ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 10/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

يستعدون لما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

الإثنين, 09 أغسطس 2010

جميل مطر *

الحياة

لا شك عندي في أن الرئيس باراك أوباما يريد أن تنسحب في عهده وعلى يده جيوش أميركا من أفغانستان. لقد دخلت هذه الحرب عامها العاشر لتصبح أطول حرب دخلتها أميركا، وإذا لم يفلح في وقفها خلال ولايته فلن يكون لجائزة نوبل للسلام التي منحت له العام الماضي قيمة أو مغزى. لن يأخذ المؤرخون بدفاعه أنه ورث الحرب ولم يشنها، فالحرب استمرت في عهده وتصاعدت وتفاقمت الخسائر البشرية وبسببها لحق أذى كبير باقتصاد أميركا وسلامها الاجتماعي. لا عذر مقبولاً حتى وإن كان يتعلق بجهود مارستها جماعة من المهووسين اليمينيين أقنعوا الرئيس بوش بأهمية شن حرب ضد الإسلام في أفغانستان ثم في العراق.

قيل الكثير في تفسير عملية طرح 92.000 وثيقة سرية عبر الشبكة الإلكترونية عن الحرب في أفغانستان. سمعنا مبالغات واستخدمتها جماعات لتصفية حسابات عالقة، وصدرت تكهنات عن دول تقف وراء التسريبات وقرأنا تخمينات عن نوايا أجهزة مسؤولة في هذه الدول ومنها أجهزة في الهند وباكستان وأفغانستان والولايات المتحدة. كان التسريب على كل حال فرصة لا تعوض انتهزها ناشطون أميركيون لإثبات أن حكومة أوباما تحض الرأي العام الأميركي على ممارسة ضغط يستخدمه الرئيس ليبرر الإسراع بسحب قواته من أفغانستان وإنهاء الحرب، بخاصة بعد ما تردد من أن المزاج الليبرالي، في أوساط الحزب الديموقراطي وداخل بعض تيارات الحزب الجمهوري، يرفض الانسحاب المبكر إذا كان سيترتب عليه إغلاق مدارس البنات التي أقامتها قوات التحالف وعودة النساء اللائي خلعن النقاب إليه، وقد يترتب عليه أيضاً تولي طالبان مقاليد الحكم ومباشرة الانتقام من خصومها. فضلاً عن أن كثيرين لا يستبعدون احتمال نشوب حرب أهلية على نطاق واسع بين شعوب أفغانستان وطوائفها. على كل حال يصعب القبول بالرأي القائل بأن إدارة أوباما وراء التسريبات، فالرئيس أوباما كان قرر بالفعل الانسحاب وحدد موعداً، على رغم أنه يعلم أن المؤسسة العسكرية ستعترض على انسحاب مبكر، أو أي انسحاب آخر في ظل ظروف غير ملائمة أو في وجود ملامح انكسار عسكري على الجانب الأميركي وملامح تقدم وانتصار على جانب طالبان. ولا يشك عاقل يفهم النظام الأميركي في أن المؤسسة العسكرية لن تكسب رهاناً إذا قررت الدخول في مواجهة مع الرئيس، إلا إذا كانت شعبية الرئيس، مثل الوضع العسكري، في حال تدهور.

لاحظ الخبراء المطلعون على تفاصيل الحرب الأفغانية أنه لم يوجد في الوثائق المتسربة ما يستحق اهتماماً شديداً. ويشهد الواقع، على أن التسريبات على رغم الطريقة التي وصلت بها إلى ثلاث صحف عالمية وما أحاط بها من حملة إعلانية، لم تثر اهتماماً فائق الحد كالاهتمام القوي الذي أثاره نشر «وثائق البنتاغون» في نهاية الحرب الفيتنامية. يقول الخبراء أن عدم الاهتمام الشعبي بالوثائق السرية المنشورة ربما يعود إلى أنها لم تكشف عن مفاجآت أو أسرار لم تكن معروفة، فمعظم ما ورد كان في الحسبان، منه على سبيل المثال:

أولا: جاءت في التسريبات معلومات وفيرة عن الدور المزدوج الذي تقوم به الاستخبارات الباكستانية في الحرب الدائرة في أفغانستان، فهي تتحالف مع قوات التحالف وجهاز الاستخبارات الأميركية، وفي الوقت نفسه تتآمر، بحسب الوثائق المتسربة، لقتل حميد كارزاي وتدرب انتحاريين على تفجير أنفسهم في صفوف قوات الناتو.

ولا تنكر باكستان أن لها أدواراً تلعبها في أفغانستان، وإن رفضت الاعتراف بنشاطات تخريب أو اغتيالات. الأدوار ذاتها لعبتها بتنسيق كامل مع الاستخبارات الأميركية CIA في الحرب التي شنت ضد القوات السوفياتية في نهاية الحرب الباردة. وتؤكد قيادات باكستان أن الاستخبارات الأميركية ما كان يمكن أن تحقق هدفها ضد السوفيات في أفغانستان في ذلك الحين ما لم تعتمد على الاستخبارات الباكستانية ولن تحقق أي تقدم يذكر في الحرب القائمة إلا بالتنسيق مع إسلام أباد. يعترف بعض القادة الأميركيين أن باكستان حررت بالفعل مناطق واسعة من إقليمي وزيرستان وسوات من قواعد المتمردين الأفغان ويتهم قادة باكستان الاستخبارات الأفغانية بأنها تقف وراء التسريبات بسبب كراهيتها التقليدية للاستخبارات الباكستانية. وغير خاف أن الاستخبارات الباكستانية مكروهة في باكستان بقدر كراهية الأفغان لها. يتهمها الرأي العام الباكستاني، وبخاصة دوائر النخبة من المثقفين والأكاديميين ورجال القضاء ونقابات المحامين بأنها المسؤولة عن إثارة النعرات الطائفية ونشر الفتن بين حين وآخر لخدمة أهداف سياسية وأمنية، ومتهمة بأنها تغتال معارضين سياسيين أو تشوه صورتهم وأنها تعذب المعتقلين بالتنسيق مع أجهزة استخبارات أوروبية وأميركية، وتزور الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمصلحة اختياراتها الخاصة. بينما يقول باكستانيون آخرون بأن الاستخبارات الباكستانية تستحق الاعتراف بفضلها في الحفاظ على ما تبقى من الكيان الباكستاني، لأنها تمثل «الوطنية الباكستانية» ، وهو تعبير يجد ترجمته الفعلية في شعار حماية الإسلام والمسلمين من الزحف الهندي.

ثانياً: ورد في التسريبات أن الحرب في أفغانستان تسير من سيء إلى أسوأ وتقدم العديد من المؤشرات. فالأخطاء العسكرية ضد المدنيين وممتلكاتهم تتكاثر وتتصاعد، والخسائر البشرية نتيجة استخدام الطائرات من دون طيارين أيضاً تتفاقم، وبعض القواعد العسكرية الأميركية تقع في مناطق يصعب حمايتها من غارات الطالبان، وتحيط بها قبائل تكره الوجود العسكري الأميركي. وردت في التسريبات ايضاً معلومات عن انتشار الفساد الرهيب في أواسط البيروقراطية والحكم الأفغاني وتورط قادة عسكريين أميركيين في هذا الفساد، ومعلومات عن فرار جنود أفغان بعد تدريبهم على أيدي مدربين من قوات الحلفاء، وعن استخدام طالبان صواريخ أرض جو وتورط إيران في دعم القاعدة وتهريب أسلحة ومجاهدين الى أفغانستان. الخلاصة أن وضع الأميركيين لا يتحسن ووضع طالبان وقوى التمرد يتحسن. بمعنى آخر، توحي التسريبات أو تؤكد أن لا أمل على الإطلاق بنصر قاطع تحرزه القوات الأميركية في أفغانستان.

يجوز لنا، ونحن نقف على مسافة آلاف الأميال من مناطق الحرب في أفغانستان، أن نبسط الأمور كما يفعل بعض المعلقين في الغرب، ونلقي باللائمة على إيران أو على الاستخبارات الباكستانية أو على الرئيس أوباما الوافد على حرب لا يد له في شنها. سهل أن نصدق أو نكذب الجنرال غول رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق وهو الرجل المثير للجدل الشديد، حين يتهم أميركا بأنها تحاول التخلص من مسؤوليتها بإلقاء تبعات هزيمتها على هذا الطرف أو ذاك، إلى درجة أنها تتهمه هو شخصياً بالمسؤولية عن بعض خسائرها في أفغانستان. ما لا يدركه الكثيرون في الغرب هو أن الشغل الشاغل لباكستان الآن لا يزيد عن تأمين مصالحها وأمنها القومي في حال انسحبت أميركا مبكراً من أفغانستان . يعرف الباكستانيون أن قطاعات كبيرة في أفغانستان لا تطمئن إلى باكستان وقد عانت من تدخلها المستمر في الشؤون الأفغانية الداخلية، ولكنهم يعرفون أيضاً أن أي انحسار في نفوذ باكستان في أفغانستان يعني زيادة في نفوذ الهند، ولا شيء على الإطلاق يهدد الأمن القومي الباكستاني أكثر من زيادة النفوذ الهندي في أفغانستان.

السباق الآن على أشده بين باكستان والهند وإيران على قواعد للنفوذ في أفغانستان تضمن لكل منها دوراً في صنع مستقبل أفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية، وعلى مرمى غير بعيد تستعد كل من الصين وروسيا لاحتمالات فوضى ضارية في وسط آسيا في حال خرجت قوات الناتو من أفغانستان منكسرة.

* كاتب مصري

==================

العدوان مستمر علينا: خرائطهم ومصائرنا

د. بثينة شعبان

الرأي العام

9-8-2010

تعيش شعوبنا في منطقة أصبحت الهدف السهل لمروّجي الحروب، الذين ينشرون دون رادع الألم والدمار والحصار وسفك الدماء. لقد أصبحنا ميدان التجارب الغربية على التعذيب والاغتيال، حيث تكال التهم لنا في البداية «بامتلاك الأسلحة» و«احتواء الإرهاب»، و«تهديد الأمن والسلم الدوليين» قبل أن يشنّوا حروبهم الدولية على مدننا، ومن ثمّ يتمّ تشكيل لجان تحقيق إعلامية بعد الحروب لتمحّص حقيقة ما قيل ولكن دون أيّ نتائج يمكن أن تعيد لشعوبنا ما فقدوه من أعزاء وأمن ومستقبل. والحرب على العراق تمثّل أنموذجاً لادعاءات وافتراءات تمّ تسويقها إعلامياً وسياسياً في حينها وكأنها الحقيقة المُلحّة التي تتطلّب «العلاج السريع» والذي من دونه سيُشكّل العراق «تهديداً للأمن والسلم الدوليين» وخاصة «لأمن الولايات المتحدة». وتمّ تصوير الجيش العراقي وكأنه «رابع جيش في العالم» وتمّ اختراع قصة «أسلحة الدمار الشامل»، وها هي الوقائع تثبت اليوم أنّ الإرهاب لم يكن موجوداً في العراق قبل الحرب بل فتح الغزاة له الأبواب بسبب الفوضى التي نشروها هناك، وأنّ وجود أسلحة الدمار الشامل كان كذبة كبرى، وها هي إليزابيث ماننينغهام بولر المديرة السابقة لجهاز الاستخبارات البريطاني تؤكد أمام لجنة التحقيق المسماة تشيلكوت إنكويري: «مشاركتنا في الحرب على العراق أدت إلى زيادة الأصولية الدينية في جيل كامل من الشباب الذين اعتبروا أن مشاركتنا في الحرب على العراق وأفغانستان هجوم على الإسلام» وتضيف: «لم يكن هناك أي معلومات استخباراتية مؤكدة عن وجود علاقة بين العراق و«القاعدة»، وهذا ما أعتقد كان رأي «السي آي آي»، وها هو نائب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق اللورد بريسكوت يقول في الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة التحقيق نفسها «إن المعلومات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات عام 2002 أثارت أعصابه وكان بعضها مبنياً على القيل والقال» لقد أظهرت لجنة التحقيق البريطانية (تشيلكوت) دون أي مجال للشك عبثية قرار الحرب على العراق وأنه تمّ دفع بريطانيا بطريقة ما للدخول إلى هذه الحرب (جريدة «الاندبندنت» البريطانية 31 يوليو 2010). منذ أعوام وهانز بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة في العراق، يدحض أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل ويؤكد مرة تلو الأخرى أن الحرب لم تكن قانونية أو ضرورية على الإطلاق.

من هم هؤلاء الذين استمروا في دقّ طبول الحرب إلى أن وقعت، وما هي مصادر معلوماتهم، ولماذا شنّوا هذه الحرب، وكيف يجب أن تتم محاكمة المسؤولين عنها؟ هذه الحرب ليست كلمة من ثلاثة حروف فقط، بل هي دمار وخراب وألم ومعاناة لا توصف لعشرين مليون عراقي يعيشون اليوم دون أمن أو كهرباء أو خدمات أو تعليم أو حياة طبيعية. هذا عن الأحياء، إذا لم نتوقف عند مليون أرملة، وأربعة ملايين يتيم، ومليون عراقي قتلوا، وأكثر من مليون معوّق، وخسائر فادحة أصابت بلاد ما بين النهرين. كيف يمكن أن يفلت مجرمو الحرب من العقاب؟ لا بل وكيف يستمر هؤلاء وأمثالهم بتسيير شؤون الحرب في أفغانستان وباكستان، لا بل ودقّ طبول الحرب ضد إيران، وشنّ الاعتداءات المتكررة على لبنان، والتدمير اليومي لحياة الفلسطينيين؟

علّ أحد أسباب استمرار هؤلاء بشنّ الحروب على شعوبنا هو عدم الجرأة في اتخاذ مواقف حاسمة في متابعة المعتدين، ليس كي يعتذرون عن جرائمهم بل كي يدفعوا ثمن هذا الاعتداء بحيث يرتدعوا في المرات المقبلة من اتخاذ قرارات حرب عشوائية تجلب الكوارث على ملايين البشر دون أدنى شعور بالمسؤولية. وإذا تمّ السؤال عن مثال إيجابي في هذا الصدد فإن الموقف التركي من الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة هو موقف يدلّ على أن الشعوب يمكن أن تصل إلى حقوقها إذا ما أصرّت. فها هي إسرائيل المتعنتة تعيد السفن الثلاث إلى تركيا وتقبل في أن تشارك بلجنة تحقيق دولية، وهي صاغرة، وسوف تطالبها تركيا بالاعتذار والتعويض لأهالي الشهداء. ولكن وبينما تصلنا هذه الأخبار نراقب الدمار الذي سببته، ولا تزال منذ عام 2003، الحرب على العراق، والدمار الذي سببه العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان عام 2006، والقتل والتدمير المستمرّين بسبب الحرب الإسرائيلية على غزّة، ونجد أن إعادة الإعمار في لبنان تجري بمعزل عن مطالبة من تسببّ بكلّ هذا الدمار أن يكون هو المسؤول عن إعادة الإعمار وأن تضطر إسرائيل، كما اضطرت في الحالة مع تركيا، إلى التعويض لكلّ متضرر من حروبها. هذا هو الاسلوب الوحيد الذي يمكن أن يجبّر المطبلين للحروب أن يفكروا أكثر من مرة وأن يترددوا وأن يدققوا قبل أن يستسهلوا شنّ الحروب على شعوب آمنة بذرائع واهية لا ترقى حتى لمستوى «القيل والقال». إذا كانت هذه الحروب تشنّ باسم «الديموقراطية» و«الحرية» و«حقوق الإنسان»، فليحاول أحد اكتشاف نوعية الحياة التي تعيشها هذه الشعوب الواقعة تحت الحرب. إذا كان نوع ومستوى الحياة هو الهدف فإنه لا يمكن لأحد أن يدعي أن الحروب تحقق الحرية، أو الكرامة، أو الأمن والاستقرار، بل هي تقوّض الأسس المتينة والمعروفة لحياة إنسانية أفضل.

تبدو نتائج أعمال لجان التحقيق في الحرب على العراق وكأنها منفصلة تماماً عن الاستمرار بالحرب الخاسرة في أفغانستان، وعن دقّ طبول الحرب على إيران، والاعتداءات المتكررة على أمن وسيادة لبنان، والحرب المستمرّة على غزة. إن الحرب قائمة دائماً في منطقتنا وقد يخبو فتيلها تارة هنا فقط ليعود ويشتعل تارة أخرى في مكان آخر. المرأة في العراق كانت الضحية الأبرز للحرب الأميركية على بلدها، رغم تشدّق المحافظين الجدد بحقوق المرأة وحريتها، وكذلك فإن مصير المرأة الأفغانية يؤكّد أنها من أكثر ضحايا الحرب على أفغانستان تضرراً. وإذا كانت هذه الحروب أيضاً تلتهم أبناء من يشنوها، فالسؤال البديهي هو: من هو صاحب المصلحة بقرع طبول الحرب واستمراريتها رغم كل الخسائر والأهوال التي تتسبب بها؟

إنّ من يروّج دوماً لكلّ هذه الحروب على شعوبنا هو الكيان الإسرائيلي لأنه قائم على التطرّف والقتل والاستيطان والاحتلال والإرهاب والاغتيال، وإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تردع هذا الكيان هي من خلال إرغامه على دفع ثمن كلّ ما تسبب به من دمار وخراب في لبنان وفلسطين والعراق، تماماً كما تفعل تركيا دون مهادنة أو استكانة. آنذاك فقط سوف تنخفض أصواته الداعية للحرب والترويج لها الذي يدأب عليه في السرّ والعلن من أجل شن هجوم على هذا البلد العربي أو ذاك البلد المسلم. إن مهمة لجان التحقيق ليس فقط أن تكتشف «الأخطاء» التي نجمت عنها الحروب ولكن أن تتابع أسباب وأهداف هذه «الأخطاء» وأن يتكبد الذين روجوا لها ثمن أكاذيبهم وأن تقوم البلدان المعتدية بمحاسبة مجرمي الحروب، وبدفع كل التعويضات لضحاياهم، وإعادة إعمار كل ما هدمته حروبهم. متى يتمّ تشكيل لجنة للتحقيق بجريمة نشر مليون قنبلة عنقودية في جنوب لبنان قبل أن يضطر الكيان الإسرائيلي إلى وقف الحرب عام 2006؟ هؤلاء هم أنفسهم الذين روجوا للحرب على العراق والذين يستمرون في إذكاء حرب خاسرة في أفغانستان، فمتى تطولهم العدالة الدولية الحقيقية ويصبح الطريق للحرية والأمن هو طريق السلام والاستقرار وليس الطريق الذي تشقه المدافع والدبابات والصواريخ المعتدية على شعوب آمنة تحلم بالعيش بحرية وكرامة وسلام، متى يتعلم هؤلاء المخططون والمروجون للحروب أن الخرائط التي يخططون عليها هجماتهم مليئة، هنا في الواقع الحيّ، بالأرواح والعوائل والمجتمع، وليست أرضنا صحراء خالية من البشر ليمطروها بوابل حقدهم عليها، متى يدركون أن الإشارات على خرائطهم لشنّ هذه الحروب تدمّر حياة ومصائر الملايين من البشر، ومن ثم يستكثرون حتى الاعتذار عن جرائمهم؟ في العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان عادت واشنطن والأمم المتحدة وتبنت الكذبة الإسرائيلية، مع أن إسرائيل هي المعتدية دوماً على لبنان. الخطر الحقيقي يكمن في مصدر المعلومات الذي تشنّ على أساسه الحروب والذي يشكل الكذب الإسرائيلي ركيزة أساسية له. فليراقب العالم اليوم كذبهم عن «التهديد» الذي يسببه هذا السلاح أو ذاك المشروع كتكفير على الأقل عن كذبهم المثبت في الماضي القريب حول العراق.

==================

من معاني المواجهة الأخيرة بين الجيشين اللبناني و"الإسرائيلي"

آخر تحديث:الاثنين ,09/08/2010

غسان العزي

الخليج

عبّر كثير من المحللين والسياسيين “الإسرائيليين”، ومنهم إيهودا باراك، عن مفاجأتهم ودهشتهم إزاء قيام الجيش اللبناني بالتصدي لمحاولة جنود “إسرائيليين” اقتلاع شجرة على الحدود بين الطرفين .وقد وعدت حكومة نتنياهو بمعاقبته وشن حملة دبلوماسية واسعة النطاق لدى العواصم الغربية لإقناعها بعدم مساعدته وتسليحه بعد اليوم .

 

تحمل المواجهة العسكرية بين الجيشين اللبناني و”الإسرائيلي” معاني عدة، من بينها أن مقولة تلاحم “الشعب والجيش والمقاومة” التي ما فتئ يرددها حزب الله ليست شعاراً ممجوجاً من دون معنى، فالجيش اللبناني قام بعمل اعتاد الجميع أنه من صلب مهام المقاومة، بعدما نسي أن واجب الدفاع عن السيادة في وجه العدوان الخارجي هو من مهام ومبررات وجود جيش نظامي وطني . ورغم إمكاناته المحدودة جداً وانكشاف قواته ومراكزه وثكناته أمام سلاح جو العدو، لم يتردد في مواجهة الجيش الأقوى في المنطقة دفاعاً عن أرضه وسيادته . وقد سقط له شهداء وجرحى لكنه أوقع خسائر في صفوف العدو واستحق التفاف اللبنانيين جميعاً حوله، كما عبّرت تصريحات السياسيين من كل الأطياف والمشارب السياسية والمذهبية خلال المواجهة وبعدها .

 

برهنت هذه المواجهة على قدرة حزب الله على ضبط النفس وعلى سيطرة قيادته على كل عناصرها المنتشرين في المنطقة الحدودية، فلا “عناصر غير منضبطة”، ولا تصرفات فردية ناتجة عن حماسة أو تأخر وصول الأوامر من القيادة إلى القاعدة . كما بين حزب الله مجدداً عن مهارة سياسية فائقة عندما التزم التريث مع المراقبة والجاهزية العالية في وقت وضع نفسه بتصرف الجيش . والأكثر من ذلك عرف أمينه العام السيد حسن نصرالله كيف يبرر للرأي العام اللبناني والعربي عدم تدخله في المعركة تفويتاً للفرصة على “الإسرائيليين” ومن يتهمه بأنه يفتش عن فرصة لتفجير الوضع الأمني تهرباً من عواقب القرار الظني الذي سيصدر قريباً عن المحكمة الدولية الذي سيتهم عناصر “غير منضبطة” في الحزب بقتل الرئيس الحريري، على ما تتسرب شائعات “إسرائيلية” المصدر . زد على ذلك أن السيد نصرالله أوضح في خطابه أن المرة المقبلة التي سيتعرض فيها الجيش اللبناني أو السيادة اللبنانية لأي اعتداء فإن الحزب سوف يتدخل، ولن يمكن عندها اتهامه بافتعال التوتر أو الحرب .

 

كشفت هذه المواجهة، كما سابقاتها، منذ وجود قوات اليونيفيل الأولى في العام 1978 ثم الثانية في العام ،2006 أن جنود هذه الأخيرة يبحثون عن النجاة بأنفسهم عندما يبدأ إطلاق النار، ولا يسعون لحماية المدنيين أو العمل على وقف هذه النار . إن عملهم يكاد يقتصر على كتابة التقارير والمراقبة ورعاية الاجتماعات والمباحثات و”حماية إسرائيل”، كما قالت ذات مرة أنجيلا ميركل غداة إرسال الكتيبة الألمانية إلى لبنان . وعلى رغم ذلك رفض “الإسرائيليون” أن يتركوا، ولو في الشكل من دون المضمون، أي دور لهؤلاء في قضية الشجرة التي فجرت الموقف، إن لجهة تكليفهم بقطعها بعد التنسيق مع الجانب اللبناني، أو الإشراف على عملية القطع بعد الاستحواذ على موافقة هذا الأخير . لقد تصرف “الإسرائيليون” وكأنما لا وجود لليونيفيل ولا لجيش لبناني على الحدود المتنازع عليها، ومع ذلك جاء تقرير اليونيفيل منحازاً للجانب “الإسرائيلي” بعد نهاية المواجهة العسكرية .

 

كما أكدت هذه المواجهة أن الانحياز الأمريكي ل “إسرائيل” هو من الثوابت الأمريكية التي لا تتغير بتبدل الإدارة بين ديمقراطيين وجمهوريين، فعلى الرغم من كل النداءات الأمريكية للجيش اللبناني بزيادة عدده وعديده في الجنوب اللبناني، ودعمها بالبيانات والتصريحات لهذا الجيش الذي ينبغي له أن يكون الجهة الوحيدة المولجة حماية السيادة وحمل السلاح، فإنها وقفت ضده في أول اشتباك مباشر مع حليفها “الإسرائيلي”، متهمة إياه بأنه البادئ بإطلاق النار من دون مسوغ ومبرر .

 

في المحصلة قامت “إسرائيل” عبر تحرشها بالجيش اللبناني باختبار ستكون دروسه ونتائجه حاضرة في عملية تخطيطها لحربها المقبلة ضد لبنان وربما تؤثر في توقيت هذه الحرب أيضاً . لقد وجدت في وجهها شعباً لا يخافها، إذ إن أنباء المواجهة العسكرية التي انتشرت فوراً عبر أثير الإذاعات والفضائيات لم تؤد مطلقاً إلى حالة ذعر أو نزوح لسكان الجنوب اللبناني الذين يتوقعون حرباً “إسرائيلية” طاحنة عليهم في كل لحظة . ووجدت في وجهها جيشاً لبنانياً لا يتردد في المواجهة بمعزل عن حسابات موازين القوى . ولأنه ما من أحد في لبنان أو خارجه يستطيع لوم الجيش على القيام بأقدس واجباته فهذا يعني أن “إسرائيل”، إذا ما فكرت في شن الحرب، ستجد في وجهها إجماعاً وطنياً يفوّت عليها فرصة اللعب على الانقسام الداخلي اللبناني .

 

لقد قامت “إسرائيل” بمجرد اختبار، ومن المؤكد أنها لم تكن تبحث عن ذريعة لعدوان جديد على لبنان، بدليل أنها لم تسع لتوسيع نطاق المواجهات ولم تقم بحشود عسكرية بعدها . ومن جهته لم يحاول حزب الله استثمار الفرصة لتفجير حرب جديدة يتهمه خصومه بأنه يسعى إليها . وهذا ما يسمح بالاستنتاج أن ظروف الحرب “الإسرائيلية” على لبنان لم تنضج بعد، وليس ما يدل على أنها سوف تنضج في الأشهر القليلة المقبلة على ما يتوقع كثيرون، فالاختبار الذي جرى سيقنع “الإسرائيلين”، على الأرجح، بالمزيد من الانتظار . في هذا الوقت سوف يستمرون في محاولاتهم إشعال الفتن بين اللبنانيين بمناسبة المحكمة الدولية وفي كل المناسبات .

==================

التهدئة العربية في لبنان وعقدة المحكمة الدولية

آخر تحديث:الاثنين ,09/08/2010

عبد الاله بلقزيز

الخليج

يريح اللبنانيين كثيراً أن يشعروا أن حماية عربية لأوضاعهم ينعقد الاتفاق عليها بين الدولتين الكبيرتين الراعيتين لوفاقهم الداخلي (منذ “الطائف” حتى “الدوحة”): السعودية وسوريا . يعلمون، بالتجربة وسوابق الخبرة، أن وفاقهم يستقيم كلما استقام التفاهم بين دمشق والرياض، ويضطرب كلما حلّ الجفاء بين العاصمتين، ويعلمون أكثر أن أحداً منهم لا يملك أن يعترض على ما ينتهي إليه التفاهم بين العاصمتين من أحكام، لأن هذه الأحكام تسري على الجميع ولا تقبل نقضاً من أحد إن لم يشأ المعنيون بإصدارها مراجعتها هم بأنفسهم . قد ينقم عليها من اللبنانيين من ينقم إذ يشعر بأنها استثنته من توزيع الحقوق والحصص أو لم تنصفه فيها، لكنه لا يملك غير أن يكتم غيظه فيدخل في ما دخل فيه الآخرون من إشادة بدور الراعيين الشقيقين .

 

والحق أن التوافق بين سوريا والسعودية - وبمعزل عن موقف هذا الفريق أو ذاك من اللبنانيين منه - ظل باستمرار مدخلاً رئيساً إلى توليد حالة وفاقية داخل لبنان بعد جولة حرب أو موجة أزمة في الحكم أو عاصفة نزاع سياسي مستحكم، ومع أن اللبنانيين جميعاً ما كانوا - دائماً - موزعين في الولاء على العاصمتين العربيتين الراعيتين، بل كان في جملتهم من عقد الولاء لواشنطن أو لباريس ومن قيل عنه إن ولاءه كان لتل أبيب، إلا أن فريقاً منهم ما استطاع يوماً - على الأقل علناً - أن يجاهر برفض تسوية ينضجها الوفاق السوري - السعودي . ربما كان العماد ميشال عون حالة وحيدة واستثنائية في الاعتراض على مثل تلك التسوية الناجمة من التوافق بين الدولتين، على نحو ما كان عليه موقفه من “اتفاق الطائف” في العام ،1989 لكن ثمن ذلك عليه كان فادحاً في النهاية، وكلفه عزلاً سياسياً دام قرابة عقد ونصف .

 

لم يكن التوافق السوري - السعودي ينتج حلاً سياسياً في لبنان دائماً، وإنما كان قصارى ما ينتهي إليه أحياناً هو فض اشتباك سياسي وإثمار تهدئة في انتظار إنضاج شروط وفاق سياسي داخلي . وليس هذا نتيجة قصور في المعالجة من قبل الدولتين، وإنما تقصدانه قصداً حينما لا تكون موارد الحل والمعالجة متوفرة داخل لبنان ويكون بعض تلك الموارد في حوزة قوى أخرى من خارج لبنان لا تملك دمشق والرياض السيطرة عليها وتسخيرها، لكن مجرد طلب التهدئة، في مثل هذه الحال من استعصاء الحل السياسي على الاجتراح، يمثل في حد ذاته تدخلاً ناجحاً وإيجابياً، على الأقل لأنه يحرر مناخات التجاذب اللبناني الداخلي من الاحتقان والتصعيد ويمنعه من التحول من تجاذب إلى نزاع مفتوح .

 

ذلك، على وجه الدقة، ما ينطبق اليوم على المسعى السوري - السعودي إلى تهدئة التوتر السياسي المستفحل في لبنان على خلفية التنازع الداخلي على المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومدى ما تتمتع به من شرعية وحياد أو من تسييس وتوظيف . إذا تركنا جانباً مشهد التآلف السوري - السعودي غير المسبوق في حرارته وفي تخطيه الأعراف البروتوكولية، فإن ما أشاعه في نفوس اللبنانيين من طمأنة كان كبيراً على علم الجميع بأنه (قد) لا يستطيع أن يضع حداً للنزاع على المحكمة إن كان يستطيع أن يرضي كل فريق في بعض ما يطلبه لنفسه،وهو قليل، وإذا أمكن التدقيق في وصف أغراض التهدئة السورية - السعودية للتوتر اللبناني، فإن أنسب وصفٍ لها أنها ترشيد النزاع وليس إنهاؤه .

 

فأما أن التهدئة ليست برسم إنهاء النزاع على شرعية المحكمة الدولية، فلأن مصير تلك المحكمة لم يعد في يد لبنان إن ابتغى - بالتفاهم - نظراً جديداً فيها يلحظ ما يمكن أن ينجم من مترتبات على السياقات التي تذهب إليها اليوم، إذ المحكمة باتت - منذ قرار إنشائها - شأناً من مشمولات سلطة مجلس الأمن الدولي . وأما أن التهدئة تتغيا عملياً ترشيد النزاع، فلأن الجميع يدرك أن لبنان بات فعلاً في نفق المحكمة الدولية وأن أحداً من الفريقين اللبنانيين المتنازعين ليس جاهزاً للتنازل عن حقه (حق رئيس الحكومة سعد الحريري - ومن يمثل - في دم والده وحق “حزب الله” في إسقاط التهمة عن المقاومة) وحين لا يكون ممكناً إنهاء نزاع من هذه الدرجة من التعقيد، فلا أقل من ترشيده .

 

ليس الترشيد شيئاً آخر غير تنظيم الخلاف الداخلي حول المحكمة بين الفريقين المعنيين بها وبقرارها الظني، أي رسم القواعد الضابطة له على النحو الذي يبقيه تحت السيطرة، ويحول دون استفحاله أو جنوحه لتوتير العلاقات الداخلية اللبنانية، ويقع تحت تلك القواعد الضابطة إخراج الخلاف حول المحكمة من السجال الإعلامي اليومي، والعودة إلى الحوار الوطني وإلى المؤسسات (البرلمان، الحكومة) .

 

مسعى جيد هو هذا الترشيد، لكنه لا يوفر إلا حلاً مؤقتاً لن يفيد كثيراً في تبديد الهواجس مما قد يقع بعد أشهر، وهو قطعاً لن يبددها حتى وإن نجحت مساعٍ عربية إلى تأجيل صدور القرار الظني على الأقل بالنسبة إلى “حزب الله” وهذا يعني أنه لا بد من حل لأزمة مؤجلة .

 

لابد، هنا، من الانتباه إلى أمرين: أولهما أن إنضاج مثل هذا الحل سعودياً وسورياً يحتاج إلى بعض الوقت لأن عقدة الأزمة ليست في لبنان، بل في مكان آخر، ربما - بل على الأرجح - في واشنطن، وعليه، قد يقتضي كسب الوقت مسعى إلى تأجيل صدور القرار الظني، وثانيهما أنه إذا صدق ما يقوله “حزب الله” عن المحكمة بأنها مسيسَة - وهو على اليقين صادق - وإذا أمكن تأجيل صدور القرار الظني، وفي ذلك دليل إضافي على تسييس المحكمة، فإن ما بُنِيَ على التسييس لا يُحل إلاّ بالسياسة: حينها لن يكون التذرع بالقانون والعدالة حجة أمام البحث عن تسوية سياسية مع من يمسكون بمصير المحكمة في العالم .

==================

العراق وأفغانستان.. مفارقة رهان أوباما

بقلم :صحيفة «لوموند» الفرنسية

البيان

9-8-2010

تبدو رهانات الرئيس الأميركي باراك أوباما جريئة، عندما يتمسّك بالوفاء بما وعد فيه. وكان قد أكّد أمام مؤتمر قدماء المحاربين في اتلانتا يوم 2 أغسطس الجاري، أنه سوف ينفّذ ما وعد به أمام قوات المارينز في معسكر لوجون يوم 27 فبراير 2009، أي بعد تسلّمه مهام منصبه بفترة قصيرة، عندما قال: «إن المهمة القتالية الأميركية في العراق» سوف تنتهي بتاريخ 31 أغسطس 2010.

 

كان يوجد في العراق عند وصوله إلى السلطة 144 ألف جندي، ولن يبقى منهم ما بين سبتمبر 2010 وديسمبر 2011، أي في الموعد المرتقب للرحيل النهائي لقوات الحملة العسكرية، سوى 50 ألفا، وستكون مهمّة هؤلاء هي «دعم وتدريب قوّات الأمن العراقية».

 

الوقت الحالي لا يبدو أنه الأكثر مناسبة لمغادرة العراق. وشهر يوليو الماضي كان الأكثر قتلا منذ عامين (على الأقل 222 قتيلا حسب الجيش الأميركي، و535 حسب المصادر الصحافية).

 

وعمليات القاعدة تتكاثر من جديد في العراق، والبلاد لم تتمكّن من تشكيل حكومة بعد انتخابات 7 مارس الماضي، والاقتصاد ضعيف بينما لم يصل إنتاج النفط إلى مستوى ما قبل الحرب. والبرهان على أن الثقة لم تستعد، هو واقع أن 1,8 ملايين عراقي يعيشون دائما في الخارج.

 

ورغم هشاشة الوضع، فإن باراك أوباما، الذي كان قد عارض بشدّة غزو العراق عام 2003، وانتقد إرسال قوات إضافية إليه عام 2007 كانت قد ساهمت في التهدئة وحدّت من عمليات القاعدة، أمر باحترام الجدول الزمني المعلن في معسكر لوجون. وجدد القول إنه ليس للولايات المتحدة «أيّة مطامع» لاحتلال العراق أو في «ثرواته».

 

لكن هناك مفارقة في القناعة الراسخة لدى أوباما، بأن أميركا قد أخطأت جزئيا بعد 11 سبتمبر بحربها، ذلك أن رهان الانسحاب من العراق، جرى استكماله في الواقع برهان زيادة القوات الأميركية في أفغانستان. ونفس الشخص، الجنرال دافيد بتراوس، القائد الأميركي في كابل اليوم، هو الذي تولّى القيادة أثناء زيادة عدد القوات في العراق.

 

الرهان جريء، إذ ليس هناك ما يشير إلى أن إرسال دعم إلى أفغانستان سوف يؤدي، كما حدث في العراق، إلى تحجيم نشاط المتمرّدين من طالبان، المتواجدين في باكستان والحلفاء للقاعدة.

 

وكان أوباما قد بدأ فترته الرئاسية بتحديد المشكلة بوضوح، وهي أن الانسحاب من العراق ينبغي منه أن يسمح بتكثيف المعارك ضد القاعدة، ليس في أفغانستان وحدها ولكن في منطقة تشمل أفغانستان وباكستان.

 

هذه الاستراتيجية أعطت ثمارها، وتمّ توجيه ضربات قاسية للقاعدة في باكستان. كما يبدو أن إسلام أباد تصحح شيئا فشيئا من اللعبة المزدوجة التي تعود لحقبة بوش (كما دلّت الوثائق السرّية التي جرى نشرها مؤخرا).

 

بقي القول إن حضور الحلف الأطلسي في أفغانستان، لم ينجح حتى الآن في النضال ضد القاعدة. بل على العكس، إنه يشكّل حجّة لتقاطر المتمرّدين، ويصبغ الشرعية على انتفاضة طالبان، في نظر سكان تائهين في خضم ثلاثة عقود من الحرب.

==================

الأسلحة النووية والسلام العالمي

بقلم :ناثان غاردلز

البيان

9-8-2010

تعلمنا من دمار مكتبة الإسكندرية في العام 415 قبل الميلاد، وما يعرف بانهيار حضارة المايا الغامض، أن المعرفة يمكن أن تفقد دون قصد، من خلال الفوضى والحروب. ولكن هل يمكن أن تفقد المعرفة عن قصد؟

 

هذا باختصار، هو اللغز المحير بشأن فكرة التخلص من الأسلحة النووية.

 

هل يمكن أن نضع العفريت، الذي حرره آينشتين، في قمقمه مرة أخرى؟ إذا لم يكن من الممكن تحقيق ذلك، فإنه ليست هناك أي ضمانة بأن مقترح خفض الأسلحة النووية، إلى مستوى الصفر، الذي طرحه الرئيس الأميركي باراك أوباما، يمكن أن يوفر أي نوع من الأمن. في الحقيقة، توهم أن المعرفة يمكن محوها، قد يجعل العالم مكاناً أكثر خطورة.

 

جلست، أخيراً، مع عدد من أبرز الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين في مجال الأسلحة النووية من عهد الحرب الباردة، وأجرينا نقاشاً غير مسجل لتبادل وجهات النظر، بشأن الوعود والمخاطر التي تحملها أول محاولة جادة، منذ قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، للسير بالبشرية إلى الخلف، بعيداً عن الحافة النووية قدر الإمكان. هؤلاء الرجال ذوو التجربة الغنية والخبرة الطويلة، كانوا أقرب إلى الرزانة من التسرع، عند الحكم على احتمالات السلام في عالم خال من الأسلحة النووية.

 

في خطابه الشهير في العاصمة التشيكية براغ في أغسطس 2009، دعا الرئيس أوباما للعودة إلى «سلام وأمن لعالم خال من السلاح النووي». ولكن، كما يشير الاستراتيجيون، فإن حربين عالميتين مدمرتين سبقتا الاستخدام الأول للسلاح النووي.

 

ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى 65 عاماً، لم نر أي حرب من ذلك النوع بين قوى عظمى على نطاق عالمي. ورغم أن التاريخ لا يبوح ببدائله، فإنه يبدو كما لو أنه من المؤكد أن الردع النووي نجح، حتى الآن على الأقل، في منع محرقة نووية.

 

هذه حقيقة، حتى على الرغم من أن الأسلحة النووية لا تستخدم لأي غرض آخر بخلاف ردع استخدامها. احتمال محو الحضارة البشرية، كما نعرف، يجعل كل أسباب خوض الحروب تتهاوى أمامه.

 

في النهاية، فإن الخوف وليس الثقة المتبادلة، هو الآلية التي تجعل العدو يبقى بعيداً. إذا كانت المعرفة والتكنولوجيا لإنتاج أسلحة نووية متوفرتين، فمن يستطيع أن يكون واثقاً من أن التعهدات بمحو هذه الأسلحة تصدر عن نية صادقة؟ وعندما يتعلق الأمر باحتمال حدوث محرقة نووية، فإن الطريق الأكثر أمناً هو توقع الأسوأ، وليس الأفضل، من جانب عدو محتمل.

 

باختصار، إن عالماً خالياً من الأسلحة النووية، ولكن كل طرف فيه يملك التكنولوجيا اللازمة لصنعها من جديد، ربما يكون عالماً أكثر فوضى من عالم يشهد سباق تسلح متسارعاً، ولكن يحاول الجميع فيه التغلب على أفضلية وأسبقية الآخر.

 

بدلاً من الاتجاه نحو مستوى الصفر في الأسلحة النووية، والانشغال بالأرقام، يقول الاستراتيجيون، إن التركيز يجب أن يكون على خفض أكثر أنواع الأسلحة زعزعة للاستقرار، مثل الصواريخ متعددة الرؤوس، أو الصواريخ المتحركة التي يسهل إخفاؤها. سيؤدي ذلك إلى استقرار أكبر، وليس أقل.

 

بالتأكيد هناك فرصة كبيرة لخفض جذري لترسانات الأسلحة النووية، وهو ما بدأت اتفاقية «ستارت» الجديدة تحقيقه، انطلاقاً من الأسلحة الأكثر زعزعة للاستقرار. كما أنها تضع ضوابط تمنع إطلاق الصواريخ النووية، من دون إذن أو عن طريق الخطأ. طالما كان هناك توازن، ولو في الحد الأدنى، الأمر الذي يضمن التدمير المتبادل، فإن الردع سيصمد.

 

بؤرة الاهتمام الأخرى، يجب أن تنصب على وسائل ردع أخرى غير نووية. مع أن الكثير منها يمكن أن يسبب عدم الاستقرار إذا حدثت فجوة كبيرة بين الخصوم، سواء أكانت حقيقية أو وهمية.

 

وللأسف، يبدو أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها محو تكنولوجيا الأسلحة النووية من الوجود، هي قيام حرب نووية تدمر الحضارة البشرية التي أفرزتها. وبدلاً من هذه النهاية الكارثية، فإنه يجب العمل على بناء نظام استقرار، بدلاً من الحلم بعالم خال من الأسلحة النووية.

محرر نشرة «نظرة عالمية شاملة» وزميل في معهد نيكولاس بيرغروين

==================

"هدّد" نجاد أردوغان فتخلى عن "الامتناع"

سركيس نعوم

sarkis.naoum@annahar.com.lb

النهار

9-8-2010

رداً على سؤال اذا كان الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بحث مع تركيا بعد توقيع الاتفاق الثلاثي "النووي" اذا جاز التعبير على هذا النحو في مواصلة ايران تخصيب الاورانيوم التي تحدث عنها علناً، قال القريب من "اتراك نيويورك" نفسه: "لا نعتقد أن بحثاً في الأمر قد جرى. لكن التخصيب المستمر بنسبة 20 في المئة للاورانيوم في ايران لا بد ان يتوقف اذا استؤنفت المحادثات بينها وبين ايران ومجموعة ال5+1 الدولية وكذلك مع الاتحاد الاوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك سيحصل قريباً اي بعد توجيه وزير خارجية ايران منوشهر متكي رسالة بهذا المعنى الى مجموعة ال5+1" .

سألت: لماذا كانت اميركا تتوقع ان يكون موقف تركيا من مشروع العقوبات على ايران الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن؟ اجاب: "لاسباب عدة منها ان علاقات أميركا وتركيا جيدة. واستمرت كذلك اي لم تُصَبْ بالضعف خلافاً لرهانات الكثيرين. فتركيا لها أدوار في اسيا الوسطى وفي المشرق وفي الخليج ومع ايران. وهي ليست في حال صراع مع ايران، بل ربما هناك حالياً محاولة لاقامة شركة بين هاتين الدولتين. وتركيا لا تعارض دوراً اقليمياً لايران وذلك رغم انها تعرف ان ايران تعارض وإن ضمنياً دوراً اقليمياً لتركيا. ذلك انها تعرف ان السنة العرب يخافون منها ويريدون ان تقف الى جانبهم ضدها أو على الاقل ضماناً لعدم اعتداء قوة كبرى عليهم ربما نظراً الى ضعفهم. وهذه القوة هي تركيا. ويقال ان تركيا كانت فعلاً قريبة من اتخاذ قرار بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن. وهي ربما ابلغت الى الاميركيين ذلك وعلى اعلى المستويات. لكن الذي حصل ان رئيس ايران محمود أحمدي نجاد اتصل برئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان وابلغ اليه ان ايران ستسحب توقيعها عن الاتفاق الثلاثي "النووي" الذي وقعته مع تركيا والبرازيل في حال كان الموقف التركي الامتناع عن التصويت، وليس التصويت ضد قرار فرض عقوبات جديدة على ايران. وابلغ اليه ايضاً ان الامتناع التركي سيوقف المفاوضات حول الموضوع النووي الايراني، وان ايران ستعتبر هذا الموقف اهانة لها. ولم يكن امام تركيا الا التصويت ضد فرض العقوبات. وقد يكون لما تعرّض له "اسطول الحرية" اي "الفلوتيلا" من اسرائيل وما ادى اليه من سقوط ضحايا اتراك دور ما في التصويت التركي على النحو المشار اليه".

علّقت: قرأنا وسمعنا ان رئيس الوزراء التركي اردوغان ظل متردداً في الانضمام الى محادثات نجاد والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا التي اثمرت "اتفاقاً ثلاثياً" حول الملف النووي الايراني في آخر لحظة. وكان قراره عدم الاشتراك في كل ذلك. ما الذي حصل ودفعه الى تغيير موقفه أو على الاقل التخلي عن تردده؟ أجاب: "هذا صحيح. أرسل وزير خارجيته محمد داود اوغلو الى الاجتماع في طهران. وشارك في التفاوض الذي كان جارياً هناك والذي استمر قرابة 18 ساعة. وعندما تأكد ان الاتفاق الذي شارك في وضعه صار نهائياً ابلغ رئيسه اردوغان فقدم الى العاصمة الايرانية. لم يكن اردوغان ساعياً وراء "بروباغندا" لنفسه او لنجاد. على كل كان مقتنعاً ان اوباما شجع على اتفاق كهذا خطياً. وشجع عليه ايضاً الرئيس البرازيلي. في اي حال تركيا حزب العدالة والتنمية الحاكم لا تريد عودة "العثمانية". تريد دوراً اقليمياً مهماً. وهذا أمر مشروع. لكنها تريد ان تحصل عليه بل ان تنفذه بالتعاون مع القوى الاقليمية الاخرى. في اختصار كل الامور بل كل المواقف التي اتخذتها الحكومة التركية في المرحلة الماضية صحيحة من الناحية التقنية. لكن ربما اذا عاد المسؤولون الاتراك الى الوراء قليلاً وراجعوا كل المرحلة بكل تطوراتها فقد يكتشفون ان اخطاء ارتكبت. لكن كل شيء يمكن ترتيبه واصلاحه".

علّقت: على كل حال تعرفون ان المشكلات مع الحكومة التركية الاسلامية بدأت عام 2003 وذلك عندما رفض رئيسها السماح بعبور الجيش الاميركي اراضي بلاده وصولاً الى العراق لتنفيذ مهمة اسقاط نظامه ورئيسه صدام حسين. علّق القريب من "اتراك نيويورك" نفسه، ولكن على موضوع آخر هو العلاقة مع اسرائيل. قال: "علاقات تركيا واسرائيل ستستمر. لكن مستواها سيبقى مخفوضاً مدة معينة. وكما قلت ان من يريد دوراً اقليمياً فاعلاً عليه ان يكون على علاقات وإن بالحد الادنى مع الجميع مثل اسرائيل وايران وسوريا ومصر والسعودية والاردن... هذا صحيح. وتركيا الحالية تقوم به ويعتقد حكامها انها ستنجح فيه". سألت: ألا تعتقد ان الاستحقاقات الداخلية في تركيا مثل الاستفتاء في ايلول المقبل او الانتخابات التشريعية السنة المقبلة تجعل حكومة تركيا في حاجة الى الشارع اي الى الناخبين المتعاطفين مع قضايا فلسطين والقدس والاسلام. ومن شأن ذلك ان يدفعها الى التصعيد؟ اجاب القريب نفسه: "لا نعرف، على كلّ لِنَر ونراقب".

ماذا في جعبة موظف مهم على تعاط جدي مع ملف تركيا في احدى "الادارات" البارزة داخل الادارة الاميركية؟ في بداية اللقاء سألته عن تقويم الادارة في واشنطن لطريقة تصويت تركيا على قرار فرض عقوبات جديدة على ايران في مجلس الأمن. أجاب: "بداية دعني اقل لك اننا بيّنا للبرازيليين والاتراك ماذا يجري وحقيقة ما يرمي الايرانيون الى تحقيقه وفي مقدمهم رئيسهم محمود احمدي نجاد. قلنا لهم انهم يريدون سلاحاً نووياً. اساساً ان المشروع الذي تطور فصار "الاتفاق الثلاثي" الذي وُقّع نحن وضعناه على الطاولة أي مجموعة ال5+1. وشجعنا الجميع على تبنيه والعمل لبدء حوار مع ايران انطلاقاً منه. لكن الذي حصل ان ايران ورئيسها نجاد خدعا (Fooled) الاتراك والبرازيليين رغم تحذيرنا اياهم. فوقَّعوا الاتفاق. الاتفاق الذي وُقِّع هذا هو الدليل على ان ايران تعمل للحصول على سلاح نووي وخصوصاً عندما اكد نجاد بعد توقيعه ان ايران ستستمر في تخصيب الاورانيوم". هل تحدثتم عن هذا الأمر او عن هذه الخدعة مع حلفائكم الأتراك؟ سألت. بماذا أجاب؟

==================

الطموح الأميركي في الشرق: نحو مزيد من دولة «الكنز والصفقة»

راكان المجالي

الرأي الاردنية

9-8-2010

في محاضرة ل «روبرت ساتلوف»، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في أواخر تموز/يوليو الماضي، أقامها في مركز «نيكسون»، بعنوان «إسرائيل أصل أم عائق»، وقدّم فيها رؤية لجوهر العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لم تجرؤ السياسات الأميركية المعلنة حتى الآن، وكذلك السياسات العربية الرسمية (المعتدلة، بتعبير هذه الأيام)، على الاعتراف بها، أو الإقرار بحقيقتها .

وفي تلك المحاضرة، على خطورتها وأهميتها، قيل كلام كثير، هو في الأصل وجهة نظر وأفكار الغالبية العظمى مِن حركات التحرر الوطني العربية تاريخيا. وقد قام «ساتلوف» بتكثيف المحاضرة، على هيئة مقال بعنوان: «إسرائيل: ليست مجرد ثروة استراتيجية، لكنها الصفقة الاستراتيجية». فعلى الرغم مِن أنّ «ريتشارد نيكسون» كان أول رئيس أميركي يعترف بالقيمة الاستراتيجية لإسرائيل، بالنسبة للمصالح القومية الأميركية، فإنّ الأغلبية الكاسحة من الأميركيين، والأغلبية الشاسعة من استراتيجيات كلا الحزبين الكبيرين، والأغلبية الكبيرة لقادة الجيش، والمتخصّصين في الأمن القومي، ومعظم الأطياف السياسية الأميركية، يوافقون على تلك القيمة. أمّا الجديد، فهو إقرار «ساتلوف» التاريخي بالحقائق التفصيلية التالية :

 «مِن خلال خدمة إسرائيل، كوكيل لأميركا، بعد حرب الأيام الستة، فإنها ساعدت (أي إسرائيل) على احتواء التمدد السوفياتي في المنطقة. وألحقت هزائم مذلّة بعملاء السوفيات مثل مصر وسوريا. بل ساعدت إسرائيل أحيانا على حماية حلفاء أميركا الآخرين، وأجبرت بسالتها العسكرية موسكو على زيادة الإنفاق لدعم عملائها المهزومين. كما أعطت إسرائيل أيضا الولايات المتحدة معلومات استخباراتية مفيدة عن القدرات السوفياتية».

ولإدراك القيمة الاستراتيجية للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، يحاول «ساتلوف» إثبات «أن إسرائيل هي أصل استراتيجي للولايات المتحدة». فتلك العلاقة (وهذا ما يثبته ساتلوف للواهمين مِن العرب)، مقارنة بأية علاقات أخرى في الشرق الأوسط، هي منجم ذهب استراتيجي للولايات المتحدة.

 «مِن مصلحة أميركا أن تكون لها أمة من الأصدقاء»، شعوبا وحكومات، أي ان يكون لها مناصرون ثابتون، ودعاة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط الأكبر .

فبحسب «ساتلوف»، وهو محقّ، فليس هناك دولة في الشرق الأوسط، شعبا وحكومة، على تحالف وثيق مع الولايات المتحدة، كما هي الحال مع إسرائيل. ففي بعض الدول، يكون الشعب مواليا لأميركا، وفي البعض الآخر تكون الحكومة هي الموالية. أمّا في إسرائيل، فالحكومة والشعب، في آن معا، داعمان لأميركا، وبلا تردد. فإنّ هناك تشابها في الثقافة والقيم، يصبُّ في قلب المصلحة القومية الأميركية.

 «مِن مصلحة أميركا أن يكون لدى إسرائيل اقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا باقتصاد الولايات المتحدة، وتطور مماثل، في مجال تكنولوجيا المعلومات، والطب العالي التقنية، وفي التكنولوجيا الخضراء (الصديقة للبيئة) مثل السيارة الكهربائية».

فقوة تلك العلاقة الاستراتيجية ساعدت على تحوّل إسرائيل «مِن حالة السلّة الاقتصادية إلى محطة التوليد الاقتصادية»، وإلى أن تكون شريكا اقتصاديا لأميركا.

 «مِن مصلحة أميركا ان كانت لها شراكة عمل قريبة مع إسرائيل منذ أكثر من ثلاثين سنة في السعي للسلام في الشرق الأوسط » .

وإذا كان ثمّة مَن يتحسَّر على عملية السلام، باعتبارها «مجرد عملية بدون سلام»، وينتقد قوة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، كعائق للتقدم وليس أحد مقوّماته، فإنّ «ساتلوف» يختلف معه. فهو يعتقد أن إسرائيل القوية، مع العلاقة الأميركية الإسرائيلية القوية في جوهرها، كانت محورا مركزيا لعملية السلام المعروفة. وكذلك، فإنّه يرى، على نحو تاريخي، أنّ عملية السلام بالشرق الأوسط كانت واحدة من أنجح المبادرات الدبلوماسية الأميركية، في النصف الأخير من القرن العشرين.

وفي رأي أحد المراقبين المطّلعين: فإنّ «عملية السلام كانت وسيلة للأميركيين لتحقيق النفوذ، في كل أرجاء إقليم الشرق الأوسط الكبير، وقدمت (أي عملية السلام) تبريرا للتصريحات العربية بصداقاتها للولايات المتحدة، حتى لو ظل الأميركيون منحازين لصالح إسرائيل». وبمعنى آخر «فإنها ساعدت على محو ما يمكن أن نراه من لعبة المباراة الصفرية».

ووفقا لهذا الرأي، فقد نتج هذا النوع من عملية السلام، الذي يستحقّ الثناء، عن حرب العام 1973، بحسب رؤية «روبرت ساتلوف». وذلك عندما بدأ بالتشكّل «تطوران متداخلان»، وهما نموّ العلاقات الاستراتيجية الثنائية، بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي انطلقت في المجالين الاقتصادي والعسكري، وظهور عملية السلام في شكلها الحالي بقيادة أميركا. ومنذ ذلك الحين، تغيّرت الساحة العربية الإسرائيلية، بصورة مثيرة، لصالح المصالح الأميركية. وخلال العقود الثلاثة الماضية، ظهرت الى الوجود اتفاقيات سلام بين إسرائيل وأقوى دولة عربية (مصر)، والدولة ذات الحدود الاطول مع إسرائيل (الأردن). كما تحقّق، خلال تلك العقود الثلاثة، الهدوء على الحدود السورية. هذا بالإضافة الى سبع عشرة سنة من الدبلوماسية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا أيضا فرق إيجابي وهائل، وفق تلك الرؤية.

بطريقة حسابية بسيطة، يستنتج «ساتلوف» أنّ علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل قد ساعدت على إحداث ازدهار استراتيجي للولايات المتحدة بلغة الصفقات.

أمّا الخلاصة الأهم، التي يخرج بها، فهي: إن ما تحتاج اليه أميركا بالفعل، في الشرق الأوسط، هو المزيد من «إسرائيل». ليس المزيد من نموذج الدولة اليهودية، لكن نماذج مِن حلفاء أقوى، وأكثر ديموقراطية وموالاة لأميركا، ويمكن الاعتماد عليهم بشكل أكبر. ويفضل أن تكون، لدى أميركا، واحدة أو اثنتان من هذا النوع في الخليج العربي. ذلك أنّ غياب هذه النوعية من الحلفاء هو تحديدا ما أوقع الأميركيين في مثل هذه المشكلة العويصة خلال العقود الثلاثة الماضية. فما ينبغي أن تطلبه الولايات المتحدة بالفعل، هو دول تستطيع (حيث تكون أميركا القوية بجوارهم ) أن تعتني بأنفسها، وتسلّط الضوء على قيمنا في أثناء ذلك. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نستخدم دولتين أخريين مثل إسرائيل.

أوَ ليس ما نراه في المنطقة العربية، مِن تسابق في برامج الإصلاح والديموقراطية والقيم والثقافة، بين العديد مِن الدول، هو نفسه التراكض المحموم، لاكتساب جدارة التأهيل والاعتماد، لموقع الحليف الأميركي المطابق لنموذج الدولة الاسرائيلية؟

==================

تنافس المشروعين الإيراني والتركي وغياب العرب

المستقبل - الاثنين 9 آب 2010

العدد 3736 - رأي و فكر - صفحة 19

توفيق المديني

لا تزال المستفيد الأول من الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، إذ أسفر تدمير العراق عن تعزيز وتقوية هيمنة الدور الإقليمي لإيران، وهو ما شكلّ مخاوف جدية لإسرائيل، التي عملت ما بوسعها لإضعاف النفوذ الإيراني، من خلال تحريضها المستمر للولايات المتحدة الأميركية لفرض عقوبات ضد إيران، وتهديدها الثابت لضرب منشآتها النووية إذا لم تقم أميركا بهذه المهمة بنفسها. وفي الوقت عينه، ردّت إسرائيل بقوة على المحاولات التي قام بها "حزب الله" و"حماس"، وهما لاعبان دون مستوى الدول، حيث تحديا سلطة إسرائيل وقوتها العسكرية من خلال الحصول على الحد الأدنى من قدرات الردع العسكرية.

في البداية قام المشروع الإقليمي الإيراني، على تصدير الثورة الإسلامية الأمر الذي استنفر خوف وحتى عداء العديد من الدول العربية التي زادت من ارتباطاتها بالغرب، ثم لاحقاً على رفع لواء "الممانعة" من خلال التصدي للسياسات الأميركية و الإسرائيلية، والاستثمار المالي والأيديولوجي عبر التحالفات مع الدول المناهضة لسياسة الهيمنة الأميركية-الإسرائيلية، والحركات الإسلامية الجهادية التي تقاتل دولة الاحتلال الصهيوني، وتناهض خط التسوية في المنطقة.

لقد تنامى الدور الإقليمي التركي بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث أضحت تركيا ترسم سياستها الإقليمية بغطاء وتأييد من الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها قوة موازية للدور الإقليمي الإيراني الذي ترفضه واشنطن، حتى مع تأكيد تركيا المستمر أنها لا تتواجه مع إيران في المنطقة.

في المقارنة بين تكاليف المشروع الإقليمي التركي والمشروع الإقليمي الإيراني، في منطقة الشرق الأوسط نجد أن هناك بوناً شاسعاً بين المشروعين. فالمشروع الإقليمي التركي تبلور في ظل نضج مكوناته الداخلية: الإصلاح الديمقراطي الداخلي على الرغم من المشكلات البنيوية التي تعاني منها أنقرة (المسألة الكردية، التشنّجات مع الجيش والقوى العلمانية خلال عملية الدمقرطة التي تشهدها الدولة)، والاستقرار السياسي النسبي، و الطاقات الاقتصادية الدينامية الهائلة، والقدرة على التوفيق بين الإسلام و الديمقراطية.

يرفع المشروع الإقليمي التركي لواء "التحديث والانفتاح" في ظل صعود تركيا كقوة اقتصادية لها مكانتها الدولية و الإقليمية. إذ تعتبر تركيا سوقاً استهلاكية كبيرة، ولاسيما أنها تضم 72 مليون نسمة، وتعتمد على يد عاملة شابة وكفؤة استطاعت أن تحول البلاد إلى مصنع ناشط للمنتجات القابلة للتصدير مثل السيارات وقطع الطائرات والأجهزة الكهربائية والمعدات والأقمشة. كما اجتذبت تركيا استثمارات مباشرة بقيمة 23 مليار دولار سنة 2008، حيث يوجد فيها أكثر من 22 ألف مؤسسة عالمية. ويوجه البلد أكثر من 46 من صادراته نحو الاتحاد الأوروبي ويستقطب 66 من الاستثمارات المباشرة من بلدانه.

ولقد تعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والبلدان العربية خلال السنوات الأخيرة، تشهد على ذلك الاستثمارات العربية الجديدة في تركيا التي تقدر الآن بنحو 20 مليار دولار، وتعاظم دور شركات المقاولات التركية في تنفيذ بعض المشاريع في البلدان العربية.

هذه الميزات الفعالة هي التي أفسحت في المجال لتركيا لكي تطور سياسة خارجية ناشطة وفعالة تستخدم أدوات جديدة و فعالة في منطقة الشرق الأوسط، مثل الروابط القوية التي تقيمها تركيا مع أوروبا و التي من شأنها أن تسمح للبلاد أن تكون جسراً بين أوروبا و الشرق الأوسط جغرافياً واقتصادياً و ثقافياً، وكذلك الروابط القوية التي تربط تركيا بالعالم العربي و الإسلامي، و لا سيما على صعيد الرؤى الثقافية المشتركة والتاريخ المشترك.

المشروع الإقليمي التركي دخل في منافسة قوية مع المشروع الإقليمي الإيراني لكسب "الشارع العربي"، الذي انحاز في العقد الأخير لمحور دول الممانعة بسبب مواقفه من الصراع العربي الصهيوني، و القضية الفلسطينية. وهاهي القيادة التركية بزعامة رجب طيب أردوغان تحشد العالم العربي والإسلامي لخوض معركة القيادة للقضية الفلسطينية الآيلة للتصفية، مع المشروع الإقليمي الإيراني، فيما يزايد كلّ مشروع إقليمي على الآخر ب... فلسطين، بعد سقوط النظام الإقليمي العربي، وخروجه من دائرة الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، مفسحاً في المجال للمشاريع الإقليمية غير العربية، كي تستعمل القضية الفلسطينية، التي كانت قضية مركزية للأمة العربية في مرحلة صعود النظام الإقليمي العربي، لخدمة مصالحه القومية . ورغم أنّ الصراع مع إسرائيل سيستمرّ في صيغة أو أخرى، بقيادة تركيا أو بقيادة إيران، فإنه يظل محدوداً جداً، في ظل ترك العرب القضية الفلسطينية، وسقوط الشعارات المظفرة حول التحرير، لصالح الاعتراف بإسرائيل.

وفي ظل هذا الصراع التنافسي الضاري على النفوذ بين المشروعين الإقليميّين التركي والإيراني، هو من تقاليد المنطقة، والذي قد ينجم عنه نزاعاً مذهبيّاً لا يقلّ تقليديّة تتكاثر اليوم ساحاته، يطرح المحللون الغربيون و العرب، السؤال التالي، من الذي سيوقع أنقرة أو طهران اتفاق "يالطا" مع واشنطن على مصير منطقة الشرق الأوسط، على حساب العرب الذين هجروا ساحات الصراع العربي- الصهيوني من دون صراخ، معتقدين أنهم قدموا الكثير للفلسطينيين ولم يحققوا شيئاً؟

==================

صفحات من تاريخ الاستعباد

المستقبل - الاثنين 9 آب 2010

العدد 3736 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

اكتشف في العام الماضي في مياه البحر قبالة ساحل مدينة سالكومب البريطانية حطام سفينة غارقة منذ القرن السادس عشر. تحمل بعض ألواح السفينة أحرفاً باللغة العربية. كان يمكن أن تكون سفينة تجارية تحمل بضائع عربية إلى انكلترا.. أو من انكلترا إلى العالم العربي. ولكن المؤرخين البريطانيين جزموا (؟) إنها كانت سفينة قراصنة عرب من شمال أفريقيا وان مهمتها كانت اختطاف مواطنين انكليز لاستعبادهم في ما يعرف اليوم بدول المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس وليبيا).

تزامن اكتشاف حطام السفينة مع نشر كتاب في الولايات المتحدة للمؤرخ الأميركي روبرت دافيز أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو يقول فيه انه بين عامي 1530 و 1780 تمكن قراصنة في شمال أفريقيا من خطف واستعباد مليون و300 ألف أوروبي. وان المدن الساحلية في ايطاليا (شمالاً حتى البندقية) وفرنسا واسبانيا والبرتغال وإنكلترة وايرلندة شمالاً حتى ايسلندة، كانت مسرحاً لعمليات اختطاف الأوروبيين ومن ثم استعبادهم. أما عنوان الكتاب فقد يكون أكثر إثارة. وهو: "العبيد المسيحيون والسادة المسلمون: استعباد البيض في البحر المتوسط". من الواضح أن العنوان يحمل تحريضاً دينياً ضد المسلمين، خاصة في هذا الوقت بالذات إذ انه يتهم المسلمين تاريخياً باستعباد المسيحيين. كما أن فيه تحريضاً عنصرياً ضد العرب، إذ انه يتهم عرب جنوب المتوسط السمر باستعباد أوروبيي شمال المتوسط البيض.

ومع أن مؤرخين أوروبيين عديدين لم يستبعدوا أو لم يستغربوا أساساً نظرية اختطاف أوروبيين على يد قراصنة من شمال أفريقيا، إلا إنهم شككوا كثيراً بالرقم الذي ذكره الكاتب الأميركي. فالمؤرخ البريطاني دافيد إيرل مؤلف كتاب "حروب القراصنة " والذي يقرّ بأن الفترة الواقعة بين عامي 1580 و 1680 شهدت ذروة عمليات الاختطاف من مدن الشواطئ الأوروبية، يعتبر رقم المليون و 300 ألف مبالغاً فيه جداً. غير انه لا توجد أي وثائق يمكن الاعتماد عليها لتحديد أي رقم. والمصدر الوحيد لذلك هو التخمين !!.. ولكن يوجد في سجلات احد الأديرة البريطانية مخطوط يشير إلى أن الأسقف ديغيري سبرات وقع في اسر القراصنة الجزائريين عندما كان ينتقل بحراً من ايرلندة إلى بريطانيا، وذلك في شهر ابريل من عام 1641.

من الثابت تاريخياً أن عرب شمال أفريقيا كانوا يشنون بالفعل غارات انتقامية على الشواطئ الأوروبية المواجهة لهم بعد سقوط الأندلس، وفي أعقاب الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له بعد سقوط غرناطة من خلال ما يعرف بمحاكم التفتيش .

ومن الثابت أيضاً أن غاراتهم كانت استمراراً لتلك الحرب ولكن بصورة مختلفة. حتى أن الولايات المتحدة ظلت تدفع لهم ضريبة مالية لعدة سنوات مقابل عدم التعرض لسفنها التجارية في المتوسط.. ثم انقلبت عليهم وأرسلت ست سفن حربية عبر مضيق جبل طارق لقتالهم (ومن هنا نشأ الأسطول الأميركي السادس) إلا إنها بعد الحرب، أو الحروب، عقدت اتفاقات ثنائية مع كل سلطة من سلطات شمال أفريقيا.

ولا تزال اسبانيا تحتل حتى اليوم مواقع في شمال المغرب مطلة على البحر المتوسط هي سبتة ومليلية وترفض الانسحاب منها بحجة أن احتلالها ضروري للدفاع عن سلامتها الوطنية وعن سلامة الملاحة في غرب المتوسط، بما يعني أن حرب الأندلس لم تنته بعد؟!

إن كتاب المؤرخ الأميركي روبرت دافيز في مضمونه وفي توقيته لا يستهدف تجريم العرب فقط باختطاف وباستعباد أوروبيين، ولكنه يحاول أن يخفف من التهمة الموجهة إلى الأوروبيين باختطاف الأفارقة إلى الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية واستعبادهم . واستناداً إلى أرقام المؤرخين الأوروبيين أنفسهم فان نسبة اختطاف الأوروبيين للأفارقة هي واحد إلى اثني عشر - حتى بموجب أرقام المؤرخ دافيز نفسه - أي انه مقابل كل أوروبي اختطف، هناك 12 أفريقياً اختُطفوا واستُعبدوا.

فالحديث عن استعباد الأوروبيين للأفارقة، حديث طويل ومخزٍ. ففي كتابها "التاريخ الحلو-المر"، تتحدث المؤرخة البريطانية اليزابيت آبوت عن عمليات الاستعباد التي جرت تحت مظلة مزارع قصب السكر في جزر الكاريبي. وتقول انه في أواسط القرن السابع عشر كانت الإمبراطوريات الفرنسية والانكليزية والهولندية تتنافس على زراعة القصب في جزر الكاريبي كما كانت تتنافس على استقدام "العبيد الأفارقة" للقيام بهذه الزراعة. وتؤكد استناداً إلى دراسات توثيقية من أرشيفات هذه الدول أن عدد الأفارقة الذين استعبدوا بلغ 11 مليون أفريقي، وان نصفهم استعبد للعمل في مزارع قصب السكر.

وتقول المؤرخة إن المستعبَدين كانوا يُجبَرون على العمل يومياً ما بين 18 و 20 ساعة، ومنهم النساء والأولاد، ولذلك كان يغلبهم النعاس وينامون بين عيدان القصب المرتفعة، ثم تروي كيف كانوا يسحقون وهم نائمون تحت عجلات الآليات التي كانت تستخدم في الزراعة وجني المحاصيل.

وتنقل المؤرخة البريطانية عن مؤرخ كاريبي أريك وليماس (رئيس أول حكومة في ترينيدا وتوباغو)، أن الاستعباد كان مظهراً من مظاهر العنصرية التي مارسها الأوروبيون البيض ضد الأفارقة.

ثم من يزعم أن عصر الاستعباد قد انتهى؟.. كان الاختطاف يجري بالمفرد، أما الآن فانه يجري بالجملة ويشمل شعوباً كاملة.

أليس الاستعمار والاحتلال ونهب الثروات استعباداً أيضاً.. ولو باسم نشر الديموقراطية والحرب على الإرهاب؟

==================

الفشل الأميركي

الافتتاحية

الاثنين 9-8-2010م

بقلم رئيس التحرير : أسعد عبود

الثورة

رفعت الولايات المتحدة راية الحرب على الإرهاب.. فكانت الأفشل في ذلك.. لأنها انشغلت بالراية واستظلت بظلها، وتقزمت أمام المهمة الأساسية التي طرحتها على نفسها وهي مكافحة الإرهاب.

لا شك أن الشعب الأميركي تعرض لضربات إرهابية قاسية.. أكثر من مرة.. واستندت الولايات المتحدة إلى ذلك كي تعلن حربها على الإرهاب.. وبالأصل فإن مكافحة الإرهاب لا تحتاج إلى مبررات.. لكن الاتجاه الأميركي كان لاستثمار مكافحة الإرهاب والحرب عليه.. وليس لمواجهته فعلياً.. رغم الجحافل التي وصلت إلى العراق وأفغانستان وغيرهما...‏

انقادت الولايات المتحدة إلى الحرب على الإرهاب من معايير خاطئة جداً.. تبدأ من توصيف الحوادث الإرهابية.. حين سيس الإرهاب والحرب عليه!!‏

حتى عسكرياً.. ورغم الزج المسلح.. والتحالفات الدولية.. وقصف المنازل الآمنة وقتل المدنيين.. فشلت حتى عن إخضاع تنظيم كطالبان.. أو دولة فقيرة كأفغانستان..‏

هل صحيح أن أميركا حاربت الإرهاب في أفغانستان؟!‏

وفي العراق..؟!‏

وماذا عن الإرهاب في فلسطين المحتلة؟!‏

إذا كانت الولايات المتحدة لا تعرف ماذا سيعني فشلها أمام طالبان والقاعدة.. وفشلها في العراق رغم الخراب الذي أحدثته فيه.. فهذا بالتأكيد غباء لا يليق بدولة عظمى تملك أعرض وجود لمراكز البحوث والدراسات في العالم.‏

انتصار طالبان لن يكون محصور الأثر بأفغانستان، وبالتالي تكون نتائج الجهد الأميركي، توسيع قاعدة الإرهاب وتنشيط بيئته حسب رؤيتها وتوصيفها له.. وهي أكثر من يعلم عن حقائق الواقع في باكستان.. وتتحدث عنه.. لكن.. من زوايا سياسية بحتة.. وبتدخلات عسكرية فجة.‏

يضاف إلى ذلك..‏

العوامل السياسية التي تتحكم بالموقف الأميركي من تحديد من هو الإرهابي؟! أميركا ترفض تعريف الإرهاب «وهي دعوة سوريّة قديمة» وبالتالي: تدع لنفسها أن تختار هي توصيفاً سياسياً بحتاً لما تسميه بالإرهاب.‏

لنفكر مثلاً بأثر المصطلحات التالية في التوصيف الأميركي لنشاط أفراد أو مجتمع أو دولة:‏

-الموقف من إسرائيل.‏

-مقاومة الاحتلال.‏

-الإسلام‏

-العرب‏

-رفض الهيمنة.‏

فتخيل الموقف الأميركي من:‏

بلد معاد لإسرائيل.. مؤيد لمقاومة الاحتلال.. عربي.. مسلم.. يرفض الهيمنة.‏

ماذا يمكن أن تسميه الولايات المتحدة؟! داعم للإرهاب.. ساكت عنه.. أم أكثر؟.‏

لقد شوهت السياسة الأميركية الموقف الإنساني الطبيعي من الإرهاب.. وفتحت لنشاطه أبواباً عريضة.. وغطت أفعاله بستار سياسي، سره في أحد المصطلحات السابقة أو بها جميعاً.‏

وهي إلى ذلك..‏

رفضت التعاون في الحرب على الإرهاب حتى مع دول أعرق منها في ذلك بكثير، ونتائجها في محاربته أفضل بكثير مما حققته «سورية مثلاً».‏

بين التعاون الممكن وفق الشروط الصحيحة والتعريف الدقيق والتحرك الذي يحدث نتائج باهرة.. وبين الاستثمار السياسي للإرهاب ومحاربته بما يخدم إسرائيل.. فضلت الحالة الثانية.. وقرنتها بأن تغض النظر عن الإرهاب الصهيوني كلياً.. بما لا يترك لوجدان عربي أو مسلم أن يقتنع بسلامة موقفها.. أو نياتها.. ولذلك هي خلقت بيئة أكثر مناسبة لتوسع التطرف وخلق بيئات مناسبة لاتجاهات العنف..‏

هل يصدق عاقل.. أن محاربي الإرهاب لا يرون في تدمير لبنان.. والرصاص المسكوب فوسفورياً على غزة.. والجريمة النكراء على سفن أسطول الحرية.. إرهاباً..‏

ومازالت الولايات المتحدة تخرج في كل عام، صحائفحها وتقاريرها من الأدراج وتتلوها على العالم.. كما هي.. ذلك إن الذين يريدون إخضاعهم لم يخضعوا..‏

a-abboud@scs-net.org

==================

حرب لبنان... على الطريق!!

بقلم: أمير ارون‏

هآرتس

ترجمة

الأثنين 9-8-2010م

ترجمة: ريما الرفاعي

الثورة

الصواريخ التي اصابت عسقلان والعمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة، الأسبوع الماضي، تؤكد ان الهدوء على الحدود مجرد وهم.

والامر نفسه، يمكن أن يتكرر في لبنان أيضاً، بسبب العلاقات الحساسة مع المثلث الذي يضم سورية ولبنان وحزب الله، في ضوء التوتر الحاصل في لبنان بشأن قرار يمكن أن يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، والد رئيس الوزراء الحالي.‏

نشر مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك الشهر الماضي مذكرة بقلم دانييل كيرتسر، السفير الأميركي السابق في مصر وفي إسرائيل يستشرف المستقبل، وكان بعنوان حرب لبنان الثالثة. ولعل هذا الرقم خطأ شائع. ففي صيف 2006 لم تقع سوى معركة واحدة بين معارك كثيرة، ربما تحمل الرقم ثمانية في حروب لبنان المتواصلة منذ أربعين سنة: من الحملة المدرعة «كلاحت» في فتح لاند، ثم حملة الليطاني، وبعدها سلامة الجليل إلى إقامة منطقة الحزام الأمني وجيش لبنان الجنوبي، وعملية تصفية الحساب، وعناقيد الغضب وصولاً إلى سحب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية.‏

سواء حرباً أم مجرد معركة، فإن كيرتسر يحاول استشراف ملامح العرض القادم، الذي برأيه يمكن أن ينتج ولو باحتمال ضعيف بمبادرة من حزب الله أو وهذا أكثر احتمال بقرار من إسرائيل، وذلك في سياق المواجهة المحتملة مع إيران. وستحاول إسرائيل العمل في لبنان ضد مواقع التدريب والتخزين لصواريخ أرض - أرض بعيدة المدى، أو صواريخ أرض جو التي بحوزة حزب الله والتي يعتقد أنها موجودة في سورية. الحملة ستؤدي إلى تآكل القدرة الصاروخية لحزب الله، وذلك لحرمان إيران من القدرة على توجيه الضربة الثانية ضد إسرائيل، أو تستخدم العملية كمحفز وغطاء لهجوم على المنشآت النووية في إيران.‏

كيرتسر يشكك في قدرة إدارة أوباما على منع إسرائيل أو حزب الله، من إشعال فتيل الحرب. فليس لدى واشنطن قناة حوار مع حزب الله، ولا يوجد مضمون ناجع يمكن نقله في مثل هذه القناة. أما إسرائيل فقد يكون ممكنا استرضاؤها بالمعدات العسكرية أو بأي حافز آخر، ولكن الضغط السياسي عليها، بما في ذلك التهديد بالانضمام إلى قرارات مناوئة لها في مجلس الأمن، سيلقى معارضة سياسية ولن يجدي نفعاً.‏

وحسب كيرتسر، لن يكون لدى الأميركيين إنذار مبكر وكاف عن استعدادات الجيش الإسرائيلي للعمل. وبين البدائل التي يقترح كيرتسر التفكير فيها استئناف آلية الرقابة على تفاهمات عناقيد الغضب، والتي تضمنت لقاءات بين ضباط من إسرائيل ولبنان واليونيفيل وعملياً تعمل اليوم آلية مشابهة، حيث تعقد لقاءات لضباط من هيئة الاركان في الجيش الإسرائيلي وقيادة المنطقة الشمالية مع مسؤولين كبار في الجيش اللبناني واليونيفيل.‏

بل ربما يكون هناك من طرف خفي تشجيع أمريكي على حملة مسبقة ومحدودة يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد أهداف عسكرية في لبنان، اضافة إلى البنية التحتية كبديل عن حملة كبيرة. واذا ما تم اختيار مثل هذا البديل، فإن على الإدارة ان توضح جيداً لإسرائيل حدود الحملة وقيودها، وذلك لان إسرائيل تميل إلى تفسير الغموض الامريكي كدعم لآرائها.‏

ولكن حتى في اطار حملة محدودة للجيش الإسرائيلي في لبنان، أو ضد اهداف لحزب الله في سورية، تكمن مخاطر كثيرة برأي كيرتسر. ومن شأن مثل هذه الحملة تجميد الاستعداد الفلسطيني للحوار مع إسرائيل وتشجع سورية على مساعدة قوى مناهضة لامريكا في العراق، وذلك مقابل احتمال ضعيف بإضعاف حزب الله وتحطيم الجهود الأميركية القائمة أو المحتملة لإحياء المسارين السوري والفلسطيني.‏

وإذا ما تمكنت إسرائيل من تحقيق انجاز كبير وسريع جداً فقد تزيد شهيتها لتوسيع العملية إلى ما وراء أهدافها الأصلية. كما ان المراوحة الفاشلة في المكان ستشجع على التمكن من احراز تقدم. وفي كلا الحالتين لا بد أن تحدث خسائر بشرية كبيرة في الجانبين. وعليه فإن الحكمة، حسب كيرتسر، هي الوصول إلى وقف لاطلاق النار في ظل سياق سياسي مثمر، حيث يكون نجاح الجيش الإسرائيلي بجودة عالية وان لم تكن قصوى. الاهم، كما يرجو كيرتسر، هو التخويل المسبق للسفراء الامريكيين في تل ابيب وبيروت ودمشق بالتوجه دون ابطاء إلى القيادات الاعلى في الدول المضيفة لهم، لكبح جماحهم، وذلك لان الساعات والايام الاولى في المعركة هي الاكثر مصيرية. وبسبب الفارق في التوقيت، فإن واشنطن تنام عندما تقرر تل ابيب الهجوم.‏

إذاً، في المعدل ثمة جولة حرب لإسرائيل في لبنان مرة كل خمس سنوات. ومن صيف 2006 مرت أربع سنوات حتى الان. ويفهم من مذكرة كيرتسر أن هناك من يحاول احتساب خطوتين مسبقاً وتبكير زمن الحرب المقبل، وللأسف، ليس ثمة من يقف عند المنعطف الحاسم لدى حكومة بنيامين نتنياهو وايهود باراك.‏

==================

الخطة الاسرائيلية لهدر الوقت وبناء الحقائق!

نواف الزرو

 الدستور

9-8-2010

وفق التطورات فان الضغوطات المختلفة الرامية الى اجبار الفلسطينيين على العودة الى عملية المفاوضات المباشرة قد اتت اكلها ، وان الاطراف المعنية على عتبة الاستئناف ، فبعد ان انكفأت الادارة الامريكية امام اسرائيل وفشلت في اجبارها على الالتزام حتى بتجميد الاستيطان فقط ، وبعد ان تحطمت وعود واحلام الرئيس اوباما على صخرة عناد وصلابة نتنياهو ، اخذت تحلق بعيدا ، ونجحت في الضغط على الطرف الاضعف...،.

 

بل ان الرئيس اوباما ذهب الى ما هو ابعد واخطر في رسالته التهديدية للفلسطينيين ، فبدل ان يفقد صبره من اسرائيل ، جاء على لسان مصدر في البيت الابيض انه فقد صبره من الفلسطينيين.

 

فيا للعدل...؟،. ويا لها من تطورات دراماتيكية في عملية المفاوضات...،.

 

وفي دراما المفاوضات ، نعود مرة اخرى لنقتبس الملخص المفيد من ادبياتهم - ففي قصة السلام الاسرائيلي كان الكاتب عبدالفتاح القلقيلي قد اشار في كتابه "الأرض في ذاكرة الفلسطينيين" ، إلى "أن يوسف فايتز (مدير الصندوق القومي اليهودي الاسبق) ذكر في مذكراته ، أنه منذ آب :1948 "أن بن غوريون ذكر في مذكراته ، أن آبا ايبان نصحه في يوم 14 - 7 - 1948 ، بأن لا يلهث وراء السلام ، وتكفي اتفاقات الهدنة" ، معللا ذلك بالقول: "لأننا إذا ركضنا وراء السلام فإن العرب سيطالبوننا بالثمن ، والثمن هو تحديد الحدود أو عودة اللاجئين أو الاثنين معا".

 

ومن بن غوريون الى الراهن الاسرئيلي حيث كتبت صحيفة هآرتس العبرية" أن أية حكومة إسرائيلية ليس باستطاعتها التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين مهما كان نوع ولون هذه الحكومة".

 

وأضافت "انه في حال تحول الفلسطينيين إلى "فنلنديين" ولفظوا حركة حماس من بين صفوفهم فان أي حكومة لن توقع للفلسطينيين على اتفاق سلام".

 

واوضحت الصحيفة "إن السلام مع الفلسطينيين يعني الانسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها القدس إضافة إلى عودة اللاجئين الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به أية حكومة إسرائيلية".

 

وكان جدعون ليفي المحلل في هآرتس قد كتب حول هذه الحقيقة تحت عنوان: "اسرائيل لا تريد السلام" يقول: "حانت لحظة الحقيقة ، وهذا يجب أن يقال: اسرائيل لا تريد السلام ، انتهت ترسانة الذرائع ، مخزن الرفض بات فارغا ، واذا كان ممكنا حتى وقت اخير مضى القبول بالكاد بجملة حجج وشروط اسرائيل "لا شريك" و"لم يحن الوقت" ، فان الصورة الناشئة الان لا تدع اي مجال للشك ، فقناع اسرائيل المحبة للسلام تمزق تماما ، ومن الان فصاعدا يقال: لا محبة ولا سلام  عن هآرتس".

 

الى ذلك.. ها هو وزير شئون الاستخبارات الإسرائيلي دان مريدور يقول" أن أبا مازن لن يحصل من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما وعده به رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت  معاريف 20  6  "2009 ، وكان مريدور قد قال في وقت سابق بأنه "إذا لم يتنازل الفلسطينيون عن القدس وحق العودة فلن يكون هناك اتفاق سلام".

 

ويضيف السفير الاسرائيلي لدى الولايات المتحدة الأمريكية مايكل اورون للإذاعة العبرية "أن إسرائيل لن تعود إلى حدود عام "1967 ، ويوضح "أن هناك توافقا إسرائيليا واسعا من جميع التيارات والقوى السياسية حول هذا الموضوع ، وإدراكا في الجانب الأمريكي أنه لا يمكن لإسرائيل الدفاع عن مثل هذه الحدود".

 

وتحت عنوان "هناك خطة لإضاعة الوقت" كتب بن كاسبيت في معاريف يقول: "اين الخطة الاسرائيلية الجريئة الجديدة ، تلك التي كان من المفترض ان تتبلور اثر سلسلة هامة من المداولات الاستراتيجية بما في ذلك اجراء استعراض معمق لكل قادة الاذرع الامنية؟ ، هم جلسوا مرات كثيرة ، بجدية واهتمام كبير: باراك ، ليبرمان ، يعلون ، مريدور وبيغن ، كل واحد جلس قبالتهم بدوره مع استعراض معمق ، رئيس هيئة الاركان ، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ، رئيس الشاباك ، رئيس الموساد ، ومن بعدهم مستويات العمل والاستخبارات الاخرى. اذا اين النتيجة؟ ، ماذا عن الخطة؟.

 

ولان هناك خطة لاضاعة الوقت فان اقطاب"اسرائيل" يطالبون الفلسطينيين والعرب على مدار الساعة بالمزيد والمزيد من الشروط والاشتراطات التطبيعية والاستراتيجية ، فاول طلقة اطلقها نتنياهو كانت ان طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي كشرط للحديث عن حل الدولتين".

 

ويذهب نتنياهو ابعد واوضح مخاطبا الفلسطينيين قائلا: "لا تحلموا بالقدس ولا بعودة اللاجئين".

 

وعن قصة الدولتين ، كتب درور زئيفي في يديعوت أحرونوت - يقول:"إن نتنياهو محق للأسف ، فقد عفا الزمن على حل الدولتين".

 

المحلل جدعون ليفي كتب في هآرتس يصف قصة السلام: "يا للسماء: مرة اخرى تعود الساحة السياسية لتكون ساحة الكلام ، سيقولون ما يقولون ويصرحون ما يصرحون ، هذه ضمانة لفشل جديد معروف سلفا ، ان قال نتنياهو كلمة الدولتين وان لم يقل ، لن يتغير اي شيء ، الامريكيون سيثرثرون والاوروبيون سيتأثرون بانفعال واليمين الاسرائيلي سيعبر عن الغضب والمحللون سيكتبون مرة اخرى كيف زال حلم اسرائيل الكاملة بينما يواصل الاحتلال ازدهاره ، المستوطنات هي الاخرى ستواصل امتدادها ومد اذرعها ، فاغلبية الاسرائيليين وعلى الاقل رئيسي وزراء ورئيسي معارضة قد قالوا منذ زمن نعم للصيغة الا ان شيئا لم يحدث".

 

ويضيف: "الاعيب الكلمات في قضية "الاعتراف" الفلسطيني المنشود في اسرائيل لا تقل سخرية ، منذ سنوات طوال ونحن نتسلى بهذه الكلمات ، قبل 16 عاما كان من المفترض ان تنتهي اللعبة السخيفة".

 

نعتقد ان كل العملية تضليل وخداع ومماطلة وان الرابح الكبير من ورائها هي"اسرائيل" ، ونعتقد ايضا من جهة اخرى انه ربما تكون هناك اجندات حربية اخرى وراء هذا الثقل والتصميم الامريكي الاسرائيلي على الانتقال الى عملية المفاوضات المباشرة (ولا يعني ذلك نوايا طيبة) ، فتلك الدولة الصهيونية لا تعرف سوى الحروب وهي قائمة منذ نشأتها على اسنة الحراب والحروب والتوسع والاستيطان والتهويد ، فكيف لها وما لها اذن بالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة ، والتوصل الى تسوية حقيقية تلزمها مثلا بالانسحاب من القدس والاراضي المحتلة ، الا اذا كانت تسوية وفق شروطها ومقاساتها.

 

فقد كان واضحا منذ بداية تشكيل حكومة نتنياهو ، انها بالتأكيد الموثق لن تكون حكومة مفاوضات وتسوية ، بل ستكون حكومة حروب واستيطان وتهويد وغطرسة ، وقلنا ان على الفلسطينيين والعرب عدم تضييع الوقت بالمطاردة وراء مفاوضات مباشرة او غير مباشرة عقيمة وعبثية ، فالوقت هو بالذات الذي تريده الحكومات الاسرائيلية بغية اقامة المزيد والمزيد من حقائق الامر الواقع الاستيطانية في القدس والضفة ، وها نحن قد وصلنا الى لحظة الحقيقة الحقيقة لمن يريد ، فالسياسات واللاءات الاسرائيلية التي تنسف كل احتمالات التسوية باتت واضحة وحاسمة.

 

الاستراتيجية الاسرائيلية قامت منذ بدايات تلك الدولة على كسب الوقت وبناء وتكريس حقائق الامر الواقع الاستيطاني التهويدي واحكام القبضة الامنية العسكرية استراتيجيا على فلسطين والمنطقة ، وتسعى تلك الاستراتيجية تفاوضيا منذ بدايات عملية المفاوضات الى "خفض سقف الطموحات الفلسطينية".

 

وترفض "الجداول الزمنية والمواعيد المقدسة - اي الملزمة - في المفاوضات ، وهناك اجماع سياسي اسرائيلي بين كافة الاحزاب المؤتلفة في الحكومة او خارجها على رفض الجداول والمواعيد ، بينما تصر السياسة الاسرائيلية دائما على مواصلة المفاوضات... هكذا من اجل المفاوضات.. ومن اجل كسب الوقت وبناء الوقائع.

 

تصوروا.. نتنياهو يعلن اليوم وبعد اكثر من تسعة عشر عاما على مدريد ، ونحوسبعة عشرعاما على اوسلو ، "ان وجهة اسرائيل نحو السلام وانها تصبو الى اتفاقيات سلام مع جميع جيرانها.. لقد فعلنا ذلك مع مصر والاردن ويمكن تحقيق ذلك مع سوريا والفلسطينيين ايضا".

واضاف نتنياهو "ان هناك شرطين لذلك: الأول - يجب ان تجرى المفاوضات بدون شروط مسبقة والتي تعني تقديم تنازلات مبالغ فيها من جانب اسرائيل مسبقا. أما الشرط الثاني فهو ان ترافق اتفاقية السلام في نهايتها بترتيبات أمنية لكي تصمد عشرات السنين وعلى مر الأجيال".

وكأنه لم تحصل مفاوضات ابدا على مدى السنوات التي قاربت العشرين السابقة...،.

وكأنه لم تبحث اي قضية من القضايا...؟،.

فنتنياهو يريد ان يبدأ المفاوضات من جديد...،.

واي مفاوضات...؟،.

نعتقد في ضوء كل ذلك ان على الفلسطينيين والعرب ان يستيقظوا..،.

فكفى لاكذوبة السلام...، كفى للمفاوضات العبثية...، كفى للتنازلات..، كفى للتطبيع المجاني على حساب نكبة فلسطين...،.

==================

اغنية للسلام

ياعيل باز ميلاميد

8/9/2010

القدس العربي

بعد نحو اسبوع، اذا ما سار كل شيء كما كان مخططا له، فسيكون بوسع الوزراء ان يجلسوا بجموعهم حول طاولة الحكومة الكبيرة ويتناولوا الحلويات وانشاد الاغنية المعروفة لرأس السنة القادمة علينا بالخير، مع تغيير طفيف واحد: ستأتي الايام العسيرة. وهذا لا يعني ان الايام الحالية سهلة جدا ولكنها صفر بالقياس الى المصاعب التي بانتظارنا، الى ان تبدأ المحادثات المباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية تحت العين المفتوحة والذراع المحذرة للامريكيين.

هذه هي. لحظات الحقيقة وصلت. بعد سنة ونصف من اللاشيء، من السير في دوائر تتكرر دوما لتعود الى ذات نقطة الانطلاق، سيضطر رئيس الوزراء ومعه الحكومة بأسرها الى الشروع في بناء مستقبل دولة اسرائيل لعشرات السنوات القادمة. لن يجلس أي من الطرفين مع الاخر بسبب رؤية سياسية او قيادية ما. نتنياهو وابو مازن لا يتميزان بالنظر الى البعيد، او بفائض الرغبة الطيبة في تغيير الواقع الدامي للجيرة المجنونة لدينا. لو كان بوسعنا، لواصلا القعود دون عمل أي شيء.

لحظنا يوجد اليوم في البيت الابيض رئيس جديد ومصمم، حتى لو كان يهبط كل اسبوع في استطلاعات الشعبية، فانه الرجل السليم في المكان السليم اكثر من أي شخص آخر. فهو لا يزال رئيسا لديه طريق، مذهب، وبالطبع قوة هائلة. وهو لن يسمح بنزعة المستوى الوسط والمراوحة في المكان ومواصلة الحكم. قليل جدا من المرات منح فيها رئيس الوزراء فرصة هامة بهذا القدر للتأثير على الخطوات التاريخية وتغيير وجه الواقع، والى جانبه وجه الدولة التي تلقى مسؤولية الحراسة لها لعدة سنوات.

دافيد بن غوريون كان زعيما كهذا، مناحيم بيغن، اسحاق رابين، لو لم يقتل. نتنياهو لا يزال يمكنه ان يدخل هذا الصف المحترم اذا ما قاد خطوة تؤدي الى انهاء كابوس الاحتلال الذي يمتد لعشرات السنين، والذي جعل اسرائيل دولة غير اخلاقية وغير قيمية بالتعريف واقامة دولتين للشعبين مقابل الاعلان الجارف عن انتهاء النزاع.

أيبدو هذا خياليا؟ ليس بالضرورة. صيغة تحقيق الانعطافة الدراماتيكية هذه معروفة، ولكن مثلما في الرياضيات صعب جدا اثباتها. لاجل وجود دولتين واحدة الى جانب الاخرى يتعين على اسرائيل ان تتنازل عن السيطرة على معظم اراضي الضفة وتخلي البؤر الاستيطانية غير القانونية بمستوطنيها العنيفين. وعلى السلطة ان تتخلى عن حق العودة، وتوافق على مناطق مجردة في البداية وملزمة بأن تضمن عدم السماح بالنشاط الارهابي في اراضيها ومن اراضيها.

في موضوع القدس على الطرفين ان يتنازلا. هناك من سيقول ان الحديث يدور عن تنازل هائل، وهناك من سيقول ان هذا التنازل محتمل وممكن. هذه لحظة الاختبار الحقيقية لبنيامين نتنياهو. عليه ان يقرر بينه وبين نفسه اذا كان يريد ان يكون صفحة قصيرة وغير هامة في صفحات التاريخ ام انه يريد ان يقود اسرائيل نحو المستقبل الافضل الممكن لها من كل ناحية كانت. عليه ان يقرر اذا كان يفضل مواصلة كونه دمية مع خيوط في يدي ايلي يشاي وافيغدور ليبرمان، ام يريد هو ان يحمل اسرائيل الى أزمنة جديدة وازدهار وتنمية لم نشهدها من قبل.

عندما يجري الحديث عن مسيرة سلمية لا يذكر الا الثمن، وهو بالطبع هائل وصعب. الحكومة التي لا تنجح في اخلاء عشرة فتيان من كرفانين على تلة نائية ستضطر الى اخلاء عشرات البؤر الاستيطانية كهذه، وهذا فقط نموذج واحد. غير انه حان الوقت للتفكير ايضا بالثمن الذي سيأتي كنتيجة لسياقات شجاعة. بعيدو النظر يتحدثون عن دولة مزدهرة، عن اقتصاد قد يكون بوسعه اخيرا ان يغطي الفوارق الاجتماعية على حساب الميزانيات الهائلة للدفاع وللمستوطنات، عن ازدهار لا مثيل له في العلاقات الخارجية لاسرائيل، وعن عودة الى ايام بعيدة كنا فيها محقين واسوياء العقل. اولئك الذين يرون حقا بعيدا يتحدثون بتعابير العودة لان نكون الشعب المختار. اذا عرفت اسرائيل كيف تحسب على نحو سليم مكاسبها من خطوة السلام، فاننا سنرى جميعنا بأنها تفوق الثمن بعشرات الاضعاف. ونتنياهو يعرف جيدا كيف يجري حسابات الربح والخسارة.

==================

ضمانات مبهمة وغير مضمونة

ابراهيم العبسي

Ibrahim.absi@yahoo.com

الرأي الاردنية

9-8-2010

من حقنا ان نسأل: ما هي الضمانات التي قدمتها الادارة الاميركية للفلسطينيين حتى يدخلوا في المفاوضات المباشرة وهل هي مكتوبة وموقع عليها من قبل الرئيس الاميركي اوباما ام شفوية يمكن انكارها والتملص منها في اي وقت ، واذا كانت مكتوبة او شفوية فلماذا لم تنشر حتى يطلع عليها المواطنون الفلسطينيون والعرب؟؟ صحيح ان الاعلام سرّب بعضا من هذه الضمانات المبهمة والمشوشة والمواربة ولكننا لا ندري ان كانت صحيحة ام كاذبة لا هدف الا الايقاع بالفلسطينيين وجرّهم الى فخ لا يعرفون كيف يخرجون منه ويتقون جروحه العميقة.

 

فاوباما معني بأي ثمن ان يدخل الفلسطينيون هذه المفاوضات حتى تتزايد فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي لم يعد يفصلنا عنها اكثر من عام، حتى يتربع للمرة الثانية على عرش البيت الابيض ، ونتنياهو معني ايضا بدخولها حتى يطوي هذا الملف ويتفرّغ لمقارعة ايران التي تشكل الخطر الاكبر على اسرائيل من وجهة نظره وهو في نفس الوقت غير معني بتقديم ادنى حق للفلسطينيين.

 

نعود للضمانات ونسأل: ما الذي قدمته الادارة الاميركية بشأن الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة الى خط الرابع من حزيران 1967!! وهل تعهد اوباما بوقف الاستيطان بعد ايلول سبتمبر القادم اذا ما طالت المفاوضات العتيدة؟؟ وماذا بشأن تفكيك هذه المستوطنات، هل جاء في رسالة اوباما المزعومة ان بلاده مستعدة لكنس هذه المستوطنات وطرد اكثر من نصف مليون مستوطن متطرف يقيمون فيها؟ وماذا عن القدس العربية، هل اكد اوباما على اعادتها للفلسطينيين واعتبارها العاصمة الابدية للدولة الفلسطينية الموعودة؟؟ وماذا عن الدولة الفلسطينية الموعودة نفسها؟ هل تعهد اوباما بقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة فعلا وليست دولة منزوعة السلاح ومجرد كانتونات متباعدة لا رابط بينها غير المستوطنات الضخمة التي تتحكم بها؟؟ وفيما

 

يتعلق باللاجئين الفلسطينيين الذين هم جوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هل تعهد اوباما بعودتهم الى ديارهم كما جاء في قرار مجلس الامن رقم 194؟ ام ان ذلك اصبح من المستحيل كما يقول قادة الكيان الصهيوني على مختلف ايدولوجياتهم؟؟

 

ثم كيف يطمئن الفلسطينيون والعرب الى ضمانات واشنطن حتى لو كانت واضحة وصريحة وهي الشريك الاستراتيجي لدولة الاحتلال الصهيوني والتي كانت وما زالت معادية للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية ولولا دعمها ومساندتها ووقوفها الى جانب اسرائيل لما استمر الاحتلال كل هذه العقود؟؟ الا تعلن واشنطن جهارا نهارا انها معنية بامن اسرائيل وانها مسؤولة عن تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة وان اي حل لا بد ان يأخذ في الاعتبار طموحات اسرائيل . وطموحات اسرائيل هي التوسع والعدوان؟ والفيتو الاميركي جاهز للاعتراض على كل ما من شأنه ان يعيد اسرائيل الى صوابها؟؟

 

اين هي الضمانات الاكيدة اذن التي يمكن ان يطمئن اليها الفلسطينيون والعرب؟ حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مطمئن لهذه المفاوضات التي قال بشأنها : ليس هناك ما يوحي بامكان قبول اسرائيل بتسوية تراعي الحقوق الاساسية للفلسطينيين. حتى الصهيوني حاييم رامون –حزب الليكود –قال لصائب عريقات في احد اللقاءات ان نتنياهو لن يعطي الفلسطينيين شيئا، فما بالك بشركائه في الحكم امثال حزب اسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وحركة شاس بزعامة الحاخام المتطرف عوباديا يوسف؟؟

 

المفاوضات المباشرة مجرد ملهاة جديدة لن تسفر عن شيء، والاجدى بالفلسطينيين عقد مصالحة وطنية مع انفسهم وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية بين الضفة والقطاع حتى يتحمل الجميع مسؤولية الحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية في وجه الالعاب الصهيونية الاميركية القاتلة والمميتة التي لا تهدف الا الى تصفية القضية الفلسطينية.

==================

جورجيا في انتظار الدعم الأميركي

جون ماكين

الرأي الاردنية

9-8-2010

صادفت عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ذات التاريخ الذي عبرت فيه قوات روسية حدوداً دولية معترفاً بها قبل عامين. وهاجمت جورجيا كلها بالمقاتلات الجوية الاستراتيجية، وتوغلت إلى عمق الأراضي الجورجية، ما أسفر عن تشريد ما يقارب ال127 ألف مواطن من منازلهم.

وقد طرأت تغيرات كثيرة خلال العامين الماضيين، بيد أنها ليست تغيرات نحو الأفضل. فروسيا لم تكتف بالسيطرة على أراض جورجية فحسب، بل تواصل بناء قواعد لها هناك، وتمنع وصول المراقبين الدوليين، كما تواصل موسكو مساعيها الرامية إلى تحويل الحدود الإدارية القائمة الآن في الإقليمين المنفصلين عن جورجيا إلى حدود ثابتة. ولا يزال ما يزيد على 100 ألف مواطن جورجي ممن فروا أمام الغزو الروسي من بيوتهم يصنفون بين النازحين، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ولا تزال روسيا إلى اليوم تنتهك التزامات وقف إطلاق النار التي أبرمتها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وعلى رغم استمرار هذا التوتر الأمني، لم تكف جورجيا عن محاولة التقدم إلى الأمام. ويشارك في المعارك التي نخوضها في المناطق الأكثر خطورة في أفغانستان، ما يقارب الألف جندي جورجي. كما تواصل جورجيا تعزيزها لسيادة القانون، ومحاربة الفساد، إضافة إلى توسيع نشاطها الاقتصادي وتحسين اقتصادها الذي يصنفه البنك الدولي في المرتبة الحادية عشرة عالمياً بين اقتصادات الدول الأفضل للنشاط الاستثماري. في الوقت نفسه تمت الإشادة بانتخابات عمدة العاصمة تبليسي التي جرت العام الحالي، باعتبارها انتخابات حرة ونزيهة. وبينما تستمر عملية الإصلاح السياسي الجارية في جورجيا، وصف ممثلون للبرلمان الأوروبي انتخابات تبليسي الأخيرة بأنها خطوة حقيقية نحو النمو الديمقراطي في ذلك البلد.

أما في روسيا، فالضغوط لا تزال تلاحق المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا يزال هؤلاء يتعرضون لسوء المعاملة. ففي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تعرض للضرب والاعتقال عدد من المشاركين في موكب احتجاجي سلمي -بمن فيهم نائب رئيس الوزراء السابق، بوريس نيمتسوف- لمجرد ممارستهم لحقوقهم الأساسية التي كفلها لهم الدستور الروسي. وفيما لو أراد الرئيس الروسي نموذجاً للحداثة السياسية الاقتصادية، فعليه الالتفات إلى جورجيا. وعلى إدارة أوباما أن تلتفت إلى جورجيا أيضاً، فيما لو كانت بحاجة إلى علاقة ينبغي إعادة ترتيبها.

ولكن تبدو الإدارة أكثر حماساً لتوطيد علاقاتها مع روسيا الاتحادية، من دعم دولة ديمقراطية صديقة لأميركا مثل جورجيا التي لا تزال تعيش تحت خطر التهديد المستمر من محيطها الإقليمي. وأطالت الإدارة مكالماتها الهاتفية مع الرئيس ميدفيديف، بينما أكثرت من اجتماعاتها به، دون أن تحصد ثمرة دبلوماسية تذكر من تلك الاتصالات واللقاءات. وفي المقابل لم تظهر الإدارة حماساً مماثلاً للانخراط الدبلوماسي مع القيادة الجورجية، سواء بغرض دعم تطلعات جورجيا للانضمام إلى حلف الناتو، أم مساعدة تبليسي على إعادة بناء دفاعاتها العسكرية، أم لمجرد تسمية الوجود العسكري الروسي في الأراضي الجورجية إلى الآن، بأنه احتلال عسكري، ناهيك عن ممارسة الضغوط المستمرة على روسيا بهدف إرغامها على الانسحاب.

يجدر بالذكر أن البيت الأبيض ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أعلنا مؤخراً تصريحات جد مشجعة بشأن دعم جورجيا ومساندتها. ولكن يتعين عليهما الآن ترجمة تلك البيانات والإعلانات إلى سياسة إيجابية ملموسة.

وإذا ما كان الرئيس الروسي ميدفيديف جاداً بالفعل إزاء رؤيته التي تتطلع إلى سيادة القانون والحكم الرشيد، فإن عليه أن يطبق على حكومته الاتفاق الدولي الذي قطعه على نفسه بإعادة الجنود الروس إلى مواقعهم السابقة التي كانوا يرابطون فيها خارج الحدود. ومن ناحيتها تستطيع إدارة أوباما مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بتطوير خريطة طريق مع روسيا، تهدف إلى وضع حد للاحتلال العسكري، وتمهيد الظروف الملائمة لانسحاب القوات الروسية من الأراضي الجورجية، وعودة اللاجئين والمواطنين النازحين إلى بيوتهم، واستعادة وحدة التراب الجورجي.

كما تحتاج جورجيا إلى دعم الولايات المتحدة الأميركية في مجال إعادة بناء دفاعاتها. والحقيقة أن جورجيا تشارك بنصيب أكبر في القتال الدائر بأفغانستان، مقارنة بالكثير من دول حلف الناتو التي تتطلع لنيل عضويته. ومع ذلك تصارع جورجيا من أجل الحصول على المعدات الأساسية اللازمة لقواتها المتجهة إلى أفغانستان، مثل السيارات المصفحة وقطع الغيار الحربية. وخلافاً للمساعدات العسكرية القصيرة المدى، تحتاج جورجيا إلى مساعدات طويلة المدى، كي تتمكن من إعادة بناء دفاعها الوطني.

ومن المرجح أن تشمل هذه المساعدات: مضادات الدبابات، والدفاعات الجوية، ونظم الإنذار المبكر بواسطة الرادار، وغيرها من المعدات والنظم ا لدفاعية الحديثة. وينبغي على تبليسي عدم إساءة استخدام هذه النظم في أي عمل عدواني ربما تشنه على الإقليمين المنفصلين عنها، حتى لا تبدو إساءة الاستخدام هذه، وكأنها تمت بمباركة أميركية. والمعلوم أن جورجيا سوف تظل دائماً أقل قوة دفاعية من روسيا. غير أن ذلك لا يقدم سبباً كافياً لتركها عرضة للخطر الأمني، عقب مضي عامين كاملين على الغزو الذي تعرضت له.

يجدر بالذكر أن روسيا قد أخفقت في تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، التي غزت من أجلها جورجيا وألحقت بها كل ذلك الدمار والأضرار المادية الفادحة. فقد صمدت حكومة جورجيا المنتخبة وبقيت في سدة الحكم إلى اليوم. وعلى العلاقات الأميركية-الروسية أن تعزز نجاحات تبليسي بدلاً من تقويضها. ولا تزال أمامنا فرصة لدعم جورجيا باعتبارها دولة ناشئة قوية حرة وموحدة، ولكن بشرط أن نتذكر من هم أصدقاؤنا الحقيقيون أولاً.

(سيناتور جمهوري من ولاية أريزونا ومرشح سابق في انتخابات الرئاسة)

واشنطن بوست الاميركية

==================

مراجعة سريعة في قواعد لغة الحضارات زمن الوقوف طويلاً على شفا الهاوية...

مطاع صفدي

8/9/2010

القدس العربي

في هذه المرحلة العربية، غير الموصوفة عادة إلا بأسوأ أسوائها المزمنة، يكاد يغرق كل بلد في هاوية مشاكله القطرية التي تتشابه، وربما تتكامل نحو الأردأ دائماً، مع مثيلاتها عند الجار الأقرب والأبعد. غير أن تماثل الأزمات البنيوية والحياتية، لا تدفع بالمقابل، إلى أية صيغة تعاون أو تضامن أو ممارسة جماعية في ابتكار الحلول المشتركة، أو حتى في رؤية الواقع. فالخارطة الإنسانية لهذا الواقع لم تعد تعاني من شرور التجزئة السياسية وحدها. ذلك أن التفرقة وحدها هي الفاعلة، وهي القائدة لحركات التضاد لمختلف خطوط التطور التي ما أن يبرز أحد هذه الخطوط إيجاباً في مجال عام حتى ينكفئ على ذاته، مدمراً مقدماته عينها، ومحولاً إياها إلى عكس أهدافها تماماً.

يصطلح الاجتماعيون على هذه الحالة بعبارة: التقدم في خط التطور المعكوس. بمعنى أن كل فعالية عامة، أمست متروكة لآليتها الخاصة، لا دخل لوعي ما في إنارتها، ولا لإرادة ما في مراقبتها وسيرورتها. ليس ثمة حكومة عربية تعتبر نفسها مسؤولة عن مفهوم نهضوي معين. ليس لها دخل في أي شأن من شؤون الحياة اليومية للأفراد والجماعات، ما عدا الشأنين السياسوي المبتذل والأمني تجاه السلطة وحدها. فالناس يحيون على هواهم، ليس بمعنى التمتع بالحريات الحقيقية، ولكن هم المتروكون لظروفهم البائسة إجمالاً يتدبرون أمور معاشهم اليومي وعائلاتهم، تحت طائلة سلّم الفقر والعوز ودرجاته التي لا تبرح خانته الدٌنيا إلا لماماً.

قد يمكن القول أنه إذا كانت المجتمعات العربية لا تتغير في نوعية سياساتها السلطوية الحاكمة، إلا أن متغيرات متكاثرة تنتاب كتل الجماعات ما تحت القشرة السكونية لهرمية النظام العام. مع العلم أن هذه المتغيرات ليست من طبيعة سياسية إلا في بعض محركاتها الخفية. لكنها تشنجات لا تنتج الجديد أو الصالح والنافع بالضرورة، إن لم يكن الأمر على النقيض غالباً، فلا يكاد المجتمع المتصدع يرى نفسه في مرآة معينة، إلا ليحطمها أو يفسد ملامحها، حتى أصبح من العبث أن تتعرف جماعات الرأي، أو فئات المتعلمين، إلى هوية ثابتة عمن تكون عليه (أمتها) أو (شعبها) أو دينها ومذهبها. فالثقافة الجمعانية المتوارثة وحدها ما زالت أقوى من اصطناع أية أقنعة تعرض في سوق الهويات المستعارة و المتغيرة من مكان إلى آخر، ومن ظرف سياسي أو ثقافي إلى آخر. ما يعرفه الناس عن أنفسهم مباشرة قد يشكل حِصْنَهم العفوي ضد ما يُلقى عليهم من نعوت وخصائل، وهويات عابرة أو طارئة. لكن هذه المعرفة لا تكاد تبني لذاتها مؤسسة الصمود والتصدي، حتى تعصف بها رياح المسخ والتشويه المنظم، من كل جانب.

مثلاً: نزعة (الوطنيات القطرية) هي المستجدة اليوم، وقد تصير مسموعة، مقبولة ومتداولة من حين إلى آخر، كلما اشتدت وطأة المصالح المتنافرة بين أصحاب السلطات الحاكمة المتصارعة في الإقليم الواحد ضد بعضها. عند ذلك يمكن أن تتغير شعارات الدولة بين ليلة وضحاها. فالانكفاء القطري يغدو مولِّداً سريعاً للانكفاءات الأضيق المحلية، نحو الأديان والمذاهب والجهات، وفي غمرة فوضى الهويات الفرعية هذه، تنكمش (الإصلاحات) الحكومية إلى أضيق دوائرها الزبونية، حتى تصبح المشاريع العمرانية أو الحجرية - وليس هناك سواها في بلادنا طبعاً بمثابة صفقات أو هدايا يتبادلها أقطاب الزبونية تحت إشراف سلطات المقاولات المستأثرة بالمال العام. بشرط ألا يطالب زبائن المقاولات هذه حصة ما من المقاولة العظمى، التي هي قمة الهرم، حيثما لا يتسع مكانها إلا للواحد الأحد، الحاكم المطلق. تلك هي متغيرات مجتمعاتنا، أو نشاطاتها (الموضوعية!) التي لا تتناولها التنمية، ومصطلحاتها من مشتقات الاستثمار والازدهار وتعمير الأوطان، والتقدم المقاس بالنسب المئوية غير الموثوقة لا في مصادرها، ولا فيما تثبت أو تنفي من مستويات النمو أو التخلف.

هنالك من يجزم أن مجتمعاتنا العربية لا تزال مجهولة حتى من قبل معظم مفكريها وعلمائها، وليس السياسيين فحسب. صفة الجهل هذه تريد التأشير على أن مخزون الحقائق والوقائع التي تنطوي عليها أحوال مجتمعاتنا، لا يعادلها أبداً مخزون المعارف التي نملكها عنها. فقد يظل المجتمع أشبه بغابة من الأسرار مغلقة على مشاكلها. الأمر الذي يجعل سلبيات هذه المشاكل تتفاعل تلقائياً، من دون أية إنارة معرفية لظروفها، أو أية إرادة سياسية لمعالجتها. فالمجتمع المتقدم ملزم في هذا العصر بأن يتمرأى مع ذاته كل لحظة: مؤسساته التنظيمية، سواء منها الحكومية أو الأهلية، تتابع أبسط نبضات الحياة فيه.

وما يتهددها من انحرافات، قد، تعتري الجسد الاجتماعي ككل، أو نصيبه هو كذلك في أخصّ خلاياه وتفاصيله. فإنْ قيل إن معظم أقطار العرب تتخبط تطوراتها عبثاً، وهي قعيدة أو أسيرة لمرحلة ما قبل المجتمع، هذا القول قد يصح فيما إذا دلَّ على العجز المتفاقم في التكوين المؤسسي. فأن يخرج التجمع البشري من الحالة الهلامية، إلى هيكلة التعدد الوظيفي، ذلك هو الاختراق شبه الإعجازي الذي يتجاوز القالب الهلامي الابتدائي، نحو الكيان العضوي المتكامل، الذي يمكن تسميته عندئذ بمجتمع إنساني متميز بشخصية مفهومية، منعكسة معانيها وملامحها على مختلف فعالياته الذاتية والموضوعية. إنه المجتمع العصري المرشح لاكتساب عنوان الحضارة لذاتيته المدنية.

إن المسافة الحضارية بين التشكل الأهلوي والتشكل المجتمعي ليست مستحيلة التواصل بين ضفتيها؛ إذ أن اصطلاح النهضة هو الذي اعتاد المفكرون أن يستخدموه لاستيعاب هذه الثنائية. فلا يمكن تصور سياق نهضوي معين، دون استحضار ثنائية التشكيلين هذين. فإذا انتقلنا إلى خصوصية النهضة العربية الثانية، نجد أن مفتاح هذه الخصوصية يكمن دائماً في مختلف عقد الاتصال والانفصال بين الأهلوي والمجتمعي. لنأخذ التحرر الوطني مثلاً - من الاستعمار المباشر- ما بعد الحرب الكبرى الثانية، أطلق جدلية الصراع بين التشكيلين.

لكن سرعان ما أظهر أن الفوز بحرية الجماعة ككل، لم ينجح في استنبات أرضية التخلف لموسم آخر من أزهار الحريات الفردية، بدلاً من مواسم العوسج والأشواك المتوالية في مختلف التطورات المنتظرة منه. إذ يبقى أن المعيار الأعلى المتفق عليه، ثقافياً وحقوقياً، لقياس التقدم هو كمية الحريات وكيفيتها، المعطاة لإنسان العصر.

رغم أن (التحرر الوطني) هو شرط بناء دولة الاستقلال والسيادة، إلا أن التجربة العربية أبطلت مفعول هذا الشرط، فكانت حقباتها السياسية المتواصلة، تحت الشعارات الأرقى لأيديولوجيات العصر الكبرى آنذاك، تعيد تجديد الجذور المهترئة للتشكيلات الأهلوية المقنعة وراء قشريات المظاهر التقدمية العابرة. حتى أمكن لرموز هذه التشكيلات الأخيرة أن تقفز إلى مقدمات المسارح العامة، تحاول الإمساك بزمام المبادرة في كل عمليات التأليف والإخراج والتمثيل للحدث الجمعي والفردي معاً.

الخاصية الرئيسية، وربما المخيفة، للتشكيل الأهلوي، أنه ليس هو فقط المعيق الذاتي لتشكيل المجتمع، حسب مواصفاته العلمية، بل هو الجهاز المجدد لعوامل المزايدة في التفرقة والتصدّع الكياني، وإعادة إنتاجها بأشكال وفعاليات التحديث عينه. فالليبراليات والوطنجيات وصفقات الفساد العلنية تدأب على طرح نفسها كشعارات للحياة العصرية، مقابل مفاهيم الحرية والوحدة والعدالة، التي أمست متهمة بجريرة الثوريات (الفاشلة) الحاملة لأعلامها وأسمائها تلك؛ هكذا يمكن لمختلف أنماط الانفلاقات التقليدية أن تعطي لممارستها لمعاني التجديد، فتبدو لأتباعها أشبه بالحركات الثورية المنتفضة على الماضي العتيق الذي كانت له ادّعاءات القوميات واليساريات والانقلابيات. فالأفكار التقدمية تصبح متهمة بما كانت ترفضه وتكافحه، تصير أقرب إلى الأوثان الرجعية التي ينبغي تحطيمها في عرف الليبراليين الجدد.

هذه الارتدادات تتعدى مصطلح (الثورة المضادة). فهي من جهة متصادية مع التحولات السياسية دولياً وإقليمياً، لكنها من وجهة الفكر النقدي تعبر عن مدى الخواء والفراغ من أية مضامين نهضوية تأسيسية ليسارويات الماضي، القاتمة على سطوح المشكلات الملقاة على حركات التحرر الوطني في باكورة تسلمها العابر لمقاليد السلطة في العديد من الدول الممسكة برايات الريادة، والمنتجة لنماذج التقدم السريع والسهل. هذا مع الاعتراف دائماً بأن الانشغال بعدوّ الخارج قد أجل أسئلة ذات (الداخل) إنسانياً واجتماعياً.

ذلك عذرٌ مستهلك عفا عليه الزمن ويمكن أن يتكرر هو وأمثاله، في كل مرة تولد فيها حرية جماعية ما، ولكن معصوبة العينين ومكبلة اليدين؛ في حين تكمن المشكلات في مواقعها المعهودة، وقد تكمن حلولَها إلى جانبها كذلك.

ولكن من يضرب صفحاً عن واقع المشكلات الحقيقية، فإنه يدفن حلولَها معها. هكذا تتابع أوبئةُ النهضة المغدورة، حياتَها الخاصة، ونموها (الحر) المضطرد بمنأى عن الوعي العام، هذا لا يعني أن الناس في بلادنا لا تعرف مصائبها. لكن هو الفارق الفلسفي والواقعي بين أن تعرف وأن تفعل؛ وهو الفارق/ الهاوية الذي يتحدى عبقرية النهضويين في مفاصل التاريخ لكل أمة حية، من أجل إبداع جسور الحضارة ما بين حدّيه. ولعل الزمن العربي سيتوقف طويلاً على شفير هذه الهاوية، متفكراً بوسيلة العبور يوماً ما إلى الضفة الثانية.. المجهولة أو الممنوعة.

' مفكر عربي مقيم في باريس

==================

أوباما في المرحلة الجديدة بشأن إيران: ضغوط لا دبلوماسية

روبرت كاغان

الشرق الاوسط

9-8-2010

قامت الإدارة الأميركية، هذا الأسبوع، بدعوة مجموعة صغيرة من الصحافيين إلى البيت الأبيض للاستماع إلى الرئيس أوباما وكبار مستشاريه حول جولة العقوبات الجديدة المفروضة على إيران. وقد وصف بعض الحاضرين الاجتماع بأنه «استثنائي». غير أني لا أعرف السبب وراء وصفهم هذا، فقد كان السبب من ورائه بالغ الوضوح: فالرئيس وفريقه كانوا يرغبون في الحصول على بعض الدعم بعد كل الشهور الصعبة من الدبلوماسية التي أدت إلى المصادقة على عقوبات الأمم المتحدة في يونيو (حزيران)، خاصة من قبل الدول المعارضة الحليفة لها مثل روسيا والصين. كان الرئيس وفريقه يرغبون في عرض مدى قوة العقوبات الجديدة، خاصة مع فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات غير مسبوقة بعد المصادقة على القرار. قال الرئيس ومستشاروه، دون الخوض في استنتاجات عبثية حول احتمالية اقتناع النظام الإيراني الآن بالتخلي عن سعيه لامتلاك القنبلة النووية، إن العقوبات الجديدة ستسبب ألما بالغا للنظام على الأقل.

ما أثار دهشة كبيرة لدى الحضور، كان رصانة الرئيس بشأن القضية، واعتزازه الواضح بجهود الدبلوماسية العالمية التي أدت إلى صدور القرار الأخير وعزمه على الضغط على النظام الإيراني بأقصى وسيلة ممكنة. كان من الواضح أن الرئيس يمتلك نظرة واقعية بشأن إيران، فعندما تحدث عن استراتيجية «الحوار» في العام الأول له في البيت الأبيض لم يكن ذلك رثاء على ما كان، أو الأمل بشأن مستقبل الرغبة الإيرانية في استغلال العرض بجدية بشأن برنامجها النووي.

بيد أن الرئيس أوباما وصفها بأنها طريقة ناجحة لعزل النظام الإيراني والضغط عليه. وعبر الكشف للعالم عن مدى عدم جدية حكام طهران بشأن المحادثات، عبر الإثبات بما لا يدعم مجالا للشك أنه إذا كان هناك مأزق في العلاقات الأميركية الإيرانية وأن المشكلة لم تكن في واشنطن، فهو بذلك قد أعد الساحة لعزلة إيران.

كما أعرب الرئيس عن اعتقاده بأن العقوبات قد بدأت بالفعل في إيلام النظام الإيراني. عدا أن الأمر الأكثر أهمية، هو أن الرئيس لم يعتبر ذلك علامة على إمكانية وجود فرصة الآن للدبلوماسية، فاستخف الرئيس ومستشاروه بالتصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن استئناف المحادثات مع مجموعة «5 + 1» (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) بأنها لم تأت بجديد، وأنها لم تعكس رغبة حقيقية في السعي إلى إعادة تدشين المحادثات أو تقديم إشارات واضحة على ذلك. وحاد الرئيس عن مساره للتنويه بأن الإيرانيين سادة الخداع والتسويف. وقدم بعض التفاصيل حول الأسباب التي أدت إلى تعطيل الاتفاق الذي توصلت إليه تركيا والبرازيل. أكد الرئيس مرارا على أن النظام ربما يكون ملتزما «آيديولوجيا» بامتلاك القنبلة النووية التي لن يحول بينه وبين تحقيق مبتغاه أي قدر من الألم. وأوضح أن الباب لا يزال مفتوحا، بالطبع، للإيرانيين لتغيير عقليتهم، وأن تلك العقوبات لم تلغِ الدبلوماسية والحوار، وأن الإيرانيين إذا ما قرروا التصرف بمسؤولية عبر الالتزام بمطالب المجتمع الدولي فالولايات المتحدة مستعدة للترحيب بهم.

عند هذه النقطة اتخذ الاجتماع منعطفا ممتعا وغريبا. فعندما سمع بعض الصحافيين الذين حضروا الاجتماع النقطة الأخيرة للرئيس وهو يتحدث عن كون الباب لا يزال مفتوحا أمام إيران، استنتجوا أن الرئيس يلمح إلى مبادرة دبلوماسية جديدة.

بدأ الصحافيون في ملاحقة الرئيس بالأسئلة حول نوعية التحركات الدبلوماسية الجديدة التي تحدث عنها، وبعد أن غادر الرئيس واصلوا إلقاء الأسئلة على كبار المسؤولين، وهو ما وضع المسؤولين في موقف حرج. فلم يرغبوا في القول صراحة بأن الإدارة لا تسعى إلى مبادرة دبلوماسية جديدة، لأن ذلك ربما يشير إلى عدم اهتمام الإدارة بالدبلوماسية على الإطلاق. لكنهم أوضحوا تماما بأنه لا توجد مبادرة دبلوماسية جديدة في الأفق. وقال لي أحد مسؤولي الإدارة كان بادي الاندهاش مما إذا كان الهدف من وراء الاجتماع الدبلوماسية، لجلب كبار مفاوضيها إلى الاجتماع، بدلا من الحديث عن الضغط على إيران. غير أن بعض الصحافيين غادروا وهم يحملون انطباعا بأن الخبر الأبرز الذي خرجوا به من اجتماعهم مع الرئيس كان جولة محتملة جديدة من الدبلوماسية.

تركت الشعور بالتعاطف مع هذه الإدارة والإدارات السابقة، فكان من الواضح أن هذه الاجتماعات غير مجدية. كان الهدف من وراء الاجتماع رغبة الإدارة في أن يعرف الجميع مدى شدة العقوبات على إيران. وقد اندهشت على نحو خاص بملاحظات أحد المسؤولين البارزين في الإدارة والذي أشار إلى أن أحد تأثيرات الصعوبات الاقتصادية المتنامية في إيران كانت الإضرابات في الأسواق. وقد كانت مظاهرات الطلبة والمعارضة في السابق سياسية لكن هذه الاحتجاجات بشأن الاقتصاد، وإذا ما دمج الاثنان، على حد قول المسؤول، فإن ذلك سيشكل تهديدا للنظام الإيراني. وهي نقطة جديرة بالاهتمام، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لمن حضروا الاجتماع من الصحافيين.

* روبرت كاغان، زميل مشارك

في منحة كارنيغي للسلام العالمي

* خدمة «واشنطن بوست»

==============================

هكذا تهدر عائدات نفط العراق!

احمد منصور

الدار العراقية 7/8/2010

لم تقف جرائم الولايات المتحدة الأمريكية بحق العراق عند حد احتلاله وقتل وتشريد واختفاء ما يقرب من المليون من أبنائه، وتدمير بنيته الاجتماعية والجغرافية وكيانه السياسي،

 واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد أبنائه، وسرقة نفطه، ونهب ثرواته وتاريخه وتراثه وحضارته. لكن الأمر زاد على ذلك بنهب أموال الشعب وثرواته بشكل يفوق كل صور السلب والنهب. فقد كشف تقرير لمراجعة وتدقيق الحسابات أصدره المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار العراق، عن ضياع 8.7 مليارات دولار من أموال النفط والغاز العراقية, كانت مخصصة للحاجات الإنسانية وإعادة الإعمار بعد غزو البلاد عام 2003، والمشكلة لا تقف عند هذه الفضيحة التي تتعلق بضياع هذا المبلغ الخرافي، ولكن الأكثر شناعة هو أن وزارة الدفاع الأميركية لا يمكنها التحديد على وجه الدقة مصير تلك المليارات التي تمثل قرابة 96% من مبلغ إجمالي قدره 9.1 مليارات دولار محول إلى وزارة الدفاع من صندوق تنمية العراق.

هذه الأموال التي فقدت هي أموال الشعب العراقي، وهي من عائدات النفط التي دخلت ضمن الحسابات الأمريكية بعد الاحتلال, لأن معظم عائدات النفط العراقي لا يعرف أحد أين تذهب حتى الآن، وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة (وهي الإدارة المدنية الأميركية) قد أنشأت صندوق «تنمية العراق» بهدف جمع أموال من صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي والأرصدة العراقية المجمدة والفائض من برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي أدارته الأمم المتحدة, وإنفاقها على ما ينفع العراقيين، لكن هذه السلطة التي كان يرأسها السفير بول بريمر انتهت مهمتها في نهاية أيار عام 2004 وسط غموض هائل في كل مهمتها من البداية إلى النهاية، ومع علامات استفهام كبيرة حول الأموال التي وضعت تحت يدها، وكيف أنفقت؟ وحين سعى بعض أعضاء الكونغرس لطلب فتح تحقيق حول تبديد ثروة العراق، ردّ عليه آخرون بأن هذه أموال عراقية وليست أمريكية، ومن ثم فإن كل ما يتعلق بها يناقش خارج مجلس النواب الأمريكي وليس داخله، وهذا ما جعل نهب هذه الأموال وكثير مثلها يخرج من إطار أي تحقيق أو مساءلة أمريكية جادة، ليتحول إلى إجراءات داخلية عادية داخل وزارة الدفاع التي كانت مسؤولة بشكل أساسي عن إدارة العراق آنذاك، ولنا أن نتخيل أن مليارات الدولارات تضيع دون أن يكون هناك أي مستندات لمعرفة أين ذهبت، بل يمكن إلقاء اللوم على موظفين صغار أو أرشفة ورقية أو غير ذلك من الوسائل التي تستخدمها الأنظمة الفاسدة لتبرير نهب ثروات الشعوب وضياع حقوق أجيالها.

هذا المبلغ يتعلق بالعام الأول بعد الاحتلال، ولنا أن نتخيل حجم الأموال التي سرقت ونهبت، والتي ما زالت تسرق وتنهب بعد ذلك، سواء على أيدي الأمريكيين بشكل مباشر، أو على أيدي رجالهم الذين أتوا بهم على ظهور الدبابات والطائرات ليحكموا شعب العراق، وكان كثير من العرب وغيرهم قد تفاءلوا بأن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة المتمثلة في الرئيس باراك أوباما سوف تغيّر سياستها تجاه كل من العراق وأفغانستان، لكن أوباما سار على النهج الذي كان يسير عليه جورج بوش ولم يغير شيئا، وقد انتقد لين وولزي (وهو سيناتور أمريكي مناوئ للحرب) أسلوب أوباما في الإنفاق على حرب العراق، وإدارتها بنفس الطريقة التي كان يديرها بها جورج بوش، وذلك بعدما طالب أوباما في عام 2009 الكونغرس بالموافقة على تمويل الحرب «خارج الحسابات»، وهي الطريقة التي جعلت بوش يبدد مئات المليارات من الدولارات بدعوى الحرب على الإرهاب، وصناعة نظام ديمقراطي في كل من أفغانستان والعراق، لكن الأمر في النهاية لم يكن سوى عمليات سلب ونهب، وضياع مليارات الدولارات من عائدات النفط العراقي دون أن يعرف أحد أين ذهبت، وكأنها تبخرت.

وكانت تقارير كثيرة قد تحدثت عن وسائل عديدة يتم بها نهب نفط العراق، مثل تصدير مئات الآلاف من براميل النفط دون إدراجها أو إدراج أسعارها، علاوة على تسعير النفط العراقي بأسعار تقل عن الأسواق العالمية بشكل مثير، فقد سبق أن اتهم صباح الساعدي (عضو البرلمان العراقي عن حزب الفضيلة) وزير النفط حسين الشهرستاني بأنه يبرم عقوداً لبيع النفط العراقي بأسعار تصل إلى 17 دولاراً للبرميل، في الوقت الذي يتجاوز فيه السعر العالمي 70 دولاراً للبرميل، ما يعني أن الفروقات اليومية التي تهدر من ثروات العراق حسب الأسعار المعلنة، وحسب الكميات المعلنة أيضاً، تصل إلى ما يقرب من 35 مليون دولار يومياً، ولنا أن نتخيل هذا إذا ضربنا هذا المبلغ في عام كامل، ما هو الناتج العام الذي ينهب من نفط العراق.

كل هذا يتم تحت سمع وبصر وترتيبات سلطات الاحتلال والمتعاونين معهما، ومن ثم فإن جرائم أمريكا في العراق يجب أن تسجل كلها حتى تفتح حين يأتي يوم الحساب، حتى يأخذ الشعب العراقي حقوقه عندما يسترد أرضه وحريته وحقوقه، ويطالب أمريكا بدفع الثمن، ثمن كل جرائمها في العراق

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ