمجرد أن وصلت إلى السلطة ؛ نمط يتخطى أي حزب أو سلطة، يوقظ في المواطن العربي وعي الانتماء إلى أمته العظيمة والمظلومة، التي يجب عليه العمل بتفان ودأب لإنهاضها من عثرتها: التي يمكن أن تصير قاتلة!

' كاتب وسياسي من سورية

===================

تركيا والتهديد الأمريكي ومماطلة الاتحاد الأوروبي والخذلان العربي

أ . د . علي الهيل

8/24/2010

القدس العربي

عندما زار ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا تركيا في 27 تموز/يوليو قال للأتراك تلميحاً أو ضمناً (وهو غير ما نشر عن أنه طلب من تركيا مجرد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فقط ومن غير شروط): ' إن أنتم تخليتم عن غزة وإيران وأعدتم العلاقات مع إسرائيل إلى ما قبل الحادي والثلاثين من أيار/مايو  كما تفيد التسريبات- فإن دخولكم الاتحاد الأوروبي سيصبح مسألة وقت'. ومثل هذا سمع الأتراك من الألمان ومسؤولين أوروبيين آخرين، كلهم هرولوا إلى تركيا أو هرعوا إليها خشية أن يفقدوها حليفا إستراتيجيا مهما لإسرائيل وبالنتيجة لهم (لأن حليف إسرائيل هو بالضرورة حليفهم وإن بدا غير ذلك أحياناً) لجهة فلسطين وحماس وإيران وحزب الله وسورية والشارع العربي والإسلامي المنحاز إلى تركيا/إردوغان، لا سيما بعد أن أبلغت تركيا على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة الأوروبيين والأمريكيين بأن حماس وحزب الله ليسا منظمتين إرهابيتين وإنما هما حركتا تحرر، وهو ما لم تجرؤ دولة عربية على قوله صراحة وبصورة مباشرة لممولي الإرهاب الصهيوني.

غير أن الأتراك لم يعودوا في وضع يكونون فيه الطرف المبتز، خاصة بعد معركة ذات الصواري الجديدة التي قادتها 'مرمرة' ضمن سفن أسطول الحرية وشهدائها التسعة الذين قتلوا بدم بارد والموقف الأوروبي والأمريكي الرسمي الذي لم يرقَ إلى سقف إدانة الصهاينة على فعلتهم النكراء بإجماع أحرار العالم غير المرتهنة إرادتهم للإيباك واللوبيات الصهيونية والحركة الماسونية المسيحية الأصولية الصهيونية. فمنذ مجيء حكومة حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا العام 2002 وهي تحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بحكم عوامل عديدة، منها العامل الجيو سياسي والجيو اقتصادي، نظرا لموقع تركيا الجغرافي الأوروبي الاسيوي والعامل الجيو تاريخي والجيو بيولوجي، خاصة منذ الحقبة الأتاتوركية منتصف عشرينات القرن الماضي التي رمت بتركيا في أحضان الغرب. وكانت تركيا في كل مرة يرد عليها بحجج واهية، مثل عدم اعتذار تركيا للأرمن عن مذبحة الأرمن المزعومة في الفترة ما بين 1914 و1921 وتقود هذه الحملة بالتحديد (نيابة كما يبدو عن سائر دول الاتحاد الأوروبي ومن قبيل توزيع الأدوار) الأقلية السفلى lower minority بالجمعية الوطنية الفرنسية، وهو بطبيعة الحال نفاق ورياء سياسي مكشوف وكيل بمكيالين ومعايير مزدوجة كعادة الغرب المكيافيلية، إذ أن الفرنسيين لم يعتذروا للجزائريين حتى هذه اللحظة عن مذابحهم ضد الجزائريين منذ 1830 وحتى الاستقلال العام 1962، رغم مطالبات الجزائر المتكررة (وما مذبحة اصطيف في أيار/مايو 1945 سوى واحدة منها). إضافة إلى اتهام تركيا بسوء معاملة الإثنيات العرقية الأخرى كاليهود والأكراد.

رد الأتراك على زوارهم الأوروبيين الذين بدوا أنهم كانوا يقايضون تركيا على مبادئها والانسلاخ عن تاريخها الإسلامي/العربي بما هم (أي الأوروبيون) مقتنعون به في الخفاء (تأملوا مثلاً كيف غير جيمي كارتر أفكاره عن الصراع في الشرق الوسط في كتابه ' فلسطين: سلام وليس فصلاً عنصرياً Palestine: Peace Not Apartheid' بعد تحلله من قيود البيت الأبيض) ولكنهم لا يجسرون على الإفصاح عنه في العلن مخافة أن يضغط الإيباك(AIPAC) American Israeli Public Affairs Commiee واللوبيات الصهيونية والحركة الماسونية العالمية (وهم فريق واحد) في اتجاه إجبارهم على الاستقالة أو الإقالة، كما حدث لمسؤولين بريطانيين وأوروبيين وأمريكيين اتهموا بمعاداة السامية أو التحريض على هولوكوست آخر ضد اليهود في الشرق الأوسط (وهو قانون صهيوني ماسوني ينطبق على الحكام في العالمين العربي والإسلامي ومن أبرز الأمثلة على ذلك عدوان 1967 على مصر/عبد الناصر ثم إنهاء ظاهرته الزعامية بعد ذلك بثلاث سنوات واغتيال الملك السعودي فيصل وإعدام الباكستاني ذو الفقار علي بوتو وإعدام صدام حسين) وكتاب ميرشيمار ووولت 'اللوبي الإسرائيلي ودوره في توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط The Israeli Lobby & US Foreign Policy' وكتاب 'الفوقية اليهوديةJewish Supremicism' لديفيد ديوك David Duke خير مثالين من بين أمثلة عديدة أخرى .

وتابعنا جميعاً ما جرى من تعسف لميرشيمار ووولت من ملاحقات في وظيفتيهما الأكاديميتين بجامعة هارفارد الأمريكية والهجوم الذي تعرضا له من قبل الإيباك، ونعتهما بالنعت الجاهز دائما للاستهلاك وهو معاداتهما للسامية، لأنهما عبَّرا عن رأيهما في بلد يفترض أن يحترم فيه الرأي الآخر (مع الاعتذار للجزيرة). وحتى الرئيس كارتر لم يشفع له أنه كان رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وأمطر بوابل من سهام الهجوم على فكره وأتهم هو الآخر بمعاداة السامية والتحيز (للإرهاب الذي تمثله حماس) فقط لأنه أثنى بصفته رئيسا لمراقبي الانتخابات الفلسطينية عام 2006، على الانتخابات التي فازت فيها حماس، والتي وصفها بالأنظف في تاريخ الشرق الوسط، وقد استقال أحد أهم أساتذة مركز كارتر في أتلانتا على إثر النقاش الحاد الذي نتج عن نشر كتاب كارتر، وحدث لديوك تقريبا الشيء نفسه ولتشومسكي وآخرين (اُنظر مثلا مرجع كارن دي يونغ محرر واشنطن بوست كانون الأول/ديسمبر 2006).

قبل الموقف التركي من حرب الصهاينة الفاشية على غزة وقبل واقعة مؤتمر دافوس الشهيرة وقبل الحادي والثلاثين من أيار/مايو، لم نر أحدا من الأوروبيين يزور تركيا مستجديا انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد إصرار تركيا على مواقفها تجاه حصار غزة ومطالبتها في كل المحافل الدولية بمعاقبة الكيان الصهيوني على جريمته بقتل شهدائها التسعة، تغير الواقع 180 درجة. إنها لغة المصالح التي تعيها تركيا ولم يعها الأعراب بعد. وكلنا نتذكر كيف أن الرئيس الأمريكي تم الضغط عليه من قبل مجموعة الضغط المتمثلة في الإيباك للضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول تركيا في الاتحاد قبل أن تنجرف تركيا لتحالفات أخرى غير إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أي إلى إيران وحركات التحرر في العالم العربي التي يصفها الغرب بالإرهابية. ولو كانت مواقف تركيا تُشترى بالعملة الصعبة لاشتراها الناتو في العراق وفي أفغانستان وهي أحد أعضائه، فرغم كل الضغوط عليها أبت تركيا ان تُطلق رصاصة في أفغانستان وإنما قامت بدور بناءٍ وحضاري في بناء المستشفيات والمدارس وتزويد أفغانستان بالمدرسين والأطباء والمعدات، ولقد حفظت طالبان لتركيا هذا الجميل الأخوي الذي يُعد استعادة لدور تركيا التاريخي في العالمين العربي والإسلامي فلم يُقتل شخص تركي واحد في أفغانستان. وفي المقابل دول الناتو الأخرى تقوم بالقتل وبدم بارد في كثير من الأحيان وبالتخريب ونشر القبح في كل مكان أمام هزيمتها من قبل المقاومة الأفغانية وطالبان.

وعندما أسقط في أيديهم وباءت كل محاولات الغرب بالفشل الذريع لثني تركيا عن مواقفها جاء التهديد الأمريكي غير مغلف هذه المرة بورق السوليفان الدبلوماسي كالمعتاد، وإنما جاء واضحا وقِحا ومفاده إن لم تكفَّ تركيا عن تعاونها مع إيران وضمنا مع غزة المحاصرة ودعم حركات التحرر العربية فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحرم تركيا من السلاح. وشبيه بهذا التهديد وقف تسليح الجيش اللبناني من قبل الأمريكيين والأوروبيين (فالذين كفروا أولياءُ بعض) وهذا يجعل تركيا ولبنان وإيران وحركات التحرر في خندق واحد والشكر (للشيطان الأكبر). وهو في كلتا الحالتين كلام وموقف مفروض على الرئيس الأمريكي (الذي يتخبط في أفغانستان والعراق) وعلى الأوروبيين بدرجات متفاوتة من الإيباك، فالجوكر في اللعبة أضحى معروفاً. وغني عن القول: إن كل هذا وذاك يحدث حصريا لمصلحة الكيان الصهيوني بشكل محض.

وأما الأعراب فقد خذلوا تركيا خذلاناً مبيناً. فمنذ 'مرمرة' استقبل مجرم الحرب الصهيوني الفاشستي نتنياهو عدة مرات سرا وعلنا في القاهرة وعمَان بالشد على يديه ومعانقته وكأن الرسالة (أو هي فعلا كذلك) التي أريد توصيلها لنتنياهو في عاصمتين عربيتين كانتا يوما من دول المواجهة هي: 'برافو... على تصديك للأتراك في 'مرمرة'. وهو إحراج متعمد ولا شك أو بدا كذلك في الحد الأدنى. وتلاه الغطاء الذي منحه مجلس وزراء جامعتهم لإسرائيل وحليفها محمود عباس ببدء المفاوضات المباشرة أو 'العبثية' بمعنى آخر وكيف استفادت إسرائيل من ذلك وسوقته بأنَّ الحكومات العربية متفهمة لموقفها على عكس الحكومة التركية وباقي القصة معروفة. ومع اننا نثمن عاليا الدور الليبي في إرسال سفينة 'الأمل' إلا أننا كنا نأمل ونتعشم من منظميها لو أطالوا مكثهم في المياه الدولية ولو لأربعة أيام لتجميع زخم دولي حول القضية وتسليط الأضواء عليها إعلاميا وإحراج الكيان الصهيوني عالميا وتعزيز الموقف التركي بدلا من إحراجه لتكريس فكرة الإصرار على كسر الحصار عن غزة وأصروا بشكل مسالم على التوجه إلى غزة بدل الإذعان للمطلب الصهيوني بالتوجه إلى ميناء العريش المصري. وهذه الحادثة سوقتها حكومة نتنياهو بأن سفينة 'الأمل' و'ريِشل كوري' الآيرلندية كانتا سفينتي سلام على عكس أسطول الحرية وسفينة 'مرمرة'. يبدو أن الأتراك على دراية بفهم العقلية الصهيونية أكثر من كثير من العرب.

' كاتب قطري

===================

أوباما يحتاج إلى استثارة

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

24-8-2010

في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أدلى الرئيس أوباما بتعليق غير سياسي للمذيعة ديان سوير في تلفزيون «إيه بي سي»، قائلا: «أفضل أن أكون رئيسا جيدا لفترة واحدة بدلا من رئيسا متوسطا لفترتين».

كان أوباما يتحدث إلى سوير حول مشروعه المفضل لتشريع الرعاية الصحية، الذي كان محفوفا بالمخاطر إلى حد ما من الناحية السياسية. وفسر نهجه في الحكم في مصطلحات مثالية: «إنك تعرف، هناك اتجاه في واشنطن للتفكير في أن توصيفنا الوظيفي للمسؤولين المنتخبين هو إعادة الانتخاب. وليس هذا هو توصيفنا الوظيفي. إن توصيفنا الوظيفي هو حل المشكلات ومساعدة الشعب».

لقد سمعت أوباما يقوم بتنصل مماثل من السياسة في غداء في البيت الأبيض لبعض الكتّاب في شهر ديسمبر (كانون الأول)، عندما دافع عن قراراته المحفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية (لكنها صائبة بصفة عامة) لإنقاذ وول ستريت وصناعة السيارات، حيث قال: «لو كنت أبني قراراتي على استطلاعات الرأي، لكان من الممكن إذن أن ينهار النظام المصرفي، ولكان من المحتمل فقدان (جنرال موتورز) أو (كرايسلر)، ولم يكن من الواضح أن الاقتصاد سينمو في الوقت الحالي».

أعود إلى هذه التعليقات، لأن البلاد لا تزال تكافح مع وجهات نظر أوباما بشأن حقوق المسلمين في بناء مسجد بالقرب من منطقة «غراوند زيرو». كان التدخل في هذه القضية بمثابة خطوة كلاسيكية وحمقاء من الناحية السياسية. كانت هيلاري كلينتون، على سبيل المثال، ستعرف على الفور أن الرد الصحيح هو ترك قضية المجمع للمسؤولين المنتخبين في مدينة نيويورك. لقد اتخذ البيت الأبيض هذا الموقف حتى قرر أوباما مبدئيا أنه يجب أن يدافع عن التسامح.

أعتقد أن الرئيس على حق في قضية المسجد (كما كان في تشريع الرعاية الصحية وجهود الإنقاذ الاقتصادية). لكن النقطة الأكبر هي أننا لدينا في الحقيقة قائد يقوم بالشيء الحكيم في السياسة العامة (بافتراض أنك توافق معه)، لكن يقوم بالشيء الأحمق على الصعيد السياسي.

يحب السياسيون في الغالب التباهي بأنهم ليسوا في الحقيقة حيوانات سياسية، بل موظفين حكوميين. قد يكون أحد الكلاشيهات السياسية أن تقرن قرارا جبانا بهذا التصريح: «لا أقوم بذلك لكسب الأصوات، لكن لأنه هو الشيء الصواب الذي ينبغي فعله».

بيد أن أوباما مختلف. ففي الحقيقة، لا يبدو أنه يستمتع بالسياسة، بالمعنى الخلافي غير المصقول. الأهم من ذلك كله هو أنه لا يحتاج إلى الاهتمام الشعبي بالطريقة التي بدا عليها أفضل سياسيينا الموهوبين، مثل ريتشارد نيكسون أو ليندون جونسون أو بيل كلينتون. إنه لا يحب الحماسة؛ بل يحب الهدوء والتأني.

ويعد الأسلوب المنظم والمحافظ لأوباما واضحا عندما تنظر إلى أولئك الذين حققوا نجاحا في إدارته والذين لم ينجحوا.

دعنا نبحث في بادئ الأمر الأفراد الذين خرجوا من الخدمة. كانت أكبر جريمة للأدميرال دينيس بلير كمدير للاستخبارات الوطنية هي أنه تحدث كثيرا في المؤتمرات الصحافية، وأدخل ما اعتقد الرئيس أنه آراء شخصية. ولا يزال رحيل غريغ كرايغ من منصب المستشار القانوني للبيت الأبيض يمثل لغزا، في ما يتعلق بموهبته القانونية، لكن النقاد يقولون إن كرايغ الطموح أدار متجرا غير مرتب.

ويعد ريتشارد هولبروك، المنسق الخاص لشؤون أفغانستان وباكستان، المثال المثير للاهتمام لقدرة الإدارة على تقليص الشخصيات السياسية الكبيرة. ويعد الأسلوب الثرثار لهولبروك مختلفا تماما عن أسلوب أوباما، وبدا أن البيت الأبيض على وشك التخلص منه مطلع العام الحالي عندما قيل إن وزيرة الخارجية تدخلت. كان هولبروك خاضعا للسيطرة، لم يكن يتسبب في المشكلات، لكنه لم يكن فعالا كما كان من الممكن أن يكون.

والآن، انظر إلى الأفراد الذين ينصت إليهم أوباما: وزير الدفاع بوب غيتس، ووزير الخزانة تيم غيثنر، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. إنهم شخصيات هادئة من الممكن أن تصلح لإدارة جمهورية معتدلة وسهلة مثل الإدارة الحالية.

إذا تقاعد مستشار الأمن القومي جيم جونز (رجل آخر منضبط ومحافظ) عن العمل في نهاية العام الحالي، فهناك كلام حول أنه قد يتم استبدال الجنرال جيمس كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، به. لقد أُعجب أوباما بأسلوبه الدقيق والحاد. وانتهى الحال بأوباما بقبول الجنرال ديفيد بترايوس، الذي قد ينافس أوباما في الهدوء.

ربما لا يهتم أوباما، المناهض للسياسيين، إذا ما أعيد انتخابه في الحقيقة، ما دام أنه يقوم بما يعتقد أنه صائب. وبطريقة ما، لا أستطيع أن أتخيل هذا الرئيس الخارق يتنحى ليكتب مقالات حول مراجعة القوانين. لكن ليكون له فرصة النجاح في 2012، سيحتاج إلى شخص يوقد النيران تحته، شخص يستطيع لعب السياسة بشراسة، ويستطيع أيضا جلب بعض الناخبين الجدد.

بكل تأكيد، من الواضح أنني أصف العمل الماهر للفترة الثانية لأوباما: نائبة الرئيس هيلاري رودهام كلينتون.

====================

رسالة من روسيا

فهمي هويدي

مدونة فهمي هويدي

من مفارقات الأقدار وسخرياتها أنه في حين كانت الصحف المصرية تنشر مقالات الهجوم على حضور الدين في مناهج التعليم، فإن روسيا قررت إدخال دروس الثقافة الدينية إلى المدارس المتوسطة، وكذلك السماح لرجال الدين بالعمل بين أفراد القوات المسلحة الروسية.

ليست بعيدة عن الأذهان تلك الحملة الشرسة التي نددت في مصر بما سموه «تديين التعليم». وتواصلت حلقاتها في مقالات عدة استهدفت شيئا واحدا هو إقصاء الدين عن مناهج الدراسة، و«تطهير» الكتب المدرسية من الإشارة إلى مرجعية أو حتى مصطلح له علاقة بالدين.

حتى عبارة «السلام عليكم» استنكرها أحدهم في كتب المطالعة، وطلب حذفها بدعوى إنهاء محملة بإيحاءات موصولة بالانتماء الديني.

وبدا أن ثمة رسالة خبيثة مطلوب تعميمها تقول إن الأقباط في مصر لن يهدأ لهم بال طالما بقي للدين الإسلامي أثر في المجال العام بالبلد.

 وهي رسالة بالغة الخطورة، ليس فقط لاستحالتها من الناحية العملية ولإضرارها الجسيم بوضع الأقلية، ولكن أيضا لأنها تضرب أساس التعايش وتحول الحساسيات العارضة إلى عاهات دائمة، الأمر الذي يهدد الاستقرار في البلد ويخل بأمنه القومي.

الخبر الروسي ليس جديدا تماما، لأن قرار الرئيس ميدفيديف الخاص بإدخال دروس الثقافة الدينية إلى المدارس صدر في 12 يوليو من العام الماضي، لكن أحدا لم يسمع به آنذاك.

وقد وقعت عليه في عدد أخير تلقيته من صحيفة «الإسلام في روسيا»، حيث تصدر الخبر الصفحة الأولى مع بعض التعليقات والإيضاحات، التي وصفت القرار بأنه «خطوة ثورية»، هي الأولى من نوعها في التاريخ الروسي، سواء في عهد روسيا القيصرية أو المرحلة السوفييتية.

 وكما هو معلوم فإن تلك المرحلة الأخيرة أعلنت الحرب على الأديان جميعها، وقررت «الإلحاد» مادة تدرس في جميع مراحل التعليم، الأمر الذي أحدث فراغا روحيا هائلا في روسيا الاتحادية كانت له سلبياته العديدة التي ظهرت جلية خلال العقدين الأخيرين.

ذكرت الصحيفة التي يصدرها المجلس الإسلامي الروسي أنه حين غاب الدين تعرض المجتمع الروسي لأعراض التفكك والانحراف إضافة إلى الخلل الذي أصاب منظومة القيم السائدة فيه. فشاع التحلل الاجتماعي

وانتشر بشكل مخيف الإدمان على الخمور والمشروبات الكحولية،

وتراجع النمو السكاني على نحو مؤرق.

وشاعت الأنانية التي اقتربت بالسلوك الاستهلاكي المنفلت والجشع،

 كما برزت مظاهر التطرف القومي، التي هددت فكرة التعايش المشترك بين بلد اتسم بتعدد أقوامه.

(في روسيا الاتحادية 182 عرقا، منهم 57 عرقا مسلما).

وهي الملابسات التي استدعت اتخاذ مجموعة من الإجراءات من جانب السلطة، كان من بينها تشجيع الانبعاث الديني. في هذا الصدد استشهدت الصحيفة بقول أحد أبطال رواية ديستوفيسكى، أديب روسيا الشهير، إنه إن لم يكن هناك إله، فكل شيء يصبح جائزا.

قرار الرئيس الروسي لم يكن منفصلا عن أجواء التهدئة والتفاهم التي سادت العلاقات بين الحكومة ومسلمي الاتحاد الروسي (نحو 40 مليونا).

 وهي الأجواء التي فتحت الأبواب لترميم المساجد والتوسع في إنشائها. إضافة إلى السماح بفتح المدارس والجامعات (96 مؤسسة تعليمية دينية و7 جامعات إسلامية).

 والاتجاه إلى إنشاء قناة تلفزيونية إسلامية، وقبول روسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. وفي سياق هذه العلاقة الإيجابية قام الرئيس ميدفيديف بزيارة جامع موسكو الشهير، لأول مرة في تاريخ مسلمي روسيا.

لقد انتقلت روسيا خلال ربع القرن الأخير مرحلة العداء للدين تحت الحكم الشيوعي إلى طور فصل الدين عن الدولة في ظل «البريسترويكا»، ثم تقدمت خطوة إلى الأمام بحيث أصبحت الصيغة الراهنة كالتالي:

الدين منفصل عن الدولة وليس عن المجتمع.

إن الفرق بين دعاة مناهضة التدين في بلادنا وبين أولئك الذين يستدعونه في روسيا، هو ذاته الفرق بين أناس تحركهم مراراتهم وحساباتهم الخاصة، وآخرين يحركهم الصالح العام،

 أو قل إنه بين أناس يدافعون عن عقدهم وأهوائهم وآخرين يدافعون عن أوطانهم.

=====================

هل سورية مستعدة "للانفتاح على الإخوان"؟.

عاكف أمره

رئيس موقع أخبار العالم-تركية

المصدر : موقع أخبار العالم التركي

** ترجمة: د. طارق عبد الجليل

أرى أهمية بالغة في التقارب الذي يجري حالياً بين تركية وسورية، رغم كل تحفظاتي على النظام البعثي؛ حيث أن ذلك التقارب سيصبّ في صالح كل من تركية وسورية بعيداً عن مسألة النظام الحاكم.

وبداية، فأجدني مدفوعاً إلى القول بوجوب هدم كل هذه الجدران والأسوار الوهمية التي نصبت بين شعوب منطقة جغرافية تجمعها حضارة واحدة مشتركة. فإزالة هذه العراقيل شرط أساسي من أجل القدرة على بلورة إدراك ثقافي وحضاري مشترك. فلم يستطع أيّ مغتصب محتل في فترة من فترات التاريخ أن يُقسّم منطقة الشرق الأوسط أو يفرّق بين لبناتها كما حدث في الفترة الحديثة والمعاصرة. فعلى سبيل المثال لم تنفصل مدينة حلب عن مدينة عينتاب في أي حقبة تاريخية بما فيها عصر ما قبل الإسلام. فالفستق الذي يزرع في عينتاب، عُرف بفستق الشام أو الفستق السوري لأنه ينتقل إلى العالم من خلال سورية، وقس على ذلك الكثير ممّا تتلاحم فيه المدينتان وتكمل إحداهما الأخرى فيه.

فأنا أرحب بهذا التقارب بين تركية وسورية من أجل تحقيق التواصل والترابط بين شعبين تجمعهما صلات قربى مباشرة، وإن كان هذا التقارب لم يترك تأثيراً سياسياً له إلى الآن.

فرغم أن إدارة الأسد الابن تعدّ أكثر مرونة عن إدارة الأسد الأب، إلا أنها لم تقدم تغيّرات أساسية مهمة. فسورية منغلقة على نفسها سياسياً، وتحاول الانفتاح على الخارج في ظل إدارة تقلص من الحريات والمشاركة السياسية. فهي تحاول تقديم نموذج في العلاقات الدولية يشبه النموذج الصيني حينما تحولت الصين إلى الرأسمالية اقتصادياً وسعت للإبقاء على نظامها الشيوعي سياسياً.

ولا شك أن هذا النموذج غير قابل للاستمرارية، فسورية عاجلاً أو آجلاً ستجد نفسها مضطرة إلى إجراء مراجعة داخل نظامها السياسي، والانتقال إلى نظام يتصالح مع مجتمعه، ويعترف بالحرّيات السياسية الأساسية على الأقل. وذلك لأنها لن يمكنها الانفتاح على العالم بهذه الكيفية، كما أن النظم المنغلقة على نفسها لن يمكنها البقاء حيّة فترات طويلة.

وسورية مقدمة على أكبر امتحان لها، ستتضح نتائجه في العلاقة التي ستقيمها مع القوى المعارضة بداخلها.

وعندما نتكلم عن القوى المعارضة فإن أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا بالطبع هم الإخوان المسلمون في سورية. فنحن نتحدث عن علاقة أعلن فيها النظام السوري أن الإخوان هم عدوّه الرئيس وخاصة بعد أحداث أوائل عقد الثمانينيات، ونحن نتحدّث عن علاقة يُحكم فيها على عضو الإخوان المسلمين بالإعدام.

إن مصالحة يجريها النظام السوري مع الإخوان، إنما تعني صلة وتقارب بين النظام والمجتمع. إن تصالح الإخوان مع النظام رغم نفيه لهم بعيداً عن أوطانهم زهاء ثلاثين عاماً، ورغم وضعه يده على أموال ما يزيد عن مئة ألف منهم، إنما يبرز وضعاً جديداً، يجعل إدارة الأسد عاجزة أن تصمّ آذانها عنه فترة طويلة.

ولا أحد يعلم إلى أيّ مدى يمكن للنظام السوري أن يظلّ منغلقاً على نفسه، مع إشارة الإخوان إلى دخول حلبة النظام من خلال تأسيس حزب سياسي.

لقد اختار الإخوان المسلمون قبل أيام مجلس إدارة جديد لهم. وأعلنت الإدارة الجديدة بوضوح نيّتهم الكفاح السياسي من خلال تأسيس حزب سياسي. ولا ريب أن تولّي محمود رياض شقفة لرئاسة إخوان سورية يعدّ نقطة تحوّل جادّة.

والمهم هنا، هو كيف ستتجاوب سورية مع هذا التحوّل؛ بمعنى أن إدارة الأسد أصبحت مضطرّة للإجابة عمّا إذا كانت مستعدة للانفتاح على الإخوان أم لا؟. وهو ما يدفع إلى سؤال أهم، وهو متى سيقوم الرئيس الأسد، وهو الذي ألغى الحدود والحواجز السياسية مع تركية باسم احتضان المسلمين في تركية، باحتضان بني شعبه ووطنه؟!.

وهنا تقع على تركية مسئولية مهمّة، وهي أن تتحوّل أنقرة التي تجعل من نفسها "دولة نموذج" إلى معمل نشط فعال لتختبر فيه هدفها، وتحدد فيه إلى أي قدر يمكنها أن تؤثر في إدارة لم تستطع احتضان شعبها، وحرمته من حقوقه الإنسانية والسياسية الأساسية.

وإلا فإن تركية، بدخولها في علاقات استراتيجية مع سورية، وتغاضيها عن أيّ مشكلة تجب مناقشتها، لن تكون سوى دولة أضفت المشروعية على الأوضاع المعيشة في سورية.

إن انفتاح سورية على الإخوان، إنما يعني في الوقت ذاته اختباراً لتركية في مسألة انفتاحها على الشرق الأوسط.

=======================

سلسلة فن الجماعية (1) الجماعية، لماذا؟

فريد مناع

مفكرة الإسلام

نقلا عن أمهات بلا حدود

الثلاثاء, 24 أغسطس 2010 15:20

ألم يكن كافيًا أن ينجح الإنسان نجاحًا ذاتيًّا؟ ألم يكن كافيًا أن يصنع الإنسان هدفه؟ ثم يرسم خطته؟ ثم يذكي جذوة الإيجابية في نفسه؟

وإن كان الإنسان قد حقق الخطوات الثلاث السابقة، فلماذا يتعب نفسه؛ كي يتعلم فن الانتصار مع الآخرين؟!

وقد يكون كلامك صديقنا هذا صحيح لأصحاب الهمم الضعيفة، والآمال المتواضعة، أما أصحاب الهمم التي تناطح الجبال، والآمال التي تناوش النجوم والأقمار، فلا يرضون بالنجاح الذاتي، بل يضيفون إليه نجاحًا مع الآخرين.

وفي السطور القليلة القادمة، سوف نسرد مجموعة من الجوائز التي تنتظر كل واحد يسعى في أن يضم للنجاح الفردي نجاحًا جماعيًّا، ومن أهم تلك الجوائز ما يلي:

1. يد واحدة لا تصفق:

إذا أمعنت النظر في الحياة، لوجدت أنه من المستحيل أن يحقق الإنسان نجاحًا متوازنًا وحقيقيًّا، من دون أن يشترك فيه مع الآخرين، فكما قيل: (مهما بلغت براعة القائد، فإنه لا يستطيع أن يخوض معركة وحده بدون جنوده).

وهناك حكمة قديمة تقول: (يد واحدة لا يمكن أن تصفق) ، نعم لا يمكن أبدًا أن تصفق يد واحدة، كما أنه لا يمكن أبدًا أن يتحقق نجاح فرديٌّ دون مساندة الآخرين.

2. أسرع الطرق:

فإذا كنت تبحث عن أسرع وسيلة للوصول إلى هدفك، فابحث عن آخرين يشاركونك غاية الوصول.

ولذا؛ فإن أسرع وصفة للفشل والإحباط هو أن تتخلى عن الآخرين كما قال هوارش مان: (أن نتخلى عن مساعدة الآخرين يعني أننا نهدم أنفسنا).

وهنا يأتى حديث النبي r ليتوج كل هذا الكلام، بخير الكلمات وأعمق العبارات، فيقول: (من فارق الجماعة شبرًا، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) [رواه أبو داوود، وصححه الألباني]، ويقول أيضًا: (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) [رواه الحاكم، وحسنه الألباني].

فعندما يترك الفرد المجموع وينعزل وحده منفردًا فهو كالشاة القاصية عن القطيع، المعرضة لهجوم خاطف من الذئب في أي لحظة، فاستمسك بالعمل مع الآخرين فهو طريق النجاح والتميز.

3. درس من الجراد:

وتأمل في هذه الحشرة البسيطة الضعيفة كيف تتحول إلى عملاق مرعب ضخم لا يستطيع أحد إيقافه؛ حينما تتحد مع غيرها من الجراد، ويسيرون معًا في سرب واحد بتناسق تام؟!

انظر إلى ما أوردته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حول الجراد، في غضون هجوم الجراد الصحراوي عام 1988م، حيث تمكّنت الأسراب من عبور المحيط الأطلنطي بأسره، إنطلاقًا من موريتانيا إلى الإقليم الكاريبي، فقطعت بذلك مسافةً لا تقل عن 5000 كيلومتر في عشرة أيام.

علمًا بأن الجرادة حشرة غير قادرة على السباحة، فكيف تمكّنت هذه الحشود الهائلة من قطع تلك المسافة الشاسعة عبر مياه المحيطات؟!

وسرعان ما أسقط في يد الخبراء، حيث وجدوا أن الحشود كانت تهبط في المحيط على متن أيّ سفن في الطريق، وأيضًا فوق سطح الماء فما أن تغرق الأفراد الأولى من الجراد حتى تتحوّل إلى طوّافاتٍ عائمة للرفاق ، بحيث تستريح فوقها.

لقد استطاع الجراد أن ينتصر في معركته بفضل تعاون أفراده واتحادهم التام، واستعداد أي فرد في السرب للتضحية بحياته لأجل الآخرين.

وحتي العلماء فقد تملكتهم بعض الحيرة؛ إذ تهبط أسراب الجراد الطائرة عادةً كل ليلة؛ للاستراحة من عناء السفر.

4. أعظم مؤسسة في العالم:

والمثال العملي الأكثر قوة ونجاحًا في الأرض، الأكثر دلالة على أن الجماعية سنة كونية في هذا الوجود لا يقوم إلا بها، هو مملكة النحل، تلك المنظمة الطبيعية الضخمة التي تفوق أي مؤسسة في العالم من حيث الإنتاجية والجودة وكفاءة الإدارة وقوة النظام .

وإليك تقريرسريع عن أعظم مؤسسة في العالم: (مؤسسة النحل لإنتاج العسل).

- منتج المنظمة: عسل النحل حاصل على شهادة جودة من خالق الكون، حيث ذكره الله في كتابه فقال: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} [النحل: ٦٩].

- تاريخ المنظمة: يقوم النحل بهذا العمل منذ نحو(150) مليون سنة.

- فروع المنظمة: فروع لا حصر لها في كل دول العالم تتمثل في خلايا النحل المنتجة للعسل.

- كمية الإنتاج: بلغ الإنتاج العالمي من العسل حوالى (1.2) مليون طن في (2003).

- مدير المنظمة: ملكة النحل.

- أهم الوظائف في المنظمة:

تختلف وظائف الأفراد باختلاف نوعها (ملكة، شغالة، ذكر)؛ فلكل فرد له وظيفته الخاصة به.

أ‌. الملكة: وظيفتها التزاوج ووضع البيض؛ لضمان استمرارية دورة الحياة في المستوطنة.

ب‌. ذكر النحل: مهمته الوحيدة تنحصر بعملية التزاوج مع الملكة؛ وتتسبب عملية التزاوج هذه في موت الذكر الذي يؤدي تلك المهمة، وبذلك يضحي هذا الذكر من النحل بنفسه لأجل المجموع؛ ليكون مثالًا للتفاني ونكران الذات، وقدوة في ترك تلك الأنانية البغيضة التي تسيطر على بعض بني آدم.

ت‌. النحلة العاملة: تتميز النحلة العاملة بصغر حجمها، والنحلة العاملة هي أنثى غير ناضجة وغير مؤهلة للتزاوج مدى الحياة، وتختلف أدوارها حسب تقسيم العمل، حيث يراعى في مملكة النحل مبدأ إداري هام جدًا ألا وهو؛ التقسيم والتكامل بين الوظائف التالية: جمع الرحيق، وتنظيف الخلية، وحراستها، والبناء والتشييد، وإرشاد غيرها.

5. أقوى إنسان في العالم اسمه (ن ح ن):

هل تعرف النظرية الهندسية التي تنص على أن مجموع طولي أي ضلعين في مثلث أكبر من طول الضلع الثالث؟

إنها تعني أنه يستحيل أن يوجد أي مثلث طول ضلع فيه أكبر من مجموع طولي الضلعين الآخرين، وإذا كان طول ضلع واحد لا يستطيع أن يساوي طول ضلعين معًا؛ فكيف به أمام آلاف من الأضلاع المجتمعة معًا؟

ولذا فليست العبرة من الأفضل أو الأكثر قدرة، ولكن العبرة أننا معًا أفضل كما قال دان زادرا: (لا أحد يستطيع أن يكون الأفضل في كل شيء، ولكن عندما نوحد مواهبنا جميعًا، نستطيع أن نكون الأفضل في كل شيء تقريبًا).

فعلامة نضجك النفسي والفكري في هذه الحياة هو أن تتحول من شخص يبحث عن (الأنا)، ويتحدث دائمًا بلغة (أنا)؛ إلى شخص همُّه (نحن)، ويتحدث دائمًا بلغة (نحن).

6. الحبل المتين:

لقد حرص الإسلام على الجماعية وعلى أن يكون المسلمون يدًا واحدة متحدين غير متفرقين قال تعالى: {واعتصموا بحل الله جميعًا} [آل عمران: ١٠٣].

وقد ضرب رسول الله r لنا مثالًا يوضح لنا صورة التعاون والاتحاد، التي يجب أن يكون عليها المسلمون، وكيف يتعايشون معًا بروح (نحن) فقال r: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [رواه مسلم].

وانظر كيف حرص النبي r على أن يتمثل المسلمون بروح الجماعية حتى في أمر السفر، حيث قال r: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده) [رواه البخاري].

بل حتى الشعائر التعبدية تتحقق بشكل أفضل، ويحصل بها ثواب أكبر؛ عندما تؤدى جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، والحج يؤدى مع ركب من المؤمنين، وصيام رمضان مع مجموع المسلمين فرض، بينما نافلة الصيام تؤدى منفردة، وهكذا فالأمر مطرد في جميع الشئون الدينية.

ويكفي في ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: ٢].

وبسبب تربية النبي r لصحبه الكرام y على روح الجماعية، حتى أصبحوا فعلًا كالجسد الواحد، نجح ذلك الجيل الفريد في أن يحقق أعظم إنجاز عرفته البشرية، من إقامة دولة الإسلام، وإرساء دعائم الحضارة الإسلا مية وكل ذلك في زمن قياسي لا يعد في حساب الأمم شيئًا.

أهم المراجع:

1. الانتصار مع فرق العمل، كاثرين كارفلاس.

2. اكتشف القائد بداخلك، ديل كارنيجي.

3. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.

4. موقع منظمة الأغذية والزراعة التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ