ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

مؤسسات المجتمع المدني والمرجعية الإسلامية

سالم جنيدي

الجلفة - الجزائر

8/5/2010

القدس العربي

مؤسسات المجتمع المدني ذات المرجعية الإسلامي في البلدان العربية والإسلامية، وأن هذه الأدوار لا تلقى قبولاً من السياسة الأمريكية وتراها مهددة لخططها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وهذه الأدوار هي:

1  تجديد الشعور بالانتماء إلى الموحدات الحضارية الكبرى والمقصود هنا هو تلك العوامل التي وحدت الأمة الإسلامية وشدت أزرها في العصور السابقة، وفي مقدمها: العقيدة والشريعة واللغة والقيم الأخلاقية. وقد نبعت من هذه الموحدات منظومة القيم والأخلاقيات والمبادئ الإسلامية التي تندرج ضمنها القيم والمبادئ التي تحض على العمل الخيري والتطوعي، التي لا تعترف بالحدود السياسية المصطنعة، ولا بالحواجز العرقية أو الاختلافات المذهبية.

إن عمل هذه المؤسسات التي هي متنوعة ومتعددة بالضرورة وفق منظومة القيم الإسلامية التي هي واحدة وموحدة بالضرورة أيضا يعني أن حصيلة العمل لا بد أن تصب في اتجاه تجديد عوامل الوحدة ودعمها، وتسهم بالقدر نفسه - ولكن في اتجاه عكسي- في إضعاف عوامل التفرقة القائمة على أسس مذهبية أو عرقية أو جهوية.

2  تقوية نسيج البنية التحتية لوحدة الأمة العربية

تتمثل هذه البنى في عديد من دوائر الانتماء الأولية التي تبدأ بالأسرة وتمر بالجماعات الحرفية والمهنية والمذهبية والثقافية والنقابية والاتحادات النوعية، وتنتهي بالأمة في مجموعها. وفي رأينا أن مفهوم وحدة الأمة يظل غامضا وهلاميا ما لم يجر التعبير عنه في كيانات فرعية قوية، بحيث يغطي كل كيان منها مساحة أو مجالا أو نشاطا أو ميدانا من ميادين العمل المتعددة والمتنوعة.

ولولا وجود المؤسسات والتنظيمات المدنية/ الأهلية لكان من الصعب جدا المحافظة على التماسك الداخلي بين عناصر الأمة وجماعاتها المختلفة، ومن هنا يبرز الدور الكبير الذي تسهم به مؤسسات وتنظيمات العمل الخيري الإسلامي في تقوية نسيج الوحدات الفرعية للكيان الجماعي للأمة، جنبا إلى جنب مع الدور الذي تسهم به المؤسسات والتنظيمات الحكومية.

3  التعاون بشتى أنواعه

ونعني حفز التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية الثقافية بين شعوب الأمة الإسلامية. ويتجلى هذا الدور الذي تسهم به مؤسسات ومنظمات العمل المدني الإسلامي بشكل واضح من خلال ما تخلقه البرامج والنشاطات والمشروعات التي تنفذها على المستوى عبر الوطني، وذلك بهدف توسيع نطاق المستفيدين من تلك المشروعات والخدمات ليشمل عدة دول عربية أو إسلامية أخرى

وقد شهد العقدان الأخيران ظهور عدد لا بأس به من الجمعيات والهيئات والشبكات الخيرية/ الأهلية التي تعمل داخل الوطن الأم وخارجه في عديد من البلدان العربية والإسلامية. وإذا ألقينا نظرة تحليلية شاملة على برامج ونشاطات مثل تلك الجمعيات والمنظمات والشبكات الخيرية، يتضح لنا أنها تسهم في تغذية عوامل الوحدة بين شعوب وبلدان العالم العربي والإسلامي من أكثر من زاوية.

4  التجانس

اي الإسهام في تحقيق درجة أكبر من التجانس في التنشئة الاجتماعية، ولا يقتصر دور مؤسسات وجمعيات العمل الخيري/ الأهلي فقط على توفير خدمة معينة، إنما تسهم هذه المؤسسات أيضا بدور تربوي على درجة كبيرة من الأهمية، ويصب هذا الإسهام في مجرى عمليات التنشئة الاجتماعية التي يمر بها المواطنون، ويتركز جانب منها على تنمية قيمة العمل الجماعي لديهم وعبر مختلف مراحل حياتهم.

إن الفرد/ المواطن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يجد نفسه عضوا في عديد من الجماعات والتكوينات والتنظيمات، كما أنه يعطي ولاءه لعدة دوائر في وقت واحد دون أن يشعر بوجود تعارض أو تنازع فيما بين دائرة وأخرى. وفي الوقت الذي يحمل فيه ميراث وثقافة هذه الجماعات بطريقة تلقائية فإنه يحمل ميراث وثقافة مجتمعه وأمته الكبيرة التي ينتمي إليها بالطريقة نفسها أيضا.

وكلما كانت تلك المؤسسات التي ينتمي إليها الفرد أو يسهم فيها مستندة في عملها إلى المرجعية الإسلامية العليا بقيمها ومقاصدها العامة، زاد أثر الدور التوحيدي الذي تقوم به في المجتمع من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، والعكس صحيح أيضا.

إن ما سبق لا يعني أن مؤسسات وجمعيات العمل الخيري الإسلامي أضحت فائقة الفاعلية والكفاءة في إنجاز أعمالها وتحقيق أهدافها، إذ إنها تواجه عديدا من التحديات الناجمة عن الهجمة الغربية في سياق تداعيات أحداث ايلول/سبتمبر، ونعتقد أيضا أن المشكلات الداخلية التي يعاني منها هذا العمل ومؤسساته ونشاطاته المختلفة لا تقل أهمية عن التحديات الخارجية، بل إن هذه المشكلات أو التحديات هي التي سهلت نفاذ التداعيات التي حصلت على العمل الخيري وسوف تسهل التداعيات المحتمل حصولها نتيجة تلك الأحداث، وهذا هو جوهر التحدي الذي يواجه مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي في المرحلة المقبلة.

=======================

قراءة في بيان قمة بيروت

عبدالسلام بنعيسى

8/5/2010

القدس العربي

صدر عن اجتماع القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ورئيس لبنان العماد ميشال سليمان، والرئيس السوري بشار الأسد، بيان ختامي، من بين ما وقع التأكيد فيه عليه: (الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، وتغليب مصلحة لبنان العليا على أيّ مصلحة فئويّة، والاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية، وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات).

واضح أن الخلفية التي تتحكم في عقد القمة كلها، وفي هذه الفقرة الواردة في البيان، هي موقف حزب الله من القرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة الجهة التي اغتالت رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. فلقد سبق للحزب المذكور أن رفض مرارا وتكرارا توجيه الاتهام إليه باغتيال رفيق الحريري، ونبه إلى أن الجهة التي تريد توريطه بجره إلى محاكمة عن جريمة يعتبر نفسه بريئا منها، ليست سوى أمريكا، خدمة لمصلحة إسرائيل التي فشلت في القضاء على المقاومة اللبنانية في حرب تموز، وأن هذا الاتهام الظالم قد يهدد بإشعال فتنة كبيرة في لبنان.

الفقرة المشار إليها أعلاه في البيان، فسرت من طرف فريق 14 آذار على أساس أنها تبن لموقف هذا الفريق، في ما يخص الخلاف الحاصل حول المحكمة الدولية وقرارها الظني. إنها من وجهة نظر الآذاريين موجهة إلى حزب الله، لحثه على عدم اللجوء إلى العنف، والاحتكام إلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات، وأنه ملزم بالتقيد بما ورد فيها شكلا ومضمونا.

بطبيعة الحال لا أحد من اللبنانيين، ومن محبي لبنان، ومن الراغبين في أن يظل ينعم بهدوئه وأمنه واستقراره ووفاقه الوطني، يقبل لهذا البلد أن يسوده العنف، وتعمه الفوضى والقلاقل والاضطرابات، وتندلع فيه نار فتنة تأكل الأخضر واليابس.. ولا شك في أن حزب الله هو الجهة الأولى التي يعنيها حفظ أمن لبنان واستقراره، وتجنبه أتون فتنة سيكون الحزب واحدا من أكبر المتضررين منها.

غير أن الأمر ليس مطروحا على هذا النحو، فاندلاع العنف في هذا البلد من عدمه، ليس مرتبطا بإرادة حزب الله لوحده. إنه مرتبط بالكيفية التي ستتعامل بها باقي القوى السياسية اللبنانية مع المحكمة إياها، وما قد يصدر عنها من قرارات. إذا تم توجيه اتهام ظني من طرف المحكمة صوب الحزب، وهي التي يعتبرها فريق من اللبنانيين، هيئة منزهة عن الهوى، وعن الخطأ، وأنها ستكون صائبة في جميع قراراتها، فهذا يعني أنهم سيتبنون القرار، وسيدافعون عنه بكل الوسائل التي في حوزتهم، حتى وإن كانوا يقولون اليوم، إننا سنطعن في القرار الظني وسنرفضه، إذا كان غير مسنود بأدلة وحجج قوية.

الأدلة التي تبدو لجهة قوية ومقنعة، قد تبدو لأخرى مهزوزة وضعيفة، والأهم هو أن القرار الظني يكون قد وقع تثبيته وتأكيده، وستنطلق حملة من السجال حول المرتكزات التي يتأسس عليها القرار، فكيف في مثل هذه الحالة، يمكن لحكومة وفاق وطني، يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه، أن تستمر في القيام بواجباتها تجاه الوطن والمواطنين بشكل طبيعي، في ظل هذا التجاذب الكبير جدا بين مكوناتها حول القرار الظني؟

كيف يقبل فريق 14 آذار الاستمرار في حكومة وحدة وطنية مع جهة يتهمها بأنها اغتالت رمزا من رموزه الكبار؟ إذا شعر الحزب بأن الحكومة التي هو جزء منها تتبنى القرار الظني، وتسعى لتفعيله داخليا، فلا شك أنه، إما سيعطل، رفقة حلفائه، جميع اللوازم التي ستترتب عن هذا القرار، أو أنه سينسحب من الحكومة، ولن يكون لوحده المنسحب منها، بل سيكون معه كل حلفائه، مما سيؤدي إلى إسقاط الحكومة، ووقوع فراغ كبير في كيفية تدبير الشأن اللبناني.

حين يكون البلد بلا حكومة، وتندلع حملة من التراشق الإعلامي والشحن الطائفي والمذهبي في ما بين طرفين لبنانيين متناقضين ومتخاصمين أشد الخصومة، ويبادر كل طرف باتهام الآخر بالتعطيل، وإحداث الفراغ الحكومي والاغتيال والتآمر مع إسرائيل، ألا يشكل هذا أرضية مناسبة لاندلاع العنف الذي لن ينقصه سوى الصاعق الذي يطلق شرارة نار الفتنة؟ ألا يمكن لإسرائيل أن تتدخل بجواسيسها الكثيرين في لبنان لإشعال لهيب الفتنة بين اللبنانيين؟

تناولت الفقرة المشار إليها من بيان مؤتمر القمة الذي انعقد في بيروت، البنية الفوقية للأزمة اللبنانية الراهنة، ولكنها لم تلامس بنيتها التحتية، لقد تعاملت القمة مع إمكانية وقوع العنف واستمرار حكومة الوفاق اللبناني وكأنهما أمران مستقلان بذاتهما، وليس هناك فاعل أساسي ينتجهما ويحركهما. لم تتطرق القمة إلى المحكمة الدولية، وإلى القرار الظني الذي استدعى عقدها على عجل. لم يظهر في البيان ما يفيد بأن القادة العرب الثلاثة عالجوا جذر المشكل، ووضعوا له تصورا يؤدي إلى التحكم فيه والتغلب عليه.

قد يكون هناك احتمال بأن القادة الثلاثة اتفقوا في ما بينهم، تحت الطاولة، على صيغة ترضي جميع الأطراف حول القرار الظني، وأنهم سيشتغلون عليها، مع اللبنانيين، من دون الإعلان عن ذلك في البيان الختامي، ضمانا لبلورة ما وقع الاتفاق حوله بشكل سري. إذا كان هذا السيناريو قد تحقق، فهذا يدل على أن مؤتمر بيروت قد نجح، وأنه سيُخرج لبنان من المحنة الكبيرة التي تواجهه.

ولكن إذا لم يكن هناك أي سيناريو من هذا القبيل، فيمكن القول إن القمة إياها أعطت مجرد مسكن لحالة مرضية خطيرة لا تنفع معها المسكنات، وانها عُقدت من باب رفع العتب، والقول مستقبلا اننا قمنا بما كان بإمكاننا القيام به، وان اللبنانيين يتحملون تبعات ما وقع لهم.

القمة ستظهر هنا، على أنها كانت مجرد لحظة لتصدير صورة إلى الخارج، ربحا للوقت، وتأجيلا للمصادمات، والفتنة الواردة لا محالة. وأكيد أن الفتنة في لبنان إرادة أمريكية إسرائيلية، ويبدو أن إرادة كل من أمريكا وإسرائيل صارت تتبلور وتترجم في أي بقعة من عالمنا العربي، بشكل أسهل من تناول جرعة ماء..

' صحافي وكاتب من المغرب

=======================

الحجاب الإسلامي وحقوق الإنسان الدولية

د. محمد خليل الموسى

- مقاربة أولية –

الدستور

8/5/2010

أثيرت أسئلة عديدة حول مسألة ارتداء الحجاب الإسلامي في عدد من الدول الأوروبية ، وقد جابه العالم الإسلامي هذه الأسئلة بأسئلة وتساؤلات: و أحياناً بضجيج و صخب غير معقولين. و يمكن تلخيص مواقف كل من الدول الأوروبية و الشعوب الإسلامية كالآتي: يرى عدد من الدول الأوروبية ، و بالأخص دول أوروبا الغربية ، أن ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس العامة و مؤسسات الدولة مخالف لعلمانية الدول ولحيادها تجاه مختلف الديانات. أما الشعوب الإسلامية ، فقد نظرت إلى قيام عدد من الدول الغربية مثل سويسرا و فرنسا بحظر ارتداء الحجاب في المدارس و الجامعات العامة و مؤسسات الدولة بأنه يندرج ضمن "حرب صليبية" يخوضها الغرب ضد الإسلام ، و أنه خرق لحرية الديانة و المعتقد و الفكر.

 

مما لا شك فيه أن محاولة حل الخلاف القائم حول ارتداء الحجاب الإسلامي على أساس وجود حرب صليبية بين الشرق و الغرب و انطلاقاً من فكرة "صراع الحضارات" الواهية ، أو كرد فعل ضد "الإسلاموفوبيا" أو "الخواف من الإسلام" لن تفضي إلى حل ودي أو معقول ألبته. و لهذا السبب فإنني أعتقد بأن منظومة حقوق الإنسان الدولية قادرة على إيجاد حل سلمي و متوازن لمسألة الحجاب الإسلامي في الدول الغربية.

 

لقد تناولت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان موضوع الحجاب الإسلامي في أكثر من مناسبة. ففي قضية (دحلاب  سويسرا) ، أوضحت المحكمة بشأن منع معلمة في مدرسة حكومية من ارتداء الحجاب أثناء العمل أن قرار المنع لا ينطوي على خرق لأحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. و قد استندت المحكمة على جملة من الحجج والأسانيد أهمها أن للحجاب كرمز خارجي تأثير قوي داخل المدارس التابعة للدولة ، وأنه لا يتفق مع مبدأ المساواة الجندرية وعدم التمييز على أساس نوع الجنس. وانتهت المحكمة إلى أن للحكومة السويسرية أن تفرض قيوداً على ارتدائه في المدارس العامة.

 

و في قضية ( ليلى شاهن  تركيا) ، لم تجد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أي انتهاك لحقوق الإنسان المعترف بها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، و ذلك على أساس أن المعيار الأساسي للبت في هذه المسألة (ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة) هو مبدأ العلمانية. و قد أخذت المحكمة في هذه القضية بالحجتين المركزيتين لتركيا وهما: التوافق بين العلمانية و قيم الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، و أن منع ارتداء الحجاب ضروري لحماية النظام الديمقراطي في تركيا الذي تستهدف الاتفاقية المذكورة حمايته وتعزيزه.

 

واضح تماماً أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد ركزت في الحالتين المذكورتين على حرية الديانة و المعتقد ، و على أن العلمانية تفرض على الدول العلمانية أن تحافظ على المجال العام فيها من أن يميل لصالح أية ديانة على حساب الأخرى. و لكن التساؤل الذي يثار في هذا السياق هو إلى أي مدى يعد صحيحاً القول أن الحجاب الإسلامي يخلق تعارضاً بين علمانية الدولة من جهة و بين حرية ممارسة الاعتقاد الديني و الجهر به من جهة أخرى ؟ و إلى أي مدى يتنازع مبدأ حياد الدولة مع هذا الحق الأخير؟

 

بالنسبة للتعارض بين العلمانية و الحق في حرية ممارسة الاعتقاد الديني ، يمكن القول أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تنطلق من فرضية مركزية و هي أنه ليس هناك نموذج أو نظام "سوسيو - سياسي" محدد أو مثالي: فهي تعترض وجود تنوع بين الدول في نظمها الاجتماعية و السياسية. الأمر الذي يترتب عليه من الناحية العملية أن هذه الاتفاقيات لا تتصور نمطاً معيناً من العلاقة بين الدولة والدين و أن تنوع أو اختلاف أشكال هذه العلاقة من دولة إلى أخرى يتفق تماماً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فقد أشارت إحدى اللجان التعاهدية المعنية بالرقابة على اتفاقيات حقوق الإنسان و هي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ذات مرة إلى أن الاعتراف بديانة ما باعتبارها دين الدولة أو الدين الرسمي أو التقليدي ، أو باعتبار أن أتباعها يشكلون أغلبية السكان ، يجب ألا يؤدي إلى إعاقة التمتع بأي حق من الحقوق المعترف بها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بما في ذلك حرية الفكر و الديانة و المعتقد و حقوق الأقليات ، علاوة على أنه يجب أن لا يفضي إلى أي تمييز ضد أتباع الديانات الأخرى. وبمعنى آخر ، لا يجوز تطبيق العلمانية على نحو يعرقل تمتع أصحاب الديانات بالحق في ممارسة شعائر ديانتهم أو الجهر بها. فكما أن العلمانية تعني أن الدولة تقف في مساحة بعيدة عن المساحة الخاصة بالدين إلا أن لا يجوز تطبيقها بصورة تضر بالمساحة المخصصة لأصحاب الديانات أو بحقوقهم الدينية المعترف بها ضمن منظومة حقوق الإنسان الدولية.

 

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً ، فإن إثبات التوافق بين الدولة الدينية و منظومة حقوق الإنسان الدولية أمر عسير من الناحية العملية ، فالعلمانية شرط حيوي لاحترام سيادة القانون و حقوق الإنسان. و لكن لا يجوز بالمقابل ممارستها على نحو يضر أو يعرقل ممارسة بعض الحقوق الإنسانية أو يؤدي إلى فرض رؤية واحدة للعالم أو للمجتمع. فالعلمانية ضرورية لحياد الدولة ، و قد أكدت دول أوروبية مختلفة و في مقدمتها فرنسا على أنها تستهدف من حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في مؤسسات الدولة تطبيق مبدأ الحياد في المجال الديني: و هو مبدأ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحريم التمييز. و قد أوضحت فيدرالية هلسنكي الدولية بشأن قانون الحجاب الفرنسي لعام 2004 أنها قلقة من أن تفضي الكيفية التي استخدمتها فرنسا بغية تعزيز العلمانية إلى الدفاع عن رؤية أحادية أو منفردة للعالم ، و بالنتيجة فإنها ستكون متعارضة مع الحياد الذي دأبت الحكومة الفرنسية على التمسك به. أي أن الحياد يفرض على الدولة العلمانية أن لا تجعل من رؤيتها أو فلسفتها الرؤية أو الفلسفة الوحيدة للحياة على حساب التنوع الثقافي و الديني و الفكري.

استاذ القانون الدولي وخبير في قضايا حقوق الانسان

=======================

مقدمة لعدوان واسع

رشيد حسن

الدستور

8/5/2010

العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان الشقيق أمس الأول ، هو جس نبض ، ومقدمة لعدوان واسع ، على المنطقة كلها ، بدأت خطوطه العريضة ترتسم في الأفق مبكرا ، مع الاستعدادات الصهيونية والتي لم تتوقف على مدة أربعة أعوام ، منذ أن كسرت شوكة العدو في حرب ,2006

 

هذا وإن كان المجال لا يتسع ، لاستعراض هذه الاستعدادات الضخمة ، فلا بد من الإشارة إلى أن العدو أجرى أكبر مناورات عسكرية في تاريخه ، وقام بإعلان حالة الطوارئ على مستوى الكيان الصهيوني ، لاختبار استعدادات الجبهة الداخلية ، وجاهزية الدفاع المدني ، والملاجئ.. الخ إلى جانب إنجاز استعدادات عسكرية ، ليس لها مثيل زودته بها حليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية ، من أبرزها رادار متقدم لرصد الصواريخ الايرانية ، وقبة صاروخية لصد هذه الصواريخ ، وطائرات بعيدة المدى يجري تزويدها بالوقود جوا.

 

هذه الاستعدادات المنقطعة النظير ، هي ما دفعت المراقبين ، والصحف الإسرائيلية ، إلى التأكيد بأن الحرب قادمة لا محالة ، لأسباب كثيرة أهمها: إن العدوان هو من صلب العقيدة الصهيونية ، وأن هذا الكيان بالأصل قائم على الاغتصاب والاحتلال ، ولا يعيش إلا في مثل هذه الأجواء والمناخات.

 

ومن هنا فالهدف الثاني لهذا العدوان هو الهروب إلى الأمام من المأزق الذي وصل إليه ، ووصلت إليه المسيرة السلمية ، بفعل عدوانه المستمر سواء أكان استيطانا ، أم تطهيرا عرقيا ، أم حصارا ، ورفضه الانصياع للقرارات الدولية ، بما يعني فرض واقع جديد ، وحقائق جديدة على الأرض تلغي ما سبقها بحكم الأولويات.

 

أما السبب الثالث في تقديرنا ، فينبع من استراتيجية العدو ، القائمة على إخضاع المنطقة كلها لسطوته ، وقوته العسكرية ، وبالتالي فوجود أي قوة عسكرية ، أو أسلحة حديثة تهدد تفوقه ، وتضع حدا ليده الطولى ، يعتبر خطرا على وجوده ، لا يحتمل ، ومن هنا نجده يضغط على واشنطن لضرب ايران ، وتدمير مفاعلاتها النووية ، ويفتعل الأسباب لضرب سوريا ولبنان ، ومن جملتها العمل على تفجير الوضع الداخلي ، من خلال القرار المتوقع للمحكمة الدولية ، ولما وجد اللبنانيين متفقين على تدارك هذا القرار ، أو بالأحرى تجاوزه حفاظا على وحدة لبنان ، ووأدا للفتنة ، قام بالاعتداء الغاشم أمس الأول ما يؤكد فشل مخططاته من هذه الناحية.

 

باختصار.. لقد بات واضحا ، ومتفقا عليه أن استمرار الحال من المحال ، بعد إصرار العدو الصهيوني على أن يكون شرطي المنطقة بدعم ومساندة واشنطن وبعد رفضه الاعتراف بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني ، رغم سيل التنازلات التي قدمتها السلطة والعرب عموما لكسب ود أميركا ، ما يؤكد أن العد التنازلي للعدوان قد بدأ ، ما يضع الكرة في الملعب العربي ، ليقرروا ما هم فاعلون ، قبل أن تحرق نار المجانين الصهاينة ثيابهم وبلادهم.

ولكل حادث حديث.

=======================

(ويكيليكس)... انتهاك القانون

* مارك إيه زيثين

الرأي الاردنية

8/5/2010

لنكن واضحين ونعترف بأن موقع «ويكيليكس» ليس مؤسسة إخبارية، وإنما هو في حقيقته مشروع الغرض من وجوده الحصول على وثائق مصنفة خاصة بالأمن القومي ونشرها على أوسع نطاق ممكن، حتى لو أدى ذلك إلى توصيلها لخصوم الولايات المتحدة وأعدائها.

وهذه الأعمال تمثل انتهاكاً لقانون مكافحة الجاسوسية، كما تمثل دعما للإرهاب الدولي. لذلك يجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة من أجل إيقاف هذا الموقع الإلكتروني، ومحاسبة مؤسسه. يتباهى «جوليان أسانج» مؤسس موقع «ويكيليكس» بأن عدد الوثائق السرية التي قام بنشرها تفوق ما نشرته كافة وسائل الإعلام العالمية مجتمعة. وفي مقابلة أجراها مؤخرا مع «النيويوركر» قال «أسانج» إنه يدرك أن هناك أناساً أبرياء  وصفهم بأنهم «خسائر جانبية»، قد يتعرضون للأذى، وأنه يأسف لذلك.

بالإضافة إلى تعرض الناس للأذى بل واحتمال تعرضهم للقتل فإن ما نشره ذلك الموقع  76 ألف وثيقة سرية، قد يؤدي إلى نتيجة أخرى وهي امتناع الاستخبارات الأفغانية وغيرها من أجهزة الاستخبارات في العالم عن التعاون مع الاستخبارات الأميركية في المستقبل خوفا من أن تتسرب تفاصيل ذلك التعاون وتنكشف أسماء الأشخاص المشاركين فيه مما يعرضهم لخطر القتل.

في الوقت الراهن يستعد»ويكيليكس» لإلحاق المزيد من الضرر، حيث يدعي «أسانج» أنه يمتلك ما يقرب من 15 ألف مستند آخر، وأنه سوف يقوم بنشرها عما قريب.

ويشار هنا أن «أسانج» ليس مواطناً أميركياً، وأنه يعمل خارج أراضي الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الحكومة الأميركية لديها خيارات عديدة للتعامل معه: فهي تستطيع استخدام ليس فقط أدوات فرض القانون وإنما الإمكانيات الاستخباراتية والعسكرية للقبض عليه وتقديمه للعدالة ومنع مشروعه عن العمل.

الخطوة الأولى لذلك هي أن تقوم وزارة العدل الأميركية بإصدار قرار يدين أسانج ثم العمل بعد ذلك مع شركائها في أجهزة تنفيذ القانون في العالم من أجل القبض عليه وإحضاره أمام المحكمة.

وأسانج يعتقد–خطأً–أنه بمأمن من القبض عليه، طالما أنه يقيم خارج الولايات المتحدة ويتنقل بين عدة دول مثل السويد وبلجيكا وآيسلاندا، يعتقد أنه يتمتع بحماية قوانينها التي تحمي النشر.

من هنا يمكن للولايات المتحدة من خلال ممارسة الضغط الدبلوماسي الملائم إقناع حكومات تلك الدول بضرورة التعاون معها من أجل القبض على «أسانج» وإحضاره أمام العدالة.

وإذا رفضت تلك الدول ذلك التعاون يمكن للولايات المتحدة أن تقبض على أسانج وهو على أراضيها  أراضي تلك الدول  ودون علمها أو موافقتها استنادا الى قرار صادر عام 1989 من وزارة العدل يجيز ذلك.

علينا أيضا استعادة الوثائق التي يحوزها على نحو غير قانوني مع العمل في ذات الوقت على تعطيل قدرة النظام الذي انشأه لنشر المعلومات والوثائق المصنفة بالمخالفة للقانون.

في العام الماضي أنشأت إدارة أوباما ما يعرف ب»قيادة الولايات المتحدة المسؤولة عن الفضاء الإلكتروني» التي يرمز إليها ب(USCYBERCOM) لتضطلع بمهمة إجراء عمليات عسكرية شاملة في الفضاء الإلكتروني دفاعا عن الأمن القومي الأميركي.

وبجرة قلم يستطيع الرئيس الأميركي منح التفويض لتلك القيادة لحماية القوات الأميركية والحليفة من خلال تحييد قدرات ويكيليكس على نشر الوثائق المصنفة.

في الوقت الراهن يعد» أسانج» العدة لنشر عشرات الآلاف من الوثائق الأخرى التي ستعرض قواتنا وقوات الحلفاء لخطر شديد. والسؤال هنا: هل سيقوم أوباما بمنع ويكيليكس من ذلك... أم أنه سوف يسترخي في مقعده دون أن يفعل شيئاً؟.

* (زميل زائر بمعهد

 «أميركان انتربرايز»)

واشنطن بوست الاميركية

=======================

الاستراتيجيات السياسية العربية: الإقصاء والإدماج(1)

عمر احرشان

السفير

8/5/2010

يمر العالم العربي في الآونة الأخيرة بعدة تحولات ساهمت فيها العديد من العوامل الدولية والإقليمية والداخلية الخاصة بكل بلد على حدة. فرياح الانفتاح والعولمة والتطورات التكنولوجية، وخاصة على مستوى الإعلام، فتحت نوافذ عديدة لشعوب العالم العربي، جعلتها تتوق الى تسريع وتيرة التطوير والتحديث في اتجاه التأسيس لانتقال سلس من الاستبداد الى الديموقراطية.

تتزايد الضغوط الدولية على العديد من البلدان العربية لدفعها نحو الاندماج أكثر في المنظومة الدولية، ولذلك ما فتئ العديد من هذه البلدان اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، إما بملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية، أو بفتح مجالها الوطني اقتصاديا للشركات المتعددة الجنسيات، واجتماعيا للعديد من المنظمات غير الحكومية التي أصبحت تتزايد من حيث العدد وحجم النشاط ودرجة الفعالية داخل العديد من هذه الدول، حتى باتت تهدد سيادتها، وكذلك ارتهان القرار السياسي، للعديد من هذه الدول لإكراه الضغوطات الدولية.

هذا دون أن ننسى الدينامية الداخلية للعديد من القوى الوطنية بمختلف أطيافها وانتماءاتها، حيث أخذت الأشكال النضالية والتحركات الاجتماعية صيغا جديدة سواء على مستوى الشكل أو المضمون.

فمثلا على مستوى المضمون هناك اتجاه نحو رفع سقف المطالب السياسية وجنوح نحو التخصص.

وعلى مستوى الشكل هناك اتجاه نحو العمل الوحدوي والتنسيقي، وإن كانت تعترض ذلك صعوبات البداية والتأسيس ومخلفات عقود من الصراع بين فرقاء ظلوا الى الأمس القريب أعداء.

ولا ننسى أن البلدان العربية ظلت أسيرة عوامل عديدة كبلت كل خطوات التطوير والتحديث، وشكلت إكراهات في وجه كل الفاعلين المجتمعين، يمكن أن نركز هذه العوامل والإكراهات في:

1 الاستبداد: فقد عرفت الدول العربية الاستبداد منذ قرون، ما جعله يترسخ في الأذهان والنفوس، ويولد مجتمعات رضيت به وتعايشت معه وطبعت مع مقتضياته، بل ان هناك من اجتهد في تبريره وتسويغ سيادته.

وبديهي أن الأنظمة الاستبدادية محافظة، وتسعى الى الحيلولة دون أي حركة تحديث أو تغيير أو تطوير أو إصلاح.

2 العادات والتقاليد: لهذه العادات في المجتمعات العربية ثقل كبير شكل عائقا في وجه التحديث، وكما يقول المثل «تزول الجبال عن قاعدتها ولا تزول الناس عن عاداتها»، والمجتمعات العربية على هذا المستوى محافظة بامتياز، بل مقاومة لكل خروج عن المألوف.

بل إن العديد من هذه الموروثات التقليدية صارت تكتسب بفعل الترسخ قدسية أكثر من الدين.

3 الفهم السيئ للدين: لا أقول الدين، لأنه بكل تأكيد بريء من هذا الجمود، ولأنه دعوة الى التجديد سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.

وأخطر ما تعانيه الأمة العربية هو تغليف العادات والاستبداد بغطاء ديني، فهذا شكل أكبر عائق في وجه التحديث والتغيير، وقد استغله المنتفعون من الأوضاع القائمة لتخدير حس الأمة تجاه أي سلوك تغييري أو نهضوي.

أنساق سياسية مغلقة

إن العوامل التي ذكرناها سابقا، أفرزت نسقا سياسيا مغلقا ومحمياً، ليس فقط من الأنظمة القائمة ولكن في لحظات كثيرة من المجتمع.

وحين نتحدث عن سيادة نسق سياسي مغلق فإننا نقصد بذلك ما يلي:

1 تعددية سياسية غائبة: ولذلك نجد الخريطة السياسية في أغلب البلدان العربية لا تعكس الخريطة المجتمعية بتنوعها الثقافي وتناقضاتها المصلحية وصراعاتها السياسية، حيث هناك هيمنة للرأي الواحد والحزب الواحد والشخص الواحد الذي يعتبر نفسه فريد عصره ووحيد زمانه، وحتى إن أحس الحاكم المتحكم في زمام الأمور بالحرج فإنه يلجأ الى فتح الباب بمقدار يبقيه متحكما في قواعد اللعب السياسية وموجها للصراع السياسي ومستفيداً من الهامش الذي منحه لغيره إما في تحسين صورته أو لإضعاف خصومه أو للاستفادة من تجاربهم وكفاءاتهم.

لذلك فمن أخطر ما تعانيه الدول العربية هو استيرادها للشكل، بهدف التسويق، وتغييبها للجوهر والمضمون.

فالتعددية السياسية فقدت مضمونها الذي هو الانفتاح على كل الحساسيات المجتمعية لضمان تمثيلية حقيقية للجميع، أو بالأحرى فتح الباب للجميع على قدم المساواة بما يؤدي الى مشهد سياسي قادر على استيعاب الجميع. وهكذا تحولت هذه التعددية الى تعددية عددية عاجزة، رغم العدد الهائل من الأحزاب، عن استيعاب العديد من الفاعلين في المجتمع، مما يجعلها شكلية تقتصر على كثرة التنظيمات الحزبية عوض تعدد المشاريع المجتمعية والبرامج السياسية، ولأنها تعددية رقمية فقط فإنها لا تعكس تمثيلية حقيقية ومتوازنة للقوى الفاعلة في المجتمع، مما يجعلها مشوبة بعيوب ونقائص وأعطاب تعوق استقطاب أوسع الفئات وإدماجها.

2 سيادة برنامج واحد: ويترتب عما سبق غياب برامج سياسية حقيقية في مجال التنافس السياسي، حيث هناك برنامج واحد وأوحد هو برنامج الدولة وباقي المشاركين يتنافسون في شرحه والبحث عن أحسن الطرق لتنفيذ بنوده.

3 انتخابات مزورة.

وللأسف فاللعبة الانتخابية في جل العالم العربي مغلقة ومتحكم في نتائجها مسبقا لان عملية الضبط و«الفلترة» تشتغل طيلة مراحل الإعداد للانتخابات سواء أثناء التقسيم الانتخابي أو لحظة وضع اللوائح الانتخابية، أو عند اختيار نمط الاقتراع، أو إبان تحديد طبيعة المرشحين... أو التزوير الفاضح للنتائج أحيانا، إن عجزت الوسائل السابقة جميعها، ولو استدعى الأمر استعمال وسائل البلطجة.

ولعل تجربة الانقلاب على نتائج الانتخابات في الجزائر في بداية التسعينيات خير مثال على حدة الانغلاق السياسي.

وهناك تجربة الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة، حيث استعملت كل وسائل البلطجة على مرأى من المجتمع الدولي ومسمعه، وفي فترة حرجة كانت النداءات كلها تصب لفائدة دمقرطة المنطقة. والسبب الوحيد لهذه البلطجة هو الحيلولة دون حصول المعارضة على نصاب، يمكنها من أن تشكل أقلية سياسية حقيقية تملك زمام المبادرة السياسية.

وهذا التحكم يفقد الانتخابات الهدف منها، الذي هو تحقيق التداول على السلطة. ناهيك عن عدم انتظام الاستحقاقات الانتخابية وعدم التشاور مع كل المعنيين بها.

4 مؤسسات صورية: وهذا مؤشر آخر على انغلاق النسق السياسي حيث المؤسسات الموجودة (الحكومة  القضاء  البرلمان  الإدارة) صورية، ولا فصل للسلطة، ولا احترام للاختصاصات.

فالقضاء غير مستقل، والإدارة غير محايدة وأحيانا تشكل جيبا من جيوب مناهضة التغيير ووكرا للمحافظة والانغلاق، والبرلمان مجرد غرفة تسجيل لأنه بدون اختصاصات، أو اختصاصاته محدودة، وأعضاؤه بدون كفاءة ولا قوة، لأنهم مختارون على المقاس وفاقدون للتمثيلية الشعبية التي تكسبهم قوة مضادة في وجه قوة السلطة، وأعضاء الحكومة مجرد أعوان تنفيذ لدى الحاكم، بل إن العديد من اختصاصات هذه المؤسسات تتولاها أحيانا مؤسسات موازية، يختارها الحاكم، ويعين أعضاءها، ويمكنها من وسائل العمل، بما يجعلها ذات جدوى أكثر من المؤسسات الأصلية المنتخبة.

5 تعطيل القانون: إذا تجاوزنا حالة الضعف التي تطبع الحكومات المتعاقبة، وفقدان الشرعية الشعبية التي تتخبط فيها البرلمانات المشرّعة في البلدان العربية، مما يجعل القوانين الصادرة لا تنطبق عليها صفة القانون، فإن ما نعيشه في بلداننا أخطر لان هذا القانون، على علاته، لا يسود ولا يحكم باعتباره قواعد عامة ومجردة وملزمة ومقترفة بجزاء لكل مخالف لها كيفما كان شخصه ومركزه.

الإقصاء هو الأصل

في ظل بيئة محافظة يسودها نظام حكم متسلط، يمسك بتلابيب اللعبة السياسية من كل جوانبها، يصبح الإقصاء هو الأصل لكل من يمكنه أن يشاغب على التوجه العام الذي يفرضه النظام القائم.

وبطبيعة الحال فإن هذا الإقصاء يختلف من نظام الى نظام ومن طرف مقصي الى آخر.

في العالم العربي هناك أنظمة تريد أن تظهر بمظهر الدولة المعاصرة التي تحترم التزاماتها الدولية، ولذلك فهي تحرص على التخفيف من وطأة الإقصاء وتغليفه، ما أمكن، برداء القانون، مثل حرمان بعض التنظيمات السياسية من حقها في تأسيس حزب سياسي بالتنصيص في قانون الأحزاب  هذا إذا توافرت الدولة على قانون  على عدم قيام الأحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي أو جهوي كما هي الحال في قانون الأحزاب المغربي في المادة الرابعة التي تنص على «يعتبر أيضا باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي» وهي معايير توظف توظيفاً سيئاً ضد كل من هناك إرادة لإقصائه.

ولا يقتصر الإقصاء على الحق في التنظيم، ولكن يتجاوزه الى الحرمان من الحق في استعمال الفضاءات العمومية التي تعتبر ملكا عاما لكل المواطنين، ومن الاستفادة من الإعلام العمومي الذي يمول من أموال دافعي الضرائب، وقد تسلك بعض الأنظمة سبلا أكثر حدة لإقصاء كل معارض للسياسات العمومية السائدة من قبيل:

1 تلفيق تهم سياسية وأخلاقية لتبرير المحاكمات ذات الصبغة السياسية، التي تحال أحيانا على محاكم استثنائية مثل محاكم أمن الدولة.

2 التضييق على الحريات الفردية وانتهاك حرمة الحياة الخاصة.

3 خوض حملات للتشويه ضد المعارضين.

4 التعتيم على أخبار المعارضين.

5 سد كل طرق تواصل المعارضة مع المجتمع.

6 وقد يصل الأمر الى حد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وإذا كانت هذه حال الأنظمة القائمة فإن شكل الإقصاء تتحكم فيه كذلك طبيعة التنظيمات المعارضة وسقف معارضتها، حيث تستعمل أساليب الإقصاء الأقل حدة ضد التنظيمات الإصلاحية التي تهدف فقط الى إنجاز إصلاحات ترقيعية، بينما تستعمل الأساليب الإقصائية الراديكالية ضد التنظيمات المعارضة الراديكالية.

([) باحث وعضو الامانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والاحسان  المغرب

=======================

الروايات الإسرائيلية للاشتباك الحدودي

رندى حيدر

النهار

8/5/2010

بغض النظر عن كل التفاصيل التي أحاطت بالإشتباك الحدودي بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي أول من أمس، فإن ما حدث كان من الممكن أن يتحول الشرارة التي كانت ستشعل ما قد يطلق عليه تسمية "حرب لبنان الثالثة" التي كثرت السيناريوات الإسرائيلية التي تتحدث عنها.

من وجهة النظر الإسرائيلية الحادثة خطيرة ليس فقط لأنها الأولى التي يسقط فيها قتلى من الجيش الإسرائيلي منذ حرب تموز 2006، ولا لكونها أول اشتباك حقيقي مع الجيش اللبناني الذي انتشر على طول الحدود الجنوبية قبل اربع سنوات؛ وإنما لأنها حدثت في ظل وضع داخلي لبناني شديد الحساسية، وفي ظل ظرف شديد الأهمية بالنسبة لإسرائيل التي منذ النتائج الملتبسة لحرب تموز تسعى الى إسترجاع قدرتها على الردع التي يعتقد كثر في إسرائيل بأنها تضررت بفعل هذه الحرب، وتنتظر الحصول على ذريعة تمنحها الشرعية للقيام بعمل عسكري كبير ضد لبنان، بهدف القضاء على القدرة العسكرية ل"حزب الله" الذي تتهمه إسرائيل بأنه أعاد بنائها في الأعوام الماضية، بحيث باتت أقوى وأخطر مما كانت عليه الحال قبل حرب لبنان الثانية.

وإذا كان التركيز الإسرائيلي حتى اليوم على الخطر الذي يمثله "حزب الله"، فإن العنصر الجديد الذي دخل على صورة المخاطر من لبنان هو الجيش اللبناني. وهنا تتباين التحليلات الإسرائيلية حول دور هذا الجيش وحول من يقف وراء ما حدث. فإذا كان الموقف الرسمي الإسرائيلي كما عبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عما جرى؛ فإن موقف وزراة الخارجية ينحو نحو اعتبار "حزب الله" هو المخطط لما يسميه المسؤولون العسكريون في إسرائيل "الكمين" الذي نصبه الجنود اللبنانيون للجنود الإسرائيليين.

أما موقف القادة العسكريين فيترجح بين الإثنين. فريق منهم وفق ما نقل المراسل العسكري لصحيفة"هآرتس" يعتقدون أن "الكمين" أُعد بصورة مسبقة من جانب الضابط المسؤول عن الموقع العسكري للجيش اللبناني، وبتشجيع من قيادته، وأن هذا الضابط كان على صلة مباشرة بقيادته عند وقوع الحادث، ولكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان تلقى أمراً واضحاً من القيادة بفتح النار على القوة الإسرائيلية، أم أنه فسر التعليمات وفق ما يرغبه.

هناك تحليل إسرائيلي آخر يذهب الى ما هو ابعد من ذلك، فوفق ما نقلته صحيفة "معاريف" فإن عناصر من"حزب الله" قد تسللت الى الجيش اللبناني، وأن الحزب هو من خطط لكل العملية، وإلا ما الذي يفسر وجود صحافيين ومصورين تابعين للحزب في المكان قبل وقوع الحادث.

ولكن صحيفة"هآرتس" نقلت تقديرات لمسؤولين في الجيش الإسرائيلي ترجح أن الحادثة وقعت بمبادرة من ضباط وقادة الكتيبة اللبنانية، ونتيجة لفهم خاطىء لتوجهات قيادة الجيش اللبناني التي في الآونة الأخيرة صعّدت من لهجتها المعادية لإسرائيل، وأنه ليس للحزب علاقة بالحادثة، وأن لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة كانا على علم مسبق بأوامر اطلاق النار.

وفي مطلق الأحوال، فالأكيد اليوم أن حصر اسرائيل المسؤولية بالجيش اللبناني وإستبعاد "حزب الله"، كان من العوامل التي ساهمت الى حد كبير في لجم التدهور وفي عدم تحول الحادث الحدودي الدموي الى سبب لإندلاع حرب جديدة ليست إسرائيل كما يبدو في معرض الدخول فيها الآن.

الحادثة أسست لمعادلة جديدة لأي مواجهة مقبلة بين لبنان وإسرائيل هي اعتبار اسرائيل ان الجيش اللبناني جزء لا يتجزأ من القوة العسكرية ل"حزب الله"، وإذا كان الحزب قد نجح حتى الآن في تكبيد إسرائيل ضربات موجعة فهذا يعود الى أسلوب حرب العصابات الذي يستخدمه، أما حادثة الأمس فقد أدخلت معطيات جديدة على الوضع الهش على الحدود مع لبنان.

ومن أخطر الانعكاسات لحادثة الأمس والتي في دول أخرى قد تكون مجرد حادثة حدودية محصورة النتائج، أنها في نظر الإسرائيليين تعكس تآكل قدرة الردع الإسرائيلية، وتراجع صورة الجيش الإسرائيلي في نظر أعدائها، الأمر الذي يتطلب في نظر عدد من المعلقين الإسرائيليين تحركاً مدروساً يعيد تذكير خصوم إسرائيل بتفوقها العسكري الساحق عليهم.

=======================

حرب لا نصر فيها

بقلم :صحيفة «اندبندنت» البريطانية

البيان

8/5/2010

هناك طرق قيمة معدودة لقياس مدى التقدم في الحرب في أفغانستان، لكن هناك مقياسا واحدا دقيقا يمكن به الحكم عليها، وهذا المقياس هو عدد جنود قوات التحالف القتلى في الحرب.

 

بواسطة هذا المقياس المعتمد، فان الشهر المنصرم كان شهرا كئيبا آخر للقوات الأميركية أكثر من أي شهر سبقه: 66 قتيلا. وبالنسبة للقوات البريطانية، قتل 80 جنديا حتى الآن هذا العام، مقارنة بمئة وتسعة قتلى، خلال عام 2009 برمته.

 

وقد احتفلت القوات البريطانية، أخيرا، بما اعتبرته مكسبا في آخر حملاتها جنوب أفغانستان، في ما سُمي عملية «تور شيزادا»، بعد تأمينها الأراضي الواقعة حول منطقة سيد آباد. لكن مكاسب مثل هذه، رغم أنها تحسب للقوات المتوغلة، فإنها أحيانا تتحقق ثم تزول، دون إعطاء الرأي العام البريطاني أي فكرة عما إذا كنا نربح الحرب أو نخسرها.

 

فقوات طالبان ربما تنسحب بشكل مؤقت، ثم تعيد التجمع، وليس من المرجح اعتبار هذا تقدما حاسما. الحقيقة أننا لا نكسب الحرب، والحقيقة الأكبر التي يجب أن نعترف بها، عاجلا أو آجلا، هي أنه حسب الأعراف العسكرية، فإن هذه حرب لا نصر فيها.

 

أحد الموضوعات الأكثر إيجابية في تصريحات رئيس الوزراء، في جولته حول العالم، هو أنه تحدث بصراحة عن انسحاب بريطاني من أفغانستان. لقد قلنا من قبل إننا يجب أن نستعد لانسحاب مرحلي ومنظم في نوفمبر المقبل، رغم أن أي جدول زمني يتوقف على الأحداث. وهذا يعني استعجال المفاوضات التي يجب أن ترافق انسحابنا، بما في ذلك القيام بما أشار به بعض القادة بالفعل: التفاوض مع طالبان مباشرة.

 

الإطار السياسي لهذا الصراع عُرض بشكل أكثر قسوة على الرأي العام، من خلال كلمة أخرى لديفيد كاميرون خلال أسفاره في الخارج، عندما أشار إلى أن هناك تواطؤا بين عناصر في الجيش الباكستاني وطالبان.

 

وربما نأسف لعدم لباقة رئيس الوزراء المذهلة في الإدلاء بهذه التصريحات في الهند، وربما هذا ما أدى إلى معظم السخط في باكستان. وربما نأسف بالدرجة نفسها لعدم اعترافه بأن باكستان تكبدت خسائر في حربها ضد التشدد وضد طالبان، أكبر مما تكبده أي طرف آخر في هذا الصراع. ومع ذلك، تحدث كاميرون صراحة عن واقع كان التطرق إليه، يتم فقط بين الخبراء والدبلوماسيين.

 

يبدو أن ذلك له ما يؤكده في بعض السجلات العسكرية للحرب، التي سربها موقع ويكيليكس أخيرا، وإن كان هذا لا يبرر نشر تلك الوثائق. المؤكد أنها أكدت حقائق كانت محل خلاف في السابق، مثل عدد ضحايا الحرب من المدنيين، ومن المؤكد أن أي تسريب لأي أسرار عسكرية سيُدان من قبل السلطات بوصفه تهديدا أمنيا. لكن في هذه الحالة، حيث تم تسريب الألوف من الوثائق، فإن الأمر كان أصعب على الموقع من فرز تلك الوثائق حسب خطورتها على الأفراد.

 

نشر هذه الوثائق عرض حياة أشخاص بعينهم للخطر، بمن فيهم أفغان تعاونوا مع قوات التحالف، ويعيشون الآن في رعب من التعرض للعقاب. نحن نؤيد بشدة الشفافية القصوى حول الشأن العام، لكن حياة الناس ثمن باهظ جدا مقابل هذا المبدأ.

 

الأولوية الآن يجب أن تكون لمناقشة هذه الحرب بعقلانية، وللتعامل مع الواقع البعيد جدا عن تقليل خطر الإرهاب في بريطانيا، الذي كان هدفها المعلن. فالحرب في أفغانستان، ربما عززت التشدد في الداخل بدرجة كبيرة.

 

ودون إنكار شجاعة القوات البريطانية وقوات التحالف في هذه الحرب، يجب أن نفكر الآن في استراتيجية سياسية للانسحاب، تسمح بالاتصال بحركة طالبان داخل أفغانستان وباكستان. معظم البريطانيين سيقبلون، وإن على مضض، وقوع ضحايا بريطانيين في حرب لها هدف صريح يمكن تحقيقه وإدراكه.. هذه الحرب ليس لها مثل هذا الهدف.

=======================

بريطانيا وثورة حقوق الإنسان الفاشلة

آخر تحديث:الخميس ,05/08/2010

جوناثان سمول

الخليج

كان برنامج التقشف الذي أقرته الحكومة الائتلافية الجديدة في بريطانيا يستحوذ على كل العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام المختلفة، ولكن مجلس وزراء ديفيد كاميرون يختلف عن سلفه من حزب العمال في منطقة رئيسة أخرى: ألا وهي منطقة حقوق الإنسان . والحقيقة أن تجربة حقوق الإنسان التي جلبتها حكومة توني بلير العمالية إلى بريطانيا باءت بالإخفاق .

 

فإلى جانب الانتقادات الموجهة إليه لعجزه عن منع تدابير “مكافحة الإرهاب” غير الليبرالية، كان قانون حقوق الإنسان عُرضة للانتقاد من قِبَل آخرين ،أيضاً بسبب عرقلته لسياسة مكافحة الإرهاب . والواقع أن العديد من الناس سخروا من فكرة حقوق الإنسان ذاتها، والتي يُنظَر إليها الآن باعتبارها سبباً لتقديم تنازلات “مجنونة” تحابي المجرمين والإرهابيين . وفي الإجمال كانت ردة فعل الصحافة وعامة الناس على السواء تتلخص في خيبة الرجاء و/أو الاستهزاء والسخرية .

 

من المشهور عن بريطانيا أنها لا تعمل وفقاً لدستور مكتوب، أو حتى وقت قريب أي شيء أشبه بإعلان الحقوق الحديث . ولكننا بدلاً من ذلك لدينا الماغنا كارتا (ميثاق الحريات الأعظم) والكريكيت . والواقع أن مفهوم حقوق الإنسان العالمية أجنبي بالمعنى الحرفي للكلمة فهو منصوص عليه في المبادئ العامة للمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تتخذ محكمتها من ستراسبورغ مقراً لها . وحتى وقت قريب كان لزاماً على كل من يرغب في رفع دعوى خاصة بحقوق الإنسان على الحكومة البريطانية أن يذهب إلى فرنسا .

 

ولكن الزمن تغير منذ تولى توني بلير السلطة في عام 1997 . ففي خضم الضجة الإعلامية والمشاعر المثالية اللتين انعكستا في شعار “جلب الحقوق إلى الديار” دخل قانون حقوق الإنسان حيز التنفيذ في عام 2000 . ولكن الليبرالية النبيلة التي كانت سِمة أهل النخبة آنذاك طرحت أيضاً نقطة عملية: إذا اتسخ رداء الحكومة فلابد من غسله في المحاكم البريطانية، لا أن ينشر أمام لجنة من القضاة الدوليين .

 

ورغم ذلك فإن القانون لم يحظ باستحسان الرأي العام البريطاني، الذي لم يشارك في العملية قط . حتى إن شيري بوث زوجة توني بلير، وهي محامية في مجال حقوق الإنسان، أعربت عن أسفها قائلة “إن أغلبية الناس يشعرون وكأن حقوق الإنسان لا تتصل بحياتهم” .

 

وهذا في حد ذاته ينطوي على درس لابد من استيعابه: إن لم يكن الشيء مكسوراً فلا تصلحه . أو بعبارة أخرى، الأعمال أعلى صوتاً من الأقوال .

 

فبالمقارنة بانتهاكات حقوق الإنسان التي تؤثر في الإنسانية حقاً، فإن الشكاوى التي تتعامل معها المحاكم البريطانية ليست أكثر من حالات تافهة . صحيح أن اتخاذ القرار بشأن أمور مثل أي طفل يذهب إلى أي مدرسة، أو ما هي خطة الإسكان العام الواجب تقديمها لأي من طالبي اللجوء السياسي، يشكل أهمية في نظر العديد من الناس (وسوف تختلف وجهات النظر) . ولكن استخدام الخطوط العريضة لحقوق الإنسان لحل مثل هذه القضايا من شأنه أن يضفي بعداً تافهاً على المفهوم برمته، بل ومن شأنه أيضاً أن يمنع المناقشة اللائقة . ولا شك أننا لن نجد أي هيئة عامة مسؤولة ترغب في أن ينال منها أي اتهام بانتهاك حقوق الإنسان .

 

والواقع أن التهديد بالتعرض لدعاوى قضائية خاصة بحقوق الإنسان ، كان سبباً في حمل الجهات التي تقدم الخدمات العامة على المبالغة في الحذر واتخاذ مواقف دفاعية . ولقد دفع هذا الصحافة الشعبية إلى الصراخ بشعارات من قبيل “نحن الآن نعيش في ظل ثقافة حقوق الإنسان البيروقراطية الباهظة التكاليف والتي تفتقر إلى الفعالية” .

 

ومن عجيب المفارقات هنا أن البعض يحكمون على حقوق الإنسان بأنها عاجزة كلياً عن إحداث الأثر المطلوب، حيثما كان الاعتراف بها مطلوباً بشدة . حتى إن العديد من أعضاء البرلمان الذين أيدوا دمج معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية في القانون البريطاني، أصبحوا ينظرون إلى الاعتراف الرسمي بحقوق الإنسان باعتباره مصدراً خطراً للإزعاج في مواجهة الإرهاب الذي يعد تنظيم القاعدة مصدراً للإلهام . أو نستطيع أن نقول باختصار، إن حكومة بلير التي جلبت حقوق الإنسان إلى الديار انتهى بها الحال إلى إخفائها تحت الأريكة .

 

ويتجسد هذا اللغز رمزياً في المناقشة بشأن احتجاز مشتبه في ارتكابهم جرائم متصلة بالإرهاب من دون توجيه الاتهام إليهم أو محاكمتهم . ولقد حاول بلير بالقوة ترسيخ شرعية الاحتجاز من دون توجيه اتهام لمدة تسعين يوماً . ثم استقر البرلمان في النهاية على ثمانية وعشرين يوماً ورغم ذلك فإن هذه الفترة تُعَد المدة الأطول بين مثيلاتها في العالم الغربي .

 

إن سلوك بلير ليس فريداً من نوعه . والحقيقة أن أي تشريع يدعو إلى تجسيد حقوق الإنسان يصبح عُرضة تماماً لنظام سياسي حيث البرلمان هو الهيئة العليا . ومن المحتم أن يخضع قانون حقوق الإنسان لتشريعات لاحقة . وكل تشريع يتم تمريره بالأغلبية البسيطة . ولا يستطيع القضاة أن يلغوا التشريعات . وتكون النتيجة في النهاية جلب الحقوق إلى الديار ذات يوم، ثم بعد ذلك السماح باحتجاز أي متهم لمدة شهر من دون توجيه أي اتهام له في اليوم الذي يليه .

 

والواقع أنه حتى حين بدأت قضية حقوق الإنسان في إحراز تقدم ملموس، أصبح قانون حقوق الإنسان موضع تجاهل . ففي شهر مايو/ أيار، وفي أول خطاب سياسي رئيس يلقيه، أعلن نائب رئيس الوزراء نِك كليغ عن إلغاء حالة “الأخ الأكبر” التي أسسها بلير: فلا مزيد من بطاقات الهوية أو تسجيل للهوية الوطنية، هذا إلى جانب فرض قيود على تخزين الحمض النووي، وفرض قيود تنظيمية أشد إحكاماً على دوائر المراقبة التلفزيونية المغلقة التي جعلت من البريطانيين الشعب الأكثر خضوعاً للمراقبة على وجه الأرض، وهلم جرًا . ورغم كل ذلك لم يأت أي ذِكر لحقوق الإنسان ويعكس هذا الغياب الحساسية السياسية لحقوق الإنسان في بريطانيا اليوم، فضلاً عن الاعتراف الضمني بعدم إمكانية الاعتماد على قانون حقوق الإنسان عندما تصبح المخاطر عالية .

 

أين إذن تصبح عملية استئصال حكومة كاميرون المفترضة لوضع الأخ الأكبر؟ من بين الطرق المفضية إلى الأمام الذهاب إلى ما هو أبعد مما ذهب إليه بلير، من خلال ضمان حماية بعض المبادئ وخلق شكل من أشكال المحكمة الدستورية للدفاع عن هذه المبادئ . ولكن التكاليف المترتبة على مثل هذه القواعد الصارمة قد تكون باهظة، وقد تكون فعاليتها أقل تمتعاً بالحماية من الأخطاء المحتملة مما نتصور في بعض الأحيان، كما تشهد على ذلك تقلبات سجل الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان .

 

لذا فربما كان من الواجب علينا في أي نظام ديمقراطي ناضج، أن نكرم حقوق الإنسان من خلال الأفعال وليس الأقوال . وبدلاً من تقديم المزيد من التشريعات التي تشوبها العيوب وأوجه القصور في نظر عامة الناس أو من حيث جدواها الفعلية، فإن بريطانيا قادرة رغم كل شيء على وضع ثقتها بقدرة دستورها على حماية الحرية والنزاهة وضمانها، كلما لزم الأمر . لا شك في أن الغلبة في النهاية سوف تكون للمشاعر الديمقراطية، ورغم أن سجل بريطانيا في مجال حقوق الإنسان لم يدرك الكمال فإنه يظل قوياً بكل المقاييس .

=======================

قمتا دمشق وبيروت والمظلة العربية

آخر تحديث:الخميس ,05/08/2010

سليمان تقي الدين

الخليج

قمتا دمشق وبيروت تشكلان حدثاً استثنائياً تأسيسياً لمرحلة جديدة من العلاقات العربية . قد يستنتج البعض أنهما محاولة لصياغة نظام إقليمي عربي، لكن غياب مصر عن هذا التفاهم السوري السعودي لا يسمح بالقول إن الدول العربية القائدة قد استعادت تعاونها وهي ستجذب كل الموقف العربي نحوها . غير أن ذلك لا يقلّل من أهمية الحدث الذي بدأ بقمة دمشق السورية السعودية والحوار الطويل الذي دار فيها والبيان المشترك الذي صدر عنها .

 

تضمن البيان السوري السعودي تفاهماً واضحاً على معالجة الملف العراقي في إطار المصالحة الوطنية الشاملة ووحدة العراق وعروبته .

 

وفي الملف الفلسطيني، أكد الطرفان أهمية المصالحة الوطنية ورفع الحصار عن “غزة” وضرورة وقف الاستيطان ووقف تهويد القدس والضفة . أما بالنسبة للبنان فكان الحرص على الاستقرار وحكومة الوحدة الوطنية واجتناب المصالح الفئوية، ودعم موقف لبنان ضد التهديدات الصهيونية . ولأن هذه التفاهمات أتت بعد جولة للملك السعودي عبدالله، بدأت في مصر، يفهم منها أن المملكة العربية السعودية جادة في إعادة بناء التضامن العربي واستبعاد عناصر الخلاف الثانوية التي تتعلق بتحالفات بعض الدول وسياساتها الخاصة . ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية ترغب في إعطاء فرصة جديدة لمفاوضات السلام على المسار الفلسطيني وتريد تأمين بيئة عربية ملائمة، هذا ما أكده أمين عام جامعة الدول العربية حين أعلن عن وجود التزامات أمريكية من دون أن يوضح طبيعتها . وكان لافتاً أن الناطق الرسمي الأمريكي (كراولي) قد خاطب سوريا ودعاها إلى الاستماع جيداً للملك السعودي . على أي حال انتقل التفاهم السوري السعودي من دمشق إلى بيروت في قمة طارئة وعملية تم اختصار إجراءاتها البروتوكولية لصالح إرساء تفاهم يهدف إلى وقف التصعيد السياسي وتدارك الأزمة الوطنية التي بدأت تتفاقم مع التسريبات عن القرار الاتهامي الذي يمكن أن يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري . ولولا التفاهم المسبق على معالجة هذا الأمر لما تمت هذه الزيارة الثنائية، ولما حصلت هذه المشاورات، ولما صدر البيان الذي يؤكد حرص الأطراف جميعاً على الاستقرار والوحدة الوطنية .

 

لم تتوضح وسائل المعالجة، لكن الالتزام بها كان قوياً، وفهم على الأقل أن القرار الاتهامي الموجه إلى “حزب الله” سيؤجل صدوره . قد يكون من الصعب تعطيل المحكمة الخاصة التي صار قرارها بيد “المجتمع الدولي” و”الأمم المتحدة” . لكن الخطر الأكبر من المحكمة يأتي عبر استخدامها في الصراع السياسي الداخلي . إذا كان اللبنانيون موحدين في مواجهة ما قد تثيره من فتنة فإن مفاعيلها ستكون أقل خطورة . هنا يأتي الدور السعودي في إقناع الطرف الحليف المعني مباشرة بأمر “الحقيقة والعدالة” بأن يتخذ الموقف الملائم لتعطيل استخدام القرار الاتهامي في إطلاق الصراع المذهبي وتصديع الوحدة الوطنية .

 

في مطلق الأحوال بدأ القرار الاتهامي يؤدي مفاعيله السلبية على الرأي العام في كل مكان، وأصاب من صدقية وهيبة المقاومة الكثير ووضعها في دائرة الشك، الأمر الذي يبنى عليه في كل سعي لمحاصرتها سياسياً ومحاولة عزلها معنوياً تمهيداً لأي احتمال عدوان صهيوني جديد . وبالسؤال عن توقيت تحريك هذا القرار لابد من معرفة الترابط الحاصل بينه وبين سعي الولايات المتحدة لتحريك المفاوضات الفلسطينية المباشرة والضغط من أجل ذلك بغياب أي ضمانات أو تعهدات عملية بوجود مرجعية لهذه المفاوضات وآفاق محددة سوى الحديث عن حل الدولتين الذي يحتمل التأويل والتفسير لدى كل طرف حسب مصلحته وتصوره . تحتاج الولايات المتحدة الآن أن تشغل العرب بالكثير من الملفات والقضايا لتجعل الفلسطينيين وحيدين في مواجهة تصلب حكومة نتنياهو .

 

وقد شكا محمود عباس، رئيس سلطة أوسلو من الضغوط التي تمارس عليه في الوقت الذي لم يتوقف زحف الاستيطان ولا تهديدات التغييرات المتسارعة في القدس . ولا يملك العرب الآن وهم في حال من التشرذم حتى أن يعيدوا التأكيد على فكرة الحل الشامل . بل إن المسعى السعودي يهدف إلى إقناع سوريا بإعادة المفاوضات غير المباشرة على مسار منفصل . في كل هذا المشهد نجد أن جذرية المشروع الصهيوني لن تترك مجالاً لحل على المسار الفلسطيني تستطيع أن تقبله “السلطة”، فهو حل يبقي “غزّة” كتلة مستقلة ويسعى إلى إيجاد حل اقتصادي اجتماعي للضفة كما يقول نتنياهو .

 

وفي الكثير من الأوساط هناك حديث عن إعادة البحث في إلحاق الضفة بالأردن، أو العودة لأفكار لقاء “جنيف” بين مثقفين من الجانبين، الذي اقترح مقايضة واسعة للأرض الفلسطينية، وبالتالي تجنب بحث الاستيطان وكذلك حق العودة .

 

يبدو أن الخطة الأمريكية تهدف إلى تفكيك الملفات وتحريك المفاوضات، في العراق وفلسطين، لتحسين صورتها لدى العرب ومحاولة استقطابهم في موقف موحد من إيران، وهي تركز على تطويق ما تعتبره امتدادات إيرانية في الوضع العربي . يمكن لهذه السياسة أن تحقق بعض أغراضها إذا كانت فرص السلام على المسارين الفلسطيني والسوري ممكنة .

 

ومن الواضح أن العرب يعطون فرصة جديدة للإدارة الأمريكية فهل ستنجح؟

=======================

كلنا للوطن... ولخدمة العلم؟

الخميس, 05 أغسطس 2010

رغيد الصلح *

الحياة

بعد ان اظهر الجيش اللبناني جدارة عالية في مقاومة العدوان الاسرائيلي، اعربت قيادات لبنانية وعربية عديدة عن تقديرها ومناصرتها له. هذه المواقف ستعزز معنويات الجيش اللبناني وتزيد من اندفاعه واستبساله في الدفاع عن ارض الوطن، الا انها اذا لم تقترن، في نهاية المطاف، بترجمة ملموسة لها فقد تؤدي الى ردود فعل معاكسة. ان لبنان يدخل مرحلة جديدة من الصراع مع اسرائيل. وفي هذه المرحلة تزداد الاعباء الملقاة على عاتق الجيش اللبناني. ومع ازدياد هذه الاعباء، فإنه من الطبيعي الا يكون للدعم اللفظي قيمة تذكر، وان يتوقع العسكريون مساندة حقيقية تمكنهم من تعزيز قدراتهم القتالية. ذلك ان القوات المسلحة اللبنانية دخلت دائرة الاستهداف المباشر من قبل الاسرائيليين منذ ان نجحت المؤسسة الامنية اللبنانية بسائر فروعها في تفكيك شبكات تجسس اسرائيلية، ومنذ ان اظهر الجيش اللبناني استعداداً متزايداً للتصدي للاعتداءات الاسرائيلية والى التعامل معها بلغة القتال...

في المرحلة الماضية، كان من المستطاع التمييز بين لبنان المقاوم ولبنان الرسمي. كان من المستطاع ان يترك لبنان الرسمي للبنان المقاوم التعامل بالسلاح مع الاعتداءات الاسرائيلية، بينما يقوم هو - اي لبنان الرسمي - بالتعامل بلغة السياسة والمجابهات الديبلوماسية. معركة العديسة وكفر كلا وعمليات تفكيك شبكات التجسس الاسرائيلية نقلت الصراع مع اسرائيل الى مرحلة جديدة تضيق فيها امكانية التمييز بين اللبنانيين: المقاوم والرسمي. اقطاب الحكومة الاسرائيلية مثل نتنياهو وباراك، اكدوا انه لا تمييز بعد اليوم بين الاثنين وانهم سيعتبرون الحكومة اللبنانية مسؤولة عن اية مناوشات حدودية مقبلة. هذا التطور يلقي على عاتق المؤسسة العسكرية اللبنانية مسؤوليات وطنية جسيمة. اذ ندخل هذه المرحلة، لا يعود كافياً ان «يطبطب» اهل السياسة على اكتاف العسكريين اللبنانيين، وان يعطوهم شهادات في الوطنية والجدارة.

في هذه المرحلة الجديدة يصبح من الطبيعي ان تتوقع القوات المسلحة اللبنانية ومعها سائر اللبنانيين المعنيين بمسألة سلامة الوطن وسيادته الحصول على سند حقيقي من النخبة السياسية الحاكمة. ومن الطبيعي ايضاً ان يتوقع الجيش اللبناني من الزعماء السياسيين الكف عن اعتبار قضية السياسة الدفاعية اللبنانية طابة يتقاذفونها بقصد تسجيل اهداف في مرامي الخصوم، والانتقال الى البحث الجاد والبناء في مبادئها وفي متطلباتها. لقد اجل النظر في هذه المسألة مراراً، واتفق على ان تبحث مجدداً خلال منتصف هذا الشهر في اطار طاولة الحوار الوطني. اذ تُعقد هذه الطاولة على وقع المعارك الحدودية، وفي اعقاب فترة سادها التوتر، فإنه من المأمول ان يتوصل المتحاورون الى تفاهم اولي على الأقل حول مبادئ السياسة الدفاعية. وحبذا لو تكف الزعامات اللبنانية الممثلة بالحوار عن بحث هذه المسألة بنهج «شعبوي» فيه تملق لمشاعر الجماعات المتطرفة من اللبنانيين، على حساب المسألة الوطنية وعلى نحو يعطل امكانية التفاهم. فهذا النهج كان يحظى ببعض الصدقية عندما كان المشاركون في الحوار الوطني منقسمين الى معارضة وموالاة، اما الآن، وبعد ان توسعت الحكومة لكي تشمل الجميع، فإن الاصرار على وجود خلافات «جوهرية» بين المؤتلفين حكومياً، وحول قضية السياسة الدفاعية اللبنانية تحديداً، بات امراً ممجوجاً.

على كل حال، وحتى ولو لم تتوصل القيادات السياسية اللبنانية الممثلة في الحكم الى اتفاق قريب حول مبادئ السياسة الدفاعية اللبنانية، فإن من المستطاع الاتفاق زيادة عديد الجيش اللبناني، وهو مطلب ملح طالما كررته المؤسسة العسكرية. من المستطاع اذا اعطى اهل السياسة مسألة الدفاع عن ارض الوطن ما تستحقه من الاهتمام ان يتفقوا على تلبية هذا المطلب وإحياء خدمة العلم. طبعاً من الافضل لو ان هذا المشروع جاء في اطار الاتفاق على مجمل السياسة الدفاعية التي تحدد بدقة اكبر الاهداف المتوخاة منه وطرق تطبيقه. ولكن حيث إن الحوار على المسألة الدفاعية قد لا يحسم عما قريب، وحيث ان تطبيق خدمة العلم لا يتطلب، بالضرورة، الاتفاق النهائي على السياسة الدفاعية، وحيث ان زيادة عديد الجيش يمثل مطلباً مستمراً فإن من المستطاع تحريك قضية خدمة العلم بصورة عاجلة. هذه المبادرة تشكل تعبيراً جدياً، وربما التعبير الوحيد في الوقت الراهن، عن الاستعداد لمناصرة الجيش. ان اعطاء هذا المشروع الاولوية فإنما يعود ذلك الى الاعتبارات الآتية:

1- فيما يتطلب تعزيز القوات المسلحة اللبنانية تطوير قدراتها التسليحية، فضلا عن تعزيز عديدها، فإن تحقيق الهدف الثاني هو الاقرب والاسرع الى المنال في الوقت الراهن. فتطبيق خدمة العلم هو قرار سيادي لبناني، يخص اللبنانيين وحدهم ويستطيعوا ان يطبقوه اذا حزموا امرهم وتبينت لهم حسناته. اما تطوير القدرات التسليحية فتتطلب الحصول على السلاح من مصادر خارجية، وهو امر قد يواجه بضغوط اسرائيلية للحيلولة دونه. هذه الضغوط تجددت بعد المعارك الاخيرة بين لبنان واسرائيل إذ وجه الاسرائيليون انتقادات جديدة الى الادارة الاميركية لأنها اعطت لبنان اسلحة لتمكينه من الاشتراك في «الحرب على الارهاب». هذا المشهد يعزز وجهة نظر القائلين بأن لبنان لن يتمكن من بناء قوة رادعة ضد اسرائيل لأنه «لن يسمح له بالحصول على السلاح المناسب لمثل هذه القوة». هذا التقدير خاطئ وليس في محله. فلبنان يستطيع الحصول على السلاح من مصادر متعددة اذا امتلك المال الكافي. ولكن بين تعزيز سلاح الجيش وتعزيز عديده يبقى الخيار الاخير اقرب الى متناول اليد حالياً.

2-ان تطبيق خدمة العلم لا يعزز دور الجيش في الدفاع عن الوطن فحسب، بل يعزز دوره ايضاً في نطاق التنشئة الوطنية، وفي وضع الولاء للبنان فوق الولاء للطوائف وفوق النزعات الفئوية والتشطيرية والانقسامية. ويعزز دوره في تعويد الشباب اللبنانيين على احترام القانون ومن ثم على الحفاظ على التجربة الديمقراطية كما جاء في الكلمة التي القاها الرئيس ميشال سليمان بمناسبة عيد الجيش اللبناني. ان اخطار الاستقطابات الطائفية والفئوية تتجدد باستمرار ولكن دون ان يجد اللبنانيون وسيلة فعالة للحد منها الا الاستنجاد بالاشقاء والاصدقاء. عبر تطبيق خدمة العلم يمكن للبنانيين ان يتدبروا هم انفسهم امر هذه التحديات.

3-ان تطبيق خدمة العلم سيساعد الدولة اللبنانية على توسيع نطاق عملها على الصعيد التنموي. ففي دول عديدة طبقت خدمة العلم، يضطلع المجندون بتنفيذ برامج تنموية واسعة هذا فضلا عن دورهم في معالجة مشاكل الكوارث الطبيعية التي تحل بهذه الدول مثل الفيضانات والحرائق والزلازل.

ان هذه الحوافز والفوائد لا تبطل صواب العديد من الانتقادات التي وجهت الى قانون خدمة العلم عندما طبِّق سابقاً في لبنان فبعضها كان مصيباً وخاصة الانتقادات التي اشارت الى تسلل العصبيات الطائفية والفئوية الى المجندين حيث وقعت مشاكل محدودة في ما بينهم . ولكن من المستطاع وضع قانون جديد يأخذ بالاعتبار الصواب في هذه الانتقادات ويرسخ فوائد خدمة العلم دون عثراته.

* كاتب لبناني.

=======================

القمة السعودية - السورية في بيروت تهدّىء الأزمة لكنها لا تحلّها

الخميس, 05 أغسطس 2010

بول سالم *

الحياة

حَضّت الزيارة المشتركة لعاهل السعودية الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد الأطراف اللبنانيين على التهدئة والتعاون، لكنها عجزت عن تقديم حل للأزمة حول احتمال اتهام أعضاء في حزب الله باغتيال رئيس الوزراء السباق رفيق الحريري. إذ لم يُشر البيان الختامي إلى المحكمة الخاصة للبنان، واكتفى بحضّ كل الأطراف على احترام اتفاقي الطائف والدوحة، ونبذ استخدام العنف، والعمل من خلال لجنة الحوار الوطني وحكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات.

لكن، بعد اختتام القمة، بقيت الخلافات على حالها: فالسيد حسن نصر الله رفض في شكل استباقي المحكمة وأي قرار ظني قد يصدر عنها بصفتها مؤامرة إسرائيلية واتهم اسرائيل بالاغتيال، فيما رئيس الوزراء سعد الحريري حافظ على موقف الحكومة القاضي باحترام المحكمة، على رغم انه أبدى مرونة حيال التعاطي مع نتائجها. قد يذهب نصرالله في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة الى تصعيد الضغط على الحريري من أجل تغيير موقفه من المحكمة، في حين أن الحريري يصرّ على أن المحكمة يجب أن تأخذ مجراها، وبأنه ونصرالله وآخرون يمكنهم تقييم نتائجها في حينها والتعاطي بمسؤولية وطنية مع أي قرارات قد تصدر.

وعلى رغم أن القمة خلقت فترة من الهدوء، قد تستمر خلال شهر رمضان المبارك، إلا أن التناقضات في هذه المواقف قد تؤدي إلى استئناف التوتر في أيلول/سبتمبر ومابعده. وهي توترات يحتمل أن تبدأ على المستوى السياسي، بيد أنها قد تتطور إلى احتجاجات في الشارع وربما إلى مخاطر داخلية جدّية. وهنا يجب أن نتذكّر أن قضية اغتيال الحريري كانت وراء تحولات كبرى في السياسات اللبنانية والإقليمية منذ العام 2005، وبالتالي من غير المُحتمل أن يمر القرار الظني الذي سيتوّج خمس سنوات من التحقيقات الدولية من دون توترات.

إن القمة، وعلى رغم أنها لم تحل الأزمة، إلا أنها كانت مهمة على صعد عدة. فهي، أولاًَ، منحت الدعم لحكومة الوحدة الوطنية الراهنة ولإتفاقية الدوحة التي انجبتها. وهي، ثانياً، أكدت أن السعودية وسوريا، اللتين كانتا تخوضان حروباً بالواسطة ضد بعضهما البعض في لبنان فقط قبل سنوات قليلة، يتعاونان الآن حول الملف اللبناني. ثم ثالثاً، كانت زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في اليوم نفسه الذي عقدت فيه القمة في لبنان، إضافة إلى الدعم العلني المصري والإماراتي والتركي للزيارة المشتركة السعودية - السورية، بمثابة توكيد لنمط مُستجد من التعاون الإقليمي. لكن، ليس من الواضح بعد موقف إيران من هذه الزيارة، وما إذا كانت ستعمل طهران على التهدئة وتخفيف التوتر، أو تشجّع حزب الله على تصعيد مواقفه حيال المحكمة.

لقد منحت القمة أيضاً غطاء عربياً لتجدد الدور السوري في لبنان، وإن بفهم عربي جديد لهذا الدور الذي يفترض أن يستند إلى التعاون مع السعودية و يجب أن يهدف الى تعزيز الاستقرار بدلاً من تحبيذ فريق على آخر. وقد جاءت زيارة الأسد بعد زيارة مهمة وحميمة لسعد الحريري إلى دمشق في خضم تعاون سعودي - سوري اقليمي ضمّ العراق ايضاً. لكن، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن سوريا دعمت حزب الله خلال احداث بيروت في أيار/مايو 2008، وأن لها موقفاً مماثلاً لحزب الله حيال المحكمة الدولية الخاصة، فثمّة شكّ في ان تلتزم سوريا كليّاً بالصيغة العربية الجديدة وقد تستخدم نفوذها مرة أخرى لتحقيق مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها.

لقد ادّعت سوريا منذ العام 2005 بأن المحكمة الدولية مُسيّسة، وأبقت تعاونها معها عند الحدود الدنيا. وتشير تقارير صحافية إلى أن الرئيس الأسد حضّ الملك عبد الله في جلسة مغلقة على استخدام نفوذه لمحاولة «وقف المحكمة».

كما صرّح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأنه إذا واصلت المحكمة عملها فهذا سيهدد استقرار لبنان، و «أن من يريد استقرار لبنان، عليه تحييد المحكمة الدولية».

والآن، وبعد فترة الهدنة الراهنة، يُرجّح أن يتصاعد الضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري وعبره على السعودية. فحزب الله، وبدعم من سوريا وإيران، سيريد من الحريري أن يُغيّر موقفه من المحكمة. وإذا ما نزع الحريري والحكومة الشرعية عن المحكمة وعن القرار الظني (في حال اتهم القرار حزب الله كما يُشاع)، فإن هذا القرار لن يحظى بدعم في لبنان والعالم العربي، ولن تمضي الحكومة قُدُماً في إجراءات الاعتقال. وحينها، الاتهامات سيكون لها حينذاك التأثير نفسه كتلك التي حدثت مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي لايزال يدير الدولة السودانية ويحظى بالترحيب في العديد من العواصم العربية والإقليمية. لكن إذا ما صمد الحريري في موقفه، فإن حزب الله قادر- وعلى رغم القمة الأخيرة - أن يستخدم مروحة واسعة من الضغوط التي سبق له استخدامها لتحقيق أهداف الحزب، على غرار الضغوطات السياسية في أواخر 2006، والاعتصامات الشعبية في 2007، والمعارك المسلّحة في العام 2008.

كان سعد الحريري قد اقترح مقاربة مختلفة للأزمة، شبيهة بتلك التي عولجت بها أزمة لوكيربي مع ليببا. فيبدو أنه اقترح على نصر الله بأنه إذا ما اتهمت المحكمة الدولية اعضاء من حزب الله، فهو (الحريري) مستعدّ ان يقول ان هؤلاء عناصر غير منضبطة تعمل من تلقاء نفسها، وبالتالي تُحَل قيادة حزب الله من المسؤولية. بيد أن نصر الله رفض جملة وتفصيلاً هذه المقاربة، قائلاً أنه غير مستعد للتفاوض حول أي تسوية تكون لها علاقة بمداولات أو اتهامات المحكمة الدولية، مضيفاً أن أي مقاربة من هذا النوع تُشكّل تهديداً مباشراً للمقاومة ما سيدفعه إلى مواجهتها بقوة.

وهكذا، لا يزال الحريري وحزب الله على طرفي نقيض حول قضية المحكمة. والقمة لم تستطع تجسير الفجوة، بل وفّرت فقط بعض الوقت لتبيّن ما إذا كانت الوساطة السورية والسعودية في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة ستتمكن من بلورة تسوية ما. والواقع أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت التسوية مُمكنة أو يمكن التوصل إليها في الوقت المناسب لتجنّب نشوب أزمة. وفي حين أن حزب الله لديه أدوات معروفة للضغط الداخلي في لبنان، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت السعودية والقوى الأخرى لديها مايكفي من التأثير على سوريا لحملها على ضبط حزب الله، او حتى ما إذا كان السوريون لديهم مايكفي من النفوذ مع حزب الله لحمله على التراجع، في حال شعر هذا الأخير أن وجوده وأمنه على المحك.

ختاماً، يبدو ان الأزمة الراهنة هي تجسيد كلاسيكي للتناقض بين مبادئ الحقيقة، والعدالة، والقوة. إن حزب الله يقول إنه ماسيُقدم بوصفه حقيقة من جانب المحكمة الدولية الخاصة سيكون تزييفاً مُختلقاً بعيداً من الحقيقة. هذا في حين ان الحريري يقول أنه يُصر على كشف الحقيقة، لكنه مُستعد لتجاوز التطبيق الكامل للعدالة من أجل الاستقرار الوطني. لكن القوّة قد تكون العنصر الحاسم في نهاية المطاف.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

=======================

رجل اسمه ديفيد كاميرون... يبحث عن طريقه!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

8/5/2010

من المفيد في هذه المرحلة مراقبة تصرفات رئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون، السياسي الشاب الذي يحاول التأقلم مع التغيرات التي شهدها العالم. يدرك زعيم حزب المحافظين في بريطانيا أن عليه، في حال كان يريد إيجاد موقع لبريطانيا في هذا العالم أن يجد طريقاً خاصة به. يدرك أنه ليس مارغريت تاتشر التي كانت تملي أجندتها على الأميركيين وليس توني بلير الذي تحول إلى مروج للسياسة الأميركية، بل تابع لها لا أكثر.

ثمة تجربة سياسية مختلفة تشهدها بريطانيا هذه الأيام. للمرة الأولى منذ انسحاب مارغريت تاتشر من الحياة السياسية مطلع التسعينات من القرن الماضي، هناك رئيس للوزراء يسمي الأشياء بأسمائها. لم يتردد ديفيد كاميرون في وصف الوضع في غزة بأنه «سجن كبير» محملاً إسرائيل وحصارها الظالم للقطاع مسؤولية ذلك. لم يكتف رئيس الوزراء البريطاني، الذي كان إلى جانبه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، بالتشديد على أهمية رفع الحصار عن القطاع، بل اعتبر الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» أمراً «غير مقبول». ويرتدي كلامه في شأن غزة و«أسطول الحرية» أهمية خاصة نظراً إلى أنه قاله من تركيا التي زارها أخيراً قبل انتقاله إلى الهند. لم ينس كاميرون بالطبع أن هناك حدوداً لا يستطيع أي رئيس للوزراء في بريطانيا تجاوزها. فقد أكّد، في معرض حديثه عن «أسطول الحرية»، ضرورة ألاّ يؤثر الحادث على العلاقات الإسرائيلية - التركية، خصوصاً إذا كان مطلوباً في مرحلة ما انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

يتصرف كاميرون بطريقة مختلفة عن الذين سبقوه في موقع رئيس الوزراء البريطاني في العقود الثلاثة الأخيرة، باستثناء تاتشر طبعاً. لم يأبه بردود فعل مؤيدي إسرائيل داخل المملكة المتحدة وخارجها. ربما أراد أن يقول ان بريطانيا في عهد حكومته ليست تابعة لأحد وأن عليها أن تبحث عن مصالحها من جهة وأن تستعيد المبادرة من جهة أخرى. ولذلك توجه، بعد تركيا، إلى الهند على رأس وفد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال بحثاً عن «فرص عمل» للبريطانيين.

في الهند التي تمثل قصة نجاح سياسي واقتصادي، لم يعد في استطاعة أحد تجاهلها، تحدث كاميرون عن مشكلة كبيرة اسمها باكستان التي باتت «تصدر الإرهاب» في كل الاتجاهات، بما في ذلك بريطانيا. كان واضحاً أن تصريحاته لا تعجب المسؤولين الباكستانيين. لم يتزحزح عن مواقفه المعلنة. قال بكل بساطة أن المواطن البريطاني «لا يدفع الضرائب من أجل أن أدلى بتصريحات تنال إعجاب الآخرين». أراد كاميرون الرهان على الهند التي تمثل المستقبل... في حين باتت باكستان جزءاً من الماضي بعد تحولها إلى دولة تسير في اتجاه الفشل ولا شيء غير الفشل.

يعرف كاميرون قبل غيره أن بريطانيا تمرّ بأزمة اقتصادية عميقة وأن من بين أسباب تلك الأزمة السياسات التي اتبعها سلفاه توني بلير وغوردون براون. أدخل بلير، الذي لعب دور وزير الخارجية الفعلي للولايات المتحدة أيام جورج بوش الابن، بريطانيا في حربين، في أفغانستان والعراق، استنزفتا اقتصادها. بعد ذلك، تولى براون عبر النظام الضرائبي الجديد الذي فرضه تهجير الثروات الكبيرة من بريطانيا، إضافة إلى ضرب الفكرة التي قامت عليها السوق المالية في لندن. كانت العاصمة البريطانية تعج بالشركات المالية الكبيرة ورجال الأعمال الناجحين الذين استفادوا من القوانين الليبيرالية التي أُقرت في عهد تاتشر والتي عمل بلير على تعزيزها. بعد الاجراءات والقوانين الجديدة التي جاء بها براون ووزير الخزانة في حكومته اليستير دارلينغ، راح هؤلاء يبحثون عن مدن أخرى ينتقلون إليها مع شركاتهم. في النهاية، انّ أول ما يهم الشركات الكبيرة الاستفادة من تسهيلات مالية وقوانين ليبيرالية كما كانت عليه الحال في لندن بين العامين 1979 و2007... قبل وصول براون إلى 10 داوننينغ ستريت.

يوظف كاميرون حالياً السياسة في خدمة الاقتصاد البريطاني. همه الأول خلق فرص عمل جديدة كي يضمن ل «المحافظين» البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك بفضل دعم «حزب الأحرار الديموقراطيين» الذي يشارك في الحكومة الحالية. كلام رئيس الوزراء البريطاني عن غزة يشير إلى رغبة في اتباع سياسة خارجية مستقلة تساعد في فتح الأسواق العربية وحتى التركية أمام الشركات البريطانية. أما الكلام من الهند عن الخطر الذي تشكله باكستان على العالم، فهو لا يستهدف الاستفادة من كل ما تمثله الهند اقتصادياً فحسب، بل انه أيضاً إشارة إلى رغبة بريطانية في الخروج من المستنقع الأفغاني. تبدو رسالة كاميرون واضحة كل الوضوح. فحواها أن الحرب في أفغانستان التي دخلها توني بلير ارضاء للأميركيين لا يمكن أن تكون رابحة نظراً إلى أن باكستان تشكل الحديقة الخلفية لأفغانستان وهي المصنع الحقيقي للإرهاب والإرهابيين. هذا الإرهاب الذي مصدره باكستان يهدد بريطانيا في عقر دارها بدليل أن جميع الذين فجروا أنفسهم في قطارات لندن قبل خمسة أعوام باكستانيون تعرفوا على الأفكار المتطرفة وتأثروا بها بعد زيارتهم بلدهم الأصلي.

ولّت الأيام التي كانت فيها مارغريت تاتشر تفرض أجندتها على الإدارة الأميركية وتدفع جورج بوش الأب إلى اتخاذ موقف حازم وقاطع من غزو صدّام حسين للكويت قبل عشرين عاماً بالتمام والكمال. ولكن ولّت أيضاً الأيام التي كان فيها توني بلير ينفّذ التعليمات الأميركية من دون أي سؤال من أي نوع كان فيشارك في حرب العراق، بل يروج لها بعدما شارك في حرب أفغانستان المستمرة إلى يومنا هذا والتي تكلف الخزينة البريطانية مليارات الجنيهات الاسترلينية سنوياً.

هناك عالم جديد يجد ديفيد كاميرون أن عليه التعاطي معه. إنه عالم مختلف لا تعرف بريطانيا أين موقعها فيه؟ حتى بالنسبة إلى طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة حيث الإدارة مستاءة إلى حد كبير من التسرب النفطي الذي تسببت فيه شركة «بريتش بتروليوم». من هنا، يبدو أن على رئيس الوزراء البريطاني البحث عن سياسة خاصة به تؤدي إلى رفع اسهمه في الداخل أوّلاً. وهذا ما يفسر إلى حد ما كلامه عن غزة وعن باكستان. المسألة مسألة حياة أو موت، بالمعنى السياسي، بالنسبة إلى رجل لا يزال يبحث عن طريقه.

كاتب لبناني مقيم في لندن

=======================

لجنة التحقيق الدولية بجريمة إسرائيل..

الافتتاحية

الخميس 5-8-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

رحبت تركيا ووافقت إسرائيل..

من حق تركيا أن ترحب بلجنة دولية تشكل من قبل الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق حول ما واجهته سفن أسطول الحرية من عدوان أدى إلى استشهاد 9 مواطنين أتراك.. قتلتهم القوات الإسرائيلية.. لقد رفضت إسرائيل بشكل دائم لجنة دولية للتحقيق فيما جرى وأدى إلى مجزرة حقيقية بحق نشطاء سلام عُزل من أي سلاح.. فما السر أن توافق اليوم؟.‏

من ناحية المبدأ وبشكل عام.. لا شك في أن إسرائيل واجهت وتواجه رفضاً عالمياً كلياً لجريمتها.. حتى أميركا التي ابتلعت لسانها.. لا بل هي ساعدت إسرائيل على إخفاء ذيول الجريمة والتحلل منها.. أميركا بالتأكيد ترفض هذه الجريمة وتدينها ولو لم تعلن.. أعني أميركا الحقيقية بعيداً عن التضليل والضغوط والتسييس.‏

ولعل أكثر ما يوجع إسرائيل من تعقيد وضعها الدولي عقاباً على جريمتها هو الموقف التركي، الذي أدى إلى تراجع كبير في علاقات الكيان الصهيوني مع الجمهورية التركية، اقترب من حدود القطيعة الكاملة.‏

إذاً هي من ناحية المبدأ تخفف عبئاً دولياً عنها بقبولها المسوق إعلامياً بشكل مدروس والذي وصلها عليه أكثر من برقية شكر.. وأيضاً تأمل أن تفتح بوابة لتحسين علاقاتها مع تركيا.‏

هذا بشكل عام.. أما في التفاصيل فمن الضروري ملاحظة ما يلي:‏

تشكل اللجنة بمشاركة عضو إسرائيلي.. وهي المرة الأولى الذي يوضع عضو إسرائيلي في لجنة تحقيق بجرائم إسرائيل.. والعضو تسميه إسرائيل نفسها.. وبالتالي ستختار العضو الذي يعرف كيف يحول مهمة اللجنة الدولية إلى دوامة بلا قرار.. والأيام القادمة سترينا..‏

من جانب آخر.. فإن اللجنة ممنوع عليها أن تستدعي أياً من الضباط أو الجنود الإسرائيليين للاستجواب أو الشهادة..؟! بل هي «اللجنة» تتعامل مع تقارير لجنتي التحقيق الإسرائيليتين التي سخرت منها حتى الدوائر الإسرائيلية نفسها ورأت فيها الكثير من العيوب والنواقص.‏

إضافة لذلك فإن التحقيق الذي تزمع عليه الأمم المتحدة لن يكون جنائياً.. يعني أنه حالة وصفية لما جرى.‏

الأهم من ذلك كله «ربما» أنه.. وفق وجهة النظر الأميركية التي هبت تسوق للجنة، تلغي الحاجة لأي تحقيقات دولية أخرى!! .. وبالتالي لا يعتد إلا بما سيصدر عن هذه اللجنة بكل الاحتمالات المتوقعة.. وهذا مسعى للقضاء على مهمة لجنة تقصي الحقائق التي اعتمد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تشكيلها الشهر الماضي وأظهرت إسرائيل رفضاً للتعاون معها.‏

ما إن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن اللجنة التي وصفها بأنها «لا سابق لها».. وأحاطها بالدعاء والشكر وخصوصاً لإسرائيل لأنها «وافقت».‏

أقول:‏

ما إن أعلن الأمين العام عن نياته الطيبة هذه، حتى أصدرت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة بياناً جاء فيه: إن مشاركة إسرائيل في اللجنة يلغي الحاجة إلى إجراء تحقيقات دولية أخرى.!‏

يعني الربط الأميركي بين إلغاء الحاجات لتحقيقات دولية أخرى وهذه اللجنة ليس لتوقع أنها ستفي بالغرض.. بل لأن إسرائيل وافقت على المشاركة فيها..‏

وتكرر المندوبة الأميركية رؤيتها بضرورة إلغاء الحاجة إلى أي تحقيقات دولية متداخلة.‏

طبعاً لم تتعهد الولايات المتحدة تبني ما تصل إليه اللجنة التي لن تصدر قرارات لأنها غير جنائية.. إنما هي تريد أن تقول للعالم:‏

كفاكم محاصرة لجريمة إسرائيل.. هذا كل ما تبقى لكم..!!‏

نحن نريد تحقيقاً دولياً جنائياً صادقاً وشفافاً حول ما جرى.. وينتهي إلى قرارات فعلية تعاقب المجرم على جريمته، وتردعه عن ارتكابها في مرات أخرى.. وإلا‏

ألا تسمعون صوت الانفجارات تحدثها المدافع الإسرائيلية بقصفها للجنوب اللبناني؟!‏

وفي غزة أيضاً هل توقفت اسرائيل عن القتل والتدمير؟!‏

وماالذي يجري في «العراقيب» بالنقب.؟‏

وماذا عن التهديدات الإسرائيلية اليومية لإيران..‏

إذا كانت هناك نيات دولية للردع فيجب دعمها وليس إفراغها من محتواها.‏

=======================

ضرورة دعم حلفائنا الأفغان

سيمور توبينغ

الشرق الاوسط

8/5/2010

أعلن متحدث باسم حركة طالبان يوم الخميس الماضي أن الحركة تعكف على دراسة عشرات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية التي نشرها موقع «ويكيليكس» الأسبوع الماضي بحثا عن أسماء الأفغان الموالين لأميركا. وكما حدث في الماضي، فإن الأشخاص الذين ستحدد هويتهم ستتم إضافتهم إلى قوائم الأفراد الذين سيتم اغتيالهم أو الهجوم عليهم بمجرد أن ترحل الولايات المتحدة وحلفاءها. وهذا ما نشهده في الوقت الحالي داخل العراق، في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأميركية للانسحاب، حيث يشن المتمردون حملة لقتل أعضاء في حركة الصحوة وغيرهم ممن تعاونوا مع الولايات المتحدة.

وعلى ضوء بقاء عام واحد فقط على المواعيد النهائية لرحيل الولايات المتحدة من أفغانستان نحتاج إلى التخطيط لما سيحدث لحلفائنا بمجرد أن نرحل. ويجب علينا بالتأكيد ألا نسمح بتكرار ما حدث داخل الهند الصينية عام 1975 بعد انسحاب قواتنا العسكرية ومؤسساتنا الدبلوماسية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). ولأنه لا يوجد نص فعلي داخل الولايات المتحدة يتناول أمن أصدقائها والمتعاونين معها، تعرض ملايين من المتهمين بأنهم متعاطفون مع أميركا للقتل أو السجن، أو اضطروا للهرب بعد تولي الفيتناميين الشماليين مقاليد الأمور داخل فيتنام الجنوبية، والخمير الحمر داخل كمبوديا، وباثيت لاو داخل لاوس.

وداخل فيتنام الجنوبية، لم يتم إخلاء سوى عدد صغير من المتعاونين من خلال مروحيات البحرية إلى سفن قبالة الساحل. وبعد أسابيع، وعندما كان الفيتناميون الشماليون يحكمون سيطرتهم على الشمال، دشن لو دوان، الخليفة الماركسي المتشدد بعد هوشي منه، عملية تطهير للحلفاء الأميركيين وأرسل ما يصل إلى 400.000 شخص إلى مراكز الاعتقال.

وهرب أكثر من مليون آخرين على متن قوارب على مدار الأعوام الخمسة عشر التالية. والتقطت الولايات المتحدة البعض في البحر وأعيد توطينهم هنا. لكن، لم يدرس صناع السياسيات الأميركيون في يوم من الأيام بجد مصير الفيتناميين الجنوبيين الحلفاء.

وكانت الظروف أسوأ داخل كمبوديا. وأمر بول بوت، قائد الإبادة الجماعية في الخمير الحمر، بعمليات إعدام فورية للجنود الكمبوديين والمسؤولين الذين خدموا في حكومة لون نول التي دعمتها الولايات المتحدة. وخلال الأعوام الأربعة التالية كانت الولايات المتحدة في موقف المتفرج، بينما كان يموت ما يقدر ب1.7 مليون كمبودي في عمليات إعدام وبسبب الجوع والمعاملة عندما قام بول بوت بشبه تطهير للبلاد من «النفوذ الأجنبي».

وداخل لاوس، تركت الولايات المتحدة معظم حلفائها المخلصين، شعب تل همونغ، الذين استعملتهم وكالة الاستخبارات المركزية ليقاتلوا باثيت لاو الشيوعي، وأربكوا التدفق العسكري الفيتنامي الشمالي على امتداد خط هوشي منه، الذي امتد عبر لاوس في طريقه إلى فيتنام الجنوبية. صحيح أنه في الفترة من 2000 إلى 2005، أعطت الولايات المتحدة اللجوء السياسي إلى 15.000 من نحو 100.000 همونغي كانوا قد هربوا إلى تايلاند، لكنها لم تقم بشيء عندما قامت تايلاند بترحيل أكثر من 4000 من اللاجئين الباقين إلى لاوس الشيوعية، حيث يمكن أن يواجهوا العقاب.

ويوجد الكثير من الموازنات بين التجربة الأميركية داخل الهند الصينية واحتلال أفغانستان والعراق. وبينما كانت الولايات المتحدة تستعد إلى الانسحاب من الهند الصينية، لا سيما فيتنام، باشرت برنامج «فتنمة»، وفق تعبير الرئيس نيكسون، قامت في إطاره القوات الأميركية بتدريب جيش الحلفاء مع توفير معدات لهم كي يسيطروا على القتال.

وهذا نفس ما نقوم به داخل أفغانستان والعراق، ويجب أن يثير القلق. كانت الفتنمة تعتمد على وعد باستمرار الدعم الجوي الأميركي والمساعدات العسكرية الأخرى. لكن عندما سئم الكونغرس ضعف القيادات الحليفة واستمرت تكاليف الحرب، علقت المساعدة ليترك حلفاؤنا من دون دفاع. ويمكن أن نلاحظ توجهات مشابهة داخل الكونغرس في الوقت الحالي. ويمكن أن يكون انتقاد القيادات الحكومية داخل العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى المطالب بتخفيض الإنفاق العسكري وتسريع مواعيد الانسحاب، مؤشرا على تقليص المساعدات العسكرية والمالية بعد رحيلنا.

ويجب أن نخطط في الوقت الحالي لحماية حلفائنا في المستقبل، ويجب أن ندرس فكرة ترك قوات إضافية لضمان أمنهم. ويجب أن نرفض مناقشة تسويات سياسية مع فصائل حركة طالبان من دون ضمانات أمنية قوية لمن تعاونوا مع الولايات المتحدة. ويجب علينا البحث عن ترتيبات دولية، ربما من خلال دعم الأمم المتحدة، لضمان انتقال سياسي سلمي.

وإذا اقتضت الحاجة، يجب علينا منح اللجوء السياسي إلى أي شخص معرض للخطر بصورة مباشرة بسبب تعاونه معنا، فبعد الدخول في حروب وحشية داخل دولهم من أجل حماية مصالحنا، فهذا أقل ما ندين به لهم.

* أستاذ الصحافة المتفرغ داخل كولومبيا

والمراسل السابق ل«نيويورك تايمز»

=======================

مابين فلسطين الشرقية وفلسطين الغربية ومطلب "المحادثات ال...نهائية"

إيلاف 3/8/2010

نوال السباعي

لفتت نظري تلك الحركة الاستثنائية التي أتى بها السيد عمرو موسى ، عندما رفع أصبعه متوعداً أو مهدداً أو أي شيء آخر لم أفهمه ، قائلا عن قرارات لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية: "هذه ستكون المحادثات النهائية".. ثمّ مؤكداً :"النهائية" !!، لفتت نظري هذه الإشارة من السيد رئيس الجامعة العربية ، كما لفت نظري مثل الملايين في الشارع العربي الطريقة التي أرادت فيها لجنة المتابعة التخلص من هذا الموضوع الذي يبدو شائكا ًإلى أبعد الحدود بين الوضع العربي الخانق ، والضغوط الأمريكية ، والتعنت الإسرائيلي ، ومايعيشه الشعب الفلسطيني المسحوق خاصة في غزة والقدس في إطار الانشطار الفلسطيني الراهن مابين "فلسطين الشرقية" التي يحكمها رئيس مُنتهِ الولاية ، و"فلسطين الغربية" التي تُسير أمورها حكومة مقالة.!!.

لقد وجد "العرب " أنفسهم في موقف لايُحسدون عليه ، ولايستطيعون معه فعل شيء سوى الاعتراف بالواقع المرير الذي تمر به المنطقة العربية وعلى كل المستويات ، خاصة بعد أن أعيت المسؤولين السعوديين والقطريين والمصريين ، الجهود المضنية لرأب الصدع الفلسطيني ، ومحاولات وقف هذا الانهيار الكبير والخطير ، ومنع الوصول إلى الجدار المصمت ، الذي أصبحت القضية اليوم في مواجهته عزلاء عارية ، إلا من حقائقها العربية ، وعلى رأس هذه الحقائق طبيعة الوضع الفكري والاجتماعي والإنساني العربي ، الغارق في الشقاق والنفاق والتدابر بين أبناء الجسد الواحد ، العاجزين حتى عن الارتفاع إلى مستوى قضيتهم المصيرية ، قضيتك وقضيتي ...قضيتنا!.

لايمكنك أن تجري أي حوار حول الوضع الفلسطيني على أي مستوى كان ، دون أن تأخذ بعين الاعتبار انتماء محدثيك ، وإلا لأمكنك أن تصبح ضحية ذلك الحوار ! ، الفتحاويون لايريدون أن يسمعوا بشيء اسمه حماس ولاحكومة غزة التي فازت في انتخابات نزيهة معترف بها ، وعلى الرغم من ذلك فإن منهم من لم يُسلم إخوانه من حماس في المحافل الدولية ، ولم يرضخ لسطوة إسرائيل التي أرغمت دول الاتحاد الأوربي على اعتبارها منظمة إرهابية ، وتعاملت مع هذا الموضوع من هذا المنظار الضيق العنصري الإقصائي ، ضاربة عرض الحائظ حقيقة كون "حماس" منظمة جهادية ، بمعنى مكافحة المحتل المستوطن الغازي ، وباعتبار الكفاح ضد المستعمر حقا مشروعا لكل شعوب الأرض . أما الحمساويون بدورهم فقد صبّوا جام غضبهم على الفتحاويين ، وكأنهم هم الأعداء من دون إسرائيل ، ولم يفهموا طبيعة المرحلة الحرجة والخطيرة ، وانغلقوا على أنفسهم في غزة ، كشرنقة كنّا ننتظر أن تنشق عن فراشة زاهية الألوان تطير مبشرة بوعي استثنائي بملابسات الواقع والظروف الإقليمية والعالمية ، وعي يستعلي على الكراسي والحكم والسلطة ، إن نزاهة الحكومة "الشرعية" المقالة ، وتدين مسؤولييها ، وأداء رئيسها السيد هنية لخطبة الجمعة ، لايمنح هذه الحكومة مشروعية استمرارها بما تقوم به من انفصال حقيقي واقعي لأول مرة في التاريخ على أرض الواقع الفلسطيني البئيس ، وإن استتباب الأمن وانخفاض مستوى الجريمة لايعني أن الخلافة الإسلامية قد أقيمت من مدينة غزة !!،وبالمقابل فإن الدعم الدولي والأمريكي والعربي والإسرائيلي لحكومة السيد عباس على الرغم من كل التجاوزات والخطوط الحمراء ، لاتمنحه الشرعية الكافية ليُقوض كل منجزات منظمة التحرير الفلسطينية ، وليعيد القضية إلى حضنه الخاص بعد أن بُذلت الدماء الغاليات أثناء الانتقاضة لإعادتها إلى مشروعيتها الفلسطينية الوطنية ، وإلى محضنها العربي الطبيعي ، وإلى بعدها الإسلامي المنطقي التاريخي.

 

 إننا أمام مشهد فلسطيني مرعب ، مشهد يعبر عن حالة عربية فضائحية ، في زمن عربي أعور ، عجز فيه أبناء القضية أنفسهم عن الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تعيشها المنطقة اليوم ، مما ترك الأنظمة العربية في حالة عجز عن استيعاب ملابسات هذا الوضع الذي تمخض عن ترسيخ الانفصال ، رحم الله الشيخ أحمد ياسين ورحم الله ياسر عرفات اللذان شكلا معاً صمام أمان على فوهة "طنجرة البخار " التي تنفجر بنا اليوم بمثل هذا التشظي ، الذي يبدو منه للعيان جزآن ، شرقي.. وغربي، ولكنك وتحت مجهر عادي تكتشف فيه ألف شظية وشظية!!.

إن القضية ماعادت هي قضية فلسطين ، ولعلها لم تكن قضية فلسطين أصلا ، إنها قضية أمة أو وعلى وجه الدقة قضية منطقة تبحث عن هويتها ، مابين إسلاميين وقوميين ، مابين فاسدين و مصلحين ، مابين شهداء مخلصين وخونة مارقين ، إنها أقسى حالات التطرف ، عندما يصل الطرفان – من الإخوة الأشقاء- إلى الجدار ، لاحوار ولاأنصاف حلول ، كل شيء يبدو أبيضا أو أسودا ، كل شيء يبدو شيطانيا أو ملائكيا! ، وفي السياسة كما في الحياة ، لاوجود للأبيض والأسود ، ولا لكلمتي "لا" و " غير ممكن" ، لأن السياسة كما الحياة هي فن الممكن ، وطالما بقي الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم بهذه الطريقة المأسوية "الإجرامية" ، فإنهم قد أعلنوا للعرب وللمسلمين وللعالم من حولهم أنهم هم أول من تخلى عن القضية لصالح الكرسي .

إن هذا الوضع الفلسطيني الذي يمثل الوضع العربي الحقيقي على الأرض ، أدى أول ماأدى إلى نسف كل منجزات المقاومة الفلسطينية بتاريخها الهائل سابقا وحاضرا ، إن فلسطين لم تكن بحاجة إلى دويلة مصطنعة لامكان لها ولافعل إلا في ضميرعالم يؤلمه ماصنعه في أرضنا ، كما أنها لم تكن بحاجة إلى دويلة "دينية" تفرض الحجاب بالقوة وتقطع أيدي السارقين وتشنق الخونة والجواسيس، وتمنع النساء –فقط- من تناول النرجيلة على شاطيء البحر حفظا للأخلاق والتقاليد!! ، ولكنها كانت ومازالت في حاجة ماسة إلى شعب معافى في إنسانيته ، صامد في إرادته ، متماسك على الرغم من الجراح والآلام ، مدعوم بمنطقة عربية تقف وراءه صفا كأنها بنيان مرصوص ، راسخ الانتماء إلى الأمة الإسلامية التي يجب عليها أن تمده بالمصداقية والثبات ، وهذا لن يكون قط من خلال هذه المهاترات الانفصالية وهذه السلوكيات الطفولية في عالم بلغ سن الكهولة منذ قرون!.

مضحكة تبدو عبارة "المحادثات النهائية" هذه التي وردت على لسان السيد موسى ، محادثات مباشرة بين الفلسطينين وإسرائيل ! ، عن أي فلسطينيين نتكلم ، عن فلسطينيي "فلسطين الغربية" ، أم عن فلسطينيي "فلسطين الشرقية" ؟!، وكيف ستكون هذه المحادثات نهائية مادامت قضية اللاجئين معلقة ، ومادامت إسرائيل تقوم حتى ساعة كتابة هذه السطور بكشح واقتلاع وطرد واستئصال المقدسيين من بيوتهم التي يعيشون فيها تحت تهديد المستوطنين وعفن القاذورات واستحالة الترميم ؟ .

أظن أن الجامعة العربية لم يكن أمامها إلا هذا المخرج ، الوحيد في مواجهة الوضع المخزي على هامش انفجار مرتقب في لبنان يحاول الجميع الحيلولة دونه ، وأمام أيام رهيبة تعيشها العراق مع إرهاصات انسحاب أمريكي ستكون آثاره أشد هولا ودمارا من آثار الغزو في حينه!! ، لم يكن أمام الجامعة العربية من مخرج إلا أن تتجاوب مع مطالب أوباما "الصديق " في تطلعاته إلى حلّ القضية "نهائيا" !! ، والتي لم يستطع أي من الرؤساء الأمريكيين السابقين حلها ، لأنهم لم يفقهوا طبيعة المعركة ، معركة لم تبدأ بالأمس ، ولن تنتهي غدا ، لأنها تتعلق بالقدس ، والإنسان .

 ولأن القدس لاتجد اليوم من يدافع عنها أو من يمتلك أوراقا للضغط في المفاوضات مباشرة كانت أم غير مباشرة ، كما أنها لن تجد – على أحسن الافتراضات- من يمكنه أو يتجرأ على أن يتخلى عنها جهارا نهارا !، ولأن الإنسان في المنطقة العربية اليوم لايمتلك حريته ولاكرامته ، فإن المعركة مستمرة ، ولن تكون هذه الجولة نهائية قطعاً ، وإن كنا نبدو اليوم – وأقول نبدو- وكأننا خسرنا هذه الحرب.

=========================

العلاقات العربية الإيرانية:

معوقات التعاون ومحفزات الصراع...إلى أين المسار؟

خالد الحروب

مراجعة: هشام العدم

المصدر: قنطرة 4/8/2010

يلقي الإعلامي البارز خالد الحروب في هذه المقالة نظرة على أهم معوقات قيام علاقات وصيغ تعاون إقليمي وروابط جوار عربية إيرانية التي تحكمها في الأساس السياسيات الإيرانية في المنطقة وطموحاتها فيها وما يقابلها من توجس عربي إزاء هذه التوجهات والمشروعات.

 

تفيدنا التجربة التاريخية المعاصرة بأن المنظومات والكتل الإقليمية تنشأ إما لتعزيز التعاون أو تخفيض مستويات المخاطر والتهديدات أو لكليهما معاً. وليست ثمة حاجة ملحة هنا لإثبات أطروحة تحقيق المصالح التي تعود على الدول المنخرطة في أشكال التعاون الإقليمي المختلفة، فهذا أمر متفق عليه. ولكن من المفيد الإشارة إلى بعض الملاحظات ذات الدلالة الخاصة، والتي قد تلقي بعض الضوء على الحالة العربية وجوارها، وخاصة الإيراني. في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية يُنظر دوماً إلى الاتحاد الأوروبي والصيغ التي تطور عبرها على مدار أزيد من ستين سنة على أنه النموذج الأكثر نجاحاً والأكثف غنى بالتجربة والدروس المُستفادة.

 

وفي كل حالة من حالات التكتل الإقليمي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هناك دوماً تمثل واستئناس بالنموذج الأوروبي الذي أثبت نجاحاً كبيراً. وجوهر التحدي الذي يواجه المشروعات الاتحادية والتعاونية يكمن في كيفية ترويض المصالح المختلفة والمتناقضة للدول والوصول إلى صيغ مشتركة، تأخذ في التوسع التدريجي على حساب المصالح المتناقضة، وكل ذلك في ظل التقديس الدولي والنخبوي المدهش والصلد لفكرة السيادة وعدم التنازل عنها لأية صيغة من الصيغ.

 

عوامل نجاح النموذج الأوروبي

في الحالة الأوروبية هناك دوافع عديدة وراء تطور ونجاح صيغتها الاتحادية، بعضها خاص بالسياق الأوروبي والتجربة التاريخية التي مرت بها القارة، وبضعها الآخر عام يمكن أن يُستفاد منه ويتكرر في مناطق أخرى. وأول وأهم الدوافع التي ضغطت على الأوروبيين والأميركيين لإقامة تكتل أوروبي قوي كان الخوف الغربي العام من الاتحاد السوفييتي الصاعد ونموذجه الاشتراكي الجذاب. وتلي ذلك الحاجة الماسة إلى بناء سوق كبير يستوعب إنتاجات الرأسمال الأميركي. ومن تلك الدوافع أيضاً، وهو الأمر الذي يهمنا التوقف عنده هنا، مسألة ضرورة احتواء ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وقطع الطريق على أية إمكانية لعودة التوجهات النازية التوسعية التي ترى في الجوار الأوروبي ساحات معارك وغزو، ليس إلا.

على أن احتواء ألمانيا لم يكن رغبة خارجية فحسب، أي عند الأطراف الأوروبية أولاً، والأميركيين ثانيّاً. بل لقد سيطرت تلك الرغبة، بقوة كبيرة، على النخب الألمانية نفسها التي رأت كيف قاد الطموح النازي والجنون الهتلري إلى تحطيم ألمانيا ودمارها. وكانت نخب ألمانيا ما بعد الهزيمة تريد من العالم الخارجي أن يُساعدها على أن تدجن نفسها، وعلى إعادة تأهيل البلد نحو مستقبل مختلف، سلامي غير عسكرتاري، متصالح مع جواره وليس مستعديّاً له. وبشكل من الأشكال، وعلى رغم التبسيط الذي قد يبدو مخلاً، أرادت ألمانيا ما بعد الحرب أن تصرف كل طاقتها القادمة في مشروع الوحدة الأوروبية، حتى لا يتم تفريغ تلك الطاقة في مشروع حربي متجدد مع أوروبا. ونعلم جميعاً كيف أن ذلك التفكير وما انبنى عليه من سياسات جعل من ألمانيا في سنوات لاحقة حجر الزاوية في مشروع الاتحاد الأوروبي، والراعية الرئيسة له. فقد أصبحت ألمانيا مثقلة بمسؤوليات قيادة القارة، بعد أن كانت مثقلة بشهوات شن الحرب عليها.

وفي الوقت نفسه كانت هناك عوامل مهمة ساعد غيابها على نجاح مشروع الاتحاد الأوروبي، وأحد أهم العوامل هنا كان غياب أية أيديولوجيات بينية متناقضة داخل البيت الأوروبي. وكانت هناك بطبيعة الحال الأيديولوجية الرأسمالية التي خاضت حربها العقائدية ضد الاشتراكية، ولكنها كانت خياراً أيديولوجيّاً متوافقاً عليه أوروبيّاً وغربيّاً. ولم تتبن الدول الأوروبية القيادية، بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا وخلفها الولايات المتحدة، أيديولوجيات حادة مختلفة تكاد واحدتها تنزع الشرعية عن وجود الشركاء الآخرين. ومعنى ذلك، واستفادة من التجربة الأوروبية، يمكن أن نقول إن نجاح التكتل الإقليمي يحتاج إلى درجة عالية من تكاثف العوامل والدوافع الضاغطة على الأطراف المرشحة للانخراط فيه وتحقيقه: خطر مشترك خارجي، مصالح داخلية لا تتحقق إلا به، لجم نزوات التوسع لدى البعض، وجود نواة أولية صلبة من الدول التي تشكل قاعدة ذلك التكتل، وتوفر انسجام أيديولوجي عام أو على الأقل انتفاء التناقضات الأيديولوجية الحادة، وهكذا.

 

حالة النظام العربي

وفي حالة النظام العربي وجواره تبرز إيران بكونها الطرف الأهم الذي يستدعي النقاش والتفكير واجتراح الصيغ المختلفة. وهنا وبالتأمل في وجود أو غياب الأسس الأولية للشراكة الإقليمية ندرك صعوبة تحقيق صيغة تعاونية حقيقية ومعقولة. يمكن بطبيعة الحال صوغ شكل فوق تحاوري واسمي، ولكن من ناحية جوهرية هناك افتراقات حادة وكبيرة. ففي علاقة إيران مع العرب هناك عمليّاً ندرة للأرضيات المشتركة، ووفرة في الشكوك المتبادلة، وهو تقرير واقع مُشاهد من قبل الجميع. ومن المفيد التوقف هنا، وفيما خص احتمالات تطور صيغ إقليمية عربية- إيرانية، عند مسألتي استمرار أو كبح السياسة التوسعية، والحمولة الأيديولوجية للمشروع الإيراني.

إن إيران الحالية ترى نفسها ومستقبلها كقوة عظمى، وهي تريد من الآخرين القبول بهذا الطموح. وفي الجوار العربي يتمثل هذا الطموح على شكل سياسات متنوعة، بعضها احتلالي كما هو الحال في مواصلة احتلال الجزر الإماراتية، وبعضها توسعي استراتيجي في النفوذ، كما هو الحال في دعم "حزب الله" و"حماس"، وبعضها آخر استراتيجي وسياسي وأمني كحال النفوذ الإيراني في العراق، وبعضها ديني عقائدي كما هو الحال في محاولة التأثير في الشيعة العرب في المنطقة وتحويل ولائهم. وكل هذه التعبيرات والتطلعات نحو الخارج هي تمظهر لاندفاعات أيديولوجية تقلق الجوار العربي الرسمي، الذي يتضاعف قلقه بسبب مستويات من التلقي للاندفاعات الأيديولوجية الإيرانية. ونعرف أن ذلك قائم في معظمه على خلفية فشل العرب أنفسهم وبعض أنظمتهم في التعبير عن مصالح شعوبهم والدفاع عنها بما قد يدفع بعض تلك الشعوب للتطلع نحو أطراف خارجية ضد الغطرسة الإسرائيلية تحديداً، وهنا تبرز إيران وتركيا.

والجانب الآخر المتعلق باندفاعات إيران الأيديولوجية هو أنها هي نفسها، وخاصة الرسمية، لا تستشعر ضرورة كبح جماح نفسها. ومعنى ذلك أن قيام علاقات وصيغ تعاون إقليمي وروابط جوار عربية- إيرانية، وبعيداً عن التفكير الرغبوي، يفتقد الشروط الأساسية البنيوية. وظروف وطبيعة السياسة الإيرانية الحالية، وضعف القوى المحلية التي قد تعي ضرورة صوغ منظومة إقليمية تكبح الاندفاعات المؤدلجة، تدفع نحو اتجاهات تعاونية، كل ذلك يضعف من احتمالات تطور صيغ تعاون إقليمي سياسي بين العرب وإيران.

======================

قراءة في مستقبل حزب الله اللبناني: سيناريوهات الحرب والسلام

بول سالم

بول سالم: مدير مركز كارنيغي في الشرق الأوسط ببيروت.

المصدر: بروجيكت سنديكيت/ 2010.

نقلاً عن موقع قنطرة

يُتوقع أن توجه المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري اتهامات إلى عناصر من حزب الله بتورطهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الحريري وهو من شأنه أن يطرح تساؤلات حول شرعية هذا الحزب ومصداقيته. بيد أن حزب الله من غير المرجح أن يتخلى عن سلطته من دون قتال وفق ما يراه بول سالم، مدير مركز كارنيغي في الشرق الأوسط ببيروت.

 

لم يكن مستقبل حزب الله، المنظمة السياسية شبه العسكرية الشيعية القوية في لبنان، في أي وقت مضى أكثر غموضاً مما أصبح عليه الآن. ونظراً للتوتر المتصاعد مع إسرائيل واحتمالات توجيه اتهامات إلى بعض الناشطين من أعضاء الحزب من قِبَل المحكمة الدولية التي تتولى التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فإن الأمر يبدو الآن وكأن حزب الله أصبح مطوقاً من كل جانب.

 

والسؤال الأكثر إلحاحاً هنا يتعلق باحتمالات نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله، فقد تصاعدت المخاوف في هذا السياق طيلة القسم الأعظم من هذا العام، وتغذت هذه المخاوف على تقارير عن نقل صواريخ جديدة إلى حزب الله والتهديدات المتقطعة من جانب إسرائيل. ويزعم هؤلاء الذين يتوقعون نشوب الحرب أن إسرائيل غير مستعدة للتسامح مع وكيلة إيران المدججة بالسلاح على حدودها في حين لا تزال التوترات المرتبطة بالقضية النووية مع إيران بلا حل.

 

حرب قادمة؟

ورغم أن الحرب من غير المرجح أن تندلع في الأشهر المقبلة، فقد تشعر إسرائيل بالحاجة إلى التحرك إذا لم تسفر العقوبات المفروضة على إيران عن نتائج ملموسة في وقت مبكر من عام 2011. وإذا وجهت إسرائيل ضربات عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن ينضم حزب الله إلى المعمعة، وهذا يعني اضطرار إسرائيل إلى الاشتباك مع حزب الله في الوقت عينه. وقد تلجأ إسرائيل بدلاً من هذا إلى شن حرب وقائية ضد حزب الله من أجل حرمان إيران من القدرة على توجيه ضربة انتقامية في مكان قريب.

 

 يستعد بشكل مكثف لمثل هذه السيناريوهات، ببناء الدفاعات، وحفر الخنادق، وتجميع ترسانة صاروخية قوية. ولكن رغم أن استعدادات حزب الله من المرجح أن تساعدها في ضمان بقائها، فسوف يجد الحزب صعوبة شديدة في تبرير هذه الاستراتيجية التي أدت إلى حربين مدمرتين في غضون خمسة أعوام للرأي العام في لبنان.

وفي لعبة النهاية في حرب كهذه فقد تطالب البلدان العربية والمجتمع الدولي سوريا بتحمل قدر أعظم من المسؤولية في لبنان، من أجل احتواء حزب الله وقدراته العسكرية.

 

فضلاً عن ذلك فإن نجاح السلام في منع الانزلاق إلى الحرب من شأنه أن يضع حزب الله أمام مشكلة أخرى. ورغم أن إحراز تقدم حقيقي في عملية السلام العربية الإسرائيلية يبدو من غير المرجح في الوقت الحالي، فإن مبعوث الولايات المتحدة جورج ميتشل ما زال يتحدث عن السلام العربي الإسرائيلي باعتباره احتمالاً واضحاً في عام 2011. وتشير بعض المصادر من داخل الإدارة الأميركية إلى أن الرئيس باراك أوباما قد يعلن عن الخطوط العريضة لتسوية عربية إسرائيلية في وقت لاحق من هذا العام.

 

الحرب والسلام

ويشكل الاتفاق بين سوريا وإسرائيل عنصراً رئيسياً في كل السيناريوهات المقترحة للسلام بين العرب وإسرائيل. ففي مقابل إعادة مرتفعات الجولان المحتلة سوف تصر إسرائيل والولايات المتحدة على نزع سلاح حزب الله. وقد تعهدت الدول العربية في إطار خطة السلام العربية التي أعلنت في بيروت في عام 2002 بضمان أمن "كل بلدان المنطقة"  وهي عبارة رمزية تشير إلى التعامل مع التهديد من جانب حزب الله وحماس، على اعتبار إسرائيل جزءاً من المنطقة.

 

ومع استمرار حزب الله وإيران في الزعم بأن إسرائيل لن تعيد مرتفعات الجولان ولن تسمح بظهور دولة فلسطينية، ورغم أن هذا الزعم قد يكون مبرراً، فلا يجوز لنا أن نستبعد إمكانية السلام. وإذا كانت الغلبة للسلام فإن سوريا سوف تدفع لبنان إلى عقد معاهدة سلام مع إسرائيل وتضغط على حزب الله لحمله على التكيف مع الحقائق الجديدة. ونظراً للشعبية التي يتمتع بها حزب الله بين الشيعة في لبنان، فمن الممكن أن يستمر كحزب سياسي مؤثر، ولكن سوف يكون لزاماً عليه أن يتخلى عن دوره كقوة وكيلة رئيسية للحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك فإن حزب الله يواجه أيضاً متاعب سياسية شديدة. فعلى الرغم من غياب أي إعلان رسمي، هناك تقارير تشير إلى أن دانييل بيلمار، المدعي العام للمحكمة المختصة بلبنان، قد يختتم تحقيقاته ويصدر الاتهامات في خريف هذا العام.

 

تجريد حزب الله من السلاح

في خطاب ألقاه في السادس عشر من يوليو/تموز اعترف زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله بوجود شائعات تشير إلى أن المحكمة قد توجه الاتهامات إلى بعض أعضاء حزب الله، ولكنه أكد أن المحكمة تشكل جزءاً من مخطط إسرائيلي لتقويض المقاومة الإسلامية في لبنان، وعلى هذا فهي مجردة من المصداقية. كما زعم أن الاتهامات ربما تستند إلى سجلات مكالمات أجريت على هواتف محمولة، وأن عملاء إسرائيليين نجحوا في اختراق شبكة الهاتف المحمول اللبنانية. والواقع أن السلطات اللبنانية اعتقلت مؤخراً أحد كبار المسؤولين في واحدة من شركتي الهاتف المحمول في البلاد، زاعمة أنه عميل لإسرائيل.

 

وبوصف المحكمة بأنها جزء من مخطط إسرائيلي، يكون نصر الله قد وجه تحذيراً إلى الحكومة والأحزاب الأخرى في لبنان من التعاون معها أو قبول أحكامها. ولقد ذَكَّر مستمعيه باقتتال الشوارع الذي دار في بيروت في شهر مايو/أيار من عام 2008، وأوضح أن حزب الله لن يتورع عن خوض قتال آخر إذا لزم الأمر.

 

وفي حين حاول حزب الله إقناع اللبنانيين بأن تواجده يساعد في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، فإن التطورات الإقليمية والدولية تشير إلى أن حزب الله يواجه تحديات متصاعدة. ورغم أن المستقبل لا يبدو مشرقاً بالنسبة لحزب الله، فمن غير

المرجح أن يتخلى عن سلطته من دون قتال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ