ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 19/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

فلسطينيو القرى غير المعترف بها في مواجهة غول التهويد

المستقبل - الاربعاء 18 آب 2010

العدد 3744 - رأي و فكر - صفحة 19

علي بدوان

جاءت أحداث قرية العراقيب الفلسطينية في منطقة النقب داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948، لتكشف مرة جديدة وعلى الملأ، المساعي الإسرائيلية الصهيونية المتواصلة لتهويد ما تبقى من الأرض الفلسطينية المحتلة داخل حدود العام 1948، وتحديداً في منطقتي الجليل في الشمال، وفي منطقة النقب في الجنوب، وذلك في سياق خلخلة الوجود السكاني العربي وحشره في نقاط جغرافية وعلى مساحات محدودة، وترك المساحات الواسعة من الأرض لعمليات التهويد والاستيطان، في ممارسات تجسد مأساة الشعب الفلسطيني في أوضح صورها في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة، فمن الاعتقال والملاحقة للشباب العربي هناك، مرورا بهدم المنازل وتدمير القرى العربية، وصولا إلى مصادرة الجيش الإسرائيلي لما تبقى من الأراضي العربية.

خصوصاً وأن الخطوة الصهيونية إياها، ترافقت مع قيام اللجنة الوزارية الصهيونية لما يسمى "تطوير النقب والجليل" بالمصادقة على مخطط لتوطين (300) ألف يهودي في منطقتي النقب والجليل، في مشروع عرضه سلفان شالوم النائب الأول لرئيس وزراء الاحتلال ووزير تطوير النقب، حيث عمل على صياغة الخطة مسؤولون كبار في وزارة تطوير النقب والجليل على مدى عدة أشهر، بغرض تحقيق ثلاثة أمور، أولها توطين المزيد من اليهود في الجليل والنقب. وثانيها دعم النقاط الاستيطانية التهويدية التي أقيمت في تلك المناطق، وثالثها إقامة نقاط إضافية يسكنها المتدينون اليهود. وحسب المخطط، سيتم في البداية إقامة (150) مبنى لاستيعاب السكان الجدد، ثم تبدأ عملية بناء الوحدات الاستيطانية الخاصة بعد ذلك مباشرة، وكذلك دعم النقاط الموجودة أصلا بإمدادها بالأموال والميزانيات لإقامة (20) نقطة استيطانية جديدة.

وتعتبر قرية العراقيب، من القرى المسماة بالقرى غير المعترف بها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

أن تعبير قرية غير معترف بها يعني بالنسبة للدولة الإسرائيلية الصهيونية إنها بلا اسم ولا عنوان ولا حق انتخاب لسلطة محلية، وبلا شوارع ولا كهرباء ومؤسسات ولا خدمات ونقص في صفوف المدارس الابتدائية اللازمة داخل القرى ولا حتى مدرسة ثانوية واحدة. وترفض سلطات التخطيط الرسمية الإسرائيلية إقرار خارطة هيكلية لها، كما ترفض إقامة سلطة محلية تشرف على البناء والترخيص والتخطيط فيها، وتقديم الخدمات التحتية لها، ونتيجة لذلك لا توجد لجنة محلية للتخطيط والبناء تمنح رخص البناء. وكانت سلطات الاحتلال قد أقرت عدم الاعتراف والبناء غير المرخص في اللحظة التي سنت فيها قانون التخطيط والبناء عام 1965وطبقته بشكل تراجعي وقسري على واقع القرى الموجودة أصلا قبل قيام الدولة الصهيونية على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.

وتختبئ سلطات الاحتلال وراء قوانين البناء والترخيص في عملية هدم البيوت تحت حجة أنها غير مرخصة، والحديث يدور هنا عن عشرات الآلاف من بيوت عرب النقب التي أصدر بحقها أمر الهدم وهدمت بالفعل المئات من هذه البيوت وهو ما حل مؤخراً في قرية العراقيب.

ومن المفارقات التاريخية أن الحكومة الإسرائيلية أصدرت عام 2004 القانون/الأكذوبة المسمى ب "قانون طرد الغزاة" والمقصود هنا طرد عرب النقب أصحاب الأرض الأصليين من خلال هدم البيوت وحرث الزرع وترحيلهم إلى تجمعات التوطين القسري.

وبالإضافة إلى هدم البيوت، تقوم وزارة الزراعة والبيئة الإسرائيلية سنوياً بحرث المحاصيل الزراعية للبدو العرب الفلسطينيين في النقب، ورشها بالمواد الكيماوية بهدف إبادة الزرع ناهيك عن الأضرار اللاحقة بالبشر الذين يستنشقون المواد الكيماوية السامة.

ولا بد من التذكير أن الوعي العام بدأ يتطور منذ سنوات التسعينات إدراكا لمخاطر التوطين القسري وتهجير البدو العرب الفلسطينيين من قراهم وأرضهم، وهذا ما جعل مهمة المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية أكثر صعوبة، ولكن التحول الكبير بدأ مع تأسيس عدد من الجمعيات والهيئات الناشطة منها المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها ومؤسسة النقب للأرض والإنسان.

أخيراً، إن حملات التضامن مع العرب الفلسطينيين في الجليل والنقب لمواجهة حملات الطرد وتهويد الأرض، يفترض بها أن تنتقل نحو مستويات متقدمة من الدعم والإسناد، فالشعب الفلسطيني هناك يقف كالطود في مواجهة الاحتلال في ظل ظروف صعبة، وفي ظل اختلال هائل في قوة الحضور، حيث تستند الدولة العبرية الصهيونية إلى جبروت القوة العسكرية في الضغط على أبناء النقب والجليل.

ومع ذلك، ان الشعب الفلسطيني الذي استطاع البقاء والثبات على مدى اثنين وستين عاماً داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948، حافظ على مساحات لا بأس بها مما تبقى من الأرض هناك، ويواصل الآن صموده الجبار متمسكاً بأرضه التاريخيه وبحقوقه الوطنية، ومتضامناً مع باقي شعبه في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والشتات.

==================

جدل غيتس وبترايوس.. إنها اميركا المُرْهَقة!

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

18-8-2010

ليس الخلاف بين ديمقراطي وجمهوري, بل ليس بين مسؤول سياسي جلس على قمة وكالة سي أي ايه, وجنرال رفعه كثيرون الى مرتبة «البطولة» بعد أن طبّق في العراق نظرية زيادة عديد القوات العسكرية واخترع ميليشيا سمّاها «الصحوات».. لكنه «الارهاق» الذي اصاب الدولة «الأعظم» في العالم وأوصلها الى طريق مسدود, بعد أن عجزت القوة العارية عن تحقيق أي انجاز سياسي وبدت المغامرات التي قادها المحافظون الجدد في افغانستان والعراق (حتى لا ننسى لبنان وفلسطين) وكأن تغرف من «القِدْر» الفيتنامي, الذي لم يستطع حياله نصف مليون من المارينز إجبار الفيتناميين على الاستسلام, فكان أن اعترفوا, ولو متأخراً, بهزيمتهم ولم يدفنوا عار الهزيمة, الا في حرب عاصفة الصحراء على العراق 1991, على ما قال حرفياً الرئيس الاميركي جورج بوش, بعد أن التقى قائد جيوشه الجنرال شوارسكوف «الان استطيع القول بارتياح أننا دفتّا عار فيتنام في الصحراء العراقية»..

المشهد الاقليمي الراهن لا ينقصه الوضوح, فالعراق غارق في أزمته السياسية وهي في احدى تجلياتها تعبير عن عجز اميركي مُعْلَن, بل عن تراجع لا يخفى في النفوذ والدور الاميركيين بعد سبع سنوات من الاحتلال, وما الجولات الفاشلة لنائب الرئيس جو بايدن ومن بعده مساعد وزيرة الخارجية فيلتمان وقبلهما وبعدهما الوفود التي لا تنتهي من اعضاء الكونجرس ومساعديهم, سوى الدليل على انحسار مكانة واشنطن في المشهد العراقي, دون أن يعني ذلك بالطبع انهيار هذا الدور أو انعدام الهوامش لدى ادارة اوباما..

في لبنان تبدو الأمور أكثر انسداداً, رغم كل المحاولات الاميركية والاسرائيلية مدعومة من دول اقليمية, لإحداث اختراق في الحال اللبنانية, يبدو أنها لن تصيب النجاح المأمول في إعادة رسم معادلة تحالفات واصطفافات جديدة, وإن من الضروري التذكير بأن الكرة في ملعب سعد الدين الحريري الذي بمقدوره أن يحول دون انزلاق بلاده الى أتون حرب اهلية ستكون حرب العام 1975 وما تلاها.. مجرد نزهة..

فلسطين ليست بعيدة, فالذي يُضْعِف بل ينهك الجهود الاميركية, المتواضعة على أي حال, هي حكومة اليمين الفاشي في تل ابيب, وعلى رأسهم «عصابة السباعية» على حد الوصف الذي نسبته صحيفة اسرائيلية الى جورج ميتشيل, ولا تُقابل ادارة اوباما مثل هذه الصفعات الاسرائيلية المتكررة, الا بممارسة المزيد من الضغوط على الطرف الفلسطيني, الذي يواصل الانثناء والتلعثم وبذل المزيد من التنازلات المجانية التي تقود بالتالي بل تسرّع في انجاح مشروع تصفية القضية الفلسطينية, دون أن تبدي السلطة الفلسطينية أي نوع من المراجعة (حتى لا نقول المقاومة) لمثل مشروع «ساطع» الوضوح كهذا الذي يقوده نتنياهو وغيره..

 

ماذا عن افغانستان؟

هي حرب اوباما التي وصفها بأنها حرب «الضرورة» في معرض انتقاده لحرب «الخيار» التي قادها سلفه جورج بوش على العراق..

وكما قيل ان لكل رئيس اميركي «حربه», فإن اوباما اقترب من خط النهاية في سرعة قياسية, وهو بدأ يتحدث عن استراتيجية خروج, بعد أن كان يقول أننا «سنثبت في المعركة ونهزم القاعدة ونحول دون عودة طالبان الى الحكم.. لكنهم الان يخطبون ود طالبان, ويقول الجنرال بترايوس الذي يقود «140» الف مقاتل اميركي وأطلسي: أن «المصالحة» مع طالبان باتت وشيكة, بل هو لا يُخفي استعداده لاعادة دمج قواتها في الجيش الافغاني الجديد (هل تذكرون حكاية دمج الصحوات في الجيش العراقي والموقف الرافض من المالكي؟).

الجنرال الذي يحمل على كتفه أربع نجوم والعدد الاكبر من الاوسمة على صدره ديفيد بترايوس, يتحدث علنا عن استعداده لمحاورة عناصر طالبان الملطخة اياديهم بالدماء (استعارة متغطرسة للمصطلح الاسرائيلي العنصري)..

فهل نحن أمام تحول جدّي في المشهد الافغاني؟

ليس مهماً الرأي الذي سيتبناه الرئيس باراك اوباما, وعمّا اذا كان سيصطف الى جانب وزير دفاعه, الذي أمّن له غطاء «جمهورياً» عندما «قَبِلَ» الاستمرار في موقعه بعد مغادرة بوش البيت الابيض, والذي يستعد هو الآخر للاستقالة من منصبه العام المقبل, عندما «يتأكد» ان عملية الانسحاب من افغانستان قد أخذت طريقها الى التنفيذ, أو إذا قرر الرهان على «بطل» الحرب العراقية (...) وإحداث تغيير على الجدول الزمني للانسحاب من بلاد الافغان..

 

المهم هنا, هو أن الارتباك الاميركي الملحوظ, آخذ في التحول الى فشل وربما الى هزيمة, أو أقله ما لم ينكره جنرالات اطلسيون وخصوصاً بريطانيون وألمان, وهو أن النصر في افغانستان «مستحيل».. ما يعني لفت النظر الى مسألة مهمة, وهي أن اميركا قادرة على «شطب» افغانستان عن خريطة العالم, بما تتوفر عليها ترسانتها العسكرية من قوة (كما كان بمقدورها في فيتنام) لكن الامور ليست هكذا, فثمة حدود للقوة وثمة محدودية لقدرتها على تحقيق انجازات سياسية..

الغريب أن أحداً في المنطقة العربية وخصوصاً السلطة الفلسطينية لا يدركون مثل هذه البديهية..

==================

المفاوضات المباشرة على الأبواب

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

18-8-2010

إذا صحت الانباء عن نية عصابة السبعة الوزارية الاسرائيلية, رفض بيان الرباعية الدولية إذا تضمن ما سمته الشروط الفلسطينية, للدخول في المفاوضات المباشرة، وأنها ستنتظر البيان الأميركي المتوقع بعد الرباعية, الذي وصفته بورقة التوت التي تغطي الشروط الفلسطينية المسبقة, فان ذلك يؤشر إلى طبيعة المعركة التفاوضية المقبلة تحت عنوان المفاوضات المباشرة, التي قررت إسرائيل عدم قبول دعوة الرباعية إلى الشروع فيها، وأجمعت عصابة السبعة على ضرورة صدورها من واشنطن. ومعروف أن السيناريو الموضوع للمرحلة المقبلة يتضمن أن ترسل واشنطن دعوة منفردة للإسرائيليين والفلسطينيين للبدء في المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة.

 

منظمة التحرير الفلسطينية كما هو معروف تنتظر قبول إسرائيل بيان الرباعية الدولية, المنتظر أن يحدد مرجعية المفاوضات وجدول أعمالها وسقفها الزمني, مع المطالبة بوقف شامل للاستيطان الإسرائيلي, وفي هذا الاطار استقبل الرئيس الفلسطيني مبعوث الرئيس الاميركي ديفيد هيل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية, لبحث الصيغة النهائية لبيان الرباعية, وليس سراً أن الفلسطينيين يشعرون أن هناك تقدما حتى هذه اللحظة, وفي الاثناء يواصلون مشاوراتهم مع أشقائهم العرب, قبل إعلان موقفهم الرسمي من بيان الرباعية, المأمول أن يكون تكراراً لبيانها السابق في آذار الماضي, والداعي لتجميد الاستيطان، والتفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق في غضون عامين.

 

على عتبة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني, أعلنت بعض الفصائل الفلسطينية من خارج حدود الوطن, موقفها العدمي برفض أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة, بدعوى أن قرار التفاوض المباشر يحمل نتائج وتداعيات خطيرة على مصالح الشعب الفلسطيني, وترى هذه الفصائل التي لم تطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل منذ سنوات طوال, وبالعين الحولاء, أن عزلة اسرائيل تشتد ويطبق الخناق حول كيانها العنصري، في حين تأتي المفاوضات لتقديم طوق النجاة لفك العزلة عن اسرائيل, وينسى هؤلاء ظروف شعبهم, وبالأصح أنهم لايعرفونها ولايدركون حجم الضغوط التي يتعرضون لها. ويتجاهل هؤلاء أو أنهم غير معنيين بموقف الجامعة العربية, وهي تأمل أن تتبنى الرباعية موقفا مناسبا يساعد في إطلاق المفاوضات المباشرة, مع التأكيد على المطالب الواضحة المرتبطة بمرجعيات عملية السلام وضرورة الوقف الكامل للهجمة الاستيطانية على الارض الفلسطينية.

 

وعلى عتبة هذه الخطوة الشديدة الاهمية بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة والعالم, فان الدول الكبرى وعواصم القرار مدعوة لمساندة الموقف الفلسطيني العاقل, ودعم الشعب الفلسطيني, وهو يسعى سلمياً لنيل حقوقه المشروعة, بدلاً من ممارسة الضغوط عليه, وليس كافياً التحرك الاميركي الذي تقوده وزيرة الخارجية, ولا نبرة التفاؤل التي نجهل إلى ماذا تستند, إلا إن كان مجرد توقع أن يجمد نتنياهو الاستيطان حال بدأت المفاوضات المباشرة, والاعتماد على دعم الاردن ومصر لعباس, فواشنطن ودول القرار مدعوة للتعامل مع حجم التعقيدات الحقيقي أمام العملية السلمية، بدءاً من الوضع الداخلي الفلسطيني والاشكاليات على الأرض، وعدم الاكتفاء بالاشادة بالتقدم الأمني على الأرض وأن اعطاء أي اتفاق جداول مرحلية سيساعد في تنفيذها.

 

ملفات الأزمات في الشرق الاوسط مترابطة, وواشنطن مطالبة بمقايضة تشددها تجاه الملف النووي الايراني, باعادة نتنياهو إلى مائدة التفاوض المباشر ليس فقط لإنقاذ ائتلافه الحكومي, وإنما للتوصل إلى حلول حقيقية, تتمثل في التنفيذ العملي لحل الدولتين الذي ليس في الافق سواه في المرحلة الراهنة, وحتى لا ننتقل إلى مرحلة أخرى, يغيب فيها صوت العقل والاعتدال, وتتسيد نبرة التطرف التي لن تقود لغير الارهاب. وعلى واشنطن السعي لحل لايظلم الفلسطينيين ويذلهم استناداً إلى واقعهم وواقع العرب القابل للتغير, وإنما استناداً إلى القيم الاميركية التي تمجد الحق والعدالة, لتضمن للحل المنشود النجاح والاستمرار.

==================

أردوغان في مرمى الضغط الأمريكي الإسرائيلي

ياسر الزعاترة

 الدستور

18-8-2010

كتبنا هنا غير مرة حول موجة الضغوط الأمريكية الغربية المشددة على حكومة أردوغان في تركيا ، والتي دفعتها نحو تراجع تدريجي عن مواقفها السابقة حيال الدولة العبرية التي اتخذتها إثر مجزرة أسطول الحرية ، وهو التراجع الذي بدأ بلقاء بروكسل السري الذي فضحته الدوائر الإسرائيلية ، ومن ثم هدوء الخطاب التركي وتراجع مسلسل الشروط المتعلقة بعودة العلاقات إلى سابق عهدها ، فيما قدم الإسرائيليون من طرفهم بعض التراجع بقبولهم اللجنة الدولية للتحقيق في مجزرة أسطول الحرية.

 

اليوم تتكشف خيوط جديدة حول مستوى الضغط الأمريكي الإسرائيلي على أردوغان ، إذ نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن مسؤول أمريكي معلومات مهمة حول الضغوط التي تعرض لها أردوغان من قبل أوباما أثناء لقائهما على هامش قمة العشرين في كندا ، حيث ركز الأول على موقف تركيا من الدولة العبرية ومن إيران ، مشيرا إلى تصويت تركيا ضد قرار العقوبات على إيران في مجلس الأمن ، إلى جانب التصعيد المتعلق بمجزرة أسطول الحرية.

 

أوباما وصف السلوك التركي في الحالتين بأنه يبتعد عن روحية التصرف كحليف ، فيما هدد بأنه سيوقف صفقات الأسلحة (طائرات حديثة) الضرورية لمواجهة التمرد الكردي ، فضلا عن مواجهة مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.

 

والحال أن تهديدات من هذا النوع ستمنح عسكر تركيا مزيدا من أوراق الضغط على أردوغان ، حيث ستسهل اتهامهم لحكومته بتهديد الأمن القومي التركي عبر مغامرات سياسية غير محسوبة ، لا سيما أن الجيش والعلمانيين ليسوا راضين بحال عن موقف الحكومة من تل أبيب وحركة حماس.

 

لم يتوقف الضغط الأمريكي الإسرائيلي عند ذلك ، بل تجاوزه نحو تقارب إسرائيلي يوناني واضح تدعمه واشنطن ، ويتمثل ذلك في زيارة نتنياهو الحالية لليونان ، والتي تستغرق يومين ، حيث يجري التلويح لأنقرة بأن الخيارات الإسرائيلية ليست معدومة ، وأن بوسعها استبدال الحليف التركي باليوناني ، تحديدا فيما يتصل بالعلاقات الأمنية والعسكرية ، الأمر الذي أكدته اليونان عبر جملة من المواقف والتصريحات. ولا ننسى الإشارات المتعددة حول أصابع إسرائيلية تقف خلف التصعيد العسكري لحزب العمال الكردستاني.

 

منظومة الضغط الأمريكي الإسرائيلي ذهبت أبعد من ذلك ، إذ جرى استنفار خصوم آخرين لتركيا ، فهذا زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديتش يزور تل أبيب ، ومن هناك يوجه انتقادات لسلوك تركيا في الملف البوسني.

 

هذه الموجة من الضغوط على تركيا لا تخرج في واقع الحال عن إطار التعاطي الأمريكي التقليدي مع الهواجس الإسرائيلية ، حيث يعلم الجميع أن مواجهة المشروع النووي الإيراني تشكل جزءا من تلك الهواجس ، وإلا فأين هو التهديد الذي تشكله إيران لأمريكا حتى لو امتلكت سلاحا نوويا بالفعل؟، كل ذلك يكشف بدوره مدى التماهي الذي تسجله إدارة أوباما مع السياسات الإسرائيلية خلافا للانطباع الأولي الذي حاولت إعطاءه خلال شهورها الأولى ، لكنه يكشف من جانب آخر عمق الأزمة التي يعيشها أردوغان وحكومته بين مطرقة الضغط الأمريكي الغربي الذي تسنده مواقف داخلية من طرف العسكر والقوى العلمانية المتطرفة ، وبين سندان الضغط الشعبي الذي لا يريد للعلاقات التركية الإسرائيلية أن تعود لسابق عهدها بأي حال حتى لو اعتذرت تل أبيب عن جريمتها ، الأمر الذي لم يحدث ولن يحدث في واقع الحال. كل ذلك بينما يخوض أردوغان معركته الداخلية المتعلقة بتغيير الدستور.

 

هي معركة لا يُعرف كيف ستنتهي ، لكن أردوغان لن يتجاوز الأزمة إلا بالانحياز للشارع الشعبي القادر على منحه سياج الحماية الأهم ، من دون أن يدفعه ذلك إلى تجاهل التكتيك السياسي الناجح في سياق التعامل مع الضغوط الخارجية وتواطؤ بعض الداخل معها ، إلى جانب تواطؤ بعض العرب أيضا ، معطوفا على ضآلة المصداقية الإيرانية التي أخذت تستثير بدورها بعض الحساسيات التركية ، بخاصة في الملف العراقي.

==================

باكستان وإثبات العالم لإنسانيته

ضياء الفاهوم

 الدستور

18-8-2010

منذ أيام وباكستان تتعرض لأحوال جوية في غاية القسوة تسببت في تشريد حوالي عشرين مليون باكستاني من منا طق سكناهم وبيوتهم إلى العراء والخيام ومواجهة الجوع والمرض وحالات نفسية مقلقة.

 

وفي مثل هذه الأيام البالغة الصعوبة يستطيع العالم أن يثبت إنسانيته بانتصار وعون الإنسان لأخيه الإنسان بسرعة فائقة لأن الفيضانات والعواصف الجوية تتلاحق بشكل سريع جدا دونما توقف يذكر. على هذا العالم إن كان حرا وشريفا وإنسانيا فعلا أن لا يتوانى للحظة في القيام بمسؤولياته تجاه باكستان وإنقاذ أهلها مما يعانون بشكل يفوق طاقة البشر على الاحتمال لإثبات إنسانيته التي كاد يفقدها في كثير من أنحائه بشن الحروب والاعتداء على حقوق البشر في الحرية والاستقلال وتقرير المصير ومحاولات التحكم المستمرة بثروات العباد وشؤونهم وبالكيل بمكيالين في كثير من الأحيان خاصة لصالح الكيان الغاصب في فلسطين الذي أسموه إسرائيل تجنيا على كل المبادئ والأعراف الدولية والحقوق الإنسانية.

 

باكستان عضو في منظمة الأمم المتحدة التي تستدعي قوانينها التحرك الفوري لإنقاذ بني الإنسان من الكوارث التي تحل بهم لأي سب من الأسباب. وقد كانت من بين الدول الحريصة على القيام بواجباتها تجاه البشر في أي مكان وفي كل وقت وبأقصى ما استطاعت من إمكانيات ، وكانت دائمة الاستجابة للقرارات الدولية وخاصة فيما يتعلق بأمور السلام والأمن العالميين بشكل عام وفي نزاعها مع الهند حول كشمير بشكل خاص.

 

لقد أصبحت أوضاع الملايين في باكستان بحاجة ماسة إلى العون السريع جدا والذي بدونه سينتشر الجوع والمرض لا سمح الله بشكل وبائي قد يتسبب في كوارث صحية عالمية يصعب عندئذ السيطرة عليها. ولذلك فإن على الأمم المتحدة أن تعطي الأوضاع في باكستان أولوية قصوى في المساعدة على كافة المستويات.

 

إنها فرصة كبيرة أمام العالم للتكفير عن ذنوبه وإثبات إنسانيته وسموه فوق كل شيء والتعبير بصدق عن المشاعر الإنسانية التي لا تفرق بين أبيض وأسود ، بين شرقي وغربي ، بين شمالي وجنوبي ، بين عقيدة وأخرى لأن البشر أولا وأخيرا عباد للرحمن وإخوة في الإنسانية التي تستدعي أن يقوم كل إنسان بواجباته تجاه أخيه الإنسان في كل مكان وفي كل زمان وخاصة أيام الحاجة العاجلة للعون والإنقاذ من كوارث داهمة لا دخل للمنكوبين فيها كتلك التي ما زالت تفتك بالملايين من الباكستانيين.

 

الوقت وقت عمل عاجل لا يحتمل أي تأخير ، وإذا لم تهب الأمم المتحدة وكل المنظمات الإقليمية في أنحاء الأرض لنجدة الشعب الباكستاني المنكوب بكل إمكانياتها وطاقاتها لمواجه الكوارث المتلاحقة التي يتعرض لها الباكستانيون بشكل مخيف فمتى تهب؟.

وفي يقيني أن ذلك ينطبق أيضا على كل إنسان من أي دين أو ملة كان وإلى أية بقعة من بقاع الأرض ينتمي لأن عمل الخير من أسمى الشيم الإنسانية النبيلة التي بدونها يفقد الإنسان إنسانيته وكل المبادئ والقيم التي تتغنى بها البشرية.

والله من وراء القصد.

==================

حصة الموساد في العراق

عبد الزهرة الركابي

السفير

18-8-2010

لوحظ في الفترة الأخيرة نشاط غير عادي في قاعدة (زاويته) في شمال العراق، وهذه القاعدة يستخدمها جهاز الموساد الإسرائيلي في مراقبة الحدود السورية والإيرانية على نحو خاص، مع أن نشاط هذا الجهاز يشمل الحدود التركية، وبالتالي إن عمليات الموساد في المراقبة والاستمكان تتمحور في المثلث الإقليمي المحاذي للعراق من المنطقة الكردية، وقد لفت نظر بعض شهود العيان حركة نشيطة لمعدات وآليات ذات استخدامات استخبارية، وهي مغطاة بأشكال تمويهية ومخادعة، علماً بأن مثل هذه الحركة بهذه الكثافة، لم تحدث من قبل في هذه القاعدة الإسرائيلية التي تتخفى تحت لافتة مجمع صناعي ومجمع سياحي.

وعلى أثر هذا النشاط اللافت تعرضت القاعدة الى تفجيرات في مواقع معينة منها، وامتدت الحرائق من جراء هذه التفجيرات الى الغابات والجرود المحيطة بالقاعدة، وأفادت المصادر القريبة من المنطقة، بأن تكتماً ساد أوساط أجهزة الأمن الكردية وميليشيات (البيش مركه) وذلك بالامتناع وعدم التصريح عن الأسباب التي أدت الى هذه التفجيرات واشتعال الحرائق من جرائها، ولم يستطع الصحافيون الوصول الى المنطقة والاطلاع على المواقع التي تعرضت للتفجير، بيد أن صحيفة «الصباح» العراقية نشرت خبراً مقتضباً لا يتجاوز السطرين ذكرت فيه: (أكدت قيادة قوات حماية البيئة في دهوك امس أن النيران التي اندلعت قبل يومين في غابات مصيف زاويته السياحي ما زالت مستمرة بسبب وعورة المنطقة).

يُذكر أن المنطقة المذكورة تتميز باعتدال مناخها في الصيف وبسقوط الثلوج فيها شتاء، ومن النادر اشتعال الحرائق فيها إلا بفعل فاعل، ويعتقد المراقبون في المنطقة الكردية، أن هذه القاعدة الاستخبارية الإسرائيلية وعلى أثر نشاطها المكثف الأخير، ربما تعرضت بعض مواقعها ومعداتها الى التخريب بفعل هذه التفجيرات، ولا يستبعد هؤلاء المراقبون أن تكون أجهزة أمن إقليمية تقف وراء حوادث التفجيرات هذه.

والمفيد في هذا السياق، أن السلطات الكردية في شمال العراق، منذ احتلال العراق، وافقت على بناء قواعد إسرائيلية في المنطقة الكردية، تحت لافتة مجمعات صناعية ومنشآت سياحية وخاصة في منطقة (زاويته) التي سبق لأنباء مؤكدة أن أشارت الى ذلك ونقلا عن مصادر كردية مطلعة حيث ذكرت أن عناصر استخباراتية إسرائيلية اشترت أراضي في المنطقة المذكورة في شمال العراق، تقدر مساحتها ب 250 هكتارا تمهيدا لتحويلها الى قاعدة استخباراتية موجهة ضد الدول المجاورة للعراق، وان الموساد يستفيد في تحركاته بشكل كامل من الأجهزة الالكترونية الأميركية المنصوبة على الحدود مع الجوار.

وبالنسبة للاعترافات الإسرائيلية بخصوص الوجود الإسرائيلي في شمال العراق، فقد صرح بها أكثر من مسؤول إسرائيلي، بينما راحت الصحافة الإسرائيلية في تناول الموضوع ذاته من جوانب عدة، حيث سبق لصحيفة معاريف الإسرائيلية أن نشرت مقالا للكاتب الإسرائيلي بوعز غاوون تحت عنوان (قواتنا في العراق) أكد فيه حقيقة الوجود الاسرائيلي وقال صراحة إن إسرائيل دخلت العراق لتأخذ حصتها.

وبشأن آخر ما اتهم به الموساد في العراق خلال الأيام الأخيرة، هو عندما عاود مسلسل تصفية العقل العراقي حلقاته، حيث قام مسلحون مجهولون بفتح النار على شاب في منطقة بغداد الجديدة ما أردوه قتيلا على الفور، وأفاد مصدر أمني في بغداد لوسائل الإعلام، بأن الشاب هو طالب في جامعة بغداد قسم علوم الفيزياء، مشيرا الى أن هذا الشاب قد ابتكر بعض المكائن الحديثة لتخصيب اليورانيوم بطريقة سلمية، فضلا عن استعمالات بعض مجالاتها في السيطرة على التفاعلات النووية.

إن وجود الموساد واجه الكثير من العمليات المضادة على الرغم من تخفيه وراء واجهات مكاتب وشركات تجارية، وقد تم تفجير أحد مكاتبه في مدينة كركوك في بدايات الاحتلال، كما أن عناصر إسرائيلية كانت ضمن لجان التحقيق الأميركية التي كانت تستجوب المعتقلين العراقيين.

==================

الفساد في العالم العربي تجاوز أم مؤسسة؟

د. أسامة عثمان

8/18/2010

القدس العربي

قضايا الفساد المالي في العالم العربي ليست جديدة, ولا تثير الدهشة؛ فقد صارت للأسف جزءا من الحياة، ومَعْلما ثابتا ومشتركا في سائر الدول العربية، وليس الفساد مقتصرا علينا، ولكن ما نختص به أن فاسدينا قلَّ أن يجدوا محاسبا، أو متجرئا على كشف فسادهم وتلاعبهم.

وقصة الموظف في مطار حلب السوري, آزاد عثمان، مثال من جملة الأمثلة, لكن اللافت في قصة آزاد الذي لا تربطني به، أية صلة قرابة، ولا علاقة منفعة، هو هذا الإصرار على موقفه، والتحدي لإثبات صدقية أقواله، أو ادعاءاته؛ فبعد أن فُصل من عمله؛ لأنه اتهم عددا كبيرا من القائمين على المطار, بالفساد المالي والتلاعب، لم يختر أن ينطوي, أو يستكين، وأن ينخرط في هذه الحالة السلبية اليائسة والمقيتة التي تخيِّم على كثير من الشباب العرب، ولكنه رفع الصوت عاليا، متحديا بثقة تلك الجهات المتَّهَمة بقدرته على إثبات ما ادعاه، بل وصلت به الثقة أن قال، بحسب ما نقلت مواقع إعلامية سورية:«أطلب تنفيذ حكم الإعدام بحقي، وفي ساحة مطار حلب الدولي، وأمام جميع الموظفين، إن وردت أي معلومة غير صحيحة متعلقة بشهادتي حول الفساد الحاصل بمطار حلب الدولي، وممارسة أبشع أنواع الظلم بحقي وحجز حريتي ». وظل على تلك الروح المتحدية، بعد أن تُوِّجت تلك الإجراءات العقابية التي اتخذتها إدارة المطار بحقه، بفصله من عمله!

ليست القضية قضية فردية، ولا هي من خصوصيات بلد معين؛ إنها مسألة مهمة، وبالغة التأثير في انعكاساتها الاجتماعية والسياسية, وحتى النفسية, والقيمية؛ إذ أخطر ما في هذا النوع من القضايا هو التسليم بوجود الفساد, وأنه لا جدوى من مقاومته، أو العمل على محاسبة القائمين عليه، ومن يوفرون لهم الغطاء والحماية.

إنها, وبلا أدنى مبالغة تتعرض لمعاني الانتماء، وتهدد ضعفاء النفوس، أو المحبطين في لحظات معينة, ولدى تكرار الظاهرة، واطِّرادها، بالسلبية، في أقل الأحوال، أو التملُّق لتلك الجهات والتواطؤ معها، أو الضَّجَر من العيش في مثل هذه الأوطان التي لا تكفل للمواطن حق المساءلة، ولا توفر جهات نزيهة ومحايدة, ومخوَّلة بصلاحيات حقيقة، ومتسمة بروح المتابعة الجادة.

يتمنى هذا المواطن السوري الذي لا يفكر في مغادرة وطنه؛ لأنه يعشقه- كما قال- أن لو سمعت الجهات العليا نداءاته، وكلَّفت بمتابعة هذه القضية, والتحقيق الشفاف والنزيه فيها.

إننا إذ نتناول هذه القضايا في إعلامنا إنما نسهم في معالجة هذه الروح التشاؤمية التي تكاد تطبق على الكثيرين، في الوقت الذي نسهم في تلقين أولئك القائمين على الفساد, والساطين على الحق العام دروسا عملية, لا كلاما إنشائيا, أصبح من كثرة ترداده محلا للسخرية والتندر.

إن استحضار معاني المساءلة والرقابة الحقة, والشعور بالمسئولية لا بد أن تتجلى وتتدرج من أعلى المستويات؛ حتى تكتسب احترامها، وتنتقل من طور النظرية, أو الندرة التي يُتهم المؤمنون بها بالمثالية، بالتهور، في أحسن الأحوال, إلى حيز التطبيق والنفاذ. وكلنا يتذكر مقولة عمر بن الخطاب الخالدة:« لو أنَّ بغلة عثرت في أرض العراق، لخشيت أن يحاسبني الله عليها؛ لمَ لمَ أُمَهِّد لها الطريق!»

والمؤسف في عالمنا العربي أنك كلما رفعت الصوت في انتقاد ظاهرة الفساد المستشري، قيل لك على الفور من المسئولين، إنها تجاوزات, ولا تمثل ظاهرة, وأن الفساد موجود في كل دول العالم, ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد, ولكنها؛ للأسف أصبحت سلوكا، وأعمالا مؤسسة, وركنا من حياتنا, وفي كل دول العالم يلقى الفاسدون محاسبة جدية, ومحاكمات عادلة في ظل سلطة قضائية مستقلة وفاعلة, ونافذة الأحكام؛ فكم من مفسد في بلادنا ثبت فساده، ثم تمَّ تخريجه, كما تُسلُّ الشعرةُ من العجين, أو تمَّ تبييض صفحتهم بمساومات سياسية، ومعادلات نفعية, لا يدري كثير من الناس عن تفاصيلها، أو أثمانها.

وباختصار شديد إن رؤية المواطن العربي نماذج من المحاسبة والمتابعة الجادة المنتهية بقرارات مناسبة ورادعة في حق المفسدين هو أوضح علامة على حيوية الدولة, وصدق تواصلها مع مواطنيها؛ فضلا عن كونه دليلا على سلامة بنائها المؤسسي, وهو يدل على وجود تحسن مأمول في بنيتها السياسية, وارتقائها إلى مسمى الدولة, والقانون.

كاتب من فلسطين.

o_shaawar@hotmail.com

==================

اللبنانيون معلقون على خطوط التوتر العالي!

المستقبل - الاربعاء 18 آب 2010

العدد 3744 - رأي و فكر - صفحة 19

مهى عون

ينام اللبنانيون متوجسين وخائفين لسماعهم تهديدات بسبعين 7 أيار جديد، ويصحون على دوار وغثيان يستحكم بهم لسماعهم أخبار توقيف عملاء جدد ومن كل المستويات والطبقات الاجتماعية. ينامون على قلق على المصير ومستقبل الأجيال بسبب أخبار تتناقلها وسائل الأعلام حول احتمال وجود بعض المساعي لربط طمس الحقيقة في ما الاغتيالات التي طاولت رموزاً وأعلاماً ثقافية وإعلامية وسياسية رائدة وعلى رأسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مقابل إبعاد شبح الفتنة المذهبية على الساحة اللبنانية. ينام اللبنانييون على يقين وثقة بأن المحكمة الدولية سوف تميط اللثام في آخر المطاف عن الحقيقة المطلوبة والمنتظرة، ويصحون على اتهامات مركزة وهادفة تكال لهذه المحكمة باعتبارها مسيسة ومنحازة وغير كفوءة. ينامون على أخبار عملاء جدد،ويصحون على نشرات تتعلق باعترافات لشهود يقرون بأنهم لعبوا دور شهود زور في التحقيقات لمصلحة بعض الأطراف ،بدافع المغريات المادية أو سواها.

والمضحك المبكي فيما خص شهود الزور هؤلاء والذين هم في غالبيتهم من ذوي السوابق الأمنية أو الجرمية، فهو إتاحة بعض وسائل الإعلام إمكانية الظهور لهم عبر شاشاتها، للكلام بكل خفه وعدم مسؤولية عن مواضيع فائقة الخطورة وتتعلق بمصير أمة ودولة وشعب. هذا مع العلم أن شاهد الزور والذي اسمه يدل على طبيعته، يمكنه أن يكذب ويزور شهادته أمام المحكمة لمصلحتك اليوم ،كما يمكنه أن يكذب عليك ويزور شهادته لمصلحة غريمك أو خصمك السياسي غداً. وكلامه وشهاداته منوطة دائماً بنسبة الضغوطات التي يتعرض لها أو المغريات المادية والمعنوية التي تقدم له.ونحن نتكلم طبعاً عن التعامل السياسي مع شهود الزور وليس عن التعامل القضائي. لأن المحكمة أي محكمة وأي قضاء محلي كان أو دولي لا يمكنه أن يتوقف طويلاً حيال هكذا شهادات جيمس بوندية وساذجة. وبالتالي تصبح مسألة ما يسمى ب"شهود الزور" مسألة محض سياسية وتتعلق مباشرة بموضوع المزايدات السياسية والتراشق الدارج بين مختلف الجهات السياسية اللبنانية.

إنما الأمر الأخطر والذي يقلق الرأي العام ويقض مضجع اللبنانيين عموماً فهو ليس موضوع "شهود الزور" بل العدد المتزايد من العملاء والجواسيس اللبنانيين العاملين لمصلحة إسرائيل. والخطورة كل الخطورة تكمن في تحول موضوع بهذه الأهمية وهذه الخطورة، إلى مادة تغذي أيضاً التراشق بين مختلف الزعماء والأحزاب، ناهيك عن الخطابات وحلقات التوك شو والجدل المتواصل على شاشات التلفزة. بالمبدأ وفي غالبية الدول والأنظمة "الجدية"والتي تحترم شعبها وأصول التعامل معه ،وحيال مسائل تخص الأمن الوطني، تتوخى الحيطة والحذر وتؤثر معالجتها عادة ضمن غرف مغلقة ،وبسرية تامة وبعيداً عن الإعلام، حفاظاً على أحاسيس الناس وحتى لا يدب الذعر في النفوس نتيجة الشعور بالانكشاف على العدو، هذا من الناحية الإنسانية، أما من الناحية الإستراتيجية، فالتكتم في التعاطي الإعلامي مع مواضيع كهذه يفرض نفسه، حتى لا يفتح المجال لحصول العدو على معلومات إضافية عبر الخطابات والشروحات التي تستفيض في سرد وتشريح وتحليل كل المعطيات المتوفرة عن شبكات التجسس والعملاء المنوطين بها. ولكن قصة العمالة وللأسف تحولت عندنا إلى مسلسلات تلفزيونية يندي لها الجبين. فاللبنانيون هم طبعاً مجروحون من ظاهرة تنامي العمالة من قبل أخوة لهم في الوطن، بل أكثر من ذلك هم يشعرون بالخجل حيال هذه الانحرافات.

ولكن وبغض النظر عن هذه المسألة الإجرائية يظل المواطن العادي حائرا ومستغربا لهذا الدرك الأخلاقي في التعاطي مع شؤون الوطن وسلامة أرضه وبنيه. وإذا كان صحيحاً بأنه خلال فترة الحرب اللبنانية ضد الوجود الفلسطيني المسلح والتي أخذت حينها شكل النزاع الطائفي، تعامل الكثيرون مع العدو الإسرائيلي تحت شعار عدو عدوي هو صديقي. ومن بعدها أيضا إبان الاحتلال الإسرائيلي تعامل بعض سكان قرى الشريط الحدودي مع العدو بسبب بعدهم ونأي الدولة المركزية عن رعاية شؤونهم. وإذا كان صحيحاً أيضاً بأنه خلال فترة الوصاية السورية أكمل بعضهم التواصل مع إسرائيل، وعلى أساس القاعدة ذاتها ، إلا أن الأسئلة ما زالت من دون أجوبة حول الأسباب الكامنة وراء التعامل اليوم مع العدو فلماذا يقوم اللبناني بهكذا عمل مشين؟

تكثر الأسئلة على السنة الموطنين حول أسباب تنامي ظاهرة الخيانة والعمالة هذه. منها أيضاً على سبيل المثال تساؤل حول طبيعة هذه الخيانة وإذا كانت محدودة بفترات زمنية وبالتالي يمكن اعتبارها طارئة على طبيعة المجتمع اللبناني،ومرحلية وترتبط فقط بأوضاع سياسية عابرة. فما الذي يفسر هذا التصرف الشمشوني عند بعض اللبنانيين؟ علي وعلى أعدائي... وهل هو سلوك ينم عن ذلك فقط؟ وإذا كان علم السوسيولوجيا كفيل ربما يوماً ما بفك لغز هذه المواقف الانتحارية عند بعض اللبنانيين، فالذي يمكن قوله اليوم هو أن ظاهرة العمالة إن تنم عن أمر فهي تنم عن نسبة اليأس والعجز وفقدان الأمل بالمستقبل. ظاهرة مرضية متفاقمة وانحراف أخلاقي من دون شك عند أفراد من هذا الشعب اللبناني الأبي، والمميز في الواقع ، والذي أدهش العالم أجمع بما أنتجه من ثقافة وعلم وفن، وبما صدره إلى المعمورة من أدمغة وكفاءات. ظاهرة يمكن تسميتها بالانتحار المقصود والمتعمد،لأن الركون إلى العدو نهايته الموت الأكيد،والهروب باتجاه التنسيق والتعامل معه كمن يهرب من الرمضاء إلى النار.

==================

"حزب الله" جزء من المواجهة الأميركية - الإيرانية

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

18-8-2010

عن "حزب الله" وإمكان الحوار معه تحدث المتعاطي على نحو رسمي ومباشر مع عملية السلام نفسه والساعي الى إعادة اطلاقها على كل المسارات في الإدارة "البارزة" اياها داخل الإدارة الاميركية، قال: "اعتقد ان موضوع "حزب الله" يختلف بعض الشيء عن موضوع "حماس". ف"حزب الله" بهذا المعنى وخصوصاً من حيث سلاحه الغزير وعقيدته القتالية ينتظر نتيجة الصراع بين ايران حليفته واميركا. اذا سارت الحال على ما يرام بينهما تكون كذلك حال اميركا مع "الحزب" وامينه العام. ذلك ان صواريخه هي التي تقلق اسرائيل اساساً. وهي ايرانية وتستهدف اسرائيل في الدرجة الاولى. واذا لم تتحسن الحال الاميركية – الايرانية تستمر المواجهة ويبقى "حزب الله" جُزءاً منها". علّقتُ: رغم تبنّي الحزب ورعاته الاقليميين قضية فلسطين ومبادرته الى مساعدة فصائل فلسطينية عدة في جهادها بوسائل متنوعة فإن عينه كانت دائماً على فلسطينيي لبنان، بل على مخيماتهم نظراً الى اختراق جهات كثيرة لهم وبعضها اصولي مذهبي، والى احتمال الافادة منهم إما لضرب الاستقرار في الداخل او لاستدراج اسرائيل الى حرب على لبنان في غير زمانها. ولم تكن سوريا وايران بعيدتين عن هذا التصرف من الحزب. ردّ: "الامين العام ل"حزب الله" حسن نصر الله ربما يقف في الوسط. فهو من جهة يخاف الفلسطينيين اللبنانيين لاعتبارات متنوعة، لكنه واعضاء قيادته موالون لايران التي لها علاقات جيدة مع الفلسطينيين".

سألتُ: اين اصبح الحوار الذي اقترحه اوباما بين واشنطن وطهران؟ اجاب: "لم يصل الى اي مكان. المشكلة الاساسية بين اميركا وايران هي الملف النووي. ماذا تريد ايران؟ اذا كانت تريد انتاج اسلحة نووية اي صواريخ ("شهاب" مثلا) مزودة رؤوساً نووية فإنها ستخسر تعاطف ثلثي العرب والمسلمين ودولهم لأنهم سيعتبرونها خطراً عليهم. وسيدفعهم ذلك الى التوجه الى اميركا من اجل الحصول على مظلة نووية او من اجل تأمين التزامها الدفاع عنهم ضد ايران. كما انه قد يؤسس لسباق تسلح كبير في المنطقة. فضلاً عن ان اميركا ستعتبر ايران عدواً لها في هذه الحال. وعند اي استعمال للقوة منها او اي تلويح باستعمال القوة فإن اميركا ستُحارِب. ربما تريد ايران كما يقول البعض امتلاك المعرفة النووية واكتساب التكنولوجيا المتعلقة بها وطريقة صنع السلاح النووي، لكنها لن تنتج سلاحاً كهذا الا اذا وجدت نفسها مهددة من عدو خطير ومضطرة الى الدفاع عن نفسها. وستكون في حال كهذه قادرة على انتاج السلاح الذي تريد في وقت قصير. هذا الوضع ربما يختلف قليلاً عن الوضع السابق الذي اشرت اليه. على كل ان الوضع في ايران ليس مستقراً تماماً. اذ ان هناك انقلاباً او بالأحرى تغييراً جارياً بطريقة القضم اذا جاز التعبير ينفذه الحرس الثوري الذي هو الحامي الفعلي للنظام والذي قد يحكم مباشرة او من خلال الملالي ولكن بعد إبقاء السلطة المعنوية لهم لا المادية او الفعلية. في اي حال لا تعتبر اميركا نفسها ورغم بعض مواقف الماضي انها في معركة معها الهدف منها تغيير نظامها الاسلامي واسقاطه. لكن اذا امتلكت ايران سلاحاً نووياً تصبح اميركا في معركة مباشرة مع ايران ويصبح الهدف إسقاط النظام الايراني". علّقتُ: يتحدث البعض عن احتمال التقاء في المصالح بين اميركا وايران. ردّ: "لا نعرف. ربما. لكن من الافضل الانتظار قبل اصدار اي حكم او اعطاء اي رأي في هذا المجال".

ثم علّق على حديث له مع ضابط لبناني عمل في الجنوب، قال: "سألته: إذا وجدت مخزناً فيه اسلحة وصواريخ ل"حزب الله" في منطقة عمليات "اليونيفيل" اي القوات الدولية في الجنوب ماذا تفعل؟ اجاب بشرحٍ لسلسلة الإمرة (Chain of command) مؤلفة من دوائر ودوائر ودوائر ينتهي آخرها بمركز القرار النهائي. بدا مقتنعاً بها. لكنها لم تقنعني ولم تقنع احداً بأن قراراً في شأن المخزن المذكور يمكن ان يُتخذ". وفي لقاء آخر مع المتعاطي على نحو رسمي ومباشر مع عملية السلام نفسه والساعي الى إعادة اطلاقها على كل المسارات في إحدى "الادارات" البارزة داخل الإدارة الاميركية، سألني عن الانطباعات التي كوّنتها من لقاءاتي في العاصمة واشنطن وخارجها. أوجزتها له على النحو الآتي: لبنانياً ربما يعود وضع لبنان في واشنطن الى ما كان عليه قبل عام 2004 مع فارق هو استمرار اميركا في الاهتمام به ولكن من دون القدرة ربما على انجاز اي شيء فيه لأن القضية لبنانية واهلها منقسمون ولأنها مرتبطة بأوضاع اقليمية معروفة.

وعلى صعيد عملية السلام قلت ان الامل في سلام فلسطيني – اسرائيلي يبقى ضعيفاً رغم تحركات الإدارة ورئيسها اوباما وموفده جورج ميتشل. اما على صعيد السلام السوري – الاسرائيلي فأشرت الى وجود استعداد للبحث في هذا الامر ولكن بعد اختبار القيادة السورية لمعرفة مدى جديتها ذلك ان سوريا حافظ الاسد كانت تأخذ وتعطي. ولا بد من معرفة اذا كانت سوريا نجله بشار مستمرة في هذه السياسة. سأل: "هل تحدّث احد تفصيلاً عن ميتشل" أجبت: الكل ابدوا احتراماً كاملاً له. البعض قال انه يعمل وقد ينجح. والبعض الآخر قال انه سيعمل لكنه قد لا ينجح، فأزمة الشرق الاوسط ولبّها قضية فلسطين اكثر تعقيداً وبما لا يقاس بقضية ايرلندا التي بنى مجده عليها. علّق: "هناك إحباط ربما داخل الإدارة. لا شيء يسير كما ينبغي على المسار الاسرائيلي – الفلسطيني (لا بد من انتظار آخر تحرك لميتشل لمعرفة اذا كان سينجح في إعادة المفاوضات المباشرة على هذا المسار). ولا احد يتحرك على المسار الاسرائيلي – السوري كما يجب. مسار فلسطين اخذ كل وقت ميتشل وكل جهده وقوته. لم يبذل جهداً مماثلاً على المسار السوري. زار دمشق ثلاث مرات فقط.

على كل ان ما سمعته من البعض عن ان الرئيس اوباما قد يطلب منه الاستقالة اذا اخفقت آخر مساعيه. أنا اشك فيه. واذا كان هذا قراره فانه لن ينفذه قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في 2 تشرين الثاني المقبل، وذلك كي لا يعطي الجمهوريين فرصة وحجة لانتقاد سياساته. على كل حال هناك مسؤولون اميركيون مهمون لا تحبهم سوريا رغم كفايتهم. وواشنطن اي الإدارة الاميركية تعرفهم. لذلك يفترض فيها ألا تسلمهم ملف المسار السوري – الاسرائيلي او ملف العلاقات الثنائية الاميركية – السورية، علماً ان وجودهم داخل فريق اميركي جدي قد لا يشكل مشكلة في رأيي. اعتقد ان هناك بيروقراطية متزايدة داخل الإدارة بل في اميركا. وعمل "الفريق" يكاد ان يكون منعدما. كل واحد يريد ان ينجز بمفرده. وهذا امر صعب بل مستحيل. اذا اخطأ ميتشل فإن البلاد كلها تفشل معه، في حين ان عمل "الفريق" يريح البلاد وإدارتها ورئيسها.

ماذا في جعبة موظف مهم يعمل على موضوعي اسرائيل والفلسطينيين في الإدارة "البارزة" نفسها داخل الإدارة الاميركية؟

==================

ترضى الضحية وليس يرضى الجلاد

عبد الوهاب بدرخان

النهار

18-8-2010

ليس معروفاً تماماً ما الذي انتظروا سماعه من سعد الحريري بعد افطار السبت الماضي، ولماذا كانوا متأكدين انه سيقول ما يتوقعونه. وليس معروفاً أيضاً لماذا لم يقل. أساساً لا أحد يعرف إذا كان ما نسب اليه، تسريباً، صحيحاً أو غير صحيح. قد يكون صحيحاً وغير معدّ للنشر، لكن تسريبه أفسد القصد. وقد لا يكون صحيحاً، لكن الجهة التي تريده أن يقول شاءت تقويله او الاشارة اليه بما يجب أن يقال.

هذا نمط معروف، وسبق ان اتبع مع آخرين قبيل "التوبة" وبعدها، في ظروف مختلفة، ولأهداف لا تشبه المتوخى من رئيس الحكومة. اذ ان "القرائن" و"المعطيات" رمت في ما رمت اليه احراجه، فما دامت اسرائيل اصبحت "متهمة" باغتيال والده، فما عساه ان يفعل غير أن يزكي هذه الفرضية، وكفى المؤمنين شر انتظار القرار الظني من لاهاي.

عملياً، لم تتغير اللعبة، وتكاد مفاعيل التلطيف التي أعقبت القمة الثلاثية تفقد صلاحيتها. فما بدأ قبل القمة استمر بعدها، بلهجة أقل حدّة شكلاً وأكثر حدّة مضموناً. أي أن السيناريو الذي أثار المخاوف لا يزال ماضياً ومتوجهاً الى الهدف، إلا إذا حصل تغيير جوهري قادر على ايقافه. فالمطلوب هو البصم على رفض قرار ظني لم يصدر ولا يعرف أحد معطياته التي قد يتهم عناصر من "حزب الله" على أساسها، وبالتالي البصم على مجموعة قرائن ومعطيات بأنها اتهام واضح ومؤكد لاسرائيل.

ليكن واضحاً، بالمنطق السليم والنظيف، أن ما عرضه السيد حسن نصر الله مدعاة للاهتمام والبحث والاستقصاء. لم نعرف طبعاً لماذا جاءت هذه المعطيات متأخرة خمسة اعوام، ولماذا لم تستحق الضحية ولو تلميحاً او حتى معطيات اولية (لا تكشف فيها اسرار عسكرية) لإفادة التحقيق، ولماذا لم يحرك حدث بهذه الخطورة لبنانياً ذلك الكنز من المعلومات، ولماذا اعتبر اصحاب هذا الكنز انهم غير معنيين بمن اغتيل ولماذا وكيف اغتيل، هل لأن التحقيق الدولي طُرح باكراً جداً، وهل لأن الاتهام وجه باكراً الى سوريا علماً بأن هذا سبب كاف للدخول على الخط ولو من قبيل محاولة تغيير المزاج الشعبي ان لم يكن من أجل المصلحة العامة؟

أسئلة كثيرة، وهناك الكثير غيرها، لكن لا بأس بتجاوزها الآن للقول بأن المعطيات التي طرحت يجب ان يكون لها مرجع يحسم لا في صدقيتها فحسب وإنما في مدى صلاحيتها لتوجيه اتهام صريح وناجز. هذا المرجع لا يمكن ان يكون إلا المحكمة الدولية، لأن الاسباب التي حتمت الاعتماد عليها في 2005 لا تزال قائمة، بل تفاقمت. وليكن واضحاً، هنا أيضاً، وبالمنطق السليم والنظيف، ان اللبنانيين لا يستطيعون ان يعتبروا هذه المحكمة مسيّسة ومنحازة وغير نزيهة إلا بعد أن يروا ويسمعوا ويعوا ما عندها. فلا احد يعتبرها محكمة ملائكة او محكمة شياطين، وانما الكل يريد ان يتعرف الى ما توصلت اليه، وعندئذ سيصدر الحكم عليها هي نفسها.

لعل أسوأ ما يمكن ان يُطرح على اللبنانيين، بعدما وضع "حزب الله" اتهام اسرائيل على الطاولة، انهم اذا لم يأخذوا ب"القرائن" والمعطيات" على انها قرآناً كريماً منزلاً فلا بد ان يعني ذلك أنهم مشتبهون ب"تبرئة اسرائيل". هذا اجحاف بحق الناس ولا بد من الاقلاع عنه، فليس هذا هو الجدل المجدي المطلوب للبلد، هذا جدل مستحيل يُدعى فيه المواطنون الى مفاضلة باطلة ولا معقولة بين "اتهام اسرائيل" و"اتهام حزب الله". لا يمكن قبول هذا المنطق، ولو كان للانفعالات العاطفية ان تجرّم او تبرئ لما كان التحقيق أصلاً ولما كانت المحكمة.

الأمر الجيد ان هناك معطيات جديدة يمكن ان تفيد التحقيق، والأمر الجيد ان المدعي العام الدولي يريد التعامل مع هذه المعطيات، وبالتالي مع اصحابها الذين ليست لديهم أسباب مقنعة لعدم الاجابة عن اسئلته، فهو ليس ديتليف ميليس، وليس معروفاً باستدراج "شهود الزور" او باطلاق الاحكام المسبقة. ومن شأن هذا المسار الجديد ان يطلق التحقيق في الاتجاه المنشود، لأنه سيطرح علامات استفهام كثيرة يريد المحققون اجابات عنها من الاسرائيليين، اذ يفترض ان هذا هو الملف من عرض الصور الجوية وكشف الاشخاص الذين قيل انهم عملاء للموساد زرعوا في محيط مسرح الجريمة.

سيكون من الخطأ، بل الخطأ الفادح والمريب، دفع معطيات تخص التحقيق، مع الاستمرار في تسفيه هذا التحقيق والتشكيك به، او حتى المطالبة بتحقيق محلي معروف سلفاً أنه سيكون تحت ضغوط هائلة، فضلاً عن أنه لا يملك كل المعطيات التي توصل اليها التحقيق الدولي.

للأسف، لا يبدو أن الملف الذي عرضه "حزب الله" مهتم بإفادة التحقيق وانما بارباكه، تأخيراً للقرار الظني ومواصلة للضغط والتهديد بأزمة داخلية لمنع صدور هذا القرار. ولذلك يتوقعون، او لعلهم موعودون، بأن موقفاً من سعد الحريري سيكون مفيداً كمقدمة للشروع في "قتل" المحكمة الدولية. وقد يرضى الحريري بالتضحية درءاً للفتنة، لكنهم في الواقع يريدونه ان ينتحر سياسياً.

==================

«قضية» البيان المنتظر..!!

الافتتاحية

الأربعاء 18-8-2010م

بقلم : رئيس التحرير - أسعد عبود

الثورة

السلطة الفلسطينية تنتظر.. وإسرائيل ترفض.. والرباعية تعدّ أحجية أخرى طابعها الغموض والتعمية..

بدأ بيان الرباعية الموعود الذي أعلنت عنه كاترين أشتون «مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي» يصبح هدفاً وقضية بحد ذاته.. وهو لم يصدر بعد..‏

السلطة الفلسطينية مستعدة، بل هي تنتظر، وربما بلهفة، البيان المرتقب.. وحسب مصادرها فإن المؤسسات الفلسطينية ستجتمع فور صدور بيان الرباعية لتتخذ موقفاً..‏

المؤسسات المعنية هي اللجنة المركزية لحركة فتح.. واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.. وتشكل اللجنتان ما يسمى القيادة الفلسطينية بغض النظر عن الرفض الذي أعلنته الفصائل والقوى الفلسطينية وبينها العديد ممن ينضوي تحت لواء منظمة التحرير.. للذهاب إلى مفاوضات مباشرة قبل وقف الاستيطان.‏

إسرائيل أكدت موقفها من البيان قبل صدوره من حيث رفضها إمكانية أن يشكل مرجعية للمفاوضات.. وتصر على شروطها بمنع البحث في وقف الاستيطان أو وضع القدس كعاصمة موحدة لها..؟!‏

ولا صوت من الولايات المتحدة.. باستثناء لقاءات خاصة تتم بين مسؤولين أميركيين وآخرين من السلطة.. إن انفرجت عن شيء ما، فهي تطمينات موعودة ولا ضمانات.‏

لماذا الصمت؟!‏

بين الترحيب الفلسطيني والرفض الإسرائيلي تعمل الولايات المتحدة على إعداد بيان للرباعية يرضي الطرفين.. ورجح مراقبون فلسطينيون «حسب جريدة الحياة 17 آب2010 » أن يتصف البيان بالغموض.‏

حالة مستهجنة منطقياً.. إذ يفترض أن الوضوح هو الذي يوصل الأطراف المتحاورة إلى نتائج تتضمن حلولاً.. وليس الغموض والتعمية.‏

لكن..‏

لننتبه إلى جدلية السلام في الشرق الأوسط.. وتحديداً الموقف الأميركي.. لقد اختار دائماً الغموض والتعمية، وقلما عرف الوضوح، ولا سيما على المسار الفلسطيني.. بل إن الولايات المتحدة ابتعدت عن المسار السوري، ربما لوضوح الموقف السوري وإصراره على العلنية والاتفاق الواضح الذي لا يقبل تأويلات فيما بعد كافية لإعادة القضية إلى الصفر أو ما تحت الصفر.‏

رحم الله القائد الخالد حافظ الأسد.. حين سئل عن اتفاق أوسلو.. ترك الاتفاق لأصحابه.. وقال عنه عبارة واحدة:‏

«هذا اتفاق يحتاج في كل نقطة منه إلى اتفاق..!!»‏

هل تريد الولايات المتحدة لبيان الرباعية أن يحتوي منطقاً مشابهاً أي لا شيء واضحاً فيه.‏

قد لا تريد الولايات المتحدة ذلك.. لكن الموقف الإسرائيلي من البيان يضطرها إلى ذلك.‏

لقد نقلت الأنباء عن مصدر «كبير» في مكتب نتنياهو تأكيده أن بيان الرباعية وبالرغم من أنه ذو صبغة إعلانية ليس أكثر من «ورقة تين يتعلق بها الفلسطينيون للنزول عن الشجرة والانتقال إلى المفاوضات المباشرة..».‏

يبدو أن الغموض قد سبق البيان المنتظر..‏

إنهم يريدون أن يحولوا البيان إلى قضية بحد ذاتها..؟!‏

a-abboud@scs-net.org

==================

إسرائيل والناتو.. تحالف غير بريء

بقلم: روبرت فيسك‏

موقع Monolialisaton.ca

ترجمة

الأربعاء 18-8-2010م

ترجمة: محمود لحام

الثورة

مر خبر تحطم طائرة هيلوكبتر في رومانيا ومصرع الجنود الخمسة الذين كانوا على متنها بتكتم وسرية شديدة في الكثير من وسائل الإعلام الغربية على اختلاف أنواعها.. لكن هل تعرفون السبب؟!..

إنه بسيط جداً ذلك أن الجنود الخمسة اسرائيليون وكانوا في تدريب مشترك بين اسرائيل وحلف شمال الأطلسي.‏

ولكن هل تتصوروا كيف سيكون صدى الخبر فيما لوكان هؤلاء الخمسة من «حماس» أو من «حزب الله»؟ بالتأكيد ستقوم الدنيا ولن تقعد وسيدان الجميع.. وسيعقد مجلس الأمن وستفرض العقوبات وستستنفر القوى الكبرى جيوشها وستسمع التهديدات!!... إنه عالم غريب لايرى إلا بعين واحدة هي العين الإسرائيلية.‏

ويتابع روبرت فيسك: نحن لسنا أمام حالة تكون المقارنة فيها منطقية..فإسرائيل وللمناسبة تقوم على الإرهاب والقتل والأرقام تشير إلى عشق القتل ورؤية الدماء لدى الإسرائيليين، وللمناسبة فقد قتلت اسرائيل أكثر من 1300 فلسطيني في قطاع غزة خلال عام ونصف بينهم أكثر من 300 طفل وبالمقابل قتلت حماس 13 اسرائيلياً في نفس المدة.‏

وهنا لابد أن نقول إنه هل من المصادفة أن يتوافق تقرير القاضي الجنوب إفريقي «ريتشارد غولدستون» اليهودي أيضاً مع ماسبق؟ بالطبع لا.. فالتقرير الذي جاء ب (750) صفحة والذي أشرفت عليه الأمم المتحدة وصف ماجرى في غزة نهاية 2008 بالمجزرة وحمام الدم. ما أثار غضب المتعصبين الموالين لإسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا، لا بل رفضت سبع دول أوروبية نتائج ذلك التحقيق.‏

مادور الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في هذه المناورات المشتركة مع جيش ملطخة يداه بالدماء لايملك أي رصيد أخلاقي؟‏

للإجابة على هذا السؤال نحن مدعوون لقراءة كتاب(علاقاتنا مع اسرائيل) للكاتب «دافيد كرونين» وفيه تحليلات دقيقة للعلاقة الطفيلية والقائمة على غرس عقدة الذنب لدى الأوروبيين تجاه اسرائيل، إن التفاصيل المذكورة أصابتني بالدهشة والذهول (الكلام لروبيرت فيسك) حيث إن اسرائيل طورت علاقاتها السياسية والاقتصادية بقوة مع الاتحاد الأوروبي في العقد الأخير بحيث أصبحت دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي دون الإعلان عن ذلك وهذا ماأكده (خافير سولانا) المنسق الأعلى للاتحاد الأوروبي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي سابقاً حيث قال: إن اسرائيل هي عضو في الاتحاد الأوروبي دون الإعلان عن ذلك.‏

وهنا لابد أن نسأل: هل صوتنا نحن الأوروبيين على ذلك؟ ومتى؟ ومن سمح بهذا؟‏

لابد أن للقادة الأوروبيين دوراً في ذلك.. فمثلاً ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني يرى أن اسرائيل تستحق الدعم والمساعدة وهذا ليس غريباً عليه فهو مثل غيره يدين بالولاء لها رغم أن هذه الأخيرة تجاوزت الأعراف والقوانين الدولية أكثر من مرة كان آخرها تزوير جوازات سفر بريطانية لعملاء اسرائيليين في دبي في عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح.‏

إذاً إن تخاذل وتآمر الاتحاد الأوروبي مع اسرائيل وتجاهله لجرائمها عبر التاريخ هو ضوء أخضر سيسمح بمزيد من التجاوزات والجرائم مقابل سياسة متصلبة يبديها الاتحاد نفسه تجاه موقف هنا وموقف هناك لايعادل ولا يصل لمستوى ماتقوم به اسرائيل، وكلنا يذكر الموقف الأوروبي تجاه الحرب الروسية الجورجية عام 2008 وكذلك التجاوزات التي وقعت خلال الحرب بين الحكومة السيريلانكية ونمور التاميل المعارضين ودائماً هنا كان الصوت الأوروبي حريصاً علىحقوق الإنسان!!!‏

هذا ما أكد كرونين في كتابه المذكور سابقاً.‏

ويضيف الكاتب: لقد تجاوزت مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل عام 1999 ال 11،5 مليون جنيه استرليني وتضاعف الرقم إلى 22،5 مليون جنيه خلال عامين في الوقت الذي مازالت فيه اسرائيل تحتل الضفة الغربية وأجزاء أخرى من الأراضي العربية وتحاصر غزة وتبني المستوطنات رغم الانتقادات الكثيرة.‏

وما زاد الأمر سوءاً استخدام اسرائيل لهذه الأسلحة ضد المدنيين في مرات كثيرة، ففي العام 2006 وخلال الحرب على لبنان قتلت اسرائيل الآلاف من اللبنانيين في حملة صليبية بأسلحة بريطانية الصنع. نعم هذا هو الحال المؤسف وكأن الأوروبيين والأمريكيين يقولون نحن مع اسرائيل مهما فعلت...‏

لقد كانت الطائرات الأمريكية خلال حرب لبنان تنقل الأسلحة لإسرائيل وتتزود بالوقود في المطارات البريطانية والأوروبية عموماً..‏

إن التحالف الأطلسي الإسرائيلي قائم.. بموجبه قدمت اسرائيل للناتو مساعدات لوجستية في أفغانستان أسهمت في قتل العشرات من المدنيين.. وهي بذلك تعامل الناتو بالمثل وهو الذي لم ينفك يوماً عن تقديم أي مساعدة لها في حروبها ضد العرب، ومازيارة رئيس أركان الجيش الاسرائيلي (غابي أشكينازي) لبروكسيل مقر حلف شمال الأطلسي إلا مشهد من مسلسل تحالف القتلة والمجرمين .‏

وإذا نظرنا للمشهد من زاوية أخرى فسنجد أن الاتحاد الأوروبي يقدم ملايين الجنيهات المخصصة لمشاريع في قطاع غزة.. لتأتي اسرائيل بعدها وتدمر هذه المشاريع بسلاح أمريكي.‏

ويحلل كرونين مايحدث بالتالي: يقوم دافعو الضرائب الأوروبيون بدعم المشاريع في غزة.‏

بينما يقوم دافعو الضرائب الأمريكيون بدعم الجيش الإسرائيلي الذي يدمر تلك المشاريع يعود بعدها الأوروبيون لتمويل وإعادة الإعمار، ثم الأميركيون لتحويل الأسلحة والتدمير وهكذا يمضي الوقت على العرب والفلسطينين لتجد أن حالهم يتدهور للوراء نتيجة التدمير المادي والبشري المستمر بينما اسرائيل تزداد قوة وصلابة.‏

هذا هو الحال فإسرائيل والناتو يشتركان ببرنامج تعاون يسمح للجيش الإسرائيلي بالدخول على شبكة المعلوماتية الخاصة بالناتو واستخدام معلوماتها الاستخباراتية السرية.. ولم لا، فهذه اسرائيل فمن غيرها استطاع الجلوس في حضن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟!!! بالتأكيد لا أحد!!...‏

==================

إلى أين يتجه القرار الظني بعد اتهام نصر الله لإسرائيل؟

بقلم :جورج ناصيف

البيان

18-8-2010

عاش لبنان في الأسبوعين الفائتين، حدثاً استثنائياً تمثل في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله» اللبناني، حيث قدم صوراً جوية وخرائط وتسجيلات عن عملاء إسرائيليين جرى توقيفهم سابقاً من أجهزة المخابرات الرسمية في لبنان، تشكل بمجملها مضبطة اتهام لإسرائيل في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ردود الفعل الداخلية لم تخرج عموما عن الاصطفاف السياسي العام، القائم في البلاد بين 8 و14 آذار، حيث هلل سياسيو 8 آذار وإعلاميوها للوقائع التي كشفها نصر الله، معتبرين إياها قرائن مؤكدة على ضلوع إسرائيل في عملية الاغتيال.

مما يرفع الشبهة عن «حزب الله» بعدما صرفت المحكمة الدولية عن اتهام سوريا، فيما تحفظت قوى 14 آذار على وقائع المؤتمر، معتبرين أن ما قدمه نصر الله لا يتعدى كونه إشارات وقرائن ظنية، لا ترقى إلى مستوى الأدلة القطعية الجازمة.

لكن المفاجأة تمثلت في الموقف الذي اتخذه تيار «المستقبل» والرئيس سعد الحريري شخصياً، عندما جرى التعامل الإيجابي مع قرائن «حزب الله»، ورفض التقليل من جديتها، الأمر الذي أشاع مناخا من الاطمئنان العام في البلاد، وقدم تأكيدا على الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في منع أي احتقان داخلي أو توتر مذهبي.

 

المحكمة الدولية بلسان مكتب المدعي العام دانيال بالمار، سارعت إلى إبداء ترحيبها بأية قرائن أو معلومات تنير التحقيق، داعية إلى رفع المعطيات والأشرطة التي عرضها السيد نصر الله، إلى المحكمة للنظر فيها بجدية وحرفية ودراستها بتأن.

 

ما كان لافتا أيضاً أن الصحف السورية؛ من صحيفة البعث الناطقة بلسان حزب «البعث» الحاكم إلى صحيفة «تشرين» الناطقة بلسان الحكومة، اكتفت بتعليق هادئ غير اتهامي للمحكمة الدولية، داعية قاضي التحقيق إلى التثبت من القرائن وفحصها بتأن، والشروع في إدخال المعطى الجديد في نسيج الاتهام الظني.

 

هنا تتكاثر الأسئلة التي يرفعها المراقبون المحايدون:

 

هل توافق واشنطن وباريس على اتجاه المحكمة نحو التحقيق الجدي مع السلطات الإسرائيلية، مدنية أو عسكرية، أم تعمد العواصم ذات القرار إلى تعطيل أي تحرك للمدعي العام في اتجاه تل أبيب؟

 

هل سيسهل اللوبي الصهيوني في واشنطن حركة المدعي العام؟

 

هل يقبل «حزب الله» بتسليم القرائن التي يملكها إلى محكمة يعلن أنه لا يثق فيها ولا بحياديتها، أم يعمد إلى تسليم القرائن إلى الدولة اللبنانية تاركا لها حرية التحرك والتصرف؟

 

هل يقوم المدعي العام نفسه بزيارة إسرائيل من أجل استكمال مروحة تحقيقاته؟

 

مع العلم أن إسرائيل رفضت توقيع «اتفاق تعاون» مع المحكمة، على غرار بعض الدول كما جاء في تقرير المدعي العام السابق لها من أنها استدعت ضباطاً سوريين للإدلاء بشهادتهم كشهود، وقام مندوبون من المحكمة بالاستماع إلى رأي ومعلومات الرئيس السوري بشار الأسد في جلسة عقدت في القصر الجمهوري في دمشق.

 

كما من العلوم أن المحكمة استمعت إلى إفادات كوادر من «حزب الله» أيضاً بصفة شهود، بإجازة خاصة من قيادة «حزب الله»، فضلاً عن أن المدعي العام قام بزيارة عدد من الدول العربية في إطار تحقيقاته المكثفة.

 

فهل تخضع إسرائيل لطلب ما قد ترفعه المحكمة للاستماع إلى مسؤولين إسرائيليين أيضاً بصفة شهود؟

 

من جهة لبنان الرسمي، لم يصدر تعليق من الحكومة اللبنانية، وإن كان غلب الترحيب على ما تسرب من موقف رئيس الجمهورية، الذي يرى ضرورة أن تعكف المحكمة على دراسة المعطيات التي جاء بها نصر الله.

 

كل ذلك يوصلنا إلى السؤال الكبير:

 

هل تؤجل المحكمة إصدار القرار الظني الذي كان شائعا أنه سيكون في نوفمبر المقبل، وفق ما أكدت السفيرة الأميركية في لبنان لعدد من القيادات السياسية التي التقت بها أثناء جولة وداعية لها قبل مغادرة منصبها؟

 

التقريرات المتوافرة تشير إلى أن المدعي العام يحتاج إلى فترة زمنية تمتد عددا من الأشهر.

 

من أجل دراسة المعطيات الجديدة وإدراجها في سياق القرار الظني، مما يحتم تأجيل صدور القرار إلى نهاية الخريف المقبل أو مطلع السنة الجديدة، خصوصا أن المدعي العام نفسه طالب السيد نصر الله بأن يستخدم «سلطته المعنوية»، من أجل إمداد المحكمة بما يتوافر لديه من قرائن او معطيات تفيد التحقيق الدولي، مما سيطيل من أمد التحقيق.

 

يبقى أن الاشهر الفاصلة قبل صدور التقرير، ستكون فرصة للتحرك السعودي المرتقب حيال واشنطن، للضغط من أجل تصويب مسار التحقيق وإدخال الفرضية الإسرائيلية في صلب القرار الظني.

 

شهر رمضان الفضيل سيكون شهر انتظار ومشاورات دولية وداخلية (واجتماع مرتقب بين الحريري ونصر الله)، فهل تحمل الشهور الآتية خبراً يطمئن اللبنانيين أم ستأتيهم بما يجعلهم يزدادون قلقاً؟

كاتب لبناني

==================

تحديات كارثية في باكستان

بقلم :صحيفة «باكستان تايمز» الباكستانية

البيان

18-8-2010

وسط سيناريو مروع ناجم عن الفيضانات المسعورة التي ضربت باكستان، احتفل الشعب الباكستاني في الرابع عشر من أغسطس الجاري بالذكرى ال63 لاستقلاله عن الهيمنة والاستعمار الأجنبي ونيل حريته، وذلك بعهد متجدد بارتقاء دولته إلى ذروة التطور والازدهار وسط أجواء من السلام والرخاء، رغم التحديات الكثيرة والمتنوعة.

 

وبالطبع يجب أن نحتفل بهذه الذكرى التاريخية في هذا العام بطريقة متواضعة، نتيجة الخسائر الفادحة التي عرضت حياة الكثيرين للموت، وشردت أكثر من 15 مليون شخص، علاوة على إفراغها لسلة الخبز، نتيجة جرف الفيضانات لحقول القمح المزروعة.

 

ويواجه الشعب الباكستاني هذه التحديات الكارثية، الفريدة وغير المسبوقة، بعزم وتصميم راسخين. ورغم قلة المساعدات المتوفرة لمواجهة هذا البلاء، إلا أن معنويات الأهالي مرتفعة لأقصى حد، وهم متفائلون بعودة الأيام المجيدة إلى سابق عهدها، مما يجعل هذا الشعب جديرا بالثناء.

 

ويحتفل الشعب الباكستاني بعيد الاستقلال كل عام، بشكر الله سبحانه وتعالى على النعم التي أنعمها على عباده المسلمين في كل مكان. والهدية الفريدة التي منحنا إياها، هي الحرية المخضبة بعطر الورود والأزهار، والتي تنسمنا فيها أجواء الارتياح، دون إكراه أو هيمنة خارجية.

 

ويجب ألا ننسى، في خضم ذلك، القائد الملهم محمد علي جناح، الذي يعتبر من عظام القادة المسلمين، والذي حول حلم الحرية إلى حقيقة واقعة في غضون سنوات قليلة. ووسط تلك الأجواء تعهد جميع أبناء الشعب الباكستاني، بغض النظر عن العمر، الجنس، اللون، أو العقيدة، بأسلوب واضح لا لبس فيه، بأن يبذل كل واحد منهم جهده للذود عن الوطن كصخرة صلبة، وحماية سيادته وكرامته، والتضحية بالغالي والنفيس مهما عظم شأنه.

 

وفي الوقت نفسه، يكرم الشعب الباكستاني المخلصين من أبنائه البررة المسلمين، الذين نالوا الشهادة، خلال عملية النزوح من الهند والدول المجاورة إلى باكستان.

 

وبينما نبتهج بقطف ثمار الحرية، فإننا من الناحية البراغماتية لم نتمكن بعد من تحقيق الأهداف النبيلة، المتمثلة بالوحدة والإيمان والانضباط، وهذا يظهر أننا نفتقر إلى رمزنا العظيم من الثقة التي انعكست علينا في الماضي، بصورة رائعة، عبر مؤسس الدولة قبل أكثر من ستة عقود.

 

وبصورة مثيرة، ما زلنا منهمكين في مشاحناتنا الداخلية، الزائدة عن الحد، وتسيطر علينا الأنانية الشديدة والنرجسية، ونفتقر، بطريقة ما، للحنكة السياسية، وتواجه مؤسساتنا عوائق كثيرة تسد عليها منافذ ارتقائها. ونظرا للتقلبات السياسية، يتطلع الكثيرون منا، بغض النظر عن وضعهم ومكانتهم، للوصول إلى دهاليز السلطة، حتى مع تعريض المصالح القومية للخطر.

 

وغني عن القول أن كل فرد منا يدرك عواقب التخلي عن حكومته الديمقراطية، في سبيل دعم المعارضة. ولا يبدو الوقت ملائما للتخلي عن القيم التي شكلت منصة حريتنا من الإمبراطورية البريطانية. ونظرا للعقلية البائدة والروح العدوانية لبعض الدول المجاورة لباكستان، ورغم إرسالها رسائل الحب والإعجاب لنا، فإنها، في الواقع، لم تتقبل، أو تعترف من صميم قلبها، بإنشاء باكستان.

 

ورغم إبداء ارتياحها وسعادتها لتبادل الزيارات والبعثات الدبلوماسية معنا، إلا أنها في الوقت نفسه تتجنب عقد اجتماع على مستوى القمة لحل بعض القضايا العالقة، وعلى رأسها الصراع الدائر في كشمير، والذي هو أساس التوتر بين الجارتين النوويتين.

ومن خلال هذا الموقف، تعرضت باكستان لثلاث حروب مدمرة، لم تجلب للجانبين اللذين خاضاها سوى الكوارث والدمار. والوسيلة الوحيدة لصرف كل عين شريرة عنا، تكون من خلال وحدتنا وتضامننا مع بعضنا، ومواجهة التحديات بإرادة قوية وعزم راسخ.

==================

محكمة الحريري... يا ليتها إسرائيل

زين الشامي

الرأي العام

18-8-2010

ما قدمه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله من قرائن و«أدلة» عن تورط إسرائيلي مفترض في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يجب أن تأخذه المحكمة الدولية الخاصة في لبنان على محمل الجد، وتتابعه بعناية فائقة جنائياً وسياسياً، ليس لأن ما أتى به السيد نصر الله في غاية الأهمية من الناحية الجنائية، أو لأنه حاسم بقدر ما هي إسرائيل، كطرف إقليمي ولاعب أساسي في المنطقة، ودولة لها تاريخ عريق في مجال الاغتيالات السياسية، يستدعي أن تأخذه المحكمة في عين الاعتبار.

ان ما قدمه السيد نصر الله ربما يستدعي أن تقوم إسرائيل وأجهزتها الاستخبارية بتقديم ما لديها من وثائق ومعلومات عن الجريمة تنفي عن نفسها التهمة، لكن كل التقارير السابقة حول تعاون إسرائيل مع المحكمة الدولية تقول انها لم تتعاون بالشكل المطلوب، ولا أحد يعلم إلى اليوم ما الأسباب وراء ذلك لأن كل التحليلات السياسية تقول، إنها مضت في اتجاه يبرئ إسرائيل من الجريمة، وهذا كان مستغرباً جنائياً، بمعنى أن المحكمة الدولية ما كان لها أن تسقط ذلك من حساباتها، رغم كل ما قيل عن دور إقليمي مفترض لهذه الدولة أو تلك، أو لهذه الجماعة الحزبية أو الدينية وغيرها.

أيضاً فإن ما قدمه السيد نصر الله لا يشكل أدلة دامغة جنائياً، فإن ما تقوم به طائرات استطلاع إسرائيلية بالتحليق فوق لبنان وتتبع مسار موكب الرئيس الحريري لا يعني أن الغاية من وراء ذلك التحضير لعملية اغتياله، فمن المعروف لنا جميعاً أن هذا السلوك الإسرائيلي ليس جديداً ونعتقد أن كل المسؤولين اللبنانيين، بدءاً من الرئيس نفسه وانتهاء بأي وزير أو شخصية سياسية أو حزبية، هم تحت رقابة عملاء إسرائيل وطائرات التجسس الاسرائيلية، ليس اليوم فقط، بل في السابق وحتى اشعار آخر.

وللعلم فإن الطائرات الإسرائيلية لا تراقب أو تتجسس على المسؤولين اللبنانيين فقط، بل نحن نعرف أن السماء السورية تتعرض لمثل هذه الاستفزازات بين الفينة والأخرى، وأن إسرائيل دائماً ترسل بالونات تجسس إلى المواقع العسكرية السورية تحمل كاميرات تصوير، وغالباً ما يقوم الجيش السوري باكتشافها هنا وهناك. ان ذلك ليس بجديد على إسرائيل، وهو ليس بجديد على الدول التي تعيش حالة من اللا حرب واللا سلم.

من ناحيتنا كعرب وسوريين ولبنانيين، وسنّة وشيعة ومسيحيين أيضاً، سنكون سعداء جداً فيما لو كانت إسرائيل وراء الجريمة، يكفي فقط أن ذلك سيزيل من على كاهل الشخصية الوطنية السورية عبئاً كبيراً، رغم ان الشعب السوري ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بكل سياسات وممارسات النظام السياسي وأجهزة الاستخبارات الكثيرة، ان النفسية السورية عانت كثيراً خلال الخمسة أعوام المنصرمة جراء أصابع الاتهام التي وجهت إلى دمشق بالوقوف وراء اغتيال الحريري، لقد شعرنا كسوريين أننا جميعاً في دائرة الاتهام، وبتنا أحياناً أهدافاً لبعض الممارسات العنصرية من بعض الاشقاء اللبنانيين، نقصد أن بعض السوريين دفعوا كبيراً وغالياً جراء ذلك الاتهام، فمنهم من قتل في لبنان، ومنهم من خسر عمله، ومنهم من خسر مالاً وعملاً، ولقد كان على السوري العادي أن يبرر شيئاً ليس له علاقة به لا من قريب ولا من بعيد، وجريمة مروعة ليس لأي مواطن سوري عاقل وبسيط أي مصلحة في حصولها.

من ناحية أخرى، ندرك ونعرف تماماً حجم الضرر الاجتماعي بين الشعبين السوري واللبناني جراء الجريمة، وهو بالمناسبة لم يكن ضرراً اجتماعياً أصاب الشعبين، بل كان ضرراً اقتصادياً وثقافياً، وتسبب في شروخات عميقة تحتاج إلى زمن وأعوام طويلة حتى تندمل. هذا لا يعني غياب الصوت العاقل من كلا البلدين، على العكس تماماً، هناك من دفع في لبنان وفي سورية ثمناً باهظاً لمجرد المطالبة بالعقلانية وتغليب صوت المنطق والتمييز بين الشعبين والمواطنين عما يجري في السياسة. لقد دفع الصحافي سمير قصير من لبنان وغيره دمهم ثمناً لذلك، ودفعت شخصيات سورية مثقفة أعواما من عمرها سجناً لمجرد مناداتها باعادة قراءة هذه العلاقة والتمييز بين الطبقة السياسية وما بين الشعبين والمواطنين اللبنانيين والسوريين الذين يرتبطون بأعز واقدم الوثائق على مدار أعوام التاريخ.

لنا جميعا مصلحة كسوريين ولبنانيين وسنّة وشيعة ومسيحيين وعرب في أن تكون إسرائيل وراء هذه الجريمة... لكن ما نتمناه شيء وما ستقوله المحكمة الدولية الخاصة في لبنان شيء آخر، أيضاً فإن ما قدمه السيد حسن نصر الله شيء يبقى صحيحاً ومهماً بانتظار أن تقول المحكمة كلمتها الأخيرة وتقدم أدلتها الجنائية التي لا يرقى إليها الشك.

==================

كي لا تضيع فرصة الغاز للبنان

الاربعاء, 18 أغسطس 2010

رندة تقي الدين

الحياة

بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، وجدت شركة «نوبل» للنفط الأميركية التي تعمل على التنقيب في حقل بحري للغاز شرق شاطئ المتوسط قرب حيفا أن الاحتياط من الغاز الموجود في هذه المنطقة قد يكون أكثر ب 40 في المئة مما كان متوقعاً. إلا أن الشركة الأميركية «نوبل»، ومركزها هيوستن، نفت ما ورد في الصحيفة كاشفة أن الأعمال الزلزالية الأخيرة التي بدأت في حزيران (يونيو) تشير الى احتمال يقدّر ب 55 في المئة، باكتشاف 20 الى 23 تريليون قدم مكعب من الاحتياطي من الغاز.

بكل أحوال هذا يشير الى أن حقل تامار الغازي الذي يقع قرب شاطئ حيفا، غير البعيد من شاطئ جنوب لبنان واعد، والى انه حان الوقت أن تقر الحكومة اللبنانية القانون النفطي ليستفيد البلد إذا كان لديه احتياط من الغاز.

فمشكلة لبنان أنه بسبب خلافاته السياسية العقيمة يفوّت فرص قد تكون مفيدة لاقتصاده. الحقل الغازي البحري الإسرائيلي قد ينتج في 2012 كميات من الغاز تساهم في تزويد هذا البلد بنسبة كبيرة من حاجاته الداخلية التي تلبيها حالياً كميات مستوردة من الغاز المصري. فإسرائيل تنوي الاستمرار في استيراد الغاز المصري في حين أن «نوبل» الأميركية ناشطة في التنقيب في مياه مجاورة للبنان.

لا أحد يعرف بعد الكميات الموجودة في المياه اللبنانية، لأن الشركات العالمية لا تأتي للعمل في التنقيب إلا بعد أن يكون أُقر قانون النفط، وبعد ذلك تحتاج الشركات الى جو استثماري وجو عمل يسهل لها الدخول في مثل هذا النشاط.

والسؤال مطروح عن كون الجو السياسي الحالي سيسمح لمثل هذه الشركات بالتقدم بعروض للدخول في عملية تنقيب قد تستغرق سنوات قبل التوصل الى الإنتاج. فالطبقة اللبنانية السياسية تضيّع باستمرار فرص جيدة للبلد بسبب خلافاتها.

اكتشاف وإنتاج الغاز في لبنان قد يكون فرصة للبلد في سبيل توسيع الطاقة الكهربائية في بلد بحاجة ماسة إليها. صحيح أن موقع المنطقة البحرية التي قد تحتوي على احتياط من الغاز تقع على الحدود مع إسرائيل وأن الاحتمال كبير في أن إسرائيل تسعى الى الضخ من الجانب اللبناني إذا تم اكتشافه. لكن قبل ذلك علينا أن نرى إذا كانت مكونات الحقل اللبناني واعدة. فالخلافات داخل الحكومة بدأت منذ إثارة الموضوع على طريقة المثل الشعبي الذي يقول: «الحديث عن الولد قبل أن تكون المرأة حامل».

من بين الشركات التي أبدت اهتماماً في الموضوع «شل» العالمية وغيرها، لكن الجو السياسي السائد يفشّل مساعي هذه الشركات كون لبنان ليس بلداً نفطياً أو منتجاً للغاز. فالعراق مثلاً حيث الخلافات السياسية وعدم تشكيل حكومة والأوضاع الأمنية لم تستقر بعد يضيّع فرص بالإسراع في توسيع طاقته الإنتاجية، ولكن احتياطه النفطي الضخم الثاني بعد السعودية أثار اهتمام الشركات العالمية التي تنافست بقوة للدخول إليه. أما لبنان فسرعان ما ستؤدي خلافاته الداخلية الى عدول الشركات الكبرى عن الاهتمام بالعمل في بلد صغير احتياطه قد يكون بحجم لا يستحق الجهود. لقد حان الوقت أن يضع المسؤولون اللبنانيون خلافاتهم جانباً قبل تفويت الفرصة.

==================

العراق والكويت: عقدان على كارثة الحرب والاجتياح

الاربعاء, 18 أغسطس 2010

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

بعد عشرين سنة على اجتياح الكويت وربما الاصح غزو صدام للكويت، يشعر العراق كما تشعر الكويت بالكثير من الإنهاك. لكل انهاك اسبابه، اذ يعود في كلا البلدين في جانب منه لما وقع عام ١٩٩٠. لقد ارهقت تلك التجربة الاليمة البلدين وما زالت تساهم في ذلك بعد مرور عشرين سنة. وهذا يعود ويؤكد لنا ان لا احد يستطيع ان يهرب من التاريخ وأحداثه، فما يقع من حروب واقتتال يغير احوال المجتمعات والناس بما يتجاوز الزمان والمكان. قبل عام ١٩٩٠ بدت الكويت وكأنها الطريق الذي يحقق عبره صدام حسين المجد الذي يحلم به. بل بدت اكثر، وكأنها ذلك السراب الذي اوهمه بإمكانية تعويضه كل خسائر الحرب العراقية - الايرانية. ذلك السراب اختفى بأسرع من المتوقع. وفي مرحلة لاحقة، تغيرت الادوار وكأننا في لعبة كراسي لا تهدأ ولا تتوقف، وبدا صدام حسين بشخصه والعراق بنظامه وجغرافيته ونفطه وكأنه طريق الولايات المتحدة وطريق يمينها المحافظ لتحقيق طموحات الحفاظ على الامبراطورية الاميركية وقوتها العالمية بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). في اليوم الاول من هذه الدراما العربية في عام ١٩٩٠ حلم صدام بإمبراطورية كبرى من خلال الكويت، وفي اليوم الثاني من هذه الدراما عام ٢٠٠٣ حلمت الولايات المتحدة حلماً لن يتحقق. لقد خسر صدام حسين عام ١٩٩٠ ثم عام ٢٠٠٣ لكن الولايات المتحدة هي الاخرى حققت مكاسب مهمة عام ١٩٩١ لكنها لم تكسب عام ٢٠٠٣، اذ تبدد هجومها الى معارك استنزاف ولم يبق من انتصارها الا الأقل. ففي الشرق الاوسط تتحول الحروب سراباً، وكل حرب تمهد للتي تليها. ليس في الشرق من منتصرين دائمين، فكم من انتصار تحول مع الوقت الى نقيضه.

ان ما وقع عام ١٩٩٠ دمر الكويت اقتصادياً وانسانياً كما انه دمر العراق بسبب حرب تحرير الكويت ثم بسبب العقوبات الطويلة المرتبطة بها. وبينما انتقل من الكويت بسبب صدام وغزوه ثم بسبب رد الفعل الكويتي بعد تحرير الكويت والمرتبطة بموقف منظمة التحرير آنذاك زهاء نصف مليون فلسطيني كانوا يمثلون عصب رئيسي للحياة الاقتصادية والادارية والثقافية للكويت، ما أضعف بنية الكويت على مستويات كثيرة، نجد في المقابل ان العراق فقد ابان عام ١٩٩٠ ثم في السنوات المقبلة كل قدرته على جذب القدرات العربية والعالمية ورؤوس الاموال والخبرات وسط عزلة خانقة وهجرة كفاءات.

لقد بدأت الكويت أعمال اعادة البناء واعادة البلاد الى سابق عهدها عام ١٩٩١، لكن المعوقات الادارية والسياسية والهاجس الامني الذي سيطر على البلاد ساهم هو الآخر في وضع حدود للكفاءة والتنمية. لهذا تعطل مشروع التنمية في الكويت طوال عقد التسعينات من القرن الماضي، مما ساهم في نمو متسارع لقوى المعارضة والاحتجاح في البرلمان وخارجه. فقد سيطر شعور سلبي بين الكثير من مواطني الكويت مصدره عدم قدرة الكويت على استعادة تلك الحقبة الذهبية التي ميزتها في السبعينات والثمانينات وقبل عام ١٩٩٠. هكذا ارتفعت الاصوات محمّلة الحكومة ورؤساء الوزارات والوزراء مسؤولية التردي. ويمكن القول إن المأزق السياسي اليوم في الكويت يعود في شكل من الاشكال الى ما وقع عام ١٩٩٠ من اقتلاع للنظام بواسطة الاجتياح المفاجئ، ثم من عودة للنظام في ظل تمسك المجتمع بشرعيته وفي ظل الحرب التي هزمت النظام العراقي عام ١٩٩١، ثم ارتفاع وتيرة المساءلة بين المواطنين والبرلمانيين بفضل طبيعة التحديات التي برزت بعد عام ١٩٩١، ثم صعوبة استعادة قدرات الكويت التنموية والمتقدمة كما كانت في الزمن الذهبي، ويتم كل ذلك في ظل بروز اجيال كويتية جديدة تحمل هموماً جديدة وتصورات مختلفة.

اما في العراق فبعد حرب تغير النظام العراقي عام ٢٠٠٣، انتهى الامر بحرب اهلية وصراع كبير بين القوى الرئيسية السياسية والطائفية والقومية العراقية، وارتفعت الحدة في الصراع الداخلي كما ارتفعت الحدة في الصراع مع الولايات المتحدة، كما ارتفعت حدة التدخلات الاقليمية الايرانية والسورية والسعودية بالاضافة الى الاميركية. لا يزال العراق يبحث عن نفسه وسط ضياع كبير ويتصارع على تركيبته الداخلية من دون ان ينجح في الارتقاء الى صيغة مقبولة. ولا تزال الكويت، حتى يومنا هذا، تسعى نحو التنمية من دون ان تحققها بالصيغة التي تعلن انها تريدها.

اليوم يقف كل من العراق والكويت في وجه الآخر، هذه المرة ليس من اجل الحرب او الاجتياح، فكل من الكويت والعراق يمثل اليوم مرآة لما وقع عام ١٩٩٠. كلا البلدين يحاول التعامل مع تبعات التاريخ والبحث عن المستقبل. ومع ذلك فالماضي يسهل اجتراره عبر الشكوك والمخاوف والمشاعر التي يثيرها. لكن، من جهة اخرى، معظم الذين يعيشون اليوم في البلدين كانوا عام ١٩٩٠ اطفالاً او لم تلدهم امهاتهم بعد، ومع ذلك ما زالت الآثار غير المرئية والأصح النفسية لما وقع عام ١٩٩٠ قائمة في كلا البلدين.

ان اكثر ما يفصل بين البلدين هو الثقافة الشعبية. فهناك ثقافة في العراق تشكك بالكويت وحقوقها السيادية تقابلها في الكويت ثقافة شك وعدم ثقة في العراق ونياته. الثقافة هي المشكلة الاكبر التي قد يؤسس عليها السياسيون في المستقبل قرارات ومواقف وانتهاكات، فهي السبب الذي يجعل الموقف من الكويت والحدود والتعويضات تتحول الى موضوع سياسي في حملة انتخابية في العراق. هكذا يتم اقحام الممر المائي والترسيم والتعويضات بين البلدين في سوق للتنافس السياسي العراقي - العراقي. ويحصل ذلك في الكويت ايضاً، اذ تتحول قضية التعويضات وإسقاط الديون العراقية الى مشكلة داخلية حكومية برلمانية. ووفق زهير الدجيلي، الصحافي العراقي، «فإن المسألة الثقافية وطبيعة النظرة الشعبية المنتشرة في العراق والكويت هي رافد رئيس للخلافات. المشكلة في الثقافة الاوسع أكانت ثقافة اعتبار الكويت او أجزاء منها جزءاً من العراق او ثقافة الشك والتخوف في الكويت».

ويسجل لمصلحة الكويت انها هرعت بسرعة الى العراق بعد تغير النظام العراقي عام ٢٠٠٣ في محاولة لبناء العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية. لكن الحالة الامنية عادت وعكرت الامكانات ودفعت باتجاه هروب الاستثمارات. العراق سيخلق استقراره، فهو لن يبقى في موقع صراع مفتوح كما هو حاله اليوم. كما ويسجل لمصلحة العراق ان نظامه السياسي ممثلاً بحكوماته المختلفة تعاملت بنضج مع الكويت كما تعاملت الكويت بنضج مع الواقع الجديد في العراق.

لكن هناك اموراً معلقة في إمكانها ان تعكر صفو العلاقة بين البلدين. ان مسائل كالديون والتعويضات في امكانها ان تخلق ازمة بين البلدين بخاصة بعد الانسحاب الاميركي من العراق. ايجاد حل متوازن وتنموي شرط اساسي لحل هذه القضايا المعلقة. وبينما لا يزال العراق يفكر باتجاه البحر والمنفذ المائي وتوسعة مينائه، الا انه لا توجد مشكلة مهما بلغت جديتها لا يمكن حلها حلاً تعاونياً بخاصة اذا توافرت النيات الايجابية. فالسعي الاقتصادي لا تحده حدود. نتساءل عن امكان بناء مناطق حرة بين العراق والكويت تسمح للعراق بحل مشكلته المائية بما يتناسب واحتياجات البلدين. المناطق الحرة بهدف التجارة والاقتصاد امر انتشر بين دول العالم، سيكون هذا افقاً مفيداً لكلتا الدولتين.

يبقى السؤال بعد مرور عشرين سنة على واحدة من اسوأ كوارث العرب، هل في امكان كل من الكويت والعراق الاتفاق على ما يساهم في بدايات جديدة لبناء مصالح اقتصادية وتجارية وإنسانية بين البلدين ام يترك الامر للامم المتحدة والفصل السابع ومجلس الامن ليحله؟ ولكن ماذا بعد ان يخرج العراق من الفصل السابع وبعد ان تنسحب الولايات المتحدة، هل تتغير المواقف ويعود العراق طارحاً ان ظروفاً قاهرة هي التي فرضت عليه القبول بما يقبل به؟ على الاغلب سيسعى العراق في المرحلة اللاحقة لتعديل الاتفاق على الحدود والتعويضات وإن استطاع غيرها من المسائل بين البلدين. لن يكون هذا صراع وجود بين البلدين، بل في اسوأ حالاته صراع حدود وتعويضات وآثار الماضي. السؤال الاكبر: هل تستبق الدولتان تغير الظروف فتقع بينهما مبادرة تحقق تقدماً قابلاً للصمود والبقاء بعد ان تتغير الظروف؟ هل في إمكان خطوة الألف ميل بين البلدين ان تبدأ بخطوة استراتيجية تسجل كإنجاز للقادة السياسيين في البلدين في المدى المنظور؟ هل يمكن تحقيق ذلك على رغم الازمة التي يعيشها العراق على المستوى السياسي والامني وعلى رغم الازمة التي تعيشها الكويت على المستوى التنموي والسياسي؟

*أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

==================

أزمة قيادة تجتاح العالم

آخر تحديث:الأربعاء ,18/08/2010

ميشيل كيلو

الخليج

يعاني عالمنا من أزمة قيادة، لها من دون شك أسباب ذاتية تتصل بالمجتمعات والبشر، وأخرى موضوعية تتخطى إرادة الناس، وتتجسد أساساً في استحالة إدارة العالم من قبل بلد واحد، مهما كانت قيادته بصيرة وكونية الولاء . من الناحيتين النظرية والعملية، ليس ممكناً تحت أي ظرف توفيق مصالح بلد واحد مع مصالح بقية دول وشعوب العالم، أو إحلال مصالحه محل مصالحها، وتبعاً لذلك، يستحيل أيضاً بلورة سياسة تعبر عن مصالح عالمية غير محددة أو ضعيفة التعيين، تتخطى بلداً بعينه وفئات محددة منه وتتطابق مع مصالح العالم الشديدة التنوع، المتناقضة والمتضاربة، التي تمثلها سياسات معروفة ومحددة بدقة، من مهامها مواجهة مصالح بلدان أخرى كثيرة العدد، تعبر عنها بدورها سياسات مخصوصة هدفها الدفاع عنها تجاه من تتجاوز مصالحهم وسياساتهم حدود أوطانهم إلى العالم، حيث لا تلقى الترحيب، إن لم تتطابق مع مصالحه ورغباته، علماً بأن التطابق ضرب من المحال .

 

هذا السبب موضوعي، لا سبيل إلى تجاوزه بأية وسيلة أو طريقة أو تفاهم، لذلك، ستوجد دوماً مشكلة سياسية عالمية مع أية قيادة تريد الانفراد بإدارة العلاقات الدولية، خاصة إن تنطعت لهذه المهمة ضد وخارج مؤسسات الشرعية الدولية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عامة، والبلدان التي يمكن للانفراد الإضرار بمصالحها ودولتها .

 

ثمة أزمة قيادة تجتاح عالمنا نجمت عن محاولة إقامة نظام دولي واحدي القطب، تحتل أمريكا قمته، ويسمح لها بتقرير شؤون ومصائر بقية الشعوب والدول . إنها أزمة مستقلة عن نمط ونوع القادة الأمريكيين، ولا تتعين بما لديهم من مؤهلات وأفكار، لأن مصدرها ليس هذه القيادة، بل استحالة إدارة العالم بقبضة قليلة من الرجال، لاستحالة بلورة قواسم ومصالح مشتركة تقبلها هويات ودول قومية ووطنية متباينة، لكل منها خصوصيته وميراثه الثقافي، المختلف باختلاف حملته . . . الخ .

 

إلا أنه توجد أيضاً أزمة قيادة ذات سمات وأبعاد ذاتية، تعبر عن نفسها في نوع القادة، وما يرسمونه من سياسات، ويعتنقونه من أيديولوجيات وآراء، ويعبرون عنه من مصالح . . . الخ . هذه الأزمة تثير قلقاً دولياً متعاظماً، وهي التي قصدتها بالحديث عن أزمة قيادة في عالمنا الراهن .

 

ثمة مستويات لهذه الأزمة، هي مستوى محلي، وثان شخصي، وثالث ثقافي/ أيديولوجي، ورابع دولي .

 

 يتجلى المستوى المحلي في افتقار قيادات البلدان المتطورة إلى غطاء شعبي يمدها بقوة تمكنها من تجاوز عراقيل البيروقراطية الحكومية وجماعات الضغط . إن عدد من ينتخبون الرؤساء ويختارون النواب يتراجع في بلدان العالم الكبرى وقد بلغت نسبة من اقترعوا لكلينتون حوالي 24% من الأمريكيين، مع ذلك فاز بالرئاسة . امتنع قرابة ستين في المئة من الأمريكيين الذهاب إلى صناديق الاقتراع، فلم يحظ كلينتون، أحد أكثر رؤساء أمريكا نجاحاً، بغطاء شعبي وغدا ألعوبة في أيدي بيروقراطية حكومية وحزبية قيدت دوره . ينطبق القول نفسه على رئيس فرنسا، ورئيسي وزراء بريطانيا، وإيطاليا، فقد افتقر هؤلاء إلى دعم شعبي يمكنهم من تحقيق وعودهم . وليس سراً أن أوباما يتمتع بثقة ودعم عدد متناقص من مواطنيه، انخفض مؤخراً إلى ما دون أربعين في المئة منهم، لذلك صار ميالاً إلى تجميد ما قد يضر بسمعته، أو يؤدي إلى خسارة أغلبيته الحزبية في انتخابات الكونغرس القريبة .

 

 يظهر الوضع الشخصي تدني سوية قيادات البلدان المتقدمة، التي تتحكم بقراراتها بيروقراطية ومنظمات ضغط تتبنى مصالح جزئية وخارجية المنشأ . ومع أن قادة البلدان الغربية لا يقررون أي شيء بمفردهم، بل ولا يقررون في ظروف وملابسات معينة أي شيء، فإن مستواهم تدنى في كل مكان، ويستغرب مواطنون إيطاليون كيف أمكن لرجل كبرلسكوني احتلال رئاسة الوزارة، وهو شخص قليل الخبرة والكفاءة يمضي جل وقته في مطاردة المراهقات، رغم أنه في الثالثة والسبعين، هناك شكوك واسعة الانتشار حول شركاته ومؤسساته ومصالحه، التي كونها من أنشطة مشبوهة حقق القضاء فيها مرات متكررة . تفضح قادة أوروبيين آخرين ضروب من السلوك يترفع الإنسان العادي عنها، منها غرقهم في الفساد والجنس والتبذير وألاعيب مخالفة للقانون . وقد اشتهر في التاريخ الحديث رجال تولوا مسؤوليات قيادية تبين أنهم كانوا عاجزين عن تركيز أذهانهم على أية قضية أكثر من ثوان قليلة، ولم يتمكنوا من حفظ أسماء ضيوفهم من رؤساء أجانب، أو معرفة مواقع وأسماء مهمة داخل بلدانهم، بل إن أحدهم (ريغان) كان يقضي كثيراً من وقته مع قارئات الكف والمنجمات، بينما عانى جورج بوش الابن خلال طفولته وشبابه عجزاً عقلياً جعل مدرسته تطالب أبويه بمعالجته، وتوبخهما في رسائل رسمية لأنهما لم يفعلا شيئاً، مع أنه غرق في الخمر والمخدرات وداوم عليهما إلى أن أنقذه منهما قس متعصب أخضعه لهوس مذهبي يقول بقرب قدوم المخلص ونهاية العالم، جعله يمارس سياسات خطيرة على الإنسانية أملاها إيمان زيّن له أنه أداة بيد الله يحكم من خلالها العالم، فلا بد له من ممارسة سلطته بطريقة تقرب يوم القيامة .

 

 يخلط قادة غربيون بين مصالح بلدانهم القومية ومصالح الإنسانية العليا، بينما يطالبون غيرهم بالتخلي عن مصالحه القومية بحجة أن الواقع تخطاها فليست صالحة بعد لتوجيه سياسات الدول وخدمة السلام . ويجنح هؤلاء القادة إلى تبني سياسات مناوئة للنظام الديموقراطي المعتمد في بلدانهم، فتراهم يدلون بتصريحات عرقية أو عنصرية عن الشعوب الأخرى وحضاراتها، ويؤمنون أن العالم يشهد صراعات وحروب حضارات، وأن لحضارتهم الغربية حق الدفاع عن نفسها بجميع الوسائل، عسكرية كانت أم اقتصادية أم ثقافية أم أيديولوجية . وبما أن دفاع الحضارة الغربية عن نفسها يجب أن يدور خارج أراضيها، فإنه يحق للغرب نقل الحرب إلى البلدان الأخرى وخوضها بالشدة الضرورية لكسبها، وإن أدى ذلك إلى تدمير ميراث حضاري/ إنساني ثمين، ومحو ذاكرة ووعي شعوب وأمم كاملة . تؤكد مواقف وتصريحات كثيرة هذا المنحى لدى قيادات غربية عديدة كتصريح برلسكوني حول دونية الحضارة العربية، وتفوهات آخرين حول الإسلام ونزعاته الإرهابية المتأصلة في دعوته . باقتران هذا الجنوح الأيديولوجي مع الجهل بأحوال وحاجات العالم، تكتسب العلاقات الدولية طابعاً متفجراً يغلق دروب التواصل السلمي والحضاري بين الدول والشعوب، ويجعل علاقاتها ميدان أحكام مسبقة وتمييزاً عرقياً ودينياً، يستحيل أكثر فأكثر إبقاؤها ميدان سلام وتعايش إنساني .

 

 أطلقت نهاية الصراع الدولي بين الرأسمالية والاشتراكية سلسلة أزمات وحروب كان يقال إنها ستكون مستحيلة الوقوع، إن انتصرت الرأسمالية . من أسباب هذا الانفلات العالمي الأعمى للعنف سعي دولة واحدة إلى فرض سيطرتها على بقية العالم . ومنها أيضا امتلاء النظرة إلى الذات القومية ورسالتها بمضمون مذهبي/ عنصري يقصي الآخر والمختلف . ومنها زعم يملي جوانب مهمة من السياسات الغربية يدعي أن مصالح البلدان المتقدمة في الغرب هي عينها مصالح العالم، فلا سبيل إلى وجود مصلحة أخرى خارجها، ولا قبول بأي شيء غيرها . في هذه الأجواء، يبدو العالم وكأنه انقسم إلى كتلتين، تقبل إحداهما أوضاعه كما هي وتريد المحافظة عليها، وترفضها الأخرى وتطالب بحصتها من الحرية والحياة . وتبدو معركة العدالة والحرية بين هاتين الكتلتين مرشحة لمزيد من التصعيد والعنف، بسبب إصرار الكتلة الأولى على تعميق حال التفاوت بين أجزاء ومناطق وشعوب العالم، والمحافظة بأي ثمن على سيطرتها وهيمنتها .

 

 هناك أزمة قيادة تهز استقرار وأمن العالم، تتجلى في تمركز الغرب على ذاته، وعمله على إلحاق - وليس التحاق - العالم به . بالمقابل، يسود في البلدان غير المتقدمة نمط من السياسة يبدو فاشلاً وعاجزاً عن إخراجنا من مأزق تاريخي فرضه تطور المتقدمين علينا منذ نيف وثلاثة قرون . هذه الأزمة المزدوجة، تدفع العالم إلى تدهور متزايد السرعة يشمل معظم مناطقه، عدا تلك التي عرفت كيف تخرج من المعادلة التي فرضتها علاقات الغرب مع بقية العالم، وفي مقدمها الصين: البلد الذي ينفرد بقيادة تاريخية حقاً، ويستخدم قدراته وقدرات غيره، في الغرب كما في غيره، لدفع نموه نحو آفاق جديدة، فلا غرابة أنه أخذ يحكم قبضته على مفاصل مهمة في الوضع الدولي .

 

ما الذي ينقص قياداتنا نحن العرب، ويحول بينها وبين انتهاج الطريق الصيني، بعد أن ساقتنا ثقتها بقيادات الغرب إلى ما نحن فيه من ضعف وبؤس؟

==================

حرب حامية تحت رماد الدبلوماسية

آخر تحديث:الأربعاء ,18/08/2010

عبدالله السويجي

الخليج

ثمة ما يحدث أو سيحدث في المنطقة العربية، ولا سيما في الموضوعين اللبناني والفلسطيني بشكل رئيس، والموضوع الإيراني الأمريكي الصهيوني بشكل استتباعي، فنشاط الدبلوماسية الإيرانية المكثف باتجاه لبنان وسوريا خلال الأسبوع الماضي، الذي جاء عقب زيارة الملك السعودي والرئيس السوري والأمير القطري إلى لبنان أيضاً، وقيام السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بما يشبه الدفاع عن حزبه خلال مؤتمر صحافي طويل، قدم فيه قرائن تتهم الكيان الصهيوني بمقتل رفيق الحريري، وانقسام الساحة اللبنانية بشأن تلك القرائن، وزيارات ميتشل إلى الأراضي الفلسطينية ولقائه بمسؤولين صهاينة، ثم زيارة مسؤولين صهاينة لمصر واجتماعهم مع الرئيس المصري، كل ذلك يشي بأمر ما يُطبخ أو يجرى التحضير له .

 

ويبدو أن الساحتين اللبنانية والفلسطينية، أو المسارين إن صح التعبير، لا ينفصلان أبداً، كما يبدو أن قضية اتهام عناصر من حزب الله باغتيال رفيق الحريري، ودخول إيران على خط النقاش والمواجهة الكلامية، ووصفها المحكمة الخاصة برفيق الحريري بأنها صهيونية، لا ينفصل عن التسخين الحاصل في لبنان، وفي الأراضي الفلسطينية . إضافة إلى ذلك، يمكن طرح التقارب السوري السعودي، وعمل الطرفين معاً على الساحة اللبنانية لتحقيق التهدئة ومنع الفتنة، وما يمكن أن ينعكس هذا التقارب على التحالف السوري الإيراني أيضاً، وهو ما تخشاه إيران، ويقال إن الصدام بين الجيش اللبناني والجيش الصهيوني في المنطقة الحدودية كان بتحريض إيران وتوقيتها، لإرسال رسالة إلى السعودية وسوريا، أنها لا تزال اللاعب رقم واحد، وصاحبة النفوذ في المعادلة اللبنانية، وصمام الأمان الذي يتحكم بالحالة الأمنية اللبنانية الداخلية، أو بحالة المواجهة العسكرية في جنوب لبنان .

 

وعلى الصعيد الفلسطيني، لا يزال الرئيس الفلسطيني يصر ويرفض الذهاب إلى المفاوضات المباشرة لبحث الوضع النهائي في الأراضي الفلسطينية، إذا لم تتحقق شروطه .

 

ومما لا شك فيه، أن التحالف السوري الإيراني قد يشهد في الفترة القادمة اختباراً خطيراً، في ضوء المساعي لسحب سوريا من هذا التحالف، وهي مساع سعودية وأمريكية وتركية، وذلك مقابل استعادة سوريا نفوذها في لبنان، وهو أمر يشكل أهمية استراتيجية لدمشق، كما تعتبره حقاً تاريخياً واستحقاقاً أمنياً، من جراء اختراق الساحة اللبنانية المتزايد من قبل الاستخبارات الصهيونية . وكما يبدو، فقد طويت صفحة العداء بين قوى الرابع عشر من مارس/ آذار وسوريا، بعد أن وصلت إلى نقطة، كان يعتقدها البعض، نقطة اللاعودة، وهذا نتيجة للمراهقة السياسية التي تمارسها بعض القوى على الساحة اللبنانية، التي لا تدرك أن لا عداء تاماً ولا تحالف أبدياً في العمل السياسي، وهكذا، وكما قال وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الاعتراف بالخطأ فضيلة، على الرغم من أن هذا لا يدخل في العمل السياسي الاحترافي، لأن بعض الأخطاء مميتة وقاتلة .

 

وما يجب ذكره أن نجاح إبعاد سوريا عن تحالفها مع إيران، يعني تقارباً سورياً أمريكياً بشأن العراق أيضاً، وابتعاداً عن القضية الفلسطينية، فهل تحبذ سوريا استعادة موقعها في لبنان، على التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية؟

 

أما بالنسبة للساحة اللبنانية، فمن الواضح أن الأمور ليست كما تبدو في وسائل الإعلام، فحزب الله قد يعيش في مأزق حالياً، على الرغم من طلب مكتب المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري القرائن التي قدمها، وذلك عن طريق الحكومة اللبنانية، إذ قد تنظر المحكمة في (القرائن) ثم تهملها، وقد تأخذها على محمل الجد، وتطلب التحقيق مع جهات ومسؤولين صهاينة، وهو أمر مستبعد لأسباب كثيرة يأتي على رأسها، اتهام الكيان الصهيوني وتبرئة ساحة سوريا وحزب الله، أي تغيير مسار التحقيق جذرياً، وهذا قد لا يتم قانونياً أو سياسياً، فمن المعروف أن في هذا النوع من القضايا، تتداخل السياسة بالقانون، وتتحول المسألة إلى صراع مصالح وتوزيع نفوذ، وفي أحسن الأحوال، قد تقفل القضية لعدم توفر الأدلة .

 

وعودة إلى الموضوع، فإن حزب الله، الذي يتهم بأنه يسير وفق “الأجندة” الإيرانية، واقع بين نارين، نار الاستحقاق الداخلي اللبناني، ونار الاستحقاق الإيراني الأمريكي، إذا ما نظرنا إلى أزمة تشكيل الحكومة العراقية ودور إيران في تعثر التشكيل وأزمة الملف النووي .

 

هنالك حركة مساومة في المنطقة، وليست حركة دبلوماسية ناعمة تدعو للتهدئة . سوريا تساوم على موقعها في لبنان، وهذا قد يتصادم مع مصالح إيران ونفوذ حزب الله، وسوريا وحدها هي القادرة على تقليم أظافر الحزب، وهي “المايسترو” الحقيقي للوضع الأمني في لبنان، كما تساوم إيران على دورها في العراق، وهو ما قد يتضارب مع حزب الله، وذلك حين تمنعه من الرد على التحرشات العسكرية الصهيونية . وفي المسار الثاني، يشكو محمود عباس من ضغوط تفوق قدرته على الاحتمال، للدخول في مفاوضات الحل النهائي، والضغوط التي عبر عنها غير مرئية حتى الآن، ولكنها ترتبط بوجوده في الرئاسة، والمساعدات العربية والعالمية، وإشهار سيف غزة أيضاً، وفي كل الأحوال، فإن الورقة الفلسطينية باتت ضعيفة عربياً، كما هي الورقة العربية التي باتت ضعيفة فلسطينياً .

 

إن التحركات الدبلوماسية العربية، كما يبدو، لم تأت بمبادرة عربية، وإنما بإيحاء من جهات تسعى لأن تكون جبهة الجنوب اللبناني هادئة في هذه الفترة، ربما للتحضير لأمر معين في إطار الخلاف الأمريكي الإيراني، وإذا ما قررت الولايات المتحدة الأمريكية توجيه ضربة عسكرية لإيران بالتعاون مع الكيان الصهيوني، فإن جبهة الجنوب اللبناني يجب أن تكون هادئة، وإلا أصبح الكيان تحت نيران إيران وحزب الله في آن، وربما تنضم جبهة غزة أيضاً، على الرغم من ضعفها استراتيجياً، إلا أنها ستجبر الكيان على وضع حشود برية على القطاع، وهو ما سيضعف الجبهة الشمالية .

لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث، والأخبار التي ترد في وسائل الإعلام مضللة إلى حد كبير، فما يقال عكس الحقيقة تماماً، ولهذا فإن فترة ما بعد شهر رمضان ستكون حاسمة في الموضوع اللبناني الصهيوني، وفي التحالف السوري الإيراني، وفي المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والصهاينة، والنتائج تكاد تكون معروفة، طالما أن العرب يتمسكون بخيار السلام .

==================

المتلاعبون بالغذاء

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

18-8-2010

هل يتجه العالم نحو أزمة غذاء؟

إذا صدقنا تحذيرات بعض الخبراء، فالجواب نعم. أما إذا أخذنا بتطمينات مسؤولي المنظمات الدولية، فإن الجواب هو أن العالم قد يواجه نقصا في إمدادات بعض المواد الغذائية وارتفاعا في الأسعار، لكنه لن يشهد أزمة شبيهة بما حدث بين عامي 2007 و2008 عندما أدى ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات خصوصا بالنسبة لمواد مثل القمح والأرز إلى إثارة توترات استدعت تدخل الحكومات لدعم أسعار المواد الغذائية.

إن أزمة جديدة في أسعار المواد الغذائية أو في إمداداتها، مهما كانت محدودة، ستكون لها انعكاسات مضرة على الاقتصاد العالمي الذي ما يزال يحاول التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية التي أثارتها مخاوف انهيار عدد من المصارف والمؤسسات المالية الكبرى. فالتقارير تشير إلى أن أسعار القمح ارتفعت بأكثر من 50% منذ يونيو (حزيران) الماضي وأنها قد ترتفع أكثر من ذلك بسبب تراجع الكميات المعروضة في الأسواق العالمية إثر الحظر المؤقت الذي فرضته روسيا، أكبر المنتجين، على الصادرات بعد تضرر محاصيل القمح من موجة الحر والجفاف التي ضربت البلاد. كما أن الهند التي تعد ثاني أكبر المنتجين للقمح، لكنها تستهلك معظم ما تنتجه، تعاني من أمطار غزيرة وفيضانات تسببت في دمار قسم من محاصيلها. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كما يقولون، فقد أوردت تقارير إعلامية أن إنتاج أستراليا من القمح تضرر بعد غزو أسراب من الجراد للمزارع هناك، بينما تعاني دولة منتجة أخرى هي كندا من صيف ماطر قد يؤدي إلى فشل محاصيلها.

كل هذا يشير إلى احتمال حدوث نقص في إمدادات القمح العالمية خلال الأشهر المقبلة، تتضرر منه دول عديدة، من بينها الدول العربية التي تستورد احتياجاتها من هذه السلعة الحيوية من روسيا أو كندا وأستراليا.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة قد حذرت في يونيو الماضي من أن أسعار الغذاء تتجه نحو ارتفاع شديد قد يصل إلى نسبة 40%، مشيرة إلى أن الإنتاج العالمي من القمح سيشهد تراجعا خلال العام الحالي. وسعت المنظمة في الوقت ذاته إلى طمأنة الدول والشعوب المستهلكة مستبعدة أزمة غذاء شبيهة بما حدث قبل عامين، نظرا إلى أن أميركا وأوروبا حققتا زيادة في إنتاجهما من القمح سيعوض عن نقص الإمدادات من أماكن أخرى. لكن المشكلة هي أن النقص في إمدادات القمح سيؤثر على أسعار سلع أخرى مثل الأرز الذي يتوقع أن يشهد زيادة في الطلب خصوصا في الهند وباكستان والصين والخليج.

وفي ظل الكلام عن هذه الأزمة الجديدة يكتشف المرء أن هناك «كازينو عالميا» يقامر فيه المضاربون بأسعار الغذاء. فالعديد من المختصين يشيرون إلى أن المضاربين في أسواق المال الدولية مسؤولون عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية حتى قبل أن تؤدي تقلبات الطقس إلى ضرب المحصول في عدد من الدول المنتجة. ذلك أن البنوك التي شهدت تقلص الفرص والعائدات في مجال الإقراض العقاري، وفي مجال بيع وشراء الأسهم في عدد من الصناعات المتضررة من الأزمة المالية العالمية، لجأت إلى ضخ الأموال للمضاربة في أسعار الغذاء على أساس أن المضاربة في السلع والمواد الغذائية مضمونة العوائد بل إنها مرشحة للارتفاع نتيجة الطلب المتزايد خصوصا من الدول النامية التي تشهد زيادة كبيرة في معدلات النمو السكاني.

المفارقة المثيرة للإحباط هي أن القطاع المصرفي المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة في العالم، يتحمل المسؤولية أيضا عن رفع أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق العالمية. لهذا السبب ظهرت منظمات تطالب بفرض إجراءات لتنظيم سوق الغذاء العالمي ومنع المضاربين من التأثير على أسعار السلع. وبالفعل بدأت هذه الدعوات تجد صدى وقبولا، إذ سنت أميركا أخيرا تشريعات للحد من المضاربات على أسعار المواد الغذائية، كما أن الاتحاد الأوروبي يبدو ميالا لفرض قيود مشابهة، حتى لا يصبح غذاء الناس تحت رحمة المضاربين.

الغريب أن النظام المصرفي العالمي يتصرف وكأنه لم يتعلم شيئا من الأزمة العالمية الأخيرة التي وضعته تحت المجهر وهزت الثقة به، بل إنه ينتظر مرور الزوبعة الراهنة وعودة الأمور كما كانت. فالعالم بات رهينة نظامه المصرفي، وكلما تحدث هزة في هذا النظام تسارع الدول إلى إنقاذه بأموال دافع الضرائب، لأن انهيار النظام المالي العالمي، سيعني فوضى عارمة ومظاهرات في الشوارع وسقوط دول. وبالتالي فإن أقصى ما يمكن حدوثه اليوم هو أن تتفق الدول على فرض إجراءات تنظيمية تحد من الجموح الذي يصيب النظام المصرفي ومن جشع مضاربيه.

صحيح أن هناك فقرا وجوعا، مثلما أن هناك غنى وبطرا في العالم، لكن المشكلة الحقيقية هي الجشع. فعلى حد قول المهاتما غاندي «في هذا العالم هناك ما يكفي احتياجات كل إنسان، لكن ليس هناك ما يكفي جشع كل

==================

الإسلام في أميركتين

روس دوثات

الشرق الاوسط

18-8-2010

هناك أميركا حيث لا تهم اللغة التي تتحدث بها أو الإله الذي تعبده أو مدى تأصل العالم الجديد داخلك. إنها أميركا التي يتغلب فيها ولاؤك للدستور على الاختلافات العرقية وحواجز اللغة أو الاختلافات الدينية. وهي أميركا التي لا يشعر فيها الوافدون الجدد بأنهم أدنى مرتبة من الأميركيين أحفاد المؤسسين للدولة.

لكن هناك أميركا مقابلة أيضا، تلك التي تعرف نفسها بأنها ثقافة مميزة، بدلا من مجرد مجموعة من الطروحات السياسية. أميركا هذه تتحدث الإنجليزية، لا الإسبانية أو الصينية أو العربية. وهي تتعلق بإرث ثقافي معين: البروتستانتية في الأصل، ثم مسيحية - يهودية تستوعب اليهود والكاثوليك أيضا، وتستقي قواعدها الاجتماعية من أعراف الشتات الأنجلوسكسونية - وتتوقع من الوافدين الاستيعاب الكامل لهذه القواعد، وبسرعة.

هذان الفهمان لأميركا، دستوري وآخر ثقافي، شكلا توترا عبر تاريخ القارة، وقد ظهر هذا التوتر جليا خلال الصيف الحالي في الجدل حول المسجد والمركز الثقافي الإسلامي اللذين سيقامان على بعد بنايتين من موقع حطام مركز التجاري العالمي.

لم يكن من المثير للدهشة أن ترى أميركا الأولى في المشروع وسيلة للتعبير عن المثل العليا لأميركا، كما عبر عنها الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي «هذه هي أميركا، والتزامنا تجاه الحرية الدينية الذي لا ينبغي أن يتزعزع». فيما قال عمدة المدينة مايكل بلومبيرغ لمجلة «نيو يوركر» عن بناء المسجد «إنه اختبار هام لمبادئ الحرية الدينية، كما قد نرى في حياتنا».

أما أميركا الثانية فتعمد إلى العكس، فترى في المشروع محاولة لتخليد ذكرى 11/9 وعلامة على عدم احترام قيم دولة أصبح الإسلام فيها مؤخرا جزءا من الوعي العام. تحت هذه المخاوف يكمن الشك الأسوأ في أن الإسلام بأي شكل من الأشكال لا يتوافق مع نمط الحياة الأميركية.

هذه هي الصورة التي تسير بها النقاشات عادة، فتميل أميركا الأولى إلى انتهاج لهجة خطابية رقيقة، فيما تنتهج الثانية نبرة فجة مليئة بالرهاب من الأجانب. الأولى ترحب بالفقراء والمتعبين والثانية تطالبهم بأن يغيروا من أسمائهم ويتخلوا عن لغتهم الأم، وغالبا ما تضع أمامهم العراقيل كي تجهض محاولاتهم بالوصول إلى الأرض الجديدة. أميركا الأولى ترعى الحريات الدينية وأميركا الثانية تضطهد طائفة المورمون وتمارس التمييز ضد الكاثوليك.

لكن كلا الفهمين لهذه الدولة لديه وجهة نظر معينة يقدمها وكلاهما ضروري لنجاح التجربة الأميركية، فخلال موجة الهجرة الكبيرة في القرن التاسع عشر كان الإصرار على تبني الوافدين الجدد لثقافة الأنجلوساكسون - والتهديد بالتمييز ما لم يفعلوا ذلك - عاملا حاسما لاستيعابهم داخل المجتمع بسرعة. والقيود التي فرضت على الهجرة في أعقاب عشرينات القرن الماضي كانت وحشية من نواح عدة، لكنها خلقت مساحة كافية لتذوب فيها الانقسامات العرقية المتواصلة في بوتقة القومية الأميركية.

ينطبق الأمر ذاته على الدين، فالضغوط المتواصلة للعمل وفق الأعراف الأميركية مورست عبر طرق عادلة وأحيانا آثمة أقنعت المورمون في النهاية على التخلي عن تعدد الزوجات ومهدت الطريق أمام اندماجهم في المجتمع الأميركي. وقد ألهمت مخاوف المواطنة بشأن الميول غير الليبرالية الكاثوليكية، الكاثوليك الأميركيين لحث كنيستهم على الاعتراف بالقيم الديمقراطية مما يجعل من الممكن أمام أجيال المهاجرين عدم الشعور بالغربة ككاثوليك وأميركيين.

وها هو الأمر يتكرر مع الإسلام، فأميركا الأولى مصرة على حق المسلمين المطلق في بناء المسجد والتعبد أينما شاءوا، لكن أميركا الثانية حرة في الضغط للحصول على شيء من مسلمي أميركا - خاصة من شخصيات مثل فيصل عبد الرؤوف الإمام الذي يقف خلف بناء المسجد - أكثر من مجرد حسن النية.

في كثير من الأحيان، عادة ما كان يتبين أن المؤسسات الإسلامية الأميركية مرتبطة بأفكار وجماعات يعتبرها غالبية الأميركيين خارجة عن القانون. وفي كثير من الأحيان، كان قادة الجالية الإسلامية الأميركيون يدلون بتصريحات مبهمة عندما يطلب منهم التخلي بصورة كلية عن القضايا غير الليبرالية.

ربما يكون عبد الرؤوف، وفق المعايير العالمية، نموذجا للمسلم المعتدل، لكن المعايير الأميركية والعالمية مختلفة. فمن أجل عملية اندماج كامل للمسلمين الأميركيين في حياتنا الوطنية فهم بحاجة إلى قادة، لا يصفون أميركا بال«شريك في جريمة» 11/9 (كما فعل عبد الرؤوف بعد وقت قصير من هجمات 2001) أو يحاولون تفادي الإجابة على أسئلة حول ما إذا كانت منظمات حماس منظمة إرهابية (كما فعل عبد الرؤوف في مقابلة إذاعية معه في يونيو (حزيران) الماضي). وسيكونون بحاجة إلى قادة لديهم إحساس كاف لإدراك أن السعي وراء حوار أديان لم يقدم بصورة جيدة بإقامة مسجد كبير على بعد بنايتين من موقع القتل الجماعي الذي ارتكب باسم الإسلام.

بعبارة أخرى، فهم بحاجة إلى قادة يدركون أنه في الوقت الذي تحمي فيه مثل أميركا الأولى هذا الفرد، فإن مطالب أميركا الثانية من الوافدين الجدد هي التي تساعد في خلق هذا التعدد.

* خدمة «نيويورك تايمز»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ