ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 22/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

التعتيم النووي الإسرائيلي.. إلى متى؟!

ميكاه زينكو

(زميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي)

«أم سي تي إنترناشيونال»

الرأي الاردنية

21-8-2010

حان الوقت كي تخرج إسرائيل إلى العلن. فبعد مرور خمسة عقود على الاحتفاظ ببرنامج أسلحة نووية، دون الاعتراف بوجوده، يجب على إسرائيل أن تبادر بإعلان، وتقديم معلومات، عن وضع أسلحتها النووية.

وعلى الرغم من أن امتلاك إسرائيل لقنابل نووية لم يكن سراً -منذ أمد طويل- إلا أن التدقيق الدولي غير المسبوق المتوقع خلال السنوات القادمة، سوف يجعل من المحافظة على هذا «التعتيم النووي» أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة لتل أبيب.

وبإصرارها على الاستمرار في اختلاق أكذوبة أنها ليست دولة نووية، صنفت إسرائيل نفسها كدولة منبوذة دولياً.

وهذه الصفة تمكن أعداءها، كما تمكن الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، من استخدام موضوع القنبلة النووية الإسرائيلية كحجة يستندون إليها في إبطاء خطواتهم المتخذة في مجال تحقيق أهداف حظر الانتشار النووي، وعلى رأسها الحيلولة بين إيران وبين التحول إلى دولة نووية.

وهذا الموقف من جانب إسرائيل، سوف يصل العام المقبل إلى النقطة التي يصبح عندها غير قابل للاستمرار، وذلك بسبب تعزيز عملية التدقيق على برنامج إسرائيل النووي، من قبل مصادر دولية عديدة.

في شهر مايو الماضي، أعاد أعضاء معاهدة حظر الانتشار النووي، التأكيد -بالإجماع- على القرار الصادر في عام 1995، والذي يدعو لشرق أوسط خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.. كما صادقوا على «انضمام إسرائيل للمعاهدة، ووضع جميع منشآتها النووية تحت القيود الشاملة التي تقررها الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

في منتصف سبتمبر المقبل، وبناءً على طلب أغلبية ضئيلة من أعضائها، سوف يصدر «يوكيا أمانو»، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقريراً غير مسبوق، بشأن تحقيق تقدم في موضوع ضم إسرائيل لاتفاقية حظر الانتشار النووي، وقيامها بوضع قدراتها النووية تحت القيود والضوابط التي تعمل بموجبها الوكالة.

وفي أكتوبر المقبل، سوف يقوم المؤرخ «انفر كوهين» بنشر كتابه الموسوم: «أسوأ سر محتفظ به: مساومة إسرائيل بشأن قنبلتها»، وهو تكملة لكتابه السابق الرائد الموسوم «إسرائيل والقنبلة»، والذي كشف فيه، وبتفصيل موسع، كافة الخطوات التي اتُخذت من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، قبل حرب عام 1967، لتطوير قنبلة نووية.

ولا شك أن كتاب كوهين المقبل، سوف يكشف المزيد من الأسرار التي ستحرج تل أبيب، وتكشف المزيد عن قدراتها النووية.

على ضوء ذلك التدقيق القادم، هناك ثلاث خطوات يتعين على إسرائيل اتخاذها في المدى القريب، وهي:

أولا: يجب عليها العمل على تقديم معلومات تتسم بالشفافية الكاملة حول ترسانتها النووية، وتشمل حجم هذه الترسانة، وأسلوب القيادة والسيطرة المطبق فيها، ودرجة أمانها، وما يمكنها تحقيقه من أهداف حظر الانتشار النووي.

وذلك بنفس الطريقة التي تم بها ذلك من جانب الأعضاء الآخرين في معاهدة حظر الانتشار مثل الهند وباكستان، كي تتسنى لها طمأنة المجتمع الدولي بشأن برنامجها.

ومن المعروف أن باكستان قد أنشأت عام 2000 إدارة أطلقت عليها مسمى «سلطة القيادة الوطنية»، وذلك بغرض تأكيد الإشراف المدني على برنامجها النووي. كما تسمح باكستان أيضاً لأكبر مسؤوليها النوويين العسكريين، الفريق «خالد كيدواي» رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجية، المسؤولة عن الأسلحة النووية، بتقديم إيجاز إلى ممثلي المجتمع الدولي حول إجراءات السلامة ودرجة أمان ترسانة بلاده النووية، والمواصفات الرئيسية لها.

ثانياً: وعلى ضوء ما أعلنته مؤخراً بشأن نواياها في متابعة إنشاء برنامج نووي مدني، يجب على إسرائيل أن توقع على اتفاقية ضمانات، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تغطي كافة المنشآت النووي المدنية التي ستقيمها مستقبلا.

ويشار في هذا السياق إلى أن الهند وقعت في عام 2008 اتفاقية مشابهة مع الوكالة سمحت لها بتلقي الدعم الدولي من أجل مفاعلاتها المدنية السلمية النووية. وبشأن هذه النقطة تحديداً، تُبدي الولايات المتحدة استعدادها لتقديم المساعدة.

وكما تشير التقارير، فإن الرئيس أوباما، وفي الاجتماع الأخير الذي عقده في البيت الأبيض مع نتنياهو، قد أخبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة سوف تبحث مسألة تزويد إسرائيل بتقنيات نووية مدنية. لكن إذا ما أخذنا في اعتبارنا إن إسرائيل لديها ما يقرب من 190 رأساً نووياً، حسب الكتيب النووي لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية NRDC، فسندرك أنها ليست بحاجة لإنتاج المواد القابلة للانشطار للأغراض العسكرية.

ثالثاً: يجب على إسرائيل أن تعكس سياستها الحالية نحو النقيض، وأن تعمل على المشاركة في المنتديات الدولية التي تتم فيها مناقشة موضوع إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل عامة.

لكن الضغط من جانب واحد ضد سياسات إسرائيل كان هو الإجراء الوحيد المتبع وسيئ الحظ في التعامل معها، والذي لم يحقق نتائج تذكر.

والأفضل من ذلك الإجراء هو أن يعمل الدبلوماسيون الإسرائيليون على مناقشة النوايا والأهداف النووية لدولتهم علناً، وأن يعملوا من خلال هذه المنتديات إما على الموافقة على قرار عام 1995 أو معارضته.

ويجب على إسرائيل أن تدرك أنه لا يمكن أن يكون لها صوت في السجال الدائر حول الحد من الانتشار النووي، وهو سجال سوف تترتب عليه تداعيات حيوية على منطقة الشرق الأوسط برمتها، ما لم تصبح شريكاً حسن النية في الجهود الدولية المتعددة الأطراف للسيطرة على أسلحة الدمار الشامل وحمايتها، وأن تدرك أيضاً أنها ستربح من خلال الاعتراف بحقيقة تنكرها هي، لكنها ما لبثت تعتبر أمراً معروفاً ومسلما به من قبل خصومها وأصدقائها على السواء.

===============

أثر الإيديولوجيا السياسية على الفكر العربي

المستقبل - السبت 21 آب 2010

العدد 3747 - رأي و فكر - صفحة 19

شمس الدين الكيلاني

خضع العرب منذ قرنين لزمن ثقافي اكتسب لوناً خاصاً، على الرغم من تقلب الزمن الاقتصادي والسياسي، تشابكت فيه أواصر علاقة العرب بالغرب، وصاحبه اكتشاف العرب لتقدم الغرب وسطوته ولمخاطر هذا التقدم والسطوة على بلادهم إذا لم يعيدوا ترتيب أوضاعهم بطريقة ملائمة.

وهكذا، وفي مواجهة هذه الإشكالية، طرح المثقفون العرب، على أنفسهم، سؤالاً، لايزال يتردد صداه إلى الآن، كثفوا فيه الإشكالية التي تواجه مصيرهم، وهو: لماذا تقدم الغرب، وتأخر العرب؟ وبالتالي ما هي الوسائل الناجعة لتقدمهم، وكيف تستطيع الجماعة العربية السيطرة على مصيرها مجدداً، لتصبح شريكاً منتجاً لحضارة اليوم، وليس مجرد مستهلك لأدواتها، ومقلد لمظاهرها؟. فشكَّل هذا السؤال المركزي قاعدة لأجوبة متباينة اصطفت على تخومها التيارات الثقافية العربية وتوضَّعت.

ولقد حافظت هذه التيارات الثلاثة (الإصلاحية الإسلامية، التيار القومي، التيار الليبرالي)، التي هيمنت على الساحة الثقافية في المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر على خطوط وخيارات ثقافية متقاربة، رغم تباينها، طالما بقي الغرب خطراً خارجياً محتملاً، ولم يتحول إلى اجتياح استعماري بعد، فاتفق الجميع على ضرورة التجديد، والاقتباس من أوروبا، والحكم الدستوري، والتنظيم المؤسسي.

لكن بعد الاجتياح الاستعماري للأرض العربية، ومعه المشروع الصهيوني تباينت مواقف هذه التيارات وتصلَّبت، وزادت نزعتها العصبوية انغلاقاً أمام بروز الوجه الاستعماري العدواني للحداثة الأوروبية، على حساب الجانب العقلاني والإنسي من هذه الحداثة، فتصاعد تبعاً لذلك التأكيد على "المسألة الثقافية" والخوف على (الهوية)، والحذر من الاقتباس. فشهدت الثلاثينات ولادة الحركات السلفية التي أعلنت القطيعة مع ثقافة الغرب، والحذر من إسلام الجمهور، وبدأ القوميون التشديد على المزاوجة بين "الأصالة" و"المعاصرة" واستنفذوا طاقاتهم الفكرية لإثبات وجود "الأمة العربية" استناداً الى وحدة الثقافة (اللغة) و(التاريخ) في مواجهة التجزئة الاستعمارية لها، وعلى ضرورة الدولة القومية. أما التيار الليبرالي النافذ فتمركزت جهوده على الشأن القطري، وشارك في بناء (الدولة الحديثة) في ظل الانتداب ومابعده، مشدداً على الجانب الفردي والاقتصادي لليبرالية، وضحى بالديمقراطية كلما وجدها عثرة لاستقرار مصالحه. أما التيار الماركسي فذهب من القطري إلى العالمي من دون المرور بالقومي، واستعار (النقد الاشتراكي) للوجه الاستعماري للحداثة الغربية، مركزاً على فكرة "الطليعة" النخبوية التي ستقود الطبقة، التي لا تعي مصالحها لوحدها، إلى الاشتراكية.

ثم مع تفاقم المخاطر تضخم الطابع النخبوي للثقافة، وازداد معها التباعد والتصلُّب بين أطراف الثقافة الوطنية، وانقطاع لغة الحوار بينها، ومما ساعد على ذلك المخاطر الجدية للسيطرة الغربية، فاستنفذ المثقف العربي طاقاته المادية والمعنوية، في مواجهة تلك المخاطر، فتعسكرت حياتنا السياسية، وهيمن الهمُّ السياسي على ثقافتنا أمام شعور الجميع بخطر الاقتلاع.

بلغ الاستقطاب الإيديولوجي-السياسي للثقافة العربية ذروة تصلبه في المرحلة التقدمية، ولا سيما في طور احتباسها وانكشاف حدود إنجازاتها، أو أزمتها. فبدل أن ينظر كل طيف ثقافي إلى نفسه باعتباره جزءاً من ساحة ثقافية واحدة تتكامل مع الأطياف الأخرى في تكوينها، عبر تعايشها وتحاورها وتلاقحها، ويهيمن على علاقتها مناخ التكامل لا قانون الاحتراب، والاعتراف المتبادل بدل الإلغاء، وأن تبقى الجماعة (مصالحها وقيمها واختياراتها) المرجعية العليا ومصدراً للشرعية، ساد بدل ذلك قانون التحارب، الاستقطاب والإلغاء المتبادل، و نظر كل طرف إلى نفسه باعتباره مصدر الحقيقة، ومؤتمن على مصالح الجماعة (الأمة، الطبقة، جماعة المؤمنين)، لأنه يمثل "طليعتها"، ولا تقوم للجماعة قائمة إلا بإمساكه بمواقع القيادة! فتحولت الساحة الثقافية، ناهيك عن السياسية إلى حلبة للصراع.

وهكذا أصبحت الثقافة ثقافة نخبوية، وظيفتها الرئيسية في خدمة هذا الفريق أو ذاك في صراعه السياسي، وإن قاد ذلك إلى التضحية بالحقيقة وأختها الأخلاق. و(كفَّر) كل فريق-كلٌّ على طريقته- الجماعة، بعد أن كفَّر خصومه الآخرين، فهي إما "مفوتة الوعي" أو صاحبة "وعي عفوي" أو "جاهلية"! وبالتالي لم يعد هناك من حلول وسط، فإما أن تسلِّم الجماعة أمرها لأصحاب تلك الإيديولوجيا، فترتفع من مستوى جماعة بذاتها إلى جماعة لذاتها، أو تبقى مجرد جماعة غفل!.

والحال أن الخروج من الأزمة يقتضي تعميق الإنجازات، واكتشاف أجوبة حقيقية على مشاكلنا المعاصرة، والانخراط في العالم عبر الثقة بالذات،والانتقال أولاً من ثقافة الفتنة والتخاصم، إلى رحابة ثقافة الحوار المتعدد الأوجه. وإعادة الاعتبار لمرجعية الجماعة والشعب، واتخاذ الديمقراطية منهجاً لا يقتصر مفعولها على الساحة السياسية والمجال السياسي، كي لا تتحول إلى أداة للوصول للسلطة فحسب، بل يجب أن تمارس في كل مجالات الحياة، فالسلطة لا تقتصر على الدولة، فهي موجودة في كل مكان في الأسرة والمدرسة، والجامعة والحزب والنادي، وحتى في مجال الحقيقة، عنوانها الأول والأخير الاعتراف بالآخر والإصغاء إليه.

===============

وثائق فيتنام هزمت أميركا من الداخل فماذا ستفعل وثائق ويكيليكس؟

هيفاء زعيتر

السفير

21-8-2010

«الصورة نفسها، والأحداث نفسها والنهايات ستكون نفسها». هكذا يرى تشومسكي صورة الحروب التي تخوضها أميركا. تتعدد السيناريوهات والخطابات، تستعرض أميركا جهوزيتها، تحشد مشاعر الدعم والتأييد في حروب نهايتها معروفة سلفا، وثمنها باهظ، لا بل خيالي.

الرأي العام الأميركي لم يعد يحتمل المغامرات. وهذا ما يخيف الإدارة الأميركية ويجعلها شديدة الحرص في ما تظهره من «حسن أداء» في معاركها . لكن الرياح غالبا ما تعاند السفن. فقد أثار موقع ويكيليكس الجدل واسعا، إذ لم تفرغ قضية التسريبات التي نشرها من زخمها حتى الآن. فبعد رزمة الوثائق السرية التي ظهرت إلى العلن، يعتزم الموقع نشر 15 ألف وثيقة سرية جديدة عن النزاع في أفغانستان، غير مبال بتحذيرات البنتاغون و«ما سيلحقه من ضرر أكبر» من ذاك الذي تسبب به بنشره 92000 وثيقة قبل عشرة أيام، وضارباً عرض الحائط ما أثاره من جدل في الأوساط الاميركية والأفغانو  باكستانية في آن.

كثيرون في الولايات المتحدة تخوفوا من الوثائق المسربة أو سارعوا إلى نقدها سواء لجهة موعد نشرها او القالب الذي قدمت فيه، إلا أن الكل أجمع على «ضعف» هذه الوثائق التي تعود إلى ما قبل ست سنوات من الحرب في أفغانستان . ولفهم مدى ضعف ما قدمه موقع ويكيليكس يمكن، على سبيل المثال، كما قال مراسل جريدة «لوموند» الفرنسية في واشنطن، مراجعة تفاصيل «معركة وانات التي وقعت في 13 تموز 2008 عندما أحاط عدد كبير من مقاتلي حركة طالبان بقاعدة اميركية في قرية وانات التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من أفغانستان ، سقط في ذلك الهجوم 9 قتلى أميركيين و27 جريحا مقابل العديد من القتلى الأفغان والجرحى المدنيين» قائلا ان التقرير الذي نشره موقع ويكيليكس عن المعركة يبدو ركيكا في عرضه للحادثة، مقابل ما أقره الجيش الأميركي من معلومات تحت ضغط العائلات الأفغانية».

من جهته آدم وينستون، الذي أمضى عشرة أشهر، بين الفترة الممتدة من تشرين الأول في العام 2008 حتى تموز من العام 2009، كمتعاقد مع القوات الأميركية في مجال الإعلام والتواصل ويشغل اليوم منصب رئيس تحرير في مجلة «ماذر جونز» الأسبوعية المعروفة بانتمائها الى اليسار الأميركي فيعقب بقوله في مقابلة له مع لوموند الفرنسية: «لا يوجد ما هو مهم في هذه الوثائق . أنا أعرفها جيدا وقد رأيت الآلاف منها في العراق». «هذه الوثائق بمعظمها هي تقارير لنشاطات محدودة، متاحة لأي فرد من الجيش حتى للمتعاقدين. ويستطيع قراءتها مئات الأشخاص في مئات الأماكن». إلا أن وينستون لا ينفي أهمية هذه الوثائق بالمطلق ويضيف ان هناك فئتين من المعطيات المقدمة في الوثائق قد تكون ذات منفعة «الفئة الأولى تتلخص بالتوجيهات الاستراتيجية التي تعطى للمسؤولين والتي تدل على آلية إدارة الحرب من قبل الإدارة الأميركية والفئة الأخرى هي التقارير حول لقاء المسؤولين الأميركيين مع المسؤولين الأفغان والتي تعطي صورة عن المناخ السائد في أرض المعركة. وويكيليكس لم يكشف الا عن 16 وثيقة من أصل 92000 في هذا الإطار».

وتتابع التحليلات مسهبة حول فاعلية هذه الوثائق ومصداقيتها فعندما يتعلق الأمر بالكشف عن وحشية الجيش الأميركي والعمليات السرية في أفغانستان وباكستان، لم يعد هناك في حقيقة الأمر الكثير مما هو جديد في هذه السجلات, ولا ما يمكن أن ينافس التسريبات التي تقدمها وسائل الإعلام العريقة التي تتمتع بحد كبير من المصداقية.

كما لا يوجد في تقارير ويكيليكس الكثير للتنافس مع تسريبات عمليات القتل الأميركي الجماعي للمدنيين، وانتهاك حقوق الإنسان التي كشف عنها نظام حامد كرزاي نفسه، أو مراسلون جريئون وناشطون في المنطقة، او ما تنشره بعض المجلات من مقالات حول جنرالات أو شخصيات بارزة في الحرب واعترافاتها بشأن إخفاقات الجيش الأميركي فيها.

وكان الموقع قد نشر في وقت سابق مشاهد فيديو مروعة لجنود أميركيين يطلقون النار من مروحية أباتشي على 15 شخصاً من بينهم صحافيون من وكالة رويترز، وقد سُمعت أصوات الضحكات من أفراد طاقم المروحية وهم يقولون، «واصلوا إطلاق النار». وقد أثار الشريط المصور ضجة في وسائل الإعلام الغربية على ما تقول صحيفة «لوموند». كما نشر موقع ويكيليكس عام 2007 دليل الجيش الأميركي، لإرشاد الجنود إلى كيفية التعاطي مع السجناء في «كامب دلتا». وأبدت مجموعات حقوق الإنسان قلقها لدى اكتشاف أنه بحسب توجيهات رسمية، يمكن حرمان السجناء من إمكانية الخضوع لمعاينة الصليب الأحمر لمدة تصل إلى أربعة أسابيع. كما أظهر الموقع أيضاً أنه يمكن للمساجين أن يحصلوا على «مكافآت خاصة» إذا ما أحسنوا السلوك والتعاون. وتلك «المكافأة»، كانت عبارة عن رزمة من ورق التواليت.

هذا ونشر موقع ويكيليكس أكثر من 1,000 بريد أرسلت على مدى 10 سنوات من قبل العاملين في وحدة البحوث المناخية في جامعة «إيست أنغليا» البريطانية ،بدا أنها تظهر تورط علماء في «خدع» من أجل الإسهام في دعم الحجج التي تقول ان الاحتباس الحراري حقيقي ومن صنع الإنسان.

وحرصاً على سلامة الجهات التي تزوده بالمعلومات يخبئ الموقع هويات مصادره ويحصل على المعلومات بطريقة مشفرة. لكن ما روجت له وسائل الإعلام عن هوية من سرب الجزء الأكبر من الوثائق يشير إلى أن المحلل العسكري الأميركي، برادلي مانينغ، الذي يواجه حاليا تهمتين جنائيتين لهذا السبب هو المسؤول

مقارنة تفرض نفسها: هل يتكرر ما حدث في فيتنام؟

مع هذا الانكشاف للعدد الهائل من الوثائق عن حرب دائرة في بؤرة بعيدة وخطرة فرضت المقارنة نفسها: أعادت تسريبات الوثائق السرية عن الحرب في أفغانستان الى الذاكرة مشاهد عن تسريبات «أوراق البنتاغون» في العام 1971 أيام الحرب في فيتنام، والتي حشدت الرأي العام في مشهد لم يسبق له مثيل وكانت بمثابة نقطة تحول في مسار الحرب في فيتنام بدأ بتقديم الرئيس الاميركي حينها، ليندون جونسون استقالته. دانيال ايلسبيرغ هو من وقف وراء عملية التسريب. هذا الاقتصادي اللامع الذي بدأ العمل في العام 1958 في منظمة مهمتها القيام بالأبحاث والخدمات السرية استطاع أن يرسم بشكل فعلي بداية الطريق لخسارة عسكرية وسياسية محتمة للولايات المتحدة. إيلسبيرغ كان يعرف فيتنام جيدا. ففي العام 1967، شغل منصب المساعد الخاص لسفير الولايات المتحدة هناك، كما عمل في خدمة رئيس مجلس الامن حينها ، هنري كسينجر الذي كان يتولى ملف الهند الصينية. مقتنعا بأن ما تقوم به بلاده هو جريمة بحق الديموقراطية والسلام العالمي، قرر إيلسبيرغ أن يفضح ادعاءات وأكاذيب الجهاز السياسي والعسكري الأعلى في البلاد. وقد تعرض بعدها لمحاولات عدة لإيقافه إلا أن أيا منها لم ينجح لا سيما بعد وصول الوثائق الى كافة وسائل الإعلام حينذاك.

في هذا الموقف ما يتقاطع مع ما يجري الآن. والمفارقة في الأمر أن إيلسبيرغ اليوم، 79 عاما، متفرغ للدفاع عن برادلي مانينغ المتهم الاول في تسريب الوثائق الى موقع ويكيليكس. ويقول في مقابلة له مع صحيفة «لو موند» الفرنسية ان جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس وبرادلي مانينغ هما بطلان حقيقيان.

إلا ان العديد من المتابعين لما يحصل في قضية ويكيليكس يرون أن ظروفا جمة تغيرت في المناخ العام إعلاميا وسياسيا واستراتيجيا وجماهيريا عما كان سائدا أيام الحرب على فيتنام. بروس ريدل الذي أمضى 29 عاما في وكالة الاستخبارات الأميركية السي.آي.إي يعتبر، في مقابلة له مع صحيفة «لوموند»، أن ضعف وثائق ويكيليكس إزاء أوراق البنتاغون كامن في طبيعة الوثائق والجهة التي سربتها «فوثائق ويكيليكس المسربة قوامها تقارير إدارية تكتيكية محدودة المواعيد، وتتضمن كما هائلا من الإشاعات والتقييمات، الواردة في ثنايا الوثائق، والمتناقضة بين بعضها البعض، في مقابل تاريخ موثق عن الحرب في فيتنام مكتوب بواسطة عدد قليل جدا من النخبة من أرفع المستويات. في حين ان ويكيليكس قام بالعكس: نشر شظايا متناثرة عن «رواية تتكرر يوميا» كتبها عدد لا يحصى من المشاركين علاوة على أنهم لا يشغلون مواقع هامة»، وعن إمكانية أن تغير هذه الوثائق الرأي العام والطريقة التي تتناول بها وسائل الإعلام الموضوع يجيب ريدل بأن «انكشاف الوثائق أثقل جو الانهزامية العام في الولايات المتحدة، إلا أن الشعور الطاغي باستحالة انتصار أميركا في حربها في أفغانستان لم يكن وليد وثائق ويكيليكس فحسب».

وبعيدا عن أوراق البنتاغون لم تنجح وثائق ويكيليكس بتقديم ما يشبه الصور التي نشرت عن سجن أبو غريب التي اعتبرت فضيحة العصر. وعن رأيه بالوثائق ال 15000 التي يعتزم ويكيليكس نشرها وما إذا كانت تحمل من جديد فيقول «إن حملت هذه الوثائق صورا لمجزرة معينة، فهذا قد يغير المعطيات». وفي سؤال أخير طرح عليه حول قدرة وثائق ويكيليكس أن تحدث تغييرا على الأمد البعيد يجيب بأن السياق مختلف كليا للحديث عن الموضوع، «فعندما نشرت أوراق البنتاغون في العام 1971 كانت الحركة الشعبية السائدة ضد الحرب ناشطة جدا في حين أن فكرة الانهزامية اليوم مسيطرة وبهذا يكون الجواب الوحيد هو النصر في أفغانستان وما عدا ذلك فالأوضاع في تدهور مستمر وقد تؤتي وثائق ويكيليكس ثمارها حينها».

ويجزم كثيرون باستحالة أن تحقق هذه الوثائق (وغيرها) ما حققته أوراق البنتاغون. فالقوات الاميركية في فيتنام كانت تواجه تهديدات عسكرية متمثلة بترسانة الصواريخ و بالقوة التقليدية الهائلة لحلف وارسو في حين أنه اليوم بات أعضاء حلف وارسو أعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده أميركا. ويقول جون بايك محلل الأمن القومي الأميركي في موقع غلوبال سيكيوريتي دوت أورج على الانترنيت: الولايات المتحدة أصبحت أقل خوفا من استخدام قواتها في الخارج وذلك على الرغم من عدم إقرار الخدمة الإجبارية اليوم في الولايات المتحدة لإمداد القوات الأميركية بما تحتاج اليه الحرب ضد أفغانستان.

وقد يكون هناك دور كبير لوسائل الإعلام، فقدرة وسائل الإعلام على متابعة الأحداث في التو واللحظة تجعل من موت جندي ما أو من أبسط الأحداث خبرا أما في حرب فيتنام فقد احتاج الشعب الأميركي أكثر من عام حتى يعرف بأخبار المجزرة التي ارتكبها الأميركيون حيث قتل أكثر من 300 فيتنامي. وكان وقعها ثقيلا جدا على الرأي العام الأميركي. كما يوجد لوسائل الإعلام اليد الطولى في حشد مشاعر الأميركيين ضد الإرهاب، لا سيما بعد احداث 11 أيلول، من خلال تعزيز فكرة أن طالبان مسؤولة عن غالبية القتلى من المدنيين في أفغانستان «قتال طالبان هو النهاية في حد ذاته، ويستحق ما يبذل لأجله من دم ومال أميركيين» كما ذكرت صحيفة الغارديان، موردة في مقالها ما يعزز اهمية القيام بالحرب، ويعطي صورة عما تقوم به وسائل الإعلام لشرعنتها «إيران مشاركة في حملة سرية مكثفة لتسليح وتمويل وتدريب وتجهيز متمردي طالبان، وأمراء الحرب الأفغان تحالفوا مع القاعدة والانتحاريين لاستئصال القوات الغربية والبريطانية من أفغانستان» والآن بما أن الولايات المتحدة وأوروبا صعدتا من العقوبات على إيران إلى درجة أن الخطوات التالية قد تفضي إلى الحرب، تقدم هذه التصريحات خدمة للداعين والمروجين لهذه الحرب. وتتعدد أسباب الاختلاف في النظر الى نتائج كل من وثائق «ويكيليكس» و«أوراق البنتاغون» وذلك لما هو حاصل من تداخل في الاقتصاد العالمي بالإضافة الى أسباب جيوبوليتكية متغيرة وقد يبقى أهم الأسباب، غياب قوى الرأي العام الناشطة التي تحمل لواء التغيير.

===============

في الخلاف التركي - الأميركي

السبت, 21 أغسطس 2010

مصطفى زين

الحياة

تستخدم الإدارات الأميركية المتعاقبة الكونغرس حجة للتخلص من الحرج حيال حلفائها، عندما يتطلب الأمر الضغط عليهم، خصوصاً إذا «تطاولوا» على إسرائيل.

إدارة أوباما لا تشذ عن هذه القاعدة. الرئيس شخصياً حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أن الاستمرار في مواقفه المناهضة لإسرائيل والمتساهلة مع إيران، تقلل فرص أنقرة في الحصول على أسلحة طلبت شراءها حديثاً. وأن هذه المواقف تطرح أسئلة مصيرية في ما يتعلق بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين. ولوح له بفزاعة الكونغرس المستعد دائماً لمعاقبة من يجرؤ على انتقاد الدولة العبرية («فايننشال تايمز»). وأعطى أنقرة «مهلة» لمراجعة سياساتها الإقليمية.

بغض النظر عن تقرير الصحيفة اللندنية الرصينة، ونفي البيت الأبيض له، فإن العلاقات بين واشنطن وأنقرة بدأت، منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة، واتخاذه قراراً تاريخياً باستعادة تركيا هويتها الإسلامية، تشهد أزمات متلاحقة. أزمات تجسدت في محطات مهمة، مثل منع الجيش الأميركي من استخدام الأراضي التركية قاعدة لاحتلال العراق. والانفتاح على إيران وسورية المدرجتين على لائحة الإرهاب في واشنطن، والابتعاد عن السياسات الإسرائيلية. والتصويت في مجلس الأمن ضد فرض عقوبات على طهران.

هذه المواقف التركية التي تثير حفيظة الولايات المتحدة، ليست عابرة. كانت في عهد إدارة صقور جورج بوش وحروبهم، وما زالت مستمرة في عهد الديموقراطيين الممثلين برئيس يرضخ أكثر فأكثر لنفوذ اللوبيات، ولا يختلف عن سلفه إلا في أسلوبه الخطابي.

تلويح الإدارة السابقة والحالية بإثارة قضية مجازر الأرمن وتلزيمها للكونغرس للضغط على أنقرة، يؤكد تجذر هذه الأزمات، ويضفي على تقرير الصحيفة اللندنية صدقية. واشنطن غير مرتاحة إلى مراجعة الزعماء الأتراك سياسة بلادهم في الشرق الأوسط، وسعيهم الدؤوب إلى استعادة علاقاتهم التاريخية مع شعوب المنطقة التي حكمها العثمانيون قروناً طويلة.

فضلاً عن ذلك، كانت واشنطن وتل أبيب تراهنان على العداء التاريخي بين أنقرة وطهران. عداء ينظر إليه بغباء من زاوية الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة، بدلاً من النظر إليه على أساس أنه خلاف على المصالح بين العثمانيين والدولة الإيرانية. وراهنت الدولتان أيضاًً على اعتدال الإسلام التركي (دعم إسرائيل) لمواجهة إيران. لكن أنقرة خيبت أمل الطرفين بمواقفها فبدأ الضغط عليها.

تداركاً للتصعيد الأميركي قررت تركيا إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن لطمأنتها إلى أنها ما زالت دولة علمانية حليفة للغرب، وخلافها مع واشنطن لا يعدو كونه خلافاً في أسلوب مقاربة قضايا الشرق الأوسط، وهذا يحصل دائماً بين الحلفاء.

هذه اللغة الديبلوماسية لن تستطيع إخفاء حقيقة تغيير تركيا استراتيجيتها. قد تؤجل انفجار الأزمة لكنها لن تلغيها، خصوصاً ان إسرائيل ما زالت مستمرة في عدوانيتها لتأكيد هيمنتها على شرق أوسط استفاقت أنقرة على مصالحها فيه.

تبدد صدى خطبة أوباما في إسطنبول (عام 2009). وبدأ الواقع، لا الكلام، يفرض نفسه على الجميع.

===============

الحملة على مسجد «غراوند زيرو» تهدد الاعتدال الاسلامي

الجمعة, 20 أغسطس 2010

نيويورك – راغدة درغام

الحياة

أخطأ الرئيس باراك أوباما مرتين في تناوله زوبعة بناء مركز إسلامي ومسجد قرب برجي «مركز التجارة العالمي» في مانهاتن على بعد أمتار من «غراوند زيرو» – موقع الهجوم الإرهابي الذي أطاح البرجين على أيادي 19 إرهابياً مسلماً. أخطأ، أولاً، عندما دخل حلبة الصراع فيما كان عليه أن يترك المسألة حيث يجب بقاؤها، أي في مدينة نيويورك ومع عمدة نيويورك، مايكل بلومبرغ، الذي دافع عن تشييد المسجد في ذلك الموقع وقال: «عار علينا حتى أن نتحدث عن الأمر». وأخطأ، ثانياً، عندما رطّب مواقفه وتراجع في اليوم التالي عن الدعم القاطع لتشييد المسجد قرب «غراوند زيرو»، مشككاً بحكمة مثل هذا القرار، فبدا الرئيس ذو الجذور الإسلامية ضعيفاً، متردداً، متراجعاً أمام حملة الكراهية التي شنّها اليمين المتطرّف والحملة السياسية التي أطلقها الحزب الجمهوري للاستفادة في الانتخابات النصفية المهمة للحزبين الديموقراطي والجمهوري على السواء.

ما يجدر بالرئيس أوباما أن يقوم به الآن هو اختيار المسألة المهمة والتوقيت المناسب ليقلب الطاولة على الذين يصنّفونه بالضعيف ليثبت قوته حيث للقوة فائدة. ويتطلب هذا منه استباق ما هو في ذهن الذين يعدّون له حملة عشواء عندما يضطر للضغط على رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو إنقاذاً لحل الدولتين وصيانة للمصلحة القومية الأميركية.

ربما كان أساساً في ذهن الذين أججوا مسألة المسجد أن يستبقوا الضغوط على إسرائيل الرافضة مفاوضات مباشرة مع السلطة الفلسطينية على أساس مرجعية يتفق عليها العالم أجمع – مرجعية حل الدولتين وإنهاء احتلال عام 1967 للأراضي الفلسطينية مع تبادل أراض والعيش في أمن لإسرائيل وفلسطين.

ما زال المبعوث الأميركي السناتور جورج ميتشل مثابراً وصابراً وآملاً يبذل الجهود لإطلاق المفاوضات المباشرة المرجوة. الوزراء العرب دعموا السلطة الفلسطينية نحو المفاوضات المباشرة في شبه مفاجأة، وذلك تجاوباً مع الجهود الأميركية وإثباتاً للرغبة الصادقة في السلام مع إسرائيل والاعتراف بوجودها على أساس حل الدولتين. «اللجنة الرباعية» المكوّنة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي تعمل جاهدة على لغة لترغيب إسرائيل بالمفاوضات المباشرة على أساس المرجعية التي أقرتها «الرباعية» في إجماع على أهداف التفاوض وأطر أهدافه. لكن حتى الآن، تساوم إسرائيل لكي تجري مفاوضات لمجرد التفاوض والتلاعب بالوقت. وحتى اليوم، تتملص إسرائيل تكراراً من حل الدولتين، بعذر من هنا وذريعة من هناك، متلاعبة على الألفاظ، وهي في واقع الأمر غير جدية في تنفيذ هذا الحل وتطبيقه.

علاقة حل الدولتين بأزمة المسجد في نيويورك لم تكن لتبرز على الإطلاق، سوى من ناحية الرسالة التي يحملها دوماً الإمام فيصل عبدالرؤوف وهي رسالة الاعتدال بين المسلمين والحوار مع الديانات الأخرى. هكذا من وجهة نظر الإمام فيصل، يمكن إضعاف التطرف وتقوية الاعتدال من أجل التصدي للإرهاب عندما يأتي من صفوف المسلمين. أمثال الإمام فيصل يدعون إلى الانفتاح والتعايش ويدعمون خيار المفاوضات والسلام. انهم الصوت الآخر المناهض للأصوات الرافضة للسلم والتفاوض والتي تحرّض على استخدام القوة لتحصيل الحقوق. والإمام فيصل هو الصوت الداعي الى العقل والتعقل والصبر والتفاهم. وما نجم عن الحملة عليه من الأبواق الأميركية، وهي التطرف بعينه، هو ان تلك الأبواق أضعفت هذا الصوت وقدّمت الذخيرة لأصوات التطرف والعنف والانتقام. فهؤلاء في صفوف التطرف شامتون اليوم بالذين قالوا لهم ان أميركا عادلة ومنفتحة تحترم دستورها ولا تميّز بين مواطنيها، إعلامها حر ومستقل والحوار فيها بنّاء. هذه الشماتة ذخيرة للانتقام من المعتدلين المسلمين الذين هم حجر أساس في مواجهة العنف والإرهاب.

سذاجة أكثرية الرأي العام والإعلام الأميركي تعميه عن واقع في منتهى البساطة والوضوح، وهو، أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب دفاعاً عن الولايات المتحدة وحماية للمصلحة القومية الأميركية يتطلب بالضرورة الشراكة مع صفوف الاعتدال في القاعدة الشعبية للمسلمين أينما كان.

تعصّب معظم الإعلام الأميركي والرأي العام ضد العرب وتلقائية الانحياز لمصلحة إسرائيل يحولان دون الإقرار الضروري بأن معالجة القضية الفلسطينية بحل عادل للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني هو حجر أساس للقضاء على ذرائع المتطرفين في الصفوف الإسلامية. فالمعادلة في غاية الوضوح: حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يساوي كسب نصف المعركة ضد الإرهاب والعنف الآتي من المسلمين الغاضبين على أميركا بسبب تحاملها في مسألة فلسطين. وحلّ هذا النزاع يسحب على الأقل نصف الذريعة من أيادي المتطرفين الذين يصادرون القضية الفلسطينية ويستغلونها لحسابهم. ومن يجهل هذا الواقع انما يتظاهر بالجهل، وهو في الواقع منحاز ومتعصب، أو أن السذاجة والجهل هما حقاً آفة تأكل في عصب أميركا.

بالتأكيد، هناك بين الرأي العام الأميركي والإعلاميين من وقف بكل وضوح وجرأة وإصرار في وجه الذين صنعوا من مشروع المركز الإسلامي والمسجد قضية انتخابية أو قضية ضد الإسلام أو قضية ضد باراك أوباما.

وبكل تأكيد ان مواقف العمدة مايكل بلومبرغ، وحاكم نيوجرزي كريس كريستي، وهما من الحزب الجمهوري، مواقف جريئة ومبدئية يجب على القيادات والرأي العام والإعلام في العالم الإسلامي التنبه لها قبل التهجم الشامل على أميركا وحكامها وسياسييها وأعلامها.

وبالتأكيد، أيضاً، ان السجال في شأن موقع بناء المسجد والمركز الإسلامي ليس قطعاً محسوماً لمصلحة الحق بتشييد المركز – وهو حق دستوري يتفق عليه جميع الأميركيين من الناحية القانونية ومن الناحية التجارية ومن الناحية الدينية. فقد كان في وسع الإمام فيصل عبدالرؤوف وشركائه في القرار أن يتعمقوا في معنى قرب المقر من «غراوند زيرو» وما قد ينطوي عليه ذلك من استفزاز عاطفة أو استفزاز كراهية للإسلام.

الإمام فيصل صديق وكذلك زوجته دايزي خان وهما دائماً في المحافل الدولية يعملان نحو الحوار والانفتاح. انهما صورة الاعتدال في الإسلام. دايزي تقول «ان رمز الموقع رمز قوي لأن القرب (من «غراوند زيرو») لبعث رسالة الاعتدال من خلال مركز إسلامي يحتفل بالسلام والتعايش والصلاة معاً إنما يُعلي صوت الاعتدال ويُغرِق صوت التطرف».

وعلى رغم صحة رأيها حول الاعتدال والتطرف، فإن عدم التنبه لوطأة «القرب» عاطفياً للبعض واستغلالياً للبعض الآخر ليس حكيماً. لقد كان الأجدى بالإمام فيصل أن يفكّر مليّاً وأن يترقب ردود الفعل.

لربما مسألة «القرب» proximity في حسابات الإمام فيصل انطلقت من رغبته في أن يكون المركز الإسلامي والمسجد صرحاً لطي صفحة زج المسلمين في خانة الإرهاب بمجرد ذكر 9/11. لربما راهن على ثقة وزارة الخارجية الأميركية وتوكيلها له كحاملٍ لرسالة التفاهم والإيضاح والتحاور والعمل المشترك مع رجال الدين المعتدلين في العالم الإسلامي وكذلك رجال الدين المسيحيين واليهود. لربما أخطأ. لربما أصاب.

واقع الأمر ان الأمر سيزداد تعقيداً أمام وضوح المضي بتشييد المركز والمسجد. فالمعركة التي بدأتها جهات عنيفة في عدائها للإسلام والمسلمين قد تتحول الى مواجهة عنيفة، لا سيما ان الغباء والعنصرية والكراهية، عندما تجتمع معاً، فإنها تؤدي الى العنف والإرهاب بعينه.

لذلك، من الحكمة للحزب الجمهوري أن يلجم أمثال نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب السابق الذي شبّه بناء المسجد ب «محاولة النازيين إقامة نصب بجانب متحف المحرقة في واشنطن». مثل هذا التأجيج يؤدي الى استفزاز العنف المضاد وربما يؤدي الى استدعاء عمليات إرهابية الى الأراضي الأميركية مجدداً. عندئذ ستقع في أيادي الحزب الديموقراطي الذخيرة لاتهام الحزب الجمهوري باستفزاز واستدعاء العنف والانتقام.

كل هذا يدخل في تلك اللعبة السياسية التي تسمى انتخابات، وكل موجة انتخابات تحوّل أميركا بإعلامها وسياسييها الى زمرة وجوقة تتسلى بألاعيبها، بلا حس المسؤولية. انها اللعبة السياسية يا أغبياء. انه زمن تحويل المسائل السياسية الكبرى الى حفلة تسلية وإلهاء لشعب ينتمي الى الدولة العظمى الوحيدة. وهذا مذهب ومخيف ولا يستدعي إدخال الولايات المتحدة في حال صراع مع الإسلام بسبب مركز أو مسجد بقرب «غراوند زيرو».

الأهم هو التنبه لضرورة معالجة أسباب الخلاف مع العالم الإسلامي. فلسطين بالتأكيد تشكل خلافاً جذرياً يجب إزاحته عن المعركة مع التطرف الإسلامي.

الرئيس باراك أوباما، وكذلك كبار القادة العسكريين الأميركيين الذين يقودون المعركة ضد التطرف الإسلامي، قالوها مرات عدة وما زالوا: ان حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هو في المصلحة العليا القومية للولايات المتحدة. وان استمرار هذا النزاع هو عرقلة أساسية أمام إصلاح العلاقة الأميركية مع العالم الإسلامي وأمام الحرب على التطرف الإسلامي أينما كان.

رجال الدين في صفوف الاعتدال، من أمثال الإمام فيصل، هم تماماً من سعت حملات «الديبلوماسية الشعبية» لهذه الإدارة والإدارة السابقة البحث عنهم وحضهم على بعث رسالة الاعتدال كي تتكوّن الشراكة الضرورية لإلحاق الهزيمة بالتطرف.

ما حصل في أميركا في شأن تشييد المسجد والمركز الإسلامي في «باراك 51» هو بمثابة اطلاق الرصاص على قدمي القنّاص نفسه. هذا إضافة الى وضع ذخيرة ثمينة في أيادي التطرف – ذخيرة شنق الاعتدال في صفوف رجال الدين.

===============

تحركات إيرانية مثيرة للاهتمام... والقلق

خيرالله خيرالله

الرأي العام

21-8-2010

تبدو التحركات الإيرانية الأخيرة مثيرة للاهتمام إلى حدّ كبير. لم يسبق لإيران أن أوفدت مثل هذا العدد الكبير من المسؤولين فيها إلى لبنان وسورية خلال فترة قصيرة. ما كاد علي اكبر ولايتي كبير مستشاري مرشد «الجمهورية الإسلامية» آية الله علي خامنئي يغادر دمشق بعد زيارة طويلة لبيروت حتى وصل إلى العاصمة السورية وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. ما الذي لدى متكي يزيده على الرسالة التي حملها ولايتي، هل جاء متكي للتأكد من أن الرسالة التي حملها ولايتي إلى كبار المسؤولين السوريين لقيت تجاوباً لدى هؤلاء، أم يحمل رسالة مختلفة؟

الأكيد أن ما تقوم به إيران حالياً من نشاطات في غير مكان من المنطقة يعكس قلقاً متزايداً لدى طهران من تطورات لا تصب في مصلحتها. يأتي هذا القلق وسط انباء عن حوار أميركي- إيراني تتولاه جهات معينة قد لا تكون بعيدة عن الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يهيئ نفسه لزيارة لبنان بعد انقضاء شهر رمضان المبارك. مثل هذا الحوار لا يعني أن هناك استعداداً أميركياً لتقاسم النفوذ مع إيران في المنطقة والاعتراف بدور مهيمن لها في الشرق الأوسط بمقدار ما أنه يشير إلى أن طهران باتت مقتنعة بأن ليس في استطاعتها الذهاب بعيداً في عدائها للولايات المتحدة من جهة والعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من تورطها في أفغانستان والعراق من جهة أخرى.

في كلّ الأحوال، هناك، في أقلّ تقدير، سببان للقلق الإيراني. يعود السبب الأول، إلى أن العقوبات التي باشر المجتمع الدولي في فرضها على «الجمهورية الإسلامية» أكثر من جدية وأن الكلام عن غياب أي تأثير للعقوبات على المواطن العادي ليس في محله. أكثر من ذلك، يبدو أن الأوروبيين والأميركيين على استعداد للضغط على كل المستويات من أجل توسيع نطاق العقوبات بعدما رفعوا شعار: لا تعايش مع إيران نووية. وهذا يعني في طبيعة الحال أن الخيار العسكري أكثر من وارد في حال اصرار النظام الإيراني على متابعة برنامجه النووي الذي يخفي رغبة في انتاج القنبلة الذرية.

أما السبب الآخر، للقلق الإيراني، وهو مرتبط إلى حد كبير بالسبب الأول، فهو عائد إلى الموقف الروسي الجديد من البرنامج النووي الإيراني. إلى ما قبل أشهر قليلة كان المسؤولون الروس يكتفون بابداء قلقهم من البرنامج النووي الإيراني. لكنهم في الوقت ذاته كانوا يمتنعون عن الذهاب بعيداً في مسايرة الأميركيين والأوروبيين. طرأ أخيراً تطور على الموقف الروسي جعل الرئيس الإيراني يوجه انتقادات شديدة اللهجة إلى كبار المسؤولين الروس وإلى سياسة موسكو عموماً. فجأة، لم يعد أحمدي نجاد يفرق بين الموقفين الروسي والأميركي متجاهلاً أن التحول الذي طرأ على موقف موسكو مرتبط إلى حد كبير بعدم قدرة طهران على الإجابة عن سؤال في غاية البساطة في شأن إصرارها على تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة. فمن يسأل أي خبير في الفيزياء النووية عن التخصيب يأتيه الجواب الآتي: من يمتلك التكنولوجيا التي تسمح له بتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة، يستطيع الوصول إلى نسبة 93 في المئة وهي النسبة التي يحتاج إليها انتاج السلاح النووي.

بالنسبة إلى الروس، يقول خبير كبير في الفيزياء النووية، لا يوجد للكمية التي تنتجها إيران من اليورانيوم المخصب ونوعيتها أي استخدام في المرحلة الراهنة، باستثناء الحصول على القنبلة، نظراً إلى أن إيران لا تمتلك مفاعلاً لانتاج الطاقة كما أن عقدها مع روسيا لتشييد مفاعل بوشهر وتشغيله يتضمن تزويد المفاعل بالوقود. وهذا ما ستفعله موسكو في حال تسليم المفاعل لإيران قريباً.

ويضيف هذا الخبير في شرحه لأسباب التبدل في الموقف الروسي أن كل الحجج التي تسوقها طهران في شأن البحوث النووية التي تقوم بها لا تستند إلى منطق. فالنظائر المشعة الطبية والصناعية يمكن أن تنتج بكميات قليلة تكفي دولة مثل إيران يقل عدد سكانها عن مئة مليون نسمة... هذا في حال كان مطلوباً استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية!

باختصار شديد، انكشفت اللعبة الإيرانية. إيران كانت تلعب على جهل الناس بكل ما له علاقة ببرنامجها النووي إذ تربط بين تصنيع الوقود والقدرة على تشييد المفاعلات. والقضيتان مختلفتان تماماً، ذلك أن من ينتج البنزين عن طريق مصاف نفطية لا يمتلك بالضرورة مصانع تنتج سيارات.

لا شك أن هناك محاولة إيرانية لتجاوز مأزق ناجم عن العقوبات الدولية من جهة وانكشاف طبيعة البرنامج النووي الذي استخدمته «الجمهورية الإسلامية» طويلاً لتغطية سياساتها على الصعيد الإقليمي من جهة أخرى. لم يكن من هدف لإيران سوى تكريس نفسها قوة إقليمية معترف بها من المجتمع الدولي على حساب كل ما هو عربي في المنطقة. إيران موجودة في الخليج وتهدد الملاحة فيه وقادرة على إثارة كل أنواع الغرائز المذهبية داخل دول المنطقة. وإيران هي المنتصر الوحيد في الحرب الأميركية على العراق. وإيران موجودة بقوة في لبنان وقادرة على احتلال بيروت في أي لحظة عبر الميليشيا التابعة لها، فضلاً عن أنها تعتبر عناصر القوة الدولية في جنوب لبنان رهائن لديها. وإيران تحرك «حماس» مثلما تحرك الحوثيين في اليمن... وهي موجودة أيضاً في أفغانستان وباكستان، ولديها علاقات خاصة بالتطرف السني، بما في ذلك «القاعدة»...

هذا غيض من فيض بالنسبة إلى قدرات إيران. هل آن أوان البحث الجدي في مستقبل دورها في ضوء العقوبات الدولية والتحول الروسي، أم تتابع عملية الهروب إلى أمام مع ما قد يعنيه ذلك من زيادة في احتمالات حصول مواجهة على الصعيد الإقليمي. المخيف في الأمر أن دولة عدوانية مثل إسرائيل ليست بعيدة عن أجواء المواجهة نظراً إلى أنها تعاني بدورها من مأزق داخلي يجعلها غير قادرة على مواجهة تحديات السلام ومتطلباته. انها أيام عصيبة تمر فيها المنطقة، والارتباك لا يقتصر على إيران بل ينسحب على أدواتها في المنطقة بشكل أكثر من ظاهر.

كاتب لبناني مقيم في لندن

===============

مفاوضات مباشرة لأهداف مغايرة

آخر تحديث:السبت ,21/08/2010

خليل حسين

الخليج

في علم القانون الدبلوماسي وفن التفاوض ثمة قواعد وأصول متعارف عليها ومعتمدة وبخاصة لجهة الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المباشرة، أبرزها كسر الحاجز النفسي بين الطرفين، ووصول القضايا ذات الصلة إلى نقاط ايجابية متفق عليها، علاوة على استنفاد الأغراض غير المباشرة للتفاوض . فما الذي حصل من كل ذلك بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” ليتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟ وما هي خلفيات الإصرار على الانتقال؟ وهل أن الظرف الفلسطيني والعربي مهيأ للمفاوضات المباشرة؟

 

إن استعادة ذاكرة التفاوض القريبة كما البعيدة بين الطرفين، تثبت أن لا اشارات ولا مواقف مشجعة، تبرر تبديل أسلوب التفاوض، لا سيما وأن الجانب الفلسطيني بالتحديد لم يتمكن حتى الآن من تحقيق شيء يذكر يمكن الارتكاز عليه عند انتقاله للمفاوضات المباشرة، بل من الممكن أن يكون هذا الأسلوب عبئاً إضافياً على المفاوض الفلسطيني بمواجهة “الإسرائيلي” من دون وجود فريق آخر يكبح جماح الضغوط “الإسرائيلية” المعتادة .

 

قبل عقدين من الزمن، وبالتحديد عند انطلاقة مؤتمر مدريد للسلام سرعان ما تم فكاك المسارين الفلسطيني والأردني مع “إسرائيل”، وفيما تمكنت عمان من التوصل إلى اتفاق وادي عربة، تمكنت “إسرائيل” من جر الفلسطينيين إلى متاهة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، السرية منها والعلنية، وفي كل تلك التشكيلات التفاوضية لم تتمكن السلطة الفلسطينية من أن تأخذ وعداً قابلاً للبناء عليه، فكانت المفاوضات هدفاً بحد ذاته لا وسيلة للوصول إلى حلول لقضايا محددة، وجل ما سعت اليه “إسرائيل” شراء المزيد من الوقت لتحسين ظروف التفاوض على مواضيع كانت مرفوضة سابقاً .

 

طبعاً قبل أقل من أربعة أشهر، أعطى العرب الفرصة الذهبية ل”إسرائيل” على قاعدة عل وعسى، لكنهم نسوا أو تناسوا أن عشرات الفرص قد أعطيت سابقاً منذ عام 1982 في قمة فاس العربية، وصولاً إلى إعطاء الضوء الأخضر للفلسطينيين بالتفاوض المباشر، وكأن العرب قد أدوا قسطهم للعلا في دعم الفلسطينيين مادياً ومعنوياً لإطلاق يدهم في مفاوضات متكافئة ومتوازنة!

 

في جولات المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، لم يتمكن من كبح جماح الحكومة “الإسرائيلية” ورئيسها، بل أعطاها فرصاً إضافية لتنفيذ مشاريعها في ظل وهم المفاوضات غير المباشرة، فماذا عن المستوطنات في الضفة الغربية وماذا عن الاستثناء الذي شمل القدس؟ وماذا عن الحدود وعن وعود الدولة التي باتت تشبه تماماً دولة أفلاطون وأرسطو الفاضلة غير القابلة للمنال .

 

في الواقع لا شيء جديداً يبرر إطلاق مفاوضات مباشرة دون جدول اعمال واضح الأهداف والغايات . ففي ظل القضايا السالفة الذكر المستوطنات والقدس والحدود وغيرها ما زالت “إسرائيل” غير مستعدة للاقتناع بالتفاوض حول تلك القضايا، بل هي وفي ظل ظروفها الحالية لا يعدو الأمر كونه محطة دبلوماسية تخدم أغراضا إعلامية، في وقت اهتزت صورتها لدى المجتمع الدولي بعد جريمة أسطول الحرية . كما أن الأمر يمكن استغلاله واستثماره في وجهات أخرى كاظهارها الدولة التي تبحث عن السلام في الوقت الذي وتّرت الأجواء الامنية على الحدود مع لبنان وفي ظل ما يظهر من معلومات ووثائق عن اتهامها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري .

 

إن قراءة تاريخ التفاوض “الإسرائيلي” مع الجانب العربي وبخاصة الفلسطيني، يظهر ثوابت متعددة الأوجه والأسباب والغايات، من بينها، حرص “إسرائيل” على استمرار آليات التفاوض المباشر دون تقديم تنازلات في الوقت الذي تعمل فيه على تكريس أمر واقع أولاً، وثانياً عدم تقديم أي مقترح أو مشروع رسمي خلال المفاوضات، باستثناء تقديم لاءات معروفة، كعدم عودة اللاجئين أو العودة إلى حدود ما قبل 1967 القدس عاصمة أبدية ل”إسرائيل” ولا لعودة القسم الشرقي منها للفلسطينيين، إضافة إلى عدم إزالة المستوطنات في الضفة، لكن بنعم لسلطة فلسطينية منزوعة السلاح . وثالثاً تفنن “إسرائيل” بالاستماع إلى المبادرات العربية، فترحب بها وتأخذ ما يفيدها وتتجاهل ما ترفضه وتطالب بالمزيد من التنازلات .

 

لقد سعت “إسرائيل” بشكل دائم إلى عدم السماح لأي طرف الدخول بشكل جدي في المفاوضات مع الفلسطينيين لا من الأمم المتحدة ولا حتى الادارة الامريكية، بهدف استفراد الجانب الفلسطيني وفرض ما تراه مناسباً من وجهة نظرها . علاوة على سعيها الدائم لشراء الوقت بهدف التنصل من الاستحقاقات والتهرّب من الالتزامات إن وجدت، والعودة إلى الوراء لأتفه الأسباب .

 

إن التدقيق في جولات التفاوض الأخيرة غير المباشرة، تظهر أن هدفها الأساسي كان إجبار الفلسطينيين الدخول مجدداً بمفاوضات مباشرة لا أفق محدداً لها، لا في الزمان ولا المكان، بل في أحسن أحوالها ستكون مناسبة لاجراء جولات جديدة من الضغوط السياسية على السلطة الفلسطينية من جهة، وتهيئة ظروف الضغوط الأمنية والعسكرية على فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وغيرها .

 

أما الأخطر من ذلك، أن تكون هذه المفاوضات المباشرة بداية لخريطة طريق تفاوضية مع أطراف عربية أخرى كلبنان وسوريا مثلاً، وأن تُستعمل الساحة اللبنانية بعد إشغالها داخلياً كبيئة لتغطية ما يمكن أن يتم في المفاوضات المباشرة . ثمة معطيات وقرائن وأدلة تشير إلى أن المنطقة تعيش حالة من الغليان السياسي والأمني القابل للانفجار، فهل ستكون المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” المباشرة مدخلاً جديداً ل”إسرائيل” لإدارة أزماتها الداخلية واستحقاقاتها الخارجية؟

استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

===============

الحرب الأخيرة

آخر تحديث:السبت ,21/08/2010

عبد الزهرة الركابي

الخليج

على فرضية وحتمية أن الحرب آتية في المنطقة، أكملت الدولة الصهيونية تدريباتها ومناوراتها العسكرية التي كان بعضها بمشاركة أمريكية، وهذه التدريبات جرت في أجواء مشابهة لحروبها السابقة على لبنان، مع تطويرات تتعلق بمعالجة الصواريخ باتجاهات ثلاثة واحتواء التكتيكات والأسلحة المتطورة التي من المتوقع استخدامها من قبل المقاومة اللبنانية على نحو خاص . هذا على الجانب الدفاعي، وفي الجانب الهجومي تم وضع خطة للتوغل البري السريع بغرض الوصول إلى خاصرة سوريا المتمثلة في سهل البقاع اللبناني، وكذلك التدرب على تكتيكات الغارات الجوية على الأنفاق والدهاليز التي تتحصن عناصر المقاومة فيها .

 

في المقابل تؤكد المقاومة اللبنانية، أنها الطرف المباشر والمقابل للدولة الصهيونية في الحرب المتوقعة، على الرغم من أن “إسرائيل” وضعت في حسبانها أن سوريا ستكون هي الأخرى طرفاً مباشراً، ولن تكتفي بالدعم اللوجستي في هذه الحرب، وكذلك فإن إيران ستكون طرفاً مباشراً وغير مباشر في آن واحد .

 

لهذا، تواصلت تدريبات المقاومة اللبنانية بالأوضاع الثابتة والمتحركة مع تخصيص جانب من هذه التدريبات على الدفاع الجوي، بعدما تردد عن حصول المقاومة على أنظمة متطورة في هذا الجانب، تُستخدم بحملها على الكتف أو على آليات وشاحنات خفيفة مثل نظام الدفاع الجوي (بانستير) الروسي الحديث والمتطور . واللافت في هذه التدريبات، هو تركيزها على القتال الليلي الذي يُعتبر لصالح المقاومة التي كسبت أكثر من جولة فيه، على الرغم من أنها في ذلك الحين لم تكن بحوزتها أجهزة الرؤية الليلية، وتزامنت وتماهت في آن هذه التدريبات مع الاستعدادات والتحضيرات الميدانية، حيث أقامت المقاومة خطاً دفاعياً في سهل البقاع لحماية دمشق من أي خرق أو التفاف “إسرائيلي” يستهدفها، وبمشاركة من فصائل فلسطينية متواجدة في المنطقة أصلاً، حتى يتسنى للقوات السورية عدم إشغالها من جهة الغرب . ويعتقد مراقبون، أن السوريين سيفتحون جبهة الجولان لتحقيق هدفين: الأول أنهم يمتلكون قدرة صاروخية متفوقة في مقابل تفوق الطيران “الإسرائيلي”، الأمر الذي يردع الدولة الصهيونية استهداف البنية التحتية والأهداف الحيوية في العمق السوري، وهو واقع يعيه “الإسرائيليون” جيداً، بدلالة تدريباتهم الأخيرة التي كانت محاولة منهم للحد من الخسائر التي ستحدثها هذه الصواريخ إذا ما اندلعت هذه الحرب .

 

والآخر إذا كانت المقاومة اللبنانية قد أشغلت ربع الجيش “الإسرائيلي” في حرب تموز وهي في وضع دفاعي، فعلى الأرجح أن هذه المقاومة ستشغل ثلث هذا الجيش كحد أدنى، وربما نصفه كحد أقصى، مع احتمال راجح وفحواه الانتقال إلى تكتيك هجومي من خلال الدخول إلى مناطق منتقاة ومهمة في شمال فلسطين، لمؤازرة هجوم سوري استباقي على ثلاثة محاور في هضبة الجولان، وذلك لمنع خطة “الإسرائيليين” الرامية إلى نقل المعركة إلى العمق السوري .

 

وهذا يعني أن المتبقي من الجيش “الإسرائيلي” ستحتويه جبهة الجولان التي ستشهد حرباً أخيرة أو هي الفرصة الأخيرة لتحرير هذه الهضبة من الاحتلال “الإسرائيلي”، لأن نتائج هذه المعطيات لن تكون في صالح الدولة الصهيونية، إذ إن هذه المعطيات ستكون موجودة على الأرض، وستمتد تأثيراتها السياسية إلى مرحلة ما بعد هذه الحرب بالنسبة لعملية السلام .

 

وعلى كل حال، فإن جبهة غزة ستشغل جزءاً من جيش الاحتياط “الإسرائيلي”، بيد أن المقاومة اللبنانية ووفقاً لتصوراتها الإستراتيجية الخاصة بها، وعلى صعيد التطوير الميداني للعمليات العسكرية وحسبما يعتقد المحللون والخبراء، بمقدورها القيام بعمليات التفاف واختراق واسعين لشمال فلسطين (الحدود الشمالية لفلسطين)، من خلال استخدام عدة آلاف من وحدات المقاتلين الخاصة والمدربة على حرب المدن وحرب العصابات لفرض السيطرة على أجزاء واسعة من المناطق الشمالية وفي الجليل ومنطقة إصبع الجليل، وسيكون لذلك أثره البالغ في التوازنات الخاصة بقواعد الاشتباك، وحيث تتمكن قوة عربية ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” من فرض سيطرتها على مستعمرات وبلدات “إسرائيلية”، ومن الطبيعي أن مثل هذا المكسب المعنوي والميداني إذا ما تحقق جزئياً على أقل تقدير، فإنه كفيل بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة مثل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، في وقت متزامن مع التكتيك الهجومي السوري في هضبة الجولان، الذي سيفرض معطياته ميدانياً وسياسياً .

===============

أهداف إسرائيل على مرآة صقيلة

بقلم :طلال عوكل

البيان

21-8-2010

إذا كان من الطبيعي أن يكون لكل بيت أو منشأة قناة لتصريف المياه العادمة، ففي السياسة أيضاً يمكن أن يحدث شيء مشابه. أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، لا يعرف فقط على أنه متطرف، مأفون، وعنصري بارز، بل إنه أيضاً يشكل قناة تصريف السياسات والمواقف الأكثر بشاعة.

 

قبل نحو شهر أو أكثر كان قد كتب مقالاً نشرته صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية استعرض فيه موقفاً يختصر الطريق كثيراً لمعرفة الأهداف التي يسعى لتحقيقها الائتلاف الحكومي الذي يقوده زعيم الليكود بنيامين نتنياهو.

 

في مقالته يترجم ليبرمان مسألة الدولة اليهودية، بالدعوة صراحةً لنزع الجنسية الإسرائيلية عن الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم المحتلة منذ عام 1948، ويرى ضرورة ترحيلهم إلى المناطق المحتلة منذ عام 1967، باعتبارها الأرض التي يمكن أن تقوم عليها دولة فلسطين.

 

ولا يستثني ليبرمان إمكانية أن تشمل عملية تبادل الأراضي المفترضة، ضم منطقة المثلث شمال فلسطين ذات الكثافة السكانية الفلسطينية مقابل الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية المقامة على أراضي الضفة الغربية.

 

ليبرمان كان قد صرف العديد من المواقف، فهو لا يرى إمكانية لإقامة سلام انطلاقاً من مبدأ الأرض مقابل السلام، وهو لا يرى إمكانية لقيام دولة فلسطينية قبل العام 2012، وتكرس كتلته الانتخابية جهداً لتقديم عدد متتابع من مشاريع القرارات ذات الطابع العنصري ضد مواطني إسرائيل من الفلسطينيين، كان آخرها حظر عمل هؤلاء في المؤسسات الرسمية.

 

آخر ما نشرته الصحافة الإسرائيلية عنه يوم الجمعة السادس عشر من هذا الشهر، أن وزارته بلورت خطة تستهدف إنهاء كل مسؤولية لإسرائيل كدولة محتلة عن قطاع غزة، والسعي من أجل الحصول على شرعية دولية تعتبر القطاع كيان مستقل.

 

خطة ليبرمان تتضمن أيضاً دعماً أوروبياً من أجل إقامة محطات لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر وتكرير المياه العادمة وتكليف الاتحاد الأوروبي أيضاً بالمراقبة والإشراف على المعابر الحدودية كشكل من أشكال التدويل. قبل أن يكشف ليبرمان عن خطته المتبلورة، كان زميله في الحكومة وزير الاقتصاد قد طالب أكثر من مرة، بتحقيق هذا الهدف وبلورة خطة لتنفيذه، وقد جاءت تصريحاته مباشرة، عقب القرصنة الإسرائيلية على أسطول الحرية في الحادي والثلاثين من أيار/ مايو الماضي.

 

وفي الأساس فإن الأمر كله يعود إلى سياسة شارون بشأن الفصل أحادي الجانب، التي نفذها في شهر أغسطس 2005، وأدت إلى إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وتفكيك 19 مستوطنة كانت مقامة على أراضي قطاع غزة.

 

كان القرار الأهم في هذا السياق، هو قرار اتخذته في سبتمبر 2007 حكومة أيهود أولمرت، خليفة شارون في زعامة حزب كاديما وفي رئاسة الحكومة، ويقضي بالتعامل مع قطاع غزة باعتباره «كياناً معادياً».

 

على أن الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية العاشرة، برئاسة القيادي من حماس إسماعيل هنية، وتم تشديده بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في الخامس والعشرين من يونيو 2006، كان الحصار هو الآلية العملية التي سيتم من خلالها تعميق الانقسام بين قطاع غزة، والضفة الغربية وصولاً للفصل التام.

 

هكذا يبدو جلياً أن إقدام إسرائيل مؤخراً على تخفيف الحصار بمعنى السماح بتدفق المواد والبضائع ما عدا الاستراتيجية منها، ومزدوجة الاستخدام، إنما يستهدف إبقاء وتشديد الحصار السياسي والجغرافي وتعميق الانقسام الفلسطيني، إلى حد الفصل الكامل.

 

لقد سعت إسرائيل من خلال الحصار إلى دفع قطاع غزة للاعتماد في كل ما يحتاجه على مصر، وكان واضحاً أن السلوك المصري الذي يعتبره البعض مشاركاً في الحصار، قد جاء على خلفية إدراك مصري عميق للأهداف الخبيثة التي تسعى إسرائيل لتنفيذها، ومن أجل إفشال تلك الأهداف.

 

الخطة التي تبلورها الخارجية الإسرائيلية تفترض الحصول على دعم واشنطن، والاتحاد الأوروبي، كعامل أساسي لإنجاحها، وفي ظروف طبيعية يفترض أيضاً أن تحظى بقبول مصري، وأردني على اعتبار أنها في الأخير تذهب إلى حل إقليمي يقضي بدفع قطاع غزة نحو مصر، وأجزاء من الضفة نحو الأردن.

 

وإذا كان من المرجح أن ترفض مصر، ويرفض الأردن هذه الخطة ويرفضها الفلسطينيون أيضاً، فإن إسرائيل التي لا تقيم أي اعتبار للرفض الفلسطيني، ستحاول توظيف الإدارة الأميركية، لتخفيف آثار وتبعات الرفض المصري والأردني والعربي عموماً، أليس هذا ما يحدث في معظم الأحيان وحدث مؤخراً، بالنسبة لأزمة العلاقات التركية- الإسرائيلية، على خلفية القرصنة الإسرائيلية على أسطول الحرية؟

 

إذا نظرنا إلى واقع الانقسام الفلسطيني الذي تحول إلى وجود كيانين متصارعين، أحدهما في قطاع غزة والآخر في الضفة، ووضعنا الإجراءات الإسرائيلية ضد القطاع منذ أربع سنوات، فإننا سنستخلص أن الخطة قطعت شوطاً كبيراً من خلال وقائع منسجمة على الأرض، ولا يتبقى لتنفيذها بالكامل سوى اقتناع واشنطن والاتحاد الأوروبي.

 

الأهداف الإسرائيلية التي أعلنها ليبرمان، لم تفاجئ الفلسطينيين الذين تدرك قياداتهم السياسية المنقسمة على نفسها مآل السياسة الإسرائيلية، ويدركها أيضاً المواطن الفلسطيني العادي، تلك الأهداف، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أو مجرد إصدار الاتهامات، مدى خطورة الانقسام الفلسطيني، ومدى فداحة الخسائر التي يتكبدها الفلسطينيون جراء الانقسام والصراع.

 

وبناء لهذا الإدراك أصدرت حركتا حماس وفتح، مواقف واضحة برفض خطة ليبرمان ورفض أهدافها، لكن هذه المواقف تظل نظرية، ما لم يتم ترجمتها عملياً وخصوصاً عبر الذهاب فوراً إلى مصالحة وطنية تنهي الانقسام، وتعيد للفلسطينيين وحدتهم.

 

في توقيت طرح خطته الجهنمية، ينبغي أن نلاحظ، استمرار حكومة نتنياهو في اتخاذ خطوات استفزازية واضحة وذات دلالة، كلما كان السيناتور جورج ميتشل في جولة للمنطقة.

 

ميتشل الذي زار المنطقة بعد لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولمتابعة نتائج ذلك اللقاء، اصطدم بخطة ليبرمان التي طرحها أثناء وجود ميتشل في إسرائيل، فيما سبق حضوره إقدام بلدية القدس على تدمير ستة منازل فلسطينية هناك.

 

الرسائل الإسرائيلية للكل بما في ذلك واشنطن أكثر من واضحة، فإسرائيل ليست جاهزة ولا هي ناضجة لدفع ثمن الحد الأدنى من السلام الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، فمعها المجتمع الدولي، ولا نقول السلام كما يراه الفلسطينيون والعرب.

كاتب فلسطيني

===============

صهينة القدس وجعلها عاصمة وثنيّة مغلقة

نصر شمالي

8/21/2010

القدس العربي

المدن العربية جميعها مهمّة مهما كانت عادية أو ثانوية، لكنّ القدس ليست عادية ولا ثانوية، لأنّ وجودها مقترن بوجود الأمة العربية من أساسه، ولأنّنا إذا نظرنا إلى الوطن والأمة كجسد، وإلى كلّ مدينة عربية كساق أو ذراع أو عين أو أذن أو لسان، فإنّ القدس هي القلب أو الدماغ. إنّ الحياة تستمرّ وإن ناقصة بفقد عضو ثانوي، لكنّها تتوقف، ويكون الموت، في حال فقدان القلب أو الدماغ. وذلك هو موقع القدس وحالها مع سكّان المنطقة العربية على مدى آلاف السنين، منذ فجر التاريخ.

إنّ القدس أكبر من الحقائق الإسلامية المحدّدة الثابتة التي تطرح اليوم، ناهيكم عن أنّها أسمى وأجلّ من أن تخضع للادعاءات والخرافات الصهيونية التي لا أساس لها. فهي، قبل أن تصبح القلب أو الدماغ، كانت الفقرة الرئيسية في العمود الفقري الذي نهض به جسم المنطقة الفتيّ في مراحله الأولى، والذي استندت إليه الوظائف الأزلية الإيجابية لسكانها، نعني وظائفهم كحلقة للوصل وتنظيم الصلات بين الأمم، لصالح جميع الأمم. وهكذا فإنّ صهينتها، باغتصابها أو بتدويلها، تعني إلغاء وظائف سكان المنطقة العرب، أي إلغاء خصوصيتهم وحضورهم، وبالتالي اضمحلالهم وفناءهم في الواقع.

لقد تشكّلت الأمة العربية، في الطور الإسلامي، من جميع سكان المنطقة المتواجدين فيها منذ أقدم العصور المجتمعية. ولنلاحظ أنّ الخطاب الأول للدعوة الإسلامية (الذي لم يهادن الوثنيّة أبداً، والصهيونية وثنيّة) صنّف المسلمين بأنهم من انتمى إلى ملّة إبراهيم وملل الأنبياء والرسل الذين تلوه على مدى أكثر من ألفين وخمسمائة عام (منذ العام 1900 قبل الميلاد حيث بداية العهد الإبراهيمي). لقد ميّز الخطاب بحزم بين الإسلام الإبراهيمي عموماً وبين الإيمان المحمّدي خصوصاً، لكنّه لم يجعلهما متعارضين، بل متكاملين. ولقد لخّصت مدينة القدس هذا الخطاب بصورة رائعة تليق بمكانتها العظمى. فلا استئثار ولا احتكار، ولا إقصاء ولا إنكار، ولا تعصّب ولا استكبار، أي لا وثنيّة، بل تعزيز عربي لوظائفها الأزلية الأممية.

اليوم، يعمل الصهاينة الوثنيون، اليهود وغير اليهود، على جعل القدس دائرة وثنية مغلقة، يستأثرون بها وحدهم ويحتكرونها، ويقصون وينكرون أمّتها والأمم الأخرى، ويمارسون فيها التعصّب والاستكبار، والاستثمار في الربا والقمار، بعد تحويلها إلى ما يشبه لاس فيجاس، وهذا الذي نقوله عن نشاطهم وأهدافهم ليس مجرّد تكهّنات، بل حقائق واقعية يمكن لمن يشاء الاطلاع عليها في سجلات الدوائر الإسرائيلية والأمريكية المعنيّة بالقطاع السياحي. بل لقد قرأت ذات مرّة أنّ الإسرائيليين لوّحوا لبعض الفلسطينيين بأهمية الاستثمار السياحي المشترك للأماكن المقدّسة، بما فيها المسجد الأقصى.

والحال أنّ مشروع الكيان الإسرائيلي هو في الأساس مشروع استثماري ببعدين: الأول دولي تمثّله اليوم الولايات المتحدة كوريثة لبريطانيا وأوروبا، فهي بمساعدة المستوطنين الإسرائيليين تستولي على النفط العربي وعلى الأسواق الداخلية العربية. والثاني إسرائيلي يحوّل فلسطين إلى مركز استثمار دولي في الأعمال المشينة من جهة، وإلى مركز إدارة صهيوني للمنطقة العربية بمجملها من جهة أخرى. وبالطبع فإنّ هذا المشروع لن ينجح إلاّ بعد استكمال تهويد القدس أو صهينتها، ومن ثمّ انتزاع الاعتراف بها، كأمر واقع، عاصمة لمشروعهم. وعلى هذا الأساس رأيناهم، بعد استكمال احتلال فلسطين بكاملها عام 1967، يبدأون عمليات التسلّل سرّاً ومن دون ضجّة إلى جميع أنحاء القدس المحتلة، ويقيمون على مدى العقود التالية عدداً كبيراً من الأحياء الاستيطانية، التي بلغ عدد سكانها الصهاينة حوالي ربع مليون.

في العام 1995 كان حال المقاومة الفلسطينية والعربية قد تغيّر سلبياً. فقد بدأ الحديث 'العقلاني المعتدل' عن إلقاء السلاح واستبداله بالمفاوضات والمقايضات. وإذا بالعمل السرّي الصامت لتهويد القدس يتحوّل إلى عمل علني ناطق. وإذا بالمتهوّد الخزري المرتزق إيهود أولمرت (رئيس بلدية القدس آنذاك) يعلن صراحة أنّه نجح في إقناع العشرات من أعضاء الكونغرس الأمريكي بالتوقيع على عريضة تنصّ على إصدار قرار بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، التي يفترض أنّ وضعها القانوني لا يسمح بذلك. بل إنّ بلديّته خصّصت أرضاً للسفارة مساحتها ثلاثون دنماً. وعندما زار كلينتون القدس لاحقاً، أسرع إلى شرفة فندقه العالية، ودعا فرحاً من معه لمشاهدة تلك الأرض، وقد غمرته الحماسة الصهيونية.

إنّ الأميركيين يتطلعون بحزم إلى اليوم الذي ينقلون فيه سفارتهم إلى القدس. لكنّهم يعرفون أنّ الأوان لم يؤن بعد، سواء فيما يتعلّق بوضع الفلسطينيين أم بوضع العرب والمسلمين عموماً، بعكس أولمرت وأمثاله من المرتزقة الصغار المستعجلين. لكنّ الأميركيين لم يمانعوا بل شجّعوا الانتقال من مراحل التسلّل اليهودي سرّاً إلى مرحلة المداهمات والجرّافات وهدم الأحياء المقدسية وتهجير سكانها. فمثل هذه النقلة المتقدّمة تتفق وسويّة النقلة المتراجعة للنظام الرسمي العربي، الذي أدار ظهره لما يحدث في القدس، ولما يحدث في جميع المدن والقرى الفلسطينية. إنّه النظام الذي ينطبق على حكّامه تماماً قول شاعرنا ابن الرومي: 'يضحك إبليس سروراً بهم/ لأنّهم عارّ على آدم'.

يجب أن لا يخامر أحد أدنى شكّ في أنّ الأمريكيين الإنكليز اللوثريين يعملون بدأب ويتطلعون بلهفة إلى ذلك اليوم الذي يكتمل فيه تهويد القدس، وبالتالي تصبح عاصمة إسرائيلية كأمر واقع. لكنّهم على يقين من أنّ الوصول إلى ذلك اليوم يقتضي استكمال صهينة النظام الرسمي العربي، ورضوخ الأمة. وإذا حدث ووصلنا إلى يوم مشؤوم كهذا اليوم فسوف نرى احتفالات لا مثيل لها ربّما في التاريخ، تحضرها الإدارات الأمريكية وتوابعها الدولية، ويحضرها أيضاً، كشرط لازم، حكام المناطق العربية المدارة وتوابعهم.

غير أنّ عرضنا لمثل هذه الوقائع والأهداف الصهيونية الحقيقية لا يعني تسليمنا بحتمية تحقّقها، بل هو من باب أخذ العلم بما يفعلونه وما يبيّتونه لنا وللبشرية جمعاء. فالخطر يمكن أن يصبح جدّياً إذا لم نتعرّف على أعمال الأعداء وأهدافهم ونتحرّك على أساسها. وبالطبع، فإنّ حظوظ أمتنا كبيرة في إفشالهم ودحرهم، بخاصة وأنّ سلطان عصرهم الربوي الوثني بلغ ذروته وبدأ انحداره في الوقت نفسه.. وهذا موضوع آخر.

' كاتب سوري

===============

روسيا لا تريد إيران قوية ونووية

سركيس نعوم

النهار

21-8-2010

رداً على سؤال اذا كان حصل سوء تفاهم بين انقرة وواشنطن حول موافقة الأخيرة على مسعى الاولى مع ايران النووية واذا كان رئيس ايران محمود أحمدي نجاد "غشّ" تركيا والبرازيل بعدم ابلاغهما ان بلاده تعتزم الاستمرار في تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة بعد توقيع الاتفاق النووي معهما، أجاب الموظف المهم نفسه الذي هو على تماس مع الموضوع الايراني في الادارة "البارزة" نفسها داخل الادارة الاميركية، قال: "أنت محق. أعتقد ان تركيا والى حد ما البرازيل كانتا واثقتين ان أحمدي نجاد لن يضع العصي في الدواليب كما يقال ولم تتوقعا موقفه. نعم يمكن القول انه استغلهما. على كل انها ليست المرة الاولى التي تعمل فيها ايران ضد مصالحها".

علّقتُ: هناك اعتقاد ان روسيا كشفت عندما قال رئيسها ديمتري ميدفيديف ان نسبة التوصل الى اتفاق مع ايران حول ملفها النووي تبلغ ثلاثين في المئة، انها ليست مع نووية ايران ولا ضد فرض عقوبات جديدة عليها. علماً انها كانت في السنوات الاخيرة تبتزّ اميركا من خلال مراعاتها المواقف والمطالب الايرانية والتجاوب مع بعضها. ردّ: "أعتقد ان التاريخ بين ايران وروسيا مليء بالمشكلات والأزمات. روسيا لا تريد ايران نووية على حدودها. بل يمكن القول انها لا تريد ايران قوية. اضطرت ايران بسبب سياساتها ومواقفها الى اللجوء الى روسيا وذلك بعدما ساهمت بقصد او من دون قصد في اغلاق ابواب الغرب بل غالبية العالم في وجهها. ستصوّت روسيا ب"نعم" على العقوبات (وقد فعلت ذلك) والصين ستصوّت عليها ب"نعم" ايضاً رغم كل المكاسب الاقتصادية التي تحصل عليها من ايران. وهي على كل حال صوّتت ب"نعم" على كل العقوبات الدولية السابقة التي فرضها مجلس الأمن على ايران".

سألت: ما هي أهمية هذه العقوبات؟ وهل تؤثر على ايران في رأيك؟ اجاب: "لا يتحقق اجماع الدول الكبرى وخصوصاً ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الا بعد التفاهم على تنازلات لا بد ان تكون على حساب فاعلية العقوبات. في اي حال ان العقوبة التي تقصم ظهر ايران وتدفعها الى الحوار الجدي مع المجتمع الدولي هي خفض اسعار النفط على نحو كبير اذ انه يهددها بالافلاس وتالياً بالعجز عن مواصلة تنفيذ مشروعاتها النووية والعسكرية والتوسعية في المنطقة. هذا ما حصل عندما وافق الخميني عام 1988 على قرار مجلس الامن بوقف الحرب العراقية – الايرانية. قال له في ذلك الوقت مساعدوه وأركانه: لا نستطيع الاستمرار في الحرب. سنُفلس أو بالاحرى نُفلس الآن. لكن ما يزعج ايران في اي حال ليس فاعلية العقوبات المفروضة عليها، وتحديداً الاخيرة منها، بل هو اقدام المجتمع الدولي برمته على الاشارة اليها او ربما التعامل معها باعتبارها دولة خارجة على القوانين الدولية ومتمردة على العالم كله.

وهذا وضع يجعلها شبيهة بالسودان المطلوب اعتقال رئيسه بموجب مذكرة قضائية من محكمة الجنايات الدولية لاتهامه بالمسؤولية عن مجازر دارفور (التي صارت لاحقاً جرائم ابادة)". علّقت: هناك امران يمكن ان تكون ايران تريدهما او تسعى الى تحقيقهما. الاول، الحصول على تكنولوجيا ومواد نووية وعلى المعرفة الضرورية لصنع سلاح نووي وفي الوقت نفسه الامتناع عن صنع هذا السلاح الا اذا اضطرتها الاخطار والتحديات والظروف البالغة الصعوبة الى ذلك من اجل الدفاع عن نفسها. اما الامر الثاني، فهو ان تكون صاحبة دور في المنطقة وربما شريكة لأميركا فيها. ردّ: "ما تقوله قد يكون صحيحاً في صورة عامة. لكن من يضمن بعد حصول ايران على ما تقول ان لا تصنع القنبلة النووية وخصوصاً انها لا تزال في صراع مع العالم واميركا تحديداً؟ ناهيك بأنها لم تظهر شيئاً حتى الآن يثبت ان مشروعها النووي سلمي. وهذا أمر يعوق أي تفاهم معها. أما الامر الثاني الذي اشرت اليه فانني اوافق عليه لأن ايران دولة كبيرة وقوية في المنطقة وتطمح الى دور فيها.

لِمَ لا؟ ولكنها لا يمكن أن تحصل على ذلك بالفوضى او بانتهاك القوانين، كما لا يمكن ان يكون دورها على حساب الجهات الاخرى الاقليمية او الدولية". قلت: تتردد أقوال وتحليلات تفيد ان ايران واميركا محكومتان استراتيجياً بالتقاء مصالح لا بد ان يدفعهما يوما الى تفاهم وتعاون وتنسيق. ذلك ان الاصولية السنّية العنفية التكفيرية تتفشى في العالم الاسلامي ومعها شعور عداء كبير للغرب ولأميركا تحديدا. وهي تشكل تهديداً لهما كما لحليفتهما اسرائيل. في حين ان ايران المهددة بدورها من الاصولية المذكورة تستطيع بقوتها وبدعم اميركا لها أن تكون سداً في وجه اخطارها. ردّ: "أنا موظف. ولكنني استاذ جامعي ايضاً. وكما قلت لك إنني أعرف ايران جيداً ولي فيها تجربة مؤلمة جداً. أنا أعطي محاضرات في معهد... وتلاميذي للمناسبة لا يعرفون الكثير. بعد أسابيع عدة من المحاضرات والاسئلة والمناقشات عن ايران والمنطقة سألني هؤلاء عن اسباب صراع اميركا مع ايران في وقت يبدو ان هناك عوامل كثيرة تجمع بينهما. وجوابي لهم كان ان هذا الموضوع سيتضمّنه السؤال الذي سأطرحه عليهم في "الفحص" (أي الامتحان) الاخير الذي سيجرونه". سألت: مجلس الأمن سيقر قريباً عقوبات جديدة على ايران (فَعَل) ماذا سيكون رد الفعل في رأيك اذا لم يُبدِ الايرانيون تجاوباً؟ وأين يصبح الخيار العسكري في هذه الحال؟

اجاب الموظف المهم نفسه الذي على تماس مع الموضوع الايراني في "الادارة" البارزة اياها داخل الادارة الاميركية، قال: "نحن العاملين في الديبلوماسية لا نجيب عن أسئلة افتراضية. لا تنتظر مني ان اقول مسبقاً إن العقوبات ستفشل وتالياً أن تسألني ماذا سنفعل في هذه الحال. هذا ليس ديبلوماسياً". علّقت: في العسكر الامور مختلفة. اذ تدرس كل الاحتمالات السياسية والديبلوماسية والعسكرية، كما توضع الخطط اللازمة في المجالات الثلاثة المذكورة. رد: "في بداية ثورة الخميني عام 1979 ظن كثيرون من المحللين والخبراء ان النظام الذي أسّسه سيسقط أو ينهار بعد وفاته، لكنه صمد. انه يواجه تحديات كثيرة في الداخل ومع الخارج. الذين في السلطة من رجال الدين كانوا في معظمهم مع الخميني مثل رفسنجاني وجنتي وخامنئي وغيرهم. لذلك بقوا بعد وفاته. وحده منتظري خرج من السلطة لأنه لم يكن من ضمن حلقة الخميني ولأنه افتقر الى شبق السلطة والمال وكانت لديه استقلالية في التفكير".

ماذا في جعبة موظف مهم في الادارة "البارزة" نفسها داخل الادارة الاميركية يتعاطى مع ملفات شرق أوسطية مهمة من بينها لبنان؟

===============

مقياس السلام عن شهر آب 2010: العالم كله ضدنا

المستقبل - السبت 21 آب 2010

العدد 3747 - رأي و فكر - صفحة 19

افرايم ياعر  تمار هرمن

("يديعوت أحرونوت" 19/8/2010)

ترجمة: عباس اسماعيل

أظهر استطلاع الرأي الذي تجريه جامعة تل أبيب شهريا، والذي يتناول موقف الإسرائيليين من أخر وأهم المستجدات، جملة من المعطيات أهمها:

"العالم كله ضدنا"، هكذا يعتقد 56 في المائة من الجمهور اليهودي في إسرائيل. وتعتقد اغلبية أكبر،77 في المائة، بانه ليس مهما ماذا تفعل اسرائيل وإلى حد أي حد بعيد تسير في الموضوع الفلسطيني، لأن العالم سيواصل في جميع الأحوال اتخاذ موقف انتقادي جدا تجاهها. في المقابل، تُظهر مواقف الجمهور العربي في إسرائيل (فلسطينيو 48) توجها معاكسا: اغلبية كبيرة، 75 في المائة، لا توافق على القول ان العالم كله ضد اسرائيل، اما في مسألة "هل خطوات اسرائيل تؤثر على الانتقاد في العالم عليها" فهناك اغلبية 54 في المائة تعتقد بانه توجد صلة بين الامرين.

هل على اسرائيل أن تراعي رأي العالم؟ ينقسم الجمهور اليهودي مناصفة تقريبا في هذه المسألة: 51 في المائة يعتقدون بان عليها ان تراعي ذلك حين تأخذ قرارات سياسية، بينما يرى 48 في المائة بانه لا يتعين عليها ذلك. الصورة تنعكس حين يدور الحديث عن الولايات المتحدة اغلبية ساحقة، 71 في المائة، تعتقد بان على اسرائيل أن تراعي مواقف واشنطن.

هل إسرائيل منعزلة؟ حول مسألة مكانة اسرائيل اليوم في الساحة الدولية، توجد في الجمهور اليهودي اغلبية طفيفة تعتقد بانها منعزلة بما فيه الكفاية أو تماما، 54 في المائة؛ في المقابل يعتقد 45.8 في المائة بان إسرائيل ليست منعزلة.

الموقف من الحكومة: أغلبية الجمهور اليهودي في إسرائيل، 62 في المائة، يعطي الحكومة علامة "راسب" عندما يتعلق الأمر بادارة العلاقات الخارجية لاسرائيل. نحو الثلث فقط،34 في المائة، يعتقدون بانها على مرضية يشكل كافي او جد مرضية.

أثر ليبرمان. بشكل محدد بالنسبة لاداء وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فان الاقلية فقط، 35.5 في المائة، من اليهود يعتقدون بانه يساهم في مكانة اسرائيل في الساحة الدولية، اما الاغلبية، 51 في المائة، فيعتقدون بانه يضر بها كثيرا أو بما فيه الكفاية.

طردهم أم تركهم؟ بالنسبة لقرار الحكومة حول طرد ابناء العمال الاجانب، تبرر اقلية طفيفة فقط في أوساط اليهود،16.5 في المائة، القرار كما هو (بمعنى، ابقاء 800 طفل وابعاد 400). 30 في المائة يعارضون حتى ابقاء ال800 طفل (بمعنى، يريدون أن يروا طردا ل1.200 طفل)، اما المجموعة الاكبر،46 في المائة، فتبرر ابقاء 800 طفل وتعارض حتى ابعاد ال400 طفل الاخرين. بمعنى انهم كانوا يؤيدون بقاء جميع الأطفال البالغ عددهم 1200 طفل في إسرائيل.

القاء نظرة في مدى التدين تشير الى فوارق حادة: بين العلمانيين 58 في المائة يريدون بقاء كل الاطفال، بين التقليديين، 45 في المائة يؤيدون بقاءهم، بين المتدينين، 22 في المائة فقط يؤيدون ذلك، وبين الحريديم 7 في المائة فقط.

===============

مفاعل بوشهر.. هل تغيرت قواعد اللعبة؟

محمد خرّوب

kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

21-8-2010

الافتتاح الرسمي لمفاعل بوشهر النووي، اليوم السبت، يضيف نقطة مهمة لصالح ايران في صراعها «النووي» مع الولايات المتحدة تكاد ان تعادل النقطة التي سجلتها واشنطن عندما استطاعت استصدار القرار رقم 1929 وفرض نسخة «رابعة» من العقوبات الاقتصادية وخصوصاً عندما ضمنت تصويت روسيا والصين على هذا القرار، وان كان «الانجاز» هذا، قد جاء مصحوباً بخيبة امل حقيقية عندما لم تكتفِ تركيا والبرازيل بالامتناع عن التصويت، بل صوتتا بالمعارضة، ما اثار غضب ادارة اوباما التي لم تستطع في واقع الحال ان تفعل شيئاً حيال انقرة وبرازيليا، لأن «الاخيرتين» شعرتا بالاهانة عندما احبطت ادارة اوباما «اعلان طهران» الذي توصل اليه رجب طيب اردوغان ولولا دي سيلفا بضوء اخضر من واشنطن (وهو ما تبين لاحقاً) لكن الامور سارت في الاتجاه المعاكس.

 

ما علينا..

 

مفاعل بوشهر النووي لانتاج طاقة نظيفة (كهرباء) هو فكرة «امبراطورية» بمعنى ان الرجل الذي رعاه كان شاه ايران المخلوع وهو استطاع الحصول وفي «سهولة» التعاقد مع شركة «سيمنز» الالمانية لبناء المفاعل وتشغيله لاحقاً، لكن انتصار الثورة الايرانية والعداء الذي اشهره الغرب في وجهها اطاح بالمشروع وبدا وكأنه قد «دفن» الا ان المرشد الحالي علي خامنئي وعلي اكبر هاشمي رفسنجاني وقفا الى جانب الآراء الداعية لاحيائه، وكانت روسيا هي الفائزة في عقد استكماله وتشغيله مقابل مليار دولار، وشرط واحد يتيم وهو تعهد طهران اعادة أي وقود يتم استخدامه..

 

لكن سوء الطالع (السياسي بالطبع) رافق هذا المفاعل، وخضع بالتالي لمساومات ومناكفات ونزع القداسة عن المواعيد الذي مارسته موسكو (الواقعة كما يجب التذكير تحت ضغوط اميركية وصهيونية واسرائيلية هائلة)، حال دون استكمال هذا المشروع الحيوي الذي رأت طهران في انجازه ما يسجل لصالحها ويجلب لها «الشعبية» وايضاً في تحسين شروط تفاوضها مع مجموعة 5+1 التي رأت في تعطيل مشروع بوشهر، جزءاً من الضغوط لدفع ايران للرضوخ لشروطها او اقله اخضاع كامل برنامجها النووي والمنشآت السرية على وجه الخصوص لجولات مفتشي الوكالة الذرية للطاقة الذرية بدون تخطيط مسبق.

 

يمكن كتابة الكثير عن هذا المشروع الذي رأى النور في النهاية بعد 15 عاماً على توقيع العقد الروسي، الا ان اللافت في ما يجري على صعيد الملف النووي الايراني، هو تزامن افتتاح مفاعل بوشهر مع تصريحات عنيفة تفوح منها رائحة التحدي اطلقها المرشد الروحي علي خامنئي في اتجاه الولايات المتحدة رافضاً اجراء مفاوضات معها او مجموعة 5+1 في ظل التهديدات والعقوبات مشترطاً «تغيير» نهجها قبل مطالبة ايران باستئناف المباحثات وخصوصاً في الغاء العقوبات والاهانات التي فرضتها عليها.

 

التصريحات التي يدلي بها مسؤولون ايرانيون تبدو منسقة ومدروسة على نحو يشي بأن ثمة رغبة لدى صنّاع القرار في طهران بأن يذهبوا بالامور الى «الحافة» شعوراً منهم بأن الخطورة لا تكمن في التصريحات او نوعيتها بقدر ما هي انعكاس وترجمة للخلافات، التي يعتقد الايرانيون انها تسود صفوف مجموعة 5+1 (الدول الخمس الاعضاء في مجلس الأمن + المانيا) ولهذا يتحدث علي اكبر صالحي رئيس الوكالة الايرانية للطاقة النووية عن «نجاح» بلاده في مقاومة كل الضغوط السياسية مستنتجاً (في تحدٍ) انه كلما ضغطوا علينا نسّرع في انجاز برامجنا..

 

هي مقاومة سياسية حتى الآن، فهل ثمة احتمالات لخيارات عسكرية؟ الايرانيون لا يخدعون انفسهم (في ما يبدو) وهم لهذا يسعون الى درء مثل هذا الاحتمال ومقابل ذلك يواصلون التلويح بردود «مزلزلة» وبتوسيع «ميدان» المعركة لأن الرد الايراني لن يكون قاصراً على منطقة الخليج، بل سوف يكون اوسع نطاقاً على ما قال المرشد الأعلى علي خامنئي.

 

في الاثناء، بدت تصريحات احد اسوأ رموز المحافظين الجدد جون بولتون، وكأنها خارجة عن السياق ليس فقط في شأن تحريضه على ضرب مفاعل بوشهر قبل تدشينه وخصوصاً ان واشنطن اعترفت به منشأة نووية مدنية ولم تمانع في قيام موسكو باستكماله وتمكينه من العمل رغم انها اتكأت على ذلك في القول ان مجرد تشغيل بوشهر يعني ان ايران ليست في حاجة الى تخصيب اليورانيوم، وانما ايضاً في تملق اسرائيل ودعوتها الى عدم «هدر» فرصة تدمير بوشهر في حماقة متصلة يعلم قبل غيره ان الملف ما يزال موضوعاً على طاولة الرئيس الاميركي في تنسيق متواصل مع حكومة نتنياهو وزيارات شخصيات عسكرية واستخبارية اميركية رفيعة المستوى قيل انها تحاول «اقناع» اسرائيل بعدم المبادرة من جانب واحد لضرب البرنامج النووي الايراني..

 

قواعد اللعبة بعد تدشين بوشهر تغيرت، رغم ان المفاعل الذي دشن اليوم مكرس للأغراض المدنية الا ان «صبر» ايران في شأنه خمسة عشر عاماً يدفع للاعتقاد ان مسألة ضرب المنشآت النووية الايرانية لن تكون نزهة، كما كان الحال في مفاعل تموز العراقي عام 1981، وهو الأمر الذي تدركه «اميركا المُرْهَقَة» التي تخوض حربين فاشلتين في العراق وافغانستان حيث تظهر ايران لاعباً رئيساً يمتلك اوراقاً مهمة يجزم المراقبون ان واشنطن وهي في سبيلها للخروج من هذين المستنقعين .. في حاجة اليها.

===============

ثقافة الاستهلاك.. واستهلاك الثقافة

ماهر عربيات

Mahers.arab@hotmail.com

الرأي الاردنية

21-8-2010

يطلق على منظومة السلوك السائدة في مجتمع ما ثقافة المجتمع، وهذا لا ينحصر في مجالات بعينها كالفنون والاداب انما يتسع ليشمل طرق وانماط التفكير والتعاطي اليومي مع مفردات الحياة حيث يشغل جانب الاستهلاك الجزء الاكبر منها مما جعل ثقافة الاستهلاك ذات مكانة هامة ضمن منظومة السلوك العامة للمجتمع، فتختلف كيفية الاستهلاك في المجتمعات المثقفة عن غيرها من المجتمعات الاخرى، كما تتفاوت ثقافة المستهلك بتفاوت المستوى الثقافي والوعي الاستهلاكي لديه. وتبلغ النزعة الاستهلاكية ذروتها خلال المناسبات الاجتماعية والدينية وعلى الاخص في رمضان حيث يشتد التهافت على حب الاستهلاك والتفاعل السلبي مع العملية الاستهلاكية في هذا الشهر العظيم الذي يعد فرصة ثمينة لتهذيب سلوك الفرد وتنظيم الحياة وتخليصها من الرتابة والفوضى.

 

ان الاسراف والاندفاع الى حد المبالغة في عملية الاستهلاك هو امر يتصل بمستوى الثقافة وطرق واسلوب التفكير السائد في المجتمع، والغاية من الانزلاق الحاد نحو الاستهلاك مرتبط بصفة أساسية بالرغبة في الجنوح والانفراد بالتميز عن الآخرين، وابراز الذات ومحاولة اضفاء نوع من المكانة الاجتماعية على النفس لاعتقاد هؤلاء ان المكانة الاجتماعية يمكن كسبها من خلال كثرة الاستهلاك. وللتخبط الاستهلاكي اثار عكسية موجعة ومؤثرة على مختلف الافراد والجماعات يسهل ملاحظتها والاحساس بها عند صعوبة مواجهة غلاء المعيشة واستحالة التعايش مع ارتفاع الاسعار بفعل تدني المستوى الثقافي والوعي الاستهلاكي لاؤلئك اللاهثين خلف المكانة الاجتماعية المفقودة من خلال الميل الحاد نحو الاستهلاك التفاخري.

 

وتترك وسائل الاعلام بمختلف اشكالها اثرا عميقا في سلوكيات الجمهور، ومع ان حجم هذا الاثر يختلف باختلاف درجة ثقافته وادراكه لكنها تلعب دورا بارزا في نشر النزعات الاستهلاكية من خلال الدعاية والاعلان والافلام والبرامج الترويجية للانماط الاستهلاكية المفرطة. من هنا تتجلى اهمية وضرورة ايلاء الوعي الاستهلاكي الاهتمام الخاص، فنشر التثقيف على طريق الاستهلاك سينجم عنه اثار ايجابية على الفرد والمجتمع، وهذا لا يتأتى الا بتضافر جهود مؤسسات المجتمع المعنية، والتفكير الجاد فيما بدأ البعض يعتقده حول اعتماد التثقيف الاستهلاكي كمادة تدرس ضمن المنهاج الدراسي لطلاب المدارس.

 

صحيح ما يقال ان النزعة الاستهلاكية اصبحت ظاهرة عالمية غير مقتصرة على مجتمعات محددة، لكن الصحيح ايضا ان نسبة المبالغة والافراط في الاستهلاك ودرجة التفاعل معه تتفاوت من مجتمع الى آخر حسب درجة الثقافة السائدة في هذا المجتمع او ذاك، ولازلت في هذا الشأن اختزن في ذاكرتي مشهدين قديمين، الاول لسيدة عربيه فرحت وانتعشت وتراقصت طربا لارتفاع ثمن احدى السلع الاستهلاكية كانت قد اشترت كمية منها قبل ساعات من ارتفاع ثمنها، لكنها ما لبثت ان ندمت وعضت اطراف اصابعها حينما واجهت لوما شديدا من محيطها لكونها لم تشتر كمية اكثر مما اشترت.

 

والمشهد الثاني لسيدة إنجليزية اشترت كميه من مادة استهلاكية وحالما وصل الى اذنيها في اليوم التالي خبر ارتفاع سعر تلك المادة تناولت ما اشترت واتجهت الى النافذة وألقت به في الشارع. فالمشهد الاول له دلالة واضحة، والمشهد الثاني له دلالته الواضحة ايضا، والفرق بين هاتين الدلالتين ما يسمى ثقافة ووعي المستهلك وادراكه.

===============

عن الغرب والإسلاميين والانتخابات

ياسر الزعاترة

 الدستور

21-8-2010

سال حبر كثير في توصيف الموقف الغربي من الإسلاميين خلال العقدين الماضيين ، كما تابعنا الكثير من الكلام خلال الأسابيع الأخيرة على خلفية موقف الإخوان المسلمين هنا في الأردن من الانتخابات ، ويأتي تقرير معهد بروكنغز الأمريكي الذي كتبه الباحث شادي حميد ليزيد في حدة الجدل ، مع العلم أن للباحث المذكور مواقف فيها بعض الاعتدال حيال الإسلاميين المنخرطين في العملية السياسية ، بخاصة فروع جماعة الإخوان المسلمين.

 

لو كان أمثال شادي حميد هم الذين يقررون سياسات واشنطن والغرب عموما حيال الإسلاميين لاختلف الموقف بعض الشيء ، لكن الرجل لا يعدو أن يكون باحثا عاديا يقول كلمته ويمشي كما يفعل آخرون يراوحون في مواقفهم بين التطرف والاعتدال.

 

نقول ذلك حتى لا يُعطى التقرير المذكور أكبر من حجمه بكثير ، كأن يُنظر إليه بوصفه توصية للأردن ومصر بشأن وسائل تعاطيهما مع جماعة الإخوان . وتبقى التوصية بالحوار معهم (مع أمريكا) ، والتي يرفضها الإخوان قبل خروج أمريكا من بلاد المسلمين التي تحتلها كما أكد المراقب العام.

 

التقرير يرى أن مسار المشاركة في الانتخابات من قبل الإخوان هو الأفضل للدول المذكورة حتى لا ينشأ فراغ سياسي تملؤه "القوى المتطرفة" ، وهو برأيه أفضل للحكومات ، أي أنه لا يبحث عما يخدم مشروع الحركات الإسلامية .

 

خلاصة النصيحة هي أن وجود هذه الحركات في البرلمان ، وإن بنسب أعلى من السائد ، يخدم أكثر مما يهدد ، الأمر الذي يبدو صحيحا إلى حد كبير.

 

الشيء المؤكد في المقابل هو أن الحكومات العربية التي طبقت نوعا من الديمقراطية لم تكن تفعل ذلك كي يحتفظ الإسلاميون بشعبيتهم ، فضلا عن أن يزيدوها ، بل من أجل أن يخدم برنامج المشاركة مسار تحجيمهم ، وهو ما حصل بالفعل ، ولا يشذ الموقف إلا في مصر التي يجري التعامل فيها مع جماعة الإخوان بوصفها حركة محظورة ، فضلا عن أن الإدماج العملي في العملية السياسية لم يحدث إلا في الانتخابات الماضية ، الأمر الذي لم يغير في منظومة القمع التي يتعرضون لها ، والتي تمنحهم صفة المظلومية والنضالية في الآن نفسه ، ما يؤدي إلى زيادة شعبيتهم.

 

في الحالات الأخرى مضى مسار التحجيم من نجاح إلى نجاح ، من دون أن يؤدي إلى شطب معادلة "الإسلام السياسي" ، وبالطبع لأن الصحوة الدينية لا تزال قوية ، لكن ثقة الناس ببرنامج المشاركة هي التي تراجعت على نحو واضح ، فكان أن انحاز الإخوان في الأردن إلى رأي قواعدهم وجمهورهم فاختاروا المقاطعة ، بينما سيذهب إخوانهم في مصر مذهبا آخر لاعتباراتهم الخاصة ، والأرجح أن يفاجأوا بنتيجة لا تسر ، أولا بسبب التزوير ، وثانيا بسبب عزوف الناس.

 

ماذا عن رأي الإدارة الأمريكية في القضية؟

 

من الواضح أن سياسة بوش الشرق اوسطية في إدارته الثانية هي التي تحكم وستحكم أوباما خلال ولايته الحالية (مطلع الولاية الثانية لبوش استحدث برنامج الشرق الأوسط الكبير وعنوانه الدمقرطة والإصلاح في العالم العربي) ، وهي سياسة تتلخص في أن المهم بالنسبة إليها هي السياسة الخارجية (هواجس الدولة العبرية في المقدمة) ، وما دامت تلك السياسة مقبولة وضمن المتفق عليه ، فسيكون بوسع بعض الحكومات أن تفعل ما تشاء بحركة المعارضة وعلى رأسها الإخوان (يتجلى ذلك بشكل واضح في مصر) ، من دون أن نعدم بعض الانتقادات العلنية الخجولة بهدف ذر الرماد في العيون.

 

حدث ذلك بعد نتيجة الانتخابات في فلسطين ، وإثر نتيجة الجولة الأولى من انتخابات 2005 في مصر ، والخلاصة أن واشنطن توافق على سياسة التحجيم المتبعة من قبل الدول المعنية ، مع العلم أنها سياسة بدأت بموافقة أمريكية مطلع التسعينات بعد نهاية الحرب الباردة وبروز الحركات الإسلامية كتحدْ حقيقي لمصالح الولايات المتحدة .

 

لا جديد إذن ، وتقرير بروكنغز ينصح باستمرار سياسة الاحتواء لأن المقاطعة قد تمنح الإسلاميين دفعة جديدة إذا أحسنوا إدارتها ، مع مخاوف من حدوث فراغ يملؤه المتطرفون في حال استوت المقاطعة مع المشاركة واستمر منحنى التراجع على الحال الذي نتابعه منذ عقدين.

===============

مفاوضات عبثية وتمثيل ناقص الشرعية

رأي القدس

8/21/2010

القدس العربي

دعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون امس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى استئناف المفاوضات المباشرة في واشنطن في الثاني من الشهر المقبل.

الرئيس الامريكي باراك اوباما سيلتقي السيد محمود عباس وبنيامين نتنياهو في البيت الابيض، ثم يدعوهما الى حفل عشاء بحضور الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني.

نحن امام مهرجان جديد في واشنطن، الهدف منه الايحاء للرأي العام العالمي، ومن ضمنه الرأي العام العربي، بان عملية السلام تسير بخطى حثيثة للتوصل الى تسوية سلمية تقود الى دولة فلسطينية مستقلة في غضون عام، مثلما جاء في بيان اللجنة الرباعية الدولية.

المفاوضات المباشرة من المفترض ان تتطرق الى قضايا الحل النهائي اي المستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقدس المحتلة الى جانب المياه والحدود. ولا نعرف كيف ستقدم حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة اي تنازلات تتعلق بهذه القضايا الجوهرية، وهي تتمسك بالاستيطان وترفض اي نقاش حول القدس المحتلة التي تعتبرها العاصمة الموحدة والابدية لاسرائيل.

نتنياهو يرفض اي تجميد دائم للاستيطان، ويرفض اي سيادة لاي دولة فلسطينية مستقلة، ويرى ان القوات الاسرائيلية يجب ان ترابط على حدودها خاصة مع الاردن، اما حق العودة للاجئين الفلسطينيين فهو مرفوض تماما لان اسرائيل دولة يهودية ولا مكان لغير اليهود فيها حسب رأيه.

الدخول في مفاوضات مباشرة، او غير مباشرة، لا يعني التوصل الى اتفاق بشكل آلي، كما ان توقيع الاتفاق لا يعني في الوقت نفسه انه سيطبق على الارض، فالسلطة وقعت اتفاقات عديدة مع الطرف الاسرائيلي لم تحظ باي التزام اسرائيلي بالتنفيذ، والاتفاقات الوحيدة التي طبقت ومن جانب واحد، اي الطرف الفلسطيني، هي الاتفاقات الامنية التي تحمي المستوطنين الاسرائيليين وتمنع جميع اعمال المقاومة العسكرية منها او السلمية.

ولعل المثل الابرز الذي يؤكد هذه الحقيقة قيام السلطة بتنفيذ اتفاق مع الاسرائيليين بمنع قراءة القرآن في المساجد قبل الاذان، وابعاد كل الائمة الذين يطالبون بمقاومة الاحتلال، او يستخدمون الآيات القرآنية التي تحرض عليها، ولم يأت منع ترتيل القرآن الكريم الا بعد احتجاج المستوطنين في مستوطنات الضفة لان ذلك يشكل ازعاجا لهم.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك تفويضا من الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات بالتفاوض وتقديم تنازلات باسمه، كما ان ولايته كرئيس للسلطة منتهية منذ عامين، اما صلاحية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يستند اليها لتبرير ذهابه الى المفاوضات المباشرة، وتمثيل الشعب الفلسطيني فيها فهي غير شرعية، انتهت صلاحيتها منذ عشر سنوات، واعضاؤها في معظمهم يمثلون فصائل ليس لها وجود على الساحة الفلسطينية، او اي تمثيل في المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب.

بمعنى آخر فان اي تسوية يتوصل اليها الرئيس الفلسطيني غير شرعية، وغير ملزمة للشعب الفلسطيني، نقول هذا رغم شكوكنا الكبيرة في امكانية التوصل لمثل هذه التسوية، الا اذا جاءت متطابقة تماما مع المواصفات والشروط الاسرائيلية.

امر مؤسف ان يذهب الرئيس عباس الى هذه المفاوضات المباشرة وفق الشروط الاسرائيلية، واستجابة لضغوط امريكية، وهو يعرف مسبقا انها مفاوضات عبثية لن تحقق ايا من المطالب الفلسطينية المشروعة في السلام العادل وفق قرارات الشرعية الدولية.

الغالبية الساحقة من قطاعات الشعب الفلسطيني، ووفق استطلاعات الرأي، ترفض المشاركة في هذه المفاوضات، ولكن الرئيس الفلسطيني لا يهتم بالرأي العام الفلسطيني، ولا يضع رأيه في الحسبان، وكل ما يهمه هو استمرار سلطته واستمرار دفع رواتب المنخرطين فيها، وامتيازات المجموعة الصغيرة الملتفة حوله.

المفاوضات المباشرة لا تعقد من اجل التوصل الى تسوية واقامة دولة فلسطينية مستقلة، وانما لتوفير غطاء للعدوان الاسرائيلي  الامريكي شبه المؤكد على لبنان وسورية وايران وقطاع غزة، ولا نعتقد، بل نؤكد ان الشعب الفلسطيني الذي يؤمن ايمانا راسخا بالبعدين العربي والاسلامي لقضيته، ويدين بالشكر والعرفان لآلاف الشهداء العرب والمسلمين الذين ضحوا من اجل عدالة قضيته وتحرير اراضيه، لا يمكن ان يقبل ان تستخدم قضيته العادلة والمقدسة كغطاء لعدوان اسرائيلي  امريكي على اي دولة عربية او اسلامية.

===============

مطبات حفرها حزب الله أمام الحكم اللبناني

باسم الجسر

الشرق الاوسط

21-8-2010

المطبات التي حفرها أمين عام حزب الله أمام الحكومة اللبنانية، بمؤتمراته الصحافية الثلاثة، باتت واضحة المعالم والأهداف. وهي: اتهام المحكمة الدولية بالتسييس والخضوع للولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي الرفض المسبق لنتائج التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري والشهداء السياسيين الآخرين، بل وفي القرائن التي قدمها في مؤتمره والموجهة نحو إدانة إسرائيل. فحتى لو وافقت الحكومة على إنشاء لجنة قضائية أو نيابية لبنانية - كما اقترح - للتحقيق في هذه القرائن، فهل يقبل بأن تتصل هذه اللجنة بإسرائيل للقيام بالتحقيق؟ أم هل ينتظر من إسرائيل أن تقدم لها أدلة تثبت صحة تلك القرائن؟! أم أن تسلم وثائقها إلى المحكمة الدولية، بعد سحب الاعتراف بها؟

هذا هو المطب الأول، أما المطب الثاني فهو تأجيل صدور أي قرار اتهامي، وبالتالي أي محاكمة، إلى حين حلول موعد الدفعة الثانية من نفقات المحكمة. فمن الأرجح، عند هذا الاستحقاق، أن لا يوافق وزراء حزب الله وحلفاؤهم على دفع الحكومة للمبلغ المستحق، فتفتح أزمة حكم كتلك التي حدثت منذ سنوات. ويتعطل عمل الدولة والمؤسسات الدستورية أكثر مما عطله اتفاق الدوحة.

أما المطب الثالث فهو التهديد بالفتنة في حال صدور قرار ظني قد يدين أفرادا في حزب الله، الأمر الذي حشر رئيس الحكومة اللبنانية بين احتمالين كلاهما مر بل وخطير. فإما أن يسلم الرئيس سعد الحريري بطي صفحة المحكمة الدولية متنكرا للحقيقة والعدالة والوفاء لوالده وللمبادئ التي رفعها مع فريق 14 آذار وصفق لها مئات الألوف من اللبنانيين، أكثر من مرة، في ساحة الشهداء.. وإما أن يعرض لبنان إلى أزمة وطنية وسياسية حادة، على الأقل، أو إلى فتنة داخلية، كما جاء على لسان أكثر من ناطق باسم حزب الله.

حسنا فعل رئيس الحكومة اللبنانية في رفضه الانجرار في الجدل السياسي المحتدم حول المحكمة الدولية. ولكن إلى متى يستطيع السكوت وتجنب اندلاع الأزمة؟ لا شك في أن واجبه الأول كرئيس للحكومة هو المحافظة على الاستقرار السياسي والأمني وعلى سير المؤسسات العامة والنظام العام. كما لا شك في أن اللبنانيين، في أكثريتهم الساحقة، لا يريدون التقاتل الطائفي ولا الفتن المذهبية ولا تحول لبنان إلى ساحة تصفية حسابات دولية وإقليمية على أرضه، وبواسطة أحزابه.. ولكن المأساة أنهم يعرفون أن أمرهم ليس في يدهم بل في يد قوى إقليمية ودولية متنازعة على السيطرة في منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه القوى تستطيع فرض إرادتها أو خدمة مصالحها، على حساب الدولة اللبنانية.

كيف سيتمكن الحكم اللبناني، والرئيس سعد الحريري بالذات، من تلافي الوقوع في المطبات التي انفتحت أمامه؟ وما هي الخطوات التالية لحزب الله وحلفائه اللبنانيين والإقليميين، بعد المؤتمرات الصحافية الثلاثة التي تجاوز فيها الأمين العام «خط شرعية المحكمة الدولية الأحمر»؟ ما هو موقف سورية التي أعلن معظم أصدقائها في لبنان، تأييدهم لموقف حزب الله، بل هدد بعضهم بدخول الدبابات السورية مجددا إلى لبنان؟ وما هو موقف إيران التي أعلن مرجع كبير مسؤول فيها «لا شرعية» المحكمة الدولية؟ وأيضا، ما هو موقف الدول العربية من هذا المشروع النزاعي الجديد في لبنان؟

ما من دولة أو حكومة في العالم إلا وتتعرض لنزاعات وطنية وسياسية حادة بين أحزابها وأبنائها، تعالج وتحل ضمن المؤسسات الدستورية أو.. بالحسم العسكري، أو تتحول إلى حرب أهلية. ولكن «الحالة اللبنانية» قد تكون فريدة من نوعها في العالم والتاريخ، من حيث إن الحكم يضم فريقين مختلفين وطنيا وسياسيا وحزبيا، وأن أحدهما يمتلك قوة عسكرية تفوق قوة الدولة، وبالتالي قادر على تعطيل الحكم والمؤسسات وفرض إرادته على الأرض. وأن هذا الفريق يرفض تسليم سلاحه للدولة ما دامت إسرائيل قائمة وما دام الشرق الأوسط لم ترتسم خريطته السياسية والعقائدية كما يريد النظام الإيراني الحاكم وحلفاؤه في المنطقة.

في المحصلة: المحكمة الدولية التي كان من المفترض بها جلاء الحقيقة وتحقيق العدالة وصيانة السياسيين اللبنانيين من الاغتيالات، أصبحت، اليوم، مطبا مفتوحا أمام لبنان واللبنانيين، وعقبة في وجه الحكم اللبناني. وأداة ضغط تتناوشها الأيدي المتلاعبة بمصير لبنان.

وألف وداع للحقيقة والعدالة والاستقرار السياسي والوطني في لبنان.

===================

علاج خاطىء لوضع خاطىء

صحيفة السبيل الأردنيه

الاثنين 6 رمضان 1431 – 16 أغسطس 2010

فهمي هويدي

صحيح أن حال الفتوى لا يسر في العالم العربي، بعد أن أصبحت ساحة لكل من هب ودب، ومهنة من لا مهنة له، لكن حل المشكلة لا يكون بتأميم الفتوى، وقصرها على نفر من أهل العلم تتخيرهم السلطة من بين رجالها الذين ترضى عنهم.

 

كان ذلك هو انطباعي عن الأمر الذي أصدره العاهل السعودي إلى مفتي المملكة وطلب فيه قصر الفتوى في الشؤون العامة على هيئة كبار العلماء. وحذر الذين يخالفون هذا التوجيه من أنهم سوف يتعرضون للجزاء الرادع.

 

تعرض الأمر الملكي لمبررات هذه الخطوة. فأشار إلى تجاوزات بعض الخطباء «وتناولهم موضوعات تخالف التعليمات الشرعية المبلغة لهم عن طريق مراجعهم» مما يؤدي إلى تشويش أفكار الناس والتعدي على صلاحيات المؤسسات الشرعية.

 

سواء كانت تلك هي الأسباب الحقيقية أم أن هناك ملابسات أخرى استجدت واستدعت اتخاذ هذه الخطوة، فإن ذلك لا يغير كثيرا من اقتناعنا بأن عالم الافتاء يعاني من فوضى شديدة، أسهم في تأجيجها وتوسيع نطاقها التطور الكبير في عالم الاتصالات، الذي فتح الأبواب على مصارعها لكل من شاء أن يقول ما شاء في أمور الدين أو الدنيا.

ولأن ذلك التطور جعل التواصل مع الناس خارجا عن السيطرة، فإن الجهات المعنية في الدول غير الديمقراطية دأبت على ملاحقة ومحاصرة تلك الوسائط بمختلف السبل. سواء عن طريق المراقبة أو المصادرة أو القرارات الإدارية.

يشهد بذلك مثلا الجهد الذي يبذل الآن لإخضاع الفضائيات العربية للقيود المختلفة التي تكفل الرقابة على البث وتقييد حرية التعبير.

كما تشهد بذلك الإجراءات الأخيرة التي اتخذت لوقف بعض خدمات «بلاك بيري» ومراقبة المدونات والفيس بوك وتويتر ورسائل الهواتف النقالة وغيرها،

هذه المشكلة ليست مثارة في الدول الديمقراطية. التي تكفل حرية التعبير بغير قيود. وينصب الجهد فيها على مواجهة الأضرار التي تترتب على سوء استخدام وسائل الاتصال الحديثة. مثل الاتجار بالبشر أو غسل الأموال.

التصدي لفوضى الإفتاء عن طريق حصره في جهة رسمية بذاتها لا يحل المشكلة، ولا ينبني على نظر يتحرى جذورها. ذلك أن الفتوى رأي غير ملزم لأي أحد. وتعدد الآراء مطلوب في الفقه كما هو مطلوب في العمل السياسي.

وكل الذي سيحدث أن الناس ستعتبر العلماء المأذون لهم بالفتوى والمعينين من قبل السلطة موظفين يخضعون للتوجيه بما لا يبعد عنهم شبهة الولاء لمن عينهم، الأمر الذي يفقد ثقة الجمهور فيهم، ومن ثم سيكون ذلك حافزا للرجوع إلى المراجع «المستقلة» البعيدة عن شبهة الارتباط أو الولاء للسلطة.

إن حصر الفتوى في أناس معينين من قبل السلطة هو في حقيقته تأميم للفتوى، الأمر الذي يضعنا أمام مفارقة جديرة بالملاحظة، وهي أن «الخصخصة» تسود قطاعات التجارة والأعمال، في حين أن قبضة التأميم تشتد على مجالات السياسة والإفتاء والإعلام.

لذلك فإن القرار ربما كان أحكم وأكثر موضوعية لو أنه قصر الفتوى على أهل الاختصاص، لاستبعاد الأدعياء والمتطفلين، وفي الوقت ذاته لاستبعاد شبهة إخضاع المفتين لتوجيه السلطة ورغباتها.

على صعيد آخر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو

لماذا شاعت الفوضى في مجال الإفتاء؟..

لقد أشرت إلى دور ثورة الاتصال في توسيع المجال، وجذب كثيرين إلى المحطات الدينية، وبرامج الرد على التساؤلات، والافتاء في مشاكل الخلق.

لكني أزعم أن هناك سببا أهم وأعمق هو فقدان ثقة الناس في المؤسسات الدينية الرسمية. وتلك أزمة حقيقية وليست مفتعلة؛ لأن الأنظمة التي شددت من قبضتها على مؤسسات المجتمع لم تترك المؤسسة الدينية بغير رقابة أو توجيه.

وحين أدرك الناس هذه الحقيقة، التي استدعت إلى المجال العام نفرا من أهل العلم عرفوا بأنهم فقهاء البلاط أو السلطان، فإنهم انفضوا من حولهم، وبحثوا عن آخرين ممن يفتون بوحي من ضمائرهم، وليس بتوجيه من الحكومة، ويخشون الله بأكثر من خشيتهم السلطان وضباط أمن الدولة.

 

إن قرار قصر الإفتاء على أي مؤسسة تتحكم السلطة في تعيين أعضائها هو علاج خاطئ لوضع خاطئ. وعلينا أولا أن نحافظ على استقلال المؤسسة الدينية لتستعيد صدقيتها وهيبتها قبل أن نطالب الناس بالاعتماد على مرجعيتها والاكتفاء بصوتها.

لكن ذلك يظل مطلبا صعبا في ظل أوضاع غير ديمقراطية ترفض استقلال المؤسسات الأهلية، ومنها ما فرط في استقلال الأوطان ذاتها.

=============

الأسرار العسكرية التي كشفت عنها "ويكليكس": حقيقة الحرب القذرة

بريتا بيترسون

ترجمة: صفية مسعود

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2010

فجر موقع "ويكليكس" الإليكتروني نقاشاً عالمياً حول الحرب في أفغانستان عندما نشر نحو تسعين ألف وثيقة سرية مصدرها الجيش الأمريكي. ورغم أن الوثائق لا تكشف عن حقائق جديدة، إلا أنها تغير من وعينا بالحروب الحديثة، مثلما تقول بريتا بيترسون في تعليقها الآتي.

هناك حكايات لا تكتسب أهميتها من مضمونها، بل من كيفية نقلها وتوقيتها. واحدة من تلك الحكايات هي يوميات حرب أفغانستان التي نشرها موقع "ويكليكس" مؤخراً على شبكة الإنترنت. "الكينوينة هي الوعي": هذه الجملة التي قالها الفيلسوف جورج بيركيلي تصدق بشكل خاص على الحروب، فما لا نشعر به ونعيه، لا يكون له وجود في عالمنا. لذلك فمن أهداف دعاية الحروب هو إخفاء بعض الحقائق.

إن الذين يخوضون حرباً يجتهدون دوماً في إخفاء أحداث معينة عن الرأي العام. تصنيف وثيقة باعتبارها "سرية للغاية" لا يعني شيئاً آخر. فالحرب الحديثة أيضاً – حتى تلك التي تُخاض من أجل أسباب وجيهة وإنسانية – هي في نهاية المطاف حرب؛ أي أنها تعني قتل بشر يعتبرهم المرء أعداءً. وقتل البشر يسبقه إضفاء سمات وحشية عليهم، وهو ما يجعل الجناة أيضاً متوحشين. هذه الفكرة كان دائماً من الصعب تحملها، وكان يتم تبريرها في الماضي دائماً عبر حجج حماسية ووطنية.

 

مأزق الحرب الحديثة

ولكن، إذا لم يعد بالإمكان استخدام تلك الوسائل والحجج، فلا يتبقى سوى حجب الحقيقة. هل من الممكن أن تنتظر دولة ديمقراطية أن يؤيدها أحد لأنها أرسلت مواطنيها إلى الحرب من أجل الحصول على مصادر جديدة للثروة أو مكاسب جيوسياسية؟ هل من الممكن تبرير الوحشية باسم الإنسانية؟

إن الحروب الحديثة تسير في طريق مسدود. وطالما أننا لا نحاول الإجابة على السؤال السابق فلا يتبقى أمامنا سوى أن نصدق الحكمة التي يرددها الصحفيون: "إن الضحية الأولى في الحرب هي الحقيقة."

 

حكايات وحشية منسية

"ويكليكس" انتزعت حقيقة الحرب القذرة من النسيان المتعمد. أقول النسيان لأن المرء لا ينسى سوى ما يعرفه. نحن جميعاً نعلم ما تعنيه الحرب، غير أننا نطرد ذلك العلم من وعينا عندما نقرأ الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء يومياً عن الضحايا المدنيين الذين يلقون حتفهم على يد قوات الناتو، وعندما نقرأ عن العمليات الانتحارية على المساجد أو على رتل سيارات تابعة لقوات "ايساف". على كل حال فإننا نطرد من وعينا الحكايات الكامنة وراء الأنباء.

 

وهذا ما يحكيه الآن موقع "ويكليكس". لا يعني ذلك أن تلك الحكايات لم تحك أبداً من قبل. كلا، إن كل من قام بدارسة الوضع في أفغانستان خلال السنوات الماضية لا بد أن يكون قد اطلع عليها. مثلاً، حكاية القنابل التي انفجرت في حفل الزفاف في نانغارهار مزيلة من الوجود حياة عائلة كاملة. حكاية الجندي الذي فقد ساقه في أوروسغان ثم عودته إلى وطنه وهو يعاني صدمة شديدة، وانتظاره حتى اليوم أن يلقى التقدير.

 

حكاية المسؤولة عن حقوق المرأة في قندهار التي قُتلت بالرصاص أمام باب بيتها، وحكاية حاكم غازني الذي مزقت قنبلة جسده إرباً في المسجد عندما كان بصدد الصلاة على أحد المتوفين، وحكاية سائق التاكسي الذي اُعتقل عند حاجز في أحد شوارع كابول، ثم نُقل إلى سجن باغرام العسكري، وبعد مرور سنوات طويلة يُفرج عنه - بريئاً، ولكن محطماً من التعذيب.

 

معلومات تمنع الرؤية

قائمة الحكايات المعروفة هذه يمكن بكل سهولة استكمالها حتى ما لا نهاية. ما هو وجه الاختلاف إذاً بين تلك الحكايات المعروفة وما نُشر في اليوميات على الموقع الاليكتروني؟ هل الكم الفظيع هو الذي يجعل الحكايات غير محتملة؟ ألا تُذكر هذه الحكايات بخنادق القناصة وليالي القصف بالقنابل و"العنصر البرتقالي" الشديد السمية الذي استخدم في حرب فيتنام؟ باختصار: ألا تُذكّر بكل الأهوال التي خلفتها الحرب في اللاوعي الجمعي؟

"الحقيقة الجديدة الوحيدة هي تأكيد الشائعات التي تقول بأن حركة طالبان تمتلك بالفعل صواريخ ستينغر المتتبعة للحرارة، بل وأنها استخدمتها ضد طائرات الناتو"، هذا ما كتبه توماس رورتيغ، الخبير بالشؤون الأفغانية من "شبكة المحللين الأفغان"، عن الوثائق التي نشرتها "ويكليلكس". ربما. غير أن هذه ليست إلا تفاصيل قد يستخرج منها مؤرخو الحروب يوما ما حكاية متماسكة.

إلى أن يحدث ذلك فإن مصيرنا هو "الغرق في أدغال معلومات تمنع الرؤية"، مثلما لاحظ – عن حق - أحد قراء "الغارديان" البريطانية التي حصلت على الوثائق البالغ عددها 29 ألف وثيقة بالتزامن مع صحيفة "نيويورك تايمز" ومجلة "دير شبيغل".

 

لا حقائق جديدة إلا نادراً

إن الكثير مما كتبته وسائل الإعلام المذكورة عن اليوميات قديم ومليئ بالتكرار ولا يحوي جديداً. على سبيل المثال كتبت مجلة "دير شبيغل" أن المعلومات المنشورة تبين أن "الحرب في شمال البلاد – حيث تتركز القوات الألمانية – تزداد خطورة يوماً بعد يوم".

هذه جملة فاضحة، إذ إن "الخطورة" كلمة ذاتية للغاية. غير أن المرء يستطيع أن يقرأ بالفعل في أي أرشيف صحفي أن نشاط المتمردين في شمال أفغانستان بدأ يتزايد في تلك الفترة. بعد ذلك نقرأ أن "المقاومة ضد وجود القوات الدولية لم تتشكل إلا في نهاية عام 2005 ومطلع عام 2006". إن كل من قضى تلك الفترة في أفغانستان أو تابع كصحفي سير الحرب منذ عام 2001 يعرف ذلك، بل وكتب عنه أيضاً.

كما أن صرخات الاحتجاج التي سرت في باكستان لن تفاجئنا كثيراً، بعد أن "كشفت" الوثائق مرة أخرى أن جهاز الاستخبارات الباكستاني (أي إس أي) قد تعاون مع قيادة طالبان (مع ما يُسمى بمجلس كويتا)، وأن ضباطاً متقاعدين يقيمون اتصالات بشبكة "حقاني" التي تربطها علاقات بالمنظمة الإرهابية القاعدة.

إن ذلك من الحقائق التي يعرفها كل شخص في باكستان وإن كان لا يصرّح بها، لأنها جزء من استراتيجية الدفاع الوطنية. وكما كتب الصحفي خالد أحمد مؤخراً في صحيفة "فرايداي تايمز" فإن "الجميع في باكستان يعلم أن الأحداث الجارية في أفغانستان هي في نظر الولايات المتحدة حرب ضد الإرهاب، بينما هي بالنسبة لباكستان حرب ضد الهند".

 

تعريف جديد ل"جرائم الحرب"

ماذا يتبقى إذاً من اليوميات المنشورة؟ لن نعرف ذلك على وجه الدقة إلا عندما تصبح هذه الأحداث في ذمة التاريخ. على كل حال فإنها– ربما في نهاية سلسلة طويلة من التقارير السابقة عن الحرب في أفغانستان – ستغير على ما يبدو وعينا. وهذا أمر حسن.

 

وهكذا يدعو الباحث السياسي تشارلي كاربنتر في صحيفة "هارالد تريبيون انترناشونال" إلى البحث أخيراً عن تعريف جديد ل"جرائم الحرب"، لأن التعريف القائم لا يصلح لملاحقة العدد الكبير من عمليات القتل غير المتعمد لمدنيين يلقون حتفهم خلال الهجمات التي تشنها طائرات بدون طيار أو أثناء "تفتيش المنازل" في أفغانستان؛ وهو يشير عن حق إلى أن "القتل المتعمد" للأعداء المثير للجدل الحاد في الوقت الراهن يعتبر تقدماً بالمقارنة مع "تحويل مدن بأكملها إلى كومة رماد".

إن موقع "ويكليكس" سيكون قد حقق الكثير لو ساهم نشر الوثائق في جعل المجتمعات الحديثة أكثر صدقاً في إجراء نقاشٍ عما يعنيه اليوم خوض الحروب.

ــــ

منذ الأول من يوليو (تموز) 2010 ترأس بريتا بيترسون مكتب مؤسسة هاينريش بول في لاهور / باكستان. قبل ذلك عاشت بيترسون خمس سنوات ككاتبة وصحفية في نيو دلهي / الهند. في عام 2009 منحها المجلس الهندي للعلاقات الثقافية ICCR جائزة "غيزيلا بون" لمساهماتها المتميزة في مجال التفاهم الألماني الهندي.

=================

ماليزيا تسير قدماً في قضايا الإسلام والمرأة

مارينا مهاتير

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

20 آب/أغسطس 2010

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

كوالا لامبور – أعلن رئيس وزراء ماليزيا نجيب رزاق في بداية شهر تموز/يوليو من هذه السنة، تعيين امرأتين قاضيتين في محاكم الشريعة الإسلامية في الدولة، وهي واحدة من نظامين للمحاكم في ماليزيا، تحكم في قضايا تخضع للشريعة الإسلامية.

 

رحّبت المجموعات النسائية، بما فيها "أخوات في الإسلام"، المجموعة التي أنتمي إليها، بهذا التعيين كحركة طال انتظارها، إذا أخذنا بالاعتبار المشاكل العديدة التي تواجهها النساء في محاكم الشريعة، خاصة في قضايا تتعلق بالأسرة. وقد طالبت مجموعة "أخوات في الإسلام"، التي سعت منذ زمن طويل لتحقيق العدالة والمساواة للمرأة المسلمة، بتعيين نساء منذ العام 1999 على الأقل.

 

تقع قوانين ماليزيا الوطنية تحت ولاية الحكومة الفيدرالية. إلا أن الدستور الفيدرالي يعطي ولايات ماليزيا الثلاثة عشرة سلطة قضائية في مجالين هما الأرض والقوانين التي تحكم "أتباع الديانة الإسلامية"، ويضم ذلك قضايا الأسرة كالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث. ولا تملك محاكم الشريعة سلطة قضائية على غير المسلمين والأمور المتعلقة بالممارسات الإسلامية، كما لا تتم محاكمة القضايا المتعلقة بالممارسات الإسلامية في المحاكم المدنية.

 

وقد تحدثت الحكومة عن إصلاح نظام المحاكم منذ فترة، ورغم أن تعيين نساء في محاكم الشريعة تم الشهر الماضي فقط، إلا أن القرار الفعلي بتعيين القاضيات اتُخِذ عام 2006. ورغم أن هاتين القاضيتين تمارسان عملهما في محاكم الشريعة على المستوى الفيدرالي إلا أن ذلك يشكّل حركة هامة حيث أن هذه التعيينات تعتبر مثالاً يحتذى على مستوى الولايات.

 

لسوء الحظ أن الشعور العارِم بالفرح الذي اعترى المجموعات النسائية في البداية حول تعيين هاتين القاضيتين خفّت حدّته كثيراً بعد حوالي أسبوعين من إعلان تموز/يوليو. فقد عقد عشرون من قضاة محاكم الشريعة، وجميعهم من الرجال اجتماعاً لبحث القضايا التي يمكن للقاضيات النساء الحكم فيها.

 

وقد صرّح قاضٍ في محكمة الاستئناف الإسلامية هو "داتوك مد يوسيب تشي تيه" أن هذا الأمر بحاجة للتوضيح بسبب وجود حالات معينة لا يمكن للنساء الحكم فيها مثل قضايا الطلاق والولاية التي تخص دور الذكور في رعاية الأطفال.

 

وتكمن المشكلة في أن العديد من النساء الماليزيات يواجهن انعدام العدالة في قضايا الطلاق بالدرجة الأولى، وما يتبعها من قضايا الحضانة أو توزيع الممتلكات. إضافة إلى ذلك فإن قضايا تتعلق برعاية الأطفال من قبل الرجال تؤثّر بشكل طبيعي على المرأة فقط، التي لا يُسمح لها على سبيل المثال بالزواج دون موافقة الرجل. وفي معظم الحالات تكون الحضانة لوالد الأطفال، ولكن في حالة غياب الوالد وعدم وجود أقارب ذكور عند زواج إحدى الفتيات، تحتاج المحكمة لأن تعيّن من يرعى العروس، الأمر الذي قد يتسبب بالتأخير.

 

وتشعر جماعات حقوق المرأة بالإثارة والسعادة حول احتمالات وجود قاضيات بالذات لأن بإمكانهن الإشراف على حالات كهذه تشعر فيها النساء بالمعاملة غير العادلة. ويؤمَل أن تقوم القاضيات بالحكم بشكل أكثر عدالة عند تقسيم الممتلكات في حالات الطلاق أو الحضانة، وأن يقمن بتعيين الراعين بسرعة أكبر في حالات عدم وجود والد العروس الطبيعي.

 

"تمت التعيينات بهدف تعزيز العدالة في حالات تضم حقوق الأسرة والمرأة ولتحقيق الاحتياجات الحالية" يقول رزاق. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن هذه الحركة أزعجت بعض القضاة الأكثر محافظة في محاكم الشريعة، إلا أن مخاوف الجماعات النسائية ثبت أنها غير مبررة. ففي نهاية تموز/يوليو قررت هيئة خاصة أن القاضيات يملكن بالتأكيد سلطة قضائية على نفس القضايا أسوة بالقضاة الرجال.

 

ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يأمر القضاة باستخدام حكمتهم لضمان العدالة ..."وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (58:4). وتؤكد الآية على العدالة دون أن تحدد ما إذا كان القاضي رجلاً أو امرأة. لذا فإنه لا يوجد حاجز أمام المرأة لتكون قاضية في محاكم الشريعة، حيث أنها تواجدت منذ زمن في المحاكم المدنية. وتكمن المهمة الآن في ضمان أن يمارس القضاة، رجالاً أكانوا أم نساء، العدل للجميع.

ـــــــــــ

* مارينا مهاتير كاتبة عمود مميزة ومدوّنة اجتماعية ومدافعة عن حقوق المرأة وعضوة في مجلس "أخوات في السلام"، وهي ابنة رابع رئيس وزراء في ماليزيا وخبيرة عالمية في الأمم المتحدة (www.globalexpertfinder.org). كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

===============================

رمضان حول العالم: المغرب، باكستان والولايات المتحدة

جولييت شميدت

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

20 آب/أغسطس 2010

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

تورنتو، كندا – لا يؤثر رمضان على زملائي متعددي الديانات في منظمة البحث عن أرضية مشتركة العالمية غير الربحية التي تعمل في مجال تحويل النزاعات، الذين يلتزمون بأسوب حياة وتناول الطعام الذي يعطيهم المزيد من الوقت للتفكير الروحي المعمق فحسب، وإنما العمل وعقد الاجتماعات كذلك عبر خطوط زمنية، يتم عقدها حول وقت الإفطار، وتفهّم أكبر لهؤلاء الذين يعملون ساعات طويلة دون طعام أو شراب.

 

من المؤكد أن رمضان يتعلق بأكثر من مجرد صيام طوال اليوم والإفطار في المساء، فهو بالنسبة للكثيرين رحلة تستمر مدة شهر نحو التنوّر الروحي وممارسة الانضباط الذاتي والتواضع، يحاول فيه المسلمون الامتناع عن نقل الإشاعات واستعمال اللغة التجديفية والجدل الغاضب والاتصال الجنسي (أثناء النهار وساعات الصيام) والأفكار السلبية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في الروتين اليومي لحياتهم.

 

وتختلف الرحلة ليس فقط من شخص لآخر وإنما كذلك من دولة لأخرى. يقلق البعض حول ما إذا كانوا يحققون المستويات المرتفعة التي وضعوها لأنفسهم عندما يعود الأمر إلى الصيام وأداء العمل، بينما يشعر الآخرون بشعور شامل متجدد بالهدوء والتركيز. وتختلط النواحي الروحية والثقافية لشهر رمضان حول العالم بأساليب فريدة.

 

يشرح الزميل رشاد بخاري، مستشار برنامج المنظمة ومحرر الخدمة الإخبارية بالأردية في إسلام أباد قائلاً: "مع بداية شهر رمضان تتغير الحياة بين ليلة وضحاها. ليس هناك تحوّل في عادات تناول الطعام والروتين اليومي للحياة فحسب، وإنما هناك تغيير كذلك في الجو العام. يشعر الناس بوعي أكبر بعلاقتهم مع الله تعالى ومع أخوتهم في البشرية من خلال الصلاة والابتهال والعطاء".

 

ويعتبر الشهر الفضيل بالنسبة للكثيرين تجربة روحية وثقافية. "تصحوا أسرتي في الثالثة صباحاً" يقول السيد بخاري. "تقوم زوجتي بإعداد خبز الباراثا المقلي وعجة البيض وطبق من اللبن وأطباق أخرى للسحور، الذي يوفر طاقة كافية حتى الإفطار، الذي يضم دائماً تقريباً أطعمة طيبة مثل الباكور، وهو عجين مقلي مصنوع من دقيق الحمص، والسمبوسك ولبن الزبادي مع العجين والبصل والتشات المصنوع من خليط الفاكهة بالبهارات".

 

هناك حركة مستمرة في الجو، "الأسواق تفتح أبوابها قبل الفجر، وتعجّ بالمتسوقين قبل الإفطار. تمتلئ المساجد أثناء الصلاة. ولكن رمضان أتى هذا العام في وسط أسوأ فيضانات في تاريخ الباكستان" يقول السيد بخاري. "طَغَت على الاحتفالات الاعتيادية أحزان فقدان أرواح ونزوح الملايين. الروح السائدة في رمضان هذه السنة، كما يجب أن تكون، روح التواصل مع هؤلاء ممن هم في أمسّ الحاجة للغذاء والحماية".

 

ويصف علاء الدين سرار، مدير برنامج المغرب في الرباط، كيف "جاء رمضان في فصل صيف حار هذه السنة. ولكنه جاء، كما هو الحال دائماً، بنفس روح السلام والرحمة والسعادة. ينقل رمضان المسلمين ولمدة شهر في كافة أنحاء المغرب إلى عالم الهدوء والسكينة والروحانية".

 

ويضيف السيد سرار "بالنسبة لمعظم المغاربة، يشكّل هذا الشهر المقدّس الفرصة السنوية لتطهير أنفسهم من خلال كبح جماح الذات وتقوية أرواحهم الداخلية عبر تجديد علاقاتهم مع الله تعالى والانخراط في التفكير الذاتي على أمل أن يصبحوا أناساً أفضل.

 

وهو وقت للنظر إلى الخارج كما للداخل. "رمضان شهر يزور فيه الناس أقراباءهم ويتناولون وجبات شهية معهم"، يضيف السيد سرار. وتشكّل أطباق مثل الحريرة، وهي حساء البندورة (الطماطم) بالأعشاب والبهارات، والشبكية وهي حلوى شعبية مقلية بالعسل، والسلوى، وهي حلوى من السمسم واللوز، مأكولات شهية في هذا الشهر الفضيل. يقضي الكثيرون أمسياتهم في الخروج للقاء الأصدقاء في المقاهي أو مشاهدة برامج التلفزيون الجديدة. ويلبس الأطفال ملابس عيد الفطر الجديدة احتفالاً بنهاية شهر رمضان".

 

أما في الولايات المتحدة، حيث تفتح المطاعم أبوابها كالعادة ولا يصوم معظم السكان، فتستذكر السيدة لينا العلي، مديرة العلاقات بين المسلمين والغرب وبرامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إنه لأمر مضحك، تلك الفكرة التي يمتلكها الكثيرون في "الوطن" حول الصعوبة التي أواجهها في المشاركة بشهر رمضان بينما أقيم في الشتات في واشنطن العاصمة، وفي الماضي في لندن (وليس في لبنان)".

 

واقع الأمر أنها تشعر أنه "خلال السنوات الحادية والعشرين الماضية التي قضيتها في الغرب اكتشفت المعنى الأعمق لرمضان: أولاً من خلال مثال الأشخاص الغربيين الذين تحولوا إلى الإسلام، والذين قابلتهم، الذين يعتنقون من حيث المبدأ تقريباً الشعائر الإسلامية التي تدلّ على الهدف والقصد بشعور أوسع، ثم من خلال الوحدة النسبية الناتجة عن عدم الإقامة في مجتمع ذو غالبية إسلامية، بحيث يتنامى شعور ذاتي بالهدف والتفكير الداخلي في غياب نظام اجتماعي ييسّر بشكل طبيعي الأمور لهؤلاء في محيطه".

 

"ليست هناك حاجة في أية دولة غير مسلمة يتم فيها ضمان الحرية الدينية للشعور بالشفقة تجاه أي مسلم: إنها بيئة تدفعنا بشكل ضمني نحو الجهاد الأكبر، الكفاح الداخلي الذي يعوّضنا عن أية صُعوبات خارجية غير متوقعة قد نواجهها".

ـــــــــــ

* جولييت شميدت هي المديرة المساعدة لبرنامج شركاء في الإنسانية حول العلاقات بين المسلمين والغرب في منظمة البحث عن أرضية مشتركة. يقدّم الجزء الثاني من هذه السلسلة المكونة من جزئين حول رمضان حول العالم، الأسبوع القادم وجهات نظر من لبنان وإندونيسيا. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

=========================

إصلاح الصدع الإسرائيلي التركي

أندريه مورينزا

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

20 آب/أغسطس 2010

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

اسطنبول، تركيا – أعلنت حكومة إسرائيل مؤخراً عن استعدادها للتعاون مع تحقيق تقوم به الأمم المتحدة في الغارة على أسطول الحرية التي قتل فيها ثمانية أتراك ومواطن أمريكي من أصل تركي. إلا أن إصرار أنقرة أن تعترف إسرائيل بدورها كمحرّضة، وموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه حادثة الأسطول، مصرّاً على أن إسرائيل اضطرت أن تتصرف، قد أدّيا إلى المزيد من إفشال العلاقات بين اثنتين من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الشرق الأوسط.

 

انزعج الأتراك من عمليات إسرائيل في غزة ولبنان في السنوات الأخيرة، التي عطّلت جهود تركيا لتشجيع السلام في المنطقة. وتضمّ هذه الجهود إعادة تنشيط مشروع منطقة إريز الصناعية في إسرائيل، وهو مشروع كان سيوفر مئات فرص العمل للغزيين، وجهود الدبلوماسيين الأتراك لتشجيع الحوار بين المسؤولين السوريين والإسرائيليين.

 

يخاف الإسرائيليون وبعض الجماعات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدورهم من كون حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد احتضنت شرق أوسط محافظ، بسبب تنامي علاقاتها واتصالاتها مع الحكومتين الإيرانية والسورية. وقد تسبب ذلك، مضافاً إليه الجذور الإسلامية السياسية لخدمة حزب العدالة والتنمية التركي المالي، بأن يشك الأعضاء اليمينيون في الحكومة الإسرائيلية بحوافز تركيا بأن تكون سياسية أكثر من كونها إنسانية في توفير المعونة إلى الغزيين، الأمر الذي يعمّق الصدع لسوء الحظ.

 

هناك حاجة لاتخاذ بعض الخطوات، عند هذه النقطة من العلاقات الإسرائيلية التركية، للمساعدة على إعادة إنشاء التفاعل بين الأفراد والحكومات بين الدولتين ولتحسين المناخ السياسي في الشرق الأوسط.

 

وتشكّل الخطوة الأولى في إعادة إنشاء الروابط الإيجابية أن تعتذر الحكومة الإسرائيلية أولاً لتركيا على حادثة أسطول الحرية. لا يمكن تجاهل الشعور بالوطنية التركية في أعقاب الحادثة، ولن ينسى الأتراك في فترة قريبة مقتل مواطنيهم والهجوم على سفينة ترفع العلم التركي. من المستبعد أن تقوم تركيا بإعادة سفيرها إلى إسرائيل في غياب الاعتذار. وفي غياب أية تنازلات من جانب إسرائيل، يمكن لاحتمالات التضامن الوطني مع كل دولة أن تحبط رغبة كل دولة في تجديد الدبلوماسية.

 

في هذه الأثناء يتوجب على نتنياهو أن يأخذ بالاعتبار ليس فقط الأسباب الإنسانية لرفع الحصار عن قطاع غزة، وإنما كذلك فوائد عمل ذلك من أجل العلاقات العامة الجيدة في المنطقة وعالمياً. سوف يقلل السماح بإدخال المعونة إلى غزة من العداء تجاه إسرائيل ليس فقط في الرأي العام التركي وإنما كذلك في الدول المجاورة لتركيا ذات الغالبيات المسلمة.

 

وعلى الجانب التركي يتوجب على أردوغان وأعضاء آخرين في حكومته أن يقبولوا بلباقة هذا التحرك وأن يعلنوا عودة العلاقات إلى طبيعتها. تاركين الطرح الناري ضد إسرائيل جانباً والتوجه قدماً لإعادة التركيز على التوسّط في العملية السلمية وتطوير مشاريع تساعد الفلسطينيين. يتوجب على كلا الطرفين الانتباه إلى الحاجة بعيدة الأمد لإدامة الحوار، وهذا أمر أساسي لمستقبل المنطقة بأسرها. لقد كان دور أنقرة في الوساطة السورية الإسرائيلية على سبيل المثال الأكثر وعداً منذ فترة عندما يعود الأمر إلى حل النزاع على مرتفعات الجولان.

 

وكما قال الرئيس السوري بشّار الأسد أثناء زيارته في تموز/يوليو الماضي، ترغب سوريا أن تعود العلاقات التركية الإسرائيلية إلى وضعها السابق لأن تركيا تلعب دوراً حيوياً في تشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط.

 

في الوقت نفسه يحثّ أصحاب الأعمال الأتراك الذين يملكون استثمارات في إسرائيل الحكومة التركية على حل الأزمة الراهنة.

 

لا تستطيع سوريا ولا إسرائيل تحمّل فقدان تركيا كصانع سلام، حيث أن مصالح تركيا كقوة إقليمية بدأت تظهر، ترتبط بشكل واقعي مع دبلوماسية صحية مع إسرائيل.

 

لدى الاتحاد الأوروبي دور يلعبه كذلك. في كل مرة رفضت فيها بروكسل طلباً لتركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (في الأعوام 1989 و1997، وفي الدورات الحالية على الأرجح)، حوّلت أنقرة نظرتها إلى الشرق، الأمر الذي ينظر إليه الغرب بترقّب لأسباب جغرافية سياسية. يمكن لموقف حاسم وشمولي من جانب الاتحاد الأوروبي بالنسبة لانضمام تركيا إلى الاتحاد أن يساعد العلاقات التركية الإسرائيلية، حيث أنه يزيل مخاوف إسرائيل من تركيا التي تنظر شرقاً.

 

ما زالت تركيا تقف كوسيط يتمتع بسمعة جيدة لحل خلافات المنطقة. إلا أنه في غياب حل قضاياها الحالية مع إسرائيل فقد يفشل دور أنقرة كوسيط في واحدة من أكثر النزاعات صعوبة وإلحاحاً.

ــــــــــ

* أندريه مورينزا منسق للمركز الأوروبي الآسيوي (www.eurasianhub.org) وصحفي أسباني مركزه اسطنبول منذ العام 2005، وهو يكتب لوكالة الأنباء EFE الأسبانية (www.efe.com) و El Periodico de Catalunya (www.e:periodico.com).

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ