ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 12/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

أيتها المساواة أكتب اسمك

خليل قانصو

8/11/2010

القدس العربي

كثف رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد نيكولا سركوزي، في المدة الأخيرة، من ظهوره في واجهة المشهد السياسي الداخلي، واحتلت تصريحاته وخطبه حيزا واسعا في وسائل الإعلام، لما تضمنته من تناقضات وتحديات في مجال المبادئ التي ترتكز عليها دعائم النظام الجمهوري من جهة وفي مجال مفهومية الهوية الوطنية، كما يفصلها الدستور في مثل هذا النظام، من جهة ثانية .

إذ تنص المادة الأولى منه على' تضمن الجمهورية ُ المساواة أمام القانون، لجميع المواطنين دون تمييز بحسب الأصل'. رغم ذلك فرق رئيس الجمهورية، في خطبة له في 30 تموز/يوليو 2010، بين الفرنسي 'من أصل أجنبي' من ناحية، وبين الفرنسي 'القح' إذا جاز التعبير من ناحية ثانية، إذا إرتكب كل منهما نفس الجريمة. ودعا إلى سحب الجنسية الفرنسية في بعض الحالات، من الفرنسي ذي الأصل الأجنبي، متجاوزا القانون الذي يحفظ 'الجنسية' ويصونها، ضمن حياض الإعلان، الكوني، عن حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن نزع الجنسية، استخدم من قبل حكومة فيشي الفرنسية، التي تعاملت مع نظام الاحتلال الألماني لفرنسا، أثناء الحرب العالمية الثانية، لإسقاط الهوية الفرنسية عن 15000 مواطن، كان جلهم من اليهود (صحيفة لومند 31.07.10).

وقبل هذا التاريخ بأيام قليلة كان رئيس الجمهورية الفرنسية قد وجه انتقاداته إلى أقوام الغجر، وهؤلاء كما هو معروف، هم من الرُّحل، الذين يتنقلون، في أوروبا من بلد إلى آخر، فأمر بتفكيك مخيماتهم، وإعادتهم إلى رومانيا وهنغاريا، استنادا إلى أن هذين البلدين هما موطنهما الأصليان. علما بأن قوانين الاتحاد الأوروبي لا تجيز، على الإطلاق مثل هذا التصرف. إذ أن رومانيا وهنغاريا، هما عضوان من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وبناء عليه، يكون جميع مواطنيهما، ومن بينهم الغجر طبعا، من حيث المبدأ، أوروبيين، ويحق لهم التنقل بحرية، مثل غيرهم من الأوروبيين، في بلدان الاتحاد. اللهم، الا إذا كانت السلطات في رومانيا، وهنغاريا، وفرنسا، لا تنظر إليهم كأوروبيين، من درجة متساوية مع الأوروبيين الآخرين. وفي هذا السياق يلزم التذكير بنظرية عرقية المنبت، كانت سائدة، حتى وقت قريب في بعض البلدان الأوروبية، ترجع أصلهم، إلى 'أجناس وضيعة'، كونهم مجبولين، بحسب هذه النظرية، بطبيعتهم على الكذب والسرقة، وحجة أصحاب هذه الأطروحة، أن الغجر هاجروا من شبه القارة الهندية، وظهروا في بعض البلدان الأوروبية، بدءا من القرن الرابع عشر. خمس مائة سنة لم تكن كافية ليصير الغجر أوروبيين! واستنادا إليها، اعتمدت 'تشريعات'، في سويسرا والسويد، على سبيل المثال، ظلت سارية المفعول حتى السبعينيات من القرن الماضي، لمنع الاختلاط بهم، باسم المحافظة 'على الجنس المحلي'. ولا مفر هنا من الإشارة إلى فترة حكم الحزب النازي في المانيا، حيث تعرض الغجر، لسياسة اشتملت على تطبيق نظام الغيتو وعلى الترحيل والتجميع في المعسكرات، وعلى حملات إبادة ضد تجمعاتهم .

اما الذي بعث الرئيس ساركوزي على الغضب ضد الغجر المتواجدين في فرنسا، فالظاهر، أنها أعمال الشغب التي اندلعت في مطلع شهر تموز/يوليو 2010، بعد مقتل شاب منهم أثناء مطاردته من قبل رجال الأمن. وبكلام أوضح، بدا الأمر وكأن الرئيس وحكومته اتخذا إجراءات طالت، جميع الغجر في فرنسا، بسبب تصرفات تقع مسؤوليتها على فرد او على عصابة سرقة. وهنا تكمن اشكالية المواقف والسياسات، المبنية على تنميط فئة أو جماعة من الناس، وطمس الفوارق والتباين بين أعضائها. وهي من نفس نوع الإشكالية التي برزت في فرنسا، أثناء مناقشة قانون منع النساء من الظهور منقبات في الأماكن العامة. أذ كان مستغربا أن تصادف تلك المناقشة، إعتراض الشرطة لسيدة منقبة، تقود سيارة في مدينة نانت الفرنسية. وسرعان ما كشف الناطق باسم وزارة الداخلية، وسط ضجيج ترددت أصداؤه في أرجاء فرنسا ووراء حدودها، عن أن زوج هذه السيدة، 'ناشط إسلامي'، ميسور الحال، على رأس جمعية 'تبشيرية'، وله عدد من الخليلات يتنقل بين بيوتهن، بسيارة فارهة. فلقد كان واضحا أن الغاية هي الإيحاء بوجود رابط، بين هذا الرجل، وزوجته، وخليلاته من جهة، وجميع الفرنسيين والفرنسيات والمهاجرين والمهاجرات، ذوي الأصول العربية من جهة أخرى. وفي أغلب الظن ان المنطق نفسه حدا برئيس الجمهورية للإعلان عن نيته، سحب جنسية الجاني، الفرنسي، إذا كان متحدرا من أصل أجنبي. وكأن هناك علاقة سببية، بين الإجرام والهجرة، أو الأصل الأجنبي، بحسب مفهوميته، أو أن لدى المهاجر، ميلا طبيعيا، وراثيا، للإجرام والجناح.

وفي مجال آخر، تتفرد صحيفة الأومانيتيه الفرنسية ((LHumanit'، باستثناء مواقف شخصيات قليلة جدا وبمناسبات نادرة، بالتذكير يوميا بأن شابا فلسطينيا من القدس اسمه صلاح هموري، يحمل الجنسية الفرنسية، يقضي عقوبة في السجون الإسرائيلية. وفي السابع من آب/اغسطس 2010، يكون قد مضى على اعتقاله 1972 يوما. أما التهمة، التي توجهها سلطات المستعمرين إلى هذا الشاب، فهي 'الإرهاب'، اي التهمة التقليدية التي يوجهها المحتلون، عادة، في كل مكان وزمان، إلى المعارضين والمناضلين والمقاومين ضد الاستعمار. مقاتلو حرب التحرير الجزائرية كانوا ارهابيين في نظر المستعمرين الفرنسيين، وهكذا كان المقاومون الفرنسيون في نظر سلطات الإحتلال الألماني لبلادهم، أيضا.

وما يحمل على العجب في هذا السياق، هو أن الجنسية الفرنسية، ليست هي نفسها، إذا كان الفرنسي، بالإضافة إلى العلاقة التي تربطه بفرنسا، فلسطينيا مناهضا للاحتلال، أم أسرائيليا جنديا يحرس بوابات السياج المحيط بقطاع غزة. إذ من المعروف، أن السلطات الفرنسية تبذل جهودا كبيرة، من أجل أطلاق سراح عسكري اسمه شاليط، تمكنت المقاومة في القطاع من أسره، خلال عمل عسكري. وأن صورته معلقة على واجهة بلدية باريس. وكأن الحكومة الفرنسية وبلدية باريس اختارتا الوقوف إلى جانب الجندي الذي يقاتل من أجل الاحتلال والاستعمار، وتنكرتا للناشط والمناضل من أجل الحرية. فالجندي الإسرائيلي الأسير، موجود بالنسبة لهذه الحكومة، بما هو فرنسي وبما هو رهينة وقعت في 'قبضة الارهابيين' أيضا، كما تقول الدعاية الإسرائيلية. أما صلاح هموري، فلا وجود له، بالنسبة لها. كأنها اسقطت، او ألغت أو محت جنسيته الفرنسية، لانه يرفض الاحتلال الإسرئيلي.

و أخيرا، فان من رأى في 2 آب/اغسطس، الطفل خالد الجعبري اربع سنوات، من قرية البقعة، على شاشة قناة الجزيرة، أو على موقع يو تيوب، يمسك بقميص والده، محاولا انتزاعه من بين أيدي جنود المستعمرين الإسرائيليين، الذين جاؤوا من أجل اقتلاع أنابيب ري الزرع، يتذكر صورة صبي يهودي، راح يبحث عن أبيه الذي اختطفه رجال الأمن في ظل الاحتلال الألماني النازي لفرنسا، أثناء الحرب العالمية الثانية.

من البديهي، أن مثل هذه الوقائع، لا تخفى في هذا الزمان، عن وسائل الإعلام ولا عن أعين المراقبين. فقصة الطفل خالد الجعبري، أربع سنوات، ووالده، وأنابيب الري، والجنود الإسرائيليين، هي قصة واقعية وليست من نسج الخيال. لماذا إذن، لم يصل صدى صراخ خالد إلى بلاد الغرب. من المحتمل، أن الجنود الذين أخذوا والده الى الحبس، سوف يغلظون له المعاملة، ولكنهم قد يخلون سبيله، بعد مدة من الاعتقال، قد لا تتجاوز الأشهر القليلة. حتى ييبس الزرع وتضيع الغلال. بينما كان الرجل اليهودي الأوروبي، الذي يرحله الألمان النازيون، إلى معسكرات التجميع، لا يعود في أكثر الأحيان. ينبني عليه، أن، للوهلة الأولى، هناك فرقا، بين مصير الفلسطيني، الذي يلقي به جنود المستعمرين إلى السجن من جهة والمصير الذي كان ينتظر اليهودي الأوروبي في معسكرات النازيين من جهة ثانية. بمعنى أن سياسة النازيين كانت تقضي، بتطهير اوروبا، او أجزائها الواقعة تحت سيطرتهم من اليهود، إما بترحيلهم وإما بإتلافهم. ولكن، على الأرجح، ان هذا الفرق يتضاءل، أو يكاد أن يكون منعدما، في ذهن الطفل في لحظة اعتقال والده. ومن غير المستبعد، أنه لو قيّض، لليهودي الذي أخذه الألمان من بين أولاده، النجاة لما استطاع غضّ الطرف، أمام مشهد الطفل خالد، وهو يصرخ ويركض خلف أبيه الذي اقتاده الجنود لانه حفر بئرا ليسقي زرعه من مائها.

وهذا يضع المراقب، وجها لوجه امام مسألة مصير الفلسطيني. أي مصير ينتظره في مخيمات اللاجئين وقطاع غزة، وأي مصير سيلقاه في الضفة الغربية ؟ وهل ترك له، حق في العمل والتعبير لتقريرمصيره بنفسه؟ وخلاصة المشكلة، قصدا إلى التبسيط، هي أن المستعمرين الاسرائيليين، يسعون إلى ابعاد الفلسطيني عن أرضه، لانهم يريدونها لهم بالكامل. فالتسليم بأن غاية هؤلاء المستعمرين، ليست إبادة الفلسطينيين جميعهم، أو أنهم لا يضمرون كراهية عرقية لهم، لا يبرر تجاهل وقائع الحياة اليومية في ظل الاستعمار الإسرائيلي. إذ أن هذا الاستعمار يقتل من الفلسطينيين، باستمرار، كل الوقت، مباشرة، وبطريقة غير مباشرة، بحسب التعبير الشائع في هذا الزمن. الفلسطيني، الذي يقصف الإسرائيليون منزله، فيقضي أطفاله تحت الأنقاض، هو في خطر دائم. والفلسطيني الذي يصادر المستوطنون حقله، الذي يطعم من غلاله أولاده، هو في خطر. الفلسطيني الذي يمنع من العمل، هو في خطر. الجوع والعطش واليأس والذل، تتهدد الفلسطيني بالخطر، وكذلك الغضب والانفعال. الفلسطينيون، جميعهم في خطر. وكأن الذين تغتصب أوطانهم، ويلغى انتماؤهم إلى وطن، وإلى جمْع، وتمحى هويتهم، انما يراد إخراجهم، من الإنسانية وإقصاؤهم إلى مناف تحجبها جدران عالية، يموتون فيها جوعا، ويتقاتلون فيما بينهم تارة، وتلقى عليهم السموم للحد من تكاثرهم ومن ضوضائهم تارة أخرى .

ففي فلسطين، يمنع الفلسطيني من ري أرضه. والسلطة التي تمنع لا تسأل عن بديل ولا تطالب بتقديم ضمانات، أو حماية، اجتماعية، لتأمين المعيشة، والتعليم والطبابة. في فلسطين، تقوم السلطة بإخراج عائلة من منزلها، لتعطي هذا المنزل إلى عائلة، جاءت من أوروبا أو من الولايات المتحدة. وفي فلسطين تنتهك جميع حقوق الانسان، ومن ضمنها حق البقاء في الوطن، وحق حمل هوية تجسد الانتماء الى جمع وطني. وفي فلسطين، يموت الفلسطيني قتلا، دون أن يلقى قاتله العقاب. ولسائل يسأل، من هو خالد، هل له حقوق، هل له وطن ؟؟؟، فان الإجابة التي يضمرها، قادة الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، هي بالقطع لا. كل شيء مسموح به ضد الفلسطينيين، في فلسطين وفي كل مكان آخر.

' كاتب لبناني

==================

بعد 65 عاما... الردع النووي يفقد فاعليته

د. سعيد الشهابي

8/11/2010

القدس العربي

خمسة وستون عاما تفصل العالم عما جرى في الاسبوع الذي بدأ يوم الاثنين السادس من آب/ اغسطس 1945، والذي حصد ارواح ما لا يقل عن 200 الف من اليابانيين بسبب السلاح النووي الامريكي. بعد مرور هذه الفترة الطويلة لا يبدو ان العالم أصبح أكثر أمنا عما كان عليه آنذاك، برغم الجهود الدولية المتواصلة للحد من انتشار الاسلحة النووية وكبح جماح الرغبة في القتل الجماعي لدى الدول الكبرى.

فقد كان القاء القنبلة النووية الاولى التي اسماها الامريكيون 'الولد الصغير' على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من آب/ اغسطس والثانية على مدينة ناغازاكي في التاسع منه، تدشينا لحقبة السباق النووي التي ادت لامتلاك 13 دولة من تلك الاسلحة ما يكفي لتدمير الكرة الارضية مئات المرات. وطوال العقود الماضية، كانت الدول الكبرى قادرة على توفير الذرائع لامتلاك المزيد من هذا السلاح، ليس بعنوان تدمير العالم، بل بهدف معلن معاكس لذلك: الحفاظ على الامن والسلام الدوليين. وتحت شعار 'الردع النووي' تواصل سباق الدول الكبرى لتنصيع وتطوير وتخزين آلاف الرؤوس النووية. وكانت حقبة 'الحرب الباردة' فرصة للسباق النووي بين حلفي وارسو وشمال الاطلسي. وكاد ذلك السباق يصل الى حد المواجهة خلال ازمة الصواريخ الكوبية في 1962، ولو حدث ذلك فلربما تغير شكل العالم الذي نعيشه اليوم بشكل جوهري. وثمة اسئلة كثيرة حول سباق التسلح النووي على وجه الخصوص من بينها: ألم يستنفد هذا السلاح أغراضه خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وتحول العالم الى ظاهرة القطب الواحد؟ ألم يتعظ العالم بما حدث لكل من هيروشيما وناجاساكي ويتحرك ليس للتوصل لحالة من 'توازن الرعب' بل لوضع تتسابق فيه الدول لرفع راية السلام وازالة دواعي التسابق العسكري؟ لماذا فشلت الامم المتحدة في منع الحروب المتتالية التي اعقبت الحرب العالمية الثانية والتي كان للولايات المتحدة في اغلبها دور مباشر، ابتداء بالحرب الكورية ثم حرب فيتنام، مرورا بحربي الخليج، وصولا الى الحرب ضد العراق؟ وما هي الرسالة التي يراد ايصالها الى العالم عندما تقدم جوائز نوبل للسلام لزعماء معروفين بشغفهم لامتلاك السلاح النووي وعقليتهم المبرمجة وفق قوانين الحرب ومعادلاتها ومن بينهم جيمي كارتر وبيل كلينتون ومناحيم بيغن وشمعون بيريس؟

في الأيام الماضية احتفلت اليابان بالذكرى الخامسة والستين للعدوان النووي على هيروشيما وناغازاكي، وشاركت الولايات المتحدة في احتفالاتها هذا العام، للمرة الاولى، ممثلة بسفيرها لدى اليابان، جون روس، الذي قال: 'من اجل مستقبل الاجيال، علينا الاستمرار في العمل معا لتحقيق عالم بدون اسلحة نووية'. اما عمدة هيروشيما، تاداتوشي أكيبا فأكد هو الآخر على 'ان الاسراع بالقضاء على الاسلحة النووية امر يضغط على الضمير العالمي'. وفي موازاة ذلك، أكد رئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، حاجة اليابان للبقاء تحت المظلة النووية الامريكية: 'اعتقد ان الردع النووي ما يزال ضروريا لامتنا في هذا الوقت الذي تبرز فيه عوامل وأبعاد غير واضحة وغير محددة'. اما وزير الخارجية الالماني، فيستارفيللي، فقد اعتبر الويلات التي نجمت عن قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين قبل 65 عاما بالقنابل الذرية انذارا للبشرية وتحذيرا من انتاج وامتلاك ونشر الاسلحة النووية في العالم. واعتبر المسؤول الالماني' نزع الاسلحة النووية والتقليل من دورها في الاستراتيجيات النووية من واجبات ومهمات البشرية في وقتنا هذا' مضيفا ان كلا من المانيا واليابان تؤمنان بذلك كمبدأ ملزم منذ حقبة زمنية طويلة. وثمة تناقض واضح بين الرغبة في التخلص من الاسلحة النووية كما جاء على لسان عمدة هيروشيما ووزير الخارجية الالماني وتكرار القول بالحاجة للردع النووي. هذا التناقض يفسر جانبا من اصرار الدول النووية على الاحتفاط بما لديها من ترسانة. فاذا كان ذلك الردع ضروريا في حقبة الحرب الباردة بسبب التسابق بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي على النفوذ في العالم، فمن هي الجهات التي يتم التسابق معها الآن؟ يرى الغربيون، خصوصا الامريكيين منهم، ان هناك طيفا من مصادر التهديد يبدأ بما يسمى 'الارهاب' تارة و'التطرف الاسلامي' تارة اخرى، و'الدول المارقة' مثل كوريا الشمالية وايران ثالثة. هذه الذرائع كثيرا ما تطرح كمبرر للاحتفاظ بالترسانة النووية التي تمتلك كل من روسيا وامريكا اكثر من 5000 منها الى ما قبل اتفاقهما على تقليصها بنسبة 30 بالمئة. وقد وقع الرئيسان، الامريكي والروسي في شهر نيسان/ ابريل الماضي اتفاقية 'ستارت' الجديدة التي تنص على خفض الرؤس النووية لكل منهما الى 1550. وبموازاة ذلك يتم خفض الصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ التي تطلقها الغواصات، والقاذفات الاستراتيجية الى 800 لكل منهما، مقارنة ب 5576 رأسا نوويا لدى امريكا، و3909 لدى روسيا، ووسائل اطلاق (صواريخ بالستية وغواصات وطائرات استراتيجية) يبلغ عددها 1198 لدى امريكا، و814 لدى روسيا.

وثمة تساؤلات عديدة في هذا المجال: اولها هل تكفي نسبة الخفض هذه للتقليل من القلق العالمي ازاء السلاح النووي، خصوصا اذا علم ان الرأس النووي الواحد في الوقت الحاضر يعادل في قوته عشرات المرات عما كانت عليه قوة القنبلة التي القيت على هيروشيما؟ ثانيا: ما الذي يضمن التزام الموقعين على اتفاقية 'ستارت' الجديدة بتنفيذ الاتفاقية؟ ثالثا: هل يكفي هذا الخفض لاقناع القوى النووية الاخرى بمبادرات مماثلة؟ رابعا: أليس بعبع الحرب النووية ما يزال ماثلا برغم تقليص الترسانتين النوويتين، الامريكية والروسية؟ خامسا: لماذا التلكؤ في تطبيق بنود الاتفاقية الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية، التي تنص على ضرورة اتخاذ الدول النووية اجراءات لخفض ما لديها من هذه الاسلحة؟ لقد مضى قرابة الاربعين عاما على هذه الاتفاقية ولم تتخذ هذه الدول الاجراءات المطلوبة. وبعد اتفاقية ستارت الجديدة، هل ستقتنع الدول النووية الاخرى بالاقدام على خطوات مماثلة؟ فماذا عن بريطانيا وفرنسا والصين؟ وماذا عن الهند وباكستان اللتين ما فتئتا في خلاف متواصل منذ انفصال باكستان عن الهند قبل 62 عاما؟ أوليس شبح الحرب الذي يخيم على اجواء البلدين، والتوتر السائد في كشمير والاعمال الارهابية التي تنطلق من باكستان، أليس كل ذلك كافيا لاشعال حرب نووية بينهما؟ وربما السؤال الأنسب هنا: ما الذي يجبر الدول النووية على الاستمرار في الاحتفاظ بترسانتها من هذه الاسلحة الشريرة؟ ولماذا لا يتم التصدي للدول التي تصر على امتلاك هذه الاسلحة خارج الرقابة الدولية، خصوصا 'اسرائيل'؟ وهنا تبرز قضية ايران التي تصر على امتلاك مشروع نووي تقول انه سلمي، بينما يتهمها الغربيون في نواياها ويصرون على انه موجه لاغراض عسكرية. ويمكن القول بان الموقف الغربي ازاء المشروع النووي الايراني يمثل أبشع أشكال الانتقائية والازدواجية لأسباب عديدة منها ان ايران تحاكم على 'النوايا' وليس على الوقائع. فلا أحد يقول بان ايران تمتلك اسلحة نووية، بل أقصى ما يقال انها 'تنوي' توجيه مشروعها لتنصيع اسلحة نووية، الامر الذي يخضع للتقديرات المختلفة.

دعوة المسؤولين في العديد من دول العالم للاتعاظ بما حدث في الحرب العالمية امر ايجابي، ومن المؤكد ان مشاهدة صور المأساة تعمق المشاعر الرافضة للاسلحة النووية، خصوصا ان هذه الاسلحة لم تمنع حدوث الحروب الا بين الدول الكبرى التي تنتهج استراتيجيات تقوم على أساس الردع النووي. اما الدول الاخرى فهي مكشوفة امام العدوان. وهذا يفسر بعض اسباب الحروب التي حدثت طوال العقود الستة الماضية، اي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبلحاظ خريطة التوازن العسكري الدولي، يمكن القول ان الجدل الزوبعة المثارة ضد ايران والسعي الحثيث لحصارها، كل ذلك مرتبط بواقع منطقة الشرق الاوسط الذي اختل فيه التوازن لغير صالح اهله، لهدف شرير لا تقره الشرائع الدولية ولا الذوق الانساني. فالاحتلال مرفوض في كل مكان، الا في الشرق الاوسط. وقد رفضت واشنطن مبدأ السيطرة على اراضي الغير بالقوة عندما اجتاحت القوات العراقية اراضي الكويت في مثل هذه الايام قبل عشرين عاما، وشنت حربا فريدة من نوعها لاخراج القوات العراقية من الكويت. ولكن هذه الدول التي اجتمعت في التحالف العسكري آنذاك لا تنظر لقضية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين من المنظور نفسه. هذه الازدواجية في المعايير، والتلكؤ الامريكي في لجم العدوان الاسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين، اصبح سببا للغضب المتواصل في ارجاء العالمين العربي والاسلامي ضد السياسات الامريكية في المنطقة. وقد تنفس العالم الصعداء بفوز باراك اوباما برئاسة الولايات المتحدة على امل حصول تغييرات حقيقية في السياسات الامريكية في العالم، خصوصا ازاء منطقة الشرق الاوسط. ولكن اتضح الآن ان اوباما عاجز عن احداث تغيير حقيقي في السياسة الامريكية الخارجية التي تعتمد القوة في التعامل مع الآخرين، وتؤطرها المصالح الاسرائيلية في اغلب جوانبها. وبرغم التفاؤل الذي ساد المنطقة بفوزه العام الماضي، فان هذا التفاؤل تراجع كثيرا بعد ان اتضح عجزه عن تغيير المسار الامريكي في المنطقة. ويقول أحدث استطلاعات الرأي العام الشعبي ان اغلبية الناس في العالم العربي لديهم آراء سلبية تجاه الرئيس اوباما والولايات المتحدة. وقالت نتائج استطلاع الرأي الشعبي لعام 2010 الذي اعلنته مؤسسة ذا بروكينغز ومقرها واشنطن الى ان 62 بالمئة يحملون آراء سلبية في مقابل 20 بالمئة فقط ينظرون اليه بشكل ايجابي. ولكن عندما أجري استطلاع مماثل في مطلع رئاسته عبر 23 في المئة من الذين جرى استطلاع رأيهم في ست دول عن آراء سلبية تجاه أوباما والولايات المتحدة بينما أعرب 45 بالمئة منهم عن آراء ايجابية في الادارة الجديدة التي تولت الحكم في كانون الثاني/يناير 2009.. هذا التراجع يعكس خيبة امل عميقة في نفوس الكثيرين من جانب، ومن جانب آخر عدم وجود رغبة امريكية حقيقية في اعادة صياغة سياسات واشنطن خصوصا ازاء 'اسرائيل' التي اصبحت عبئا على الولايات المتحدة وواحدا من اهم اسباب انتشار ظاهرة الارهاب والتطرف والعداء للغرب.

وهكذا يبدو العالم بعد 65 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية بعيدا عن الوصول الى ساحل الامن والاستقرار. ومع ان انتشار ظاهرة الارهاب والتطرف من بين اسباب ذلك، فثمة عوامل اخرى قد تكون اهم منها، تحول دون تنامي الوئام او تعمق الثقة في النظام السياسي المهيمن على العالم في الوقت الحاضر. وثمة حقائق يتعامى عنها السياسيون في واشنطن ولندن، تؤكد ان سياساتهما من بين اسباب تراجع اقتصاداتهما، وان هناك حاجة لاحداث هزة حقيقية في تلك السياسات لاعادة التوازن اليها.

فحالة الاحتراب والانفاق المتواصل على أدوات الموت العسكرية، ورفض فك الارتباط مع كيان الاحتلال الاسرائيلي، والاصرار على منع انتشار الممارسات الديمقراطية في العالم العربي، كل ذلك يساهم في حرف مسارات التنمية والتصنيع لديهما. وبعيدا عن تسطيح الامور واساليب الدعاية الرخيصة، فان القول بضرورة قيام الغرب باعادة تقييم سياساته تجاه الآخرين، خصوصا في الشرق الاوسط اصبح ضرورة تضغط على حكوماته، لان دعم الظلم الاسرائيلي والاستبداد السلطوي في الدول الصديقة، وتهويل ظاهرة 'الارهاب' بدون دراسة اسبابها أو ربط ذلك بالاستراتيجيات الغربية واتجاهاتها، يجعل التصدي الحقيقي لتلك الظواهر مهمة صعبة وغير مجدية. فليست ايران وحدها التي تشعر بالغبن والظلامة بسبب السياسات الغربية، بل ان تركيا اصبحت تعيد حساباتها وتقييم موقفها ازاء الغرب، خصوصا بعد العدوان الاسرائيلي على 'اسطول الحرية'، وتتجه شرقا في سياساتها واولوياتها. وباكستان التي زار رئيسها الاسبوع الماضي بريطانيا والتقى بعض مسؤوليها تشعر كذلك بعدم موضوعية الغرب في الاتهامات التي يوجهها لها بخصوص الارهاب والامن والحرب في افغانستان. وكانت ماليزيا سباقة في مجال اعادة النظر والموقف ازاء الغرب وسياساته.

هناك اذن ظواهر سياسية واقتصادية وعسكرية يرفض الغربيون النظر اليها بموضوعية، ولذلك يستمرون في سياساتهم وفق مقولات مسبقة ونمطيات قديمة، وبالتالي فانهم يدفعون اثمانا باهظة لذلك، تتمثل بحصد ارواح البشر، من مواطنيهم ومواطني البلدان الاخرى، والتراجع الاقتصادي كما يحصل في الوقت الحاضر، وتداعي الاخلاقية السياسية، الذي تعبر عنه ظواهر الازدواجية والانتقائية. المشكلة ان فاتورة هذه السياسات مكلفة ويفرض على الجميع دفعها، الامر الذي يعمق الظلامة ويمنع تصحيح المسار، ويبقي الاوضاع في المربع الاول بدون تقدم او تطور. وما لم تتبلور سياسة شفافة للقضاء على السلاح النووي في العالم، تبدأ فصولها بالقضاء على ما هو موجود من اسلحة نووية لدى الدول الكبرى، وتتخلى عن سياسة الحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي في مقابل المحيط العربي، فسوف تنتشر اسلحة الدمار الشامل مجددا، خصوصا السلاح النووي الاسرائيلي المدعوم غربيا، ويصبح امرا مستحيلا القضاء عليها.

'' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

==================

ما الذي أراده السيد؟

حياة الحويك عطية

 الدستور

8/11/2010

أهي القناعة بان ادانة اسرائيل ممكنة ، حتى ولو قدم اي طرف من القرائن اضعاف ، اضعاف ما قدمه حسن نصرالله؟. ومن قبل من؟.

 

ان تأكيد امين عام حزب الله مرارا على انه لا يثق بالمحكمة الدولية ، ولن يتعامل معها ، وانه بالمقابل مستعد للتعاون مع اي تحقيق لبناني ، هو بذاته جواب عن السؤال الاول. ولو كان الامين العام يريد ابقاء خيط من حرير مع المحكمة لما تم الكشف عن فضيحة نقل ملفات التحقيقات الى لاهاي ، برا ، عبر الاراضي الاسرائيلية. فاطنان الوثائق التي جمعها طاقم المحكمة من محققين وخبراء حمل في شاحنات برية ونقلت الى اسرائيل ومن ثم الى لاهاي. فلماذا لم تنقل جوا او بحرا الى اوروبا مباشرة ، علما بان تكاليف ذلك لا تساوي كلفة اقامة شاهد زور واحد لشهر في باريس (وذاك ما عايناه على الارض)؟ ، بل ان ثمة سؤالا اخطر: كم بقيت في اسرائيل قبل ان تذهب الى لاهاي؟ وماذا حصل لها هناك؟.

 

اسئلة تتوالد اسئلة ، والنتيجة: شطب مصداقية المحكمة ، وتأكيد تسييسها واسرلتها. فهل هذا هو هدف الحملة؟. ام هي حملة تندرج في باب الحرب النفسية ، ودعاية الحرب القادمة على المنطقة ، والتي تطلق نذرها من البحار ، بدءا من المتوسط وليس انتهاء بمضيق هرمز الذي شهدنا ما حصل فيه قبل ايام. حملة اراد نصرالله توجيهها الى الرأي العام ، لحشده ضد اسرائيل ، ولتنبيهه الى شبكات جواسيسها واخطارها؟.

 

وعندها تكون الحرب اقرب مما نتصور ، وتفهم التحركات العربية الخليجية كمحاولة الربع ساعة الاخيرة ، لا محبة باحد ، وانما لابعاد شبح النيران عن الخليج نفسه. وعساهم ينجحون. ان لم يكن في ابعاد شبح الحرب النظامية فعلى الاقل في ابعاد الفتنة.

 

اهي اذن ، عملية هدف منها حزب الله وحلفاؤه الى ابعاد شبح الفتنة المذهبية والطائفية ، وشبح اغتيالات جديدة قد توجه الاتهامات فيها كل خمس سنوات لطرف جديد بحسب ما تقتضيه المصلحة الاسرائيلية؟ اغتيالات ليس باقلها احتمال مطاولتها لرئيس الجمورية وقائد الجيش. خاصة بعد سابقة رئيس وزراء سابق هو رفيق الحريري ومرشح قائد للجيش هو فرانسوا الحاج.

 

فيوم اغتيل الاول قال العقلاء انها المصلحة الاسرائيلية والمخطط الاسرائيلي بصرف النظر عن الايدي التي نفذت ، ويوم اغتيل فرانسوا الحاج عرف الجميع ان الهدف كان ابعاده عن قيادة الجيش بعد ان تركها العماد ميشال سليمان الى كرسي الرئاسة ، وذاك لان الحاج كان الاكثر عنادا بشأن عقيدة الجيش في العداء لاسرائيل ، وكان قد استعصى مرارا على محاولات تجنيد اسرائيل هو المسيحي الماروني الجنوبي. ابعد الحاج ولكن المفاجأة كانت ان من جاء قائدا ليس من كان يحلم به القتلة وانما جان قهوجي. لذاك من الطبيعي ان يفكر الموساد بتفجير يخته. بعد ان انتقلت الحرب الى البحار بشكل واضح ، ونقول واضح ، لانها كانت دائما كذلك على الشواطىء اللبنانية ، ومن لا يذكر اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في اوائل السبعينات في فردان؟ الم تدخل القوة الاسرائيلية بقيادة ايهودا باراك - الفتاة الشقراء - عن طريق البحر حتى فردان وشقق ابو يوسف والعدوان وكمال ناصر؟ الم تكشف كل التحقيقات مع العملاء بان البحر كان دائما المعبر المفضل والدائم للجواسيس وفرق الاغتيالات والتفجير؟.

 

اما محاولة اغتيال نبيه بري في الجنوب ، والتي فشلت بحمد الله ، فقد كان من شأنها ان تشعل الفتنة التي لم تصل اليها عملية الحريري ، وان تخلص اسرائيل وجيفري فيلتمان من عقبة عنيدة ونافذة خلال ازمة الخمس سنوات. وها هو جاسوس يعترف بها.

 

غير ان الجانب ذا الدلالة الكبرى من الفضائح فهو اعتراف العملاء بمراقبة زيارات سعيد الحريري لسمير جعجع وتحركات هذا الاخير. فهل كان سيراود احد الشك فيما لو اغتيل جعجع بان 8 اذار هي التي اغتالته ، خاصة بعد تصريحاته التي تزاوج العنترية الى الخبث وتغرقهما معا بالعداء؟ وهل كان من الصعب ان يدفعه السفير الاميركي الى تصريح مشتعل غير مسبوق ، يغتال بعده ، ولا يكون لدفع التهمة مجال؟ واي رابط يمكن ان يقام بين هذا الانكشاف والكلام الكثير الذي كنا نسمعه في الدوائر السياسية اللبنانية عن نية تغيير سمير جعجع واستبداله باخر من القوات؟ فما الذي كان سيحدد انتهاء مدة صلاحية الرجل؟.

 

اما اذا كان المطلوب اوجع ، فاية صاعقة يمكن ان يشكلها اغتيال سعد الحريري وسمير جعجع معا؟.

 

ببساطة مطلقة. ليس مشاهدو التلفزيون محميون ولا قضاة ولا محققون جنائيون خاصة في قضايا مكافحة التجسس ، لكنهم جميعا ، الا من يضع اصابعه في اذنيه كلما نطق "خصم" ، خرجوا بانطباع واحد: زيادة الكراهية لاسرائيل ، القلق على الاوضاع الداخلية قبل الخارجية وزيادة الاحساس بخطورة هذا الكيان واجهزته الاستخبارية ، وامكانية استهدافها المتعامل معها قبل العدو ، لان لكل دوره في خدمتها ، دور قد ينفعها فيه حيا او ميتا.

==================

عندما تستبيح عصابات الاحتلال المقابر الاسلامية

رأي الدستور

الدستور

8/11/2010

وصل ارهاب عصابات الاحتلال الصهيونية مرحلة خطيرة ، لم يعد السكوت عليها مقبولا ، ولا ممكنا ، عندما استباحت مقبرة "مأمن الله" الاسلامية ، في مدينة القدس الاسلامية ، وقامت بجرف وهدم مئات القبور ، والتي تضم رفات العديد من الصحابة والتابعين ، وعلماء مسلمين أجلاء ، وعدد كبير من جنود صلاح الدين ، وسط حراسة شرطية مكثفة ، واعتداء على طواقم الصحفيين ، والمصورين العرب ، ومحاولة منعهم من تصوير الجريمة الاسرائيلية.

 

ان الاعتداء على حرمة الموتى ، يشكل انتهاكا صارخا لكافة القوانين والانظمة الدولية والاعراف المرعية ، التي تدعو الى الحفاظ على هذه الحرمة ، احتراما للمعتقدات والاديان ، التي نصت اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة عدم المساس بها ، كما يؤكد من جانب آخر ان عصابات الاحتلال الصهيونية ، مصرة على التصعيد ، ان كان استيطانا ، كما يحدث الآن في القدس العربية المحتلة ، اذ وافقت سلطات الاحتلال أمس الأول ، على اقامة "20" وحدة سكنية في منطقة فندق شيبرد ، بحي الشيخ جراح ، الى جانب الاستمرار في هدم المنازل في ضاحية البستان بحي الشيخ جراح ، لاقامة حديقة توراتية "حديقة الملك داوود" ، الى جانب الاعلان عن تطبيق قانون "أملاك الغائبين" في المدينة المقدسة ، والذي يعني بصريح العبارة مصادرة أملاك العرب المقدسيين ، والتي تبلغ مساحتها حوالي %13 من مساحة اراضي المدينة ، وذلك في نطاق سياستها الاجرامية ، والتي تقوم على تهويد القدس ، وتحويلها الى مدينة توراتية بأغلبية يهودية في موعد أقصاه 2020 ، الى جانب هدم عدد من المنازل في منطقة الأغوار الشمالية.

لقد أدان الاردن الاعتداء الصهيوني على المقابر الاسلامية ، ودعا سلطات الاحتلال الى وقف هذه الاعمال الارهابية ، التي تشكل اعتداء صارخا على المعتقدات الاسلامية ، وتشي بأن عصابات الاحتلال مصممة على التصعيد ، ودفع المنطقة الى الانفجار ، خاصة وان هذه الاعمال الاجرامية تتزامن مع رفضها الانصياع للرؤية الدولية ، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، بما يفضي الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، على التراب الوطني الفلسطيني ، وعاصمتها القدس ، وتصر بدلا من ذلك على الاستمرار في الاستيطان ، والحصار ، واطلاق يد رعاع المستوطنين ليعيثوا في الارض الفلسطينية خرابا ، وتدميرا ، وهو ما يترجم بتجريف الاراضي واقتلاع اشجار الزيتون ، والاعتداء على بيوت الله ، كما حصل مؤخرا في عدد من المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

مجمل القول: ان ممارسات عصابات الاحتلال الصهيونية ، الارهابية ، والتي وصلت الى حد تجريف مقبرة "مأمن الله" الاسلامية في القدس العربية المحتلة ، تؤكد ان هذه العصابات ليست معنية بالسلام ، ولا بالمفاوضات ، وانما معنية فقط بفرض سياسة الامر الواقع ، وهذا الوضع المتردي في تقديرنا ، هو الذي دفع جلالة الملك عبدالله الثاني الى الحراك المتواصل والمستمر ، والمتمثل بالاتصال مع القادة الاشقاء ، من اجل التنسيق والتشاور ، لرص الصفوف ، واجتراح موقف عربي موحد قادر على مواجهة الاعتداءات الصهيونية ، لحماية الامة من الاخطار التي تتهددها ، والعمل على انقاذ مقدساتها ، فلقد بلغ السيل الزبى. "ولينصرن الله من ينصره".

صدق الله العظيم.

==================

مسجد مانهاتن... قرار صائب

دويل مكمانوس (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

«إم. سي. تي. إنترناشيونال» والاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

8/11/2010

الإمام فيصل عبد الرؤوف، الذي يريد إنشاء مركز ثقافي ومسجد على بعد مربعين سكنيين من موقع برجي مركز التجارة العالمي «جراوند زيرو»، أدان مراراً وتكراراً الإرهاب الإسلامي؛ كما أنه معروف بحث أفراد جاليته ليكونوا، حسب تعبيره، «أميركيين صالحين ومسلمين صالحين». إنه ليس حليفاً لأسامة بن لادن، بل خصم له. ومع ذلك، فقد كان من المتوقع أن يعترض بعض سكان نيويورك الذين فقدوا أحباء وأقارب لهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على بناء مؤسسة إسلامية بالقرب من موقع مأساتهم.

والواقع أنه يحق لهم أن يشعروا بما يشعرون به، وعلى مركز ثقافي يأمل في جسر الهوة بين المسلمين والمسيحيين واليهود أن يأخذ تلك المشاعر في عين الاعتبار. إلا أنه لا يحق لهم أن يجعلوا مشاعرهم أساساً لقرار حكومي تمييزي.

والواقع أن الجدال يتجاوز مسألة ما إن كان المسجد ينبغي أن يبنى قريباً جداً من «جراوند زيرو»؛ حيث ظهرت حركات تطالب بحرمان المسلمين من حق بناء دور العبادة في كل أرجاء البلاد – من ستايتن آيلند في نيويورك إلى مورفريزبورو في تينيسي، وكذلك تيميكولا في ولاية كاليفورنيا. (يذكر هنا أن تيميكولا تبعد عن «جرواند زيرو» ب3873 كيلومترا). ويساعد هذه الحركات سياسيون بعيدون كل البعد عن نيويورك–من بينهم اثنان قد يترشحان لانتخابات 2012 الرئاسية – يستغلون هذه الفرصة ليصوروا أنفسهم على أنهم مدافعون عن الحضارة الغربية ضد الحركات الإسلامية المحاربة.

في البداية، خرجت حاكمة ألاسكا السابقة سارة بالين، التي وصفت مخطط المسجد في نيويورك بأنه «طعنة في القلب» وطالبت «المسلمين المسالمين» بأن يثبتوا حسن نواياهم عبر الاتفاق معها. وبعد ذلك، قال رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش من ولاية جورجيا، والذي نجح في أن يجعل بالين تبدو كما لو كانت من المعتدلين، إن مسجد مانهاتن يمثل موطئ قدم وانتصاراً أولاً يعبد الطريق لمزيد من الانتصارات ضمن حرب أكثر خطورة بكثير حيث كتب يقول: «إن أميركا تشهد هجوماً إسلاموياً ثقافياً وسياسياً يروم تقويض حضارتنا وتدميرها».

كما حذر جينجريتش من أن الإسلاميين يريدون فرض حكم الشريعة على العالم برمته، بما في ذلك الولايات المتحدة. وكمثال على ذلك، أشار إلى محاكمة وقعت في 2009 في نيوجيرسي زعم فيها رجل مسلم متهم بضرب زوجته بأن ما قام به جائز في الشريعة الإسلامية.

وعلى نحو مفاجئ، اقتنع قاضي محكمة ابتدائية بهذا الدفاع وقبله، ولكن محكمة استئناف قلبت الحكم لاحقا «هجوم ثقافي وسياسي؟».

الواقع أن الأمر يبدو أكثر كمحاولة يائسة من قبل مدعى عليه وقرار غبي من قبل قاض في محكمة ابتدائية. ولئن كان ذلك أفضل مثال في جعبة جينجريتش، فإن الحضارة اليهودية- المسيحية ليس لديها ما تخشاه.

غير أنه من باب الاحتياط فقط، وافق برلمان ولاية أوكلاهوما على قرار هذا الخريف يوضح فيه أن الشريعة الإسلامية ليست سلطة قانونية معتمَدة في الولاية. وبالتالي، فبغض النظر عن المآل الذي قد تؤول إليه الحرب على الإرهاب، فإننا لن نفقد هذه الولاية.

إن الأمر الخاطئ والخطير هنا هو أن بعض السياسيين بدؤوا يحوِّلون معركتنا مع مجموعة صغيرة من المتطرفين المسلمين إلى ما يريدها بن لادن أن تصبح بالضبط، أي صداماً بين كل المسلمين والغرب.

والحال أن ثمة حرباً أهلية تدور رحاها داخل الإسلام، وتجمع المحدثين، مثل عبد الرؤوف من نيويورك، والذي يريد تحقيق المصالحة بين حياة المسلم والتسامح الغربي؛ والمتشددين، مثل بن لادن، والذين يرفضون ذلك. والواقع أن جورج دبليو. بوش وباراك أوباما يختلفان حول كثير من المواضيع، ولكنهما يتفقان على أن أفضل طريقة للفوز في الحرب على الإرهاب هي إقناع المعتدلين المسلمين بأن هذه المصالحة ممكنة، ومساعدتهم على الانتصار على المتشددين.

ولكن رسالة الأشخاص الذين لا يريدون السماح للمسلمين الأميركيين ببناء مساجدهم تبدو أشبه بالتالي: لا يهمنا إلى أي مدى أنتم معتدلون كما تقولون؛ وإذا كنتم مسلمين متدينين، فإننا نعتقد أنكم جزء من تنظيم سري يهدف إلى تدمير حضارتنا.

ولنعد الآن إلى نيويورك للحظة. فمنتقدو عبد الرؤوف الأقل حرصاً على الدقة يتهمونه، بدون دليل واضح، ب»الارتباط» على نحو ما بالإرهابيين. ولكن، هل تتخيلون أن مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف. بي. آي» لن يكتشف ذلك لو كان الأمر صحيحاً حقاً؟ أما منتقدوه الأكثر حرصاً على الدقة، فيشيرون إلى اعتراضات سياسية أوسع: إنه لم يندد ب»حماس» بشكل خاص؛ ودعم المحتجين الذين حاولوا كسر الحصار على قطاع غزة بحراً؛ وهو ليس من مؤيدي إسرائيل. ثم إليكم شكوى أخرى إضافية: إن عبد الرؤوف لم يكشف عن هوية كل الجهات والأشخاص المانحين.

الحقيقة أنه يصعب على المرء ألا يتفق مع هذه الملاحظة الأخيرة، إذ من منا لا يرغب في معرفة مصدر المال؟ ولكن حتى بخصوص هذه النقطة، هناك ازدواجية واضحة في المعايير لا تخطئها العين، وذلك لأن الكنائس والكنس غير مطالَبة بمقتضى القانون بالكشف عن هوية مانحيها. ثم إن جينجريتش نفسه لا يكشف عن مانحيه أيضا. (حول هذه النقطة وضَّح ريد تايلر، المتحدث باسم جينجريتش، قائلاً: «إن مانحينا يتوقعون ألا نقوم بالكشف عن أسمائهم... كما أننا لا نحمل على كاهلنا العبء الذي يحمله مسجد يموَّّّّّّل على الأرجح من قبل بلدان أجنبية»).

وحرصاً مني على بحث المسألة على نحو نزيه وواقعي، تحدثتُ مع أحد سكان نيويورك الحكماء هو: الحاخام براد هرشفيلد، رئيس «المركز اليهودي الوطني للتعلم والزعامة». هرشفيلد يعرف عبد الرؤوف ويعتبره معتدلاً حقيقياً إذ يقول: «إن ترويج إشاعات بأنه عميل للإسلاميين مختلف تماماً عن كل ما أعرف عنه... ثم إنه من خلال مشروع (المركز الثقافي) هذا، يقترح (عبد الرؤوف) رداً روحياً على مشكلة روحية؛ لأن لما كانت (هجمات الحادي عشر من سبتمبر) إرهاباً ارتكبه إسلاميون، فإنه يحاول استعمال التراث لتصحيح ما حدث».

ولكن «هرشفيلد» يخشى أن تكون الأمور قد زاغت عن سكتها وأن تكون المرارة قد انتشرت على الجانبين، بدلًا من التفاهم بين الأديان الذي كان يأمل عبد الرؤوف في تحقيقه. وعلى أي حال، فإذا كان عبد الرؤوف يريد مركزه الثقافي أن يصبح وسيلة للمصالحة، فأمامه عمل كثير عليه القيام به؛ ولكن السؤال هو ما إن كان المهيِّجون الخارجيون مثل جينجريتش وبالين قد جعلوا ذلك أمرا مستحيلاً.

ويزعم المنتقدون بأن إنشاء مسجد في «51 بارك بليس» سيشكل انتصاراً للتطرف الإسلامي، والحال أنهم قلبوا الآية تماماً. ثم إنه إذا سُمح للمسلمين الأميركيين ببناء مساجد فقط في الأماكن، التي يتكرم المسيحيون واليهود بالموافقة عليها، فإننا سنكون في تلك الحالة قد أثبتنا صحة ما يزعمه الإسلاميون المتطرفين من أن الغرب هو عدو لكل المسلمين.

وإذا مُنع بناء هذا المسجد بسبب الأفكار الجاهزة والمسبقة والديماغوجية السياسية، فتلك هي اللحظة التي سيدعي فيها بن لادن تحقيق نصر ثان–بالقرب من «جراوند زيرو»، كما يقولون.

==================

ايران بين الأمان والعدوان

د. جلال فاخوري

الرأي الاردنية

8/11/2010

الحروب في أساسها تعبير محموم عن اختلال التوازن الاجتماعي والديمغرافي والاقتصادي بوجه عام وهذه الخلخلة هي التي تفسّر كيف تبدأ حروب جديدة أو تقيم الحروب القديمة وأن البشرية غالباً ما تنساق بدفعات عدة من الدوافع الحربية التي تقوم ابتداءً على حالة نفسية جماعية تدفع إلى قبول فكرة الحرب وتنفيذها بكل حماس وقوة. وعادة البشرية تتوقع حدوث الحروب دائماً وهذا ما يدفع عادة إلى السؤال التالي:

 

ما هي دواعي التأكد والاستدلال التي ينشأ من خلالها في الشعور الجماعي الاقتناع بأن حرباً ما لا بدّ قائمة في زمن ما؟ بل وكيف تضغط الرعية على قادة الحروب لشنّ حرب ما وفي أي الشروط تضغط؟

 

إن الشعور بالإخفاق في تحقيق هدف ما أو العرقلة في إصابة أمنية ما والذي عادة ما تترجمه النفس بالعدوان رغم أن لا علاقة له بالحرمان من إصابة الهدف أقول أن الشعور بالإخفاق قد يُفرغ الغضب بمن حوله. وهكذا في الشعور بالفشل والإخفاق في أمر ما يدفع أصحاب الأمر إلى نقل الصراع نحو خارج الحدود على شكل صدام عسكري. وعلى العموم فإن الرغبة في التصرف قد تنقلب إلى الشعور بالهزيمة تماماً كما حصل في أفغانستان والعراق واللتين كانتا الهدف في حروب أمريكا عليهما والتي اعترف معظم القادة العسكريين الأمريكان والرؤساء في العالم أن هاتين الحربين قد تسببتا في هزيمة أمريكية بريطانية دولية في جميع الأصعدة.

 

وبدل أن تتعظ الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والدول المؤيدة للحرب على إيران كإسرائيل باعتبارها أكثر المؤيدين حماساً للحرب على إيران أقول بدل ذلك بدأت أمريكا والعالم بالترويج لحرب قادمة ضد إيران والذي أعلن عنها أوباما أنها لن تحدث في حين قال الجنرال مولن قائد الجيوش الأمريكية أن الحرب ضد إيران جاهزة لكنه لا يرغب بشنّ الحرب ضد إيران خوفاً من فتح الحرب والعجز عن إغلاقها لما قد يمتد تأثيرها على الشرق الأوسط بكامله خاصة في ضوء الاستعداد الإيراني لهذه الحرب وقد علل مولن عدم الرغبة في شنّ الحرب إلى وجود اختلال في المجتمع الإيراني مما قد يسبب مأساة لكل من أمريكا وإيران وجاء في إشارات من إيران أن أية حرب ضدّها قد تكون حرباً نووية مشيرة بذلك إلى إسرائيل ومن جهة أخرى فإن الأمان الذي قد تسعد به إيران نتيجة تجاوبها مع المتطلبات الغربية حيال مشروعها النووي قد لا يكون هذا الأمان ميسّراً بسبب أن لا أمان في الغرب وهذا ما تعيه إيران جيداً بعكس الدول العربية التي تضع أمانها في السلة الغربية. هذا من جهة أمّا من جهة أخرى فإن مسألة تسييس العداء ضد إيران سيجلب المشاكل لكل من إيران والغرب بسبب عدم حيادية المطالبة بعدم السماح لإيران بصنع سلاح نووي.

 

وهنا نسأل الغرب لماذا سمح الغرب للهند وباكستان بصنع سلاح نووي؟ ويُلاحظ هنا أن إيران واقعة بين مطرقة الأمان وسندان الحرب مما يجعل الحديث والتوتر حيال الحرب على إيران متشنجاً دوماً. ولقد تقوم أمريكا وإسرائيل بمغامرة حيال سوريا ولبنان لتحويل التوجّه والأنظار عن إيران. والسؤال الآن هل إذا قامت الحرب ضد سوريا أو لبنان هل يبقى الوضع الشرق أوسطي على ما هو عليه دون امتداد الحرب إلى معظم منطقة هذا ما تخوّف منه مولن وأوباما ورئيس وزراء بريطانيا الجديد. وفي إشارة سريعة إلى ما قاله بتريوس القائد الجديد الأمريكي في أفغانستان أن الوضع ضد القوّات الأمريكية هناك خطير جداً. كما صرّح أوباما بأن رحيل القوات الأمريكية من العراق قد لا يضمن استقرار الوضع في العراق مما يعني أن الحروب الأمريكية لا تمنح الأمان ولا تجلب الاستقرار بالحروب. إن الحالة النفسية الأمريكية مختلة وغير متوازنة إزاء نفسها وإزاء العالم وهكذا سيبقى العالم في صراع مع أمريكا وحيث أن الحروب هي عنوان السياسة الأمريكية فهذا يعني أن الحروب مستمرة وعدم الأمان مستمر.

==================

أوباما يخسر الشارع العربي

د. حسن البراري

الرأي الاردنية

8/11/2010

صدر يوم الخميس الماضي تقرير أميركي مستند الى استطلاع رأي يظهر فيه انقلاب في موقف الشارع العربي تجاه الرئيس الأميركي، والتقرير- الذي قام بإعداده البروفسور شبلي تلحمي من جامعة ميرلاند الأميركية- يبيّن أن شعبية الرئيس أوباما في الشارع العربي تعرضت لضربة كبيرة على مدى العام والنصف العام من توليه الرئاسة، ويسجل الاستطلاع أن الآراء الايجابية هبطت لتصل لمستوى 20% هذا العام بعد أن كانت 45% في العام الماضي.

 

وهكذا يبدو أن ما يسمى بفقاعة أوباما والتي بدأت بالتكون لحظة تنصيبه ووصلت إلى ذروتها عندما ألقى خطابا العام الماضي في القاهرة قد نٌفست، فقد أخفق الرئيس بأن يفي بعهود كثيرة قطعها على نفسه بشأن هذا الجزء من العالم، وهو تشخيص يتفق معه أوباما نفسه الذي قدم اعترافا نادرا عندما قال بأنه بالغ في تقديره لقدرته الضغط على إسرائيل. ومع أن هذا الاعتراف دقيق لأنه يصف اتجاهاً سائداً في العلاقات الثنائية بين واشنطن وتل أبيب، غير أن ما لم يلاحظه رئيس أقوى دولة في العالم- أو ربما لا يريد ملاحظته- أنه لم يفقد القدرة على التأثير فحسب بل اقترب كثيرا من الموقف الإسرائيلي مبتعدا عن العرب الذين علقوا آمالا كثيرة عليه بعد سنوات عجاف ثمان من حكم سلفه الرئيس بوش. ومن ناحية أخرى، لم ترتفع شعبية أوباما في إسرائيل إذ ما زال الإسرائيليون يتعاملون معه كمتهم بصداقته ومحاباته للعرب، وهذا يدفعنا للتهكم والقول مع صديق مثل هذا من يريد أعداء!

 

الانخفاض الكبير في نسبة الآراء الايجابية قابله ارتفاع كبير في نسبة الآراء السلبية، فارتفعت النسبة من 23% في العام الماضي لتصل إلى 62% هذا العام، وهنا نلاحظ أن الكثيرين في العام الماضي فضلوا عدم التعبير سلبا أو إيجابا انتظارا لما سيقوم به الرئيس، لكنهم في هذا العام أصدروا حكمهم السلبي على أوباما ما رفع نسبة الآراء السلبية.

 

السبب الرئيس كما يظهر في الاستطلاع في التراجع في مكانة وشعبية الرئيس الأميركي في الشارع العربي هو فشل الإدارة في تحقيق أي إنجاز يذكر في عملية السلام، وقد أفاد 61% من المستطلعين أنهم في هذا المجال بالتحديد محبطون، في حين أفاد 27% أنهم محبطون بسبب الوضع في العراق، واللافت أن نسبة الذين عزوا إحباطهم لملف الديمقراطية لم يتجاوز الواحد بالمئة!

 

لكن هل الموقف من أوباما هو ثابت لا يتغير بتغير السياسات؟ هنا أفاد 54% بأنه بمقدور أوباما تغيير الوضع في حال ساعد في تحقيق اتفاقية سلام، في حين أفاد 45% بنفس الشيء إذا نجح في الانسحاب من العراق و43% إذا أوقف المساعدات لإسرائيل. وهذا مؤشر بأن الشارع العربي ليس معاديا للسلام كما تحاول أن تظهره بعض القوى اليمينية في واشنطن، وفي هذا السياق أفاد 86% من الشارع العربي بأنهم مستعدون لسلام مع إسرائيل لكن 56% يرون أن إسرائيل غير مستعدة للتخلي عن الأراضي المحتلة.

 

بالرغم مما يقال هنا وهناك، ستبقى القضية الفلسطينية المنظار الذي من خلاله يقيّم العرب موقف الآخرين منا، ربما لا يهتم بعض الأميركان بذلك لغياب الديمقراطية، لكن بات واضحا أن الرأي العام يشكل الحاضنة التي تجعل من بعض مواقف الأنظمة العربية مقبولا أو مرفوضا وهو ينعكس بشكل غير مباشر على قدرة أميركا على تحقيق مصالحها في المنطقة العربية.

==================

الانجراف الأيديولوجي للحزب «الجمهوري»

جيمس زغبي

السفير

8/11/2010

يحفر «الجمهوريون» حفرة عميقة لأنفسهم بخصوص المواضيع المتعلقة بالشرق الأوسط والإسلام، مما يعكس إلى أي مدى بات حزبهم أسيراً لمجموعة المحافظين الجدد المؤمنين ب«صدام الحضارات» وشركائهم على «اليمين المسيحي الإنجيلي»، ويصبح هذا الانجراف واضحاً عندما نستمع إلى تصريحات زعماء «جمهوريين» ونستطلع مواقف قاعدة الحزب.

وإذا كانت التصريحات التي صدرت قبل بضعة أسابيع عن المرشحين الرئاسيين السابقين سارة بالين ونيوت غينغريتش، اللذين عارضا بناء مسجد في مدينة نيويورك، تعد مثالاً جيداً في هذا السياق (حيث وصفت بالين بناء المسجد بأنه «طعنة للقلب» في حين قال غينغريتش إن أميركا تشهد هجوما إسلاميا ثقافيا سياسيا يروم تقويض حضارتنا وتدميرها)، فإن تصريحات منافسين «جمهوريين» كبار آخرين ليست أفضل منها. فهذا «مايك هاكابي»، وهو أحد زعماء اليمين الديني، أدلى بتصريحات إلى مُحطة من شأن المسلمين ويدعم إسرائيل على نحو غريب، لدرجة أنه قال «إنه لا شيء اسمه فلسطيني». أما «ميت رومني»، الذي كان حاكما لولاية ماساتشوسيتس في وقت من الأوقات، وبات عزيزا على قلوب «المحافظين» اليوم، فقد اقترح على الحكومة في أكثر من مناسبة التنصت على المساجد.

كما يعارض الحزبُ «الجمهوري» بشدة مبادرةَ السلام في الشرق الأوسط التي يتبناها أوباما وجهودَ التقرب من العالم الإسلامي. وقد تقابلتُ، بعد الخطاب الذي ألقاه بجامعة القاهرة في حزيران يونيو 2009، في نقاش مع «ليز تشيني» والسيناتور السابق «جورج آلن»، اللذين انتقدا الرئيس واتهماه ببخس أميركا حق قدرها لكسب تأييد المسلمين. كما اتهماه ب«المعادلة الأخلاقية» (بمعنى أنه يساوي بين قلقه على الفلسطينيين والقلق الأميركي التقليدي على الإسرائيليين) وب«الاعتذار» عن استعمال التعذيب وحرب العراق.

جهود تسجيل نقاط سياسية حزبية عبر استغلال المخاوف من المسلمين، واشتداد حدة التوتر الناشئ عن النزاع العربي الإسرائيلي، دفعت أيضا اثنين من عتاة الجمهوريين هما «بيل كريستول» (رئيس تحرير مجلة «ويكلي ستاندرد» المحسوب على المحافظين الجدد) وجاري بوور (المرشح الرئاسي في يوم من الأيام وزعيم اليمين المسيحي)، لتأسيس «لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل»، التي رعت إعلانات تلفزيونية تهاجم مرشحاً ديموقراطياً لمجلس الشيوخ وتتهمه بالتقرب من المسلمين المتشددين وبمناصبة إسرائيل العداء.

ويَظهر الموقفُ المتشدد القوي نفسه في الكونغرس. فالأسبوع الماضي فقط، اقترح «الجمهوري» لوي غومرت من ولاية تكساس مشروع قرار يرخص صراحة لهجوم إسرائيلي على إيران. ولئن كان بالإمكان وصف غومرت باعتباره شخصا متقلبا يصعب التنبؤ بأفعاله أو السيطرة عليه نظرا لميله للخطابات الأصولية الطويلة حول ادعاء إسرائيل الأحقية على الأرض المقدسة فإن المثير للقلق هو حقيقة أن قراره بشأن «هجوم إسرائيلي على إيران» لقي دعم ثلث «الجمهوريين».

ثم في الأسبوع الماضي، قامت عضو مجلس النواب عن فلوريدا «إلينا روس ليتنن»، التي قد تصبح رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي إذا سيطر «الجمهوريون» على الكونغرس، بالرد على محاولة إدارة أوباما رفع وضع مكتب «منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن عبر رسالة تدعو هيلاري كلينتون إلى طرد الدبلوماسيين الفلسطينيين من الولايات المتحدة ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس.

واللافت أن هذا الانجراف الأيديولوجي بدأ يشمل قاعدة الحزب كذلك، وقد أخذت ملامحه تظهر اليوم في بعض الانتخابات عبر الولايات المتحدة. ففي ولاية كولورادو، على سبيل المثال، انتقدت «جين نورتون» المرشحةُ الجمهورية لمجلس الشيوخ جهودَ إدارة أوباما الرامية إلى شمل المسلمين في البرامج العلمية والتكنولوجية لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، واصفة إياها بأنها جهود «للشعور بالرضى عن الذات» لا يمكن الأميركيين أن يسمحوا بها. وفي ولاية تينيسي، نُقل عن نائب الحاكم «رون رمزي» قوله: «يمكن المرء أن يذهب إلى حد المجادلة بما إذا كان المرء مسلما ديناً أم جنسية، أسلوب حياة أم عبادة». كما جعل مرشح للكونغرس بولاية تينيسي من جهود الجالية المسلمة لبناء مسجد هناك مشكلة وقال: «إن بلدنا تأسس على مبادئ التقاليد اليهودية المسيحية، ولدينا الحق للدفاع عن تلك التقاليد».

زواج «المحافظين الجدد» واليمين المسيحي، وتأثيره على المقاربة التي يتبناها الحزب الجمهوري تجاه سياسة الشرق الأوسط، كان واضحاً كذلك في الأسبوع الماضي في التجمع السنوي لمنظمة «مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل» بواشنطن. ولئن كان ديموقراطي واحد قد شارك في هذا المؤتمر (عضو مجلس النواب شيلي بيركلي المحسوبة على الصقور) فإن قائمة النجوم المشاركين شملت منسقَ الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، و«جمهوريين» منتخَبين آخرين، ومسؤولين منتخَبين سابقين، وممثلي منظمات يمينية متشددة مؤيدة لإسرائيل، ومراكز بحوث محافظة.

غير أن لكل هذا تأثيراً كبيراً جداً على تعميق الانقسام بين الحزبين بخصوص عدد من المواضيع، مثل الكيفية التي يقارب بها الديموقراطيون والجمهوريون مواضيع سياسة الشرق الأوسط. وقد لاحظنا هوة كبيرة ومثيرة للقلق بين الحزبين في استطلاعات الرأي. فجواباً عن سؤال «كيف ينبغي على إدارة أوباما أن تسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟» مثلا، قال 14 في المئة من الديموقراطيين «دعم إسرائيل»، واختار 5 في المئة «دعم الفلسطينيين»، بينما رد 74 في المئة بأن الولايات المتحدة «ينبغي أن تلتزم طريقاً وسطاً». وبالمقابل، قال 71 في المئة من الجمهوريين، «دعم إسرائيل»، وقال 3 في المئة «دعم الفلسطينيين»، في حين اختار 20 في المئة فقط «التزام طريق وسط».

إن هذا الانجراف الجمهوري وشراسة خطابهم المعادي للعرب وللمسلمين يبعث على القلق؛ ولكن انخراط أميركا في الشرق الأوسط وجنوب آسيا أهم، والأخطار التي نواجهها أكبر، من أن نسمح لهذا الخبث وسوء الفهم بالترسخ في أحد أحزابنا السياسية، وبخاصة عندما يبدو الزعماء الحاليون لذلك الحزب جد مستعدين لنفث سمهم واستعماله لتحقيق مآرب سياسية. والحق أنه حتى جورج دبليو. بوش، ورغم كل عيوبه، كان أكثر حكمة وتعقلا، وكذلك كان وزيراه في الخارجية ووالده والعديد من الزعماء «الجمهوريين» الآخرين من الماضي القريب.

لقد آن الأوان ليتقدم هؤلاء «المحافظون» التقليديون إلى الأمام ويتحَدّوا المجموعةَ الحالية التي تقود حزبهم وقد تقود بلدنا نحو حفرة عميقة.

==================

تحضيراً لتلقّي جواب الملك عبدالله عن العرض السوري

نصر الله يقترح باتهام اسرائيل مخرجاً أقل سوءاً

سابين عويس

النهار

8/11/2010

 في أول لقاء مصارحة بينهما، حرص الرئيس السوري بشار الاسد على ان يجعل بناء العلاقة الجديدة مع رئيس الوزراء سعد الحريري على أساس الثقة " اذ لا يمكن ان نؤسس لعلاقات جيدة بين بلدينا اذا كان لديك ادنى شك في أن سوريا مسؤولة عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري"، على ما نقل عن الرئيس السوري في ذلك اللقاء.

وتعددت بعد ذلك اللقاءات بين الرجلين وتوطدت العلاقات الثنائية وان بوتيرة ابطأ مما كانت تتوقعه دمشق بالتزامن مع تراجع الخطاب التصعيدي في الاوساط الاكثرية ولا سيما "المستقبلية" في اتجاه "النظام السوري" وابتعاد اصابع الاتهام السياسي باغتيال الحريري عنه لتقترب أكثر من "حزب الله" وتحديدا من "عناصر غير منضبطة فيه"، وفق ما تردد في الاسابيع القليلة الماضية حول ما يحتمل ان يتضمنه القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في وقت ليس ببعيد.

ولكن تقارب الاسد الحريري والانطباع الذي تركه التقارب السوري – التركي وعودة سوريا الى الحضن العربي لدى اوساط في الغالبية عن ان ثمن البراءة يكمن في ابتعادها عن "حزب الله" وتحميل عناصر غير منضبطة فيه مسؤولية الاغتيال، لم يلغ من حسابات القيادة السورية بحسب مصادر قريبة من دمشق ثابتتين:

- الاولى ان لا علاقات خاصة مستجدة ايا تكن اهميتها في لبنان على حساب الحلفاء الثابتين.

- والثانية رفض سوريا لأي قرار اتهامي ل"حزب الله" واعتبارها المحكمة مسيسة على قاعدة ان اي مس بحزب الله لن يعفي المحكمة من استهداف سوريا في مرحلة لاحقة، مسقطة بذلك الرهان على اي فصل، ولو نسبياً بين المسارين السوري والايراني.

وعلى هذا، جاءت المحادثات بين الرئيس السوري والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في دمشق التي تمت بناء على اتصال تلقاه الاسد من عبد الله عندما كان في زيارة لبيلا روسيا وتناولت في ما تناولت تنسيق زيارة الحريري لدمشق ومن ثم زيارة الاسد برفقة العاهل السعودي لبيروت وحتى اجتماع عبد الله برئيس الوزراء اللبناني في منزله العائلي في وسط بيروت. ونقل عبد الله اليه موقف القيادة السورية من مسألة تسييس المحكمة وظنها ب"حزب الله".

وفي انتظار الرد اللبناني على طلب تأجيل القرار الاتهامي، جاء المؤتمر الصحافي للأمين العام ل"حزب الله" واتهامه اسرائيل لعملية الاغتيال وتقديم قرائن ومعطيات ليحسم حال التردد والترقب في الوقت الضائع عن صدور القرار الاتهامي، وليفتح ثغرة في الجدار المسدود في افق التفاهم الداخلي حول كيفية التعامل مع تداعيات اي قرار يطول الحزب وينفس اجواء الاحتقان والمواجهة التي ستبلغها البلاد على خلفية القرار.

وفي قراءة لمصدر سياسي مستقل لما كشف عنه نصر الله في مؤتمره الصحافي وما سيرتبه على المشهد السياسي في المرحلة المقبلة يمكن تسجيل الخلاصات التالية:

- ان الامين العام ل"حزب الله" حسم موقف الحزب الرافض للمحكمة الدولية وتسييسها، وتقديمه القرائن لا يعدو كونه اختباراً لصدقية هذه المحكمة التي يدرك الحزب في خلفيته انها حسمت مضمون قرارها الاتهامي وهي بالتالي لن تأخذ بالادلة والقرائن التي قدمها او بالفرضية الجديدة التي وفرها لها موثقة.

- رفض الامين العام تقديم أدلته الى المحكمة الدولية وحصر ذلك بالحكومة اللبنانية وبلجنة تؤلف لهذه الغاية لم يحرج الحكومة فحسب في دفعها الى تبني تلك الادلة وتلك الفرضية، بل احدث شرخاً في فرض تحقيق داخلي منفصل عن مسار التحقيق الدولي اعاد من خلاله ملف الاغتيال الى الداخل عبر قبوله الضمني بما يصل اليه التحقيق الداخلي القائم على فرضية تورط اسرائيل في الاغتيال واسقاط الفرضيات الاخرى.

قدّم نصر الله المخرج الذي يحفظ ماء الوجه لمختلف الافرقاء المحليين بحيث يخرج الجميع منتصرا في معرفة الحقيقة واحقاق العدالة موفرا البدائل للاحتمالات الاسوأ التي ستواجه البلاد في حال اتهام الحزب. وقد جاء مخرج نصر الله بعد محادثات عبد الله الاسد وعلى اثر المخاوف التي ابداها الزعيمان العربيان من اخطار المواجهة على الساحة المحلية والعربية على السواء، اذ ان اي انفجار للوضع اللبناني لن تنجو المنطقة العربية من شظاياه، خصوصا اذا حصل على خلفية مذهبية سنية – شيعية.

هدف الكلام بالفصحى لنصر الله الى التوجه الى الرأي العام الداخلي والعربي وتحضيره لأي تطورات يمكن ان تشهدها الساحة المحلية في ظل صمت مطبق يمارسه الفريق الاكثري حيال جمهوره. وقد نجح نصر الله في اطلالاته المتكررة في استقطاب هذا الجمهور للاستماع، وان يكن فشل في المعطيات والسيناريو الاعلامي الذي اعتمده في زرع الشك لديه.

ويرى المصدر السياسي عينه ان تلقف رسائل نصرالله في هذا المجال سيتبلور في المواقف المرتقبة لزعيم الغالبية والمعني الاول بملف المحكمة، وهي مواقف يفترض في رأي المصدر ان تكون بمثابة الرد على ما نقله الملك عبد الله قبل ايام قليلة. وبدا ذلك واضحاً خلال من بيان كتلة المستقبل النيابية بعد اجتماعها امس الذي رحب بكل جهد يسهل الكشف عن مرتكبي الاغتيال، ودعا الى استنفاد كل الفرضيات حول المرتكبين، ليؤكد تلقف تلك الرسائل والتعامل على اساسها في المرحلة المقبلة مع كل ما يستدعيه ذلك من اجراءات ذات علاقة بعمل المحكمة الدولية.

ويستدرك المصدر بالاشارة الى أن أي صدام حقيقي حول المحكمة داخل الحكومة على خلفية الفرضية الجديدة التي طرحها، يؤدي الى اطاحة الحكومة. وهذا ما يستدعي التعامل بحكمة وروية مع ما طرحه الامين العام، وخصوصاً ان الارتدادات لن تقتصر على الساحة اللبنانية بل ستطول العالم العربي، وهذا ما بات مقتنعاً به العاهل السعودي، اضافة الى ان التنفيذ لا يتوقف على الداخل وانما له علاقة بالمحاور الاقليمية والدولية الكبرى، بما يعني ان العمل سيكون مزدوجا في الاتجاهين المحلي والدولي لتجنيب لبنان مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات.

==================

أميركا تدفع لبنان إلى حضن إيران !

راجح الخوري

النهار

8/11/2010

إلى متى سيستمر البعض في أميركا في جرّ الكونغرس مثل بقرة عمياء؟ وإلى متى ستبقى الإدارات المتعاقبة على البيت الابيض، ألعوبة في ايدي اللوبي الصهيوني، تنساق الى تبني سياسات حمقاء تضر بالمصالح الاميركية في الشرق الاوسط بمقدار ما تخدم مصالح اسرائيل، لتتساوى واشنطن وتل ابيب نهاية الامر في حصاد كراهية العرب والمسلمين؟!

بكثير من المرارة والاستياء تُطرح هذه الاسئلة الآن في معظم الاوساط اللبنانية، التي تتابع بمزيد من الذهول فصول الحملة الصهيونية في الكونغرس الاميركي على الجيش اللبناني، واتهامه بتبني سياسات "حزب الله" والوقوع تحت تأثيره.

واذا كانت القوى الصهيونية النافذة في الكونغرس تقوم منذ زمن بعيد باخضاع المصالح الاميركية لرغبات اسرائيل، وهو فعلا ما يرفع منسوب الكراهية العربية والاسلامية للسياسات الخارجية الاميركية في المنطقة، فان الامور تتجاوز الآن كل حدود الغباء، عندما يقف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي هوارد بيرمان، ليعلن تعليق المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والمقدرة بنحو 100 مليون دولار لأنه "قلق من التأثير الذي تملكه ميليشيات حزب الله على الجيش"، مضيفا: "الى ان نعلم المزيد عن حادث عديسة وطبيعة تأثير حزب الله والتأكد من ان الجيش عامل مسؤول، لا يمكن ان أسمح لأميركا بالاستمرار في ارسال السلاح الى لبنان".

وبغض النظر عن التواضع الشديد في فعالية الاسلحة الخفيفة التي يحصل عليها الجيش من اميركا، رغم كل الدعوات الى تسليحه جيدا ليلعب دوره الوطني في حماية الحدود وضبط الهدوء، فان اصواتا اخرى في الكونغرس ترتفع الآن ومنها على سبيل المثال صوت النائب الجمهوري اريك كانتور، داعية الى معاقبة الجيش اللبناني وتجميد المساعدات المخصصة له. وفي هذا السياق لا يتوانى كانتور عن القول:

"يجب الا يسير لبنان على خطين مختلفين. اذا اراد الاصطفاف مع "حزب الله" ضد القوى الديموقراطية والاستقرار والاعتدال، فان ذلك سيكون له عواقب. لقد قدمت الولايات المتحدة المساعدات الى لبنان لبناء جيش يكون قادرا على لجم قوة حزب الله"!

هذا الكلام التافه لا يخدم لبنان ولا يخدم اميركا، بل يخدم اسرائيل وخصوصا اذا كانت الغاية من تسليح الجيش لجم "حزب الله" وهو ما قد يؤدي الى حرب اهلية وخصوصا الآن مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي، في حين تستطيع اميركا مثلا ان تضغط على اسرائيل للانسحاب مما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة، وعندها يعرف "حزب الله" كيف يدخل تحت مظلة الدولة والجيش.

وعندما يتجاهل كانتور السبعة آلاف خرق اسرائيلي للقرار 1701 بما فيها من اعتداءات ووقوع ضحايا احيانا ليقول: "لقد ولّت ايام تجاهل استفزازات القوات المسلحة اللبنانية لاسرائيل وحمايتها ل"حزب الله" ولبنان لا يستطيع الافلات من المسؤولية"، فانه يذهب الى حدود ادانة الضحية ومؤازرة القاتل، رغم انه يزعم طبعا انه يتحدث بمقتضى المفهوم الديموقراطي!

انه "المنطق" المشين يتعالى مرة جديدة من الكونغرس وسط صمت ادارة اوباما الغارقة في وحول وعودها المنهارة حيال ازمة الشرق الاوسط. لكن الهدف الاعمق عند هؤلاء هو دفع لبنان مثلا، الى الوقوع في احضان عروض التسليح الايراني، وعندها يقف هوارد بيرمان واريك كانتور وامثالهما ليقولوا: أولم نقل لكم. ها هو لبنان في قبضة الارهابيين!

في اي حال، ان مبادرة الرئيس ميشال سليمان الجيدة في الدعوة الى التبرع للجيش لاقت حماسة اللبنانيين في اربع رياح الارض، لكن الامر يبقى بمثابة البحصة التي تسند الخابية، فالجيوش لا تقوم على التبرعات الشعبية. لا صدام حسين نجح في ذلك سابقا، ولا ميشال عون تمكن من تحويل الاساور والعقود والخواتم قذائف مدفعية. ولهذا يستطيع لبنان تسليح جيشه ولو بعد حين، ليكون مظلة السيادة وقاعدة الامن والاستقرار، وذلك من مصادر ودول لا تريد للجيش ان يكون مجرد عصا في وجه "حزب الله" وجزرة امام الاسرائيليين. وممّ تشكو فرنسا وروسيا والصين مثلا؟!

==================

هل الشرق الأوسط على شفا حرب أخرى؟

بقلم: توني كارن‏

مجلة تايم الأميركية

ترجمة

الأربعاء 11-8-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

يرى البعض في المعركة الحدودية التي جرت مؤخراً بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي مجرد سوء تفاهم بين الطرفين. ويرى آخرون بالصواريخ التي انطلقت من غزة وقابلتها إسرائيل بغارات جوية شنتها على بعض المناطق الخاضعة للحصار

بأنها أعمال عادية على تلك الجهة. كما شهدنا حدثاً آخر تمثل بزيارة الزعيمين السوري والسعودي إلى بيروت، الذي اعتبره الكثير بمثابة تحرك للحؤول دون نشوب نزاع بين الفرقاء اللبنانيين وتحسباً ًمن أعمال لا تحمد عقباها. وفي ذات الأسبوع، طلب رئيس الحكومة البريطانية من تركيا الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع إسرائيل. ولاريب بأن كل تلك الأمور تعبر عن حس دبلوماسي عال يشارك به الكثير من الدول. لكننا إذا أخذنا وجهات نظر أخرى أكثر عمقاً فسنجدها تقول عن تلك الأحداث إنها ذات دلالة على أن الهدوء في الشرق الأوسط ليس إلا هدوءاً ظاهرياً وأن المنطقة على شفا حرب كارثية أخرى.‏

تقدمت مجموعة الأزمات الدولية التي تضم عدداً من الدبلوماسيين السابقين بتقرير إثر المحادثات المكثفة مع صنّاع القرار، حذرت به من احتمال نشوب حرب في المنطقة، وذكرت بأن الوضع في الشرق الأوسط على الرغم من كونه يظهر بمظهر الهادئ إلا أنه ينم عن خطر مستطير، لأن ثمة تعزيزات للقدرات العسكرية وتهديداً بحرب واسعة النطاق تطول المدنيين والبنى التحتية المدنية، مما أثار المخاوف من نشوب حرب إقليمية خاصة في ضوء ما يعتقده حزب الله. وترى مجموعة الأزمات بأنه كلما تنامت قوة حزب الله الدفاعية زاد تصميم إسرائيل في معالجة هذا الواقع قبل فوات الأوان.‏

تقول إسرائيل إنه في حال اندلاع حرب جديدة بأنها ستوجه ضربة قاصمة تفوق ما وجهته في الماضي (حيث فشلت في تحقيق هدفها بتدمير حزب الله) وهي لا تتوانى عن القول إنها ستعمد إلى تدمير البنية التحتية اللبنانية وإن سورية لن تكون بعيدة عن مرمى صواريخها. أما حزب الله فيرى أن ما لديه من قدرات صاروخية تصل إلى تل أبيب سيردع إسرائيل عن التفكير بالقضاء على قدراته. وفي ضوء التوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن أعضاء محور المقاومة المتمثل بإيران وسورية وحماس وحزب الله قد وثقوا تحالفهم معتبرين الهجوم على أي منهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة يمثل هجوماً على الآخرين.‏

لا شك بأن جميع اللاعبين الرئيسيين لديهم أسبابهم في تجنب البدء بحرب أخرى في الوقت الحاضر، ومع ذلك فإن مجموعة الأزمات تحذر من تصعيد في التوتر دون وجود صمام أمان يحول دونه. كما أن المقاطعة الدبلوماسية الغربية القائمة تجاه معسكر المقاومة أمر يثير القلق في ضوء عدم وجود قنوات فعالة يمكن للخصوم أن يتفهموا عبرها ما يمكن أن تفضي إليه أفعالهم.‏

إن الخطر المتمثل بعدم وجود قنوات اتصال بين معسكر المقاومة وإسرائيل يفسر لنا سبب سفر رئيس الحكومة البريطانية إلى أنقرة بغية حثها على إصلاح العلاقات مع إسرائيل، واستخدام علاقاتها مع سورية لتسهيل الاتصال، لعله يخفف من احتمال نشوب حرب في المنطقة. وما يجدر ذكره، أن تركيا قد واجهت بعض الإشكالات من كثير من دول الغرب وإسرائيل إزاء تقاربها الدبلوماسي مع سورية وإيران وحماس، ويرى كاميرون أن الاستمرار بسياسة حقبة بوش قد تسبب بإضعاف قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التأثير على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط. علماً بأن محادثات السلام بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية والإسرائيليين لن تفضي إلى إيجاد دور لمحمود عباس يمكن أن يلعبه في حال حدوث اقتتال بين إسرائيل وحماس.‏

وفي مختلف الأحوال، فإنه حتى في الأراضي الفلسطينية المحاصرة فإن الجانبين لا يتطلعان إلى القيام بأعمال عدائية على غرار الأعمال التي قامت قبل 18 شهراً، أما القذائف التي أطلقت من غزة ولم تتسبب بأي إصابات فإن الإسرائيليين يرون أنها لم تطلق من قبل حماس وإنما من قبل مجموعات صغيرة تتحدى وقف إطلاق النار المفروض من قبل الأخيرة منذ شهر شباط عام 2009. ويتوقع بعض المحللين الإسرائيليين أن حماس قد تخفف من قيودها على وقف إطلاق النار لتذكّر الولايات المتحدة وإسرائيل بالخطر الذي قد ينجم عن تركها خارج معادلة السلام. أما بالنسبة إلى إسرائيل التي تتعرض إلى عزلة دبلوماسية متزايدة فإنها على الرغم من ذلك فقد قامت بقصف منازل قياديين من حماس، الأمر الذي قد يفضي إلى جولة جديدة من العنف.‏

إن وقف إطلاق النار الذي تم منذ ثمانية عشرة شهراً كان أحادي الجانب دون وجود قنوات اتصال واضحة أو قواعد متفق عليها، وهذا يعني أن التصعيد محتمل الحدوث في أي وقت، وينطبق ذات الأمر على الواقع اللبناني-الإسرائيلي حيث يستعد الطرفان لحرب ثانية منذ انتهاء الحرب الأخيرة على الرغم من أن كلاً منهما لا يرغب بهذا الخيار لكنه يرى به أمراً حتمياً.‏

في ظل غياب محادثات السلام، وعدم استعادة سورية لمرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967.‏

ثمة شرارة كامنة ستأخذ بالتوهج لتنبؤنا عن احتمال وقوع أعمال حربية الأمر الذي حدا بمجموعة الأزمات الدولية إلى التحذير من مغبة عدم التعاطي مع التوترات القائمة في ظل غياب عملية سياسية تعالج كافة المشاكل الممتدة من غزة الى مرتفعات الجولان إلى إيران. وعلى العالم أن يتدخل لحلها تحسباً من نشوب نزاع قد يشمل كافة الأطراف.‏

==================

خطوات لحل الأزمات في واشنطن

بقلم :إيان بريمر

البيان

8/11/2010

اتبعت شركة «بريتيش بتروليم» الخطوات التقليدية التي تتبعها الشركات، مثل تويوتا والبنوك الكبرى، عندما تعرضت لأزمات سابقة. والسيناريو لحل الأزمات، سواء بالنسبة ل«بريتيش بتروليم» أو غيرها، بات معروفاً، فهي تبدأ بمحاولة وقف النزيف لتقليل حجم الخسائر ما أمكن.

 

ثم تطلب دعماً من الحكومة، إذا كان هذا ممكناً، كما تعين جيشاً من مستشاري إدارة الأزمات واختصاصيي العلاقات العامة، بهدف تلطيف حدة التأثيرات الاقتصادية والسياسية، وحماية الماركة من اهتزاز سمعتها في الأسواق العالمية.

 

وبالنظر إلى تاريخ شركات نجحت في التغلب على أزمتها، مثل شركة «إكسون»، وشركات أخرى سحقتها الأزمة فاندثرت، مثل شركة «إنرون»، يمكن للفرد أن يحصل على فكرة متعمقة حول الطريقة التي ينبغي على الشركات التعامل بها مع أزماتها، والأمور التي يجب عليها اجتنابها.

 

في البداية، هل يمكن التنبؤ بالأزمات؟ في الواقع فإن إدارات الشركات والمؤسسات ترقب الأفق دوماً تخوفاً من حدوث أزمة ما، غير أن الأسواق لا يمكن التنبؤ بها، فهي متقلبة دوماً، ويمكنها أن تهجر شركة ما وتقاطعها في أول بوادر فضيحة تتعرض لها تلك الشركة. لكن يمكن التنبؤ بالأحداث السياسية التي تسبق الأزمات الاقتصادية، وهناك تطابق عجيب في الطريقة التي يتصرف بها المستثمرون وأصحاب المصالح التجارية في واشنطن، حيال الأزمات المحلية التي تعصف بأميركا.

 

ففي السنتين الماضيتين، على سبيل المثال، تعاملت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والكونغرس، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، مع الأزمات البيئية والاقتصادية بشكل متشابه جداً مع تعامل الكثير من الهيئات الاقتصادية الأخرى مع أزماتها، وعلى ما يبدو فثمة خطوات يتم اتباعها في كل مرة.

 

وهذه الخطوات هي: وقف النزيف؛ حيث يحاول القطاع الخاص حل المشكلة، وإذا عجز عن هذا فإنه يستنجد بالحكومة، لتساعد في استقرار السوق أو تقديم المساعدة التقنية أو ما شابه، حيثما كان ذلك ممكناً، وكلما طال وقت وقف النزيف، زادت التكاليف، وصار تأثير الخطوات التالية أكثر قذارة وحدة.

 

أما إذا نجحت الشركة في وقف النزيف بسهولة، فإن الأزمة لن تؤثر كثيراً على الشركة، وستبقى داخل جدرانها، ولا تؤثر على القطاع بشكل عام. لكن إذا عجزت الشركة عن وقف النزيف، فإن هذا يُعد نذير خطر يهدد تلك الصناعة بشكل عام.

 

تحديد الأسباب؛ تبدأ لعبة اللوم المتبادل حال وقوع أية أزمة، فالسياسيون يلقون باللوم على القطاع الخاص، ويتهمونه بأنه سعى بكل السبل للحصول على الربح الفاحش، فأهمل في نواح أخرى أدت إلى ما أسفرت عنه، ويبدأ الإعلام بالبحث عن أية دالة، ولا يرحم القطاع الخاص من أية معلومة تقع بين يديه. وفي عالم اليوم فإن تأثير الإعلام كبير، خاصة مع انتشار التكنولوجيا الحديثة التي صارت تقدم الخبر آناء الليل وأطراف النهار.

 

غير أن الإهمال لا يمكن أن يكون التفسير الوحيد للأزمة في سوق تديره الحكومة، لهذا يبدأ الإعلام بلوم واشنطن والإدارة وأعضاء الكونغرس، بينما يرد هؤلاء اللوم على سابقيهم فيتهمونهم بأنهم تركوا وراءهم تركة ثقيلة تنوء بحملها الجبال. كما يحاول السياسيون عادة إلقاء اللوم على جهة محددة لم يسمع بها معظم الناس قبل ذلك، مثل مصلحة السكك الحديدية أو سلطة الكهرباء على سبيل المثال.

 

وفي محاولة الكونغرس فهم كيفية حدوث الأزمة، فإنه يتم استدعاء الشركات ومدراء القطاعات الملومين، حيث تُعقد جلسات استماع ومرافعات يتخللها توجيه الكونغرس التقريع للرؤساء التنفيذيين لتلك الهيئات.

 

أما الرئيس أو الكونغرس، فإنهما يلجآن إلى وضع مسافة بينهما وبين الوصفات السياسية التي يصدرونها، ويحاولان استمالة الحزبين الجمهوري والديمقراطي لصالحهما، من أجل معرفة جذور الأزمة.

 

تغيير السياسة؛ إذا كان تأثير الأزمة مدوياً، مثل الأزمة المالية العالمية الأخيرة، فإنها تطال الرئيس الأميركي، ويتأثر بها الرأي العام تأثراً كبيراً، وحينها سيحاول الرئيس طرح أجندة سياسية معينة وتقديمها لتكون كبش فداء على مذبح الكونغرس.

 

وإذا كانت الأزمة محددة وضيقة النطاق، مثل ما حدث لتويوتا عندما سحبت الألوف من سياراتها من الأسواق، فإن أعضاء الكونغرس المعنيين بالأزمة سيحاولون جهدهم إنفاذ تشريع يسعى لتنظيم بيئة قطاع السيارات، ويتم تغيير التنظيمات المتعلقة بقطاع معين عن طريق إعادة كتابة تنظيمات مدراء ومالكي تلك القطاعات من جديد، ومنحهم المزيد من الأموال لكي يقوموا بعملهم بشكل أفضل في المرات المقبلة.

 

لكن من أجل إعادة صياغة تنظيم يخص صناعة معينة، فإن أعضاء الكونغرس سيحتاجون لغطاء تشريعي، ويتأتى الخوف هنا من أن يقود التشريع الجديد إلى مزيد من الضرائب على المواطنين، والمزيد من القوانين التي لا تمت بصلة لأسباب الأزمة نفسها.

 

الدخول إلى عالم ما بعد الأزمة؛ فبعد تمرير التشريع، يستمر الإعلام بمراقبة القصة، لكن مع مرور الوقت يفقد السياسيون والعامة تدريجيا اهتمامهم بالقضية، وإذا حدثت مشكلة مشابهة، فإن صداها يكون أكبر على جميع الأصعدة، وتنال حظاً أوفر من الدراسة والتمحيص، وستبالغ الأسواق في ردة فعلها خوفاً من شبح الأزمة الأخرى التي مرت بها سابقاً.

 

وتدريجياً، سيفترض الجميع أن الأزمة تم حلها بشكل أكثر عقلانية هذه المرة، لكن الحقيقة أنه تم منح مدراء وأصحاب القطاعات سلطات ومصادر أكبر، وصارت قدرتهم على التركيز في المشكلة وخبرتهم في الخروج من المآزق أكبر.

رئيس مجموعة يوراشيا للاستشارات السياسية

==================

حملة جديدة في أميركا ضد العرب والإسلام

بقلم :د.منار الشوربجي

البيان

8/11/2010

ألقى نيوت غينغريتش خطابا شن فيه هجوما كاسحا على الشريعة الإسلامية، وصفها فيه بأنها «تهديد وجودي لاستمرار الحرية في أميركا والعالم». ونيوت غينغريتش ليس ناشطا سياسيا يعيش على هامش الساحة الأميركية، فهو من أهم رموز الحزب الجمهوري وشغل منصب رئيس مجلس النواب الأميركي في التسعينات، ثم عمل مستشارا لوزارة الدفاع في عهد بوش، ويقال إنه ينوي الترشح للرئاسة في 2012.

 

والحقيقة أنني تابعت غينغريتش عن كثب في التسعينات، فأدركت أنه من أخطر السياسيين الأميركيين على الإطلاق. ومنذ ذلك التاريخ، فإنني أتعامل مع كل ما يصدر عنه بمنتهى الجدية.

 

فالرجل غيّر فعلا وجه الحياة في أميركا، فقد انتخب أول مرة في مجلس النواب في أواخر السبعينات، حين كان حزبه في مقاعد الأقلية، وقاد مجموعة صغيرة غيرت ثقافة المؤسسة التشريعية، حيث استخدم تكتيكات صدامية كانت غريبة على هذه المؤسسة، هدفت لتعطيل الأغلبية وإحراجها.

 

ورغم أن القيادات الجمهورية تجاهلته وقتها واعتبرته ضجيجا بلا طحن، إلا أنه استطاع مع الوقت أن يجمع حوله المزيد من الأعضاء الجدد حتى صار قوة يحسب حسابها، وكان هدفه هو تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب الأغلبية في المجلسين. ومع تولى كلينتون الرئاسة في 1993، كان غينغريتش يعد العدة لإنهاء أغلبية الديمقراطيين التي استمرت أربعين عاما.

 

ومن يريد أن يعرف خطورة الرجل، عليه أن يدرس ما فعله في العامين الأولين لحكم كلينتون، وكيف عطل تشريعاته ثم هزمه بألاعيب إجرائية ومناورات بالغة الدهاء في معركة الرعاية الصحية، فكانت تلك هي الضربة القاضية التي أطاحت بالديمقراطيين من مواقع الأغلبية عام 1994. وقتها تولى غينغريتش رئاسة مجلس النواب، وصنع الأجندة السياسية وفرضها على الرئيس، حتى أن كلينتون اضطر وقتها أن يدافع عن نفسه بعبارة ذات دلالة قال فيها «ما زال لي دور«!

 

باختصار، غينغريتش من أكثر السياسيين الأميركيين قدرة على الحشد والمناورة، خصوصا من موقع الأقلية، ومن هنا تكمن خطورة الخطاب الذي ألقاه مؤخرا في معهد «أميركان انتربرايز» اليميني في واشنطن. والمسألة ليست فقط ما قاله، وإنما أن ما قاله يمثل على الأرجح نقطة البدء في حملة عدوانية جديدة على العالم العربي والإسلامي، ربما أكثر شراسة من تلك التي شهدناها في عهد بوش، وهي حملة ألمح غينغريتش إلى أنه يرتب لها بشكل أو بآخر.

 

الخطاب كان عن أفغانستان والأمن القومي الأميركي، لكن غينغريتش هاجم الشريعة الاسلامية، معتبرا أن ذلك هو السياق الصحيح الذي ينبغي أن يناقش فيه الموضوع. فهو اعتبر أن الموجودين في مواقع المسؤولية في أميركا، لا يريدون الاعتراف بالخطر الداهم الذي يتهدد الولايات المتحدة، والذي قال إنه يتمثل في تهديدات ثلاثة.

 

الأول؛ هو «الإسلام الراديكالي، المتشدد منه والمتخفي». فالإسلام المتشدد حسب تعريفه، هو ذلك الذي يؤمن باستخدام القوة المسلحة، بينما المتخفي هو الذي يؤمن بالوسائل السياسية والثقافية والفكرية، ولكن يشترك في هدفه النهائي، وهو فرض الشريعة على العالم كله مثل الإسلام المتشدد.

 

ولذلك، فإن المعركة ضد الشريعة تقع في القلب من المعركة ضد «حركة» العدو التي تفرز الإرهابيين. أما التحدي الثاني فهو المنافسة بنجاح مع الصين والهند، والبقاء في موقع الاقتصاد الأول والأكثر تقدما في العالم. وقد ربط غينغريتش ذلك التحدي بالتهديد الأول، حيث اعتبر أن التفوق الاقتصادي هو المفتاح لهزيمة العدو الإسلامي، مثلما كان الحال مع العدو الشيوعي والنازي.

 

أما التحدي الثالث فهو ما أسماه بالتأثير المدمر للتيار «العلماني الاشتراكي» الأميركي، الذي لا يريد الحديث عن الخطر الإسلامي والاعتراف به. والحقيقة أن تلك هي نفسها لغة المحافظين الجدد، الذين طالما اعتبروا أن أعداء الداخل لا يقلون خطورة عن أعداء الخارج. ولما كان غينغريتش قد اتهم أوباما صراحة بأنه اشتراكي وعلماني، فإن التهديد الثالث ليس فقط اليسار الأميركي، وإنما إدارة أوباما نفسها!

 

لكن غينغريتش قال إنه سيخصص ذلك الخطاب للتركيز على التهديد الأول، ومن ثم أسهب في حديثه عن خطر الشريعة الإسلامية، التي اعتبر أنها صارت تتسلل إلى المجتمع الأميركي، ويسعى الراديكاليون لفرضها فرضا على ذلك المجتمع.

 

وقد شن هجوما حادا على جامعة هارفارد، لأنها استعانت ببعض الأساتذة المتخصصين لتدريس الشريعة، وعلى كل الجامعات الأميركية التي تدرس نموذجا للإسلام وصفه بأنه «من باب الدعاية الواضحة«، لأن الشريعة في شكلها الأصلي تنطوي على مبادئ وعقوبات «بغيضة بالنسبة للعالم الغربي».

 

ثم أسهب الرجل في إعطاء الأمثلة الملفقة التي لا تفرق بين سلوك بعض المسلمين وبين الإسلام نفسه، ليخرج بنتيجة مؤداها أن أميركا تواجه خطرا داهما يتهددها، ويتمثل في «تسلل الشريعة» إليها تمهيدا لفرضها. وقد ألمح غينغريتش إلى أنه بصدد العمل على إيجاد استراتيجية شاملة، يتم تطويرها عبر الفترة القادمة من أجل المواجهة. وهي المواجهة التي أكد أنها سوف تستغرق عقودا، ربما أطول من تلك التي استغرقتها المواجهة مع الشيوعية.

 

ما لا يقل أهمية عن كل ذلك، هو أن غينغريتش حدد للمواجهة جبهات ثلاث، أولاها على الأرض الأميركية نفسها، التي حذر من أن الشريعة «تتسلل إليها» بالفعل ويسعى الراديكاليون المسلمون لفرضها «على المجتمع الأميركي»، وثانيها الجبهة الأوروبية. أما الجبهة الثالثة فهي سبع دول في الشرق الأوسط، هي أفغانستان وباكستان والعراق وإيران والسعودية ومصر، وما أسماه «الحدود الإسرائيلية»!

 

حين قرأت الخطاب سألت نفسي، ماذا يا ترى سيكون رد فعل السفارات العربية والإسلامية في واشنطن إزاء ما قيل عن الإسلام «المتشدد» منه و«المتخفي»؟ بل وما قيل علنا بحق الشريعة ذاتها وتلك الحملة المزمعة عليها؟!

كاتبة مصرية

==================

إسرائيل والقلق من جدوى الحرب لتغيير المعادلات

بقلم :محمود حيدر

 البيان

8/11/2010

في إسرائيل هذه الأيام حالة قلق من جدوى الحرب كسبيل لتغيير المعادلات. ولو قاربنا الحالة الإسرائيلية بعد حرب يوليو/ تموز 2006 ثم حرب غزة 2009، لوجدنا الكثير مما يحوِّل تلك النزعة إلى ظاهرة سوسيولوجية راسخة.

 

المناخ الإسرائيلي ذو الطابع التشاؤمي، يتكئ على جملة من الحقائق السوسيوثقافية والنفسية، ستكون لها فعالية تأسيسية في سياق البحث عن إخفاقات الحرب مع اللبنانيين والفلسطينيين. وينطلق هذا التنظير من أطروحة تقول إن الضعفاء هم غالباً الأكثر عقلانية، فهم بحسب هذا التنظير يقيسون موازين القوى بمعايير أكثر دقة مما يتصرف المنتصرون إزاءها..

 

يقول الجنرال الإسرائيلي المتقاعد فان كريفيلد: «عندما كنا في الماضي ضعفاء كنا عقلاء وجسورين فحقَّقنا الانتصار، لكن تحولات جذرية طرأت على الصراع لتصبح المعادلة مقلوبة تماماً. فلقد بدأت المشكلة في لبنان عندما باشرنا بقتال من هم أضعف منا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نمضي من فشل إلى آخر».

 

إزاء هذه المعادلة المثيرة، ينخرط الإسرائيليون ضمن نقاش محوره السؤال التالي: هل من سبيل يعيد الأمور إلى نصابها الأول، أي إلى الحالة التي تستطيع فيها إسرائيل مغادرة الإحساس بالوهن والتموضع فوق عصب جديد من الاقتدار المستعاد؟

 

تذهب تقديرات الخبراء إلى أن المستوطنين، هم القطاع الوحيد الذي لا يزال يملك الحافز والروح القتالية في المجتمع «الإسرائيلي». غير أن هذا القطاع رغم قوته المتأتِّية من طبيعته التكوينية كظاهرة مدنية عسكرية مركبة، لم ينجُ من نزعة التشاؤم. لكن المستوطنين لا يعادلون ما نسبته 110 بالقياس على العرب، ولذلك فلن يحققوا الشيء الكثير، فضلاً عن أنهم يعرفون أنَّ هذا الصراع خاسر.

 

الخط الانحداري الذي بلغ مع حرب تموز 2006 مستويات أكثر عمقاً مما كان يتوقعه كثير من علماء المستقبليات في إسرائيل، راح يستأنف مساره المدوِّي في تجربة الحرب على غزة. لهذا لم يكن من الغلو أن ينبري عدد من الباحثين الإسرائيليين إلى حدّ التصريح بأنه «إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسوف نصل إلى مرحلة تنهار فيها دولة إسرائيل».

 

ثمة مشهد آخر من الكلام الساري على فضاء التشاؤم، فقبل بضعة أعوام مضى الكاتب السياسي الإسرائيلي أهارون، ليطرح بكثير من المرارة، سؤالاً لافتاً ويحمل دلالة بالغة: «أحقاً نحن أقوياء»؟ وهو إذ يجيب بأنَّ إسرائيل هي حقاً قوية من الناحية التقنية العسكرية، فلا يسعه إلاَّ أن يرثي أحوال هذه القوة، ما دامت في رأيه غير قابلة للاستعمال.

 

يُنظر إلى هذا الشعور على أنَّه من أكثر الزوايا الحادة التي يجد الإسرائيليون أنهم أسرى جدرانها المغلقة. في الماضي القريب لم تكن ثمة مشكلة تطرح نفسها على هذا النحو. كانت القوة قابلة للاستخدام في أية لحظة ضد عرب الأراضي المحتلة عام 1967، وضد فلسطينيي 1948، ناهيك عن الحروب والمعارك الخاطفة التي اعتاد أن يشنّها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.

 

وليس من شك في أنَّ الوعي الإسرائيلي امتلأ على مدى أكثر من نصف قرن، بحقيقة أنَّ لدى إسرائيل من القوة ما يمكنها من إحراز أي انتصار على العرب بيسر نادر، وأنَّ مبدأ القوة واستعمالها حين الضرورة، سواء كتدبير احترازي أو لردع حرب محتملة، هو المبدأ الذي يستحيل على الدولة العبرية أن تتجاهله إذا هي قررت البقاء والحياة في منطقة مملوءة بالأعداء من كل جانب. غير أنَّ هذه الحقيقة سوف تأخذ مساراً معاكساً على امتداد العقدين المنصرمين.

 

في المجتمع السياسي الإسرائيلي شرائح وازنة أدركت حقيقة اللاَّجدوى من الحرب الكلاسيكية. ولقد أعطت الانتفاضة الفلسطينية نماذج أكيدة على الشلل الذي يصيب الآلة العسكرية الإسرائيلية، جراء استخدام سلاح شعبي لم تعتد إسرائيل على مواجهته. ويعترف كثيرون من السياسيين والخبراء بواقع أن إسرائيل لم تُظهر أي استعداد حقيقي لمكافحة الانتفاضة، فضلاً عن العمليات الفدائية الاستشهادية داخل ما يسمى «الخط الأخضر»، أو على خطوط إمداد الجيش في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

ومن هؤلاء من وجد أن الإثبات البسيط لعدم كون إسرائيل قوية، هو الحقيقة التي لم تعد تخفى على أحد، أي فشل منطق القوة في إنهاء حركة الصعود الفلسطيني في المجالين السياسي والعسكري. والتساؤل الذي يطرح بقوة ولا يزال، هو أنه إذا كانت إسرائيل لا تزال تملك القوة حقيقة، فلماذا لم تستطع كسب معركة استنزاف مروِّعة فرضت عليها فرضاً منذ الثمانينيات؟

 

والحجة التي عكف عليها منتقدو الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، في ما يتعلق باستعمال القوة أو عدمها وأثرها على سقوط نظرية الأمن، تدَّعي أنَّ «الأقلية» يجب ألا تخسر أمام الأغلبية، إذا ما كانت ترغب في الحياة في منطقة مملوءة بالأعداء ومناخات العنف.

 

غياب الثقة التدريجي بمبدأ القوة التقليدية الإسرائيلية وتفوّقها، سوف يُضاف بعد الحرب المبتورة على غزة، إلى نوازع الشك القوية التي تغزو المجتمع الإسرائيلي. ويعترف كثيرون بأنَّ المعادين لإسرائيل اكتسبوا معارف سياسية وأمنية فائقة الخطورة، وهي تتمثَّل أساساً في اكتشاف نقاط ضعفها.

 

ولئن تمكنت الآلة العسكرية الكلاسيكية على مدى حروب متواصلة من إخضاع الجيوش العربية، أو على الأقل من ردعها عن تحقيق انتصار كبير على إسرائيل كما حصل في حرب 1973، فإنَّها (الآلة العسكرية) بدت عاجزة، ومشلولة خلال حربين متعاقبتين على جبهتي الشمال والجنوب، بين الأعوام 2000 و2006 و2009.

 

التحول الذي يظهره السجال الإسرائيلي الحالي حول نقاط قوة وضعف إسرائيل، يتوسع باستمرار. ومع هذا التوسُّع تتراكم نزعات الشك في مسار سياسي أمني، راحت إسرائيل تفتقد معه عوامل القدرة التقليدية على التفكير الجدّي في شن حرب تعيد التوازن والتماسك لمجتمعها السياسي والعسكري والمدني. والواضح أن أحد أبرز الأسباب الباعثة للخوف لدى الإسرائيليين، هو تفكُّك كتلتهم التاريخية واضمحلال الإجماع القومي..

 

وهو ما نجده بوضوح لا يقبل الشك، في الوضعية التي تعيشها حكومة بينيامين نتانياهو منذ تشكيلها. لقد كان التشكيك في عمل وأداء القيادتين السياسية والعسكرية، عاملاً مهماً في إعادة ترميم التصدعات ومناطق الخلل..

 

فرغم الاحتقان ضد القيادة، ظلت تتوافر غريزة جماعية تدفع المجتمعين السياسي والعسكري للاتحاد عندما يكون هناك خطر خارجي، أما الآن فقد تعرضت تلك الغريزة الجماعية إلى ضرب من الاهتزاز، نتيجة المراجعات الذاتية بين الإسرائيليين، ونشوء مناخات عارمة توحي بنهاية تاريخ كامل من القوة والاقتدار.

باحث ورئيس تحرير«مدارات غربية

==================

هل هي مجرد غلطة؟

آخر تحديث:الأربعاء ,11/08/2010

ميشيل كيلو

الخليج

يشعر المرء بالاستفزاز، كلما سمع “خبيراً” أمريكياً أو غربياً أو عربياً يتحدث عن غزو العراق باعتباره “غلطة” . تقدم التلفازات والصحف العربية والأجنبية لنا بصورة يومية نقاشات وحوارات موسعة يسهم فيها “خبراء” غربيون وصحافيون محترفون يعترفون بأن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن الحرب ضده كانت رد فعل أملاه خوف غير مبرر من إرهاب يمكن أن يأتي منه، كان وليد عقلية مغلقة وأفق ضيق اتسم بهما الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن . بعد هذه المقدمات والتوضيحات، يقر “الخبراء” بلهجة تعتذر أو تدين أن الحرب كانت غلطة .

 

ويعتقد أصحاب هذه “النغمة” أنهم يقفون بأقوالهم هذه إلى جانب الحق، ويتبنون وجهة نظر مطابقة لرأي العرب، ويؤيدون مواقف الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، التي أكدت في حينه خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، لكن السياسة الأمريكية تجاهلت هذا الرأي، ثم كذبته على لسان وزير خارجيتها السابق كولن باول خلال جلسة شهيرة لمجلس الأمن، قبل أن تندفع إلى غزو يؤكد هؤلاء أنه كان غلطة يتحمل مسؤوليتها الشخص الذي اقترفها: جورج بوش اللعين .

 

في هذا المنطق، يشبه غزو العراق اصطدام شخص بآخر في الشارع، وهو حدث عابر يكفي لنسيانه اعتذار يقدمه أحدهما للآخر . غير أن هذا المنطق لا يتفق وحالة العراق . أما الاعتراف بأن الغزو الأمريكي كان خطأ فهو ليس في الحقيقة اعتذاراً كي يكون مقبولاً، بالنظر إلى آثار الغزو الفظيعة والإجرامية بالنسبة إلى العراق: دولة ومجتمعاً، وإلى دول ومجتمعات المنطقة العربية عموماً، التي بدّل الغزو أوضاعها وأدخلها إلى سياقات جديدة، وأخيراً بالنسبة كذلك إلى الإقليم الشرق أوسطي، الذي بدأت تتشكل فيه تحالفات وعلاقات تختلف من أوجه عديدة عن تلك التي عرفها طيلة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .

 

هل صحيح أن الغزو كان غلطة؟

 

في معرض الرد على هذا السؤال المهم، من الضروري، بداية، التذكير بأن كبار استراتيجيي أمريكا طالبوا منذ عام ،1970 أي قبل وصول صدام حسين إلى سدة الحكم، باحتلال العراق، انطلاقاً من اعتبارات كونية تلزم بلادهم بغزوه واحتلاله، وإلا فقدت هيمنتها على المجال الأوروبي - الآسيوي علماً بأنها أول قوة في التاريخ تسيطر وتهيمن عليه من خارجه- التي حققتها خلال صراع ضار مع السوفييت والعالم النامي، ولا يكفل استمرارها شيء غير احتلال العراق: درة العالم الاستراتيجية وموقعه المركزي المتحكم في آسيا وإفريقيا وأوروبا، وفي نفط حوضي الخليج ودول الاتحاد السوفييتي الإسلامية السابقة . وزاد من ضرورة احتلال العراق وقوع الثورة الإسلامية في إيران، وانهيار السوفييت، الذي فتح الباب واسعاً أمام إمساك أمريكا بالمواقع والممرات البرية والبحرية العالمية، وبالمناطق التي لم يكن لها وجود جدي فيها، مما يفسر اندفاعها نحو البلقان، ووسط وجنوب إفريقيا في تسعينات القرن الماضي، وتمركز قواتها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية السابقة، واحتلال أفغانستان، وأخيراً احتلال الموقع العراقي، الذي يربط هذه المناطق جميعها بعضها ببعض ويجعل السيطرة عليها ممكنة لأمد طويل .

 

وكان الأمريكيون يسعون إلى احتلال العراق مباشرة، بأي ثمن وتحت أي مسوغ، حتى إنهم رفضوا عرضاً فرنسياً بإسقاط النظام على يد ضباط عراقيين أرادوا تجنيب وطنهم كأس الحرب المرة، وأدركوا أن ولاءهم لرئيسهم لا يجوز أن يسمو على ولائهم لوطنهم، فاتصلوا بباريس وأبلغوها باستعدادهم لإطاحة الرئيس مقابل عدم شن الحرب على العراق وتدمير جيشه واحتلاله . رفضت أمريكا هذا العرض وأعلنت بلسان وزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت عزمها على غزو واحتلال العراق، حتى إن كانت تديره حكومة موالية لها . وللعلم، فإن هذا حدث أيام رئاسة بيل كلينتون، ولم يحدث أيام جورج بوش، الذي تحمله اعتذارات “الخبراء” المسؤولية عن غزو واحتلال العراق .

 

بقول آخر: إن العمل لاحتلال العراق سابق لإدارة بوش، وهو خط استراتيجي رئيس في سياسات أمريكا حيال العالم، تابعه رؤساء مختلفون في كل شيء متفقون على الهدف: احتلال العراق، الذي احتل رأس قائمة الأولويات بعد سقوط السوفييت، خلال رئاسة بوش الأب، مروراً برئاسة كلينتون، الذي قام بخطوة حاسمة على الدرب إلى العراق هي احتلال البلقان، بعد تحييد أوروبا، القارة التي يحتل مكاناً مهماً فيها، وكانت مشكلاته سبباً مباشراً لنشوب الحرب العالمية الأولى بين دولها، وصولاً إلى جورج بوش الابن، الذي وجد الطريق سالكاً، فأرسل جيش الغزو والاحتلال، بحجة لم يعارضها يومئذ معظم “خبراء” المنطقة الغربيين: هي وجود أسلحة دمار شامل لدى بغداد، ستستخدمها حتما ضد “إسرائيل” المسكينة .

 

كان هذا كله قبل الاحتلال، فماذا وقع خلاله وبعده؟

 

- تم تفكيك العراق وأبقيت وحدته معلقة بخيط رفيع تستطيع أمريكا قطعه في أي وقت، وتم القضاء على جيشه وإدارته ودولته الموحدة، وتم تفتيت مجتمعه ورده قروناً إلى الوراء: إلى زمن الصراعات الطائفية والمذابح المذهبية، وتم وضع اليد على قراراته وخياراته عبر إعادة بناء أجهزته بطرق تناسب المحتل وبعض القوى الإقليمية . وأخيراً، تم وضع اليد على ثرواته وأمواله ونفطه، ووقع ربطه بشركات متعدية الجنسية امتهنت نهب البلدان النامية والفقيرة، والاستيلاء على خيراتها واستغلال شعوبها واضطهادها، والتحريض على استعمال القوة ضدها واختراقها .

 

- وتم كذلك تسليط طبقة سياسية على العراق لطالما تغنت بالديمقراطية وألزمت نفسها بها، وحين وصلت إلى السلطة جعلت الناس العاديين، في العراق وخارجه، يندمون على صدام حسين ونظامه، ويحنون إلى أيام كانوا لا يقتلون فيها كالذباب، ولا يختطف أولادهم ويغتصبون ويشوهون، ولا يقتل العراقي العادي على الهوية، ولا يموت جوعاً، لأن السلطة كانت تتكفل ببعض طعامه القليل ولكن الذي يقيه غائلة الموت . وتم كذلك إحداث شروخ في الجسد السياسي العراقي، تمنع تفاهم مكوناته على أي أمر عام أو مصلحة عليا، أفقدت القوم إيمانهم بوطنهم، وأجبرتهم على الفرار منه وإفراغه، وصار تشكيل حكومة تضم شتات الساسة أملاً عصياً على التحقيق، ولم يعد العراقي أخاً، بل أصبح ذئباً للعراقي، خاصة إن كان مختلفاً عنه في المذهب والإثنية والمصلحة والانتماء الحزبي .

 

هذه “الإنجازات”، التي ليست غير غيض من فيض، لا يصح أن تعتبر غلطة اقترفها شخص، ومن غير المقبول إطلاقاً نسبتها إلى معلومات غير صحيحة لدى أمريكا . إنها جريمة بكل معنى الكلمة: جريمة ضد الإنسانية وضد كل مواطن وفرد عراقي، سواء بقي في وطنه أو تركه إلى أرض الله الواسعة . من غير الجائز وصف ما وقع بكلمات تخفيفية ترى فيه غلطة، كأن موت مليون عراقي أمر يمكن محوه والاعتذار عنه بأية كلمات أو لغة، أو كأن وسم ما حدث بالغلطة يكفي لإعادة الروح إلى من فقدوها، والمنازل إلى من هدمت على رؤوسهم أو أخرجوا منها، والوطن إلى من طرد أو فرّ منه، والدولة إلى مواطنيها، وهؤلاء إلى دولتهم، أو كأن مشكلات العراق تحل بمجرد الإقرار بأن ما عاشه كان غلطة رجل .

 

لا يجوز بأي حال من الأحوال قبول ما يقوله “الخبراء” الغربيون والعرب حول غلطة بوش، ولا يحق لأحد التفكير في الإطار الذي تمليه، ويسمح باستمرار جريمة تتخذ كل يوم أشكالاً جديدة، منها تقسيم العراق، ونشوب حرب أهلية بين مذاهبه وإثنياته، وضياع ثرواته وأمواله . . . الخ . لا صفح عن الجريمة، حتى إن عوضت أمريكا العراق وشعبه عما أنزلته بهما من أذى، وغادرته إلى غير رجعة، وأقلعت عن التدخل في شؤونه، وتركته يتدبر أموره وطلبت غفرانه .

 

لا يستطيع الكلام محو الجرائم التي ارتكبت ضد العراق البارحة، وتلك التي قد ترتكب ضده وضد العرب غداً، ولا علاج لهذه الجرائم غير معاقبة من ارتكبوها وتقديمهم تعهدات دولية ملزمة بعدم تكرارها تحت أي ظرف وضد أي كان، لأي سبب كان .

 

ليس ما حدث للعراق غلطة، إنه جريمة دولة ونظام وطبقة سياسية . إذا لم نتعامل معه بهذه النظرة، فإننا نرتكب جريمة كبرى بحق أنفسنا، لأننا نجعل ارتكاب الجرائم القادمة ضدنا أمراً سهلاً ومقبولاً، مثلما جعلناها ممكنة وسهلة ضد العراق، بحجج وذرائع شتى، استغلتها أمريكا في العراق، ولكن ضدنا جميعاً . ليس ما حدث غلطة، ولا يجوز أن ننتظر ما سيحدث، لأنه سيقال لنا بعد وقوعه إنه كان غلطة اقترفها أوباما أو غيره، بناء على معلومات خاطئة . من يغلط بحق غيره يعاقب، ولا أقل من أن يعاقب العرب والعالم من أجرم بحق واحدة من أكثر دولهم أهميةً وقوةً وقدرةً على حماية وجودهم الوطني والقومي من دون ذنب اقترفته .

=================

دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً

آخر تحديث:الأربعاء ,11/08/2010

عبدالحسين شعبان

الخليج

ظلّ الجدل والنقاش الاستراتيجي “الإسرائيلي” متواصلاً، في ما يخص الردع النووي رغم تباين توجهاته، وهيمنة استراتيجية الغموض عليه، إلاّ أن هناك من يدعو إلى التحوّل نحو استراتيجية ردعية واضحة، يتمّ من خلالها تحديد خطوط حمر على الخريطة لا يُسمح بتجاوزها، لاسيما في حال تمّ الانتقال من نظام الدفاع التقليدي إلى نظام الدفاع النووي أو تفعيل الترسانة النووية .

 

ومثل هذه الخطوة تتطلب إظهار القدرات النووية الردعية وتحديد الشروط المسبقة لاستعمال السلاح النووي، كما تتطلب العمل على توفير نظام ردع فعّال ضد الأطراف المعادية، بحيث يسهم إزالة الغموض في إزالة الخطر على نحو حاسم .

 

أما الاتجاه الثاني، فيتمسك باستمرارية الغموض النووي، لاعتقاد أصحاب هذا الرأي بأن إزالة الغموض ستؤدي إلى انكشاف “إسرائيل” أمام أعدائها، وخصوصاً في سباق التسلح التقليدي الذي لا تضمن التفوق فيه، بسبب أوضاعها الاقتصادية والجغرافية والديموغرافية، في مواجهة بلدان عربية شاسعة وممتدة ومتنوعة .

 

وكان بيغن من أوائل المروّجين لهذه النظرية، بهدف منع أي طرف عربي من امتلاك القدرة النووية، حتى إن استدعى الأمر عملاً عسكرياً مضاداً، كما حدث في تموز /يوليو 1981 من قصف مدّمر للمفاعل النووي العراقي . ولعل ذلك ما يهدد باحتمال إقدام “إسرائيل” على قصف المفاعلات النووية الإيرانية، بغض النظر عن التداعيات الإقليمية والدولية التي ستنتج عن هذا الخيار .

 

وحسب شمعون بيريز فإن امتلاك “إسرائيل” للقدرات النووية هو ما دفع العرب والفلسطينيين للإذعان والذهاب إلى طاولة المفاوضات للتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، وإبرام معاهدات الصلح المنفردة والسير في مسالك التطبيع .

 

وهناك اتجاه آخر في الوسط “الإسرائيلي” محدود جداً، يدعو إلى التخلي عن السلاح النووي، بسبب مخاوفه من هذا الانتشار في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أنه يرى أن الجغرافيا والديموغرافيا العربية ستكون قادرة على تعطيل أي ردع “إسرائيلي”، في ميزان الرعب العربي- “الإسرائيلي”، وبالتالي فإن “إسرائيل” ستكون عرضة للخطر، وستعود سيناريوهات الحروب التقليدية للظهور مما يسبب الإنهاك “الإسرائيلي” على جميع الصعد .

 

وحسب المنطق “الإسرائيلي”، فإن الاعتقاد السائد منذ إنشاء مفاعل ديمونة في صحراء النقب العام 1955 وحتى يومنا هذا، بأن امتلاك “إسرائيل” للقدرات النووية هو المدخل المناسب لإجراء أية تسوية، علماً بأن “إسرائيل” ترفض الانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعمد إلى المبالغة في إضفاء هالة من الغموض حول برنامجها النووي، رغم أن امتلاكها للترسانة النووية واضح ومكشوف للعالم أجمع .

 

وكانت قمة أوباما - نتنياهو التي عقدت مؤخراً في واشنطن قد أعادت مجدداً طرح مسألة السلاح النووي “الإسرائيلي”، لاسيما بعد ما تردد في الكواليس عن تباعد في المواقف الأمريكية - “الإسرائيلية”، إثر إدلاء البعض في وزارة الخارجية الأمريكية بتصريحات تدعو “إسرائيل” إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، في سبيل إقامة شرق أوسط خال من كل أسلحة الدمار الشامل، وقد سبق أن تبنّت وزارة الخارجية الأمريكية بموجب وثيقة صادرة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقد في أيار/مايو الماضي، الدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي في العام 2012 بمشاركة جميع دول المنطقة، من أجل السعي لإقامة منطقة منزوعة السلاح النووي .

 

وقد دعت هذه الوثيقة “إسرائيل” إلى ضرورة الانضمام إلى المعاهدة ووضع جميع منشآتها النووية تحت نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية . وعلى الرغم من أن الدعوة لانعقاد هذا المؤتمر لا تحمل صفة الإلزام، كما أن الإشارة إلى “إسرائيل” لا تشكّل إلزاماً عليها، إلا أن مجرد دعوتها إلى هذا المؤتمر وذكرها بالاسم سبب استياءً “إسرائيلياً”، اعتبره نتنياهو والحكومة “الإسرائيلية” تراجعاً أمريكياً عن مواقف واشنطن التقليدية تجاه “إسرائيل”، مما أوجد نوعاً من الاحتكاك “الإسرائيلي” - الأمريكي . لكن هذا القلق “الإسرائيلي” سرعان ما تمّ تبديده خلال القمة الثنائية (التاريخية حسب بعض التوصيفات) بعد حصول “إسرائيل” على موافقة واشنطن بمنحها المواد الضرورية واللازمة لتشغيل مفاعلاتها النووية للأغراض المدنية، وهو ما حلّ عقدة الحصول على بعض المواد التي كانت تعاني في سبيل الحصول عليها مؤخراً، بسبب عدم انضمامها إلى نظام الضمانات الدولية التي توفرها الوكالة الدولية .

 

لقد لفت انتباه المراقبين، أنه إذا كانت العلاقات الأمريكية - “الإسرائيلية” قد شهدت توتراً عقب وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وخصوصاً بعد التصريحات الرسمية التي صدرت عن إدارته بخصوص السعي لإقامة دولتين ودعوة “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، إلا أنهم رأوا أن القمة الثنائية التي عُقدت بين نتنياهو وأوباما مؤخراً، أتت نتائجها لتصب في صلب الموقف “الإسرائيلي” من الترسانة النووية، وتبني خطة نتنياهو بشأن المفاوضات المباشرة .

 

إن دعم تل أبيب نووياً من قبل واشنطن يعني تفعيل التفاهم الأمريكي- “الإسرائيلي” لتنظيم العلاقات بين البلدين انطلاقاً من اتفاق العام ،1969 الذي تمّ التوصل إليه بين الرئيس الأمريكي نيكسون ورئيسة الوزراء “الإسرائيلي” غولدا مائير بعد فشل عدة محاولات أمريكية للضغط على “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية .

 

أما مضمون التفاهم الجديد فهو يقضي باستمرارية الغموض النووي “الإسرائيلي”، على ألا تكون هنالك تجارب نووية جديدة، مع مراعاة عدم الضغط على “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي كلها شروط “إسرائيلية” بامتياز، الأمر الذي عُدّ تراجعاً أمريكياً أقرب إلى الترضية، ونجاحاً “إسرائيلياً”، أقرب إلى رد الاعتبار .

 

لقد عزّزت قمة نتنياهو - أوباما الاستراتيجية “الإسرائيلية” بشأن الردع النووي، لكونها وسيلة ضغط “إسرائيلية” على السلطة الفلسطينية وقيادة حماس والدول العربية لقبول المدخل “الإسرائيلي” للتسوية وفرض هيمنتها على المنطقة، وهذا هو جوهر التفاهم الأمريكي “الإسرائيلي” خلال العقود الأربعة الماضية ونيّف، أي منذ عدوان حزيران/يونيو العام 1967 والذي تعزز باتفاق نيكسون-غولدا مائير بالأمس، وتمّ تجديد تأكيده في قمة أوباما نتنياهو اليوم .

باحث ومفكر عربي

==================

«حزب الله» شارلوك هولمز لبنان

الاربعاء, 11 أغسطس 2010

رندة تقي الدين

الحياة

لا شك في أن المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصرالله كان بارعاً في تصوير حقيقة الكل يعرفها، وهي نيات إسرائيل التخريبية في لبنان وزعزعة استقراره وعدم الرغبة في انتعاشه الاقتصادي. وقد أثبت تاريخ لبنان الحديث منذ الحرب الأهلية واقعاً يعترف به كل مواطن لبناني صادق وموضوعي. إلا أن الوثائق التي عرضها الأمين العام ل «حزب الله»، خصوصاً الصور الملتقطة من طائرات إسرائيلية ليست براهين قاطعة. فلا أحد يشك في أن باستطاعة إسرائيل أن تلتقط مثل هذه الصور، وأن تعمل على متابعة مواكب مسؤولين ورؤساء في لبنان، إلا أن المؤتمر الصحافي لم يكن قاطعاً ومقنعاً ببراهين ملموسة.

فاليوم مع تطور تكنولوجيا المعلوماتية من السهل صنع وثائق مصوّرة على الطريقة التي يريدها صاحبها. فالإقناع بمثل هذه الوثائق المصورة يذكر بمسلسل شارلوك هولمز، المحقق البريطاني. والارتكاز على هذه الوثائق يعادل ما يشكو منه الأمين العام للحزب بالنسبة الى التحقيق الدولي، وهو الارتكاز على الشهود الزور. إلا أنه يغض النظر عن أن التحقيق الدولي، منذ المحقق الدولي سيرج برامريتز وبعده دانيال بلمار، تخلّى في تحقيقاته عن براهين الشهود الزور ولم يعتمد عليها، وهذا ما أدى الى الإفراج عن الضباط الأربعة، والمحقق الدولي والمدعي العام الآن دانيال بلمار مسؤول قضائي لا علاقة له بالسياسة ولا أحد بإمكانه التأثير عليه، حتى ولو أراد.

وقد طلب بلمار التحقيق مع عدد من الدول، بينها إسرائيل. والقول إن المحكمة لا تحقق مع جميع الدول المعنية غير دقيق. فمنذ البداية طلبت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التعاون من عدد من الدول. وتركيز الكلام والإشاعات حول التحقيق الدولي وعمل دانيال بلمار يشبه نمط مسلسلات شارلوك هولمز.

فالمؤتمر الصحافي غض النظر كلياً عن الظروف السياسية التي سبقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتمديد للرئيس السابق إميل لحود وعواقبه والجو السياسي المحلي والإقليمي الذي ساد نتيجته. فكأن هذه الظروف لم يكن لها تأثير، وهي غابت كلياً عن تحقيق الأمين العام. فالموضوع كان غائباً عن المؤتمر الصحافي، علماً أنه أصبح جزءاً من تاريخ لبنان اعترف به آنذاك حلفاء «حزب الله» اليوم، وهذا يظهر في تصريحات العماد عون عندما كان في باريس. فهذا كان واقع الوضع اللبناني الداخلي والإقليمي في الفترة التي سبقت اغتيال الحريري وكل الشهداء الذين سقطوا بعده. أما بالنسبة لما رواه نصرالله، نقلاً عن القيادة السورية، «أن قائداً عربياً حاول إقناعها بإعطائها لبنان مقابل سحق قوات حزب الله في الجنوب فهذا يذكر بما يقوله الإسرائيليون باستمرار للقيادات الأميركية والغربية أن إسرائيل تفضل بقاء لبنان تحت السيطرة السورية لأنها وحدها سورية تضبط قوات «حزب الله». فإسرائيل منذ الحرب الأهلية وإبعاد ياسر عرفات من لبنان راغبة في الهيمنة السورية عليه لقناعتها بضعف الحكم اللبناني وأن وحدها القيادة السورية بإمكانها ضبط «حزب الله».

العرض الوثائقي، في المؤتمر الصحافي، وكل ما قاله نصرالله عن العملاء اللبنانيين لإسرائيل سيؤخذ في اعتبار المحقق الدولي. فبلمار لم ينته من تحقيقه بعد ولم يضع القرار الظني بعد. وكل ما أورده نصرالله سيكون مفيداً في إطار تحقيق بلمار الذي يدرس كل الاحتمالات والوثائق إلا أنه يبحث عن براهين دقيقة وملموسة على الصعيد القضائي البحت.

وما تقدم به نصرالله سيكون حتماً موضوع درس من اللجنة الدولية التي تعمل بجدية وموضوعية. فالتشكيك بعمل بلمار أمر سلبي. ومحاولة اقناع الدول التي أشرفت على إنشاء المحكمة بأنه من الأفضل تأجيل القرار الظني لأنه سيؤدي الى حرب أهلية في لبنان لن تنجح لأن بلمار مستقل كلياً والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان كمحكمة رواندا وكوسوفو لا يمكن إزالتها.

==================

استراتيجية الكذب

الافتتاحية

الأربعاء 11-8-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

ولدت إسرائيل من كذبة.. واعتمدت سياسة الكذب «المدروس» إلى درجة استطاعت فيها أن تضلل العالم تقريباً.. طبعاً ليس كل العالم ولن يكون لكل الزمان، كما هي حال الكذابين واستراتيجية الكذب بشكل عام.

«دولة مسالمة لجموع من اليهود المعذبين المهجرين من بقاع الأرض، تنشد الأمن والحياة الهادئة.. الخ».‏

في إطار ذلك.. كل من يقترب من هؤلاء «المعذبين» هو شريك في عذاباتهم عبر التاريخ.‏

المأزق الإسرائيلي اليوم.. ليس في انكشاف هذا الزيف وظهور إسرائيل على حقيقتها فحسب.. بل في الرداء الذي ارتدته بنفسها وخيارها.. فهي حاربت العالم تحت شعار «معاداة السامية» الكاذب.. لتستلب القوى العظمى هذا الشعار منها.. وتستبدله بآخر ربما يكون الإرهاب مثلاً أو دعم الإرهاب.. وبالتالي ما كانت إسرائيل تثيره لأسباب سياسية باسم معاداة السامية فقد بريقه وظهر مكانه سياسة غربية عنوانها مكافحة الإرهاب.. بحيث يتخذ أمن إسرائيل حجة لتوصيف الإرهاب ومحاربته.‏

إلى الآن إسرائيل متفاهمة.. متحالفة مع الغرب، مع الاستخدام السياسي للمصطلحين.. لكن..‏

عندما يفرغ الغرب من الاستثمار السياسي لهذا الشعار، ستجد إسرائيل نفسها فارغة المضمون مهما حققت من قوة وتطور.‏

أعتقد أن بعض اليهود يعرفون هذه الحقيقة.. أي يعرفون أن الغرب الذي تستخدمه إسرائيل لحمايتها ودعمها «ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية» هو يستخدم إسرائيل أيضاً لتفصيل وتوزيع العالم بناء على مصالحه مغطى بلافتة الموقف من إسرائيل.‏

لم تخشَ إسرائيل في الماضي الفضائح المرتبطة بالكذب والتآمر والإرهاب.. لأنها كانت قادرة على كسب معارك الإعلام والدعاية بسهولة.. أما اليوم فهي بالتأكيد تواجه مآزق صعوبة التخفي.‏

ما أذاعه سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أمس الأول على شاشة «المنار» وفي إطار مؤتمره الصحفي.. ضرب أركان الوجود الإسرائيلي، أي الكذب.. مع الاحترام غير الكامل لوجهات نظر أسرعت لتقول: ليس فيما ذكره سماحة السيد دليل إدانة.‏

ما أذاعه قد لا يكون دليل إدانة جنائية كاملاً.. لكنه إماطة اللثام عن جانب مهم من جوانب العمل الصهيوني في المنطقة.. والذي طابعه التجسس اليومي على تفاصيل الحياة اللبنانية لتتمكن دائماً من فعل ما تريده..‏

ما الذي يمنعها عن ارتكاب الجريمة..؟!‏

تاريخها..؟! تسامحها..؟! صدقيتها..؟!‏

تماماً كما قال سماحة السيد:‏

لديها الدافع والمصلحة والقدرة..‏

ونضيف إلى ما قاله سماحته: لديها النشاط المخطط الذي يمكن اعتباره شروعاً في الجريمة.‏

ما الذي يمنعها إذن من ارتكاب الجريمة..‏

ليس ثمة «ما» يمكن أن يمنع إسرائيل.. لكن ثمة «من» يمكن أن يمنعها.. وفي مقدمتهم.. الذي يستطيع نشر حقائق مدونة لحركتها وعملها.. أي يستطيع فضحها.‏

أكثر من عملية كشف للجرائم الإسرائيلية خلال الحقبة الأخيرة، من اغتيال الشهيد المبحوح، مروراً بما جرى على سفن أسطول الحرية، وانتهاء بما أعلن عن نشاطها المرتبط باغتيال الحريري.‏

آخر ما حرر حول المأزق الإسرائيلي في التخفي.. أن السيد الأمين العام للأمم المتحدة نفى أن يكون عقد أي اتفاق مع إسرائيل لاستثناء جنودها وضباطها من استجواب لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة؟!‏

لقد وزعوا الخبر كذلك.. «أنه لا يحق للجنة استدعاء جنود وضباط إسرائيليين للشهادة..»..!! وبالتالي هم كذبوا على لسان الأمين العام.. فماذا سيكون رده..؟!‏

من يومها تحدثنا هنا عن ضحالة مهمة اللجنة، ولا سيما وقد بادرت الولايات المتحدة في حينه إلى اعتبار تحقيقات هذه اللجنة بديلاً عن كل التحقيقات الأخرى؟!‏

لماذا..؟! هل الهدف التحقيق أم الوصول إلى الحقيقة؟!‏

فضح السيد الأمين العام للأمم المتحدة جانباً من الكذب الإسرائيلي.. مظهر آخر لمأزق إسرائيل مع الكذب والتضليل.‏

a-abboud@scs-net.org

==================

رأي غرينيباوم في حضارة الإسلام

المستقبل - الاربعاء 11 آب 2010

العدد 3738 - رأي و فكر - صفحة 19

شمس الدين الكيلاني

تلتقي في جوستاف فون غرينيباوم عدة تقاليد استشراقية، فقد ورث من فيينا فقه اللغة، ومن ألمانيا تقاليد مدرستها التاريخانية، ثم هاجر إلى أميركا فانضم إلى جامعة شيكاغو الشديدة التأثر بعلم الاجتماع الألماني، وتحول في هذا الوسط من فقه اللغة إلى علم أجناس الإسلام، ثم تولى إدارة مركز دراسات الشرق الأوسط في لوس أنجلس فشجع على تطبيق نظرياته في تمييزات الإسلام وخصوصياته على حالته المعاصرة. وهو ما ظهر جلياً في العديد من مؤلفاته، وفي مقدمتها مؤلفه الشامل (حضارة الإسلام).

وقد انطلق في دراسته للإسلام من اعتقاده بأن الثقافة الإسلامية منظومة مغلقة، وطبق ذلك على أبحاثه في المجالات الأخرى (البنية الاجتماعية، حق مدني، الشعر والأدب، السياسية، التاريخ). فاعتبر أن الحضارة الإسلامية على الرغم من استعاراتها الكثيرة من الثقافات الأخرى بقيت على ما هي عليه، "التمست في الخارج كل مساهمة من شأنها أن تساعدها على الاحتفاظ بهويتها مهما تغيرت الظروف"، وحرص الإسلام "على نبذ كل ما لم يكن من المستطاع التوفيق بينه وبين أسلوبه في التفكير والإحساس".

وفي المحصلة، لم يعط غرينيباوم الإنجاز الثقافي العربي الإسلامي حق قدره.فانطلاقاً من اعتباره أن مقياس تحضر الأمم مرتبط بمدى سيطرتها على الطبيعة وحالة الأخلاق العامة بها، وحالة الرجل العامي فيها، رأى "أنه لو قيس العالم الإسلامي بهذه المعايير لظهر أنه لم يضرب إلاًّ بسهم ضئيل فيها .فلم يحدث قط في الإسلام أن بذل المجتمع جهده لاستخدام الموارد الطبيعية استخداماً يكفل وضع ظروف الحياة المادية تحت الضبط والهيمنة التقدمية ..ولم يظهر الإسلام البتة ذلك الفيض المتدفق من الأفكار، ولا ذلك الخصب الذي لا حد له وهما قوام عظمة الإغريق ..فأصبح الجهد الذهني يوجه كله نحو تفهم تراث الأجداد.. ونحو تعبير عن المألوف لا يفتأ اكتماله في ازدياد".

فلقد مُنح المسلم السلام والراحة في مقابل المتعة الذاتية التي يستشعرها الذهن المتوثب المتقدم. وقف آمناً مطمئناً في وسط عالم يدبره مدبر حكيم، وهو عارف بواجباته عليم بما سيكافأ به، آمن ما أطاع، فالجنة من حقه بحكم مولده، والصبر والتسليم أمران يكفلانها له .في زحمة هذا العالم بكل ما يحويه من جمال مموه وغرور باطل. وتقوم الدول وتسقط، يعلم العبرة المستفادة من مجدها الزائل. فروحه في انتظار الساعة التي حددها الله للقاء الأخير".

وبالمقارنة مع أوربا فقد رأى جرونيباوم أن المسلم "يتصف بالطمأنينة والكرامة والاتزان، وهي صفة لم تكن لتتطور إلاَّ نتيجة لصورة ساكنة لكل من العالم المثالي والجماعة الإنسانية المثالية. بينما الغرب فهو على استعداد للتضحية بالحاضر من أجل المستقبل". ويقول بكل إطمئنان: "نحن نتشوف، لا إلى الحياة الطيبة لأنفسنا، بل إلى الحياة الأطيب لأعقابنا، نحن ندرك قيمة التغيير الفائقة، وذلك لأننا نخشى الأسن والركود، والأسن ليس معناه عندنا الموت فقط، بل يتجاوز ذلك إلى معنى التخلي عن واجبنا الواحد الأوحد: ألا وهو التقدم بالجنس البشري، واعتناق مثل هذا المبدأ في الحياة يتطلب تكيفاً مستمراً للظروف الجديدة. فنحن نجاهد دون توقف، والجهد الذي نبذله في تجشمنا صعود الجبل ذلك التجشم الذي نشعر أننا فائزون فيه لو أننا احتملناه مدة كافية هو مرد ما نشعر به في حياتنا من رضا وارتياح حق". وبالمقابل، فإن عالم المسلم "في راحة وهدوء، والمسلم من داخله بالمثل في راحة وهدوء. وصلته المباشرة بالله وقبوله للنظام الإلهي لم تشبه أية شائبة خطيرة إبان العصور الوسيطة، فالاستسلام التام والخضوع لما لابد منه، والتخلي عن العقل الباحث حيال كل ما هو مبهم غامض، أمور كانت تكافأ كلها بشعور المسلم بانسجامه انسجاماً كاملاً طبيعياً وفق التدبير العظيم المقدر للأشياء التي تشمل البشرية كما تشمل الجن والملائكة والنجوم. والمسلم يعرف ضعف الإنسان ويسلِّم به. والحق أنه ميال إلى الحط من قدر كفايات الإنسان. فهو يجد السعادة في الانسجام وفق إرادة الله كما تتكشف في العالم العجيب المحيط به". لهذا يستنتج حي بن يقضان في نهاية تجربته "أن الحكمة كلها.. فيما تكلم به رسل الله وما نزلت بشريعة السماء، وأنه ليس ثمة طريق غير هذه، وأنه لا سبيل إلى إضافة أي شيء إليها".

ورأى أن كاتب القصص والتراجم العربي لم يُبرز ذاتية المرء لصالح التركيز على الجانب الوصفي الخارجي، فعنده "أن الكاتب العربي متفوق في ملاحظاته لدقائق الأشياء وتفاصيلها.. مع أقل قدر من الرعاية لوحدة الشخصية التي يرسمها"، كما أكد أن القيم العلمية لم تكن راسخة لدى المثقفين والعلماء العرب، فمع "أن علماء الإسلام أخذوا يستولون على المزيد من فروع المعرفة، ومع أن إسهام المسلمين في تلك الفروع العديدة تفوق بسهولة إبان قرون عدة على إنتاج الجماعات الثقافية الأخرى، فإن العلوم لم تدرأ عن نفسها تماماً تلك الوصمة المزدوجة :وصمة الأصل الأجنبي واحتمال الكفر والإلحاد"، وقد "مرَّت الفترة العظيمة الحافلة بثمار الأبحاث العلمية العربية، دون أن يحصل الناس على تقسيم نهائي للعلوم.. وغاية الأمر أن كل تصنيف.. كان ينزع إلى الحفاظ على الشعور بالفارق بين العلوم الأصلية والعلوم الدخيلة"، وبالإضافة إلى الريبة من أجنبية العلوم واحتمال كفرها، فقد أشار غرينيباوم إلى إن الباحث العربي لم يرجع العلوم إلى البحث التجريبي الشخصي للعالم، بل أعادها إلى الإلهام وحسب، طالما أن هذا الباحث يعتقد أن العلم برمته نزل على النبي إدريس، فيرجع إلى ابن القفطي (1238م) الذي كتب "اختلف علماء الأمم في أول من تكلم في الحكمة وأركانها من الرياضة والمنطق والطبيعي والإلهي وكل فرقة ذكرت الأول عندها، وليس ذلك هو الأول على الحقيقة، ولما أنعم الناظرون النظر، رأوا أن ذلك كان نبوة أنزلت على إدريس"!

====================

على أبواب المفاوضات المباشرة

عبد المنعم سعيد

الشرق الاوسط

8/11/2010

لا أدري شخصيا ما إذا كان قرار الدخول في المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف يكون نهائيا مع نشر هذا المقال؛ كما أنني لا أدري ما إذا كان هذا القرار هروبا إلى الأمام لأن المفاوضات غير المباشرة لم تتوصل إلى شيء، أو أنها سوف تكون مقدمة لما هو أكثر لأن «الاتفاقية» جاهزة بالفعل استنادا إلى نص نجم عن مباحثات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وسجلته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس خلال الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس السابق جورج بوش.

المتشائمون أو هؤلاء الذين يرون صورة اليمين الإسرائيلي في الحكم والانقسام الفلسطيني بين دولتين، يرون في الموضوع جولة أخرى من جولات ملء الفراغ الدبلوماسي والسياسي استعدادا لما هو أهم في الساحة السياسية للشرق الأوسط، وهو المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران من جانب آخر. والمتفائلون، وهم الذين يرون أن التناقضات الجديدة في المنطقة بين الغرب من ناحية وإيران والأصوليات الإسلامية من جهة أخرى، لم تعد تسمح باستمرار الصراع لعقد آخر، وجولة أو جولات حرب جديدة. وسيناريو التشاؤم يقوم على أن المفاوضات سوف ترفع سقف التوقعات التي يعقبها عادة إحباط قاتل تكون له نتائج عنيفة في العادة، إلى جانب أن رائحة السلام أو التسوية عادة ما تجذب - كالدماء - كثيرا من أسماك القرش فتبدأ دائرة العنف فتكون الحرب بدلا من السلام. وعلى أي حال فقد بدأ السيناريو في التطبيق فعلا بالتوتر الذي جرى على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، والصواريخ التي أطلقت على إيلات والعقبة لا تفرق بين عربي وإسرائيلي.

سيناريو التفاؤل يرى أن الرئيس باراك أوباما يدرك، إلى أي حد، أن توجهه نحو العالم الإسلامي، والسياسة الدولية بوجه عام، يوجد اختباره في الشرق الأوسط، وهو يعرف على الأقل من الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «بروكينغز» تحت إشراف شبلي تلحمي والذي يقطع بأن الرجل يواجه تراجعا شديدا في شعبيته، وربما قرأ أو قرأ له أحدهم، مقال مارك لينش عن «انهيار شعبيته» في الشرق الأوسط. وربما لا يهم أوباما كثيرا مدى شعبيته خارج بلاده، ولكن الأمر هنا أنهما يكادان أن يكونا مترابطين؛ وإذا كان التراجع في الداخل يعكس سياسته الداخلية وبقاء البطالة عند 9.5% ولا تتزحزح عنه، فإن الفشل في الشرق الأوسط سوف يوضع فوق البطالة ويصبح على الرئيس الأميركي أن يواجه انتخابات التجديد النصفي مجردا من كل نجاح. ولكن المتفائل يرى ما هو أفضل في الصورة، وهو أن نتنياهو حدد أولوياته وهي المواجهة مع إيران، ومن ثم فإن التناقض مع العرب والفلسطينيين يمثل تناقضا «ثانويا» يمكن حله، وإذا كان هناك من يخاف على وحدة حكومته واتجاه الأحزاب المتطرفة إلى الخروج من الحكومة، فإن بوسعه تشكيل حكومة لا تقل قوة عن الحكومة الحالية بالائتلاف مع حزب كديما الذي أجرى الاتفاق السابق، وهو ما يكفي ليس فقط للتوقيع على اتفاق مقبول؛ ولكن للتصديق عليه في الكنيست أيضا.

المتشائمون يرون أن كل ذلك أضغاث أحلام، وأن الصراع فيه قوة داخلية تجعله قادرا على البقاء لسنوات طويلة، وعلى مدى أكثر من مائة عام اختلف فيها العالم وتنوع بضع مرات بين قيام دول وإمبراطوريات وانهيارها، ونشبت فيها حروب عالمية ساخنة، وجرت فيها حروب عالمية أيضا ولكنها باردة، واتحد العرب واختلفوا، وتلاقوا وتباعدوا، وعاشوا السلم والحرب معا، واهتمت الدنيا بالصراع وأهملته، واتخذت مئات القرارات بعد عقد مئات الاجتماعات، وفي كل الأحوال بقي الحال على ما هو عليه. وكل ما علينا هو مشاهدة شكل العنف القادم وهل يكون في شكل العمليات الانتحارية أم الحرب على غزة أم حرب مثل تلك التي دخلها الشيخ حسن نصر الله بحسابات خاطئة. المهم هو أن الصراع قادر دائما على ابتداع أشكال جديدة ومفاجئة للقتل والتدمير؛ وربما كانت هناك محاولات للحل السلمي، ولكن الحال الغالب على الصراع منذ بدايته هو اتفاق الجميع على التعايش معه.

المتفائلون يرون في الصورة ما هو أكثر، وعلى مدى ما يقرب من عامين سكتت المدافع على الجبهات كلها، وما يتردد فيها من طلقات رصاص هو لإثبات الوجود أكثر من كونها حربا حقيقية. وهناك لحظة عالمية داعية للاهتمام بالصراع وانتهاز الفرصة هذه المرة، وربما لا توجد قضية اتفقت فيها روسيا وأميركا والهند والصين وأوروبا واليابان على الحل كما هو مطروح الآن. وإذا كانت الولايات المتحدة هي مفتاح الحرب والسلام، فإن واشنطن تسعى سعيا حثيثا الآن لكي تصل بالصراع إلى نقطة جديدة تتجسد فيها تسوية لا تقل في أهميتها عن التسوية المصرية - الإسرائيلية أو تلك الأردنية - الإسرائيلية. ولكن الجديد جدا هذه المرة هو بزوغ دور قوي للعالم العربي والجامعة العربية، ومن يتابع الصراع العربي - الإسرائيلي منذ بدايته يجد أن العرب قد استولوا على الصراع منذ بدايته عام 1948 حتى تخلوا عنه بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، حيث تركوا للفلسطينيين حق تقرير المصير، ليس فقط تجاه إسرائيل بل تجاه العرب أيضا. وبعد ذلك دار الزمان دورته، ولم يستطع الفلسطينيون بالحرب والسلام تحقيق ما هو أكثر من اتفاق أوسلو الذي انهار مع فشل مباحثات كامب ديفيد، ومن كان لديه أمل آخر ضاع مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وبينما كان الزعيم عرفات محبوسا في مبنى «المقاطعة» ظهر العالم العربي مرة أخرى عندما تقدمت السعودية بالمبادرة العربية، ومن بعد القمة العربية في مارس (آذار) 2002 صارت المبادرة عربية، ومن ساعتها حضر العرب في كل التطورات الجديدة من خارطة الطريق حتى عملية أنابوليس، وصولا إلى لجنة المتابعة العربية التي يرجع إليها أبو مازن للحصول على شرعية التفاوض والتوصل إلى نتائج. وبقيت نقطة أخيرة، وهي أنه لا بديل لحل الآن على أساس الدولتين إلا ما سوف ينتج عن فشل المفاوضات المباشرة وهو أنه لا مجال آخر إلا لحل الدولة الواحدة، وهو حل يطرحه كل على طريقته؛ المتطرفون والمتشددون؛ الفلسطينيون والصهاينة.

أعرف أن هناك من لا يرى المسألة رؤى للتفاؤل أو التشاؤم، ولكن الواقع أن هذه تعبيرات أخرى لوجهات نظر وسلوكيات سياسية جارية في الواقع وتدفع الأحداث في اتجاهات مضادة لبعضها. والمسألة هنا أن القوى متعادلة إلى درجة مخيفة، وربما كان ما يحتاجه الأمر هو اتجاه من الكتلة الحرجة للعناصر والدوافع نحو هذه الناحية أو تلك، ومن يظن أن ذلك يجري في واشنطن فقط يكون على خطأ كبير.

=================

جورجيا والعون الأميركي لإعادة البناء ومواجهة روسيا

جون ماكين

الشرق الاوسط

8/11/2010

على الرغم من استمرار الخلاف بشأن الطريقة التي بدأ بها النزاع، لا ينكر أحد أنه قبل عامين قامت القوات الروسية باجتياز حدود معترف بها دوليا وغزو جورجيا. وقامت روسيا بالهجوم على الدولة باستخدام قذائف استراتيجية ودخلت إلى أرض ذات سيادة وتسببت في نزوح قرابة 127 ألف جورجي من منازلهم واعترفت بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كدولتين مستقلتين، ووضعت الأساس لاحتلال عسكري لا يزال مستمرا.

لقد تغير الكثير خلال العامين الماضيين، ولكن لم تكن هذه التغيرات للأفضل، فلم تكتف روسيا باحتلال أراضي جورجيا ولكنها تبني قواعد عسكرية هناك، وتقف حائلا دون وصول بعثات إنسانية ومراقبين، وتسمح بتطهير عرقي للجورجيين داخل أوسيتيا الجنوبية، وتعمل على تعزيز حدود إدارية للمنطقتين المنفصلتين للتحول إلى حدود قوية. ولا يزال أكثر من 100 ألف جورجي، ممن هربوا من الغزو الروسي في تعداد النازحين، حسب ما تفيد به تقديرات الأمم المتحدة. وفي الوقت الحالي، تنتهك روسيا التزامات وقف إطلاق النيران التي توصلت إليها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وعلى الرغم من العيش تحت التهديد الروسي المستمر، فإن جورجيا لا تزال تمضي قدما. ويقاتل نحو 1000 جندي جورجي إلى جانب قواتنا في مناطق صعبة داخل أفغانستان. وتشهد جورجيا تكريسا لحكم القانون، وتحارب الفساد، وتوسع في اقتصاد يراه البنك الدولي في المرتبة الحادية عشرة من ناحية الأماكن التي يُفضل تنفيذ مشاريع فيها. وقد حظيت انتخابات البلديات خلال العام الحالي داخل العاصمة الجورجية تبيليسي بثناء دولي، ووصفت بأنها حرة ونزيهة. وعلى الرغم من أن الإصلاحات السياسية داخل جورجيا لا تزال في تطورها، وصف البرلمان الأوروبي انتخابات تبيليسي بأنها «خطوة حقيقية تجاه التطور داخل البلاد».

وفي المقابل، لا يزال نشطاء حقوق الإنسان داخل روسيا يتعرضون للتهديد والاعتداء وربما للاغتيالات. وفي نهاية الأسبوع الماضي تعرض متظاهرون مسالمون، من بينهم نائب رئيس الوزراء السابق بوريس نيمتسوف، للضرب وجرى اعتقالهم لممارستهم حقوقا أساسية كفلها الدستور الروسي. وإذا أراد الرئيس ديمتري ميدفيديف نموذجا للحداثة السياسية والاقتصادية، فيمكنه النظر إلى جورجيا. وإذا كانت إدارة أوباما تبحث عن علاقة تحتاج إلى «إعادة ضبطها»، فعليها النظر إلى جورجيا.

وتبدو الإدارة متحمسة لاسترضاء روسيا الأوتوقراطية أكثر من تحمسها لدعم جورجيا الديمقراطية الصديقة التي تعيش في ظل جارتها العنيفة. وقد أغدقت على ميدفيديف بمكالمات تليفونية كثيرة واجتماعات متكررة ولم تحقق إلا مكاسب متواضعة في السياسة الخارجية.

وفي الوقت ذاته، برهنت الإدارة الأميركية على أن لها رغبة ضعيفة في التواصل مع القيادة الجورجية، لتعزيز تطلعاتها المرتبطة بالناتو، من أجل مساعدتها على إعادة بناء دفاعاتها أو وصف الوجود الروسي داخل جورجيا كما هو - احتلال - ناهيك عن الضغط على روسيا من أجل الانسحاب. وقد أدلى البيت الأبيض ووزيرة الخارجية كلينتون مؤخرا تعليقات مشجعة دعما لجورجيا. ويجب عليهم الآن أن يحولوا هذه الكلمات الطيبة إلى سياسات أفضل.

وإذا كان ميدفيديف جادا بشأن رؤيته عن دولة روسية يوجهها حكم القانون، فباستطاعته أن يجعل حكومته تعمل وفق الاتفاقية الدولية التي توصل إليها وإعادة القوات الروسية إلى مواقعها قبل الحرب خارج تركيا. ومن جانبها، تستطيع إدارة أوباما حشد منظمة التعاون والأمن في أوروبا من أجل صياغة خارطة طريق مع روسيا لإنهاء احتلال جورجيا، وهو المنحى الذي يمكن أن يؤدي إلى انسحاب القوات الروسية وعودة النازحين واستعادة وحدة الأراضي الجورجية. وإذا لم تحدث روسيا تقدما، يجب أن يكون لذلك عواقب، فيجب أن يعلم ميدفيديف أن احتلال جورجيا أولوية أميركية وإذا لم تراع روسيا أولوياتنا، فيجب ألا يتوقع أن نراعي أولوياتها، مثل القبول بمنظمة التجارة العالمية.

ومن الأشياء الأخرى التي تحتاج جورجيا إلى الدعم الأميركي فيها، مجال إعادة بناء دفاعاتها. ويشار إلى أن جورجيا تبذل جهدا في القتال داخل أفغانستان أكثر من الكثير من تحالف الناتو، التي ترغب في الانضمام إليه. ومع ذلك، عليها أن تناضل كي تقوم الإدارة بإمداد القوات الجورجية المتجهة إلى القتال بالمعدات الأساسية والسيارات المصفحة وقطع الغيار. وبعيدا عن هذه المساعدات القصيرة الأجل، تحتاج جورجيا إلى دعم على المدى الطويل من أجل دفاعاتها. ومن المحتمل أن يستلزم ذلك مقتدرات لمواجهة الدبابات ودفاعات جوية ورادارا للإنذار المبكر وغيرها من نظم الدفاع التي يجب ألا يساء فهمها وينظر إليها على أنها موافقة أميركية لأي استخدام للقوة ضد المناطق الانفصالية. وستبقى جورجيا دوما أقل قوة من روسيا، ولكن لا يعد ذلك سببا لجعلها عرضة للمخاطر بعد عامين من غزو روسي.

وعلى ضوء الدمار الكبير الذي أحدثته في جورجيا، وتهديدات بالقيام بالمزيد، نجد أن روسيا قد عجزت عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية، فقد بقيت الحكومة الديمقراطية داخل جورجيا ولا تزال مزدهرة. ويجب أن تعزز العلاقات الأميركية - الروسية هذا النجاح، لا أن تعرضه للمخاطر. وأمامنا فرصة لدعم ظهور جورجيا كدولة حرة قوية متكاملة، فقط إذا تذكرنا من هم أصدقاؤنا على الحقيقة.

* نائب جمهوري من ولاية أريزونا

* خدمة «واشنطن بوست»

====================

هل ساهم العرب في إنقاذ الكثيرين أثناء المحرقة؟

غسان ربيز

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

9 آب/أغسطس 2010

www.commongroundnews.org

إيست ميريديث، نيويورك – يعكس التشريع المتشدّد الحالي الذي يدرسه صانعو القوانين الإسرائيليين لضمان "ولاء" المواطنين العرب، التوترات وانعدام الثقة على جانبي الصدع العربي الإسرائيلي. ويقود المناخ السائد الكثيرين ليعتقدوا أن الإبقاء على المساواة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل غير آمن أو غير طبيعي.

إلا أن هذه النتيجة تتجاهل الماضي.

لم يكن الغضب العربي تجاه اليهود موجوداً دائماً. وبالمثل، تعتبر العداوة اليهودية تجاه العرب جديدة نسبياً. تعايش المسلمون واليهود، وكلاهما شعب سامٍ، بسلام نسبي لمدة ألف ومائتي سنة. ويحصل العديد من الناشطين على الجانبين الذين يعملون لرأب الصدع الذي ما فتئ يتّسع بين اليهود والعرب داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية على التشجيع من قصص إيجابية عن التعايش عبر التاريخ.

 

لا يعي معظم الناس اليوم هذه الحقيقة وهذا الإرث. يجب أن تكون الروايات عن المسلمين الذين أظهروا الرحمة والتعاطف تجاه اليهود أثاء المحرقة معروفة بشكل أوسع، ولكنها تبقى مختفية لسبب ما. في كتيب صدر مؤخراً عنوانه "دور الأشخاص المسلمين الأتقياء" يوثّق فياز موغال بفخر قصص مسلمين قاموا بحماية يهود في منازلهم ومزارعهم وأماكن عملهم أثناء المحرقة. كان الأبطال الذين يصفهم الكتيب من عرب شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية. ومن الأمثلة التي قدمها موغال مثال سيد علي سكّات: "هرب ستون متدرباً يهودياً في تونس من معسكر عمل للمحور وطرقوا باب مزرعة سي علي سكّات، الذي خاطر بإخفائهم إلى أن تم إنقاذهم من قبل الحلفاء".

 

يجب ألا نستغرب ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار وجود جالية يهودية مزدهرة في الشرق الأوسط حتى أربعينات وخمسينات القرن الماضي، عندما أنهت التوترات المعاصرة تاريخاً من التعايش.

 

وفي العام 2006، نشر الباحث روبرت ساتلوف كتاباً عنوانه "بين الصالحين: قصص ضائعة من المحرقة في الأراضي العربية"، وضع الحقيقة حول التعاطف العربي في مضمونها الصحيح. وقد صرح في مقال له في الواشنطن بوست أن "العرب في هذه المناطق لم يكونوا مختلفين عن الأوروبيين. بينما استعر أوار الحرب حولهم، وقف معظمهم يتفرجون دون أن يفعلوا شيئاً. الكثيرون منهم شاركوا بشكل كامل وبمحض إرادتهم في اضطهاد اليهود، وساعدت قلة شجاعة منهم حتى على إنقاذ اليهود".

 

من الأهمية بمكان الاعتراف بهذه "الأقلية الشجاعة". ورغم أنها محدودة العدد، إلا أن أعمال بطولة كهذه تعتبر ملهمة، ويشكل نقلها وتوزيعها تعبيراً عن الأمل. ويتوقع أن تشجع قصص تصف أعمال الشجاعة الأخلاقية عبر الحاجز الديني النية الحسنة بين كافة الناس، وخاصة بين العرب واليهود.

 

لسوء الحظ، ومثله مثل أي قضية أخرى في الشرق الأوسط، يُنظر إلى سلوك المسلمين أثناء المحرقة عبر منظور الصراع العربي الإسرائيلي الذي يشوه الصورة. ويقوم الإعلام الغربي بتشويه الصورة بشكل إضافي من خلال إبراز جدل السياسيين العرب والإيرانيين المستمر والمحرّض، الذي ينكر المحرقة أو يقلل من قيمتها. ويخلق ذلك رسالة مفادها أن المسلمين معادون للسامية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الرهاب الإسلامي في المناخ الاجتماعي السياسي. نتيجة لذلك، يصل الكثيرون في إسرائيل والغرب إلى نتيجة أن تقارير الشجاعة الأخلاقية العربية أثناء الحكم النازي هي مجرد تضليلات في المضمون السياسي العصري المشحون بشكل زائد.

 

ليست هذه التقارير مضللة للانتباه. فحسب الكتب المقدسة اليهودية والإسلامية، يُعتبر إنقاذ حياة إنسان واحد إنقاذاً للبشرية بأكملها. إضافة إلى ذلك، فإن دعوة العرب للتفكر بالمحرقة خارج مضمون النزاع العربي الإسرائيلي يمكن أن يشكل عمل شفاء وإبراء لكل من العرب واليهود. يتوجّب علينا أن نذكّر أنفسنا أنه في القرن الماضي فقط، وضعت عملية بناء الدولة المتنافسة والوطنية المحمومة العرب واليهود في نزاع سياسي قاتل. كذلك كان للتلاعب الاستعماري بالجانبين دوراً رئيسياً.

 

يعتبر العداء العربي تجاه اليهود في غالبيته سياسياً، وهو بشكل رئيسي نتيجة للمعاناة الفلسطينية والإذلال السياسي. وبالمثل، فإن العداء اليهودي والمسيحي تجاه العرب والمسلمين تذكي ناره أعمال الإرهاب من جانب قلة تؤثر على صورة الملايين.

 

يعبر كل من العرب واليهود عن مخاوفهم من العدو بهدف إضفاء مصداقية على سردهم الأخلاقي من خلال إشارات غير مناسبة ومبالغ بها للحقبة النازية. ويعمل بعض اليهود على عقلنة هياكل الاحتلال المعقّدة فيبنون جدراناً عازلة ونقاط تفتيش وحواجز لتجنب محرقة مستقبلية يدّعون احتمال حدوثها. بالنسبة لهم، يقوم بعض العرب بعقلنة أعمال العنف من خلال الادعاء بأنهم يعيشون تحت احتلال يشبه الاحتلال النازي.

 

إلا أن هناك أسلوب آخر يمكن من خلاله رؤية تطبيق سرد المحرقة على يومنا الحالي. تخدم قصص عن مسلمين أنقذوا يهوداً من المحرقة العملية السلمية. أما الساخر والمتشائم الذي يتحدى أهمية هذه القصص فهو لا يرى النقطة الهامة: تشكّل هذه القصص الحقيقية أمثلة أخلاقية تحمل في طياتها احتمالات هدم بعض الجدران التي بنيت بين العرب واليهود.

 

أبطال اليوم الأخلاقيين هم هؤلاء العرب الذين يتجاوزون الكبرياء ليعترفوا بوجود إسرائيل، والإسرائيليون الذين يضحّون بالمستوطنات في الضفة الغربية من أجل تسوية نهائية للنزاع، واليهود الذين ينادون بالانسحاب الحدودي احتراماً للتطلعات الوطنية الفلسطينية، والفلسطينيون الذين يحددون أحلامهم بحقوق عودة لا حدود لها للمساهمة في الاستقلال الإقليمي.

 

يمكن مقارنة قصص الشجاعة التي حدثت قبل سبعة عقود بشجاعة العرب والإسرائيليين المعاصرين الذي تعلموا كيف يسامحوا، ويعملوا بجد ودون كلل لصنع السلام.

ـــــــــ

* الدكتور غسان ربيز (grubeiz@comcast.net) معلّق عربي أمريكي حول قضايا التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط في اتحاد الكنائس العالمية ومركزه جنيف.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ